الوقف والابتداء وأثرهما في المعاني القرآنية - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 12547 - عددالزوار : 216156 )           »          معارج البيان القرآني ـــــــــــــ متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 10 - عددالزوار : 7834 )           »          انشودة يا أهل غزة كبروا لفريق الوعد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 62 )           »          حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4421 - عددالزوار : 859715 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3953 - عددالزوار : 394059 )           »          مشكلات أخي المصاب بالفصام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 88 )           »          المكملات الغذائية وإبر العضلات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 66 )           »          أنا متعلق بشخص خارج إرادتي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 64 )           »          مشكلة كثرة الخوف من الموت والتفكير به (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 69 )           »          أعاني من الاكتئاب والقلق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 62 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 22-03-2019, 04:46 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,074
الدولة : Egypt
افتراضي الوقف والابتداء وأثرهما في المعاني القرآنية

الوقف والابتداء


وأثرهما في المعاني القرآنية




د.سعيد بن راشد الصوافي[(*)]



ملخص البحث

لما للوقف والابتداء في القرآن الكريم من أهمية بالغة في بيان المعاني القرآنية؛ فإن هذه الدراسة الموسومة بــ(الوقف والابتداء وأثرهما في المعاني القرآنية) تعني بتبيان هذا الموضوع وتسهيله وتقريبه إلى أذهان مختلف الشرائح، موضحة أثر الوقف والابتداء في المعاني القرآنية. وقد تضمنت هذه الدراسة: مقدمة حوت أهمية الموضوع، ثم يأتي المبحث الأول متضمناً نبذة مختصرة عن أهمية معرفة الوقف والابتداء بالنسبة لقارئ القرآن الكريم، وتوضيح بعض المصطلحات المهمة في هذا الباب، ثم بيان أقسام الوقف والابتداء.

أما المبحث الثاني: فقد تعرض للحديث عن تأثر الوقف والابتداء بعلوم مختلفة، مثل: اللغة والتفسير والقراءات.
والمبحث الثالث: يوضح تأثر المعاني القرآنية بالوقف والابتداء إن كانا غير سليمين، وأخيراً تعرض.

المبحث الرابع: لنماذج توضح اختلاف المصاحف في علامات الوقف والابتداء ونماذج لمدى توظيف المفسرين الوقف والابتداء في تفسيرهم للقرآن الكريم.
وأخيراً تأتي الخاتمة فتحمل في طياتها بعض الرؤى والاستنتاجات والتوصيات.
وقد خلصت هذه الدراسة إلى نتائج طيبة، من أهمها:

1-أن المعرفة بقواعد الوقف والابتداء تعين تالي القرآن الكريم على المواضع الصحيحة للوقف والابتداء، مما يؤدي إلى بيان المعاني السليمة الصحيحة للآيات القرآنية، وعلى العكس من ذلك؛ فإن عدم المعرفة بالوقف والابتداء؛ تجعل تالي القرآن الكريم يتخبط في وقفه وابتدائه، ويقع في محاذير كثيرة، قد تخل بالمعاني القرآنية.
2-هناك أمور تؤثر على الوقف الابتداء: كاللغة والتفسير والقراءات، فيكون الوقف والابتداء تبعاً لهذه الأمور، وهذا إنما يتأتى بمعرفة هذه العلوم والدراية بها.
3-الوقف والابتداء يتوقف عليهما بيان المعاني القرآنية، وقد يتأثر المعنى القرآني بأنواع من الوقف والابتداء غير السليمين.
المقدمة

الحمد لله القائل {وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلاً}[الإسراء:106]، والصلاة والسلام على من أمره ربه فقال له:{وَرَتِّلْ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً}[المزمل:4]، صلوات الله وسلامه عليه وآله، وعلى صحابته الأبرار وعلى كل من اهتدى بهديهم إلى يوم الدين.
أما بعد: فإن القرآن الكريم هو كتاب الله تعالى الخالد، ودستوره النير، وآيته الباقية أبد الدهر {كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ}[فصلت:3]، فيه بيان كل ما يحتاجه الفرد في حياته، وتبيان كل ما يهمه بعد مماته، لذلك أنزله الله عز وجل كتاباً مباركاً للتدبر والتذكر {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ}[ص:29]، كما جعله سبحانه ميسراً للذكر {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ}[القمر:17]، 22، 23، 40. ولما كان فهم هذا الكتاب العزيز يتوقف على بيان معانيه؛ فإن مرد ذلك كله إلى الوقف والابتداء الصائبين، فبهما تتبين المعاني، وتتضح مسالك المباني، فلربما وقف قارئ على كلمة تقلب المعنى رأساً على عقب، وكذلك الابتداء.
يقول الهذلي (ت:465هــ) في الكامل: ((من لم يعرف الوقف لم يعلم ما يقرأ))[(1)].
ومن هذا المنطلق اتجهت همم العلماء وتضافرت جهودهم في العناية ببيان موضوع الوقف والابتداء؛ لأهميته البالغة لقارئ القرآن الكريم، وألفوا في ذلك مؤلفات كثيرة، تعني ببيانه وتوضيحه، ومع عناية سلفنا الصالح بهذا الموضوع، فإن مما يؤسف له جداً: أن نرى فئة غير قليلة ممن يقرؤون القرآن الكريم؛ لاسيما بعض المقرئين الذين نستمع لهم عبر وسائل الإعلام المختلفة، وأئمة المساجد، لا يأبهون بهذا الأمر، ولا يعطون هذا الموضوع أهميته؛ مما يجعلهم يقعون في أخطاء جسيمة، وأغلاط فادحة؛ بسبب عدم درايتهم وقلة اهتمامهم بالموضوع.
ورغم أن هذا الموضوع أعطي حقه من التحقيق والتأليف قديماً من قبل جهابذة هذا الفن، إلا أن الأمر يبقى صعب المنال في فهمه للعامة.
لذا رأيت من الأهمية بمكان أن أقوم بتبيان هذا الموضوع، وتسهيله وتقريبه إلى أذهان مختلف الشرائح، موضحاً أثر الوقف والابتداء في المعاني القرآنية، ووسمته بــ(الوقف والابتداء وأثرهما في المعاني القرآنية)، ومن المأمول أن يجيب هذا البحث عن التساؤلات الآتية:
-ما مدى أهمية الوقف والابتداء لتالي القرآن الكريم؟
-هل للوقف والابتداء تأثير في المعاني القرآنية؟
-كيف يؤثر الوقف والابتداء على المعاني القرآنية؟
وقد قسمت الموضوع إلى: مقدمة وأربعة مباحث وخاتمة.
فالمقدمة: حوت أهمية الموضوع، وخطة الدراسة والمنهجية.
ثم يأتي المبحث الأول بعنوان: الوقف والابتداء: أهميته وأقسامه، وتضمن نبذة مختصرة عن أهمية معرفة الوقف والابتداء بالنسبة لقارئ القرآن الكريم، وتوضيح بعض المصطلحات المهمة في هذا الباب، ثم بيان أقسام الوقف والابتداء.
أما المبحث الثاني: فقد كان بعنوان: تأثر الوقف بعلوم مختلفة: وتعرض للحديث عن تأثر الوقف والابتداء بعلوم مختلفة: مثل اللغة والتفسير والقراءات.
والمبحث الثالث كان بعنوان: أثر الوقف والابتداء على المعاني القرآنية: وقد وضح تأثر المعاني القرآنية بالوقف والابتداء إن كانا غير سليمين.
والمبحث الرابع حمل عنوان: نماذج تطبيقية للوقف والابتداء، عرض بعض النماذج لاختلاف الوقف والابتداء حسب طبعات المصحف الشريف، ونماذج أخرى لتوظيف المفسرين للوقف والابتداء في تفسير القرآن الكريم.
وأخيراً تأتي الخاتمة فتحمل في طياتها ما توصل إليه الباحث من استنتاجات وتوصيات.
أما المنهجية المتبعة في هذا البحث: فقد اعتمد الباحث المنهج الاستقرائي، ثم المنهج التحليلي؛ حيث عمد الباحث إلى تحليل المادة العلمية المستقراة، فظهر التمثيل ببعض الآيات القرآنية الكريمة في البحث، مع تحليل لكلام أهل الفن في الموضوع، والذي هو المحور الأساس في دراسة الوقف والابتداء في القرآن الكريم، ومن ثم كان التمثيل لبعض المواضع الصحيحة في الوقف والابتداء بحسب ما يقتضيه السياق من المعاني المرادة من قبل الله تعالى، وبيان لبعض المواضع غير الصحيحة في الوقف والابتداء، وكيف تأثرت بها المعاني القرآنية.
كما أن منهجية البحث ابتعدت عن التعقيد والاستطراد؛ قصداً إلى تيسير الموضوع؛ ليتمكن من الإفادة منه مختلف شرائح الدارسين والباحثين.
المبحث الأول

الوقف والابتداء: أهميتهما وأقسامهما


المطلب الأول: أهمية الوقف والابتداء

موضوع الوقف والابتداء من أهم أحكام التجويد التي ينبغي لقارئ القرآن الكريم أن يهتم بها ويتعلمها ويتقنها، فهو فن جليل، ومطلب سام جميل، به يعرف قارئ القرآن الكريم كيفية الأداء، وبإتقانه يستطيع الإتيان بالمعنى المراد، قال ابن الأنباري (ت:328هــ): ((من تمام معرفة القرآن: معرفة الوقف والابتداء؛ إذ لا يتأتى لأحد معرفة معاني القرآن إلا بمعرفة الفواصل، فهذا أدل دليل على وجوب تعلمه وتعليمه))[(1)]، وقال السخاوي (ت:643هــ): ((ففي معرفة الوقف والابتداء الذي دونه العلماء: تبيين معاني القرآن العظيم، وتعريف مقاصده، وإظهار فوائده، وبه يتهيأ الغوص على درره وفوائده))[(2)]، وقال الإمام الزركشي (ت:794هــ) في البرهان: ((... وبه تتبين معاني الآيات ويؤمن الاحتراز عن الوقوع في المشكلات))[(3)].
ولأهمية الوقف والابتداء ومكانتهما في القرآن الكريم؛ فقد ورد عن الإمام علي- كرم الله وجهه- عندما سئل عن معنى الترتيل في قوله تعالى:{وَرَتِّلْ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً}[المزمل:4]، قوله: ((هو تجويد الحروف، ومعرفة الوقوف))[(4)]، فقد كان معرفة الوقوف شطر تعريف الترتيل عند الإمام علي كرم الله وجهه.
وهذا دليل على أن للموضوع مكانته وأهميته بالنسبة إلى معرفة الأحكام المتعلقة بتجويد القرآن الكريم.
ولهذا حرص رسولنا الكريم- صلوات الله وسلامه عليه- على تعليم أصحابه الوقف والابتداء، حرصه على تعليمهم تلاوة القرآن الكريم ومعانيه، فقد كان الصحابة- رضوان الله عليهم- يتلقون من رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ينبغي أن يبتدئ به وما يوقف عنده، كما يتلقون القرآن الكريم حفظاً وترتيلاً وعملاً، فقد ورد على لسان ابن عمر رضي الله عنه قوله: ((لقد عشنا برهة من دهرنا وإن أحدنا ليؤتي الإيمان قبل القرآن، وتنزل السورة على النبي صلى الله عليه وسلم فنتعلم حلالها وحرامها، وما ينبغي أن يوقف عنده منها كما تتعلمون أنتم القرآن اليوم، ولقد رأينا اليوم رجالاً يؤتي أحدهم القرآن قبل الإيمان فيقرأ ما بين فاتحته إلى خاتمته ما يدري ما آمره ولا زاجره، ولا ما ينبغي أن يوقف عنده منه))[(1)].
قال أبو جعفر النحاس (ت:338هــ): ((فهذا الحديث يدل على أنهم كانوا يتعلمون الأوقاف كما يتعلمون القرآن))[(2)].
وقال أبو عمرو الداني (ت:444هــ): ((ففي قول ابن عمر: دليل على أن تعلم ذلك توقيف من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه إجماع من الصحابة رضوان الله عليهم))[(3)].
وقال السيوطي (ت:911هــ): ((وقول ابن عمر: (لقد عشنا برهة من دهرنا) يدل على أن ذلك إجماع من الصحابة ثابت))[(4)].
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم أصحابه وقف التمام، إلا أنه ليس من اللازم أن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم قد علم صحابته مواضع الفصل والوصل في القرآن الكريم كله، بل أعطاهم إطاراً نظرياً، هو عدم ختم آية عذاب برحمة، أو آية رحمة بآية عذاب[(1)]، فقد روي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف، فاقرؤوا ولا حرج، ولكن لا تختموا ذكر رحمة بعذاب، ولا ذكر عذاب برحمة)[(2)].
قال النحاس معقباً على هذا الحديث: ((فهذا تعليم التمام توقيفاً من رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه ينبغي أن يقطع على الآية التي فيها ذكر الجنة والثواب، ويفصل ما بعده إن كان بعدها ذكر النار أو العقاب، نحو:{يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ}[الإنسان:31]، ولا ينبغي أن يقول: ((وًالظَّالِمِين َ)) لأنه منقطع عما قبله، لأنه منصوب بإضمار فعل، أي: ويعذب الظالمين، أو وعذب الظالمين[(3)].
يقول الهذلي في الكامل: ((الوقف حلية التلاوة، وزينة القارئ، وبلاغة التالي، وفهم المستمع، وفخر العالم))[(4)].
ومن ذلك يتبين أن تعلم الوقف والابتداء وإتقانه والعناية به سنة متبعة في القراءة- منذ عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم- تتناقلها الأجيال، يقول ابن الجزري: ((وصح بل تواتر عندنا تعلمه والاعتناء به من السلف الصالح... ومن ثم اشترط كثير من أئمة الخلف على المجيز أن لا يجيز أحداً إلا بعد معرفته الوقف والابتداء، وكان أئمتنا يوقفوننا عند كل حرف، ويشيرون إلينا فيه بالأصابع، سنة أخذوها كذلك عن شيوخهم الأولين))[(5)].
المطلب الثاني

المصطلحات ذات الصلة بالموضوع

وقبل الدخول في بيان الوقف والابتداء وأقسامهما؛ هناك ثمة مصطلحات مهمة تدور في هذا الموضوع، حري بنا أن نقف عندها، وهي:
1-الوقف: هو قطع الصوت على آخر الكلمة زمناً يسيراً، مع أخذ النفس، بنية استئناف القراءة، ويكون على رؤوس الآي وأوساطها، ولا يكون وسط الكلمة[(1)]، ولا فيما اتصل رسما في المصحف[(2)].

2-القطع: هو الوقف بقصد الانتهاء من القراءة، وينبغي أن يكون على رؤوس الآيات التي لا ارتباط لها بما بعدها.

3-السكت: هو قطع الصوت زمناً دون زمن الوقف، من غير تنفس، بنية استئناف القراءة في الحال، وهو مقيد بالسماع، فلا يجوز إلا فيما ثبت فيه النقل وصحت به الرواية، ويكون في وسط الكلمة وفيما اتصل رسماً[(3)].

4-الابتداء: هو الشروع في القراءة، ابتداء أو مباشرة لها بعد وقف.

5-التعلق اللفظي: هو التعلق من جهة الإعراب؛ كتعلق الصفة بالموصوف، أو المضاف بالمضاف إليه، أو الخبر بالمبتدأ، ونحو ذلك.

6-التعلق المعنوي: هو التعلق من جهة المعنى، وهو ترابط الجمل ببعضها من جهة المعنى؛ كأن تتحدث عن المؤمنين، أو عن أحوال الكافرين، أو تحكي قصة واحدة.

المطلب الثالث

الوقف وأقسامه

الوقف ينقسم حسب حالته إلى نوعين: وقف اضطراري، ووقف اختياري[(1)].
فالوقف الاضطراري: هو وقف القارئ اضطراراً، بسبب مؤثر خارج عن إرادته؛ كانقطاع النفس أو غيره[(2)].
والوقف الاختياري: هو وقف القارئ على موضع من آيات القرآن الكريم أثناء التلاوة مختاراً، دون مؤثر.
والذي يعنينا في دراستنا هذه هو النوع الثاني، وهو الوقف الاختياري؛ لأن الوقف الاضطراري لا إرادة للمكلف فيه، فوقوفه كان نتيجة مؤثر خارج عن إرادته؛ ولذلك لا يكون مؤاخذاً ولا آثماً لو كان وقوفه على موضع لا يجوز الوقف عليه، بخلاف الوقف الاختياري، الذي اختار القارئ الوقوف عليه؛ فإنه تتعلق به الأحكام التكليفية، فتعمد الوقف مظنة للكراهة والنهي؛ لأنه تعمد الوقف على موضع لا يجوز الوقف عليه، وسيأتي بيان ذلك في محله بمشيئة الله تعالى.
وإذا علمنا أن الوقف الاضطراري لا إرادة للإنسان فيه، ولا يؤاخذ عليه، حتى ولو كان الوقف غير جائز، فإن مجال دراستنا سيكون حول الوقف الاختياري، وقد سلك العلماء- رحمهم الله- طرقاً متعددة في تقسيمه[(1)]، وبيان مراتبه، وجميع ما ذكروه- كما صرح الأشموني وابن الجزري- غير منضبط ولا منحصر، لاختلاف المفسرين والمعربين؛ لأن الوقف يكون تاماً على تفسير وإعراب وقراءة، غير تام على آخر، إذ الوقف تابع للمعنى[(2)]؛ لذا فإني سأسلك في هذه الدراسة طريقاً سهلاً ميسراً للتوصل إلى فهم الموضوع، فأقول:
الوقف ينقسم إلى ثلاثة أقسام: واجب، وجائز، وغير جائز (قبيح).
أولاً: الوقف الواجب

تعريفه: هو الوقف على ما تم معناه، ووصله بما بعده يوهم معنى غير المعنى المراد.
ويسمى هذا الوقف بالوقف اللازم[(3)]؛ للزوم الوقف عليه، لذا يرمز له في المصحف بعلامة (مـ) أخذاً عن السجاوندي الذي رمز له بذلك في كتابه الوقوف[(4)]، ويسميه بعضهم بوقف البيان؛ لأن الوقف عليه يبين المعنى المراد، قال الأشموني، ((وأما وقف البيان، وهو أن يبين معنى لا يفهم بدونه؛ كالوقف على قوله تعالى ((وتوقروه)) من قوله تعالى {لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً}[الفتح:9]، فرق بين الضميرين، فالضمير في قوله ((وَتُوَقِّرُوهُ )) للنبي صلى الله عليه وسلم، وفي ((وَتُسَبِّحُوهُ )) لله تعالى، والوقف أظهر هذا المعنى المراد))[(1)].
أمثلته:

1-الوقف على كلمة {قَوْلُهُمْ} من قوله تعالى:{فَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ}[يس:76ٍ]، لأنه لو وصل بما بعده لأوهم أن جملة {إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ} من قول الكافرين، وهي ليس كذلك، وإنما هي مستأنفة، وهي من قول الحق تبارك وتعالى.
وكذلك يقال في قول الله تبارك وتعالى:{وَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}[يونس:65.]
2-الوقف على كلمة ((يَسْمَعُونَ)) من قول الله تعالى:{إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمْ اللَّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ}[الأنعام:36]، فإنه لو وصل بما بعده لأوهم أن الموتى يشتركون مع الأحياء في الاستجابة، وهو ليس كذلك، وإنما يستجيب الذي يسمعون فقط، والموتى يبعثهم الله.
حكمه: حكم هذا الوقف يؤخذ من اسمه فهو واجب أو لازم؛ لأن الوصل يٌخل بالمعنى ويُفسده ويُغيره؛ فلا يجوز تعمده، ومن تعمد الوصل فإنه يأثم بذلك.
ملحوظة: وكثير من مؤلفي علم التجويد والوقف والابتداء يدرجون هذا الوقف ضمن الوقف التام، والحقيقة أن هناك فرقاً بينهما، يتضح من خلال الأمور الآتية:
1-موضع الوقف الواجب في حالة وصله بما بعده يوهم معنى آخر غير المعنى المراد، كما يتضح من أمثلته السابقة، اما الوقف التام فلا يتأثر المعنى في عند وصله بما بعده[(1)]، لذا يختلف حكم الوقف بينهما؛ فالوقف التام، يحسن الوقف عليه، أما الواجب: فيجب الوقف عليه؛ لئلا يوهم معنى غير مراد.
2-الوقف الواجب أعم من الوقف التام، حيث إنه يشمل التام والكافي وربما الحسن[(2)].
فمن التام: قوله تعالى:{وَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً}[يونس:65]، فالوقف على ((فَلَا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ)) والابتداء بقوله ((إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً)) لئلا يتوهم أن هذا من قولهم، ونلاحظ أن ما بعد الوقف لا يوجد تعلق معنوي أو لفظي بما قبله، وهذا ما يعرف بالوقف التام.
ومن الكافي: الوقف على قوله تعالى {...وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ}[البقرة:8]، والابتداء بما بعده وهو قوله {يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا...}؛ حيث إن الوقف هنا على ما تم معناه، وتعلق ما بعده به معنى لا لفظاً، وهذا هو الوقف الكافي، والوقف في هذا الموضع واجب، لئلا يتوهم أن الخداع وصف للمؤمنين.
ومن الحسن قول الله تعالى {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَاناً}[المائدة:27] فالوقف على قوله ((بِالْحَقِّ)) والابتداء بقوله ((إِذْ قَرَّبَا قُرْبَاناً)) لئلا يوهم العامل في ((إِذ)) الفعل المتقدم[(3)].
ثانياً: الوقف الجائز

تعريفه: هو الوقف على ما تم معناه، وأعطى معنى صحيحاً مراداً، ويمكن تقسيمه إلى ثلاثة أنواع: تام، كاف، حسن.

يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 233.56 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 231.80 كيلو بايت... تم توفير 1.76 كيلو بايت...بمعدل (0.75%)]