هجر المبتدع.. من تقصدون؟

[ابوالوليد المسلم]

هجر المبتدع.. من تقصدون؟



يقصد بهجر المبتدع: ترك مخالطته ومجالسته؛ ردعا له وزجرا وتأديبا، فصاحب البدعة هو الذي يأتي ببدعة اتفق أهل العلم على أنها بدعة محدثة ويدعو إليها ويعمل بمقتضاها ويحارب أهل السنة الناصحين له، ولذلك كان استشهادهم من خلال آيات الخوض مع الخائضين والاستهزاء بآيات الله، وقال الشوكاني رحمه الله: «هم الذين يحرفون كلام الله ويتلاعبون بكتابه وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويردون ذلك إلى أهوائهم وبدعهم الفاسدة، فإنه إذا لم ينكر عليهم، ويغير ما هم عليه فأقل الأحوال أن يترك مجالستهم» فتح القدير (2/122).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «من كان مبتدعا ظاهر البدعة وجب الإنكار عليه، ومن الإنكار المشروع، أن يهجر حتى يتوب» الفتاوى (24/292).
ولا بد من تحري الدقة في هذه القضية تحديدا؛ لأن الاتهام ليس سهلا ومفارقة المسلم من أجل الاتهام هي هجر وقطيعة وكراهية، وسيجر ذلك إلى تسويغ الطعن والقذف والكذب أو بتر النصوص وجعل البدعة كلها بمرتبة واحدة، وهذا خطأ كبير، قال ابن تيمية رحمه الله: «فأما من كان مستترا بمعصية أو مسرا ببدعة غير مكفّرة فإن هذا لا يهجر، وإنما يهجر الداعي إلى البدعة؛ إذ الهجر نوع من العقوبة» الفتاوى (24/175)، ولا يشمل عوام الناس وصغار طلبة العلم ممن لا ينفع هجرهم ولا يؤدي إلى المقصود منه ولا أثر له في المهجور.
ومنهم من رأى هجر أهل البدعة من الباطنيين ومن دار في فلكهم والخوارج، وأصل العلماء في ذلك كتبا وقعدوا قواعد وقرنوها بضوابط شرعية ومقاصد مرعية، ورغم أن ابن عباس رضي الله عنه قال: «لا تجالس أهل الأهواء؛ فإن مجالستهم ممرضة للقلب» الآجري، الشريعة (1/452) إلا أنه كان رضي الله عنه من أكثر الذين ناقشوا وحاوروا الخوارج في زمانه. أما اليوم فهناك أناس بدت منهم العدواة والبغضاء والكراهية الشخصية فأصبحوا يعطون صكوكا: فهذا سلفي أو غير سلفي، وبدؤوا يلاحقون الزلل عبر الدروس المقروءة والمسموعة وقيدوها ودرسوها على أنها بدع ويجب الهجر بسببها!! ودخلوا من باب التجسس والتحسس وإقحام الأقوال على أنها من المسلمات، وهم يعانون أزمة فكرية غثائية حادة افقدتهم التوازن وقدموا الهوى الذي هربوا منه وألصقوا التعصب والحزبية بغيرهم وهم تلبسوها! فمزقوا السلفية وشككوا في عقيدة إخوانهم وأعمالهم وكتبهم ونفروا الشباب من حولهم دون سند شرعي، ولا حول ولا قوة إلا بالله!
ووجد من كان في قلبه مرض مجالا فسيحا لإلقاء التهم جذافا وثار الدخن وضعفت بصيرتهم وظهر الزيغ منهم وتجرعوا مرارة ما أحدثوه، فقام بعضهم با لطعن في الآخر، فأصابهم الغرور واستشرى بينهم وتركوا حقوق الأخوة الإسلامية واخوة العقيدة والتعاون على البر والتقوى وعدم التعاون على الإثم والعدوان.
وعاد ذلك عليهم وداخل بيوتهم، والسبب هذه التهم التي ألصقوها جزافا بإخوانهم فالأصل في المسلم البراءة وليس الظن، والأصل الإقرار وليس الكلام المبتور.
فالحمدلله أن الناس المتصفين الذين يبحثون عن الحقيقة رأوا تزكيات كبار العلماء ورأوا الإصدارات الحديثة والقديمة وبرامج التعليم وكان أساسها العقيدة والاتباع والتزكية وبيان البدعة والتحذير منها والسنة والالتزام بها، وهذه المشاريع في أنحاء الأرض شاهدة ولم يتركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
ويعرفون قدر العلماء وولاة أمر المسلمين وحق الأخوة وقمع المبتدع وزجره والهجر أنواع كما بينها أهل العلم:
هجر ديانة: وهو هجر السيئة، وهجر فاعلها، مبتدعا أو عاصيا.
ويكون الهجر تركا كما قال تعالى: {والرجز فاهجر}، وهذا هجر السيئات وقرناء السوء كما جاء في الحديث أيضا: «المهاجر من هجر ما نهى الله عنه».
وهناك هجر تعزيز: وهذا من العقوبات الشرعية التبصيرية على وجه التأديب في دائرة الضوابط الشرعية للهجر حتى يتوب المهجور.
وهجر لاستصلاح أمر دنيوي، أي الهجر لحق العبد فلا يجوز أن تهجر أخاك فوق ثلاث ليال..
وهناك هجر قضاء وهو من العقوبات التعزيزية للمعتدين.
ولا شك أن السلفي يبغض البدعة وأهلها قال الإمام الصابوني رحمه الله: «ويبغضون أهل البدع الذين أحدثوا في الدين ما ليس منه، ولا يحبونهم ولا يصحبونهم، ولا يسمعون كلامهم، ولا يجالسونهم ولا يجادلونهم في الدين ولا يناظرونهم، ويرون صون آذانهم عن سماع أباطيلهم التي إذا مرت بالآذان وقرت في القلوب ضرّت وجرّت إليها من الوساوس والخطرات الفاسدة ما جرّت.
ولذلك وجب الحذر من اتهام المسلم بالبدعة ما لم يكن لديه دليل واضح ودقيق، ويقصد المسلم بذلك الهجر وجه الله والدار الآخرة.. والله أعلى وأعلم.


اعداد: د.بسام خضر الشطي