دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب.. سلفية لا وهابية - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 13156 - عددالزوار : 348108 )           »          الحياة الإيمانية والحياة المادية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 71 )           »          وَتِلْكَ عَادٌ... (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 197 )           »          معركة شذونة.. وادي لكة.. وادي برباط (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 130 )           »          أخــــــــــلاق إسلامية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 569 )           »          إضاءات سلفية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 9 - عددالزوار : 2529 )           »          من أساليب التربية في القرآن الكريم ، أسلوب الحكيم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 158 )           »          موقظة في تعريف عقد البيع في الفقه الإسلامي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 112 )           »          الوجيز في أحكام التداولات المالية المعاصرة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 135 )           »          حكم التورق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 115 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام
التسجيل التعليمـــات التقويم

الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 08-03-2024, 11:40 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 140,280
الدولة : Egypt
افتراضي دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب.. سلفية لا وهابية




دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب.. سلفية لا وهابية

(الحلقة الأولى)



أطلقوا على دعوة الإمام اسم «الوهابية»، وأحاطوها بكل شر، وجعلوها علماً على الجمود والهمجية، واخترعوا لها الأكاذيب وألصقوا بها التهم، فلو قالوا للناس: إن دعوة الإمام محمد بن عبدالوهاب هي دعوة الإسلام الخالص، وإنه متبع للإمام أحمد ابن حنبل في الفروع، ومتأس بالإمام ابن تيمية، وابن القيم، والذهبي، وابن كثير وغيرهم، لما استغرب الناس الدعوة ونفروا منها، ولكنهم أطلقوا عليها اسم «الوهابية» وصوروها بأقبح صورة، حتى أصبح الكثير من المسلمين في البلاد الإسلامية ينفرون من كلمة الوهابية أو المذهب الوهابي.
وبلغ حقدهم الدفين على هذه الدعوة المباركة حتى وصل الأمر إلى قتل المؤرخ المصري عبدالرحمن الجبرتي، وهو ممن يتحمسون لهذه الدعوة بإيعاز من محمد علي - حاكم مصر - الذي حارب هو وأبناؤه الدعوة؛ انتقاما من أبيه لتعاطفه مع هؤلاء(1).
وقد بلغ الأمر في بعض البلاد الإسلامية أن تصادر وتحرق الكتب التي للشيخ محمد بن عبدالوهاب وأنصاره، بل يطارد الأشخاص الذين يعدون «وهابيين» ويسجنون، وتثور عليهم الجماهير، وقد يضربونهم، فأكثر الناس لا يعرفون من الوهابية إلا أنها مذهب آخر لا يقره الإسلام.
قال الشيخ حسن بن عبدالله آل الشيخ - رحمه الله-: «إن لقب الوهابية لقب لم يختره أتباع الدعوة لأنفسهم، ولم يقبلوا إطلاقه عليهم، ولكنه أطلق من قبل خصومهم تنفيراً للناس منهم، وإيهاماً للسامع أنهم جاؤوا بمذهب خاص يخالف المذاهب الإسلامية الأربعة الكبرى، واللقب الذي يرضونه ويتسمون به هو «السلفيون» ودعوتهم: الدعوة السلفية»(2).
وقال الأستاذ أحمد علي: «إن تلقيبهم بالوهابية جناية على الواقع والحقيقة لهذه الدعوة، فهي جناية على التاريخ نفسه، فقد أوقع ذلك كثيراً من المؤرخين والمستشرقين في غلطة، وهي تسمية هذه الحركة الإصلاحية المباركة نسبة إلى والد الشيخ محمد بن عبدالوهاب وجعلوه مؤسساً لهذه الدعوة والحركة الإصلاحية»(3).
وقال سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز «نسبة للشيخ محمد بن عبدالوهاب، وهي نسبة على القياس العربي، فلقد كان الصحيح أن يقال: المحمدية، أي إن صاحب هذه الدعوة والقائم بها هو الشيخ محمد لا أبوه عبدالوهاب، ومن أعجب العجب أنك لا تجد لهذا اللقب أثرا بنجد، بل يستنكر النجديون هذا اللقب لمن يخاطبهم به أو ينسبهم إليه، وهذا يدلك على أن التسمية جاءت من الخارج من خصوم الدعوة، وأكبرهم إذ ذاك الأشراف والأتراك وأكثر علمائهما»(4).
وهذا الملك عبدالعزيز يخطب بالحجيج سنة 1347هـ الموافق 11/5/1929 قائلاً: «يسموننا بالوهابيين، ويسمون مذهبنا الوهابي، باعتبار أنه مذهب خاص، وهذا خطأ فاحش نشأ عن الدعايات الكاذبة التي كان يبثها أهل الأغراض.
نحن لسنا أصحاب مذهب جديد أو عقيدة جديدة، ولم يأت محمد بن عبدالوهاب بالجديد، فعقيدتنا هي عقيدة السلف الصالح، التي جاءت في كتاب الله وسنة رسوله، وما كان عليه السلف الصالح.
نحن نحترم الأئمة الأربعة، ولا فرق عندنا بين مالك والشافعي وأحمد وأبي حنيفة، كلهم محترمون في نظرنا.
هذه هي العقيدة التي قام شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب يدعو بها، وهذه هي عقيدتنا، وهي عقيدة مبنية على توحيد الله - عز وجل - خالصة من كل شائبة، منزهة من كل بدعة؛ فعقيدة التوحيد هذه هي التي ندعو إليها، وهي التي تنجينا مما نحن فيه من محن وأوصاب.
أما «التجديد» الذي يحاول بعضهم إغراء الناس به بدعوى أنه ينجينا من آلامنا؛ فلا يوصل إلى غاية، ولا يدنينا من السعادة الأخروية. إن المسلمين في خير ما داموا على كتاب الله وسنة رسوله، وما هم ببالغين سعادة الدارين إلا بكلمة التوحيد الخالصة.
إننا لا نبغي «التجديد» الذي يفقدنا ديننا وعقيدتنا، إننا نبغي مرضاة الله - عز وجل - ومن عمل ابتغاء مرضاة الله فهو حسبه وهو ناصره، فالمسلمون لا يعوزهم التجديد، وإنما تعوزهم العودة إلى ما كان عليه السلف الصالح، ولقد ابتعدوا عن العمل بما جاء في كتاب الله وسنة رسوله؛ فانغمسوا في حمأة الشرور والآثام فخذلهم الله -جل شأنه - ووصلوا إلى ما هم عليه من ذل وهوان، ولو كانوا متمسكين بكتاب الله وسنة رسوله لما أصابهم ما أصابهم من محن وآثام، ولما أضاعوا عزهم وفخارهم.
لقد كنت لا شيء وأصبحت اليوم وقد استوليت على بلاد شاسعة يحدها شمالا العراق وبر الشام، وجنوباً اليمن، وغرباً البحر الأحمر، وشرقاً الخليج، لقد فتحت هذه البلاد ولم يكن عندي من الأعتاد سوى قوة الإيمان وقوة التوحيد، ومن العدد غير التمسك بكتاب الله وسنة رسوله، فنصرني الله نصراً عزيزاً»(5).
إن مجرد ذكر التسمية لا حرج فيه، ولكن أن يجعلوها مذهباً خارجاً عن الإسلام ويغذوها بالتضليل والكذب والافتراء؛ فهذا شيء نحاربه أشد المحاربة.
يقول عبدالرحمن بن سليمان الرويشد: «لم يكن إطلاق كلمة «الوهابية» التي يراد بها التعريف بأصحاب الفكرة السلفية شائع الاستعمال في وسط السلفيين أنفسهم، بل كان أكثرهم يتهيب إطلاقها على الفكرة السلفية، وقد يتورع الكثيرون من نعت القائمين بها بذلك الوصف، باعتباره وصفا عدوانياً كان يقصد به بلبلة الأفكار والتشويه، وإطلاق المزيد من الضباب لعرقلة مسيرة الدعوة، وحجب الرؤية عن حقائق أهدافها، وبمرور الزمن، وإصابة محاولات التضليل بالعجز عن أداء دورها الهدام، تحول هذا اللقب بصورة تدريجية إلى مجرد لقب لا يحمل أي طابع للإحساس باستفزاز المشاعر، أو أي معنى من معاني الإساءة، وصار مجرد تعريف مميز لأصحاب الفكرة السلفية، ماهية الدعوة التي بشر بها الشيخ الإمام محمد بن عبدالوهاب، وأصبح هذا اللقب شائعاً ورائجاً بين الكتاب والمؤرخين الشرقيين والغربيين على حد سواء.
وبالتالي فليس هناك ما يسوّغ هجر استعمال تلك الكلمة بوصفه تعريفاً شائعاً أو تعبيراً يستخدم في إطاره الصحيح للرمز إلى المضمون الفكري المقصود، وهو التمسك بالكتاب والسنة ومحاربة مظاهر الشرك والبدع، وما زج به في العقيدة السلفية وأدخل عليها من انحراف مع ضرورة العيش في قيادة إسلامية عادلة تحكّم الشريعة، وتلتزم تطبيق منهجه عملا وتحمل الرعية على امتثال ذلك بأسلوبي الترغيب والترهيب، وإن أصروا على هذه التسمية نقول لهم: قد أجاب العلامة الشيخ ملا عمران بن رضوان - رحمه الله - صاحب مدينة لنجة بهذه الأبيات، وهي فخر وشرف ووسام يفتخر بها كل نجدي وغير نجدي من الموحدين، وهو يرد على الخصوم قائلاً:
إن كان تابع أحمد متوهبا
فأنا المقر بأنني وهابي
أنفي الشريك عن الإله فليس لي
رب سوى المتفرد الوهاب
لا رقية ترجي ولا وثن ولا
قبر له سبب من الأسباب
أيضا ولست معلقا لتميمة
أو حلقة أو ودعة أو ناب
لرجاء نفع أو لدفع بلية
الله ينفعني وينفع ما بي»(6)
ويقول الشيخ العلامة سليمان بن سحمان - رحمه الله - في الرد على بعض الخصوم الحاقدين على هذه الدعوة والذين لقبوها بهذا اللقب:
نعم نحن وهابية حنفية
حنيفية نسقي لمن غاظنا المرا
بمحكم آيات وسنة أحمد
نصول على الأعداء فنأطرهم أطرا
حنابلة كما على نهج أحمد
إمام الهدى من كان من كفركم يبرا
على السنة الغراء قد كان قدوة
لنا في الهدى لم يعد ما قاله شبرا(7).
ويقول أبو الهدى الصعيدي المصري - رحمه الله: «إذا كانت الوهابية كما سمعنا وطالعنا، فنحن أيضاً وهابيون»(8).
ويقول الشيخ أحمد بن حجر آل أبو طامي: «من معاملة الله لهم - أي خصوم الدعوة - بنقيض قصدهم هو أنهم قصدوا بلقب الوهابية ذمهم، وأنهم مبتدعة ولا يحبون الرسل كما زعموا، صار الآن لقباً لكل من يدعو إلى الكتاب والسنة، وإلى الأخذ بالدليل، وإلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومحاربة البدع والخرافات والتمسك بمذهب السلف»(9).
ويقول مسعود النووي - رحمه الله-:
«وعلى كل حال، فنظرا إلى تلك المحاولات التي بذلت لإظهار الوهابية في صورة مذهب مستقل وطائفة ضالة، هذا الاسم منتقد أشد الانتقاد، ولكن بغض النظر عن هذه الأكذوبة والافتراء، فلا أرى حرجا في هذه التسمية»(10).
إن اجتماع المسلمين على الكتاب والسنة أشد على أعدائهم من السلاح والعتاد وأفتك بهم من الموت، وتوالت العصور وكانت شعلة النور الإسلامي موقدة تنير العالم، ذلك عندما كان المسلمون على صدق مع الله ورسوله، مستمسكين بعقيدة التوحيد، وتوالت الأيام وتسللت الأفكار الخبيثة إلى صفوف المسلمين، وارتدت الجموع الفارسية واليهودية والجاهلية لتتأهب وتتاح لها فرصة العمر فتنقض بانحرافاتها داخل المعاقل الإسلامية تحاول الإجهاز على المسلمين ودينهم، ولم تسهم في هذه المعارك جيوش ضارية، وإنما كانت عقائد باطلة تحاول طمس منهاج الله -تعالى- وتشويه حقائقه وإنهاء دولته وتقليص نفوذه، فتسللت الفلسفات اليونانية والإغريقية والفارسية، وظهرت التكايا والزوايا تربي الناس على الخمول والكسل والانحراف عن دين الله -عز وجل- ولكن.. هل انتهى الإسلام الذي جاء به محمد[؟... هل انتهت أمة الإسلام؟... لا.. وألف لا... فالإسلام يحفظه الله: {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون}(الحجر:9).
فبحفظ الكتاب والسنة لا تنتهي أمة الإسلام في الأرض، وبعلماء الإسلام العاملين وقادته المصلحين سيستمر العلم والتعليم لكشف الزيغ والحركات الضالة، وسوف تتربى الأجيال على الإسلام الصحيح وتتلقى القرآن فتفهم أحكامه وتحل حلاله وتحرم حرامه، وتفهم سياسته واقتصاده في شخوص رجال ونساء، إذا رأيتهم رأيت قرآنا يجري حركة حياة ونبضات قلوب تحتضن الوجود لتغمسه في بحر الإسلام ليغدو عطاء ورحمة، وهكذا كانت الدعوات الصحيحة والدعاة الصالحون في كل عصر وُجدوا فيه.
ولما قام الإمام محمد بن عبدالوهاب بدعوته الإسلامية كان يسلك مسلك السلف الصالح ويعيد الناس إلى الإسلام الذي كان عليه الرسول [ وأصحابه رضوان الله عليهم، ويزيل عن الناس كثيرا مما كان قد جلبه عليهم ابتعادهم عن الدين الخالص، وقد كانت هذه الدعوة الإسلامية منطلقا صحيحا للمسلمين في الإصلاح والتصحيح في العقيدة والعبادة والعمل والسلوك؛ لأن دين الإسلام هو طب البشرية كلها من كافة أدوائها، وأن التماس الهدى في غيره ضلال وضياع، فكان الإمام محمد داعية إسلاميا ظهر في زمن سيطرت على المسلمين فيه أسباب الضعف السياسي، وأنواع الضلال الفكري، وصنوف الانحراف عن الصراط المستقيم، فكان -رحمه الله تعالى- رائدا في دعوته إلى منابع الإسلام الأولى، واتباع ما كان عليه السلف (11) الصالح؛ ولذلك نسبت إلى السلفية، فالاتجاه السلفي في أساسه يعمل على نقاوة العقيدة الإسلامية وتخليصها من الشوائب التي تفسدها وتميعها، والرد على الانحرافات التي ظهرت في المجتمع الإسلامي، والصمود في وجه الفرق الضالة، وبهذا تكون الدعوة الإسلامية السلفية هي دعوة الكتاب والسنة والدين الصحيح، هي دعوة البر والبركة، ودعوة التوحيد الحق، والاتباع السليم، والتزكية والطهارة، أي إنها باختصار دعوة الإسلام الصحيح التي بعث بها النبي محمد صلى الله عليه وسلم ، واتفاق العلماء على أن السلف يراد بهم:
أولا الصحابة، رضوان الله عليهم.
- ثانيا: التابعون لهم بإحسان، رحمهم الله تعالى.
- ثالثا: تابعو التابعين.
وهذا ما بينه الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله: «خير أمتي قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم»، قال عمران: فلا أدري أذكر بعد قرنه قرنين أو ثلاثة، «ثم إن بعدكم قوما يشهدون ولا يستشهدون، ويخوّنون ولا يؤتمنون، وينذرون ولا يفون، ويظهر فيهم السمن» (12).
ومذهب السلف هو -كما قلنا- ما كان عليه الصحابة -رضوان الله عليهم- وما كان عليه أعيان التابعين لهم بإحسان، وما كان عليه أتباعهم وأئمة الدين ممن شهد له بالإمامة وعرف عظيم شأنه بالدين وتلقى الناس كلامهم خلفا عن سلف، كالأئمة الأربعة والسفيانين والليث بن سعد وابن المبارك والنخعي والبخاري ومسلم وسائر أصحاب السنن، دون من رمي ببدعة أو اشتهر بلقب غير مرضي، مثل: الخوارج والروافض والمرجئة والجبرية والجهمية والمعتزلة وسائر الفرق الضالة.
والسلفية إذاً تتمثل في توحيد الله -سبحانه وتعالى- وإفراده بالربوبية والألوهية، وإخلاص القول والعمل، والاتجاه به إليه -سبحانه و تعالى- وفق ما جاءت به الحنيفية السمحة التي لا يقبل الله تعالى من أحد من عباده دينا سواها، وهي العبودية الخالصة والتعبد لله وحده لا شريك وفق ما جاء به نبينا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقد لازم الدعوة الإسلامية التي قام بها الإمام محمد بن عبدالوهاب -رحمه الله- ما يلازم الدعوات الكبرى من نشاط فكري وحركي على الجانبين الإيجابي والسلبي (13)، ومن المؤشرات التي توزن بها ضخامة الدعوات الجديدة عنف حركة التأييد والمعارضة على السواء؛ ذلك لأن الدعوات الكبرى تفاجئ الناس عادة بغير ما عهدوا من مألوف المعتقدات والعادات فيتهيبها الناس في أول الأمر، ويستعظمون ما جاءت به، فإذا تدبرها بعض العقلاء واكتشفوا ما تنطوي عليه من الحق والخير تعصبوا لها تعصبا شديدا، ثم تجيء ردود الأفعال عن الذين يأكل قلوبهم الحسد على المكانة التي يحظى بها صاحب الدعوة بين أنصاره ومؤيديه، والزعماء الذين يتمسكون بالأمر الواقع الذي سوّدهم ولا يرحبون بالجديد الذي لا يأمنون عواقبه؛ لأن أي خلخلة للاستقرار القائم ستجلب معها زعامات جديدة تلائم الواقع الجديد، وبين هاتين الطائفتين من المتعصبين للتأييد والمعارضة ينشأ التطرف الذي يسيء إلى الدعوة في تطبيقها وتفسيرها من ناحية، وفي سوء فهمها والادعاء عليها بما ليس فيها من ناحية أخرى.
وسمة أخرى من سمات الدعوات الكبرى لازمت دعوة الإمام محمد بن عبدالوهاب وهي تتمثل في تعرضها على أيدي أعدائها ومعارضيها للمحن، وثبات صاحبها على المكاره؛ ذلك لأن اتساع نفوذ الدعوة على مر الأيام يدفع أعداءها إلى الشعور بالخطر على أنفسهم وعلى مصالحهم فيبذلون كل ما يسعهم من جهد للقضاء على الدعوة وعلى صاحبها، وقد يذهبون في ذلك إلى حد تدبير المكائد والتخلص من صاحب الدعوة نفسه بقتله، ثم إن هذا الأذى والاضطهاد هو الاختبار الأكبر الذي يمتحن به صدق الدعوة وإخلاص صاحبها، فإذا ثبت على دعوته وصبر على ما يلقى من اضطهاد زاد صبره صلابة وثباتا على مر الأيام؛ لأنه يزكي ويمكن لإيمانه، ويقوي توكله على الله عز وجل.
ولكي توزن دعوة الإمام محمد بن عبدالوهاب بميزان عادل يجب أن توضع في الاعتبار حالة المجتمع الذي نشأت فيه الدعوة قبل ظهورها لتقارن بحالتها بعد انتشارها، كما ينبغي أن توضع في الاعتبار ردود الأفعال التي لابد أن تتسرب إليها وتشوبها في مقاومتها للوضع السائد الذي تعارضه وتندد به؛ لأنها في دعوتها إلى نبذ الأطماع القائمة والانحرافات السائدة تشنع بها وتقدمها في أبغض الصور لكي تصرف الناس عنها وتبين لهم شناعة ما هم عليه من فساد الحال، ثم إن ذلك لا يزيد خصومها إلا لددا في خصومتهم فيبالغون في التشنيع بها، ونشر قالة السوء عنها، وتصيد الأخطاء التي ربما وقعت من أتباعها، وحمل أفعالهم وتأويلها على أسوأ محمل، وربما فعلوا في ذلك أن يدّعوا عليهم ما ليس فيهم، وذلك كله مما يملأ قلوب أصحاب الدعوة وأتباعهم حنقا فيكيلوا لهم بمثل كيلهم، وهكذا فإن التفاعل لا بد أن يجر إلى شيء من هذه المبالغة التي يجب أن تكون موضع الاعتبار والتقدير عند الباحث، الذي يقرأ ما كتبه مؤرخو الدعوة عن عنف معارضيها.
الهوامش:
1 - الشبهات التي أثيرت حول دعوة الشيخ محمد ابن عبدالوهاب جـ2 للدكتور عبدالرحمن عميرة - أسبوع الشيخ محمد بن عبدالوهاب ص 6.
2 - انظر: الوهابية وزعيمها محمد بن عبدالوهاب، بقلم: حسن بن عبدالله آل الشيخ - رحمه الله - مجلة العربي، العدد 147 فبراير 1971.
3 - آل سعود ص 212.
4 - الشيخ محمد بن عبدالوهاب، عقيدته السلفية ودعوته الإصلاحية، أحمد بن حجر.
5 - جريدة أم القرى - ذو الحجة 1347هـ، مايو 1929م.
6 - الهدية السنية ص 42.
7 - ديوان ابن سحمان ص 51 - 98.
8 - بين الديانات والحضارات - لطه ص 142.
9 - محمد بن عبدالوهاب- ص51
10 - محمد بن عبدالوهاب مصطلح مظلوم- ص 165.
11- السلف - بالفتح - في اللغة: المتقدمون والراحلون من الآباء الأولون السابقون، وبيع السلم، وفي الشرع: اسم لكل من يقلَّد مذهبه في الدين ويُتبع أثره، كأبي حنيفة وأصحابه، فإنهم سلف لنا، والصحابة والتابعون فإنهم سلفهم، وقد يطلق السلف شاملا للمجتهدين كلهم.
وقال بعضهم: السلف شرعا: كل من يقلد ويقتفى أثره في الدين.. والصدر الأول يسمون: «السلف الصالح»، ومنه حديث مذحج: نحن عباب سلفها. انظر السلفية ودعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب، د. علي عبدالحليم محمود ص9.
12- رواه البخاري في فضائل الصحابة، ورواه مسلم وأبوداود.
13- من مقال للدكتور محمد محمد حسين أستاذ ورئيس قسم الأدب العربي بجامعة الاسكندرية، رحمه الله تعالى.
14- الدرعية العاصمة الأولى: عبدالله الخميس- ط (1) 1402- الرياض.



اعداد: د. أحمد بن عبدالعزيز الحصين




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 08-03-2024, 11:54 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 140,280
الدولة : Egypt
افتراضي رد: دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب.. سلفية لا وهابية




افتراءات وشبهات حول دعوة الإمام محمد بن عبدالوهاب والرد عليها

(الحلقة الثانية)



الفرية الأولى: الإمام محمد بن عبدالوهاب ينكر الشفاعة!
رد أئمة التوحيد على الخصوم الذين يقولون بأن الوهابية وعلى رأسهم الإمام محمد بن عبدالوهاب ينكرون الشفاعة، وأوردوا البراهين عليهم.
يقول الإمام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله: «فإن قال: أتنكر شفاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتبرأ منها؟ قلت: لا أنكرها ولا أتبرأ منها، بل هو صلى الله عليه وسلم الشافع المشفع، وأرجو شفاعته، ولكن الشفاعة كلها لله كما قال تعالى: {قل لله الشفاعة جميعا} (الزمر:44)، ولا تكون إلا من بعد إذن الله كما قال عز وجل: {من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه} (البقرة: 255)، ولا يشفع في أحد إلا من بعد أن يأذن الله فيه كما قال عز وجل: {يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولاً} (طه: 109).
فإن كانت الشفاعة كلها لله، ولا تكون إلا من بعد إذنه، ولا يشفع النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا غيره في أحد حتى يأذن الله فيها، ولا يأذن إلا لأهل التوحيد، تبين لك أن الشفاعة كلها لله فاطلبها منه، وقل: اللهم لا تحرمني شفاعته، اللهم شفعه في، وأمثال هذا.
- فإن قيل: إن النبي صلى الله عليه وسلم أعطي الشفاعة، وأنا أطلبه مما أعطاه الله.
- فالجواب: أعطاه الشفاعة، ونهاك عن هذا فقال: {فلا تدعوا مع الله أحدا} (الجن:18)، فإن كنت تدعو الله أن يشفّع نبيه فيك، فأطعه في قوله: {لا تدعوا مع الله أحدا}، وأيضا فإن الشفاعة أعطيها غير النبي صلى الله عليه وسلم فصح أن الملائكة يشفعون، والأولياء يشفعون، والصالحين يشفعون، أتقول إن الله أعطاهم الشفاعة فأطلبها منهم، فإن قلت هذا، رجعت إلى عبادة الصالحين التي ذكر الله في كتابه، وإن قلت: لا، بطل قولك: أعطاه الله الشفاعة، وأنا أطلبه مما أعطاه»(1).
ثم يرد على الخصوم الذين افتروا على الدعوة بإنكار شفاعة الرسول صلى الله عليه وسلم ، فيقول: «يزعمون أننا ننكر شفاعة الرسول صلى الله عليه وسلم ، فنقول: سبحانك هذا بهتان عظيم، بل نشهد أن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم الشافع المشفع، صاحب المقام المحمود، نسأل الله رب العرش العظيم أن يشفّعه فينا، وأن يحشرنا تحت لوائه، هذا اعتقادنا وهذا الذي مشى عليه السلف الصالح، وهم أحب الناس لنبيهم، وأعظمهم في اتباع شرعه»(2).
ويقول الشيخ عبدالله بن محمد بن عبدالوهاب: «ونثبت الشفاعة لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم يوم القيامة حسب ما ورد، وكذا نثبتها لسائر الأنبياء والملائكة، والأولياء والأطفال حسب ما ورد أيضا، ونسألها من المالك لها، والإذن فيها لمن يشاء من الموحدين الذين هم أسعد الناس بها كما ورد، بأن يقول أحدنا متضرعا إلى الله تعالى: الله شفع نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم فينا يوم القيامة، أو: اللهم شفع فينا عبادك الصالحين، أو ملائكتك، أو نحو ذلك مما يطلب من الله منهم، فلا يقال: يا رسول الله، أو يا ولي الله، أسألك الشفاعة، أو غيرها: كأدركني، أو أغثني، أو انصرني على عدوي، ونحو ذلك مما لا يقدر عليه إلا الله تعالى»(3).
ويقول -رحمه الله-: «وجملة القول أن طلب الشفاعة منه صلى الله عليه وسلم في حياته ثابت بلا شك، وكذلك طلب الشفاعة منه صلى الله عليه وسلم يوم القيامة، وهذا لا ينكره أحد»(2).
وسئل شيخنا ووالدنا سماحة الشيخ عبدالعزيز ابن عبدالله بن باز مفتي الديار السعودية: هل الوهابية ينكرون شفاعة الرسول صلى الله عليه وسلم ؟ فأجاب: «لا يخفى على كل عاقل درس سيرة الإمام محمد ابن عبدالوهاب وأتباعه أنهم براء من هذا القول؛ لأن الإمام -رحمه الله- قد أثبت في مؤلفاته، ولاسيما في كتابه «التوحيد» و«كشف الشبهات» شفاعة الرسول صلى الله عليه وسلم لأمته يوم القيامة، ومن هنا يعلم أن الشيخ -رحمه الله- وأتباعه لا ينكرون شفاعته عليه الصلاة والسلام، وشفاعة غيره من الأنبياء والملائكة والمؤمنين، بل يثبتونها كما أثبتها الله ورسوله، ودرج على ذلك سلفنا الصالح عملا بالأدلة من الكتاب، وبهذا يتضح أن ما نقل عن الشيخ وأتباعه من إنكار شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم من أبطل الباطل، ومن الصد عن سبيل الله، والكذب على الدعاة إليه، وإنما أنكر الشيخ -رحمه الله- وأتباعه طلبها من الأموات ونحوهم»(5).
هذه عقيدة الشيخ الإمام محمد بن عبدالوهاب وأتباعه من الموحدين في الشفاعة، وأنها لا تطلب من الأموات والأولياء والمشعوذين والدجالين، فالشفاعة كلها لله وحده: {قل لله الشفاعة جميعا}، وأن الأنبياء والصالحين لا يشفعون إلا بإذن الله، قال تعالى: {من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه}، أما أن يقول القائل: اللهم إني أسالك بجاه محمد، أو بحقه، أو حرمته، فهذا القول بدعة محرمة لا يجوز.
الفرية الثانية
الإمام محمد بن عبدالوهاب يهدم القباب على القبور وينهى عن شد الرحال لزيارتها!
اعترض أعداء الدعوة السلفية بأن الإمام محمد بن عبدالوهاب وأتباعه يهدمون الأبنية على القبور، ويمنعون شد الرحال لزيارة القبور وخاصة قبر الرسول عليه الصلاة والسلام.
- يقول سليمان بن سحيم: «فمن بدعه وضلالاته أنه عمد إلى شهداء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الكائنين في الجبيلة، زيد بن الخطاب والصحابة، وهدم قبورهم وبعثرها، لأجل أنهم في حجارة، ولا يقدرون أن يحفروا لهم، فطووا على أضرحتهم قدر ذراع ليمنعوا الرائحة والسباع، والدافن لهم خالد بن الوليد وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعمد -أيضا- إلى مسجد فيه ذلك وهدمه»(6).
وهذا الكنهوري الشيعي الذي استفاد هو وأتباعه من هذه الخصومة فأخذ يشهر خنجره على الموحدين، يقول: «إن الوهابيين سنة 1223هـ هدموا القباب، فهدموا قبة سيدتنا خديجة -رضي الله عنها.. وهدموا قبة مولد النبي صلى الله عليه وسلم ، ومولد أبي بكر»(7).
يقول زين بن دحلان: «وأما قوله: «لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى».. فمعناه ألا تشد الرحال إلى مسجد لأجل تعظيمه والصلاة فيه إلا إلى المساجد الثلاثة، فإنها تشد الرحال إليها لتعظيمها والصلاة فيها، وهذا التقدير لا بد منه، ولو لم يكن التقدير هكذا، لاقتضى منع شد الرحال للحج، والهجرة من دار الكفر، ولطلب العلم، وتجارة الدنيا، وغير ذلك، ولا يقول بذلك أحد»(8).
ثم ساق الأحاديث في وجوب زيارة قبر الرسول صلى الله عليه وسلم ، فيقول:
1- «من حج البيت ولم يزرني فقد جفاني».
2- «من زار قبري وجبت له شفاعتي».
3- «من حج فزارني في مسجدي بعد وفاتي كان كمن زارني في حياتي».
4- «من زارني بعد موتي، فكأنما زارني في حياتي».
وبعد ما ذكر هذه الأحاديث المكذوبة المفتراة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يقول: «فتلك الأحاديث كلها في تأكيد زيارته صلى الله عليه وسلم حيا وميتا، والزيارة شاملة للسفر، لأنها تستدعي الانتقال من مكان الزائر إلى مكان المزور، وإذا كانت كل زيارة قربة، كان كل سفر إليها قربة»(9).
- ويقول العاملي: «هدم الوهابية المسجد الذي عند قبر سيد الشهداء حمزة بن عبدالمطلبرضي الله عنه بأحد، بعدما هدموا القبة التي على القبر، وأزالوا تلك الآثار الجليلة، ومحوا ذلك المسجد العظيم الواسع، فلا يرى الزائر لقبر حمزة اليوم إلا أثرا على تل من التراب»(10).
- ويقول: «ومنع الوهابية تعظيم القبور، وأصحابها، والتبرك بها من لمس، وتقبيل لها، ولأعتاب مشاهدها، وتمسح بها، وطواف حولها، ونحو ذلك»(11).
- ويقول أيضا: «لما دخل الوهابيون إلى الطائف هدموا قبة ابن عباس كما فعلوا في المرة الأولى، ولما دخلوا مكة المكرمة هدموا قبة عبدالمطلب جد النبي صلى الله عليه وسلم ، وأبي طالب عمه، وخديجة أم المومنين، وخربوا مولد النبي صلى الله عليه وسلم ، ومولد فاطمة الزهراء، ولما دخلوا جدة هدموا قبة حواء، وخربوا قبرها، كما خربوا قبور من ذكر أيضا، وهدموا جميع ما بمكة ونواحيها والطائف ونواحيها من القباب، والمزارات والأمكنة التي يتبرك بها»(12).
ويقول الطباطبائي الرافضي: «قالت الوهابية: لا يجوز بناء القبور وتشييدها»(13).
ويقول علوي الحداد: «يهدمون القبب المبنية عليهم، أي على القبور»(14).
- ويقول الشيعي الكنهوري: «اعلم -رحمك الله- أن مذهبه (أي محمد بن عبدالوهاب) في القبور أنه يحرم عمارتها والبناء حولها، وتعاهدها، والدعاء والصلاة عندها، بل يجب هدمها وطمس آثارها»(15).
ويقول: «إن تقبيل القبر بعد الموت كتقبيل اليد في الحياة لوجود الملاك، وهو التعظيم فيهما على السواء»(16).
والعجيب أن الرافضة وأتباعهم وجدوا ضالتهم بدعوة الإمام فأخذوا يغذونها مستغلين كتب الضالين أهل الخصوم وحقدهم الدفين على أهل السنة والجماعة، وخاصة شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
- وبهذا يقول العاملي: «وقد منع الوهابية من شد الرحال إلى زيارة النبي صلى الله عليه وسلم ، فضلا عن غيره، وقد عرفت أن ابن تيمية في مقام تشنيعه على الإمامية قال: إنهم يحجون إلى المشاهد كما يحج الحاج إلى البيت العتيق، وما حجهم إلا قصدهم زيارتها، فسماه حجا لزيادة التهويل والتشنيع»(17).
وقد تصدى للحملة المسعورة لهؤلاء الضالين المضللين أصحاب البدع، أئمةُ الدعوة من نجد وخارجها.
يقول الشيخ حسين بن غنام -رحمه الله- وهو يرد على رسالة ابن سحيم: «فهذا الكلام ذكر فيه ما هو حق وصدق، وذكر فيه ما هو كذب وزور وبهتان، فالذي جرى من الشيخ -رحمه الله- وأتباعه أنه هدم البناء الذي على القبور والمسجد المجعول في المقبرة على القبر الذي يزعمون أنه قبر زيد بن الخطاب رضي الله عنه ، وذلك كذب ظاهر؛ فإن قبر زيد رضي الله عنه ومن معه من الشهداء لا يعرف أين موضعه، بل المعروف أن الشهداء من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم قتلوا في أيام مسيلمة في هذا الوادي، ولا يعرف أين موضع قبورهم من قبور غيرهم، ولا يعرفون قبر زيد من قبر غيره، وإنما كذب ذلك بعض الشياطين.
- وقال الناس: هذا قبر زيد، فافتتنوا به، وصاروا يأتون إليه من جميع البلاد بالزيارة، ويجتمع عنده جمع كثير ويسألونه قضاء الحاجات، وتفريج الكربات؛ فلأجل ذلك هدم الشيخ ذلك البناء الذي على قبره، وذلك المسجد المبني على المقبرة اتباعا لما أمر الله به ورسوله من تسوية القبور، والنهي الغليظ الشديد عن بناء المساجد عليها، كما يعرف ذلك من له أدنى ملكة من المعرفة والعلم.
- وقوله (أي سليم سحيم): وبعثرها لأجل أنهم في حجارة ولا يقدرون أن يحفروا لهم فطووا على أضرحتهم قدر ذراع، ليمنعوا الرائحة والسباع، فكل هذا كذب وزور وتشنيع على الشيخ عند الناس بالباطل والفجور، وكلامه تكذبه المشاهدة؛ فإن الموضع الذي فيه تلك القبور موضع سهل لين الحفر، وأهل العيينة والجبيلة وغيرهما من بلدان العارض يدفنون موتاهم في تلك المقبرة، وهي أرض سهلة لا حجارة فيها»(18).
وأشار ابن غنام إلى أن الإمام محمد بن عبدالوهاب حين كان في العيينة هدم القباب وأبنية القبور، يقول: «فخرج الشيخ محمد ابن عبدالوهاب، ومعه عثمان بن معمر (أمير العيينة) وكثير من جماعتهم، إلى الأماكن التي فيها الأشجار التي يعظمها عامة الناس، والقباب وأبنية القبور، فقطعوا الأشجار، وهدموا المشاهد والقبور، وعدلوها على السنة، وكان الشيخ الذي هدم قبر زيد بن الخطاب بيده، وكذلك قطع شجرة الذيب مع أصحابه، وقطع شجرة قريوة، ثنيان بن سعود ومشاري بن سعود، وأحمد بن سويلم وجماعة سواهم (19).
ويوضح الشيخ عبدالله بن محمد بن عبدالوهاب ما فعلوه أثناء دخولهم مكة المكرمة سنة 1218هـ، قال رحمه الله: «فبعد ذلك أزلنا جميع ما كان يعبد بالتعظيم والاعتقاد فيه، ورجاء النفع، ودفع الضر بسببه من جميع البناء على القبور وغيرها، حتى لم يبق في البقعة المطهرة طاغوت يعبد، فالحمدلله على ذلك»(20).
- ويقول أيضا -رحمه الله وأسكنه فسيح جناته-: «وإنما هدمنا بيت السيدة خديجة، وقبة المولد، وبعض الزوايا المنسوبة لبعض الأولياء حسما لذرائع الشرك، وتنفيرا من الإشراك بالله ما أمكن لعظم شأنه؛ فإنه لا يغفر»(21).
- ويقول الشيخ المجاهد سليمان بن عبدالله بن محمد بن عبدالوهاب: «فإن عبّاد القبور لا يقتصرون على بعض من يعتقدون فيه الضر والنفع، بل كل من ظنوا فيه ذلك بالغوا في مدحه، وأنزلوه منزلة الربوبية، وصرفوا له خالص العبودية، حتى إنهم إذا جاءهم رجل وادعى أنه رأى رؤيا مضمونها أنه دفن في المحل الفلاني رجل صالح، بادروا إلى المحل وبنوا عليه قبة وزخرفوها بأنواع الزخارف، وعبدوها بأنواع من العبادة، وأما القبور المعروفة أو المتوهمة بأفعالهم معها، وعددها لا يمكن حصره، فكثير منهم إذا رأوا القباب التي يقصدونها كشفوا الرؤوس، فنزلوا عن الأكوار، فإذا أتوها طافوا بها، واستلموا أركانها، وتمسحوا بها، وصلوا عندها ركعتين»(22).
الهوامش:
1- مجموع مؤلفات الشيخ محمد بن عبدالوهاب ج1 ص165-166.
2- نفس المرجع ج5 ص48.
3- الهدية السنية ص42.
4- صيانة الإنسان من وسوسة دحلان ص363.
5- مجلة البحوث العلمية -العدد 9 ص323، تصدر عن دار الإفتاء والدعوة والإشاد -الرياض.
6- انظر روضة الأفكار لابن غنام ج1 ص112.
7- كشف النقاب ص125.
8- انظر الدرر السنية ص5.
9- انظر الدرر السنية ص4.
10- الدرر السنة ص4.
11- انظر كشف النقاب ص414.
12- كشف النقاب ص59.
13- البراهين الجلية ص41.
14- مصباح الأنام لعلوي الحداد ص42.
15- كشف النقاب ص82.
16- المصدر السابق ص118.
17- المصدر السابق ص429
18 - انظر روضة الأفكار ج1 ص123.
19- المصدر السابق ج1 ص78.
20- انظر روضة الأفكار ص37.
21- المصدر السابق ص43.
22- انظر الكتاب القيم «تيسير العزيز الحميد» تأليف: سليمان بن عبدالله بن محمد بن عبدالوهاب ص221.



اعداد: د. أحمد بن عبدالعزيز الحصين




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 08-03-2024, 06:18 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 140,280
الدولة : Egypt
افتراضي رد: دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب.. سلفية لا وهابية




افتراءات وشبهات حول دعوة الإمام محمد بن عبدالوهاب والرد عليها

(الحلقة الثالثة)



الفرية الثالثة: زعموا أن الإمام محمد بن عبدالوهاب منع الاستشفاع بالرسول صلى الله عليه وسلم !
افترى أهل الباطل على الإمام محمد بن عبدالوهاب وأتباعه من الموحدين بأن الإمام ينكر شفاعة الرسولصلى الله عليه وسلم، وهؤلاء القوم ينطبق عليهم القول المأثور: «إذا لم تستح فاصنع ما شئت».

فإنكار شفاعة الرسول صلى الله عليه وسلم هو الكفر والعياذ بالله، وحاشا لله أن ينكر هذا الإمام العظيم هذا الأمر، فهذه كتبه ورسائله وكتب أحفاده وتلاميذه إلى يومنا الحاضر لم ينكروا شفاعة الرسول صلى الله عليه وسلم .
يقول الطباطبائي: قالت الوهابية: إن الشفاعة والأولياء منقطعة في الدنيا، وإنما هي ثابتة لهم في الآخرة، فلو جعل العبد بينه وبين الله وسائط من عباده يسألهم الشفاعة، كان ذلك شركا وعبادة لغير الله، فاللازم أن يوجه العبد دعاءه إلى ربه، ويقول: اللهم اجعلنا ممن تناله شفاعة محمد صلى الله عليه وسلم، ولا يجوز له أن يقول: يا محمد اشفع لي عند الله(1).
ويقول العاملي: «أما قولهم: فالشفاعة حق، ولا تطلب في دار الدنيا إلا من الله، فإذا كانت حقاً فما المانع من طلبها؟ أفيجعل الله طلب الحق باطلا وشركاً؟ تعالى الله عن ذلك، فطلب الحق لا يكون إلا حقاً وطلب الباطل لا يكون إلا باطلاً، والتقيد بقولهم: في دار الدنيا، دال على جواز طلبها في الآخرة، كما يدل عليه حديث تشفع الناس بالأنبياء، واعتذار كل منهم ثم تشفعهم بمحمد صلى الله عليه وسلم.
وهل منع الناس من الشرك في الدنيا، وأبيح لهم الشرك في الآخرة»(2).
ويقول القباني بكل وقاحة وسوء أدب وهو يخاطب الإمام محمد بن عبدالوهاب - رحمه الله-: «أما أنهم كفروا بمجرد قولهم يا رسول الله اشفع لي، أو أغثني، وأنها مساواة لقول المشرك واعتقاده أن المسيح هو الله، ولعبادة تمثاله من السجود والذبح كما ادعيت ذلك وجزت به، فما أقمت على ذلك الدليل والبرهان يا طويل الآذان»(3).
ويقول ابن داوود وهو يرد على الإمام محمد ابن عبدالوهاب ويسميه الزنديق الحجازي: «وقول الزنديق الحجازي: إن الله أعطاه الشفاعة ونهاك عن طلبها منه كما قال: {وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا} غلط.. فإن الدعاء المنهي عنه هنا بمعنى العبادة، وطالب الشفاعة لا يعبد الشفيع، بل يطلب منه أن يشفع له عند الله».
الفرية الرابعة
زعموا أن دعوة الإمام محمد بن عبدالوهاب إنكار كرامات الأولياء!
جاء علماء السوء بفرية اتهام الإمام محمد ابن عبدالوهاب بأنه ينكر كرامات الأولياء.
وقد ألفت الكتب المشؤومة التي تسوق البلاء والشؤم، وقد نبذ هؤلاء العلماء دعوة التوحيد، وبذلك نبذوا عهد الله بدلاً من أن يكونوا من أنصارها، فراحوا يقذفونها بالكذب والبهتان.
يقول علوي الحداد وهو يرمي الإمام محمد ابن عبدالوهاب: «ومن جملة هذيانه - أيضاً - إنكاره كرامات الأولياء وما خصهم الله به من الخصوصيات والأسرار»(4).
ويقول عثمان بن يحيى العلوي: «وإنه إنكار كرامات الأولياء»(5).
ويقول: «وكذا كفّر - يقصد الإمام محمد ابن عبدالوهاب - من اعتقد كرامات الأولياء»(6).
ويقول عمر المحجوب: «كما أنه يلوح من كتابك إنكار كرامات الأولياء وعدم نفع الدعاء، وكلها عقائد عن السنة زائفة وعن الطريق المستقيم زائغة»(7).
ويقول سوقية: «ولما كانت الوهابية لا إمام لها في كل شيء تدين به سوى اختراع دين جديد حباً في الظهور، قالت بإنكار الكرامات»(8).
هذه مؤلفاتهم الشيطانية، وحتى تكون الصورة واضحة جلية، فهذه الردود من أئمة الدعوة وأنصارها.
يقول الإمام محمد بن عبدالوهاب رداً على هذه الفرية: «وأقر بكرامات الأولياء وما لهم من المكاشفات، إلا أنهم لا يستحقون من حق الله - تعالى - شيئاً ولا يطلب منهم ما لا يقدر عليه إلا الله»(9).
ويقول - رحمه الله-: «الواجب عليهم حبهم واتباعهم والإقرار بكرامتهم، ولا يجحد كرامات الأولياء إلا أهل البدع والضلال، ودين الله وسط بين طرفين، وهدى بين ضلالين، وحق بين باطلين»(10).
ويقول الشيخ عبدالله بن الإمام محمد بن عبدالوهاب: «ولا ننكر كرامات الأولياء، ونعترف لهم بالحق وأنهم على هدى من ربهم مهما ساروا على الطريق الشرعية والقوانين المرعية، إلا أنهم لا يستحقون شيئاً من أنواع العبادات لا حال الحياة ولا بعد الممات، بل يطلب من أحدهم الدعاء في حال حياته، بل ومن كل مسلم»(11).
ويقول الإمام عبدالرحمن بن حسن بن محمد بن عبدالوهاب: «كرامات الأولياء حق عند أهل السنة والجماعة، والولي أعطي الكرامة ببركة اتباعه للنبي[، فلا تظهر حقيقة الكرامة عليه، إلا إذا كان داعياً لاتباع النبيصلى الله عليه وسلم بريئاً من كل بدعة وانحراف عن شريعته صلى الله عليه وسلم، فببركة اتباعه يؤيده الله - تعالى - بملائكته وبروح منه»(12).
ويقول المجاهد الشيخ سليمان بن سمحان: «إن الشيخ - أي محمد بن عبدالوهاب - رحمه الله - لا ينكر كرامات الأولياء، بل يثبتها، ولا ينكر إلا خوارق الشياطين؛ فإن أولياء الرحمن لهم علامات يعرفون بها، فمن علامات أولياء الله: محبة الله، ومحبة رسوله، والتزام ما أمر الله به ورسوله، وتقديم ما دل عليه الكتاب والسنة على ما يخطر ببال أحدهم أنه كرامة»(13).
أما خوارق السحرة والدجالين والمشعوذين التي تتخذ صورة كرامات الصالحين والأولياء؛ فهذه خوارق شيطانية نحاربها أشد المحاربة، وهي صورة شيطانية تسيء إلى الإسلام والمسلمين.
فالإمام محمد بن عبدالوهاب وأتباعه من الموحدين يحاربون أولياء الشيطان من الخرافيين والمشعوذين من الصوفية وغيرهم، الذين أدخلوا كثيراً من الأقوال الشيطانية باسم الكرامة والأولياء، وجعلوها لدجالين ومشعوذين، أمثال أحمد البدوي، والدسوقي، وابن سبعين، وابن الفارض، والشعراني.. إلخ.
يقول عبدالظاهر أبو السمح، إمام الحرم المكي - رحمه الله-: «الكرامات لا يملكها أحد لنفسه، بل الله يكرم من يشاء من عباده بالإيمان والتقوى، ومن يهن الله فما له من مكرم»(14).
وأخيراً نختتم هذه الفرية بعطر من صاحب الدعوة المباركة الإمام محمد بن عبدالوهاب وهو يبين الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان، قائلاً: «بيان الله - سبحانه وتعالى - وتفريقه بينهم وبين المتشبهين بهم من أعداء الله المنافقين والفجار، ويكفي في هذا آية في سورة آل عمران، وهي قوله تعالى: {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله}، وآية في سورة المائدة، وهي قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه}، وآية في سورة يونس، قال تعالى: {ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون الذين آمنوا وكانوا يتقون}.
ثم صار عند أكثر من يدعي العلم، وأنه من هداة الخلق وحفاظ الشرع إلى أن الأولياء لابد فيهم من ترك اتباع الرسل، ومن تبعهم فليس منهم»(15).
وفي وقتنا هذا - وللأسف الشديد - عمت البلاد الإسلامية إلا من رحم الخزعبلات والخرافات والشعوذة؛ حيث إن الكثيرين من السحرة والدجالين يتسترون تحت مسمى (الكرامة الربانية) ويقومون بأعمالهم الشيطانية مستغلين في ذلك الناس البسطاء، ومما يزيد في الصدر المرارة أنهم يفعلون ذلك تحت أسماع العلماء وأبصارهم، ولكن القلة منهم الذين يتصدون لهم.
الهوامش:
1 - انظر البراهين الجلية ص 7.
2 - انظر كشف الارتياب: المعاملي: ص 260.
3 - انظر فصل الخطاب ص 41.
4 - مصباح الأنام ص 18.
5 - فصل الخطاب في بيان الصواب ص 22.
6 - المصدر السابق ص 42.
7 - رسالة في الرد على الوهابية - تأليف عمر المحجوب جـ1 المطبعة التونسية ص 7.
8 - فصل الخطاب في بيان الصواب ص 25.
9 - مجموعة مؤلفات الشيخ جـ5 ص 10.
10 - نفس المصدر جـ4 ص282.
11 - الدرر السنية جـ1 ص 128.
12 - مجموعة الرسائل والمسائل جـ2 ص83.
13 - الأسنة الحداد في الرد على علوي الحداد: تأليف سليمان بن سحمان ص 128.
14 - الرسالة المكية، ص25.
15 - مجموعة مؤلفات الشيخ محمد بن عبدالوهاب جـ1 ص395.



اعداد: د. أحمد بن عبدالعزيز الحصين




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 08-03-2024, 08:33 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 140,280
الدولة : Egypt
افتراضي رد: دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب.. سلفية لا وهابية




زعموا أن حديث نجد قرن الشيطان…!

(الحلقة الرابعة)



ادعى الخصوم أن نجدا المذكورة في الأحاديث النبوية الشريفة هي نجد موقع ظهور الإمام محمد بن عبدالوهاب وجماعته، موقع مسيلمة الكذاب، وهي موطن الزلازل والفتن، إلى آخره من الترهات والكذب والبهتان.
يقول ابن عفالق الحاقد على هذه الدعوة، وهو من الأوائل الذين افتروا على الموحدين بأنهم قرن الشيطان: «وفي فضل أهل الشام واليمن والحرمين وفارس ما يعرفه من له أدنى معرفة بالأحاديث، وأما أنتم أهل اليمامة ففي الحديث الصحيح عندكم يطلع قرن الشيطان، وأنتم لا تزالون في شر إلى يوم القيامة، إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار»(1).
ويقول علوي الحداد: «وقد استنبط العلماء من مفهوم قول النبي صلى الله عليه وسلم : «يطلع منها- أي نجد- قرن الشيطان» من معجزاته؛ لأنه أتى بالياء للاستقبال؛ لأن مسيلمة، لعنه الله، في حياته عليه السلام طلع، وادعى النبوة، وهناك في خلافة الصديق، ولم يطلع قرن الشيطان إلا بعد الألف والمائة والخمسين، وهو محمد بن عبدالوهاب، رأس هذه البدعة وأسها»(2).
ويقول عثمان بن منصور: إن نجد اليمامة هي قرن الشيطان:
وقد «امتنع الرسول زعموا أن حديث نجد قرن الشيطان...! (الحلقة الرابعة)

عن الدعاء لها لما علم للشام ولليمن والمدينة، لما علم بعلم الله ما يحدث فيها ومنها، وقال فيها: «أولئك منها الزلازل والفتن، ومنها ما يظهر قرن الشيطان»(3).
وهذا القاضي الفلسطيني يوسف النبهاني الذي تصدى للتوحيد في كتابه «شواهد الحق في الاستغاثة بسيد الخلق».
ويدعي هذا الحاقد أن نجد اليمامة هي قرن الشيطان(4)، وأنها من بلاد المشرق التي ذمها الرسول زعموا أن حديث نجد قرن الشيطان...! (الحلقة الرابعة)

، يقول:
أشار رسول الله للشرق ذمه
وهم أهله لا غرو أن يطلع الشرا
به يطلع الشيطان ينطح قرنه
رؤوس الهدى والله يكسره كسرا
بها من صريح الإفك أخبث مورد
وإن ظنها الجهال من خالص تبرا
إلى أن قال:
أولئك وهابية ضل سعيهم
فظنوا الردى خيرا وظنوا الهدى رشدا(5)
يقول أحمد بن محمد الغماري: «ولما طلع قرن الشيطان بنجد في أواخر القرن الحادي عشر، وانتشرت فتنته، كانوا يحملون الأحاديث عليه وعلى أصحابه» (6).
وقد حشد هؤلاء عقول العوام بتشويه دعوة الإمام محمد بن عبدالوهاب -رحمه الله- بالكذب والبهتان حتى يصدوا الناس عن الدعوة السلفية المباركة، ويكون لهم الصدارة في الخرافة والبدع وأكل أموال الناس بالباطل.
وإليك يا أخي القارئ الكريم الأدلة على أن العراق هو المقصود بهذه الأحاديث، وليس نجدا كما زعم أعداء الدعوة السلفية.
الأدلة النبوية الصريحة على أن العراق مطلع الفتن وقرن الشيطان
عن ابن عباس، وابن عمر -رضي الله عنهم- قالا: دعا نبي الله زعموا أن حديث نجد قرن الشيطان...! (الحلقة الرابعة)

فقال: «اللهم بارك لنا في صاعنا، ومدنا، وبارك لنا في مكتنا ومدينتنا، وبارك لنا في شامنا ويمننا»، فقال رجل من القوم: يا نبي الله وعراقنا، قال: «إن فيها قرن الشيطان، وتهيج الفتن، وإن الجفا بالمشرق»(7)، وفي رواية أخرى لابن عمر: قال رجل: فالعراق، فيها ميرتنا وفيها حاجتنا، فسكت، ثم قال: «مطلع قرن الشيطان، وهناك الزلازل والفتن»(8).
وعن ابن عمر رضي الله عنه أن النبي زعموا أن حديث نجد قرن الشيطان...! (الحلقة الرابعة)

قال: «دخل إبليس العراق فقضى حاجته فيها، ثم دخل الشام فطردوه»(9).
وأخرج البخاري في صحيحه من حديث: «يخرج أناس من قبل المشرق ويقرؤون القرآن لا يتجاوز تراقيهم»(10).
وأخرج الإمام مسلم في صحيحه أن سالم ابن عبدالله بن عمر رضي الله عنهم قال: يا أهل العراق ما أسألكم عن الصغيرة، وأركبكم للكبيرة! سمعت أبي عبدالله بن عمر يقول: سمعت رسول الله زعموا أن حديث نجد قرن الشيطان...! (الحلقة الرابعة)

يقول: «إن الفتنة تجيء من هاهنا»- وأومأ بيده نحو المشرق- «من حيث طلع قرن الشيطان»(11).
وعن ابن عمر رضي الله عنهما أنه سمع النبي زعموا أن حديث نجد قرن الشيطان...! (الحلقة الرابعة)

وهو مستقبل المشرق يقول: «ألا إن الفتنة هاهنا، ألا إن الفتنة ها هنا، من حيث يطلع قرن الشيطان»(12).
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت النبي زعموا أن حديث نجد قرن الشيطان...! (الحلقة الرابعة)

يقول: «بارك الله في شامنا ويمننا»، قالوا: وفي نجدنا يا رسول الله، قال في الثالثة: «هناك الزلازل والفتن، وبهما يطلع قرن الشيطان»(13).
قال العلامة الكرماني في شرح الحديث: «نجد يطلع منها قرن الشيطان، هو الأرض المرتفعة، من تهامة إلى العراق»، ثم قال أيضا: «كل ما ارتفع من تهامة إلى العراق، فهو نجد» وقال في موضع آخر: «ومن كان بالمدينة الطيبة «صلى الله على ساكنها وسلم»، كان نجده بادية العراق، وهي مشرق أهلها»(14).
وبمثله قال العيني في شرحه لصحيح البخاري(15)، وقال الخطابي -رحمه الله: «نجد من جهة المشرق، ومن كان بالمدينة كان نجده بادية العراق ونواحيها، وهي مشرق أهلها»، إلى قوله: «وأما نجد فهي الناحية بين الحجاز والعراق»(16).
ونقله الحافظان: ابن حجر والقسطلاني في شرحهما لصحيح البخاري، ونقلا عن الخطابي قوله في معنى: «قرن شيطان»: «القرن الأمة من الناس، يحدثون بعد فناء آخرين، وقرن الحية أن يضرب المثل به فيما لا يحمد من الأمور»(17).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله زعموا أن حديث نجد قرن الشيطان...! (الحلقة الرابعة)

: «يوشك الفرات أن يحسر عن كنز من ذهب فمن حضره فلا يأخذ منه شيئا»(19).
وفي رواية أخرى عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بمثله إلا أنه قال: «يحسر عن جبل من ذهب»(20)، وروى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تقوم الساعة حتى يحسر الفرات عن جبل من ذهب، يقتتل الناس عليه، فيقتل من كل مئة تسعة وتسعون، ويقول كل رجل منهم: لعلي أكون أنا الذي أنجو»(21).
وعن أبي بن كعب قال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «يوشك الفرات أن يحسر عن جبل من ذهب، فإذا سمع به الناس ساروا إليه، فيقول من عنده: لئن تركنا الناس يأخذون منه ليذهبن به كله، قال: فيقتتلون عليه، فيقتل من كل مئة تسعة وتسعون»(22).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «منعت العراق درهمها وقفيزها، ومنعت الشام مدها ودينارها، ومنعت مصر إردبها ودينارها، وعدتم من حيث بدأتم»، قالها ثلاثا (23).
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يشير بيده نحو العراق: «هاهنا، إن الفتنة هاهنا، إن الفتنة هاهنا، ثلاثا»(24). قال النووي -رحمه الله- في شرح هذا الحديث بعد أن ذكر أقوالا لمن سبقه من العلماء، قال: «وقوله: «منعت العراق درهمها وقفيزها» قال: قيل: لأنهم يرتدون آخر الزمان فيمنعون ما لزمهم من الزكاة وغيرها».
أخي المسلم: لقد تبين لك مما ذكرنا من الأدلة النبوية، أن العراق بلد الفتن والشرور والشيطان، والفرقة والاختلاف، ومنشأ الكفر والنفاق والطغيان، مما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ، الذي لا ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى، وإليك ما ورد في ذلك عن الصحابة والتابعين وأئمة الإسلام والمسلمين، ممن لهم علم ودراية، فيما دونوا من علوم ورواية(25).
ثم أتي ببيان أشهر الفتن التي نشأت من العراق، فإذا عرفت أن العراق مطلع كل شر وخراب ودمار، فهيا إلى بيان الفتن التي ظهرت منها وفرقت الإسلام والمسلمين، بعد عصر النبوة:
الأولى: أكبرها وأشنعها، وهي اغتيال فاروق الأمة, الخليفة الثاني رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه، الذي أعز الله به الإسلام، ومناقبه لا تعد ولا تحصى، وليس هنا بيانها فانظرها في مصادرها.
فكما هو معلوم فإن قاتله هو أبو لؤلؤة المجوسي -عليه لعنة الله- وقد أتى من الكوفة، وأصله أعجمي.
الثانية: فتنة ذي النورين الخليفة الثالث: عثمان بن عفان -رضي الله عنه وأرضاه- وقد ابتدأت من البصرة والكوفة بالعراق، وانتشرت حتى وصلت مصر.
الثالثة: وقعات الجمل، وصفين، والنهروان، بين الخليفة الرابع علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه وبين معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه وكان منشأ الفتنة من العراق، وعلى أرض العراق.
الرابعة: فتنة الخوارج وتآمرهم ضد الصحابة، وتكليفهم ابن ملجم بقتل الخليفة الرابع: علي بن أبي طالب -رضي الله عنه وأرضاه-وكان ذلك في أكبر مدنها، مطلع قرن الشيطان، «مدينة الكوفة»، وقد قتله سنة 40هـ الموافقة لـ661م، وتكليفهم البرك بقتل معاوية، وقد ضربه في خاصرته وسلم، ومثلهما: ابن بكر على عمرو في مصر.
الخامسة: ظهور الفرق الضالة المضلة، التي بددت الإسلام وأحدثت فيه الفرق والاختلاف، والاقتتال، وهي:
> طائفة الخوارج: الذين خرجوا على الخليفة، ومرقوا من الإسلام، وهم الذين يعتقدون أن عليا والصحابة وجميع المسلمين سواهم، قد ارتدوا عن الإسلام وكفروا بالله، وهم اشتهروا بـ«المفرطة المكفرة»، وهم عشرون فرقة.
> المعتزلة: القائلون بأن العباد خالقو أفعالهم، وينفون الرؤية ويوجبون الثواب والعقاب، وهم عشرون فرقة.
> الشيعة: المفرطون في محبة علي رضي الله عنه وهم اثنتان وعشرون فرقة.
> البخارية: الموافقة لأهل السنة في خلق الأفعال، والمعتزلة في نفي الصفات، وحدوث الكلام، وهم ثلاث فرق.
> الجبرية: القائلة بسلب الاختيار عن العباد، وهم فرقة واحدة.
> المشبهة: الذين يشبهون الحق بالخلق في الجسمية، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا: {ليس كمثله شيء وهو السميع العليم}، وهم خمس فرق.
> الحلولية: وهم فرق أخرى.










1 الهوامش
- انظر رسالة ابن عفالق لابن معمر ص49 من هذه الرسالة.
2- الصواعق الإلهية في الرد على الوهابية ص7.
3- انظر مصباح الظلام في الرد على من كذب الشيخ الإمام ص234.
4- الرائية الصغرى في ذم البدعة ومدح السنة الغراء- يوسف بن إسماعيل النبهاني ج1 ص27.
5- مصباح الأنام: للحداد ص53.
6- انظر ايضاح الحجة في الرد على صاحب طنجة- حمود التويجري، رحمه الله ص123.
7- أورده في كنز العمال 135/14، وعزاه إلى ابن عساكر.
8- المصدر السابق: 310/12 وقال: أخرجه الطبراني، قلت: أورده الهيثمي في مجمع الزوئد، وقال: أخرجه الطبراني في الكبير والأوسط، ورجاله ثقات.
9- المصدر السابق.
10- أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب التوحيد، انظر الفتح: 535/13.
11- أخرجه مسلم في كتاب الفتن، باب الفتنة من المشرق- حديث (2905).
12- أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الفتن: باب الفتنة من المشرق، ومسلم في صحيحه، كتاب الفتن- حديث (2905).
13- صحيح البخاري، كتاب الفتن: باب الفتنة من قبل المشرق.
14- شرح الكرماني لصحيح البخاري، الطبعة المصرية 168/24.
15- كتاب الفتن: 353/11.
16- فتح الباري شرح صحيح البخاري لابن حجر:47/13.
17- المصدر السابق أيضا.
18- البخاري، بدء الخلق: 350/6، ومسلم: باب تفاضل أهل الإيمان: 30/2.
19- أخرجه البخاري، كتاب الفتن، باب أشراط الساعة 101/8، ومسلم في الفتن، باب لا تقوم الساعة حتى يحسر عن الفرات- حديث (2894).
20- المصدر السابق.
21- مسلم في صحيحه، الفتن، حديث (2894).
22- المصدر السابق الحديث رقم (2895).
23- المصدر السابق الحديث رقم (2896).
24- الإمام أحمد في مسنده: 43/2 وسنده صحيحم
25- انظر: رسالة الدليل البراق على حوادث الكويت والعراق: تأليف عمر العمروي.



اعداد: د. أحمد بن عبدالعزيز الحصين




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 08-03-2024, 08:54 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 140,280
الدولة : Egypt
افتراضي رد: دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب.. سلفية لا وهابية




هل رجع سليمان بن عبدالوهاب عن ضلالاته؟

(الحلقة الخامسة)



هل رجع سليمان بن عبدالوهاب عن ضلالاته وعداوته للتوحيد أم بقي مصراً على ذلك العداء؟ يروي الشيخ عبدالله بن بسام في كتابه «علماء نجد» عدم صحة رجوع الشيخ سليمان، وله في سياق ذلك أدلة كثيرة. ويقول الإمام عبدالرحمن بن حسن -رحمه الله: «وممن أورد هذه الشبه، على طروء الشرك في هذه الأمة، عليه- أي محمد بن عبدالوهاب -عبدالله المويس راعي حريملة، وابن إسماعيل في الوشم، وسليمان بن عبدالوهاب في العارض»(1).
ويقول -رحمه الله- عن عدم صحة توبة الشيخ سليمان: وقد اكتفيت بما ذكره شيخنا في رده على سليمان بن عبدالوهاب الذي صدره بحديث عمرو بن عبسة(2).
فالشيخ عبدالرحمن بن حسن بن محمد بن عبدالوهاب -رحمهم الله- لم يرد منه أي دليل على توبة الشيخ سليمان، ولكن هناك إشارات بأن الشيخ سليمان بن عبدالوهاب رجع عن ضلالاته وتاب وعاد إلى الدعوة السلفية.
يقول عبداللطيف بن عبدالرحمن بن حسن(3): «وقد رأيت لسليمان رسالة يعارض فيها الدعوة وتأملاتها، فإذا هي رسالة جاهل بالصناعة، مزجى التحصيل والبضاعة»(4).
ثم قال: «وقد وقفت على رسالة تدل على رجوعه أثناء تسويد الكتاب»(5).
وكتاب (مصباح الظلام) ألفه بعد كتاب (منهاج التأسيس)، وإن لم يتم المنهاج، وعلى ذلك فأمر رجوع الشيخ سليمان -آنذاك كان خفياً على المجدد الثاني الشيخ عبدالرحمن بن حسن، وكذا ابنه الشيخ عبداللطيف، ثم لم يعلم الشيخ عبداللطيف برجوع سليمان إلا أخيرا وهو ما يفهم من قول الشيخ عبداللطيف بن عبدالرحمن بن حسن: وقد منّ الله وقت تسويد هذا الكتاب بالوقوف على رسالة لسليمان، فيها البشارة برجوعه عن مذهبه الأول، وأنه قد استبان له التوحيد والإيمان، وندم على ما فرط من الضلال والطغيان، وهذا نصها:
بسم الله الرحمن الرحيم
من سليمان بن عبدالوهاب إلى الأخوين: حمد ابن محمد التويجري وأحمد ومحمد ابني عثمان ابن شبانة.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، (وبعد): فأحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو، وأذكركم بما منّ الله به علينا وعليكم من معرفة دينه، ومعرفة ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم من عنده، وبصرنا به من العمى، وأنقذنا من الضلالة، وأذكركم بعد أن في الدرعية من معرفتكم الحق على وجهه، وابتهاجكم به، وثنائكم على الله الذي أنقذكم، وهذا دأبكم في سائر المجالس عندنا، وكل من جاءنا بحمد الله يثني عليكم، والحمدلله على ذلك، وكتبت لكم بعد ذلك كتابين غير هذا أذكركم وأحضكم، ولكن يا إخواني معلومكم ما جرى منا من مخالفة الحق، واتباعنا سبل الشيطان، ومجاهدتنا في الصد عن اتباع سبل الهدى.
والآن -معلومكم- لم يبق من أعمارنا إلا اليسير والأيام معدودة، والأنفاس محسوبة، والمأمون أن نقول لله ونفعل مع الهدى أكثر مما فعلنا مع الضلال، وأن يكون ذلك لله وحده لا شريك له، لعل الله يمحو عنا سيئات ما مضى وسيئات ما بقي. ومعلومكم عظم الجهاد في سبيل الله، وما يكفر من ذنوب، وأن الجهاد باليد واللسان والقلب والمال، وتفهمون أجر من هدى الله به رجلا واحدا.
والمطلوب منكم أكثر مما تفعلون الآن، وأن تقوموا لله قيام صدق، وأن تبينوا للناس الحق على وجهه، وأن تصرحوا لهم تصريحا بيناً بما كنتم عليه أولاً من الغي والضلال.
فيا إخواني الله الله، فالأمر أعظم من ذلك فلو خرجنا نجأر إلى الله في الفلوات وعدّنا الناس من المجانين في ذلك لما كان ذلك بكثير منا.
وأنتم رؤساء الدين والدنيا في مكانكم أعز من الشيوخ، والعوام كلهم تبع لكم، فاحمدوا الله على ذلك، ولا تعتلوا بشيء من الموانع.
وتفهموا أن الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر لا بد أن يرى ما يكره، ولكن أرشدكم في ذلك إلى الصبر، كما حكي عن العبد الصالح لقمان في وصيته لابنه، فلا أحق من أن تحبوا لله، وتبغضوا لله، وتوالوا لله، وتعادوا لله.
ونراه يعرض في هذا أمورا شيطانية، وهي: «أن من الناس من ينتسب لهذا الدين وربما يلقي الشيطان لكم أن هذا ما هو بصادق، وأن له ملحظاً دنيوياً، وهذا أمر ما يطلع عليه إلا الله، فإذا أظهر أحد الخير فاقبلوه منه ووالوه، فإذا ظهر من أحد شر وإدبار عن الدين فعادوه واكرهوه، ولو أحب حبيب.
وجامع الأمر في هذا: أن الله خلقنا لعبادته وحده لا شريك له، ومن رحمته بعث لنا رسولا يأمرنا بما خلقنا له، وبين لنا طريقه، وأعظم ما نهانا عنه الشرك بالله وعداوة أهله، وأمرنا بتبيين الحق وتبيين الباطل فمن التزم ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم فهو أخوك ولو أبغض بغيض، ومن نكب عن الصراط المستقيم فهو عدوك ولو ولدك أو أخاك.
وهذا شيء أذكركموه مع أني بحمد لله أعلم أنكم تعلمون ما ذكرت لكم، ومع هذا فلا عذر لكم عن التبيين الكامل الذي لم يبق معه لبس، وأن تذكروا دائما في مجالسكم ما جرى منا ومنكم أولا، وأن تقوموا مع الحق أكثر من قيامكم مع الباطل، فلا أحق من ذلك ولا لكم عذر؛ لأن اليوم الدين والدنيا ولله الحمد مجتمعة في ذلك، فتذاكروا ما كنتم فيه أولا في أمور الدنيا من الخوف والأذى، واعتلاء الظلمة والفسقة عليكم، ثم رفع الله ذلك كله بالدين، وجعلكم السادة والقادة، وذلك من آثار دعوة شيخ الإسلام، وعلم الهداة والأعلام.
ثم -أيضا- ما منّ الله به عليكم من الدين، انظروا إلى مسألة واحدة مما نحن فيه من الجهالة قبل انتشار هذه الدعوة الإسلامية، كان البدو تجري عليهم أحكام الإسلام، مع معرفتنا أن الصحابة قاتلوا أهل الردة وأكثرهم متكلمون بالإسلام، ومنهم من أتى بأركانه، ومع معرفتنا أنه من كذب بحرف من القرآن كفر ولو كان عابدا، وأن من استهزأ بالدين أو بشيء منه فهو كافر، وأن من جحد حكماً مجمعاً عليه فهو كافر، إلى غير ذلك من الأحكام المكفّرات، وهذا كله مجتمع في البدو وأزيد، وتجري عليهم أحكام الإسلام اتباعا لتقليد من قبلنا بلا برهان.
فيا اخواني: تأملوا وتذاكروا في هذا الأصل يدلكم على ما هو أكثر من ذلك، وأنا أكثرت عليكم الكلام؛ لوثوقي بكم أنكم ما تشكون في شيء فيما تحاذرون إلى الله -تعالى- أن يعيذكم من شرور أنفسكم وسيئات أعمالكم، وأن يهديكم إلى الصراط المستقيم الذي عليه رسله وأنبياؤه، وعباده الصالحون، وأن يعيذكم من مضلات الفتن، فالحق واضح أبلج، وماذا بعد الحق إلا الضلال.
فالله الله، ترى الناس الذين في جهاتكم تبع لكم في الخير والشر، فإن فعلتم ما ذكرت لكم ما قدر أحد من الناس أن يرميكم بشر، وصرتم كالأعلام هداية للحيران، فإن الله -سبحانه وتعالى- هو المسؤول أن يهدينا وإياكم سبل السلام.
والشيخ وعياله وعيالنا طيبون ولله الحمد، ويسلمون عليكم، وسلموا لنا على من يعز عليكم، والسلام.
وصلى الله على محمد وآله وصحبه، اللهم اغفر لكاتبها ولوالديه ولذريته، ولمن نظر فيها فدعا له بالمغفرة، والمسلمين والمسلمات أجمعين»(6).
فأجابوه وهم في أشد الفرح بتوبته ورجوعه إلى الحق، وهذا نص الرسالة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد سيد المرسلين.
من كاتبه الفقير حمد التويجري وأحمد بن عثمان وأخيه محمد، إلى من منّ الله علينا وعليه باتباع دينه، واقتفاء هدى محمد نبيه وأمينه صلى الله عليه وسلم ، الأخ: سليمان بن عبدالوهاب، زادنا الله وإياه من التقوى والإيمان، وأعاذنا وإياه من نزغات الشيطان -سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بعد إبلاغ الشيخ وعياله، وعبدالله وإخوانه السلام، وبعد: فوصلت إلينا نصيحتك، جعلكم الله من الأئمة الذين يهدون بأمره، الداعين إليه وإلى دين نبيه محمد صلى الله عليه وسلم ، فنحمد الله الذي فتح علينا وهدانا لدينه، وعدلنا عن الشرك والضلال، وأنقذنا من الباطل والبدع المضلة، وبصرنا بالإسلام الصرف الخالي من شوائب الشرك، فلقد منّ الله علينا وعليكم، وله الفضل والمنة، بما نور قلوبنا من اتباع كتابه، وسنّة نبيه ورسوله صلى الله عليه وسلم ، وعدلنا عن سبيل من ضل وأضل بلا برهان، ونسأله أن يتوب علينا وعليكم ويزيدنا من الإيمان.
فلقد خضنا، فيما مضى بالعدول عن الحق ودحضناه، وارتكبنا الباطل ونصرناه جهلاً منا وتقليدا لمن قبلنا، فحق علينا أن نقوم مع الحق قيام صدق، أكثر مما قمنا مع الباطل على جهلنا وضلالنا.
فالمأمول والمبغي منا ومنكم ومن جميع إخواننا التبيين الكامل الواضح؛ لئلا يغتر بأفعالنا الماضية من يقتدي بجهلنا، وأن نتمسك بما اتضح وابلولج من نور الإسلام، وما بين الشيخ محمد بن عبدالوهاب -رحمه الله- من شريعة النبي صلى الله عليه وسلم ، فلقد حاربنا الله ورسوله واتبعنا سبيل الغي والضلال، ودعونا إلى سبيل الشيطان، وتنكبنا كتاب الله وراء ظهورنا، جهلا منا وعداوة، وجاهدنا في الصد عن دين الله ورسوله، واتبعنا كل شيطان تقليدا وجهلا بالله، فلا حول ولا قوة إلا بالله: {قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين} (الأعراف:23)، لا إله إلا أنت سبحانك إنا كنا من الظالمين.
فالواجب منا لما رزقنا الله معرفة الحق أن نقوم معه أكثر من قيامنا مع الباطل، ونصرح بالتبيين للناس بأننا كنا على باطل فيما فات، ونقوم له مثنى وفرادى، ونتوكل على الله عسى أن يتوب علينا ويعيذنا من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، وأن يهدينا سبل السلام، وأن يجعلنا من الداعين إلى الهدى، لا الدعاة إلى النار.
فنحمد الله الذي لا إله إلاّ هو، حيث منّ علينا بهذا الشيخ في آخر هذا الزمان، ودعا إلى الله وإلى توحيده في السر والإعلان، وجعله الله بفضله وإذنه هاديا للتائه الحيران، نسأل الله العظيم أن يمتع المسلمين به، ويعيذه من شر كل حاسد وباغ، ويبارك في أيامه، وأن يجعل جنة الفردوس مأواه وإيانا، وأن ينفعنا بما بينه من الأدلة الساطعة والبراهين القاطعة، فلقد بين دين نبيه صلى الله عليه وسلم على رغم أنف كل جاحد، وصار علما للحق حين طمس، ومصباحا للهدى حين درست أعلامه ونكست، وأطفأ الله به الشرك بعد ظهوره حين عبدت الأوثات صرفاً بلا رمس، ولم يزل منّ الله عليه برضاه ينادي: أيها الناس، هلموا إلى دين نبيكم الذي بعث به إن كنتم تؤمنون بالله اليوم والآخر، ثم لم ينقم منه وعليه إلا أن يقول: أيها الناس اعبدوا ربكم وأعطوه حقه الذي خلقكم لأجله، وخلق لكم ما في السموات وما في الأرض جميعا منه، إن الله -تعالى- يقول: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون} (الذاريات:56)، وقال: {ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت} (النحل:36)، وقال تعالى: {وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحد} (الجن:18).
وقال تعالى: {فإن حاجوك فقل أسلمت وجهي لله ومن اتبعن}.
وفسر إسلام الوجه بالقصد في العبادة، فإن دعا العبد غير الله أو قصد غير الله أو نذر لغير الله أو استغاث بغير الله أو توكل على غير الله أو التجأ إلى غير الله، فهذه عبادة لمن قُصد بذلك، وهذا والله الشرك الأكبر.
وإنا نشهد بذلك، وقمنا مع أهله ثلاثين سنة، وعادينا من أمر بتجريد التوحيد العداوة البينة التي ما بعدها عداوة. فالواجب علينا اليوم نصر الله و دينه، وكتابه ورسوله، والتبرؤ من الشرك وأهله، وعداوتهم وجهادهم باليد واللسان، لعل الله يتوب علينا ويرحمنا ويستر مخازينا.
وأكبر من هذا البدو الذين لا يدينون دين الحق، ولا يصلون، ولا يزكون ولا يورثون، ولا لهم نكاح صحيح، ولا حكم عن الله والرسول يدينون به صريح، ولا يحللون ما أحل الله، ولا يحرمون ما حرم الله، ونقول: هم إخواننا في الإسلام؟ سبحانك هذا بهتان عظيم، ومكابرة لما جاء به رسول رب العالمين.
ونقول أيضا: لا خلاف أن التوحيد لابد أن يكون بالقلب واللسان والعمل؛ فإن اختل من هذا شيء لم يكن الرجل مسلماً، فإن عرف التوحيد ولم يعمل به فهو كافر معاند، كفرعون وإبليس وأمثالهما، وإن عمل بالتوحيد عملا ظاهرا وهو يفهمه ولا يعتقده بقلبه فهو منافق شر من الكافر، أعاذنا الله وإياكم من الخزي يوم تبلى السرائر.
فالواجب علينا وعلى من نصح نفسه أن يعمل العمل الذي يحصل به فكاك نفسه من النار، وأن يعبدالله ولا يعبد غيره.
فالعبادة حق الله على العبيد، ليس لأحد فيها شرك، لا ملك مقرب ولا نبي مرسل، فضلا عن السفلة والشياطين.
وحق علينا أن نجأر إليه بالليل والنهار، والسر والعلانية في الخلوات والفلوات، على أن يتوب علينا ويعفو عما فات، فالحق بحمد الله وضح وابلولج، وماذا بعد الحق إلا الضلال، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين، وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين»(7).
والجدير ذكره أن مسألة عودة الشيخ سليمان بن عبدالوهاب إلى التوحيد الخالص أو عدم عودته لا تضير الدعوة في شيء، ولنا في الأنبياء والصحابة المثل والقدوة؛ إذ إن نوح جاءه الكفر من قبل ابنه وزوجته، وكذلك لوط عليه السلام من قبل زوجته، وإبراهيم عليه السلام من قبل أبيه، وسيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم من قبل عمه أبي لهب، ومع ذلك كان النصر حليفا لهؤلاء الأنبياء، عليه السلام.
الهوامش:
1- مجموعة الرسائل والمسائل النجدية ج3 ص53.
2- الدرر السنية ج9 ص201.
3- هو عبداللطيف بن عبدالرحمن بن حسن بن محمد بن عبدالوهاب ولد سنة 1225هـ في بلدة الدرعية موطن دعوة التوحيد ومهد علمائها، فحفظ القرآن في صغره ثم انتقل إلى مصر وبقي فيها مدة 31 سنة يتلقى العلم على أفاضل علمائها، وفي سنة 1264هـ رجع إلى نجد واستقر في الأحساء لمدة سنتين ينشر دعوة التوحيد فيها، وبعد ذلك انتقل إلى الرياض، وكان في معية الإمام فيصل بن تركي بن سعود في بعض غزواته وله جمع من طلاب العلم، وله ستة مصنفات في التوحيد ومختلف العلوم. توفي في الرابع عشر من شهر ذي القعدة سنة 1293هـ. انظر مشاهير علماء نجد/تأليف: عبدالرحمن بن عبداللطيف آل الشيخ ص 70-94.
4- مصباح الظلام.
5- نفس المصدر ص104-105.
6- مصباح الظلام في الرد على من كذب على الشيخ الإمام -عبداللطيف بن عبدالرحمن بن حسن ص105.
7- مصباح الظلام في الرد على من كذب على الشيخ الإمام.



اعداد: د. أحمد بن عبدالعزيز الحصين




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 09-03-2024, 07:12 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 140,280
الدولة : Egypt
افتراضي رد: دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب.. سلفية لا وهابية




الإمام محمد بن عبد الوهاب.. وثناء علماء ومفكري الشرق والغرب عليه

(الحلقة السادسة)



تحدثنا في الحلقات السابقة عن الـدور الذي قام به الإمام محمد بن عبدالوهاب في تصحيح العقيدة ونبذ الخرافات، وذكرنا الأخطاء التي يرتكبها أعداء دعوة الشيخ الذين يحالون تشويه سمعة الشيخ وأتباعه، وذكرنا أيضا ثناء العديد من علماء الإسلام الذين عاصروا الإمام وغيرهم ممن أتى بعده، ونستكمل في هذه الحلقة بذكر أقوال مفكري الغرب والشرق عن حقيقة دعوة الإمام محمد بن عبدالوهاب النهضوية.
1- قال الشيخ محمد رشيد رضا(1)-رحمه الله-:
«لم يخل قرن من القرون التي كثر فيها البدع من علماء ربانيين، يجددون لهذه الأمة أمر دينها بالدعوة والتعليم وحسن القدوة، وعدول ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين، كما ورد في الأحاديث، ولقد كان الشيخ محمد بن عبدالوهاب «النجدي» من هؤلاء العدول المجددين، قام يدعو إلى تجريد التوحيد وإخلاص العبادة لله وحده، بما شرعه في كتابه وعلى لسان رسوله خاتم النبيين [ وترك البدع والمعاصي وإقامة شعائر الإسلام المتروكة وتعظيم حرماته المنتهكة، فهبت لمناهضته واضطهاده القوى الثلاث: قوة الدولة والحكام، وقوة أنصارها من علماء النفاق، وقوة العوام الطغام، وكان أقوى سلاحهم في الرد عليه، أنه خالف جمهور المسلمين.
- من هؤلاء المسلمون الذين خالفهم الشيخ محمد بن عبدالوهاب في دعوته؟
هم أعراب في البوادي شر من أهل الجاهلية يعيشون بالسلب والنهب، ويستحلون قتل المسلم وغيره لأجل الكسب، ويتحاكمون إلى طواغيتهم في كل أمر، ويجحدون كثيرا من أمور الإسلام المجمع عليها، والتي لا يسع مسلما جهلها»(2).
2- محمد كر د علي:
«وما ابن عبدالوهاب إلا داعية، هدى الناس من الضلال وساقهم إلى الدين السمح، وإذا بدت شدة من بعضهم فهي ناشئة من نشأة البادية، وقلما رأينا شعبا من أهل الإسلام يغلب عليه التدين والصدق والإخلاص، مثل هؤلاء القوم، وقد اختبرنا عامتهم وخاصتهم، سنين طويلة فلم نرهم حادوا عن الإسلام قيد أنملة وما يتهمهم به أعداؤهم، فزور لا أصل له»(3).
3- عباس محمود العقاد:
«وظاهر» من سيرة محمد بن عبدالوهاب أنه لقي في رسالته عنتا، فاشتد كما يشتد من يدعو غير سميع، ومن العنت إطباق الناس على الجهل والتوسل بما لا يضر ولا ينفع، والتماس المصالح بغير أسبابها، وإتيان المسالك من غير أبوابها، وقد غبر على البادية زمان يتكلمون فيه على التعاويذ والتمائم وأضاليل المشعوذين والمنجمين، ويدعون السعي من وجوهه توسلا بأباطيل السحرة والدجالين حتى في الاستسقاء ودفع الوباء، فكان حقا على الدعاة أن يصرفوهم عن هذه الجهالة، وكان من أثر الدعوة الوهابية صرفهم عن ألوان البدع والخرافات» (4).
4- أحمد بن عبدالغفور عطار -رحمه الله-:
«رأى ابن عبدالوهاب ما حلّ بالمسلمين، ورأى ما بنجد من الشرك والوثنية، ولم تكن نجد خالية من العلماء، بل كان فيها منهم عدد غير قليل في مدنها وقراها، ولكنهم كانوا ضعفاء، ومنهم من لم يفضلوا العامة في معتقداتهم الخرافية، ومنهم من كان على بصيرة من أمرهم، ولكنهم لم يكونوا شجعانا ودعاة بل كانوا وعاظا محدودي الأثر، ولكن ابن عبدالوهاب لم يكن مثلهم، فقد كان عالما حقا، وكان سلفيا صادقا في عقيدته ومنهجه، وكان شجاعا وداعية، ولكن العلماء ليسوا ورثة الأنبياء في العلم وحده، ولكن ميراث النبيين ينجلي في القيام بأعباء الدعوة والتبشير برسالاتهم، واستقبال الأذى بعناد وإصرار في سبيل هداية البشر»(5).
الإمام محمد بن عبدالوهاب وثناء علماء ومفكري الغرب
1- قال المستشرق جولد سيهر:
«إذا أردنا البحث في علاقة الإسلام السني بالحركة الوهابية نجد أنه مما يسترعي انتباهنا خاصة من وجهة النظر الخاصة بالتاريخ الديني الحقيقة الآتية: يجب على من ينصب نفسه للحكم على الحوادث الإسلامية أن يعتبر الوهابيين أنصارا للديانة الإسلامية على الصورة التي وضعها النبي والصحابة، فغاية الوهابية هي إعادة الإسلام كما كان»(6).
2- قال المستشرق سيديو في سيرة الشيخ محمد بن الوهاب:
«فرأى الشيخ أنه إذا ما حصل المسلمون على مراعاة أحكام القرآن بإحكام رجعت إليهم تلك الحماسة التي تعود بها عظمة الماضي، ولم يكن للشيخ هدف من الإصلاح الذي بدأه سوى إعادة شريعة الرسول الخاصة إلى سابق عهدها» اهـ.
3- ويسرد في كتابه «العربية السعودية في القرن التاسع عشر» ما ملخصه:
«نحن لا نعرف إن كانت الوهابية تستطيع مواجهة عصر الذرة والفضاء، ولكن أحد لا ينكر قيمتها، وأثرها في الفكر الإسلامي الحديث.
إن الوهابية كانت في الحقيقة نعمة على المسلمين بمساهمتها الواسعة في تنبيه المسلمين إلى مظاهر الوثنية وتحذيرهم منها، ولا شك أنها حققت فكرة ابن خلدون القائل: «إن العرب البدو يستطيعون أن يؤلفوا قوة لها شأن متى انقادوا إلى الدين..».
4- جاء في دائرة المعارف البريطانية:
«الحركة الوهابية اسم لحركة التطهير في الإسلام، والوهابيون يتبعون تعاليم الرسول وحده، ويهملون كل ما سواها، وأعداء الوهابية هم أعداء الإسلام الصحيح».
5- قال المستشرق لوتروب ستوداره في كتابه «العرب»:
«بلغ العالم الإسلامي في القرن الثاني عشر الهجري أعظم مبلغ من التضعضع الثقافي، ومن الانحطاط، فاربدّ جوه وطبقت الظلمة كل صقع من أصقاعه، ورجا من أرجائه، وانتشر فيها فساد الأخلاق والآداب، وساد الجهل، وانطفأت قبسات العلم الضئيلة، وانقلبت الحكومات الإسلامية إلى مطايا استبداد وفوضى واغتيال.
أما الدين فقد غشيته غاشية سوداء، فألبست الوحدانية التي حملها صاحب الرسالةصلى الله عليه وسلم سحيقا من الخرافات، وقشورا من الصوفية».



6- قال المستشرق الأسباني أرمانو في كتابه «بين الديانات والحضارات»: «إن كل ما ألصق بالوهابية من سفاسف وأكاذيب لا صحة له على الإطلاق.
فالوهابيون قوم يريدون الرجوع بالإسلام إلى عصر صاحبه محمد صلى الله عليه وسلم وإنما ينقصهم للوصول إلى أهدافهم المقدسة رجال متنورون مثقفون، وهم ويا للأسف في هذه الديار».
الهوامش:
(1) صاحب مجلة المنار: وصاحب المولفات المشهورة، وله مواقف عظيمة يدافع فيها عن الإسلام، رحمه الله.
(2) انظر التعريف بكتاب صيانة الإنسان من وسوسة دحلان.
(3) انظر كتاب: القديم والحديث.
(4) انظر كتاب: الإسلام في القرن العشرين، تأليف محمود العقاد.
(5) انظر كتاب: أثر الدعوة الوهابية في العالم الإسلامي، أحمد عبدالغفور عطار.
(6) انظر: العقيدة والشريعة تأليف: المستشرق جولد سيهر.



اعداد: د. أحمد بن عبدالعزيز الحصين




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 09-03-2024, 08:15 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 140,280
الدولة : Egypt
افتراضي رد: دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب.. سلفية لا وهابية

أثر دعوة الإمام محمد بن عبدالوهاب(1) 1115هـ – 11206هـ …1703م- 1757م



مضت سنة الله تبارك وتعالى منذ فجر البشرية البعيد في التفريق بين المصلحين والمفسدين، وبين المحقين والمبطلين، وأن أصحاب الباطل مهما تساندوا فيما بينهم ضد الحق، ومهما تألبوا عليه، ووالى بعضهم بعضا ضده، فإنهم مهزومون، وأصحاب الحق هم المنصورون؛ لأن الحق أصيل في تصميم هذا الوجود، وما على المسلمين الموحدين إلا أن يمضوا بيقين جازم، وثقة قوية بوعد الله تعالى ونصره، لا يخامرهم شك، ولا يخالطهم قلق، ولا تتسرب إليهم ريبة، وحين يوقن القلب المؤمن ويستوثق يعرف طريقه فلا يتلجلج ولا يتلعثم ولا يحيد، وعندئذ يبدو له الطريق واضحا، والأفق منيرا، والغاية محدودة، والمنهج مستقيما، ويردد في كل ما يأتي أو يدعو: وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفا مسلما وما أنا من المشركين، {إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين}.
الدعوة لا يمكن أن يستمد سلطانه إلا من الله عز وجل، ولا يمكن أن يهاب إلا من سلطان الله تبارك وتعالى، فإذا أخلص لربه ولدعوته أيده الله سبحانه وتعالى، وجعل قلوب المخالفين والمعاندين تتوجه إليه بالمودة والرحمة والنصرة، وربما أصبحوا جنودا للدعوة وخدما، وبهذا يعلن الحق قوته وصدقه وثباته وحياته، فيندحر الباطل ويزهق ويتوارى، ومتى استقرت حقيقة الإسلام في دعاته وتمثلت في واقع حياته تجردا لله ومنهجا للحياة، فلن يجعل الله للظالمين على الصالحين سبيلا، وهذه حقيقة لا يحفظ التاريخ الإسلامي كله واقعة واحدة تخالفها، ونحن نقرر في ثقة بوعد الله عز وجل لا يخالجها شك، أن الهزيمة لا تلحق بالمؤمنين، ولم تلحق بهم في تاريخهم كله إلا وهناك ثغرة في حقيقة الإيمان، إما في الشعور، وإما في العمل، وبقدر هذه الثغرة تكون الهزيمة الوقتية ثم يعود النصر، ولو ذهبنا نتتبع كل مرة تخلّف فيها النصر عن المسلمين في تاريخهم لوجدنا شيئا من هذا، فلا بد أن يدافع الموحدون عن التوحيد، وأن يلقوا في سبيله العنت والألم والشدة، وأن يتراوحوا بين النصر حينا والهزيمة حينا آخر، حتى إذا ثبتوا على الحق لم تزعزعهم شدة ولم ترهبهم قوة، ولم يهنوا تحت مطارق الفتن، استحقوا نصر الله عز وجل لأنهم يومئذ أمناء على دين الله عز وجل؛ صالحون لصيانة الهدى الحق والذود عنه.
إن النصر مدخر لمن يستحقونه، ولن يستحقه إلا الذين يصمدون للزلزلة، ولا يحنون رؤوسهم إلا لله رب العالمين، فيهبهم قوة ويصفيهم، ويكسب دعوتهم عمقا وحيوية وإشراقا يتلألأ حتى في أعين أعدائها وخصومها، وعندئذ ينحازون إليها بعدما كانوا يحاربونها، ويناصرونها بعد مناوأة وعداء، وهذا حصل للدعوة الإسلامية التي قام بها الإمام محمد ابن عبدالوهاب -رحمه الله- فاستأسد عليها الثعالب، واستنسر عليها البغاث، وتربص بها وبأصحابها المتربصون، ونكل بالمخلصين من أبنائها، ونالهم كل مكروه باللسان واليد، والدعاة يعلمون أنها ليست أولى المحن التي مرت على المسلمين، مرت على الجزيرة العربية أيام كانت منزوية، تمر مواكب الحياة من أمامها فلا تحس بها ولا تراها، لم يكن لها كلمة ولم يخرج منها دعاة، ولا تملك جامعات، فانظروا مكانتها اليوم بحمد الله عز وجل وتأملوا المسلمين اليوم في جزيرة العروبة، وموطن الإسلام الأول.
إن هذا من بركة الله عز وجل ثم دعوة الإمام المجدد محمد بن عبدالوهاب والأمير محمد بن سعود، وزهدهما في الحياة، فصنع الله تعالى بهما ذلك كله، وبارك الله بتلك الجهود الخيرة، فظهر شباب ناشئون في طاعة الله تعالى، مجاهدون في سبيله تركوا هواهم لطاعة ربهم، وشهواتهم لمرضاته، يؤمون المساجد، ولا تردهم مشاغل الحياة عن طلب العلم ودعوة الناس إلى الخير حتى انتشرت الدعوة الإسلامية الصحيحة في كل مكان، وصار لها دعاة موحدون مخلصون متحمسون، فلقد أذن مؤذن الصحوة الإسلامية متأثرا بدعوة الإمام، وامتد تأثيرها إلى جميع الأمصار، وقامت على أساس مبادئها حركات دينية إصلاحية لا حصر لها ووجهوا ولاءهم الديني والسياسي شطر أمير الدرعية عبدالعزيز بن محمد بن سعود، كما يقول عثمان بن بشر عن ولاء أهل الشام للدعوة الإسلامية: ظهر مع عمال من حلب الشام قاصدين الدرعية ومعهم ست نجائب محملات زكوات بوادي أهل الشام(2).
وزاد الله عز وجل الدعوة نفوذا وقوة وانتشارا حتى وصلت إلى «إندونيسيا» شرقا، وقد نقلها الحجاج الذين تلّقوا العلم في المسجد الحرام، وتأثروا تأثرا عميقا بالدعوة الإسلامية الصحيحة، فلما عادوا إلى بلادهم أخذوا يعلمون الناس التعاليم الإسلامية الصحيحة من الكتاب والسنة، وتخليص الإسلام مما خالطه من الشوائب، وكان له أياد بيضاء في مكافحة الاستعمار، وظهور ثمارها في البلاد العربية والإسلامية، منه:
أولا: بلاد الشام
يقول ابن بشر عن ولاء أهل الشام للدعوة الإسلامية: ظهر عمال من حلب الشام قاصدين الدرعية، ومعهم ست نجائب محملات زكوات بوادي أهل الشام(3)، وقد قامت حركات إصلاحية سلفية تحارب البدع والخرافات أمثال: الشيخ طاهر الجزائري -رحمه الله- الذي قام بدور عظيم، وكان تلميذ جمال الدين القاسمي -رحمه الله- إمام زمانه وعصره، وكان سلفي العقيدة وله من المصنفات حوالي 72 مصنفا.
والشيخ محمد بهجت البيطار، والشيخ عبدالقادر المغربي، والشيخ المجاهد كامل القصاب.
وفي عصرنا الحاضر الشيخ العلامة محمد ناصر الدين الألباني -رحمه الله- والشيخ محمد مهدي استانبولي وغيرهما، الذين يجاهدون ضد الشركيات والخرافات والبدع.
ثانيا: العراق
في العراق بلاد الفتن والقلاقل، وبعض أهل السنة في العراق الذين تأثروا بأهل البدع يشدون الرحال إلى قبور الصالحين وينشرون البدع والخرافات.
ووسط هذا المستنقع الهائل من الشركيات والبدع والخزعبلات والشعوذة ظهر بريق أمل يتمثل في بعض الصالحين المخلصين لرسالة الإسلام النقية البيضاء التي لا تشوبها شائبة، فوسط هذه الموجة الحمقاء، قامت أسرة عراقية كريمة مجيدة في تصحيح وتنقية الإسلام من الشركيات وعبدة الموتى والقبور والأعتاب، ومن أبرز هؤلاء الذين خاضوا غمار التصحيح هم:
أ- محمود شكري الألوسي
(1273هـ- 1342هـ) (1857م-1924م) صاحب تفسير عظيم جليل «روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني، وله «فتح المنان في الرد على أهل البدع في الدين(4).
ب- محمود الألوسي (ت1835م): وله تفسير للقرآن الكريم.
ج- نعمان الألوسي (ت1899م).



هوامش:
(1) لمن أراد المزيد عن حياة الإمام محمد بن عبدالوهاب، فليراجع كتابنا: «دعوة الإمام محمد بن عبدالوهاب سلفية لا وهابية».
(2) عنوان المجد في تاريخ نجد (8126).
(3) انظر: عنوان المجد في تاريخ نجد صـ126.
(4) انظر الأعلام- للزركلي ج8 ص49.


اعداد: د. أحمد بن عبدالعزيز الحصين




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 10-03-2024, 09:45 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 140,280
الدولة : Egypt
افتراضي رد: دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب.. سلفية لا وهابية

أثر دعوة الإمام محمد بن عبدالوهاب(2) 1115هـ – 1206هـ …1703م- 1757م



مضت سنة الله تبارك وتعالى منذ فجر البشرية البعيد في التفريق بين المصلحين والمفسدين، وبين المحقين والمبطلين، وأن أصحاب الباطل مهما تساندوا فيما بينهم ضد الحق، ومهما تألبوا عليه، ووالى بعضهم بعضا ضده، فإنهم مهزومون، وأصحاب الحق هم المنصورون؛ لأن الحق أصيل في تصميم هذا الوجود، وما على المسلمين الموحدين إلا أن يمضوا بيقين جازم، وثقة قوية بوعد الله تعالى ونصره، لا يخامرهم شك، ولا يخالطهم قلق، ولا تتسرب إليهم ريبة، وحين يوقن القلب المؤمن ويستوثق يعرف طريقه فلا يتلجلج ولا يتلعثم ولا يحيد، وعندئذ يبدو له الطريق واضحا، والأفق منيرا، والغاية محدودة، والمنهج مستقيما، ويردد في كل ما يأتي أو يدعو: {وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفا مسلما وما أنا من المشركين}، {إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين}.
ثالثاً- اليمن:
في اليمن السعيد المجاور ظهر عالمان لهما مكانتهما في ديار اليمن وهما:
1 - الإمام محمد بن علي الشوكاني (1172هـ - 1255هـ) (1759م - 1834م)، فتأثر هذا الإمام الجليل بدعوة الإمام محمد بن عبدالوهاب الإصلاحية، فقام - رحمه الله - بنبذ البدع والخرافات، ودعا إلى التوحيد الخالص، وألف كتابه الشهير: «نيل الأوطار في منتقى الأخبار» لأبي البركات مجد الدين بن عبدالسلام بن تيمية جد شيخ الإسلام ومجدد الدين أحمد بن عبدالسلام بن تيمية (661هـ - 728هـ)، كما ألف رسالة في الاجتهاد سماها: «القول المفيد في حكم التقليد»، وحينما علم بوفاة شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب رثاه بقصيدة مطلعها:
مصاب دها قلبي فأذكى غلائلي
وأصمى بسهم الافتجاع مقاتلي
2 - والشيخ الأمير محمد بن إسماعيل الصنعاني (1099هـ - 1182هـ) الذي تأثر بدعوة الإمام محمد بن عبدالوهاب، ودعا أهل اليمن إلى التوحيد وترك التوسل بقبور الصالحين ونبذ الخرافات والبدع، وقد بعث الأمير الصنعاني بقصيدة رائعة إلى الإمام محمد بن عبد الوهاب يمدح فيها دعوته السلفية يقول فيها:
سلامي على نجد ومن حل في نجد
وإن كان تسليمي على البعد لايجدي(1)
ولكن أهل الخصوم يقولون: إن الأمير الصنعاني رجع عن تأييده لهذه الدعوة المباركة ونقض قصيدته بقصيدة أخرى شرحها حفيده يوسف بن إبراهيم الأمير بعنوان: «محو الحوبة في شرح أبيات التوبة»(2).
وقد قام المجاهد الشيخ سليمان بن سحمان وألف كتاباً أسماه: «تبرئة الشيخين الإمامين عن تزوير أهل الكذب والبهتان» دافع عن الشيخين الجليلين محمد بن عبدالوهاب والصنعاني، وأكد الشيخ سليمان بن سحمان عدم صحة أدلة القصيدة، التي نقض بها المدح، وأنما هي موضوعة ومكذوبة على الصنعاني؛ لأنها تخالف ما كان عليه الصنعاني من اتباع السنة وذم البدع وأهلها، كما هو ظاهر في كتبه، وقد ورد صريحه لما قرره الصنعاني في كتبه مثل «تطهير الاعتقاد»، فمن ذلك أن القصيدة وشرحها قد تضمنا الزعم بأن دعاء الموتى والاستغاثة بهم كفر عملي، والإمام الصنعاني قد عرف عنه أن الاستغاثة بالموتى ودعاءهم من الكفر الاعتقادي المخرج من دين الإسلام(3).
رابعاً- مصر:
تعد مدرسة الإمام محمد عبده (1323هـ) المدرسة السلفية التي تأثرت بدعوة الإمام محمد بن عبدالوهاب، وكان محمد عبده أكبر أمله أن يقدم في حياته للمسلمين عملاً صالحاً، فقاده اجتهاده وبحثه إلى هذين الأساسين اللذين بنى عليهما الشيخ محمد ابن عبدالوهاب تعاليمه وهما:
1 - محاربة البدع، وما دخل على العقيدة الإسلامية من فساد بإشراك الأولياء والقبور والأضرحة مع الله تعالى.
2 - فتح باب الاجتهاد الذي أغلقه ضعاف العقول من المقلدين، وجرد نفسه لخدمة هذين الغرضين(4).
وبرز الشيخ محمد رشيد رضا (1282 - 1254هـ) (1865م - 1935م) الذي أخذ يحارب البدع والخرافات في مصر، وأنشأ مجلة المنار التي رفعت راية التوحيد، وهي أول مجلة سلفية ينشئها هذا الشيخ وهو التلميذ المخلص لشيخه الأستاذ محمد عبده، وأصدر منها حوالي 34 مجلداً، وله الكثير من المؤلفات التي يشرح فيها مبادئ الدعوة السلفية المباركة، ومن أبرز تلك المؤلفات، كتابه: «الوهابيون والحجاز»، وكتابه: «الوهابية والرافضة»، وكتابه: «المنار والأزهر».
وكذلك محمد حامد الفقي: من أبرز أنصار هذه الدعوة في مصر، الذي أسس جمعية أنصار السنة المحمدية، وهذه الجمعية إلى يومنا الحاضر تقوم بالذود عن التوحيد وتصدر مجلة شهرية تسمى: «التوحيد»، وقد ألف محمد حامد - رحمه الله - الكثير من الكتب، منها كتاب: «أثر الدعوة الوهابية في الإصلاح الديني والعمران في جزيرة العرب».
ويوجد في مصر العديد من الجمعيات التي تأثرت بالدعوة الوهابية الإصلاحية السلفية، وساهمت في نشرها، ولاسيما بين شباب الصحوة الإسلامية.
خامساً- المغرب العربي:
أما في المغرب العربي - أقصى العالم الإسلامي من هذه الناحية - فقد استقبل أهله دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب بقناعة، وتأثروا بها في العمل بعد أن أدركوا منها انتهاج الدرب السليم، الذي دعا إليه نبينا محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم وسار عليه أصحابه من بعده، ثم من بعدهم في عصور ازدهار دولة الإسلام، وأن الشيخ ما هو إلا مجدد لدرب اندرست معالمه، ومقتف آثار السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار بعد أن أدرك - كما أدرك غيره من المجددين - أن سعادة الأمة لا تتم إلا في نبذ كل أمر محدث يتناقض مع المحجة البيضاء التي ترك الرسول صلى الله عليه وسلم أمته عليها.
ويتضح استقبال أهل المغرب لهذه الدعوة في أمور تاريخية ثابتة، هي من الحقائق التي تجعلها واضحة للبيان، ضمن مقال لأحد المستشرقين يقول فيه: إن الإمام سعود بن عبدالعزيز، والشيخ محمد بن عبدالوهاب بعثا رسالة مطوية لأهل تونس لشرح حقيقة التوحيد وأصول الدين وما تنطوي عليه دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب، وتقع هذه الرسالة في ثلاث صفحات(5).
وقد كان لهذه الرسالة صدى لدى حكام المغرب العلويين، الذين قامت دولتهم لمحاربة النصارى والنهوض بالمغرب من عام 1631م في المغرب الأقصى الإسلامي(6).
وكان من أقوى سلاطين الدولة العلوية سيدي محمد بن عبدالله العلوي (1757م - 1790م) الذي اهتم بدعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب بعد أن درسها وأدرك ما تدعو إليه من التجديد الصحيح للعقيدة وتنقيتها من الخرافات والبدع، فتأثر بهذه الدعوة واستجاب لها بعد أن أدرك ما تنطوي عليه؛ ولذا قام بمحاربة البدع والانحراف، كما كان - رحمه الله - يحارب تشعب الطرق الصوفية التي تسيء إلى عقيدة المسلمين، ودعا إلى الاجتهاد والسنة(7)، وقد وصلت إليه معلومات كثيرة عن هذه الدعوة الإسلامية بواسطة الحجاج المغاربة الذين عرفوها أثناء زيارتهم للحجاز في مواسم الحج، ودرسها كثير من المؤرخين والباحثين الفرنسيين، فأثنوا على دورها في تنقية الإسلام من البدع والخرافات الداخلة عليه.
وكان السلطان سيدي محمد بن عبدالله العلوي معاصراً للشيخ محمد بن عبدالوهاب، وقد كتب بدوره إلى العلماء يدعوهم لانتهاج منهج السلف الصالح، ومؤازرة دعوة الشيخ محمد التي انتشرت في الجزيرة العربية.
وقد وصفه المؤرخ الفرنسي شارلي جوليان بقوله: كان سيدي محمد بن عبدالله العلوي، وهو التقي الورع، على علم بواسطة الحجاج بانتشار الحركة الوهابية في الجزيرة العربية، وتأييد عائلة آل سعود لها وقد أعجب بعبارتها، وكان يؤثر عنه قوله: «أنا مالكي المذهب وهابي العقيدة»، وقد ذهبت به حماسته الدينية إلى الإذن بإتلاف الكتب المتساهلة في الدين والمحللة لمذهب الأشعرية، وتهديم بعض الزوايا(8).
وقد تعرض خير الدين الزركلي لترجمة المولى سليمان وذكر مصادر تلك الترجمة التي أثبتت حياته واهتمامه الإسلامي، وحرصه على عقيدة السلف الصالح، وهي: الاستقصاء، والدرر الفاخرة، وفهرس الفهارس، وشجرة الدر(9)، وأكدت دوائر المعارف الإسلامية تأثر المولى سليمان بحركة الشيخ محمد بن عبدالوهاب بعد عام 1810م الموافق 1225هـ، مما جعله يتخذ موقفاً صارماً ضد المربوطية، وهو اللقب الذي كان يطلق في المغرب(10) على الصوفيين، وفي الوقت نفسه الذي كانت فيه الطرق الحديثة النشأة تحظى بانتشار كبير في المغرب، وبعد ذلك جاءت الحركة السنوسية(11) التي ابتدأها في الجزائر محمد بن علي السنوسي في أواسط القرن التاسع عشر الميلادي، وقد تأثر السنوسي بدعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب عندما كان في مكة، حيث كان يطلب العلم، ولقد تزعم الدعوة إلى منهج السلف الصالح الشيخ أبو شعيب الدوكالي، أحد كبار المحدثين، الذي أقام في مكة مدة تزيد على عشر سنوات، وقام بتدريس الحديث في الحرم المكي، ثم عاد إلى المغرب حيث أصبح زعيماً للحركة السلفية لمدة تزيد على ربع قرن، وبشر بالفكرة السلفية وحارب البدع والضلالات(12).
من هذه النقول الوثائقية ندرك اهتمام المغاربة(13) بدعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب وحرصهم عليها؛ لأنهم وجدوا فيها نقاوة الإسلام واتباع هدي المصطفى صلى الله عليه وسلم ودعوتهم إلى الكتاب والسنة في كل أمر يعترض، سواء كان تعبدياً أو عقدياً، أو في شؤون الحياة، وأن كثيراً من علماء المغرب قد تأثروا بعد دراسة وتمحيص وبعد اكتشافهم للأكاذيب التي حاكها المخرفون والجاهلون حول الشيخ ودعوته، فبعثوا العلماء للمناظرة وللوقوف أمام الحقيقة التي ظهرت لهم، وهذا منهج العلماء في البحث والتدقيق والتمحيص والتحقيق ونبذ الدعايات والمقالات التي لا تستند إلى علم موثق بفهم حقيقي لكتاب الله جل وعلا، وصحيح السنة النبوية.
من أجل ذلك صارت دعوة الإمام في كل مكان واستقرت في كل قلب يرجو الله والدار الآخرة، ويدعو إلى الله على بصيرة ويتفهم تعاليم الدين بروية وعلم، وما زالت منذ انبلاج صبحها تلقى القبول في النفوس، وتزداد رسوخا مع الأيام وتتوسع بين الجماهير الظامئة رغم محاولات الأعداء اليائسة، التي تقف ضدها وتبث الفرقة بين المسلمين بالأكاذيب والمفتريات.
سادساً- الجزائر:
كان أول من حمل الدعوة إلى الجزائر المؤرخ الجزائري أبو رواس الناصري، الذي قدر له أن يجتمع بتلامذة الإمام محمد بن عبدالوهاب في موسم الحج، ويذاكرهم في أمور انتهى بعدها إلى الاقتناع باتجاه حركة الشيخ محمد بن عبدالوهاب.
وكان ذلك بحضور وفد الحجيج المغربي الذي كان يرأسه ولي عهد المغرب آنذاك، وقد أشاد المؤرخ أبو رواس بآراء محمد بن عبدالوهاب عندما دوّن تفاصيل رحلته للحج بعد عودته إلى الجزائر(14).
والبطل المجاهد الشيخ محمد بن علي السنوسي الخطابي، الذي ولد في الجزائر سنة (1202هـ - 1787م)، والذي جدد الإسلام في ليبيا حين ترك الجزائر وقاوم الاستعمار الإيطالي في ليبيا.
وقد تأثر الإمام محمد بن علي السنوسي بدعوة الإمام محمد بن عبدالوهاب حين ذهب لأداء الحج، حيث بقي مدة يأخذ من أساتذتها الوهابيين(15) فدعوة الإمام محمد بن علي السنوسي في ليبيا تشابه دعوة الإمام محمد بن عبدالوهاب.
يقول العقاد: «تتشابهان في حماسة الدعوات وفي نبذ البدع والخرافات والرجوع بالإسلام إلى الكتاب والسنة، ولكنهما تختلفان بعد ذلك في أمور كثيرة»(16).
والشيخ المجاهد محمد البشير الإبراهيمي الذي كان له دور لا ينسى في محاربة الاستعمار الفرنسي وصد جيوش حلف الأطلسي، كان - رحمه الله - مع أنه يحارب الاستعمار محارباً للبدع والخرافات.
والشيخ المجاهد عبدالحميد بن باديس (1305 - 1359هـ) (1887 - 1940م)، فقد تأثر بدعوة الإمام محمد بن عبدالوهاب عندما أدى فريضة الحج إلى مكة المكرمة، واجتمع مع علماء الدعوة السلفية.
وأسس ابن باديس جمعية على أسس من المبادئ السلفية، فدعا إلى إصلاح عقيدة المسلمين في الجزائر من أنواع البدع والخرافات، كما دعا إلى الاجتهاد ومحاربة التقليد الأعمى والجمود الفكري وإحياء السنة النبوية، ولقد كان لجمعيته دور كبير في محاربة الاستعمار الفرنسي في الجزائر حتى نال استقلاله عام (1383هـ - 1962م).
الهوامش:
1 - انظر القصيدة كاملة.
2 - انظر كشف النقاب ص75.
3 - انظر تبرئة الشيخين للشيخ سليمان بن سحمان ط(1) مطبعة المنار - مصر 1343هـ، ص 982 - 195.
4 - انظر زعماء الإصلاح في العصر الحديث ص23.
5 - انظر صحيفة إسلاميكا الألمانية، العدد الأول، المجلد السابع، الصادر عام 1935م.
6 - راجع كتاب المغرب الكبير - د. جلال يحيى 3/65 - 66.
7 - انتشار دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب، محمد كمال جمعة ص235.
8 - تاريخ أفريقيا الشمالي - شارلي جوليان: تعريب محمد المزالي، والبشير بن سلامة جـ2، ص311.
9 - الأعلام - خير الدير الزركلي 3/197 - 198.
10 - الشيخ محمد بن عبدالوهاب عقيدته السلفية - أحمد بن حجر بن محمد آل برطامي ص 106 - 107.
11 - من أولى الحركات التي انبعثت من دعوة التوحيد وقد صيغت على نحو جامع محرر لمفهوم الإسلام المتكامل بين الزهد والفقه والعبادة بتشكيل تربوي على نمط الصوفية، متحرراً من أخطاء الصوفية وانحرافاتهم، واستطاعت أن تكون جيلا قادراً على نشر الإسلام في أنحاء أفريقيا، وكانت رد فعل ضخم للتحدي الذي واجه العالم الإسلامي باحتلال الفرنسيين للجزائر وعودة الحروب الصليبية، وإذا كان الإمام محمد بن عبدالوهاب قد انطلق من الدرعية، فإن السنوسي - رحمه الله - انطلق من زاوية البيضاء بالجبل الأخضر، التي كانت تضم مسجداً ومدرسة لتحفيظ القرآن وتدرس العلوم الشرعية.
وكان الكتاب المستعمرون الأوروبيون يحذرون منها، كما كانوا يحذرون من خطر الدعوة الإسلامية في نجد، حتى قال مسيو ردوفريرجن: إن السنوسية هي المسؤولة عن جميع أعمال المقاومة التي قامت ضد فرنسا في الجزائر، وإن السنوسية هي المدبرة لجميع نكبات فرنسا في الشمال الأفريقي والسنغال، وإنها أيدت ثورة محمد بن عبدالله في تلمسان، وصحراء الجزائر (1848 - 1861)، وثورة الصادق في جبال الأوراس (1879)، وثورات أولاد سيدي الشيخ (1879 - 1918). عالم الإسلام المعاصر(3/216).
12 - انتشار دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب - محمد كمال جمعة ص 237 - 238.
13 - برز من أصحاب المنهج السلفي في المغرب، فضلاً عن أبي شعيب الدوكالي، محمد بن العربي العلوي، وعبدالحميد بن باديس، وعبدالعزيز الثعالبي، والطاهر بن عاشور.
14 - أثر دعوة الإمام محمد بن عبدالوهاب في الجزائر، عبدالحليم عويس ص17 ط1405هـ.
15 - الإسلام بين النظرية والتطبيق، ص106.
16 - الإسلام في القرن العشرين، طبعة مكتبة نهضة مصر، ص81.


اعداد: د. أحمد بن عبدالعزيز الحصين




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع



مجموعة الشفاء على واتساب


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 186.64 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 181.75 كيلو بايت... تم توفير 4.89 كيلو بايت...بمعدل (2.62%)]