التراث المائي العربي - الإسلامي - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 12410 - عددالزوار : 208862 )           »          مجالس تدبر القرآن ....(متجدد) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 167 - عددالزوار : 59544 )           »          الدِّين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 60 - عددالزوار : 752 )           »          الأعمال اليسيرة.. والأجور الكثيرة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          خواطر متفرقة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          السلفية منهج الإسلام وليست دعوة تحزب وتفرق وإفساد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 24 )           »          القذف أنواعه وشروطه (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          العمل التطوعي.. أسسه ومهاراته (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 3 - عددالزوار : 58 )           »          الحكمـة ضالـة المؤمن ***متجددة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 59 - عددالزوار : 15857 )           »          الضلع أعود (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث

ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث ملتقى يختص في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وعلوم الحديث وفقهه

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 04-05-2019, 10:28 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,380
الدولة : Egypt
افتراضي التراث المائي العربي - الإسلامي

التراث المائي العربي - الإسلامي

د. عادل عبدالرشيد







التراث بمفهومه البسيط، هو كل ما خلفته الأجيال السابقة للأجيال اللاحقة في مختلف المجالات الفكرية والمادية والنظم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، حيث يندرج مفهوم التراث في أنه امتداد السلف في الخلف، وبما يتيح الاستفادة من تجارب الأجداد، والانطلاق من خلاله نحو مستقبل أفضل.

ونجد تراثنا العربي والإسلامي يتميز بالغنى والغزارة في محتواه، فكم فيه من كنوز عظيمة، ومن الإجحاف والغبن الشديد إضاعة هذه الكنوز وعدم الاستفادة منها. وكنموذج من النماذج المتميزة في تراثنا، نختار في مقالتنا هذه الإطلالة على مكنوزات التراث المائي، الذي تكتسب عملية إعادة إحيائه أهمية كبيرة، خصوصا في ظل تفاقم مشكلات المياه في معظم البلدان العربية والإسلامية.

اهتمام الإسلام بالماء

من المفيد الإشارة في البدء إلى أن تميز تراثنا المائي نابع أساسا من أن له مرجعية عقائدية دينية مساندة ومحفزة، وهي الشريعة الإسلامية، التي اهتمت بالماء اهتماما كبيرا. فقد وردت كلمة الماء في القرآن الكريم ثلاثا وستين مرة. من أمثلة الآيات التي جاءت فيها كلمة الماء الآتية: {وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا (48) لِّنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَّيْتًا وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا (49) } (الفرقان:48 و49)، {وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ } (الأنفال:11)، {وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُ مُوهُ وَمَا أَنتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ} (الحجر:22)، {وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُّبَارَكًا فَأَنبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ} (ق:9). {وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ} (البقرة:22).

إلا أن هناك آية قرآنية تأتي في بداية معظم الدراسات والخطب التي تصف أهمية الماء ومكانته في الإسلام، وهي الآية الكريمة: {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ } (الأنبياء:30)، وفيها تنبيه من سبحانه وتعالى للأهمية البالغة لنعمة الماء وتأدية شكرها. قال المفسرون: إن ما تعنيه هذه الآية الكريمة، هو أن الماء سبب حياة كل شيء حي في الأرض. وقد أثبت علم الخلية أن الماء هو المكون المهم في تركيب مادة الخلية، وهو وحدة البناء في كل كائن حي، نباتا كان أم حيوانا.

واهتم الإسلام بصورة خاصة بالنهي عن الإسراف في الماء. جاء في حديث نبوي: «أن رسول الله " صلى الله عليه وسلم" مر بسعد وهو يتوضأ فقال: ما هذا السرف؟ فقال: أفي الوضوء إسراف؟ قال: نعم، وإن كنت على نهر جار» (1). ونستنبط من هذا الحديث قاعدة عامة مفادها أن الإسراف حرام، سواء كان المورد الذي نستخدمه قليلا أم كثيرا. وفي حديث آخر، يقول الرسول " صلى الله عليه وسلم" : «كلوا واشربوا وتصدقوا والبسوا ما لم يخالطه إسراف أو مخيلة» (2). وقد قال الله تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} (الأعراف:31). ونجد في حياة الرسول " صلى الله عليه وسلم" تطبيقات عملية في عدم الإسراف، فمثلا كان مقتصدا في استخدام الماء في الاغتسال والوضوء، جاء في الحديث: «كان رسول الله " صلى الله عليه وسلم" يغسله الصاع من الماء من الجنابة ويوضئه المد» (3).

وكما لا يجوز الإسراف في الماء في الإسلام، فإنه لا يجوز أيضا في الإسلام إفساد الماء وتلويثه. ومن الأحاديث النبوية الواردة في هذا الصدد: «اتقوا الملاعن الثلاث البراز في الموارد والظل وقارعة الطريق» (4)، «لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ثم يتوضأ منه» (5)، «عن رسول الله " صلى الله عليه وسلم" أنه نهى أن يبال في الماء الراكد» (6)، «لا يبولن أحدكم في مستحمه ثم يغتسل فيه» (7).

حسن تنظيم استخدام الماء

نجد أنه على مر العصور كانت إدارة الموارد المائية في المنطقة مسؤولية محلية. فالمجتمعات المحلية تتولى إدارة توزيع المياه، وتعنى بنوعيتها، وتعتمد على حس الالتزام وتحميل أصحاب المصلحة مسؤولية إدارة الموارد. وكان للقرارات التي تتخذها القبائل -حينئذ- مفعول مهم في توزيع الموارد المائية المحدودة. كما كان لمؤسسات المياه غير النظامية، التي أنشأها المزارعون والبدو في أنحاء عدة من المنطقة العربية، دور أساسي في تحسين الممارسات الزراعية، ونشر التقنيات التي لا تغفل ندرة الموارد المائية وصعوبة الحصول عليها. وقد ابتكرت تلك المجتمعات تقنيات متقدمة في الزراعة والري، اعتمدت لاحقا في الكثير من أنحاء العالم (8).

وفي إطار الحكم الإسلامي، تم تنظيم توزيع المياه بشكل قل نظيره في أي قانون دولي، ولا تزال كتب الفقه الإسلامي تسهب في تفصيلات تنظيم المياه والسقي. فمن هدى الشريعة الإسلامية أنها جعلت حق الانتفاع بالماء مكفولا للجميع، بلا احتكار ولا إفساد ولا تعطيل، فهو حق شائع بين جميع البشر، حيث نجد في السنة النبوية أدلة على منع احتكار الماء باعتباره سلعة حياتية لا يمكن الاستغناء عنها. جاء في الحديث النبوي: «نهى رسول الله " صلى الله عليه وسلم" عن بيع فضل الماء» (9). وفي حديث آخر، قال رسول الله " صلى الله عليه وسلم" : «المسلمون شركاء في ثلاث في الكلأ والماء والنار» (10). وهذا يعني أن مصادر الماء لا يجوز لأحد أن يحتكرها لنفسه أو يمنعها عن الآخرين. ولذلك حرص فقهاء المسلمين على جعل الارتفاق بالمياه حقا عاما تحميه الدولة، بل ألزموا الدولة بتطهير الأنهار العامة وصيانة جسورها، أما إذا كان مورد المياه يخص طائفة بعينها، فإن عليهم صيانته.

وقد تطورت الأحكام المتناثرة للمياه في كتابات الفقهاء أو في المحاكم الشرعية، لنرى الفقهاء وخبراء المياه يجمعون أحكام المياه في أبواب متكاملة، تعكس مدى ما وصلت إليه أحكام المياه من تقدم ومدى ما وصل إليه المسلمون من تقدم في حل مشكلات المياه. كما تطورت قوانين المياه سريعا في التشريع الإسلامي، فأصبح يردد في المجتمع الإسلامي مصطلحات فقهية خاصة بالمياه دون غيرها، مثل حق جريان المياه، أو حق إجراء الماء، وحق الشرب، بل أصبحت كتب فقه العمارة لا تخلو من أبواب تتعلق بقضايا المياه في الحضارة الإسلامية تجاوزت هذا بكثير، بحيث أصبح لدينا الآن من واقع سجلات المحاكم الشرعية قضايا تتعلق بنزاعات أو أوقاف خاصة بالمياه (11).

وحتى التقانات والأنظمة المائية لم تخل من الجوانب التنظيمية والإدارية. فعلى سبيل المثال، في نظام الأفلاج، نجد عادة يشارك المستفيدون من الفلج في ملكيته، وتحدد حصص المياه، بما يشبه مجلس إدارة من القرية. كما يراقب جهاز إداري خاص عملية التوزيع التي تتم عادة عند مدخل الفلج. بواسطة حاجز خاص يسمى الشريعة أو القصرية، ويسمى الشخص الذي يراقب عملية التوزيع كيال (لأنه يكيل الماء)، وهناك مواثيق متفق عليها حسب الأعراف القديمة تنظم توزيع المياه، وتوجد دورة توزيع عبارة عن برنامج زمني، وعادة تتراوح الدورة الزمنية للري بين 4 و18 يوما. وأساس أنظمة توزيع المياه هو التناوب، فالفلج هو شبكة من القنوات مصممة لسد الحاجة إلى الماء في أماكن معينة، وبجداول زمنية محددة (12).

ومن الأمثلة المميزة في التاريخ الإسلامي بصدد تنظيم استخدام المياه، إنشاء محكمة متخصصة بالمياه بأمر عبدالرحمن ناصر سنة 318هـ، والذي أحدث وظيفة وكالة الساقية، وهي عبارة عن ممثل يقوم بتمثيل الأراضي التي تسقى من ساقية معينة كقاض في محكمة المياه (13). وكانت أهم مميزات محكمة الماء الأندلسية هذه الآتي (14):

< البساطة: بإمكان المشرف أو الطرف المتضرر أو المتهم أن يرفع قضيته إلى المسؤول، وأن يحضر الأدلة والشهود من دون شكليات ورسميات وصيغ قانونية.

< الشفهية: كانت كل مراحل المحاكمة شفهية، وهي تشمل تقديم الشكوى، والاستجواب (لتوضيح الوقائع أو شرحها أو تبريرها، مع تدخل الرئيس والمسؤولين الذين يستجوبون الطرفين) وإصدار الأحكام.

< السرعة: تلتئم المحكمة كل أسبوع، وتعالج التعديات الحاصلة منذ يوم الخميس السابق، ولا يمكن تأجيل القضايا أكثر من 21 يوما، وذلك في حال عدم الحضور إلى المحكمة، حصرا.

< الاقتصاد: لا يفرض في المحاكمة أي نوع من الرسوم الإجرائية. كما أن المسؤولين لا يتلقون رواتب أو مصروفات. وعلى المتهم أن يدفع نفقات انتقال المشرف أو محضر المحكمة، علما أن التعويضات عن الأضرار لا تعتبر من الرسوم الإجرائية.

براعة في علم استنباط

رزق العرب منذ قديم الدهر فراسة حاذقة يتعرفون بها على مكامن الماء في باطن الأرض ببعض الإشارات الدالة على وجوده، بعده وقربه، بشم التراب، وبرائحة بعض النباتات فيه، أو بحركة حيوان مخصوص. وسمى العلماء معرفتهم هذه علم الريافة (15).

وتعددت الكتب المتخصصة في علم استنباط المياه. عرف طاش كبرى زاده (16) هذا العلم: «هو علم يتعرف منه كيفية استخراج المياه الكامنة وإظهارها، ومنفعته إحياء الأرضين وأفلاجها». ويقصد بالإنباط لغويا إخراج الشيء وإظهاره بعد خفائه. وأنبطنا الماء، أي استنبطناه، وانتهينا إليه. والاستنباط: الاستخراج.

ولعل من أوائل الكتب في هذا الفن كتاب «علل المياه وكيفية استخراجها وإنباطها في الأرضين المجهولة»، الذي ألفه أبوبكر أحمد بن علي، المعروف بابن وحشية، من أهل المئة الثالثة الهجرية. وهناك كتاب «إنباط المياه الخفية» لمحمد ابن الحاسب الكرجي، المتوفى في القرن الخامس الهجري، وهو كتاب نفيس يعد موسوعة فنية في دراسة المياه الجوفية «الخفية»، وقد أحاط الكرجي بموضوعه إحاطة الخبير المثقف الذي أدرك أهمية كل فكرة تحدث فيها، فدقة التفاصيل التي شرحها في هذا الكتاب وجمعه بين الهندسة العلمية والبرهان الرياضي، لاسيما في «باب وزن الأرض» يدلان دلالة واضحة على أن الكرجي -وهو العالم الرياضي- زاول مهنة المهندس وتعرف على دقائقها بالشكل الذي كانت تعرف به في ذلك الوقت. وثق الكرجي في هذا الكتاب خبرة هندسية اختزنتها وطورتها الذاكرة العلمية والعملية للحضارة الإسلامية في مجال الاستفادة من المياه الجوفية. وقد لفت هذا الكتاب انتباه المستشرقين فترجموه إلى الألمانية والفرنسية والإنجليزية (17).

وهناك كتاب «البئر»، ألفه أبوعبدالله محمد بن زياد الأعرابي، ويعد هذا الكتاب من الرسائل التي كانت نواة للمعاجم العربية الكبيرة فيما بعد، وجمع الكتاب مجموعة لا بأس بها من الألفاظ التي توصف بها الآبار في حفرها واستخراج المياه منها، وقلة تلك المياه وكثرتها، وأجزاء البئر وأنواعها، وأسماء كل نوع ، وأنواع المياه الخارجة منها، وآلات استخراج المياه من الآبار. وهناك كتاب «عين الحياة في علم استنباط المياه» لأبي العباس أحمد ابن عبدالمنعم الدمنهوري، المتوفى سنة 1182هـ، وكتاب «علم المياه الجارية في مدينة دمشق أو رسالة في علم المياه» للشيخ محمد حسين العطار. ومن الكتب غير المتخصصة في المياه ولكنها لم تخل من الاهتمام بها، كتاب «الخراج» للقاضي أبي يوسف، تعرض فيه للعديد من القواعد التي تتعلق بالمياه، والتي يمكن أن نعدها قوانين شرعية تحدد العلاقة بين الماء والأرض والإنسان. كما اهتمت المؤلفات الكبرى بالزراعة والنبات مثل «المقنع في الفلاحة» للإشبيلي، و«الفلاحة» لابن البصال، و«الفلاحة النبطية» لابن وحشية، بطرق إنباط المياه الجوفية وهندستها (18).

وأخيرا نختار مما جاء في كتاب «الفلاحة» لابن العوام (من أهل القرن 6هـ) عن طرق الاستدلال على وجود الماء في باطن الأرض عند حفر الآبار، حيث أشار الكتاب إلى أنهما قسمان:

أولهما - ما كان عن دراية وخبرة وإدامة الطلب. والجامع من الناس لهذه الصفات يمكنه الاستدلال على وجود الماء باستعمال حواسه كالتالي:

- عند رؤية الندى بالعين ولمسه باليد، خصوصا في أول ساعة من النهار وآخر ساعة منه.

- إذا كانت حجارة الجبل مغبرة بتراب ناعم، فإن تندت دل على وجود الماء، ومع كثرة الماء وقلته تكون كمية الندى.

- بالتنصت على سطح الجبل، فإذا سمع للجبل دوي دائم على حال واحد لا يختلف كان صوت ماء.

- إذا كانت التربة سوداء أو شديدة الغبرة، لزجة إذا أصابها أدنى ماء، دل ذلك على وجود الماء.

- إذا كان طعم التربة عديم المرارة والملوحة، فهي ريانة ذات ماء.

- إذا وجد نبات البابونج والحبق والخبازى ولسان الثور ففي الأرض ماء.

- إذا كانت رائحة التربة كرائحة الطين المستخرج من الأنهار والسواقي، فالماء قريب من سطح الأرض.

ثانيهما - ما كان عن تجربة عملية. ومن التجارب أن تحفر حفرة في الأرض بعمق ذراع، ثم يؤتى بإناء من نحاس أو رصاص أو فخار على هيئة نصف دائرة، تتراوح سعته ما بين تسعة أرطال وواحد وعشرين رطل ماء، وتلصق في قعر الإناء قطعة من الصوف الأبيض المنفوش بالشمع أو الزفت، وتمسح جوانب الإناء الداخلية بالزيت، ثم يكب الإناء على وجهه في الحفرة، ويغطى بالتراب ويترك يوما وليلة، ثم ينبش التراب عنه آخر الليل قبل طلوع الشمس ويخرج، فإن وجدت الصوفة مبتلة رطبة، دل ذلك على وجود الماء، وعلى حسب رطوبة الصوفة تكون كثرة الماء وقلته.

استخدام التقانات المائية

صاحبت الكتابة في علوم المياه تطبيقات عملية لتقانات متعلقة بالمياه، عرفتها المنطقة العربية، كتقانات حصاد المياه والحفاظ عليها، ونقلها، ورفعها، وغير ذلك من الممارسات المختلفة. وقد عملت هذه التقانات على حل مشكلة ندرة المياه بطرق ابتكارية.

وعلى سبيل المثال، نجد أن الري بالتنقيط، الذي عرف حديثا في القرن العشرين كتقنية مقتصدة لكمية المياه، قد سبق العرب في الوصول إليه وتطبيقه، فيما يسمى بطريقة الري بواسطة الجرار، كما يتضح ذلك من كتاب «الفلاحة» لابن العوام، الذي عاش في القرن السادس الهجري، حيث أشار في الفصل السادس من مؤلفه إلى هذه الطريقة بقوله: «ولنجعل عند أصل الشجرة جرتين كبيرتين من فخار جديد مملوءتين بماء عذب، وفي أسفل كل جرة منها ثقب لطيف يجري منه الماء إلى أصل الشجرة المغروسة جريا لطيفا دائما، وليكن الثقب على حائل بينه وبين الأرض لكي لا يسد الطين الثقب، وكلما نقص ماؤهما ملئتا...».

ولعل ما يجده الأثريون فيما بين النهرين بالعراق وفي المناطق الجافة بالوطن العربي من جرار وفخاريات يكون من بقايا ما استعمل في الري بهذه الطريقة التي تمثل اقتصادا في الماء. ونعتقد أنها أفضل من استعمال الري بالتنقيط، فطريقة ابن العوام تساعد على ترطيب حجم أكبر من التربة مما يساعد على انتشار المجموع الجذري، كما يقلل من تركيز الملوحة عند الجفاف؛ لأن هذه الطريقة ترطب حجما أكبر من التربة (19).

أهم التقانات المائية

لأهمية توفير التمويل اللازم للحصول على المياه، فقد احتوى هذا التراث جانبا تمويليا يتمثل فيما يمكن تسميته بالوقف المائي، الذي نشأ كنتيجة لحث الشريعة الإسلامية الغراء على الإنفاق في أوجه البر، كقوله تعالى: {لَن تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ} (آل عمران:92)، وما جاء في هذه الشريعة من ذكر لجوانب مائية، مثل ما جاء في حديث أنس "رضي الله عنه" قال: قال رسول الله " صلى الله عليه وسلم" : «سبع يجري للعبد أجرهن وهو في قبره بعد موته: من علم علما، أو أجرى نهرا، أو حفر بئرا، أو غرس نخلا، أو بنى مسجدا، أو ورث مصحفا، أو ترك ولدا يستغفر له بعد موته»، حيث وردت في الحديث أعمال متعلقة بتوفير الماء مثل: إجراء نهر، وحفر بئر.

فقد كان للوقف دور كبير في توافر الأمن المائي للمسلمين منذ بداية نشأة الدولة الإسلامية في مدينة الرسول " صلى الله عليه وسلم" ، وقد شاع الوقف لهذا الوجه من البر في سائر أنحاء العالم الإسلامي، لعظم فضله وثوابه (20). وليس من قبيل المصادفة أن يكون وقف بئر رومة في المدينة المنورة من أوائل الأوقاف التي ظهرت في عهد رسول الله " صلى الله عليه وسلم" ، فقد روى عثمان بن عفان "رضي الله عنه" أن النبي " صلى الله عليه وسلم" قدم المدينة وليس فيها ماء يستعذب غير بئر رومة، وكانت لرجل من بني غفارة، وكان يبيع منها القرية بمد، فقال: بعنيها بعين في الجنة. فقال: يا رسول الله، ليس لي ولا لعيالي غيرها. فبلغ عثمان فاشتراها بخمسة وثلاثين ألف درهم، ثم أتى النبي " صلى الله عليه وسلم" فقال: أتجعل لي ما جعلت له؟ فقال: نعم. وفي رواية أخرى قال " صلى الله عليه وسلم" : من يشتري بئر رومة فيجعل فيها دلوه مع دلاء المسلمين بخير له منها في الجنة؟ فاشتريتها – أي عثمان – من صلب مالي (21).

فلما كان الحصول على المياه العذبة من المهام الشاقة في كثير من العصور الإسلامية، أصبح تسبيل الماء العذب، وتسهيل الحصول عليه من وجوه البر التي اهتم بها الواقفون، وهنا جاء الاهتمام بالسقايات، التي يطلق عليها أيضا «السبل» أو «الأسبلة»، التي كان الغرض من إقامتها توفير مياه الشرب للمحتاجين في أماكن محددة داخل المدن، وقد اهتم السلاطين والموسرون بهذا الجانب، سواء للناس أو للحيوانات، في مختلف المواضع (22).

لقد أسهم نظام الوقف في انتشار الأسبلة، وصادفت مبانيها رواجا وترحيبا حارا من المسلمين، نظرا لما ترتبط به من فعل الخير بتوافر مياه الشرب للمارة في الشوارع والطرق، لاسيما في أوقات القيظ (23). ويمكن القول: إن الأسبلة كانت تقوم مقام مرفق المياه حاليا في المدن وبدرجة أقل في القرى (24)، وغالبا ما كانت تلحق أسبلة المياه الصالحة للشرب بالمساجد أو تكون وسط المدينة أو على طرق القوافل، لتكون في متناول الجميع (25). وقد أنشئت الأسبلة بين الحارات لتقديم الماء البارد، خصوصا في مناطق ازدحام السكان (26)، بل كانت هناك الأسبلة التي تقوم بتخصيص جزء منها للنساء اللاتي لا يقدرن على دفع أجور السقاة للحصول على حاجاتهن المنزلية من الماء (27).

ومن أشهر نماذج الوقف المائي في التاريخ العربي الإسلامي «وقف عين زبيدة» زوجة هارون الرشيد، وقد وقفتها للإسهام في إمداد مكة بالمياه العذبة. ويذكر اليعقوبي في تاريخه أن السيدة زبيدة أمرت خازن أموالها بعمل ما يلزم كي تصبح العين صالحة لإنتاج المياه وانتفاع أهل مكة بها، ونقل عنها أنها قالت للخازن: «أعمل ولو كلفتك ضربة الفأس دينارا». ويذكر المسعودي أن جملة ما صرف من أجل تجهيز «عين زبيدة» وتشغيلها بألف وألف وألف وسبعمئة ألف دينار ذهبا. وحسب رواية الأزرقي عن أخبار مكة، فإن السيدة زبيدة بعد انتهاء العمل وتمام المشروع قامت برمي المستندات في نهر دجلة، وقالت: تركنا الحساب ليوم الحساب، ومن بقي عنده شيء من المال فهو له، ومن بقي له شيء عندنا أعطيناه (28). ومن الأمثلة الأخرى ما نص عليه في وثيقة وقف السلطان المملوكي الأشرف برسباي (ت841هـ) في أنه يصرف في كل شهر من الشهور من ريع الوقف ما يضمن ثمن ماء عذب ينقل إلى الصهريج من ماء النيل (29).

أهمية إحياء التراث المائي

بما أن الحيز المتاح لنا في هذه الإطلالة لا يكفي للتطرق إلى كل مكنوزات بحر تراثنا المائي، فإننا سننهي إطلالتنا بإضاءة حول أهمية إحياء هذا التراث. فقد تنبهت الدراسات العلمية الحديثة إلى ما يتميز به التراث المائي العربي - الإسلامي، وأوصت بإعادة الاستفادة منه وتطبيقه. نختار هنا نماذج لعبارات مقتبسة من تلك الدراسات بهذا الصدد، وهي الآتي:

< تعتبر أنظمة الماء أو مؤسساته القديمة شواهد حية على عبقرية أسلافنا، وهي تعبر عن الأهمية التي أولوها للماء، ومنها السدود في سبأ وبلاد ما بين النهرين، وحدائق قصر الحمراء، ومحكمة الماء في بلنسية (الأندلس)، والأفلاج في سلطنة عمان. وقد ساهم العرب، عبر العصور، في التقدم الذي أحرزه الإنسان في مجال الماء، ومارسوا بعضا من أفضل أنظمة حوكمة المياه. وما من شك في أن زيادة الاطلاع على أنظمة المياه القديمة ومؤسساتها تزيد من القدرة على معالجة موضوع المياه، وتساهم في التغلب على التحديات العالمية في هذا المجال (30).

< إذا كانت التقنيات الحديثة والأقمار الاصطناعية وأجهزة الاستشعار عن بعد تعطي مؤشرات عن إمكانية وجود المياه الجوفية في أماكن معينة، وهذه المؤشرات لا تتسم بالدقة الكافية أو الثبات، فإن الحضارة الإسلامية من خلال علمائها النابهين الأفذاذ قد تميزت في هذا المجال تميزا أبهر الدنيا كلها، مما يدعونا إلى دراسة تراث علمائنا وما سطروه في هذا المجال، تحقيقا لتعظيم الاستفادة من المياه الجوفية التي يمكن أن تؤدي دورا كبيرا في علاج مشكلاتنا المائية الحالية والمستقبلية (31).

< لا نكون مبالغين عندما نقول إن المعارف التقليدية التي مارسها القدماء قد تكون حلا للعديد من المشكلات المعاصرة، وإن ما يبحث عنه العلم الحديث من حل لقضايا اقتصادية ترتبط بالبيئة، يكون كامنا في المعارف التقليدية، حيث إن كثيرا من هذه المعارف وممارساتها تساعد على إعادة استكشاف الجذور البيئية والبشرية للقضايا المختلفة (32).

واستنادا لكل ما سبق، خصوصا في ظل تفاقم مشكلات المياه في معظم البلدان العربية والإسلامية، فإنه صار من الأهمية البالغة إعادة النظر في مكنوزات تراثنا المائي، والعمل على إعادة استكشافها وإحيائها، بما يفيد في تحقيق الأمن المائي لحياتنا المعاصرة ومستقبلنا المقبل.


الهوامش

1- سنن ابن ماجه، كتاب الطهارة وسننها، باب ما جاء في القصد في الوضوء وكراهة التعدي فيه، (رقم 425).

2- سنن ابن ماجه، كتاب اللباس، باب البس ما شئت ما أخطأك سرف أو مخيلة، (رقم 3605).

3- صحيح مسلم، كتاب الحيض، باب القدر المستحب من الماء في غسل الجنابة وغسل الرجل والمرأة في إناء واحد في حالة واحدة وغسل أحدهما بفضل الآخر، (رقم 326).

4- سنن ابن ماجه، كتاب الطهارة وسننها، باب النهي عن الخلاء على قارعة الطريق، (رقم 328).

5- سنن النسائي، كتاب الطهارة، باب الماء الدائم، (رقم 57).

6- صحيح مسلم، كتاب الطهارة، باب النهي عن البول في الماء الراكد، (رقم 281).

7- سنن أبي داود، كتاب الطهارة، باب في البول في المستحم، (رقم 27).

8- اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا)، تقرير المياه والتنمية (العدد الرابع) تعزيز القدرات في إدارة الموارد المائية المشتركة في البلدان الأعضاء في الإسكوا، الأمم المتحدة، نيويورك،2011م، ص26.

9- صحيح مسلم، كتاب المساقاة، باب تحريم بيع فضل الماء الذي يكون بالفلاة، (رقم 1565).

10- سنن أبي داود، كتاب الإجارة، باب في منع الماء، (رقم 3477).

11- خالد عزب، كيف واجهت الحضارة الإسلامية مشكلة المياه؟، منشورات المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة، 2006م، ص19.

12- كمال الدين حسن البتانوني، المعارف التراثية في صحاري الوطن العربي، سلسلة عالم البيئة، رقم 5، إصدار جائزة زايد الدولية للبيئة، دبي، 2006م، ص108.

13- سيمون الحايك، محكمة المياه في بلنسية، ندوة إسهامات العرب في علم المياه والري، الكويت، 1988م، ص214.

14- Majzoub, T. (2005). “Potential ‘Legislative Water Governance’ in the ESCWA Region.” Seminar on Water Governance: The Role of Stakeholders and Civil Society Institutions, November 14-18, November, Beirut.

15- خالد عزب، مصدر سابق، ص29.

16- أحد أشهر الموسوعيين العثمانيين.

17- انظر فصل «علم استنباط المياه عند المسلمين» صفحات 28-46 من كتاب خالد عرب، مصدر سابق.

18- المصدر نفسه.

19- كمال الدين حسن البتانوني، مصدر سابق، ص170.

20- محمد عبدالقادر الفقي، دور الوقف الإسلامي في التنمية وحماية البيئة، مجلة الوعي الإسلامي، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية - دولة الكويت، العدد 493، 2006م.

21- إبراهيم البيومي غانم، إسهام الوقف الإسلامي في الإدارة المتكاملة لمصادر المياه، الحلقة النقاشية حول الوقف المائي - مناهج مبتكرة في التمويل، على هامش المؤتمر العربي الإقليمي الثالث للمياه، تنظيم المجلس العربي للمياه ومنظمات أخرى، القاهرة، 2006م، ص46.

22- المقريزي، (د. ت)، ج 2/ ص309.

23- أحمد الصاوي، الأسبلة ماء الحضارة، حورس، عدد أبريل - يونيو 1995م، ص59·

24- إبراهيم البيومي غانم، الأوقاف السياسية في مصر، دار الشروق، القاهرة بيروت، 1419هـ/1998م، ص291·

25- أحمد أبوزيد، نظام الوقف الإسلامي: تطوير أساليب العمل وتحليل نتائج بعض الدراسات الحديثة، المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة، الرباط، 1421هـ/2000م، ص49–50.

26- نعمت عبداللطيف مشهور، أثر الوقف في تنمية المجتمع، مركز صالح عبدالله كامل للاقتصاد الإسلامي، القاهرة، 1997م.

27- أحمد الصاوي، مصدر سابق، ص59·

28- إبراهيم البيومي غانم، 2006م، مصدر سابق، ص47.

29- محمد محمد الأمين، الأوقاف والحياة الاجتماعية في مصر، 648 – 923هـ/ 1250-1517م، دراسة تاريخية وثائقية، دار النهضة العربية، القاهرة، 1980م، ص148–149.

30- المنتدى العربي للبيئة والتنمية، تقرير المياه إدارة مستدامة لمورد متناقص، تحرير محمد العشري وآخرون، بيروت، لبنان، 2010م، ص138.

31- أحمد علي سليمان، منهج الإسلام في مواجهة مشكلات المياه، منظمة الأسيسكوا، الرباط، 2010م، ص93.

32- كمال الدين حسن البتانوني، مصدر سابق، ص34.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 71.02 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 69.14 كيلو بايت... تم توفير 1.88 كيلو بايت...بمعدل (2.65%)]