فقه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبيان الفهم الصحيح لحديث: «أَعْظَمُ الْجهَادِ ك - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         قـامـوس البدع العقـديــة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 4 - عددالزوار : 106 )           »          الأمة الإسلامية بحاجة إلى مرفقين- مرفق الإفتاء ومرفق القضاء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 26 )           »          الحكمـة ضالـة المؤمن ***متجددة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 82 - عددالزوار : 18723 )           »          أهــل الجمعــة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 27 )           »          وثيقــــة الفســــاد!! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 24 )           »          أهل السنة أرحم الناس بالخلق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 28 )           »          إغاثة الملهوف (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »          أجهزة تجسس يهودية في البلاد العربية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 26 )           »          المسجد الأقصى والعدوان المستمر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 25 )           »          احذر من مدمرات الموهبة لدى الطفل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 25 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام > فتاوى وأحكام منوعة
التسجيل التعليمـــات التقويم

فتاوى وأحكام منوعة قسم يعرض فتاوى وأحكام ومسائل فقهية منوعة لمجموعة من العلماء الكرام

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 06-03-2024, 02:41 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,817
الدولة : Egypt
افتراضي فقه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبيان الفهم الصحيح لحديث: «أَعْظَمُ الْجهَادِ ك

فقه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبيان الفهم الصحيح لحديث: «أَعْظَمُ الْجهَادِ كَلمةُ حَقٍّ عنْدَ سُلطَانٍ جَائِرٍ»


  • الشريعة بينت طرائق لإنكار المنكر فمن سلكها فحصل المراد فالحمد لله وإذا لم يحصل المراد برئت الذمة وأدى الذي عليه .
  • الشيخ ابن باز: ليس من منهج السلف التشهير بعيوب الولاة وذكر ذلك على المنابر لئلا يؤدي ذلك إلى الفوضى وعدم السمع والطاعة في المعروف ويفضي إلى الخوض فيما يضر ولا ينفع.
  • النصيحة لأئمة المسلمين تعني حب صلاحهم ورشدهم وعدلهم وحب اجتماع الأمة عليهم وكراهة افتراق الأمة عنهم.
  • الفوزان: الحديث يقول (عند) سلطان جائر يعني مشافهة عنده ولم يقل: ينكر عليه على المنابر وعلى الطرقات.
  • العباد: الصدع بالحق يُعنى به العلماء الذين عندهم معرفة وإلا فإن غير العالم يمكن أن ينكر ما هو معروف لجهله وعدم بصيرته.
  • الشيخ النجدي: المتقرّر عند أئمة السنة أنّ نصيحة الحكام والإنكار عليهم يكون بحضرتهم وليس على المنابر وفي المجالس وهذا ما دل عليه الكتاب والسنة وما يقرره أهل العلم في النصيحة للحاكم الكافر فضلاً عن المسلم .
  • لكل كلمة مقصد من مقاصد الشريعة وغرض من أغراض الدين ولا تُقبل تلك الكلمة إلا إذا استندت إلى هذه المقاصد وتلك الأغراض .
  • الموصلي: ليس المقصود بهذا الحديث هو مجرد المبادرة بالإنكار على الحاكم وإنما المقصود تقرير الحق ونشره والدعوة إليه والأصل في الإنسان أن يتكلم الحق وأن يصدع به إلا إذا كان الكتمان فيه مصلحة راجحة .
إن فقه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قضية عظيمة، وجديرة بالعناية؛ لأن في تحقيقها مصلحة الأمة ونجاتها، وفي إهمالها الخطر العظيم والفساد الكبير، وقد أوضح الله -جل وعلا في كتابه العظيم- منزلة هذه القضية، وبين -سبحانه- أن منزلتها عظيمة، حتى إنه -سبحانه- قدمها على الإيمان في بعض الآيات، كما في قوله -تعالى-: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} (آل عمران:110)، ومع أهمية هذا الفقه، إلا أنَّ هناك من أخطأ فهمه على الحقيقة فأساء تطبيقه، ومن ذلك فهمهم لحديث النبي -صلى الله عليه وسلم-: «أفضلُ الجهادِ كلمةُ حقٍ عند سُلطانٍ جائرٍ»، ففهموا أنه يجيز لهم الخروج على ولاة الأمر، ولم يفهموا أنَّ المقصود بالجهاد هنا هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والنصح لهم، كما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «الدِّينُ النَّصِيحَةُ. قُلْنا: لِمَنْ؟ قالَ: لِلَّهِ ولِكِتابِهِ ولِرَسولِهِ ولأَئِمَّةِ المُسْلِمِينَ وعامَّتِهِمْ».
يستدل المجوزون للخروج على الحاكم المسلم بحديث النبي -صلى الله عليه وسلم -: «أَعْظَم الْجِهَادِ كَلِمَة حَق عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ»، ولو تأملنا هذا الحديث يظهر لنا أن الحديث في وادٍ، وأن مَن استدل به في وادٍ آخر؛ وذلك بسبب فهمه الخطأ لهذا الحديث، ويترتب على ذلك بناء حُكمٍ خطأ.
أولاً: شرح الحديث
(كلمة) فهي كلمة وليست خروجا بالقوة وبالسلاح. (حق) فهي كلمة حق، وليس شتمًا وسبا وطعنًا وإساءة وتجريحًا. (عند سلطان جائر) تأمل في كلمة (عند) فهي ظرف مكان، أي عند السلطان وأمامه وليس في مكان آخر خلال المظاهرات والخطب العامة، فهي كلمة حق تقال عند سلطان جائر، وليست تقال على المنابر وفي الفضائيات وفي الشوارع كما عليه المتظاهرون.
ثانيًا: الرد على الشبهة
والرد على هذه الشبهة من أوجه عدة كما يلي: الوجه الأول أنه لا يسلم جواز إنكار المنكر بهذه الطريقة؛ فلا يعالج الباطل بالباطل، وطرائق الإصلاح المشروعة كثيرة لمن ابتغاها. الوجه الثاني أن تحقق المصلحة من هذه الطرائق مظنونة، وهي لم تنفع في حالات كثيرة، فما كان كذلك لا يجوّز به المحرم، ولا سيما وقد ترتب على كثير من المظاهرات منكر أكبر. الوجه الثالث إن الشريعة شرعت طرائق لإنكار المنكر، فمن سلكها فحصل المراد، فالحمد لله، وإذا لم يحصل المراد برئت الذمة، وأدى الذي عليه، والله -جل وعلا- قال لموسى وهارون: {فَأْتِيَاهُ} يعني: فرعون {فَقُولا لَهُ قَوْلا لَّيِّنًا}، ما قال أعلنا في البلد والطرقات والشوارع، ويؤكد ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم -: «من أراد أن ينصح لذي سلطان فلا يُبْدِه علانية ولكن يأخذ بيده فيخلو به؛ فإن قبل منه فذاك، وإلا كان قد أدى الذي عليه» (السنة لابن أبي عاصم وصححه الألباني). وسُئِلَ ابن عباس -رضي الله عنهما-، عن أمر السلطان بالمعروف، ونهيه عن المنكر، فقال: «إن كنت فاعلاً ولابد، ففيما بينك وبينه»، وقال معمر: كان يقال: أنصح الناس لك من خاف الله فيك، وكان السلف إذا أرادوا نصيحة أحد، وعظوه سرًّا حتى قال بعضهم: من وعظ أخاه فيما بينه وبينه، فهي نصيحة، ومن وعظه على رؤوس الناس فإنما وبَّخه. (جامع العلوم والحكم).
عند سلطان جائر
قال العلامة الفوزان أيضًا: الحديث يقول (عند) سلطان جائر، يعني مشافهة عنده، ما قال: ينكر عليه على المنابر وعلى الطرقات، الله -جل وعلا- قال لموسى وهارون: {فَأْتِيَاهُ} يعني: فرعون {فَقُولا لَهُ قَوْلا لَّيِّنًا}.
حقيقة النصيحة لولي الأمر
قد صحَّ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في أحاديث كثيرة، الحثُّ والترغيب في بذل النصيحة للمسلمين، حكامهم ومحكوميهم، ومن ذلك ما رواه مسلم في صحيحه من حديث تميم الداري - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «الدين النصيحة، قلنا: لمن؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم»، وروى الشيخان أيضًا عن جرير بن عبد الله - رضي الله عنه - قال: «بايعتُ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - على إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والنُّصحِ لكل مسلم»، وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إنَّ الله يرضى لكم ثلاثًا: يرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئًا، وأن تعتصموا بحبل الله جميعًا ولا تفرقوا، وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم»، وفي المسند وغيره عن جبير بن مطعم - رضي الله عنه - أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في خطبته بالخيف من منى: «ثلاث لا يَغِلُّ عليهن قلب امرئ مسلم: إخلاص العمل لله، ومناصحة ولاة الأمر، ولزوم جماعة المسلمين». قال الحافظ ابن رجب -رحمه الله-: «وقد أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أنَّ الدين النصيحة، فهذا يدل على أن النصيحة تشمل خصال الإسلام والإيمان والإحسان التي ذكرت في حديث جبريل»، وقال الخطابي -رحمه الله-: «النصيحة كلمة يُعبَّر بها عن جملة، هي إرادة الخير للمنصوح له». وقال محمد بن نصر المروزي -رحمه الله-: «وأما النصيحة لأئمة المسلمين، فحبُّ صلاحهم ورشدهم وعدلهم، وحبُّ اجتماع الأمة عليهم، وكراهةُ افتراق الأمة عليهم، والتدين بطاعتهم في طاعة الله -عز وجل-، والبغض لمن رأى الخروج عليهم، وحب إعزازهم في طاعة الله -عز وجل».
النصيحة تكون فيما بين الناصح والمنصوح
ومن هنا اتفق العلماء على أنَّ النصيحة تكون فيما بين الناصح والمنصوح، حاكمًا كان أو محكومًا، قال ابن رجب -رحمه الله-: وكان السلف إذا أرادوا نصيحة أحد، وَعَظوه سرًّا، حتى قال بعضهم: مَن وَعَظ أخاه فيما بينه وبينه، فهي نصيحة، ومَن وَعَظه على رؤوس الناس فإنَّما وَبَّخه. وقال الفضيل: المؤمن يستر وينصح، والفاجر يهتك ويُعيِّر. وقال عبد العزيز بن أبي رواد: كان مَن كان قبلكم إذا رأى الرجل من أخيه شيئًا يأمرُه في رفق، فيُؤجرُ في أَمْرِه ونَهْيِه، وإن أحد هؤلاء يخرق بصاحبه فيستغضب أخاه ويهتك ستره. وفي ذلك يقول الشافعي -رحمه الله-: «مَنْ وَعَظَ أخاهُ سِرًّا فقَدْ نَصَحَه وَزَانَه، ومَنْ وَعَظَه عَلَانِيَةً فقَدْ فَضَحَه وشانَهُ».
تأكيد حقِّ السلطان في ذلك
وعلى هذا، فحديث «مَنْ أراد أنْ ينصح لذي سلطان فلا يُبْدِه علانية»، لم يأت لتخصيص السلطان بهذا الحُكم، ألا وهو إسرار النصيحة، وإنما جاء لتأكيد حقِّ السلطان في ذلك، من باب التنبيه والتذكير، وذلك لأمور عدة: منها: أنَّ المفاسد المترتبة على إعلان النصيحة للسلطان أعظم من المفاسد المترتبة على إعلان النصيحة لآحاد المسلمين. ومنها: أنه من باب التأكيد على حقِّ السلطان على الرعية، ووجوب توقيره وإكرامه، والبعد عن كل ما يشينه ويُهوِّن من سلطانه، ويُضعف مكانته في القلوب. ومثلُه تخصيصُ النَّصح لولاة الأمور بالذِّكْر في حديث: «الدين النصيحة»، مع دخول الولاة وشمولهم في عموم المسلمين.
الصدع بالحق يعنى به العلماء
قال العلامة المحدث عبد المحسن العباد -حفظه الله تعالى- في شرحه على سنن أبي داود -رحمه الله-: قال المصنف -رحمه الله تعالى-: قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أفضل الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر أو أمير جائر»، أورد أبو داود حديث أبي سعيد الخدري -]- قال: «أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر أو أمير جائر»، وذلك أن الجهاد فيه احتمال السلامة واحتمال الهلاك؛ لأنه يقتل، وقد ينتصر ويغلب، ويحصل الغنيمة والأجر والثواب من الله -عزوجل-، وأما السلطان الجائر فهو قاهر لمن بين يديه، فيبطش به، ويؤدي ذلك إلى هلاكه، ويكون هلاكه أقرب من هلاك من يجاهد في سبيل الله، فمن أجل ذلك كانت الكلمة التي تقال عنده بهذه المنزلة، والمقصود من ذلك: أنه عندما يقول كلاماً باطلاً في مجلسه لا يسكت عليه، وإنما يبين أن الحق هو كذا، ولا يقر الباطل ويسكت عليه، وإنما يبين الحق وأنه خلاف ما يقول، وأن الذي قاله ليس بصحيح وإنما الصحيح هو كذا وكذا؛ لأن هذا هو الذي جاء عن الله وعن رسوله -عليه الصلاة والسلام-، فكونه يكون عند سلطان جائر معناه: أنه يكون عرضة للهلاك، ولاسيما إذا كان ذلك الجائر معروفاً بإزهاق النفوس وإتلافها بأي سبب من الأسباب ولو كان أمراً يسيراً. والجور في السلطان كونه يبطش بالناس، ومن السهل عليه إزهاق النفوس، مثل ما اشتهر به الحجاج من البطش والشدة والقسوة، وسهولة القتل عليه؛ ولهذا كان بعض العلماء يكره أن يحدث مثل الحجاج بالحديث الذي فيه قصة العرنيين، وأنهم حصل منهم كذا.. والرسول عمل فيهم كذا وكذا..؛ لأن هذا يجرئه على بطشه وجوره. والصدع بالحق يُعنى به العلماء الذين عندهم معرفة، وإلا فإن غير العالم يمكن أن ينكر ما هو معروف لجهله وعدم بصيرته، فليس كل واحد يقبل منه الأمر والنهي؛ ولهذا قالوا: لابد في الأمر والنهي من العلم والبصيرة، لقول الله -عز وجل-: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} (يوسف:108). وقد ذكرت الأثرة في بعض الأحاديث لكنها غير الجور، فالأثرة: الاستئثار بالمال، والاستئثار بحظوظ الدنيا، وأما الجور فهو العدوان على الناس بسفك دمائهم أو سلب أموالهم. وهذا الحديث لا يستفاد منه مشروعية الكلام على أخطاء الولاة على المنابر؛ لأن هذا تشهير وإيذاء، والإنسان لا يرضى لنفسه أن ينصح على المنابر، وأن يشهر به على المنابر وأن يتكلم معه بحضرة الناس.
نصح الحاكم عند أهل السنّة والجماعة
وعن نصح الحاكم عند أهل السنة والجماعة وآدابه، قال رئيس اللجنة العلمية بجمعية إحياء التراث الإسلامي، الشيخ: محمد الحمود النجدي: المتقرّر عند أئمة السنة وعلماء الملة، أنّ نصيحة الحكام والإنكار عليهم يكون بحضرتهم، وليس على المنابر وفي المجالس، وهذا ما دل عليه الكتاب والسنة، وهذا ما يقرره أهل العلم في النصيحة للحاكم الكافر، فضلاً عن المسلم، قال الله -تعالى في كتابه-: {اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (43) فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} (طه: 43-44).
قال العلماء: يدلُّ قولُ الله -عزَّوجلّ لموسى وهارون: {اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (43) فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} على أنَّ النَّصيحةَ لوُلاة الأمور وغيرِهم تكون أمامهم، وبرفقٍ ولينٍ وحكمة، كما أمر الله -تعالى- موسى -عليه الصلاة والسلام. ويدل عليه أيضًا: حديث عياض بن غنم أنه قال لهشام بن حكيم -رضي الله عنهما-: ألم تَسمع بقول رسُول الله - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ أراد أنْ يَنْصح لذي سُلطان فلا يُبده علانية، ولكن يأخذ بيده فيخلو به، فإنْ قَبِل منه فذاك، وإلا كان قد أدّى الذي عليه». أخرجه ابن أبي عاصم في «السنة» وأحمد، في المسند، والحاكم في المستدرك، وقال الهيثمي في «مجمع الزوائد»: «رواه أحمد ورجاله ثقات، وصححه الألباني في (ظلال الجنة في تخريج السن)»، قال العلامة السندي -رحمه الله في (حاشيته على مسند أحمد)-: في قوله: «منْ أراد أن ينصح لسلطان» أي: نصيحة السلطان ينبغي أن تكون في السِّر، لا بين الخلق. اهـ.
طريقة الصحابة في النصح
وأضاف الشيخ النجدي، وهذه طريقة الصحابة في النصح، فعن أبي وائل شقيق بن سلمة قال: قيل لأسامة - رضي الله عنه -: ألا تدخل على عثمان فتكلِّمَه؟ فقال: «أتُرَوْن أَنِّي لا أُكلِّمُه إلاَّ أُسْمعُكم؟ والله، لقد كلَّمْتُه فيما بيني وبَينه، ما دون أنْ أفتحَ أمْراً، لا أُحبُّ أنْ أكون أوَّلَ مَن فتحَه»، أخرجه الشيخان واللفظ لمسلم. قال الحافظ ابن حجر -رحمه الله في (فتح الباري)-: «قوله: «قد كلمته ما دون أن أفتح بابا» أي: كلمته فيما أشرتم إليه، لكن على سبيل المصلحة والأدب في السّر، بغير أنْ يكون في كلامي ما يثير فتنة أو نحوها». اهـ. وقال الإمام الألباني -في تعليقه على (مختصر صحيح مسلم) (رقم: 335)-: «يعنى المجاهرة بالإنكار على الأمراء في الملأ؛ لأنّ في الإنكار جِهارًا ما يُخشى عاقبته، كما اتفق في الإنْكار على عثمان جهاراً؛ إذْ نَشَأ عنه قتله» اهـ.
الله الله في فهم منهج السلف الصالح!
وقال الشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين -رحمه الله في (رسالة حقوق الراعي والرعية)-: «الله الله في فهم منهج السلف الصالح في التعامل مع السُّلطان، وألا تُتخذ منْ أخطاء السلطان سبيلًا لإثارة الناس، وإلى تنفير القلوب عن ولاة الأمر، فهذا عينُ المفسدة، وأحد الأسُس التي تحصل بها الفتنة». اهـ.
المقصود بالجهاد
وأمّا حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -: عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «أفضلُ الجِهاد، كلمةُ عَدلٍ عند سُلطان جائر». رواه أبو داود، والترمذي، وقال: حديث حسنٌ، فالمقصود بالجهاد في هذا الحديث: هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، للسلطان بحَضْرته، ممّن يكون عنده، ونحو ذلك من عبادات اللسّان، ولذلك قال: كلمة عَدل أو حق عند سلطان، والكلام إنما يؤدى باللسان، وهذا ليس من الخروج على الأئمة، وإنّما هو من النّصح لهم، كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «الدِّينُ النّصيحة، قلنا: لمن؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله، ولأئمة المسلمين، وعامتهم». رواه مسلم.
للسُّلطان بطانتان
وقال العلماء فيه أيضاً: إِنّ للسُّلطان بطانتين: بطانة السُّوء، وبطانة الخير، فبطانة السوء: تنظر ماذا يريد السلطان؟ ثمّ تزيّنه له وتقول: هذا هو الحق، وهذا هو الحسن، ولو كان -والعياذ بالله- من الجَورِ والظلم، تفعل ذلك مداهنة للسلاطين، وطلبًا للدنيا. أما بطانة الحق: فإنها تنظر ما يرضي الله -تعالى- ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، فتدلّ الحاكم عليه، وتذكّره به، وهذه هي بطانة الخير والصلاح، وكلمة الباطل عند السلطان، هذه - والعياذ بالله- ضد الجهاد.
تقرير الحق ونشره والدعوة إليه
وعن المقصود من الحديث، قال مستشار الوقف السني بمملكة البحرين الشيخ: فتحي الموصلي: قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أفضَلُ الجِهادِ كلمةُ عَدلٍ عندَ سُلطانٍ جائرٍ»، هذا الحديث العظيم جاء في باب الحث على النطق بالحق، وعلى نشر العلم، وعلى الجهاد العلمي، وليس المقصود بهذا الحديث هو مجرد المبادرة بالإنكار على الحاكم، ومن ثم يكون النطق بكلمة الحق لمجرد النطق، وإنما المقصود بتقرير الحق ونشره والدعوة إليه، والأصل في الإنسان أن يتكلم الحق، وأن يصدع بالحق، إلا إذا كان الكتمان فيه مصلحة راجحة.
النص يُفسَّر بتفسير غيره
فهذا الحديث وغيره لا يُفسَّر لوحده؛ لأن القاعدة الشرعية في تفسير النصوص هي أن النص يُفسَّر بتفسير غيره؛ فالأحاديث يفسر بعضها بعضا، لهذا كان من قاعدة الشرع في التفسير، تفسير القرآن بالقرآن، وتفسير القرآن بالسنة، وعليه فإن هذا الحديث حتى يُعمل به، لا يكفي لوحده؛ فلابد من نصوص أخرى، ومن الرجوع إلى قواعد الشرع وأصوله في فهم هذا الحديث وتطبيقه.
أعظم الجهاد
الحديث في معناه كما نص عليه العلماء أن أعظم الجهاد وأفضل الجهاد في حقيقة الأمر، ما كان فيه بيان للحق، وإظهار له، وهنا قال: كلمة حق من صيغ العموم؛ لأن النكرة إذا أضيفت أفادت العموم، أي في أي باب من الأبواب، فالأصل في باب القضاء، وفي باب الاعتقاد، وفي باب الأعمال، وفي باب الأمر بالمعروف، أن الإنسان يتكلم بالعلم والحق والصواب، وهذا هو الأصل، لكن إذا وجد ما يمنع ذلك، وما يحول دون ذلك، ومن هذه الموانع والعوائق أن يكون الكلام في حضرة سلطان جائر وظالم، فآنذاك وعند قيام المقتضي للكلام وللنطق بالحق، هناك مصلحة راجحة وضرورة معتبرة في أن تتكلم بالحق وأنت تخشى في كلامك ما يقع عليك من ضرر من السلطان أو من غيره، ومع ذلك تبين الحق مع السعي في نصرته، مع وجود احتمال الأذى لك، فأنت هنا تُؤثر كلمة الحق على نفسك وعلى مصالحك فهذا هو الجهاد العلمي الذي يَفضُل ويُقدّم على أنواع الجهاد الأخرى.
سبب هذا التفضيل
وسبب هذا التفضيل راجع إلى أمور ثلاثة:
  • أولها: الحرص على إشهار الحق وعلى التعريف به و بكلماته وأدلته وأحكامه.
  • ثانيا: أن النصرة للحق هنا جاءت ببذل النفس مع احتمال وقوع الأذى عليها.
  • ثالثا: قيام الموجب والمقتضي للحق، فإذا كان الحق معروفا، فلا حاجة للكلام.
السلف وفهم الحديث
ولهذا لم يَحمِل السلف -كما قال الطبري رحمه الله- هذا الحديث على عمومه، وإنما ذكر الطبري -رحمه الله- بأن السلف من الصحابة والتابعين حملوا الحديث على من أمِن على نفسه القتل والضرر الراجح، فإذا عَلِمَ الإنسان أو المتكلم أن النطق بالحق لا يغير شيئا، وأن النطق بالحق سيُفضي إلى مفسدة أكبر من تهييج العامة، وإذا كان النطق بالحق يوصل إلى ضرر كبير على النفس بالقتل، قال الطبري -نقلا عن سلف الأمة من الصحابة كابن مسعود وابن عباس رضي الله عنهم جميعا- قال: لا يجوز له أن يتكلم.
إطلاق القول خلاف الشرع
ومن ثم فإطلاق القول بأنها نوع من الشجاعة أو المبادرة بأن تتكلم بالحق، وأن تصدع به هكذا، هذا خلاف الشرع، وجاءت نصوص أخرى تنهى عنه، ذلكم أن لكل كلمة مقصدا من مقاصد الشريعة، وغرضا من أغراض الدين، لا تُقبل تلك الكلمة إلا إذا استندت إلى هذه المقاصد والأغراض، وهنا، فليس في الحديث التعرض للبلاء، وإنما في الحديث الحرص على النطق بالكلمة بأيسر الأمور، وألا يمنع الإنسان أن يقول الحق ما يمكن أن يترتب عليه من أذى على نفسه، واشترط العلماء أن يكون الأذى على نفسه، حتى قال صاحب عمدة القارئ، وهو من شروح البخاري قال: لكن إن خشي ضررًا عاما للمسلمين فلا يُنكر، ولكن إن خشي على نفسه بعض الضرر فله الإنكار.
لماذا لم يحمل الحديث على عمومه؟
لماذا قالوا بهذا ولم يحملوا الحديث على عمومه؟ لأنه إن كان إظهار كلمة الحق والتحدث بها -كما يجري الآن في وسائل التواصل أو في الصحف- فيه ضرر عام للمسلمين بالتهييج وإثارة الفتن، فهنا لا يوجد مقتضٍ، ولاسبب شرعي للنطق بكلمة الحق، بل هذا يكون من باب تعريض النفس للبلاء، ومن باب إثارة الفتن، والنبي - صلى الله عليه وسلم - يقول في الحديث الصحيح: «لا ينبغي للمؤمنِ أن يُذِلَّ نفسَه، قالوا: وكيف يُذِلُّ نفسَه؟ قال: يتعرضُ من البلاءِ لما لا يُطِيقُ». فهنا مانعان يمنعان من النطق بكلمة الحق، وهما: مانع التعرض للبلاء الزائد على المصلحة، والأمر الثاني إذا ترتب على النطق بذلك مفسدة أو إذا انتفى الغرض الشرعي من النطق بكلمة الحق؛ لأنه إن تكلمت أو لم تتكلم فالأمر سيان، فلا تعرض النفوس للهلاك والتلف إلا لمصلحة شرعية راجحة.
إشهار الحق والحث على النطق به
ولهذا نظر العلماء في هذا الحديث بنظر مصلحي مقاصدي منضبط، ونظروا إلى أن المقصود هو إشهار الحق والحث على النطق به، والحث على إظهار مسائله وأدلته، وليس تقَصُّد إظهار الحق أو الإنكار لا لشيء إلا لبيان ما في الحاكم من ظلم وفساد، ولهذا بعضهم يتكلم لا لأجل التعريف بالحق، وإنما يتكلم لمجرد الإنكار على الحاكم.
فائدة مهمة جدا
وهنا فائدة مهمة جدا وهي أن الحديث في لفظه في جميع مروياته قال: إن أفضل الجهاد كلمة حق «عند»، وهذا اللفظ عندما نقول عند السلطان فيه نوع من الخصوصية، ولا يلزم العموم، بمعنى لا يلزم أن تتكلم بحضرة الناس، وفي المجالس، وفي الصحف ثم تقول هذه كلمة حق عند سلطان جائر، هذا لا يدخل في الحديث، بل هذا من باب الإنكار العلني غير المستند على دليل صحيح، وإنما المقصود هو أنك إذا كنت عند السلطان فلا ينبغي أن يكون وجودك عنده مانعا من مناصحته ومن كلمة الحق، ومن تذكيره بواجبه، وهنا صار هذا مقام الربانيين أمام الحاكم وعند الحاكم، وليس الجهر بين الناس، ثم يقول: هذه كلمة حق عند سلطان جائر.
نكتة لطيفة
وهذه نكتة لطيفة، أن الناس -بحكم العادة- إذا دخلوا على ملوكهم وحكامهم جاملوهم، وخدعوا بزينة الحياة الدنيا، وربما تقربوا إليهم، إذًا هذا المقام فيه فتنة في صرف الناس عن النطق بالحق، فمن نطق بالحق في هذا الوصف ولم يلتفت إلى مغريات الحياة الدنيا وكان قوله من باب إقامة المصالح وإماتة المفاسد، وكان يبتغي بكلمته الله واليوم الآخر، وقال ذلك عند السلطان، وهذا موضع يحتاج إلى مجاهدة النفس، فهذا الذي يدخل في الجهاد، وهو نوع من الجهاد العلمي الذي يفوق جهاد المقاتلة.
نشر العلم وبيان الحق
وهذا الحديث من الأدلة الدالة على أن القيام بنشر العلم وبيان الحق والتعريف بالدين مع وجود ما يمنع ذلك، هذا يدخل في الجهاد العلمي، وفيه إشارة إلى أن بعض أنواع الجهاد العلمي ببعض الأوصاف قد تفوق حتى الجهاد الحربي العسكري؛ لأن العلم أصل والسلاح فرع.
ليس من منهج السلف
قال الشيخ ابن باز -رحمه الله-: ليس من منهج السلف التشهير بعيوب الولاة وذكر ذلك على المنابر؛ لأن ذلك يفضي إلى الفوضى وعدم السمع والطاعة في المعروف، ويفضي إلى الخوض الذي يضر ولا ينفع، ولكن الطريقة المتبعة عند السلف النصيحة فيما بينهم وبين السلطان، والكتابة إليه، أو الاتصال بالعلماء الذين يتصلون به حتى يوجه إلى الخير (مجموع فتاوى ومقالات ابن باز- 8 / 194).
للسلطان بطانتان: بطانة خير وبطانة شر
قال العلامة ابن عثيمين -رحمه الله في شرحه على رياض الصالحين-: قال أفضل الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر، فللسلطان بطانتان: بطانة السوء وبطانة الخير، بطانة السوء: تنظر ماذا يريد السلطان ثم تزينه له، وتقول هذا هو الحق، هذا هو الطيب وأحسنت وأوفدت، ولو كان -والعياذ بالله- من أجْوَر ما يكون، تفعل ذلك مداهنة للسلاطين، وطلبا للدنيا. أما بطانة الحق: فإنها تنظر ما يرضى الله ورسوله، وتدل الحاكم عليه، هذه هي البطانة الحسنة، وقول كلمة الحق عند سلطان جائر من أعظم الجهاد، وقال عند سلطان جائر؛ لأن السلطان العادل كلمة الحق عنده لا تضر قائلها؛ لأنه يقبل أما الجائر فقد ينتقم من صاحبها ويؤذيه. فالآن عندنا أربعة أمور: 1 - كلمة حق عند سلطان عادل وهذه سهلة. 2 - كلمة باطل عند سلطان عادل وهذه خطيرة؛ لأنك قد تفتن السلطان العادل بكلمتك بما تزينه له من الزخارف. 3 - كلمة الحق عند سلطان جائر وهذه أفضل الجهاد. 4 - كلمة باطل عند سلطان جائر وهذه أقبح ما يكون فهذه أقسام أربعة لكن أفضلها كلمة الحق عند السلطان الجائر.
كيف عامل العلماء الولاة؟
مسائل الولاة وما يتعلق بها وأمراء المؤمنين في الزمن الأول إلى الزمن الحاضر، ينبغي لطلبة العلم أن يعتنوا بها وأن يقرؤوا التاريخ حتى يكون عندهم فقه، كيف عامل العلماء الولاة في كل زمن؟ وما الذي يحصل من الولاة؟ ونحو ذلك ح تى تحصل المصالح وتُدْرَأ المفاسد؛ لأن تحصيل المصالح ودرء المفاسد أمر عظيم وقاعدة من قواعد الشريعة، ولها ولا بد من رعاية والنظر في سبر الأولين، ومما ذكروا في أصل الإمامة والجماعة: وجوب السمع والطاعة بالمعروف، وتحريم نزع اليد من طاعة، ووجوب الجُمَع والجماعات خلف الأئمة، والحج والجهاد معهم، أبرارًا كانوا أو فجارًا، ونصُّوا على ثبوت إمامة من تأمَّر منهم، واجتمع الناس عليه، أو اختاره أهل الحل والعقد، أو وُلِّيَ بعهد مَنْ قَبْلَه.

اعداد: اللجنة العلمية في الفرقان






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 71.08 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 69.37 كيلو بايت... تم توفير 1.71 كيلو بايت...بمعدل (2.41%)]