الكبائر - الصفحة 3 - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 12547 - عددالزوار : 216097 )           »          معارج البيان القرآني ـــــــــــــ متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 10 - عددالزوار : 7830 )           »          انشودة يا أهل غزة كبروا لفريق الوعد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 54 )           »          حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4421 - عددالزوار : 859625 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3953 - عددالزوار : 393966 )           »          مشكلات أخي المصاب بالفصام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 86 )           »          المكملات الغذائية وإبر العضلات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 63 )           »          أنا متعلق بشخص خارج إرادتي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 63 )           »          مشكلة كثرة الخوف من الموت والتفكير به (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 68 )           »          أعاني من الاكتئاب والقلق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 61 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #21  
قديم 16-07-2023, 09:39 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,074
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الكبائر

الكبائر (21)

لبس الحرير والذهب للرجال

(موعظة الأسبوع)



كتبه/ سعيد محمود

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

المقدمة:

- الكبائر هي تلك الذنوب المهلكة، التي ضَمِن الله لمَن اجتنبها في الدنيا، الجنة في الآخرة: قال -تعالى-: (إِن تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلًا كَرِيمًا) (النساء: 31).

- ومن الكبائر المهلكة (لبس الحرير والذهب للرجال): قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَن لبسَ الحريرَ في الدُّنيا، لم يلبَسهُ في الآخِرةِ) (متفق عليه)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (‌حُرِّمَ ‌لِبَاسُ ‌الحَرِيرِ ‌وَالذَّهَبِ ‌عَلَى ‌ذُكُورِ ‌أُمَّتِي ‌وَأُحِلَّ ‌لِإِنَاثِهِمْ) (رواه الترمذي، وصححه الألباني).

(1) أدلة تحريم الحرير والذهب على الرجال:

- عن حذيفة -رَضِيَ اللَّهُ عنْه- قال: "نَهَانَا النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- أَنْ نَشْرَبَ فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَأَنْ نَأْكُلَ فِيهَا ‌وَعَنْ ‌لُبْسِ ‌الْحَرِيرِ ‌وَالدِّيبَاجِ، وَأَنْ نَجْلِسَ عَلَيْهِ" (متفق عليه)، قال الحافظ الذهبي في كتاب الكبائر: "مَن استحل لبس الحرير من الرجال فهو كافر".

- ولما رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- في يد رجل خاتمًا مِن ذهب فنزعه، وقال: (يَعْمِدُ أَحَدُكُمْ إلى جَمْرَةٍ مِن نَارٍ فَيَجْعَلُهَا في يَدِهِ) (رواه مسلم).

- صور من الاستعمال المحرم: (الخواتم والحلق - الساعات - الأنسيال - القلائد - ...).

(2) حكمة تحريم الحرير والذهب على الرجال:

- بداية المسلم مستسلم لأمر ربه ونهيه؛ سواء ظهرت له الحكمة أو لم تظهر(1): (إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا) (النور: 51)، وقال -تعالى-: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ) (الأحزاب: 36).

- أما حكمه التحريم، فأقرب الأقوال في ذلك: "بِأَنَّهُ خُلِقَ فِي الْأَصْلِ لِلنِّسَاءِ كَالْحِلْيَةِ بِالذَّهَبِ، فَحَرُمَ عَلَى الرِّجَالِ لِمَا فِيهِ مِنْ مَفْسَدَةِ تَشَبُّهِ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: حَرُمَ لِمَا يُورِثُهُ مِنَ الْفَخْرِ وَالْخُيَلَاءِ وَالْعُجْبِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: حَرُمَ لِمَا يُورِثُهُ بِمُلَامَسَتِهِ لِلْبَدَنِ مِنَ الْأُنُوثَةِ وَالتَّخَنُّثِ، وَضِدُّ الشَّهَامَةِ وَالرُّجُولَةِ) (زاد المعاد).

فوائد في مسائل:

- من عظيم محاسن الشريعة، أنها جعلت تيسيرًا في الأحكام عند الأعذار: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) (الحج: 78)، (مَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ) (البقرة: 137).

- يجوز استعمال الذهب بديلًا عن السن والأنف إذا دعت الضرورة: عن عبد الرحمن بن طرفة أنَّ جده عرفجةَ بنَ أسعدَ، "أنَّه قُطِع أنفُه يومَ الكلابِ فاتَّخذ أنفًا من ورِقٍ، فأنتن عليه، فأمره النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم-، فاتَّخذ أنفًا من ذهبٍ" (رواه أبو داود، وحسنه الألباني).

- كذا يجوز لبس الفضة للرجال بشرط عدم الإسراف أو التشبه بالنساء: عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: "اتخذ النبي -صلى الله عليه وسلم- خاتمًا من فضة، وجعل فصه مما يلي كفه، ونقش فيه: محمد رسول الله" (رواه البخاري)، وقال -تعالى-: (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ) (الأعراف: 32)، ولم يرد شيء بتحريم الفضة على الرجال.

- ويجوز لبس الحرير للمريض بالحكة ونحوه، وعند لقاء العدو: عن أنس -رَضِيَ اللَّهُ عنْه-: "رَخَّصَ رَسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، أَوْ رُخِّصَ لِلزُّبَيْرِ بنِ العَوَّامِ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عَوْفٍ في لُبْسِ الحَرِيرِ لِحِكَّةٍ كَانَتْ بهِمَا" (متفق عليه).

- يحرم تزين الصبيان بالذهب؛ لأنهم داخلون في ذكور الأمة، ولضرره عليهم في التعود على لبسه.

- يجوز لبس ما يسمى بالحرير الصناعي؛ لأنه ليس حريرًا، والأورع تركه؛ لما فيه من التشابه الشديد بالحرير: قال -صلى الله عليه وسلم-: (فمنِ اتَّقى الشُّبُهاتِ استبرأ لدِينِه وعِرضِه) (متفق عليه).

(3) خاتمة: الذهب والحرير زينة أهل الجنة:

- مَن أطاع الله في الدنيا بامتثال أوامره، عوَّضه الله في الجنة من جنس عمله، مع الفارق بين الدارين: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (‌مَنْ ‌لَبِسَ ‌الْحَرِيرَ ‌فِي ‌الدُّنْيَا ‌لَمْ ‌يَلْبَسْهُ ‌فِي ‌الْآخِرَةِ) (متفق عليه).

- لما امتنعوا عن المحرمات في الدنيا، جعل الله لهم في الجنة من جنسها أفضلها وأعظمها: قال -تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا . أُولَ?ئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِّن سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُّتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا) (الكهف: 30-31)، وقال -تعالى-: (إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ) (الحج: 23)، وقال -تعالى-: (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَ?لِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ . جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ) (فاطر: 32-33)، وقال -تعالى-: (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ . فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ . يَلْبَسُونَ مِن سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُّتَقَابِلِينَ) (الدخان: 51-53)، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- عن أهل الجنة: (آنِيَتُهُمُ الذَّهَبُ والفِضَّةُ، وأَمْشَاطُهُمُ الذَّهَبُ...) (متفق عليه)، وعن انس -رَضِيَ اللَّهُ عنْه- قال: أُهْدِيَ للنبيِّ -صلى الله عليه وسلم- جُبَّةُ سُنْدُسٍ -الرقيق من الحرير-، وكانَ يَنْهَى عَنِ الحَرِيرِ، فَعَجِبَ النَّاسُ منها، فَقالَ: (والذي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بيَدِهِ، لَمَنَادِيلُ سَعْدِ بنِ مُعَاذٍ في الجَنَّةِ أحْسَنُ مِن هَذَا) (متفق عليه).

- شبهة: كيف حرمه الله على الرجال في الدنيا، ثم يحله لهم في الآخرة؟

- الجواب: ليس هناك تلازم بين المحرمات في الدنيا وإباحتها في الآخرة، ولا الواجبات في الدنيا على عدم وجوبها في الآخرة، فلا تقاس أحكام الدنيا على الآخرة، قال -تعالى-: (‌مَثَلُ ‌الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ) (محمد: 15)، وعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ: أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: (يَدْخُلُ أَهْلُ الجَنَّةِ الجَنَّةَ جُرْدًا مُرْدًا مُكَحَّلِينَ أَبْنَاءَ ثَلاَثِينَ أَوْ ثَلاَثٍ وَثَلاَثِينَ سَنَةً) (رواه الترمذي، وحسنه الألباني).

فاللهم إنا نسألك الجنة وما يقرِّب منها من قول وعمل، ونعوذ بك من النار وما يقرب منها من قول وعمل.

والحمد لله رب العالمين.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) عموم العبادات لا تظهر لها حكمة ظاهرة، وإنما هي من باب الامتثال والطاعة لله ورسوله -صلى الله عليه وسلم-، مثل: (عدد الركعات في الصلاة - الوضوء - إلخ).

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #22  
قديم 20-07-2023, 06:53 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,074
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الكبائر

الكبائر (22)

اليأس والقنوط

(موعظة الأسبوع)



كتبه/ سعيد محمود
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
المقدمة:
- الكبائر هي تلك الذنوب المهلكة، التي ضَمِن الله لمَن اجتنبها في الدنيا، الجنة في الآخرة: قال -تعالى-: (إِن تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلًا كَرِيمًا) (النساء: 31).
- اليأس من كبائر الأعمال، والمنكرات الجسام، وقبيح الخصال، وقد وَرَد في حقِّه شديد العقاب والوبال: قال -تعالى-: (وَلَا تَيْأَسُوا ‌مِنْ ‌رَوْحِ ‌اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ ‌مِنْ ‌رَوْحِ ‌اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ) (يوسف: 87)، عن ابن عباس -رضي الله عنهما-: أن رجلًا قال يَا رَسُولَ اللهِ، مَا الْكَبَائِرُ؟ قَالَ: (الشِّرْكُ بِاللهِ، وَالْإِيَاسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ، وَالْقُنُوطُ مِنْ رَحْمَةِ الله) (رواه البزار في مسنده، وحسنه الألباني).
- المقصود باليأس والقنوط: اليأس هو شعور يصيب الإنسان كدليل على فقدان الأمل في تحقيق أمر ما، وقد يؤدي اليأس اٍلى تحريك مشاعر وعواطف أخرى، مثل: الاكتئاب والإحباط، والقنوط هو أشد اليأس.
(1) صور لليأس والقنوط:
- اليأس والقنوط من مغفرة الله الذنوب: قال -تعالى-: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) (الزمر: 53).
- اليأس والقنوط من زوال الشدائد وتفريج الكروب: قال -تعالى-: (يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا ‌مِنْ ‌رَوْحِ ‌اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ ‌مِنْ ‌رَوْحِ ‌اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ) (يوسف: 87).
- اليأس والقنوط من توبة الفاسقين، وتبدل الحال للأفضل، بما يكون فيه منعٌ للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: قال -تعالى-: (وَإِذَ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُواْ مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُون) (الأعراف: 164).
- القنوط من نصر الدِّين، والتمكين للمؤمنين: عن خباب بن الأرت قال: شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَهُوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً لَهُ فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ، فَقُلْنَا: أَلَا تَسْتَنْصِرُ لَنَا، أَلَا تَدْعُو لَنَا؟ فَقَالَ: (قَدْ كَانَ مَنْ قَبْلَكُمْ، يُؤْخَذُ الرَّجُلُ فَيُحْفَرُ لَهُ فِي الْأَرْضِ، فَيُجْعَلُ فِيهَا، فَيُجَاءُ ‌بِالْمِنْشَارِ ‌فَيُوضَعُ ‌عَلَى ‌رَأْسِهِ ‌فَيُجْعَلُ نِصْفَيْنِ، وَيُمْشَطُ بِأَمْشَاطِ الْحَدِيدِ مَا دُونَ لَحْمِهِ وَعَظْمِهِ، فَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَاللهِ لَيَتِمَّنَّ هَذَا الْأَمْرُ، حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ، لَا يَخَافُ إِلَّا اللهَ، وَالذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ، وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ) (رواه البخاري).
(2) ذم اليأس والقنوط:
- أطلق الغفور الرحيم -سبحانه- الدعوة لجميع العُصاة من الكفرَة وغيرهم إلى التوبة والإنابة، ونهاهم عن اليأس والقنوط، وأخبر بأنه -تعالى- يغفر الذنوب جميعًا لمَن تاب منها ورجع عنها، وإن كانت مهما كانت، قال -تعالى-: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) (الزمر: 53).
- وعاب -سبحانه وتعالى- على الجاهلين بحكمته وقدرته، بحيث يفرحون بالنعم، وييأسون ويقنطون من زوال المحن والشدائد إذا أصابتهم: قال -تعالى-: (وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ) (الروم: 36)، وقال -تعالى-: (إِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَئُوسًا) (الإسراء: 83).
- ووصف -سبحانه- اليائسين القانطين المستبعدين للفرج بوصف الكافرين: قال -تعالى-: (‌وَلَا ‌تَيْأَسُوا ‌مِنْ ‌رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ) (يوسف: 87).
- وبيَّن النبي -صلى الله عليه وسلم- عظيم رحمة الله للمؤمن والكافر إذا لم ييأس ويقنط: قال: (‌إِنَّ ‌اللهَ ‌خَلَقَ ‌الرَّحْمَةَ ‌يَوْمَ ‌خَلَقَهَا ‌مِائَةَ ‌رَحْمَةٍ، فَأَمْسَكَ عِنْدَهُ تِسْعًا وَتِسْعِينَ رَحْمَةً، وَأَرْسَلَ فِي خَلْقِهِ كُلِّهِمْ رَحْمَةً وَاحِدَةً، فَلَوْ يَعْلَمُ الْكَافِرُ بِكُلِّ الَّذِي عِنْدَ اللهِ مِنَ الرَّحْمَةِ، لَمْ يَيْئَسْ مِنَ الْجَنَّةِ) (رواه البخاري).
- وحذَّر النبي المسلم من اليأس والقنوط من تغيُّر الأحوال، وحرض على مواصلة الدعاء والسؤال والسعي في الأسباب: قال: (لَا ‌يَزَالُ ‌يُسْتَجَابُ ‌لِلْعَبْدِ ‌مَا ‌لَمْ ‌يَدْعُ ‌بِإِثْمٍ، ‌أَوْ ‌قَطِيعَةِ ‌رَحِمٍ، مَا لَمْ يَسْتَعْجِلْ) قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا الِاسْتِعْجَالُ؟ قَالَ: (يَقُولُ: قَدْ دَعَوْتُ وَقَدْ دَعَوْتُ، فَلَمْ أَرَ يَسْتَجِيبُ لِي فَيَسْتَحْسِرُ عِنْدَ ذَلِكَ، وَيَدَعُ الدُّعَاءَ) (متفق عليه).
(3) أعظم أسباب اليأس والقنوط:
- الجهل بالله وصفاته وعظيم رحمته(1): قال -تعالى- في الحديث القدسي: (يَا ابْنَ آدَمَ: إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ فِيكَ وَلَا أُبَالِي، يَا ابْنَ آدَمَ: لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ وَلَا أُبَالِي، يَا ابْنَ آدَمَ: إِنَّكَ لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الأَرْضِ خَطَايَا ثُمَّ لَقِيتَنِي لَا تُشْرِكُ بِي شَيْئًا لَأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً) (رواه الترمذي، وحسنه الألباني).
وقال -تعالى-: (قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ) (الحجر: 56)، وقال -تعالى-: (‌وَلَا ‌تَيْأَسُوا ‌مِنْ ‌رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ) (يوسف: 87).
- العجلة وعدم التأني: قال النَّبي -صلى الله عليه وسلم-: (لَا ‌يَزَالُ ‌يُسْتَجَابُ ‌لِلْعَبْدِ مَا لَمْ يَدْعُ بِإِثْمٍ، أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ، مَا لَمْ يَسْتَعْجِلْ) قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ مَا الِاسْتِعْجَالُ؟ قَالَ: (يَقُولُ: قَدْ دَعَوْتُ وَقَدْ دَعَوْتُ، فَلَمْ أَرَ يَسْتَجِيبُ لِي فَيَسْتَحْسِرُ عِنْدَ ذَلِكَ، وَيَدَعُ الدُّعَاءَ) (متفق عليه).
(4) علاج اليأس والقنوط:
1- حسن الظن بالله والتعبد له بأسمائه وصفاته: قال -تعالى-: (يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا ‌مِنْ ‌رَوْحِ ‌اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ ‌مِنْ ‌رَوْحِ ‌اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ) (يوسف: 87)، وقال -تعالى-: (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ) (الأعراف: 156)، وقال -تعالى-: (‌سَيَجْعَلُ ‌اللَّهُ ‌بَعْدَ ‌عُسْرٍ ‌يُسْرًا) (الطلاق: 7)، وقال: (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا . إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا) (الشرح: 5-6).
2- معرفة حقيقة الدنيا والزهد فيها: فيعلم المؤمن أن هذه هي الدنيا، فما فيها مِن لذة إلا مكدرة، وأنها لا تصفو لأحدٍ، وأنه لن يستريح إلا في جنة الله في الآخرة، قال -تعالى- عن أهل الجنة ساعة دخولها: (وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ . الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِن فَضْلِهِ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ) (فاطر: 34-35)؛ ولذا لما سُئِل الإمام أحمد: "متى الراحة؟ قال: عندما تضع أول قدميك في الجنة" (المقصد الأرشد).
3- الإكثار من الدعاء، فالله هو القادر على رفع البلاء: قال النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مَا أَصَابَ أَحَدًا قَطُّ هَمٌّ وَلَا حَزَنٌ، فَقَالَ: اللهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ، ابْنُ عَبْدِكَ، ابْنُ أَمَتِكَ، نَاصِيَتِي بِيَدِكَ، مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ، عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ، أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ، أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ، أَوِ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ، أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي، وَنُورَ صَدْرِي، وَجِلَاءَ حُزْنِي، وَذَهَابَ هَمِّي، إِلَّا ‌أَذْهَبَ ‌اللهُ ‌هَمَّهُ وَحُزْنَهُ، وَأَبْدَلَهُ مَكَانَهُ فَرَحًا)، قَالَ: فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَلَا نَتَعَلَّمُهَا؟ فَقَالَ: (بَلَى، يَنْبَغِي لِمَنْ سَمِعَهَا أَنْ يَتَعَلَّمَهَا) (رواه أحمد، وصححه الألباني).
4- الإكثار من الذكر والصلاة: قال -تعالى-: (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ) (البقرة: 45)، وعن حذيفة -رضي الله عنه- قال: "كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا ‌حَزَبَهُ ‌أَمْرٌ، صَلَّى" (رواه أبو داود، وحسنه الألباني).
خاتمة:
- مهما عظم المصاب فلا تيأس: قال الله -تعالى-: (وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلا الضَّالُّونَ) (الحجر: 56) (1).
- يعقوب -عليه السلام- بعد طول السنين ينتظر الروح والفرج، ويبعث أولاده بالأمل في الله: (يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا ‌مِنْ ‌رَوْحِ ‌اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ ‌مِنْ ‌رَوْحِ ‌اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ) (يوسف: 87).
- النبي -صلى الله عليه وسلم- وصاحبه في الغار والكفار بأسلحتهم فوق رأسيهما: (يَا أَبَا بَكْرٍ، مَا ظَنُّكَ بِاثْنَيْنِ اللهُ ثَالِثُهُمَا) (متفق عليه)، (إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا) (التوبة: 40).
اللهم اشرح صدورنا، وفرِّج كروبنا، ويسِّر عسرنا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) فمَن عَلِم أن الله هو الرزاق لم ييأس إذا أصابه الفقر، ومَن علم أن الله هو الشافي لم ييأس إذا أصابه المرض، ومَن علم أن الله هو القوي القهار لم ييأس إذا قهره ظالم، وهكذا في سائر الأقدار والأحوال.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #23  
قديم 29-07-2023, 04:06 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,074
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الكبائر

الكبائر (23)

الغيبة

(موعظة الأسبوع)



كتبه/ سعيد محمود
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
المقدمة:
- الكبائر هي تلك الذنوب المهلكة، التي ضَمِن الله لمَن اجتنبها في الدنيا، الجنة في الآخرة: قال -تعالى-: (إِن تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلًا كَرِيمًا) (النساء: 31).
- الغيبة من الكبائر الخطيرة، والمنكرات المفسدة، والأخلاقيات القبيحة؛ لما لها من أثر عظيم في الإفساد بين الناس، وقد جاء الدليل على كونها من الكبائر: قال -تعالى-: (وَلا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ) (الحجرات: 12).
- الإشارة إلى أن الغيبة من أكثر الذنوب انتشارًا بين الناس: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (أَتَدْرُونَ ‌مَا ‌الْغِيبَةُ؟)، قَالُوا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ: (ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ)، قِيلَ: أَفَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ فِي أَخِي مَا أَقُولُ؟ قَالَ: (إِنْ كَانَ فِيهِ مَا تَقُولُ فَقَدِ اغْتَبْتَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَقَدْ بَهَتَّهُ) (رواه مسلم).
- تفسيرات العلماء لمعنى الغيبة من خلال حديث النبي -صلى الله عليه وسلم-: قال ابن التين -رحمه الله-: "الغِيبة ذكر المرء بما يكرهه بظهر الغيب" (فتح الباري لابن حجر).
وعرَّفها الجوهري بقوله: "أنْ يتكلَّم خلف إنسانٍ مستور بما يَغُمُّه لو سمعه، فإن كان صدقًا سُمِّيَ غِيبَةً، وإن كان كذبًا سمِّي بُهتانًا" (الصحاح في اللغة)، وقال المناوي -رحمه الله-: "هي ذكر العيب بظهر الغيب بلفظٍ، أو إشارةٍ، أو محاكاةٍ" (فيض القدير).
- الفرق بين الغِيبة والنَّمِيمَة: الغيبةُ: ذكر الإنسان بما يكره لما فيها من مفسدة الأعراض. والنَّمِيمَة: أن ينقل إليه عن غيره أنه يتعرَّض لأذاه؛ لما فيها من مفسدة إلقاء البغضاء بين الناس. وسيأتي التفصيل في حديث منفرد عن النميمة.
(1) ذم الغِيبة والنهي عنها:
- الغيبة من الذنوب التي نَفَّر القرآن منها بما تستقذره نفوس الناس جميعًا: قال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ) (الحجرات: 12).
قال الشوكاني -رحمه الله-: "فهذا نهي قرآني عن الغِيبة، مع إيراد مثل لذلك، يزيده شدَّةً وتغليظًا، ويوقع في النفوس من الكراهة والاستقذار لما فيه ما لا يقادر قدره، فإنَّ أكل لحم الإنسان من أعظم ما يستقذره بنو آدم جبلةً وطبعًا، ولو كان كافرًا أو عدوًّا مكافحًا؛ فكيف إذا كان أخًا في النسب، أو في الدين؟! فإنَّ الكراهة تتضاعف بذلك، ويزداد الاستقذار؛ فكيف إذا كان ميِّتًا؟! فإن لحم ما يستطاب ويحل أكله يصير مستقذرًا بالموت، لا يشتهيه الطبع، ولا تقبله النفس، وبهذا يعرف ما في هذه الآية من المبالغة في تحريم الغِيبة، بعد النهي الصريح عن ذلك" (الفتح الرباني).
- وعَظَّم النبي -صلى الله عليه وسلم- من شأن الأعراض، والتي تنتهكها الغيبة وتعتدى عليها: فعن أبي بكرة -رضي الله عنه-: أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال يوم النحر بمنى: (فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ، ‌كَحُرْمَةِ ‌يَوْمِكُمْ ‌هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، إِلَى يَوْمِ تَلْقَوْنَ رَبَّكُمْ، أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ، قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: اللَّهُمَّ اشْهَدْ) (متفق عليه)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (‌إِنَّ ‌مِنْ ‌أَرْبَى ‌الرِّبَا ‌الِاسْتِطَالَةَ ‌فِي ‌عِرْضِ ‌الْمُسْلِمِ ‌بِغَيْرِ ‌حَقٍّ) (رواه أبو داود، وصححه الألباني).
- وحَذَّر النبي -صلى الله عليه وسلم- من المفهوم الخاطئ عند كثيرٍ من الناس لمعنى الغيبة: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (أَتَدْرُونَ ‌مَا ‌الْغِيبَةُ؟)، قَالُوا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ: (ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ)، قِيلَ: أَفَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ فِي أَخِي مَا أَقُولُ؟ قَالَ: (إِنْ كَانَ فِيهِ مَا تَقُولُ فَقَدِ اغْتَبْتَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَقَدْ بَهَتَّهُ) (رواه مسلم)(1).
- وحَذَّر النبي -صلى الله عليه وسلم- مما يتساهل فيه أكثر الناس من الغيبة: عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قلت للنَّبي -صلى الله عليه وسلم-: ‌حَسْبُكَ ‌مِنْ ‌صَفِيَّةَ كَذَا وَكَذَا -تَعْنِي قَصِيرَةً-، فَقَالَ: (لَقَدْ قُلْتِ كَلِمَةً لَوْ مُزِجَتْ بِمَاءِ الْبَحْرِ لَمَزَجَتْهُ). قَالَتْ: وَحَكَيْتُ لَهُ إِنْسَانًا، فَقَالَ: (مَا أُحِبُّ أَنِّي حَكَيْتُ إِنْسَانًا وَأَنَّ لِي كَذَا وَكَذَا) (رواه أبو داود، وصححه الألباني).
قال النووي -رحمه الله-: "هذا الحديث من أعظم الزواجر عن الغِيبة أو أعظمها، وما أعلم شيئًا من الأحاديث بلغ في ذمها هذا المبلغ؛ فإذا كانت هذه الكلمة بهذه المثابة، في مزج البحر، الذي هو من أعظم المخلوقات؛ فما بالك بغيبة أقوى منها؟!" (فيض القدير).
(2) عقوبة المغتاب في الدنيا والآخرة:
- يتتبع الله عورة المغتاب ويفضحه ولو في جوف بيته: عن أبي برزة الأسلمي -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (يَا ‌مَعْشَرَ ‌مَنْ ‌آمَنَ ‌بِلِسَانِهِ، ‌وَلَمْ ‌يَدْخُلِ ‌الْإِيمَانُ ‌قَلْبَهُ، لَا تَغْتَابُوا الْمُسْلِمِينَ، وَلَا تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ، فَإِنَّهُ مَنِ اتَّبَعَ عَوْرَاتِهِمْ يَتَّبِعُ اللَّهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنْ يَتَّبِعِ اللَّهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ فِي بَيْتِهِ) (رواه أحمد وأبو داود، وصححه الألباني).
- المغتاب يعطي حسناته لمَن اغتابه: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (أَتَدْرُونَ مَا ‌الْمُفْلِسُ؟)، قَالُوا: ‌الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ، وَلَا مَتَاعَ، فَقَالَ: (إِنَّ ‌الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا، وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا، وَضَرَبَ هَذَا فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ، ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ) (رواه مسلم).
قال الغزالي: "الغِيبة هي الصاعقة المهلكة للطاعات، ومَثَل مَن يغتاب كمَن ينصب منجنيقًا، فهو يرمي به حسناته شرقًا وغربًا، ويمينًا، وشمالًا!". وقال ابن المبارك: "لو كنت مغتابًا أحدًا لاغتبت والديَّ؛ لأنَّهما أحق بحسناتي" (شرح صحيح البخاري لابن بطال)، وعن الحسن البصري أنَّ رجلًا قال له: "إنك تغتابني، فقال: ما بلغ قدرك عندي أن أُحكمك في حسناتي" (الأذكار النووية).
- المغتابون في الآخرة يعذَّبون بتعذيب أنفسهم: عن أنس عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (لَمَّا عُرِجَ بِي مَرَرْتُ بِقَوْمٍ لَهُمْ أَظْفَارٌ مِنْ نُحَاسٍ يَخْمِشُونَ وُجُوهَهُمْ وَصُدُورَهُمْ، فَقُلْتُ: مَنْ هَؤُلاَءِ يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: هَؤُلاَءِ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ لُحُومَ النَّاسِ، وَيَقَعُونَ فِي أَعْرَاضِهِمْ) (رواه أحمد وأبو داود، وصححه الألباني).
خاتمة: كفارة الغيبة:
- الغيبة من الكبائر، وكفارتها التوبة والندم، والاعتذار لمَن حدثت في حقه الغيبة إن كانت الغيبة قد بلغت الرجل: قال ابن تيمية -رحمه الله-: "ومَن ظلم إنسانًا فقذفه أو اغتابه أو شتمه ثم تاب قبِل الله توبته، لكن إن عرف المظلومُ مكَّنه مِن أخذ حقه، وإن قذفه أو اغتابه ولم يبلغه ففيه قولان للعلماء هما روايتان عن أحمد، أصحهما: أنه لا يعلمه أني اغتبتك. وقد قيل: بل يحسن إليه في غيبته كما أساء إليه في غيبته، كما قال الحسن البصري: كفارة الغيبة أن تستغفر لمن اغتبته".
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــ
(1) بَيَّن العلماء مفهوم الحديث، وأنه مشتمل على كلِّ ما يستعمل في عيب أخيه الغائب: (قال الغزالي: اعلم أن الذكر باللسان إنما حُرِّم؛ لأن فيه تفهيم الغير نقصان أخيك، وتعريفه بما يكرهه، فالتعريض به كالتصريح، والفعل فيه: كالقول والإشارة، والإيماء والغمز، والهمز، والكتابة، والحركة، وكل ما يفهم المقصود؛ فهو داخل في الغيبة وهو حرام" (إحياء علوم الدين).
ما لا يُعد من الغيبة: قال النووي -رحمه الله-: "اعلم أنَّ الغِيبة تباح لغرض صحيح شرعي لا يمكن الوصول إليه إلا بها، وهو ستة أبواب:
الأول: التظلم، فيجوز للمظلوم أن يتظلم إلى السلطان والقاضي وغيرهما مما له ولاية أو قدرة على إنصافه من ظالمه، فيقول: ظلمني فلان كذا.
الثاني: الاستعانة على تغيير المنكر، ورد المعاصي إلى الصواب، فيقول لمن يرجو قدرته على إزالة المنكر: فلان يعمل كذا، فازجره عنه.
الثالث: الاستفتاء، فيقول للمفتي: ظلمني أبي، أو أخي، أو زوجي، أو فلان بكذا.
الرابع: تحذير المسلمين من الشر ونصيحتهم.
الخامس: أن يكون مجاهرًا بفسقه أو بدعته، كالمجاهر بشرب الخمر، وأخذ المكس، وغيره.
السادس: التعريف، فإذا كان الإنسان معروفًا بلقب الأعمش، والأعرج، والأصم، والأعمى، والأحول، وغيره؛ جاز تعريفه بذلك.
وجمعها الأمير الصنعاني في بيتين:
الـذَّمُّ لـيس بغـِـيـبةٍ فـي سِـتَّـةٍ مـُتَـظَـلِّمٍ ومُـعَرِّفٍ ومُــحَــذِّرِ
ولمُظْهِرٍ فِسْقًا ومُسْتَفْتٍ ومَنْ طَلَبَ الإعانة في إزالة مُنْكَرِ

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #24  
قديم 02-08-2023, 02:22 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,074
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الكبائر

الكبائر (24)

النميمة

(موعظة الأسبوع)



كتبه/ سعيد محمود
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
المقدمة:
- الكبائر هي تلك الذنوب المهلكة، التي ضَمِن الله لمَن اجتنبها في الدنيا، الجنة في الآخرة: قال -تعالى-: (إِن تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلًا كَرِيمًا) (النساء: 31).
- النميمة من الكبائر الخطيرة، والمنكرات المفسدة، والأخلاقيات القبيحة؛ لما لها من أثر عظيم في الإفساد بين الناس، وقد جاء الدليل على كونها من الكبائر: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (‌لَا ‌يَدْخُلُ ‌الْجَنَّةَ ‌نَمَّامٌ) (متفق عليه)، وفي رواية: (لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ ‌قَتَّاتٌ) (متفق عليه).
- النَّمِيمَة هي: نَقْلُ الحديث من قومٍ إلى قوم على جهة الإفْسادِ والشَّرِّ. وقيل هي: التحريش بين النَّاس والسعي بينهم بالإفساد.
- الفرق بين الغيبة والنَّمِيمَة؟: قال ابن حجر -رحمه الله-: "النَّمِيمَة نقل حال شخص لغيره على جهة الإفساد بغير رضاه؛ سواء كان بعلمه أم بغير علمه. والغيبة ذكره في غيبته بما لا يرضيه، فامتازت النَّمِيمَة بقصد الإفساد، ولا يشترط ذلك في الغيبة. وامتازت الغيبة بكونها في غيبة المقول فيه، واشتركتا فيما عدا ذلك".
(1) ذم النَّمِيمَة والترهيب منها:
- النمام يمشي بين الناس، ويحرِّش بينهم ويفسد ذات البَيْن: قال -تعالى-: (‌وَلَا ‌تُطِعْ ‌كُلَّ ‌حَلَّافٍ ‌مَهِينٍ . هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ . مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ . عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ) (القلم:10-13).
- النمام يوقع الخصومة والقطيعة بين الناس: عن عبد اللّه بن مسعود -رضي الله عنه- قال: إنَّ محمدًا -صلى الله عليه وسلم- قال: (‌أَلَا ‌أُنَبِّئُكُمْ ‌مَا ‌الْعَضْهُ؟ هِيَ النَّمِيمَةُ الْقَالَةُ بَيْنَ النَّاسِ) (رواه مسلم)، قال المناوي: (الْقَالَةُ بَيْنَ النَّاسِ). أي: كثرة القول، وإيقاع الخصومة بينهما، فيما يحكي للبعض عن البعض. (فيض القدير).
- النمام يفسد أشد من الساحر: ذكر ابن عبد البر عن يحيي بن أبي كثير قال: "يفسد النمام والكذاب في ساعة، ما لا يفسد الساحر في سنة" (فتح المجيد شرح كتاب التوحيد)، وروي: "كادت النميمة أن تكون سحرًا" (إسناده ضعيف). ومن عجيب التصنيف ولطيفه: إيراد الشيخ محمد بن عبد الوهاب هذا الحديث في باب ما جاء في شيء من السحر، في كتاب التوحيد.
- النَّمِيمَة تفسد الدِّين: قال النَّبي -صلى الله عليه وسلم-: (أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَفْضَلَ مِنْ دَرَجَةِ الصِّيَامِ وَالصَّلَاةِ وَالصَّدَقَةِ)، قَالُوا: بَلَى، قَالَ: (صَلَاحُ ذَاتِ البَيْنِ، فَإِنَّ فَسَادَ ذَاتِ البَيْنِ هِيَ الحَالِقَةُ) (رواه الترمذي، وصححه الألباني).
حكاية في أثر النميمة في الإفساد بين الناس:
قال حماد بن سلمة: "باع رجل عبدًا، وقال للمشتري: ما فيه عيب إلا النَّمِيمَة. قال: رضيت، فاشتراه، فمكث الغلام أيَّامًا، ثم قال لزوجة مولاه: إنَّ سيدي لا يحبك، وهو يريد أن يتسرى عليك، فخذي الموسى واحلقي من شعر قفاه عند نومه شعرات، حتى أسحره عليها فيحبَّك، ثم قال للزَّوج: إنَّ امرأتك اتخذت خليلًا، وتريد أن تقتلك، فتناوم لها حتى تعرف ذلك، فتناوم لها، فجاءت المرأة بالموسى، فظن أنَّها تريد قتله، فقام إليها فقتلها، فجاء أهل المرأة فقتلوا الزَّوج، ووقع القتال بين القبيلتين" (إحياء علوم الدين للغزالي).
(2) عاقبة النمام في الدنيا والآخرة:
- النميمة من أعظم أسباب عذاب القبر: عن ابن عبَّاس -رضي الله عنهما- قال: مَرَّ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- بِقَبْرَيْنِ، فَقَالَ: (إِنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ، وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ، أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ لَا يَسْتَتِرُ مِنَ الْبَوْلِ، وَأَمَّا الْآخَرُ فَكَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ. ثُمَّ أَخَذَ جَرِيدَةً رَطْبَةً، فَشَقَّهَا نِصْفَيْنِ، فَغَرَزَ فِي كُلِّ قَبْرٍ وَاحِدَةً. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، لِمَ فَعَلْتَ هَذَا؟ قَالَ: ‌لَعَلَّهُ ‌يُخَفَّفُ ‌عَنْهُمَا ‌مَا ‌لَمْ ‌يَيْبَسَا) (متفق عليه)(1).
- النمام متوعد بعدم دخول الجنة: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (‌لَا ‌يَدْخُلُ ‌الْجَنَّةَ ‌نَمَّامٌ) (متفق عليه)، وفي رواية: (لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ ‌قَتَّاتٌ) (متفق عليه).
- النمام متوعد بالويل والعذاب يوم القيامة: قال -تعالى-: (وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ) (الهمزة: 1)، قيل: اللُّمزة: النَّمَّام. عن أبي الجوزاء، قال: "قلتُ لابن عباس: مَن هؤلاء؟ هم الذين بدأهم الله بالويل؟ قال: هم المشاءون بالنَّمِيمَة، المفرِّقون بين الأحبَّة، الباغون أكبر العيب" (جامع البيان للطبري).
(3) ما يتوجب على المسلم عند سماع النميمة؟:
- تمهيد: كم من بيوت خربت، وكم من أوصال وأرحام قطعت، وكم من دماء سفكت، وكم من حقوق ضيعت؟! كل ذلك وغيره بسبب قبول سماع النميمة!
1- عليه نصح النمام وزجره: قال النَّبي -صلى الله عليه وسلم-: (‌مَنْ ‌رَأَى ‌مِنْكُمْ ‌مُنْكَرًا ‌فَلْيُغَيِّرْهُ ‌بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ) (رواه مسلم)، وقال الحسن: "مَن نَمَّ إليك نمَّ عليك" (من أقوال الشافعي).
2- التحقق من مقولته: قال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) (الحجرات: 6).
3- ألا يتسرع بإبغاض المنقول عنه، أو الانتقام منه، بل يظن به خيرًا ما استطاع: قال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ) (الحجرات: 12).
خاتمة: ما يجوز من النميمة؟
1- نميمة واجبة: وهي التي تكون للتحذير من شرٍّ واقع على إنسان ما، فيُخبر بذلك الشر ليحذره: قال ابن الملقن: "أمَّا إذا كان فعلها نصيحة في ترك مفسدة أو دفع ضرر، وإيصال خير يتعلق بالغير لم تكن محرمة ولا مكروهة، بل قد تكون واجبة أو مستحبة" (الإعلام بفوائد عمدة الأحكام)، وقال النووي: "وهذا كله إذا لم يكن في النقل مصلحة شرعية، وإلا فهي مستحبة، أو واجبة، كمَن اطلع مِن شخص أنه يريد أن يؤذي شخصًا ظلمًا فحذَّره منه" (فتح الباري لابن حجر).
2- نميمة مباحة: إذا كانت لحاجة تقتضيها مصلحة المسلمين عامة، كالإيقاع بين الأعداء بعضهم بعضًا، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (‌الْحَرْبُ ‌خَدْعَةٌ) (متفق عليه)، كما فعل نعيم بن مسعود في تفريقه بين كلمة الأحزاب وبين بني قريظة، فقد جاء إلى هؤلاء فنمى إليهم عن هؤلاء كلامًا، ونقل من هؤلاء إلى أولئك شيئًا آخر، ثم لأم بين ذلك، فتناكرت النفوس وافترقت.
- وكالإصلاح ذات بين الناس: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لَيْسَ الْكَذَّابُ الَّذِي يُصْلِحُ بَيْنَ النَّاسِ، ‌فَيَنْمِي ‌خَيْرًا أَوْ يَقُولُ خَيْرًا) (متفق عليه).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) قال السيوطي: (قد ذكر بعضهم السرَّ في تخصيص البول، والنَّمِيمَة، والغيبة بعذاب القبر، وهو: أنَّ القبر أول منازل الآخرة، وفيه أنموذج ما يقع في يوم القيامة من العقاب والثواب، والمعاصي التي يعاقب عليها يوم القيامة نوعان: حقٌّ لله، وحقٌّ لعباده، وأوَّل ما يقضى فيه يوم القيامة من حقوق الله: الصلاة، ومن حقوق العباد: الدِّماء، وأمَّا البرزخ فيقضى فيه في مقدمات هذين الحقين ووسائلهما، فمقدمة الصَّلاة: الطهَّارة من الحدث والخبث، ومقدمة الدَّماء: النَّمِيمَة والوقيعة في الأعراض، وهما أيسر أنواع الأذى، فيبدأ في البرزخ بالمحاسبة والعقاب عليهما).

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #25  
قديم 09-08-2023, 02:35 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,074
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الكبائر

الكبائر (25)

الحسد

(موعظة الأسبوع)



كتبه/ سعيد محمود

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

المقدمة:

- الكبائر هي تلك الذنوب المهلكة، التي ضَمِن الله لمَن اجتنبها في الدنيا، الجنة في الآخرة: قال -تعالى-: (إِن تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلًا كَرِيمًا) (النساء: 31).

- الحسد من الكبائر الخطيرة، والصفات الذميمة، وهو مِن الأمراض القلبية التي تصيب بعض الناس بسبب الغيرة، وعدم الرضا بالقضاء، وقد جاء الدليل على كونه من الكبائر: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لَا يَجْتَمِعَانِ فِي قَلْبِ عَبْدٍ: ‌الْإِيمَانُ ‌وَالْحَسَدُ) (رواه النسائي، وصححه الألباني).

تعريف الحسد:

- هو كره النعمة عند الغير وتمني زوالها، وقد روي في بعض الآثار الإلهية: "الحاسد عدو نعمتي، متسخط لفعلي، غير راضٍ بقسمتي التي قسمت لعبادي" (كتاب مختصر منهاج القاصدين).

- بخلاف الغبطة -فهي حسد محمود-، وهي: أن يتمنى الإنسان أن يكون له مثل الذي عند الغير، دون تمني زوال تلك النعمة عن الغير، فعن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (‌لَا ‌حَسَدَ ‌إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ: رَجُلٌ آتَاهُ اللهُ الْقُرْآنَ فَهُوَ يَقُومُ بِهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللهُ مَالًا فَهُوَ يُنْفِقُهُ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ) (متفق عليه).

أنواع الحسد:

1- حسد الكفار للمسلمين:

الكفار يحسدون المسلمين على نعمة الهداية، ومِنَّة التوفيق: قال -تعالى-: (‌وَدَّ ‌كَثِيرٌ ‌مِنْ ‌أَهْلِ ‌الْكِتَابِ ‌لَوْ ‌يَرُدُّونَكُمْ ‌مِنْ ‌بَعْدِ ‌إِيمَانِكُمْ ‌كُفَّارًا ‌حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (البقرة: 109).

2- حسد الأقران بينهم (المتشابهون في الأحوال والأعمال):

"قيل لأحدهم: ما بال فلان يبغضك؟ قال: لأنه شقيقي في النَّسَب، وجاري في البلد، وشريكي في الصناعة"، فذكر جميع دواعي الحسد(1).

- هذا النوع شاع وانتشر في الدنيا، وبسببه تقطعت كثيرٌ من الأواصر بين الناس، وبسببه حصلت الكراهية والبغضاء بين الأقارب والأنساب، وتنافر الناس عن بعضهم: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (دَبَّ إِلَيْكُمْ دَاءُ الأُمَمِ قَبْلَكُمْ: الحَسَدُ وَالبَغْضَاءُ، هِيَ الحَالِقَةُ، لَا أَقُولُ تَحْلِقُ الشَّعَرَ وَلَكِنْ ‌تَحْلِقُ ‌الدِّينَ) (رواه الترمذي، وحسنه الألباني)، وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (‌لَا ‌يَزَالُ ‌النَّاسُ ‌بِخَيْرٍ ‌مَا ‌لَمْ ‌يَتَحَاسَدُوا) (رواه الطبراني في المعجم الكبير، وحسنه الألباني).

ذم الحسد والتنفير منه:

- الحسد أول ذنب وقع في السماء: قال -تعالى-: (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا . قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا) (الإسراء: 61-62).

- الحسد أول ذنب وقع في الأرض، وذلك عندما حَسَد أحد ابني آدم أخاه فقتله، فأصبح من النادمين الخاسرين: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (‌لَا ‌تُقْتَلُ ‌نَفْسٌ ‌ظُلْمًا ‌إِلَّا ‌كَانَ ‌عَلَى ‌ابْنِ ‌آدَمَ ‌الْأَوَّلِ كِفْلٌ مِنْ دَمِهَا لِأَنَّهُ كَانَ أَوَّلَ مَنْ سَنَّ الْقَتْلَ) (متفق عليه).

- الحسد يورث البغضاء بين الناس؛ لأن الحاسد يبغض المحسود، وهذا يتنافى مع واجب الأخوة بين المؤمنين: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لَا تَحَاسَدُوا، وَلَا تَبَاغَضُوا، وَلَا تَجَسَّسُوا، وَلَا تَحَسَّسُوا، وَلَا تَنَاجَشُوا وَكُونُوا ‌عِبَادَ ‌اللهِ ‌إِخْوَانًا) (متفق عليه).

آثار الحسد وخطورته:

للحسد خطورة على صاحبه؛ فهو يورده المهالك -والعياذ بالله-، ومن ذلك:

1- الحاسد معترض على قضاء الله -تعالى- وقَدَرِه، ويعارض أمر الله -تعالى-: قال -تعالى-: (‌أَهُمْ ‌يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) (الزخرف: 32)، وقيل: "الحسود غضبان على القدر" (كتاب المستطرف في كل فن مستطرف).

وقال الشاعر:

أيـا حـاسـدًا لـي عـلى نعمتي أتدري على مَن أسأتَ الأدب

أسـأت عـلـى الله فـي حـكـمه لأنك لـم تـرض لي ما وهـب

فــأخـزاك ربـي بـأن زادنــي وسـدَّ عـليـك وجـوه الطـلـب

2- الحاسد يصاب بالعجب والكبر؛ لأنه لا يحب أن يعلو عليه أحدٌ، بل يحب أن يكون شأنه الشأن الأعلى؛ كل ذلك طمعًا في الدنيا، وحب الظهور فيها: قال -تعالى-: (‌تِلْكَ ‌الدَّارُ ‌الْآخِرَةُ ‌نَجْعَلُهَا ‌لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) (القصص: 83).

3- الحاسد يصاب بالحقد والعداوة والبغضاء لأصحاب النعم؛ لأنها أمراض مقترنة بالحسد: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (دَبَّ إِلَيْكُمْ دَاءُ الأُمَمِ قَبْلَكُمْ: الحَسَدُ وَالبَغْضَاءُ، هِيَ الحَالِقَةُ، لَا أَقُولُ تَحْلِقُ الشَّعَرَ وَلَكِنْ ‌تَحْلِقُ ‌الدِّينَ) (رواه الترمذي، وحسنه الألباني).

4- الحاسد لا يهنأ له عيش: قال عمر -رضي الله عنه-: " يكفيك من الحاسد، أنه يغتم وقت سرورك" (كتاب أدب الدنيا والدين).

وقال أبو الليث السمرقندي -رحمه الله-: "يصل إلى الحاسد خمس عقوبات قبل أن يصل حسده إلى المحسود: أولاها: غم لا ينقطع. والثانية مصيبة لا يؤجر عليها. والثالثة: مذمة لا يُحمَد عليها. والرابعة: سخط الرب. والخامسة: يغلق عنه باب التوفيق" (المستطرف للأبشيهي).

علاج الحسد:

1- أن يتذكر الحاسد ويعلم أن ما أصابه مِن خير فمَن الله، وما أصابه مِن شرٍّ فمِن نفسه، وأن قضاء الله واقع لا محالة، فالله يؤتي ملكه مَن يشاء، وينزعه ممَّن يشاء، ويعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب، فربما كان عطاؤه استدراجًا؛ فليرضَ بما قَسَم الله، فالله -تعالى- حكم عدل، لا يظلم مثقال ذرة، يعطي ويمنع، فمَن أعطي عليه أن يشكر، ومن مُنع عليه أن يصبر، والصبر منزلة عظيمة لا يؤتاها أي إنسان، بل هو سبيل إلى الجنة، ورضا الرحمن -جل جلاله-.

2- أن يستحضر الأدلة الواردة في التنفير من هذه الصفة الذميمة.

3- أن يستشعر مدى الهم والغم الذى يلحق بالحاسد، وما يصيبه من أمراض عضوية، وآلام نفسية من جراء الحسد، قال أعرابي: "قاتل الله الحسد ما أعدله، بدأ بصاحبه فقتله"(2).

4- أن يعلم أن ذلك ينافي الإيمان، ويفسد علاقته بالأحبة والإخوان: (‌لَا ‌يُؤْمِنُ ‌أَحَدُكُمْ ‌حَتَّى ‌يُحِبَّ ‌لِأَخِيهِ ‌مَا ‌يُحِبُّ ‌لِنَفْسِهِ) (متفق عليه).

5- أن يكثر الدعاء بأن يطهِّرَ الله قلبه من الحسد على غيره.

نسأل الله أن يطهِّرَ قلوبنا من الحسد والحقد والغل، وأن يجعلنا إخوة متحابين متعاونين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمدٍ، وعلى آله وأًصحابه أجمعين.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــ

(1) فحسد الأقران نراه اليوم واضحًا جليًّا بين الأئمة والمعلِّمين، والخطباء، والبارزين في أعمالهم، ونراه بين الطلاب أنفسهم صغارًا وكبارًا، فيكثر الحسد أيام الاختبارات، وأثناء الحفلات والزيارات وغير ذلك. فحسد الأقران اليوم هو ما تعانيه الأمة الإسلامية قاطبة؛ يحسدون شخصًا؛ لأن الله مَنَّ عليه بالعلم الوافر، ويحسدون آخر؛ لأن الله -عز وجل- مَنَّ عليه بالخُلُق الجَمِّ، ويحسدون آخر؛ لمكانته العلمية أو لمكانته في المجتمع، أو لمنصبه الذي حباه الله إياه، أو لما أغدق الله عليه من الخيرات والأموال، أو لكثرة أولاده أو زوجاته، أو يحسدون المرأة لجمالها أو لحسن أدبها، وتربيتها وإجادة طبخها، وغير ذلك كثير؛ قال -تعالى-: (أمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ) (النساء: 54).

(2) حكاية وعظية في الترهيب من الحسد: "حكي أن رجلًا من العرب دخل على المعتصم فقربه وأدناه وجعله نديمه، وصار يدخل عليه من غير استئذان، وكان له وزير حاسد، فغار من البدوي وحسده، وقال في نفسه: إن لم أحتل على هذا البدوي في قتله، أخذ بقلب أمير المؤمنين وأبعدني منه، فصار يتلطف بالبدوي حتى أتى به إلى منزله، فطبخ له طعامًا وأكثر فيه من الثوم، فلما أكل البدوي منه قال له: احذر أن تقترب من أمير المؤمنين فيشم منك فيتأذى من ذلك، فإنه يكره رائحته، ثم ذهب الوزير إلى أمير المؤمنين فخلا به وقال: يا أمير المؤمنين! إن البدوي يقول عنك للناس: إن أمير المؤمنين أبخر، وهلكت مِن رائحة فمه، فلما دخل البدوي على أمير المؤمنين، جعل كمه على فمه مخافة أن يشم منه رائحة الثوم، فلما رآه أمير المؤمنين وهو يستر فمه بكمه قال: إن الذي قاله الوزير عن هذا البدوي صحيح، فكتب أمير المؤمنين كتابًا إلى بعض عماله يقول فيه: إذا وصل إليك كتابي هذا فاضرب رقبة حامله، ثم دعا البدوي ودفع إليه الكتاب، وقال له: امضِ به إلى فلان، وائتني بالجواب، فامتثل البدوي ما رسم به أمير المؤمنين، وأخذ الكتاب وخرج به من عنده، فبينما هو بالباب إذ لقيه الوزير فقال: أين تريد؟ قال: أتوجه بكتاب أمير المؤمنين إلى عامله فلان، فقال الوزير في نفسه: إن هذا البدوي يحصل له من هذا التقليد مال جزيل، فقال له: يا بدوي ما تقول فيمن يريحك من هذا التعب الذي يلحقك في سفرك، ويعطيك ألفي دينار، فقال: أنت الكبير، وأنت الحاكم، ومهما رأيته من الرأي أفعل، قال: أعطني الكتاب فدفعه إليه، فأعطاه الوزير ألفي دينار، وسار بالكتاب إلى المكان الذي هو قاصده، فلما قرأ العامل الكتاب أمر بضرب رقبة الوزير، فبعد أيام تذكر الخليفة في أمر البدوي، وسأل عن الوزير، فأخبر بأن له أيامًا ما ظهر، وأن البدوي بالمدينة مقيم، فتعجب من ذلك، وأمر بإحضار البدوي فحضر، فسأله عن حاله، فأخبره بالقصة التي اتفقت له مع الوزير من أولها إلى آخرها، فقال له: أنت قلت عني للناس إني أبخر؟ فقال: معاذ الله يا أمير المؤمنين أن أتحدث بما ليس لي به علم، وإنما كان ذلك مكرًا منه وحسدًا، وأعلمه كيف دخل به إلى بيته وأطعمه الثوم وما جرى له معه، فقال أمير المؤمنين: قاتل الله الحسد ما أعدله، بدأ بصاحبه فقتله، ثم خلع على البدوي، واتخذه وزيرًا، وراح الوزير بحسده" (موسوعة قصص ونوادر العرب لإبراهيم شمس الدين).

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #26  
قديم 17-08-2023, 11:20 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,074
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الكبائر

الكبائر (26)

الإسراف والتبذير

(موعظة الأسبوع)



كتبه/ سعيد محمود

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

المقدمة:

- الكبائر هي تلك الذنوب المهلكة، التي ضَمِن الله لمَن اجتنبها في الدنيا، الجنة في الآخرة: قال -تعالى-: (إِن تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلًا كَرِيمًا) (النساء: 31).

- الإسراف والتبذير من الذنوب المفسدة للدنيا والدين، وهو من كفران نعمة رب العالمين، ومن الكبائر الموبقات: قال الله -تعالى-: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) (الأعراف: 31)، وقال -تعالى-: (وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا . إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا) (الإسراء: 26-27).

المقصود بالإسراف والتبذير:

- قال الراغبُ الأصفهاني: "السَّرَفُ: تَجاوزُ الحدِّ في كلِّ فِعْلٍ يَفْعَلُهُ الإنسانُ، وإنْ كان ذلكَ في الإنفاقِ أشهر"، وقال الشافعيُّ: "التبذيرُ: إنفاقُ الْمَالِ في غيرِ حَقِّه"، والفرقُ بينهما كما قال الجرجاني: "الإسرافُ: ‌صرفُ ‌الشيءِ ‌فيما ‌ينبغي زائدًا على ما ينبغي؛ بخلاف التبذير؛ فإنه صرفُ الشيءِ فيما لا ينبغي".

- من صور الإسراف: أن يقوم الشخص بملء طبقه من مائدة الطعام حتى لو لم يكن محتاجًا لذلك، فهذا يعني أنه أسرف في شيء مباح -أي: الطعام-؛ لأنه قد يأكل فقط نصف هذا الطبق والباقي سيرميه - الإسراف في الماء والكهرباء، والولائم وتجهيزات الزواج وحفلاته - استبدال الهواتف والأثاثات والسيارات دون حاجة - مواقع إلكترونية للأرقام المميزة للهواتف، والسيارات، ونحوها بمبالغ خيالية!

- من صور التبذير: مَن يشتري شيئًا مِن المحرمات (السجائر - شراء الكلاب والطيور بمبالغ كبيرة - صفقات لاعبي الكرة بأرقام قياسية - حفلة الكريسماس في دولة خليجية تعدل ميزانية دولة إفريقية!). "ربنا لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا".

- في نفس الوقت... كم من الفقراء يموتون من الجوع! وكم من المشاريع الخيرية والدعوية وغيرها تعطلت؛ لعدم مَن ينفق عليها! وكم... وكم...!: قال -تعالى-: (أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُم مَّبْعُوثُونَ . لِيَوْمٍ عَظِيمٍ . يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ) (المطففين: 4-6)، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ القِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ، وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَ فَعَلَ، وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ، وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَ أَبْلَاهُ) (رواه الترمذي، وصححه الألباني).

حكم الإسراف والتبذير:

- حرَّم الله الإسراف؛ لما له مِن أضرار على الإنسان في الدنيا والآخرة: قال -تعالى-: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) (الأعراف: 31)، وقال -تعالى-: (وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا) (الإسراء: 29)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ اللَّهَ كَرِهَ لَكُمْ ثَلَاثًا: قِيلَ وَقَالَ، وَإِضَاعَةَ الْمَالِ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ) (متفق عليه).

- وشَبَّه الله المسرفين بالشياطين تنفيرًا من فعلهم: قال - -تعالى-: (وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا . إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا) (الإسراء: 26-27)، قال ابن كثير: "أي: في التبذير والسفه، وترك طاعة الله".

- وجعل المسرفين المبذرين من أبغض الناس إليه: قال -تعالى-: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) (الأعراف: 31).

- وجعل عليهم في الدنيا أحكامًا استثنائية بسبب إسرافهم -الحجر-: (وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا) (النساء: 5).

الآثار والعواقب السيئة للإسراف:

1- الإسراف وحده سبب للإبعاد عن الله؛ لعدم محبة الله لصاحبه: قال -تعالى-: (إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) (الأنعام: 141).

2- الإسراف في الأكل يضرُّ بصحة الإنسان، ويجعله كسولًا وربما عاجزًا عن استدراك عمره في الأعمال الصالحة، وفيما ينفعه ويرفعه: قال -تعالى-: (وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ) (الأعراف: 31).

3- الإسراف في الإنفاق في غير وجوه الخير، يعرض الإنسان للمساءلة والعتاب أو العقاب يوم القيامة: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ القِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ، وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَ فَعَلَ، وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ، وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَ أَبْلَاهُ) (رواه الترمذي، وصححه الألباني).

4- قد يكون الإسراف والتبذير طريقًا ينتهي بصاحبه إلى تطاول يده للمال الحرام، حتى يلبي لنفسه ما اعتادت عليه من الترف والرفاهية والإسراف في الإنفاق: قال ابن عاشور -رحمه الله-: "والإسراف إذا اعتاده المرء حمله على التوسع في تحصيل المرغوبات، فيرتكب لذلك مذمَّات كثيرة، وينتقل من ملذَّة إلى ملذَّة، فلا يقف عند حدٍّ" (التحرير والتنوير).

5- يؤدي الإسراف والتبذير إلى الكبر والعجب والتفاخر والغرور، وهي من باطن الإثم الذي أمر الله باجتنابه وتركه: قال -تعالى-: )وَذَرُواْ ظَاهِرَ الإِثْمِ وَبَاطِنَهُ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُواْ يَقْتَرِفُونَ) (الأنعام: 120).

أسبابُ الإسراف والتبذير:

1- الجهل بأحكام الشريعة، وما جاء من الوعيد على ذلك.

2- التأثُّر بالبيئة، من باب المحاكاة والتشبه؛ لئلا يظهر أنه أقل منهم.

3- الغِنَى بعد الفقرِ -إلا من رحم الله-، وكأنه ناقم على زمان الفقر بالإسراف والتبذير.

4- الغفلة عن الآخرةِ بنسيان نعيمها، فيريد التنعم بكثرة التبذير والإسراف.

5- مُصاحبة المسرفينَ والْمُبذِّرين، فيسايرهم في أحوالهم.

الفرق بين الإسراف والسخاء؟

شبهة: كثيرٌ من المسرفين المبذرين، يخلطون بين السخاء والإسراف، ويجهلون أن السخاء يكون في الحق، والإسراف والتبذير يكون في غير الحق: قال مجاهد: "لو أنفق إنسان ماله كله في الحق لم يكن مبذرًا، ولو أنفق مدًّا في غير حق كان مبذرًا" (تفسير ابن كثير)، (مثال: اشترى مسكنًا واسعًا بدلًا من الضيق - اشترى سيجارة).

- والشرع لا يمنعك من الاستمتاع بمالك بحقه: لما قال -تعالى-: (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ) (الأعراف: 32)، نبَّه قبلها: (يا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) (الأعراف: 31)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (كُلُوا وَاشْرَبُوا، وَالْبَسُوا وَتَصَدَّقُوا، فِي غَيْرِ إِسْرَافٍ وَلَا مَخِيلَةٍ) (رواه النسائي، وابن ماجه واللفظ له، وحسنه الألباني).

- السلف خير مثال في النفقة والاعتدال: قال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- لابنه عاصم: "يا بني كُل في نصف بطنك، ولا تطرح ثوبًا حتى تستخلقه، ولا تكن مِن قوم يجعلون ما رزقهم الله في بطونهم وعلى ظهورهم" (تفسير القرطبي)، وقال لجابر بن عبد الله وقد لقيه يحمل بيده لفافة: "ما هذا؟ قال: لحم اشتهيته فاشتريته، فقال: أَوَكلما اشتهيتَ اشتريت؟! ألا تخشى أن تكون من أهل هذه الآية: (أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا) (الأحقاف: 20)" (تفسير القرطبي).

قالوا في التحذير من الإسراف:

(أصلحوا أموالكم لنَبْوة الزمان، وجفوة السلطان - مَن أصلح ماله فقد صان الأكرمين: الدِّين، والعِرْض - ما عالَ مقتصدٌ - لا عيلة على مصلحٍ، ولا مال لأخرق - لا جود مع تبذير، ولا بخل مع اقتصادٍ - التدبير يثمر اليسير، والتبذير يبدد الكثير - حسن التدبير مع الكفاف أكفى من الكثير مع الإسراف - إنَّ في إصلاح مالك جمال وجهك، وبقاء عزِّك، وصون عرضك، وسلامة دينك).

خاتمة:

- الإسراف والتبذير من الذنوب المفسدة للدنيا والدِّين، وهو من كفران نعمة رب العالمين، ومن الكبائر الموبقات: قال -تعالى-: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) (الأعراف: 31)، وقال -تعالى-: (وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا . إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا) (الإسراء: 26-27).

- خير الأمور الوسط: قال -تعالى-: (وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا) (الفرقان: 67)، قال ابنُ كثير: "أيْ: ‌ليسُوا ‌بمبذِّرِينَ في إنفاقِهِم، فيصرِفُونَ فوقَ الحاجةِ، ولا بُخَلاءَ على أهليهِم فيُقَصِّرُونَ في حقِّهِم فلا يَكْفُونَهُم، بلْ عَدْلًا خِيارًا، وخيرُ الأُمُورِ أوْسَطُها" (تفسير القرآن الكريم لابن كثير).

فاللهم اهدنا إلى أحسن الأخلاق، إنه لا يهدي لأحسنها إلا أنت.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #27  
قديم 24-08-2023, 11:05 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,074
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الكبائر

الكبائر (27)

نشوز الزوجة

(موعظة الأسبوع)



كتبه/ سعيد محمود

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

المقدمة:

- الكبائر هي تلك الذنوب المهلكة، التي ضمن الله لمن اجتنبها في الدنيا، الجنة في الآخرة: قال -تعالى-: (إِن تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلًا كَرِيمًا) (النساء: 31).

- نشوز الزوجة من الذنوب المفسدة للدنيا والدِّين، وهو من كفران نعمة رب العالمين، وهو من الكبائر الموبقات يوم الدين: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إِذَا دَعَا الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ إِلَى فِرَاشِهِ فَأَبَتْ فَبَاتَ غَضْبَانَ عَلَيْهَا، لَعَنَتْهَا المَلاَئِكَةُ حَتَّى تُصْبِحَ) (متفق عليه).

- المقصود بالنشوز: النُّشوز لغة معناه: الارتفاع والعلو، ومنه: "سمِّيَت المرأة ناشزًا، إذا علَت وارتفعت وتكبَّرَت على زوجها" (تفسير المنار)، والنشوز في اصطلاح الشرع: هو امتِناع المرأة من أداء حقِّ الزوج، أو عصيانه، أو إساءة العشرة معه، فكلُّ امرأة صدر منها هذا السلوك، أو تخلَّقَت به، فهي امرأة ناشز، ما لم تقلع عن ذلك، أو تصلح خلقها، قال ابن قدامة: "معنى النشوز: معصية الزوج فيما فَرَض الله عليها من طاعته" (المغني).

وجوب طاعة المرأة زوجها بالمعروف:

- عَظَّم الإسلام من شأن الحياة الزوجية، والمحافظة على بقائها، والترهيب من نقضها وهدمها: قال -تعالى-: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَ?لِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (الروم: 21)، وقال: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) (النساء: 19)، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إنَّ إبْلِيسَ يَضَعُ عَرْشَهُ علَى الماءِ، ثُمَّ يَبْعَثُ سَراياهُ، فأدْناهُمْ منه مَنْزِلَةً أعْظَمُهُمْ فِتْنَةً، يَجِيءُ أحَدُهُمْ فيَقولُ: فَعَلْتُ كَذا وكَذا، فيَقولُ: ما صَنَعْتَ شيئًا، قالَ ثُمَّ يَجِيءُ أحَدُهُمْ فيَقولُ: ما تَرَكْتُهُ حتَّى فَرَّقْتُ بيْنَهُ وبيْنَ امْرَأَتِهِ، قالَ: فيُدْنِيهِ منه ويقولُ: نِعْمَ أنْتَ).

- وأوجب الإسلام على المرأة طاعة زوجها بالمعروف؛ لتتحقَّق لهما المصالح المقصودة من عقد الزواج، ولما لهذه الطاعة من أهميَّة في الحفاظ على الأسرة واستقرارها وسعادتها: قال -تعالى-: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ) (النساء: 34). قال ابن كثير: "(قَانِتَاتٌ): قال ابن عباس وغير واحد: يعني مطيعات لأزواجهنَّ. وقال النبي -صلى الله عليه وسلم: (إِذَا صَلَّتِ الْمَرْأَةُ خَمْسَهَا، وَصَامَتْ شَهْرَهَا، وَحَفِظَتْ فَرْجَهَا، وَأَطَاعَتْ زَوْجَهَا، قِيلَ لَهَا: ادخلي الجنة من أي الأبواب شِئْتِ) (رواه أحمد وابن حبان، وصححه الألباني).

- وبيَّن النبي -صلى الله عليه وسلم- أن طاعة الزوج بالمعروف علامة على صلاح المرأة، وسبيل للنجاة من النار، والفوز بالجنة: فعن الحصين بن محصن أن عمَّة له أتَت النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- في حاجةٍ، ففرغَت من حاجتها، فقال لها النبي -صلى الله عليه وسلم-: (أَذَاتُ زَوْجٍ أَنْتِ؟) قَالَتْ: نَعَمْ. قَالَ: (كَيْفَ أَنْتِ لَهُ؟) قَالَتْ: ‌مَا ‌آلُوهُ ‌إِلَّا ‌مَا ‌عَجَزْتُ ‌عَنْهُ. قَالَ: (فَانْظُرِي أَيْنَ أَنْتِ مِنْهُ، فَإِنَّمَا هُوَ جَنَّتُكِ وَنَارُكِ) (رواه أحمد، وصححه الألباني)، وسُئِلَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: أَيُّ النِّسَاءِ خَيْرٌ؟ قَالَ: (‌الَّتِي ‌تَسُرُّهُ ‌إِذَا ‌نَظَرَ ‌إِلَيْهَا، ‌وَتُطِيعُهُ ‌إِذَا ‌أَمَرَ، وَلَا تُخَالِفُهُ فِيمَا يَكْرَهُ فِي نَفْسِهَا، وَلَا فِي مَالِهِ) (رواه أحمد والنسائي، وحسنه الألباني).

- وعظَّم النبي -صلى الله عليه وسلم- من حق الزوج، وعدم مخالفته ولو كان ذلك في طاعة مستحبة تتعارض مع حقوقه؛ فكيف بالمباح؟: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (‌لَا ‌يَحِلُّ ‌لِلْمَرْأَةِ ‌أَنْ ‌تَصُومَ ‌وَزَوْجُهَا ‌شَاهِدٌ ‌إِلَّا ‌بِإِذْنِهِ، ‌وَلَا ‌تَأْذَنَ ‌فِي ‌بَيْتِهِ ‌إِلَّا ‌بِإِذْنِهِ) (متفق عليه)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (‌إِذَا ‌الرَّجُلُ ‌دَعَا ‌زَوْجَتَهُ ‌لِحَاجَتِهِ فَلْتَأْتِهِ، وَإِنْ كَانَتْ عَلَى التَّنُّورِ) (رواه الترمذي، وصححه الألباني).

لماذا يعد النشوز من الكبائر؟

- لأنَّ النشوز بكفران العشير والإحسان سبب لدخول النار: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ النبي -صلى الله عليه وسلم-: (أُرِيتُ النَّارَ فَإِذَا أَكْثَرُ أَهْلِهَا النِّسَاءُ؛ يَكْفُرْنَ)، قِيلَ: أَيَكْفُرْنَ بِاللَّهِ؟ قَالَ: (يَكْفُرْنَ العَشِيرَ، وَيَكْفُرْنَ الإِحْسَانَ، لَوْ أَحْسَنْتَ إِلَى إِحْدَاهُنَّ الدَّهْرَ، ثُمَّ رَأَتْ مِنْكَ شَيْئًا، قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ مِنْكَ خَيْرًا قَطُّ) (متفق عليه). قال النووي -رحمه الله-: "فيه: أنَّ كفرانَ العَشِيرِ والإحسانِ من الكبائرِ؛ فإنَّ التَّوَعُّدَ بالنَّارِ من علامةِ كونِ المعصيةِ كبيرةً" (شرح النووي على صحيح مسلم).

- لأنَّ النشوز بالامتناع عن الفراش سبب في لعن الملائكة: قَالَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إِذَا دَعَا الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ إِلَى فِرَاشِهِ فَأَبَتْ فَبَاتَ غَضْبَانَ عَلَيْهَا، لَعَنَتْهَا المَلاَئِكَةُ حَتَّى تُصْبِحَ) (متفق عليه).

- لأنَّ مَن باتَتْ وزوجُها سَاخطٌ عليها متوعَّدةٌ بألا تُقْبَلَ صلاتُها: عن أبي أُمَامَةَ -رضي الله عنه- قال: قَالَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (ثَلَاثَةٌ لَا تُجَاوِزُ صَلَاتُهُمْ آذَانَهُمْ: الْعَبْدُ الْآبِقُ حَتَّى يَرْجِعَ، وَامْرَأَةٌ بَاتَتْ وَزَوْجُهَا عَلَيْهَا سَاخِطٌ، وَإِمَامُ قَوْمٍ وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ) (رواه الترمذي، وحسنه الألباني). وقال الشوكاني في نيل الأوطار: "فيه: أنَّ إغضَابَ المرأةِ لزوجِها حتَّى يبيتَ سَاخِطًا عليها من الكبائرِ، وهذا إذا كانَ غضَبُه عليها بِحَقٍّ" (نيل الأوطار).

- لأنَّ الله -تعالى- لا ينظرُ لامرأةٍ لا تشكرُ زوجَها: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو -رضي الله عنهما-: أَنَ ّرَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: (لا يَنْظُرُ اللَّهُ إِلَى امْرَأَةٍ لا تَشْكَرُ لِزَوْجِهَا، وَهِيَ لا تَسْتَغْنِي عَنْهُ) (رواه النسائي والحاكم، وصححه الألباني).

- رتَّب الشرع أحكامًا عقابية للمرأة إذا نشزت تدل على عظيم جرمها: قال ابن قدامة -رحمه الله-: "فمتى امتنعَت من فراشه، أو خرجَت من منزله بغير إذنه، أو امتنعت من الانتقال معه إلى مسكن مثلها، أو مِن السَّفر معه؛ فلا نَفقة لها ولا سكنى، في قول عامَّة أهل العلم" (المغني).

علاج نشوز المرأة:

- الواجب على الزوج أن يَسلك في معالجته لنشوز زوجته العقوبات الثلاثة الواردة في الشرع بتلك الطريقة الحكيمة التي تبدأ بالعقوبة الخفيفة، ثم تتدرَّج إلى العقوبة الشديدة، ثم إلى الأكثر شدة؛ قال الله -تعالى-: (وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا) (النساء: 34)(1).

- الضرب وسيلة مباحة؛ إلا أن الأفضل للمسلم تركه، والترفع عنه، إلا إذا اضطر إليه: قالت عائشة - رضي الله عنها-: "ما ضَرَبَ رَسولُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ- شيئًا قَطُّ بيَدِهِ، وَلَا امْرَأَةً، وَلَا خَادِمًا؛ إلَّا أَنْ يُجَاهِدَ في سَبيلِ اللهِ، وَما نِيلَ منه شَيءٌ قَطُّ، فَيَنْتَقِمَ مِن صَاحِبِهِ؛ إلَّا أَنْ يُنْتَهَكَ شَيءٌ مِن مَحَارِمِ اللهِ، فَيَنْتَقِمَ لِلَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ-" (رواه مسلم)، عن عبد الله بن زمعة، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (‌لَا ‌يَجْلِدُ ‌أَحَدُكُمُ ‌امْرَأَتَهُ ‌جَلْدَ ‌الْعَبْدِ ‌ثُمَّ ‌يُجَامِعُهَا ‌فِي ‌آخِرِ ‌الْيَوْمِ) (متفق عليه).

خاتمة: نصيحة إلى الزوجات:

- تأملي كيف عظم الله من حق الزوج الصالح: عن عبد الله بن أبي أوفى قال: لَمَّا قَدِمَ مُعَاذٌ مِنَ الشَّامِ سَجَدَ لِلنَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-، قَالَ: (مَا هَذَا يَا مُعَاذُ؟) قَالَ: أَتَيْتُ الشَّامَ فَوَافَقْتُهُمْ يَسْجُدُونَ لِأَسَاقِفَتِهِمْ وَبَطَارِقَتِهِمْ، فَوَدِدْتُ فِي نَفْسِي أَنْ نَفْعَلَ ذَلِكَ بِكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: (فَلَا تَفْعَلُوا، فَإِنِّي لَوْ كُنْتُ آمِرًا أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لِغَيْرِ اللَّهِ، لَأَمَرْتُ الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، ‌لَا ‌تُؤَدِّي ‌الْمَرْأَةُ ‌حَقَّ ‌رَبِّهَا ‌حَتَّى ‌تُؤَدِّيَ ‌حَقَّ ‌زَوْجِهَا، وَلَوْ سَأَلَهَا نَفْسَهَا وَهِيَ عَلَى قَتَبٍ لَمْ تَمْنَعْهُ) (رواه أحمد وابن ماجه، وقال الألباني: "حسن صحيح").

- تأملي كيف خرجت الناشز من وصف الصلاح، وأُخِّرت عن الصالحات(2)، فضلًا عما سبق من الوعيد في حقها: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا) (النساء: 34).

- العاقلة التي تحافظ على بيتها وزوجها: قال النبي -صلى الله عليه وسلم: (َألَاْ أُخبِرُكُم بِنِسَائِكُم فِي الجَنَّةِ؟! كُلُّ وَدُودٍ وَلُودٍ، إِذَا غَضِبَت أَو أُسِيءَ إِلَيهَا أَو غَضِبَ زَوجُهَا، قَالَت: هَذِه يَدِي فِي يَدِكَ، لَاْ أَكْتَحِلُ بِغُمضٍ َحتَّى تَرضَى) (رواه النسائي في الكبرى، وقال الألباني في السلسلة الصحيحة: "للحديث شواهد يتقوى بها").

فاللهم أصلح بيوت المسلمين، وألِّف بينهم، واهدهم إلى ما تحب وترضى.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـ

(1) (فَعِظُوهُنَّ) أي: ببيان حُكم الله في طاعة الزوج ومعصيته، فمِن النِّساء مَن يَكفيها التذكير بعِقاب الله وغضبه، ومنهنَّ مَن يؤثِّر في أنفسهن التهديد والتحذير مِن سوء العاقِبة في الدنيا: كشَماتة الأعداء، ومنعها بعض رغباتها: كالثياب والحلي ونحو ذلك، وفي الجملة فاللبيب لا تَخفى عليه العِظات التي لها المحل الأرفع في قلب امرأته، ثم قال -تعالى-: (وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ): يهجرها الزَّوج في المضجع، بأن لا يضاجعها، ولا يجامعها، بمقدار ما يَحصل به المقصود. ثم قال -تعالى- بعد ذلك: (وَاضْرِبُوهُنَّ): يضربها ضربًا غير مبرح، فإن حصل المقصود بواحد من هذه الأمور، وأطعنكم (فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا) أي: فقد حصل لكم ما تحبون، فاتركوا معاتبتها على الأمور الماضية، والتنقيب عن العيوب التي يضر ذكرها، ويحدث بسببه الشر. (تفسير السعدي - تيسير الكريم الرحمن).

(2) النساء نوعان: الأول: (فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ) أي: فالصالحات من النساء من صفاتهن أنهن قانتات، أي: مطيعات لله -تعالى-، ولأزواجهن عن طيب نفس واطمئنان قلب، ومن صفاتهن كذلك أنهن حافظات، للغيب بما حفظ الله. أما القسم الثاني: (وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ)، والمراد بقوله: (نُشُوزَهُنَّ) عصيانهن وخروجهن عما توجبه الحياة الزوجية من طاعة الزوجة لزوجها.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #28  
قديم 30-08-2023, 03:28 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,074
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الكبائر

الكبائر (28)

ترك صلاة الجمعة

(موعظة الأسبوع)




كتبه/ سعيد محمود
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
المقدمة:
- الكبائر هي تلك الذنوب المهلكة، التي ضمن الله لمن اجتنبها في الدنيا، الجنة في الآخرة: قال -تعالى-: (إِن تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلًا كَرِيمًا) (النساء: 31).
- ترك صلاة الجمعة كبيرة من الكبائر ومن أعظم المنكرات وأشد السيئات وله أثر سيئ على دين المؤمن: قال النبي -صلى الله عليه وسلم: (لَيَنْتَهِيَنَّ ‌أَقْوَامٌ ‌عَنْ ‌وَدْعِهِمُ ‌الْجُمُعَاتِ، أَوْ لَيَخْتِمَنَّ اللهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ. ثُمَّ لَيَكُونُنَّ مِنَ الْغَافِلِينَ) (رواه مسلم).
- الإشارة إلى شيوع هذه الظاهرة في بعض الناس لا سيما الشباب.
مكانة صلاة الجمعة من الدِّين:
- شُرعت صلاة الجمعة لجمع المكلفين القادرين على تحمل المسئوليات، أول كل أسبوع في مكان واحد، ليسمعوا فيه الترغيب والترهيب، والوعد والوعيد، ما يحملهم على النهوض بواجباتهم الدينية والدنيوية: قال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (الجمعة: 9).
- منع المسلم ساعتها من التصرفات الدنيوية، وأمره بالتفرغ لها: (فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ . فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (الجمعة: 9، 10)، وقال عطاء: "إذا نودي بالأذان حرم اللهو والبيع والصناعات كلها والرقاد، وأن يأتي الرجل أهله، وأن يكتب كتابًا" (فتح الباري).
- ولذا حكمها في الدين الوجوب والإلزام: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (الجُمُعة حقٌّ واجبٌ على كلِّ مُسلمٍ) (رواه أبو داود، وصححه الألباني).
- شرعت لها آداب وأحكام تدل على عظيم قدرها:
- خطبة الجمعة: قال النبي -صلى الله عليه وسلم: (‌مَنْ ‌تَوَضَّأَ ‌فَأَحْسَنَ ‌الْوُضُوءَ. ‌ثُمَّ ‌أَتَى ‌الْجُمُعَةَ ‌فَاسْتَمَعَ ‌وَأَنْصَتَ. غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ. وَزِيَادَةُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ) (رواه مسلم)، وقال -صلى الله عليه وسلم- في التحذير من الانشغال عن الخطبة: (مَنْ مَسَّ الْحَصَى فَقَدْ لَغَا) (رواه مسلم).
- الاغتسال والتطيب والتسوك ولبس أحسن الثياب: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ ‌اغْتَسَلَ ‌يَوْمَ ‌الْجُمُعَةِ ‌وَلَبِسَ ‌مِنْ ‌أَحْسَنِ ‌ثِيَابِهِ، وَمَسَّ مِنْ طِيبٍ إِنْ كَانَ عِنْدَهُ، ثُمَّ أَتَى الْجُمُعَةَ فَلَمْ يَتَخَطَّ أَعْنَاقَ النَّاسِ، ثُمَّ صَلَّى مَا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ، ثُمَّ أَنْصَتَ إِذَا خَرَجَ إِمَامُهُ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ صَلَاتِهِ كَانَتْ كَفَّارَةً لِمَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ جُمُعَتِهِ الَّتِي قَبْلَهَا) (رواه أبو داود، وحسنه الألباني).
- التبكير إليها: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ غُسْلَ الْجَنَابَةِ ثُمَّ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْأُولَى فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ كَبْشًا أَقْرَنَ، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الرَّابِعَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ دَجَاجَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْخَامِسَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَيْضَةً، فَإِذَا خَرَجَ الْإِمَامُ حَضَرَتْ الْمَلَائِكَةُ يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ) (متفق عليه).
وقال ابن القيم -رحمه الله-: "لما كان في الأسبوع كالعيد في العام، وكان العيد مشتملًا على صلاة وقربان، وكان يوم الجمعة يوم صلاة، جعل الله -سبحانه- التعجيلَ فيه إلى المسجد بدلًا مِن القربان، وقائمًا مقامه، فيجتمع للرائح فيه إلى المسجد الصلاةُ، والقربان" (زاد المعاد في هَدْي خير العباد).
عاقبة ترك صلاة الجمعة من غير عذر:
- أوجب الإسلام الجمعة -كما سبق-، ولم يستثنِ إلا أصحاب الأعذار: عن طارق بن شهاب -رَضِيَ اللهُ عنه- أنَّ النَّبيَّ -صلى الله عليه وسلم- قال: (الجُمُعة حقٌّ واجبٌ على كلِّ مُسلمٍ فِي جَمَاعَةٍ، إلَّا أَرْبَعَةً: عبْدٌ مملوكٌ، أو امرأةٌ، أو صَبيٌّ، أو مَرِيضٌ) (رواه أبو داود، وصححه الألباني).
- ولذا رتب الشرع الوعيد الشديد في ترك الجمعات لغير المعذورين: قال -تعالى-: (فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ ? فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا) (مريم: 59)، وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: )مَنْ تَرَكَ ‌ثَلَاثَ ‌جُمَعٍ ‌تَهَاوُنًا بِهَا، طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قَلْبِهِ) (رواه أبو داود، وقال الألباني: "حسن صحيح")، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (لَيَنْتَهِيَنَّ ‌أَقْوَامٌ ‌عَنْ ‌وَدْعِهِمُ ‌الْجُمُعَاتِ، أَوْ لَيَخْتِمَنَّ اللهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ. ثُمَّ لَيَكُونُنَّ مِنَ الْغَافِلِينَ) (رواه مسلم). وقال ابن عباس -رضي الله عنهما-: "من ترك الجمعة ثلاث جمع متواليات فقد نبذ الإسلام وراء ظهره" (الترغيب والترهيب للمنذري، وأبو يعلى في مسنده). وقال ابن عبد البر -رحمه الله-: "مَن طبع على قلبه وختم عليه لم يعرف معروفًا ولم ينكر منكرًا" (الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار لابن عبد البر)، وقال العلماء: "على وليِّ الأمر أن يعاقب المتخلفين عن صلاة الجمعة بلا عذر، بما يكون رادعًا لهم عن جريمتهم".
- وإن لترك الجمع أسبابًا كثيرة من أخطرها: موت القلب، وضعف الإيمان، وقلة البصيرة وصحبة الفاسقين، وحب الدنيا وطول الأمل والغفلة عن حكمة الخلق، وهناك سبب مباشر لتركها يكثر وقوعه، وهو السهر على معصية الله والاستغراق في النوم من غير اتخاذ الأسباب المعينة على الاستيقاظ للصلاة.
حال الصالحين مع صلاة الجمعة:
- يستعدون لها من بعد صلاة الفجر: قال النيسابوري في تفسيره: "وكانت الطرقات في أيام السلف وقت السحر وبعد الفجر غاصة بالمبكرين إلى الجمعة يمشون بالسرج!".
- يحتسبون الخُطَا إلى المساجد يومها جهادًا في سبيل الله: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ ‌غَسَّلَ ‌يَوْمَ ‌الْجُمُعَةِ ‌وَاغْتَسَلَ، ‌ثُمَّ ‌بَكَّرَ ‌وَابْتَكَرَ، ‌وَمَشَى ‌وَلَمْ ‌يَرْكَبْ، ‌وَدَنَا ‌مِنَ ‌الْإِمَامِ ‌فَاسْتَمَعَ ‌وَلَمْ ‌يَلْغُ ‌كَانَ ‌لَهُ ‌بِكُلِّ ‌خُطْوَةٍ ‌عَمَلُ ‌سَنَةٍ ‌أَجْرُ ‌صِيَامِهَا ‌وَقِيَامِهَا) (رواه أبو داود، وصححه الألباني).
ورَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مُعَمَّرٍ عَنْ ثَابِتٍ قَالَ: "كَانَ أَنَسُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- يَكُونُ فِي أَرْضِهِ وَبَينَهُ وَبَينَ البَصْرَةِ ثَلَاثَةُ أَمْيَالٍ فَيَشْهَدُ الجُمُعَةَ بِالبَصْرَةِ" (فتح الباري).
وعن عباية بن رفاعة قال: "أدركني أبو عبس بن جبر -رضي الله عنه- وأنا ذاهب إلى الجمعة، فقال: سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: (مَنِ ‌اغْبَرَّتْ ‌قَدَمَاهُ ‌فِي ‌سَبِيلِ ‌اللهِ ‌حَرَّمَهُ ‌اللهُ ‌عَلَى ‌النَّارِ) (رواه البخاري).
- يبكرون بالحضور، ويفوزون بأعمال تجلب عليهم الثواب والأجور: قال عقبة بن علقمة: "دخل الأوزاعي المسجد يوم الجمعة، فأحصيت عليه قبل خروج الإمام صلاته أربعًا وثلاثين ركعة، كان قيامه وركوعه وسجوده حسنًا كله!" (الجرح والتعديل لابن أبي حاتم).
- بل كانوا ينكرون على مَن جاء متأخرًا: عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: "بَيْنَا عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يَخْطُبُ النَّاسَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ دَخَلَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فَنَادَاهُ عُمَرُ: أَيَّةُ سَاعَةٍ هَذِهِ؟ فَقَالَ: إِنِّي شُغِلْتُ الْيَوْمَ، فَلَمْ أَنْقَلِبْ إِلَى أَهْلِي حَتَّى سَمِعْتُ النِّدَاءَ، فَلَمْ أَزِدْ عَلَى أَنْ تَوَضَّأْتُ، قَالَ عُمَرُ: وَالْوُضُوءَ أَيْضًا، وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ يَأْمُرُ بِالْغُسْلِ؟!" (متفق عليه).
- وفي الجملة... كان الصالحون ينتظرون يوم الجمعة ويفرحون به؛ ففيه يزيد إيمانهم، ويتقربون فيه إلى ربهم، وتنير فيه وجوهم، وتشرح صدورهم، وتغسل فيه قلوبهم من ذنوب أسبوعهم، ويجددون فيه العهد مع ربهم، ويشعرون بهويتهم وانتمائهم لدينهم، فهو يوم عيدهم: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ، وَالْجُمُعَةُ إِلَى الْجُمُعَةِ، وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ، مُكَفِّرَاتٌ مَا بَيْنَهُنَّ إِذَا اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ) (رواه مسلم)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ هَذَا يَوْمُ عِيدٍ جَعَلَهُ اللَّهُ لِلْمُسْلِمِينَ، فَمَنْ جَاءَ إِلَى الْجُمُعَةِ فَلْيَغْتَسِلْ) (رواه ابن ماجه، وحسنه الألباني).
خاتمة:
- إنَّ حِرْصَ المُسْلِمِ عَلَى صَلَاَةِ الجُمُعَةِ دَلِيلٌ عَلَى صحة إِيمَانِهِ، وَبُعْدِهِ عَنِ الغَفْلَةِ، وَحِرْصِهِ عَلَى طَاعَةِ اللهِ وَرَسُولِهِ، وَإِجَابَتِهِ لِنِدَاءِ الشَّرِيعَةِ الربانية: قَالَ -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ) (الجمعة: 9).
- وإنَّ التَّهَاوُنُ فِي تَرْكِ صَلَاةِ الجُمُعَةِ كبَيِرَةٌ مِنَ الكَبَائِرِ، وَمُنْكَرٌ مِنْ أَعْظَمِ المُنْكَرَاتِ، وَسَيِّئَةٌ مِنْ أَقْبَحِ السَّيِّئَاتِ: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لَيَنْتَهِيَنَّ ‌أَقْوَامٌ ‌عَنْ ‌وَدْعِهِمُ ‌الْجُمُعَاتِ، أَوْ لَيَخْتِمَنَّ اللهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ. ثُمَّ لَيَكُونُنَّ مِنَ الْغَافِلِينَ) (رواه مسلم).
نسأل الله أن يهدي ضال المسلمين، وأن يعين الشباب على المحافظة على أداء الجمع، وإقامة أركان الدِّين.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #29  
قديم 06-09-2023, 03:53 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,074
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الكبائر

الكبائر (29)

إتيان العرافين والمنجمين

(موعظة الأسبوع)



كتبه/ سعيد محمود

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

المقدمة:

- الكبائر هي تلك الذنوب المهلكة، التي ضَمِن الله لمَن اجتنبها في الدنيا، الجنة في الآخرة: قال -تعالى-: (إِن تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلًا كَرِيمًا) (النساء: 31).

- إتيان العرافين والمنجمين من الكبائر العظام، والذنوب الجسام؛ لما له من أثر سيئ على عقيدة المسلم وإسلامه: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلَاةٌ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً) (رواه مسلم)(1).

تعريف العراف والمنجم والكاهن:

- الكاهن هو: الذي يتكهن بما في المستقبل.

- وأما العراف فهو: الذي يدعي معرفة الماضي.

- وأما المنجم فهو: مَن يستدل بالنجوم على أمور الغيب، ومعلوم أن الدَّجَل يشمل ذلك كلَّه، قال البغوي -رحمه الله-: "العراف: الذي يدعي معرفة الأمور بمقدمات يستدل بها على المسروق ومكان الضالة، ونحو ذلك" (شرح السنة). وقيل: هو الكاهن، والكاهن هو الذي يخبر عن المغيبات في المستقبل. وقيل: الذي يخبر عما في الضمير.

وقال ابن تيمية -رحمه الله-: "العراف اسم للكاهن والمنجم والرَّمَّال، ونحوهم ممَّن يتكلم في معرفة الأمور بهذه الطرق" (مجموع الفتاوى لابن تيمية).

- الإشارة إلى شيوع ذلك فيما يسمونهم بالطبقة الراقية، بعد أن كان محصورًا في طبقة الفقراء، وغير المثقفين، وهذا يدل على أن الشعوذة والدجل لا تحارب بالتقدم العلمي والتكنولوجي، بل إنها تحارب بنشر العقيدة الصحيحة.

الترهيب من إتيان العرافين والكهان :

- الكهان والعرافون يدعون علم الغيب، وذلك من خصائص الرب -سبحانه-: قال -تعالى-: (قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ) (النمل: 65)، وقال -تعالى-: (عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا إِلا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا) (الجن: 26 ،27)، وقال -تعالى-: (وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلا هُوَ) (الأنعام: 59)، وقال -تعالى- لنبيه -صلى الله عليه وسلم-: (قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلا مَا يُوحَى إِلَيَّ) (الأنعام: 50)، فإذا كان خير الناس محمد -صلى الله عليه وسلم- لا يعلم الغيب؛ فكيف بمَن هم دونه مرتبة وشرفًا ومكانة؟!

- الكاهن لا يصل إلى حقيقة عمله إلا باستخدام الجن والتقرب إليهم بالتقربات الشركية(2)، فتستمتع الجن به من جهة ما صرف لها من العبادة، ويستمتع هو بالجن من جهة ما يخبره به الجن من الأمور المغيبة: قال -تعالى- في عاقبتهم في الآخرة: (‌وَيَوْمَ ‌يَحْشُرُهُمْ ‌جَمِيعًا ‌يَا مَعْشَرَ ‌الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ) (الأنعام:128) .

وعَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- نَاسٌ عَنِ الْكُهَّانِ، فَقَالَ: (لَيْسَ بِشَيْءٍ)، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُمْ يُحَدِّثُونَا أَحْيَانًا بِشَيْءٍ فَيَكُونُ حَقًّا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: (تِلْكَ الْكَلِمَةُ مِنَ الْحَقِّ، يَخْطَفُهَا مِنَ الْجِنِّيِّ، فَيَقُرُّهَا فِي أُذُنِ وَلِيِّهِ، فَيَخْلِطُونَ مَعَهَا مِائَةَ كَذْبَةٍ) (متفق عليه).

- الكهنة والعرافون على طريقة السحرة المجرمين: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: (مَنِ اقْتَبَسَ عِلْمًا مِنَ النُّجُومِ، اقْتَبَسَ شُعْبَةً مِنَ السِّحْرِ زَادَ مَا زَادَ) (رواه أبو داود، وحسنه الألباني).

- مَن جاءهم وتعامل معهم، فهو على غير طريقة المسلمين، ودينه وعقيدته على خطر عظيم: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لَيْسَ مِنَّا مَنْ تَطَيَّرَ أَوْ تُطُيِّرَ لَهُ، أَوْ تَكَهَّنَ أَوْ تُكُهِّنَ لَهُ، ‌أَوْ ‌سَحَرَ ‌أَوْ ‌سُحِرَ ‌لَهُ) (رواه البزار، وقال الألباني: صحيح لغيره)، وقَالَ النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلَاةٌ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً) (رواه مسلم)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ أَتَى كَاهِنًا أَوْ عَرَّافًا فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ، فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ) (رواه أحمد وابن ماجه، وصححه الألباني).

أحوال مَن يأتون العرافين والمشعوذين:

مَن جاء إلى كاهن أو عراف أو منجم أو دجال، يسأله عن أمر غيبي؛ فلا يخلو حاله مما يلي:

1- أن يسأله ولا يصدقه، فهذا لا تقبل صلاته أربعين يومًا: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلَاةٌ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً) (رواه مسلم).

2- أن يسأله ويصدِّقه، وهذا كفر بالله: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ أَتَى كَاهِنًا أَوْ عَرَّافًا فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ، فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ) (رواه أحمد وابن ماجه، وصححه الألباني).

3- أن يأتيه ليسمعه فقط، وهذا فسق: قال -تعالى-: (‌وَقَدْ ‌نَزَّلَ ‌عَلَيْكُمْ ‌فِي ‌الْكِتَابِ ‌أَنْ ‌إِذَا ‌سَمِعْتُمْ ‌آيَاتِ ‌اللَّهِ ‌يُكْفَرُ ‌بِهَا ‌وَيُسْتَهْزَأُ ‌بِهَا ‌فَلَا ‌تَقْعُدُوا ‌مَعَهُمْ ‌حَتَّى ‌يَخُوضُوا ‌فِي ‌حَدِيثٍ ‌غَيْرِهِ ‌إِنَّكُمْ ‌إِذًا ‌مِثْلُهُمْ ‌إِنَّ ‌اللَّهَ ‌جَامِعُ ‌الْمُنَافِقِينَ ‌وَالْكَافِرِينَ ‌فِي ‌جَهَنَّمَ ‌جَمِيعًا) (النساء: 140)، فإذا كانت هذه حال السائل في الصور المتقدمة؛ فكيف بحال المسئول؟!

4- أن يسأله بقصد فضح أمره، ولبيان عجزه للناس(3)، وهذا مستحب لمَن قدر عليه: قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لابن صيَّاد -أحد دجالي اليهود-: (إِنِّي قَدْ خَبَأْتُ لَكَ خَبِيئًا!) فَقَالَ ابْنُ صَيَّادٍ: هُوَ الدُّخُّ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: (اخْسَأْ فَلَنْ تَعْدُوَ قَدْرَكَ) (متفق عليه).

ما يغني عن إتيان الكهان والدجالين؟

1- حسن التوكل على الله: قال -تعالى-: (وَمَا هُم بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ) (البقرة: 102)، وقال -تعالى-: (قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) (التوبة: 51)، وقال -تعالى-: (وَإِن يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ) (يونس: 107).

2- التوبة من المعاصي والكبائر: قال -تعالى-: (وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ) (الشورى: 30)، وقال العباس -رضيَ اللهُ عنهُ- في دعائه في الاستسقاء: "ما نزل بلاء إلا بذنب، ولا رفع إلا بتوبة".

3- المحافظة على قراءة أذكار الصباح والمساء، فهي حصن من الشياطين: ففي حديث يحيى بن زكريا -عليهما السلام-: (وَآمُرُكُمْ ‌أَنْ ‌تَذْكُرُوا ‌اللَّهَ ‌فَإِنَّ ‌مَثَلَ ‌ذَلِكَ ‌كَمَثَلِ ‌رَجُلٍ ‌خَرَجَ ‌العَدُوُّ ‌فِي ‌أَثَرِهِ ‌سِرَاعًا ‌حَتَّى ‌إِذَا ‌أَتَى ‌عَلَى ‌حِصْنٍ ‌حَصِينٍ ‌فَأَحْرَزَ ‌نَفْسَهُ ‌مِنْهُمْ، ‌كَذَلِكَ ‌العَبْدُ ‌لَا ‌يُحْرِزُ ‌نَفْسَهُ ‌مِنَ ‌الشَّيْطَانِ ‌إِلَّا ‌بِذِكْرِ ‌اللَّهِ) (رواه الترمذي، وصححه الألباني).

4- الإكثار من قراءة سورة البقرة في البيوت: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لا تَجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ مَقابِرَ، إنَّ الشَّيْطانَ يَنْفِرُ مِنَ البَيْتِ الذي تُقْرَأُ فيه سُورَةُ البَقَرَةِ) (رواه مسلم).

5- أكل سبع تمرات صباحًا قبل أن يأكل أو يشرب شيئًا: قال -صلى الله عليه وسلم-: (مَن تَصَبَّحَ كُلَّ يَومٍ سَبْعَ تَمَراتٍ عَجْوَةً، لَمْ يَضُرَّهُ في ذلكَ اليَومِ سُمٌّ ولا سِحْرٌ) (متفق عليه).

خاتمة:

- كثيرون هم الذين فقدوا الثقة بالله، فما أن يصيبهم سحر أو مرض، أو عين، أو لم يرزق بأولاد، حتى يفزعوا إلى الدجالين والكهان: قال -تعالى-: (أَمَّن يُجِيبُ ?لْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ ?لسُّوء وَيَجْعَلُكُمْ حُلَفَاء ?لأرْضِ أَءلَـهٌ مَّعَ ?للَّهِ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ) (النمل:62)، وقال: (‌وَعَلَى ‌اللَّهِ ‌فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (المائدة: 23).

- إن الركون إلى هؤلاء يعرِّض عقيدة المسلم للخطر العظيم: قال -تعالى-: (وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ ‌فَقَدْ ‌ضَلَّ ‌ضَلَالًا ‌بَعِيدًا) (النساء: 116).

- فليحذر المسلم من إتيان الكهان والعرافين لإيذاء الناس، أو ليطلب منهم قضاء الحاجات؛ فهو ظلمات بعضها فوق بعض: قال -تعالى-: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا) (الأحزاب: 58)، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلَاةٌ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً) (رواه مسلم)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ أَتَى كَاهِنًا أَوْ عَرَّافًا فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ، فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ) (رواه أحمد وابن ماجه، وصححه الألباني).

فاللهم مسكنا بالإسلام حتى نلقاك، وألحقنا بالصالحين في جنات النعيم.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــ

(1) قوله: (مَنْ أَتَى): الإتيان له صور عديدة، منها: أن يكون بالذهاب إليه، أو بالجلوس إلى قارئة الكف، أو الفنجان، أو صاحبة الودع، أو بفتح المندل، أو بمطالعة أبراج الحظ، أو بمشاهدة بعض الفضائيات التي تبث كلامهم؛ لمعرفة المستقبل، والحظ، وطلب الزواج، والنجاح في الامتحان، ومعرفة السارق، وغير ذلك من الأمور التي اختص الله -سبحانه وتعالى- بعلمها، بل إن بعض الناس يتخذون القرارات في قضايا مهمة في حياتهم: كالزواج، والطلاق، أو السفر أو التجارة بناءً على ما قاله المنجم!

وهناك مَن يتقدم للزواج فتسأله المخطوبة: ما برجك؟ فإذا كان برجه لا يوافق برجها كما قال العراف فيها فإنها ترفض الزواج منه! بل إن هناك مَن يحدد مواعيد الزواج باليوم والشهر بعد التشاور مع المنجم أو العراف! بل ذُكِر أن رئيس دولة كبرى كانت توضع له البرامج التي تتعلق بحياته الشخصية والعلمية بعد استشارة العرافين والكهنة!

(2) من صور تقربهم إلى الشياطين: (تلويث المصحف بالنجاسات أو إلقاؤه في المزابل وأماكن قضاء الحاجة - أو جعل المصحف كالنعل في قدميه - وكبقائهم على الجنابة دائمًا - والإكثار من الزنا والفواحش - كل ذلك تقربًا إلى الشياطين)، بل ربما طلبوا من المريدين أعمالًا شركية، كنحو: "اذبحوا كبشًا صفته كذا، بدون اسم الله، أو ذكر اسم غير الله، أواذبحوا ديكًا، أو نحو ذلك، ثم نخبركم بمرضه وعلاجه... "، نعوذ بالله من الكفر والضلال.

(3) مِن أقوالهم وأحوالهم الخداعة: يقولون: "خبر سار يصلك من إنسان تحبه!" ومَن الذي يوصل إليك الأخبار السارة إلا الذي يحبك؟! وفي مرة أخرى يقولون: "تواجهك بعض المشاكل المادية" ومَن الذي لا يواجه المشاكل المادية في هذا العصر؟! إلخ. وقد يخاطبون الناس بأسلوب الناصحين، كأن يقول أحدهم: "انتبه وكن حذرًا، فصحتك أغلى ما تملكه"، أو يقولون: "احذر مِن أصدقاء السوء"، وهكذا.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #30  
قديم 13-09-2023, 11:33 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,074
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الكبائر

الكبائر (30)

مَنْعُ الزكاة

(موعظة الأسبوع)



كتبه/ سعيد محمود

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

المقدمة:

- الكبائر هي تلك الذنوب المهلكة، التي ضَمِن الله لمَن اجتنبها في الدنيا، الجنة في الآخرة: قال -تعالى-: (إِن تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلًا كَرِيمًا) (النساء: 31).

- مَنْعُ الزكاة من كبائر الذنوب التي توعَّد أهلها بألوان الوعيد، وتهدَّدهم بأنواع العذاب الشديد في الحياة وبعد الممات: قال -تعالى-: (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ . يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ) (التوبة: 34-35).

(1) نظرة الإسلام إلى المال:

- المال مِلك لله، وأنه وسيلة لا غاية، وأن مقياس الناس أعمالهم وليس أموالهم: قال -تعالى-: (آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ) (الحديد: 7)، وقال: (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) (الحجرات: 13).

- فاوت الله بين أرزاق الخلق، فمنهم غني ومنهم فقير لحكمة بالغة؛ ليتكامل الكون ويتعايش الناس، ويخدم بعضهم بعضًا: قال -تعالى-: (وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ) (النحل: 71)، وقال: (نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا) (الزخرف: 32).

- مع تفاوت الناس في الأرزاق، وفي الغنى والفقر، فإن منفعة المال الذي هو بأيدي الأغنياء منفعة عامة للجميع، حيث جعل الله في هذا المال حق معلوم للفقير: قال -تعالى-: (وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ . لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) (المعارج: 24-25)، قال قتادة وغيره: الحقّ المعلوم: الزكاة. وقال -تعالى-: (وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ) (النور: 33).

- إذًا... الزكاة حق للفقير، وليست مِنَّة ولا تفضلًا من الغني، بل هي حق للفقراء واجب على الأغنياء، فقد جعل الإسلام المجتمع كالأسرة الواحدة يكفل بعضهم بعضًا: قال -تعالى-: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) (الحجرات: 10)، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مثلُ المؤمنين في تَوادِّهم، وتَرَاحُمِهِم، وتعاطُفِهِمْ، مثلُ الجسَدِ إذا اشتكَى منْهُ عضوٌ تدَاعَى لَهُ سائِرُ الجسَدِ بالسَّهَرِ والْحُمَّى) (متفق عليه)(1).

(2) مكانة الزكاة في الإسلام:

- الزكاة ركن من أركان الدين والإيمان في الإسلام: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (بُنِيَ الإِسْلامُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَإِقَامِ الصَّلاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَحَجِّ الْبَيْتِ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ) (متفق عليه).

- جعل الإسلام الزكاة مع التوبة من الشرك وإقامة الصلاة، عنوانًا على الإسلام، واستحقاق مؤديها أخوة المسلمين: قال -تعالى-: (فَإِن تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ) (التوبة: 11).

- وأعلن الإسلام أن في الزكاة تنمية للمال، وحفظًا له من الزوال، بخلاف ما يتصور البخلاء: قال -تعالى-: (وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) (سبأ: 39)، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (ما نَقَصَتْ صَدَقةٌ مِن مالٍ... ) (رواه مسلم)(2).

- بغير أداء الزكاة لا يكون المسلم في عداد المؤمنين الذين كتب الله لهم الفلاح وأعطاهم الفردوس الأعلى: قال -تعالى-: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ . الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ . وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ . وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ . وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ . إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ . فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ . وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ . وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ . أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ . الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) (المؤمنون: 1-11).

(3) عقوبة مانعي الزكاة في الدنيا والآخرة:

- البُخل بالزكاة من أَمَارات النِّفاق وموجِبَاته: قال -تعالى- في وصْف المنافقين: (وَلَا يُنفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ) (التوبة: 54)، وقال -تعالى-: (الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُم مِّن بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) (التوبة: 67).

- البُخل بالزكاة سبب في نزول البلايا والنقم بالمجتمعات (الفقر - الغلاء - الأمراض - ... ): قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (‌وَلَمْ ‌يَمْنَعُوا ‌زَكَاةَ ‌أَمْوَالِهِمْ، ‌إِلَّا ‌مُنِعُوا ‌الْقَطْرَ ‌مِنَ ‌السَّمَاءِ، وَلَوْلَا الْبَهَائِمُ لَمْ يُمْطَرُوا) (رواه ابن ماجه، وحسنه الألباني).

- البُخل بالزكاة سبب في مَحْقُ بركة المال وذَهابه بأنواع موجِبات الهلاك وأسباب التَّلَف: قال -تعالى-: (إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ . وَلَا يَسْتَثْنُونَ . فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِّن رَّبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ . فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ . فَتَنَادَوْا مُصْبِحِينَ . أَنِ اغْدُوا عَلَى حَرْثِكُمْ إِن كُنتُمْ صَارِمِينَ . فَانطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ . أَن لَّا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُم مِّسْكِينٌ . وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ . فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ . بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ) (القلم: 17-33). ورُوِي: "مَا ‌خَالَطَتِ ‌الزَّكَاةُ ‌مَالًا ‌قَطُّ ‌إِلَّا ‌أَهْلَكَتْهُ" (أخرجه الهيثمي في مَجمع الزوائد، وضعفه الألباني)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (‌إِذَا ‌أَدَّيْتَ ‌زَكَاةَ ‌مَالِكَ ‌فَقَدْ ‌أَذَهَبْتَ ‌عَنْكَ ‌شَرَّهُ) (رواه ابن خزيمة، وحسنه الألباني).

- البُخل بالزكاة يعرض صاحبه لعقوبة دنيوية شرعية يتولاها الحكام في المجتمع الإسلامي: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ أَعْطَاهَا مُؤْتَجِرًا فَلَهُ أَجْرُهَا، وَمَنْ مَنَعَهَا فَإِنَّا آخِذُوهَا وَشَطْرَ مَالِهِ، ‌عَزْمَةً ‌مِنْ ‌عَزَمَاتِ ‌رَبِّنَا -عَزَّ وَجَلَّ-، لَيْسَ لِآلِ مُحَمَّدٍ مِنْهَا شَيْءٌ) (رواه أحمد والنسائي، وحسنه الألباني)، وقال أبو بكر -رضي الله عنه-: "وَاللهِ ‌لَأُقَاتِلَنَّ ‌مَنْ ‌فَرَّقَ ‌بَيْنَ ‌الصَّلَاةِ ‌وَالزَّكَاةِ، فَإِنَّ الزَّكَاةَ حَقُّ الْمَالِ، وَاللهِ لَوْ مَنَعُونِي عَنَاقًا كَانُوا يُؤَدُّونَهَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَى مَنْعِهَا" (متفق عليه).

-‌ البُخل بالزكاة سبب للتعرُّض للعقوبة في الآخرة: قال -تعالى-: (وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَّهُم بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) (آل عمران: 180)، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَن آتَاهُ اللَّهُ مَالًا، فَلَمْ يُؤَدِّ زَكَاتَهُ مُثِّلَ له مَالُهُ يَومَ القِيَامَةِ شُجَاعًا أقْرَعَ له زَبِيبَتَانِ يُطَوَّقُهُ يَومَ القِيَامَةِ، ثُمَّ يَأْخُذُ بلِهْزِمَتَيْهِ -يَعْنِي بشِدْقَيْهِ- ثُمَّ يقولُ أنَا مَالُكَ أنَا كَنْزُكَ، ثم تلا هذه الآية: (وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ) (رواه البخاري)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (مَا مِن صَاحبِ كَنزٍ لا يؤدِّي حقَّهُ إلَّا جَعلَهُ اللَّهُ يَومَ القيامةِ يُحمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فتُكْوَى بِها جَبْهَتُهُ وجنبُهُ وظَهْرُهُ حتَّى يَقضيَ اللَّهُ -تَعَالَى- بَيْنَ عبادِهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ ألفَ سَنَةٍ) (رواه مسلم)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (‌مَا ‌مِنْ ‌صَاحِبِ ‌إِبِلٍ، ‌وَلَا ‌بَقَرٍ، ‌وَلَا ‌غَنَمٍ، ‌لَا ‌يُؤَدِّي ‌زَكَاتَهَا، إِلَّا جَاءَتْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْظَمَ مَا كَانَتْ وَأَسْمَنَهُ، تَنْطَحُهُ بِقُرُونِهَا، وَتَطَؤُهُ بِأَظْلَافِهَا، كُلَّمَا نَفِدَتْ أُخْرَاهَا، عَادَتْ عَلَيْهِ أُولَاهَا، حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ) (متفق عليه).

خاتمة:

- لقد غفل أكثر أصحاب الأموال، عن قول ذي العزة والجلال: (وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ) (النور: 33)، وعن قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (يَقُولُ ‌الْعَبْدُ: ‌مَالِي ‌مَالِي، إِنَّمَا لَهُ مِنْ مَالِهِ ثَلَاثٌ: مَا أَكَلَ فَأَفْنَى، أَوْ لَبِسَ فَأَبْلَى، أَوْ أَعْطَى فَاقْتَنَى، وَمَا سِوَى ذَلِكَ فَهُوَ ذَاهِبٌ وَتَارِكُهُ لِلنَّاسِ) (رواه مسلم).

- يا أصحاب الأموال... أعطوا الفقراء حقهم، وستجدون الخلف من الله: قال -تعالى-: (وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) (سبأ: 39)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (‌مَا ‌نَقَصَتْ ‌صَدَقَةٌ ‌مِنْ ‌مَالٍ) (رواه مسلم).

- يا أصحاب الأموال... تعرضوا لنفحات المولى -جل وعلا-، ولدعاء الملائكة الأطهار في العلا، ولدعاء الفقراء واليتامى، والأرامل والثكالى: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (ما مِن يَومٍ يُصْبِحُ العِبادُ فِيهِ، إلَّا مَلَكانِ يَنْزِلانِ، فيَقولُ أحَدُهُما: اللَّهُمَّ أعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا، ويقولُ الآخَرُ: اللَّهُمَّ أعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا) (متفق عليه).

اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق والأعمال والأقوال، لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عنا سيئها، لا يصرف عنا سيئها إلا أنت، برحمتك يا أرحم الراحمين.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) على هذه النظرة الإسلامية للمال، في ملكيته ومنفعته؛ تتأصل عبادة الله في المال، وهي الزكاة التي تتراوح بين 2.5%، و10% على اختلاف نوع الأموال؛ إذ إن الزكاة واجبة في جميع الأموال الثابتة والمنقولة، في الزراعة والتجارة والصناعة، وفي الأموال المدخرة والمكتنزة، وفيما ظهر على وجه الأرض أو خرج من باطنها في الجملة.

(2) البخيل إذا كانت عنده مثلًا (مائة ألف) فيها زكاة (ألفان وخمسمائة)، فهو ينظر إلى الزكاة فيراها كثيرة جدًّا! ولا يرى (سبعة وتسعين ألفًا ونصف) كثيرة، فعند ذلك يمسك ويمنع الزكاة! ولا حول ولا قوة إلا بالله.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 211.84 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 205.95 كيلو بايت... تم توفير 5.90 كيلو بايت...بمعدل (2.78%)]