|
|
ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث ملتقى يختص في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وعلوم الحديث وفقهه |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
صور عطرة من حياة الصحابة: إيثارهم، معيشتهم، همومهم
صور عطرة من حياة الصحابة: إيثارهم، معيشتهم، همومهم فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعدُ: فالصحابة رضي الله عنهم جيل فريد متميِّز في كلِّ شيءٍ؛ في عقيدتهم، وعبادتهم، وأخلاقهم، وتعامُلهم، ينبغي للمسلمين أن يترسموا خطى ذلك الجيل الفريد، إن راموا أن يعود لهم عِزُّهم، ومكانتهم بين الأُمَم، فالفرق كبير والبون واسع بين واقع المسلمين وحال الصحابة رضي الله عنهم. فحياتهم رجالًا ونساءً حبٌّ للخير، ومبادرة إلى طاعة الله، وسرعة لامتثال أمر رسول الله عليه الصلاة والسلام، وطُهْر وعفاف، وتضحية وإيثار، وصدق وصراحة، وحياء، وخوف من الله، وزهد، وورع، ومحبة، وتناصُح، ورحمة، وتواضُع، وجهاد للنفس وللأعداء. وهذه صور لحياتهم في بعض تلك الجوانب، أسأل الله الكريم أن يُبارك فيها، وأن ينفع بها، كما أسأله أن يوفِّقنا للاقتداء بأولئك الأخيار الذين بذلوا الغالي والنفيس لنُصْرة هذا الدين، وأن يتجاوز عنا ويرحمنا. عباداتهم ومسابقتهم إلى الخير الصحابة رضي الله عنهم، لم يكونوا يجتهدون في فعل الطاعات، وأداء العبادات فقط؛ بل كانوا يتسابقون إلى فعلها، ويتنافسون في ذلك؛ ابتغاء ما عند الله من أجر وثواب؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه، "قالوا: يا رسول الله، ذهب أهل الدثور بالدرجات والنعيم المقيم، قال: ((كيف ذاك؟))، قالوا: صلوا كما صلينا، وجاهدوا كما جاهدنا، وأنفقوا من فضول أموالهم، وليست لنا أموال، قال: ((أفلا أخبركم بأمر تُدركون من كان قبلكم، وتسبقون من بعدكم، ولا يأتي أحد بمثل ما جئتم به إلا من جاء بمثله؟ تُسبِّحون في دبر كل صلاة عشرًا، وتحمدون عشرًا، وتكبرون عشرًا))"؛ [متفق عليه]. قال العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه دليلٌ على فوائد، منها: حرص الصحابة رضي الله عنهم على المسابقة إلى الخير. وعن حذيفة رضي الله عنه، قال: "جاء أهل نجران إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: يا رسول الله، ابعث إلينا رجلًا أمينًا، فقال: ((لأبعَثَنَّ إليكم رجلًا أمينًا، حقَّ أمين، حقَّ أمين))، قال: فاستشرف لها الناس، قال: فبعث أبا عبيدة بن الجراح"؛ [متفق عليه]. قال العلامة العثيمين رحمه الله: وفي الحديث دليلٌ على فوائد، منها: تسابُق الصحابة إلى الخير، والاطلاع إليه؛ لقوله: "فاستشرف له أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم"،وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم العيد فصلَّى وخطب، ثم أتى النساء فوعظهن، وأمرهن بالصدقة، فرأيتهن يهوين إلى آذانهن وحلوقهن يدفعن إلى بلال"؛ [متفق عليه]. قال العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: في هذا الحديث دليل على فوائد، منها: أن نساء الصحابة كرجال الصحابة أشدُّ الناس مبادرةً في فعل الخير. مسابقة أبي بكر الصديق رضي الله عنه إلى فعل الخير واجتهاده في العبادة: وعن زيد بن أسلم، عن أبيه قال: سمِعت عمر بن الخطاب يقول: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نتصدَّق فوافق ذلك مالًا عندي، فقلت: اليوم أسبق أبا بكر إن سبقته يومًا، فجئتُ بنصف مالي، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما أبقَيْتَ لأهلِكَ؟))، فقلتُ: مثله، وأتى أبو بكر بكل ما عنده، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما أبقَيْتَ لأهلِكَ؟))، قال: أبقيتُ لهم اللهَ ورسولَه، قُلتُ: لا أُسابِقُكَ إلى شيءٍ أبدًا"؛ [أخرجه أبو داود]. وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال: مرَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وأنا معه وأبو بكر، على عبدالله بن مسعود وهو يقرأ، فقام فتسمَّع قراءته، ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: ((مَنْ سرَّهُ أن يقرأ القرآن غضًّا كما أُنزِل فليقرأه من ابن عبد)) فأدلجت إلى ابن مسعود، لأبشِّره بما قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، فلما سمِع صوتي، قال: ما جاء بك الساعة؟ قلتُ: جئتُ لأبشِّرك بما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: قد سبقك أبو بكر، قلتُ: إن يفعل فإنه سبَّاقٌ بالخيرات، ما استبقنا خيرًا قَطُّ إلا سبقنا إليه أبو بكر"؛ [أخرجه أحمد]. عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من أصبح منكم صائمًا؟))، قال أبو بكر: أنا، قال: ((فمن اتَّبَع منكم اليوم جنازة؟))، قال أبو بكر: أنا، قال: ((فمن أطعم منكم اليوم مسكينًا؟))، قال أبو بكر: أنا، قال: ((فمن عاد منكم اليوم مريضًا؟))، قال أبو بكر: أنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما اجتمعن في امرئٍ إلَّا دخل الجنة))؛ [أخرجه مسلم]. اجتهاد عبدالله بن الزبير رضي الله عنه في الصيام والقيام وصلة الرحم: عن أبي نوفل بن أبي عقرب "أن الحجاج الثقفي صلب عبدالله بن الزبير، فمرَّ عليه عبدالله بن عمر، فقال: لقد كنت صوَّامًا قوَّامًا تصِلُ الرَّحِم"؛ [أخرجه الطبراني في الكبير]. اجتهاد عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه في الصيام وقيام الليل: عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: "أُخبِر رسول الله صلى الله عليه وسلم أني أقول: والله، لأصومَنَّ النهار، ولأقومَنَّ الليل ما عِشْتُ، فقال: ((اقرأ القرآن في كل شهر))، قلت: إني أجدني أقوى من ذلك، قال: ((فاقرأه في كل عشرة أيام))، قلت: إني أجدني أقوى من ذلك، قال: ((فاقرأه في كل ثلاث))، ثم قال: ((فإنك لا تستطيع ذلك، فصُمْ وأفْطِر، وقُمْ ونَمْ، وصُمْ من الشهر ثلاثة أيام، فإن الحسنة بعشر أمثالها، وذلك مثل صيام الدهر))، قُلتُ: فإني أُطيق أفضل من ذلك، قال: ((فصم يومًا وأفطر يومين))، قلتُ: إني أُطيق أفضل من ذلك، قال: ((فصُمْ يومًا وأفطِر يومًا؛ فذلك صيام داود عليه السلام، وهو أفضل الصيام))، فقلت: إني أطيق أفضل من ذلك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا أفضل من ذلك))؛ [متفق عليه]. صلاة بلال رضي الله عنه ما تيسَّر له بعد كل طهور: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "قال نبي الله صلى الله عليه وسلم لبلال: ((يا بلالُ، خبِّرني بأرجى عملٍ عملته منفعةً في الإسلام؛ فإني قد سمِعْتُ الليلة خشف نعليك بين يدي في الجنَّة))، قال: ما عملتُ يا رسول الله في الإسلام عملًا أرجى عندي منفعة من أني لم أتطهَّر طُهورًا تامًّا في ساعةٍ من ليل أو نهار إلَّا صليتُ بذاك الطهور لربِّي ما كُتب لي أن أصلي"؛ [متفق عليه]. حرص ابن عمر رضي الله عنه على قيام الليل وعدم نومه إلا القليل من الليل: عن عبدالله بن عمر رضي الله عنه، قال: "رأيت في النوم كأن ملكين أخذاني، فذهبا بي إلى النار، فإذا هي مطوية كطي البئر، وإذا لها قرنان، وإذا فيها أناس قد عرفتهم، فجعلت أقول: أعوذ بالله من النار، فلقينا ملك آخر، فقال لي: لم تُرَع، فقصصتها على حفصة فقصَّتها على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: ((نِعْمَ الرجل عبدالله لو كان يُصلي من الليل)) فكان بعدُ لا ينام من الليل إلا قليلًا"؛ [متفق عليه]. اجتهاد جويرية بنت الحارث رضي الله عنها في ذكر الله من الصباح إلى الضحى: عن جويرية بنت الحارث رضي الله عنها قالت: "أن النبي صلى الله عليه وسلم، خرج من عندها بكرة حين صلى الصبح، ثم رجع بعد أن أضحى، وهي جالسة، فقال: ((ما زلت على الحال التي فارقتُكِ عليها؟))، قالت: نعم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لقد قلت بعدك أربع كلمات ثلاث مرات، لو وزنت بما قلت اليوم لوزنتهن: سبحان الله وبحمده، عدد خلقه، ورضا نفسه، وزنة عرشه، ومداد كلماته))" [أخرجه مسلم]. إيثارهم: الأثرة مذمومة؛ لأنها من خصال البخل والشُّحِّ، ومن ابتُلي بالشُّحِّ فإنه يهلك، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ((فإنَّ الشُّحَّ أهلك مَنْ كان قبلكم))؛ [أخرجه أبو داود]. ومن وقي شُح نفسه فهو مفلح؛ قال الله جل وعلا: ﴿وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [الحشر: 9]. والإيثار محمود؛ بل إنه من أكمل أنواع الجود والكرم؛ لأنه ليس من السهل على النفس أن تبذل شيئًا لغيرها، فكيف إذا كان هذا الشيء تحتاجه النفس وترغب فيه؟! لا شك أن ذلك يحتاج إلى إيمان قوي يجعل صاحبه يؤثر غيره على نفسه، وقد تحلَّى بهذا الخُلُق الكريم: الصحابة رضي الله عنهم؛ قال الله عز وجل عن الأنصار رضي الله عنهم: ﴿وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [الحشر: 9]، قال العلامة عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله: وقوله: ﴿وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ﴾؛ أي: ومن أوصاف الأنصار التي فاقوا بها غيرهم، وتميَّزوا بها عمَّن سواهم: الإيثار، وهو أكمل أنواع الجُود، وهو الإيثار بمحابِّ النفس من الأموال وغيرها، وبذلها للغير مع الحاجة إليها؛ بل مع الضرورة والخصاصة، وهذا لا يكون إلا من خُلُقٍ زكي، ومحبَّة لله تعالى، مقدمة على شهوات النفس ولذَّاتها. صاحب الإيثار لا يعرف الحسد والغل والحقد؛ فعن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: "دعا النبي صلى الله عليه وسلم الأنصار إلى أن يقطع لهم البحرين، فقالوا: لا، إلا أن تقطع لإخواننا من المهاجرين مثلها"؛ [أخرجه البخاري]، قال العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: الإقطاع: أن يجعل لهم أراضيَ وما أشبه ذلك، فقال الأنصار: لا يمكن إلا أن تعطي المهاجرين مثلها، وهذا من باب الإيثار. إيثار سعد بن الربيع لعبدالرحمن بن عوف رضي الله عنهما: عن إبراهيم بن سعد، عن أبيه، عن جده، رضي الله عنه، قال: لما قدموا المدينة آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين عبدالرحمن بن عوف وسعد بن الربيع، فقال لعبدالرحمن: إني أكثرُ الأنصار مالًا، فأقسم مالي نصفين، ولي امرأتان، فانظُرْ أعجبَهما إليك، فسمِّها لي أُطلِّقها، فإذا انقضَتْ عِدَّتُها فتزوَّجْها، قال: بارك الله في أهلك ومالك... [الحديث أخرجه البخاري] قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: وفي الحديث منقبة لسعد بن الربيع في إيثاره على نفسه بما ذكر...وفيه استحباب المؤاخاة وحُسْن الإيثار من الغني للفقير. قال العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: انظُر الإيثار هنا، فقد شاطره ماله وأهله، فالمال يقسمه نصفين، والزوجتان يأخذ منهما التي تُعجِبُه، وهكذا الإيمان إذا خالطت بشاشته القلوب فكلُّ شيء يرخص عند الإنسان، ولا تغلو الدنيا إلا لضعف الإيمان، أما قوي الإيمان فإن الدنيا لا تكون شيئًا عند الإنسان أبدًا. إيثار رجل من الأنصار ضيفَه بطعامه: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "إنَّ رجلًا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فبعث إلى نسائه فقُلْنَ: ما معنا إلا الماء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من يضُمُّ - أو يُضِيفُ - هذا؟))، فقال رجل من الأنصار: أنا، فانطلق به إلى امرأته، فقال: أكرمي ضيف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: ما عندنا إلا قوت صبياني، فقال: هيِّئي طعامَكِ، وأصبحي سِراجَك، ونوِّمي صبيانك إذا أرادوا عشاءً، فهيَّأَتْ طعامَها، وأصبحَت سِراجَها، ونوَّمَتْ صبيانها، ثم قامت كأنها تُصلِح سِراجَها فأطفأتهُ، فجعلا يُريانه كأنهما يأكلان، فباتا طاوِيَيْنِ، فلما أصبح غدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ((ضَحكَ اللهُ الليلة أو عجِبَ من فعالكما))، فأنزل الله: ﴿وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ﴾ [الحشر: 9]"؛ [أخرجه البخاري ومسلم] قال العلامة عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله: آثر ضيفه بطعامه وطعام أهله وأولاده، وباتوا جياعًا، قال العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: ظاهر الحال: أن الضيف كان جائعًا، وأن هذا الأنصاري وزوجته وأولاده ليس عندهم شيء كثير؛ لأن طعام الزوجة وزوجها وأولادها لم يكْفِ إلا الضيف، وهذا من الإيثار على النفس بلا شك، مما يدُلُّ على فضلهم رضي الله عنهم. إيثار عائشة لعمر رضي الله عنهما، وإذنها أن يدفن مع صاحبيه في غرفتها: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "يا عبدالله بن عمر، اذهب إلى أُمِّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها، فقل: يقرأ عمر بن الخطاب عليك السلام، ثم سَلْها أن أُدْفَنَ مع صاحبيَّ، قالت: كنتُ أريدهُ لنفسي فلأوثِرَنَّه اليوم على نفسي"؛ [أخرجه البخاري] قال العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: أم المؤمنين رضي الله عنها قد بيَّنَتْ أنها قد أعدَّته لنفسها، فقد كانت تُريد أن تدفن مع الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ومع أبيها رضي الله عنه؛ لأن الحجرة لها، ولكنها آثرَتْ أمير المؤمنين جزاها الله خيرًا. إيثار جابر بن عبدالله رضي الله عنه لأخواته، وزواجه بالثيِّب من أجلهن: عن جابر بن عبدالله رضي الله عنه، قال: "هلك أبي، وترك سبع بنات أو تسع بنات، فتزوَّجت امرأة ثيِّبًا، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((تزوجت يا جابر؟))، فقلت: نعم، فقال: ((بِكْرًا أم ثيِّبًا؟))، قلت: بل ثيِّبًا، قال: ((فهلا جارية تُلاعِبُها وتُلاعِبُك وتُضاحِكُها وتُضاحِكُك؟))، فقلت له: إن عبدالله هلك، وترك بنات، وإني كرهت أن أجيئهن بمثلهن، فتزوَّجت امرأةً تقوم عليهن، وتُصْلِحُهُنَّ، فقال: ((بارك الله))، أو ((خيرًا))؛ [متفق عليه]. ومن وقي شح نفسه، كان صاحب إيثار؛ فإنه يهون عليه فعل الطاعات واجتناب المحرَّمات، قال العلامة ناصر بن عبدالرحمن السعدي رحمه الله: إذا وقي العبد شُحَّ نفسه، سمحت نفسه بأوامر الله ورسوله، ففعلها طائعًا مُنقادًا، منشِرحًا بها صدرُه، وسمحت نفسه بترك ما نهى الله عنه، وإن كان محبوبًا للنفس، تدعو إليه، وتتطلَّع إليه، وسمحت نفسه ببذْلِ الأموال في سبيل الله وابتغاء مرضاته وبذلك يحصل الفوز والفلاح. معيشتهم: عدم وجود طعام لديهم في بيوتهم، وجوعهم الشديد: عن البراء رضي الله عنه، قال: "إن قيس بن صرمة الأنصاري كان صائمًا فلما حضره الإفطار أتى امرأته فقال: هل عندك طعام؟ فقالت: لا"؛ [أخرجه البخاري]. وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: "خرجتُ في غداة شاتية جائعًا وقد أوبقني البرد...والله ما في بيتي شيء آكل منه"؛ [أخرجه أبو يعلى]. وعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: "آلله الذي لا إله إلا هو، إن كنتُ لأعتمدُ بكبدي على الأرض من الجوع، وإن كنتُ لأشُدُّ الحَجَر على بطني من الجوع، ولقد رأيتُني وإني لأخِرُّ فيما بين منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وحجرة عائشة من الجوع مَغشيًّا عليَّ"؛ [أخرجه البخاري]. وعنه رضي الله عنه، قال: "إنهم أصابهم جوع وهم سبعة، فأعطاني النبي صلى الله عليه وسلم سبع تمرات، لكل إنسان تمرة"؛ [أخرجه البخاري]. وعن هلال بن حصين قال: "نزلت على أبي سعيد الخُدْري فضمَّني وإيَّاه المجلس، فحدَّث: أنه أصبح ذات يوم وقد عصب على بطنه حَجَرًا من الجوع"؛ [أخرجه أحمد]. طعامهم التمر والماء وورق الشجر: وعن أُمِّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها، قالت: "إن كنا لننظُر إلى الهلال، ثم الهلال، ثم الهلال ثلاثة أهِلَّة في شهرين، ما أوقد في أبيات رسول الله صلى الله عليه وسلم بنار، قال ابن الزبير: يا خالة، فما كان عيشكم؟ قالت: الأسودان التمر والماء، إلا أنه كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم جيران من الأنصار وكانت لهم منائح، فكانوا يرسلون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من ألبانها فيسقيناه"؛ [متفق عليه]. وعن جابر رضي الله عنه، قال: "بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمَّرَ علينا أبا عبيدة نَتَلَقَّى عيرًا لقريش، وزوَّدَنا جِرابًا من تمْرٍ، لم يجد لنا غيرَه، فكان أبو عُبيدة يُعطينا تمرةً تمرةً... نمَصُّها كما يَمَصُّ الصبيُّ، ثم نشرب عليها من الماء فيكفينا يومنا إلى الليل، وكُنَّا نضرب بعِصِيِّنا الخَبَط، ثم نبُلُّه بالماء فنأكُله"؛ [أخرجه مسلم]. وعن البراء رضي الله عنه، قال: "كنَّا - معشَرَ الأنصار- أصحاب نخل، فكان الرجل يأتي من نخله على قدر كثرته وقلته، وكان الرجل يأتي بالقِنْو والقِنْوَينِ فيُعلِّقه في المسجد، وكان أهل الصُّفَّة ليس لهم طعام، فكان أحدهم إذا جاء أتى القِنْو، فضربه بعصاه، فيسقط البُسْر والتمر فيأكل"؛ [أخرجه الترمذي]. وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: "لقد كنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما لنا من طعام نأكله إلا ورق الحُبْلَة وهذا السَّمُر"؛ [متفق عليه]. وعن عتبة بن غزوان رضي الله عنه قال: "لقد رأيتني سابع سبعة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما لنا من طعام نأكله إلَّا َوَرَقُ الشَّجَر حتى قَرِحَتْ أشداقُنا، فالتقطْتُ بُرْدةً فشَقَقْتُها بيني وبين سعد بن مالك، فاتزرْتُ بنِصْفِها، واتزر سعد بنِصْفِها"؛ [أخرجه مسلم]. يتبع
__________________
|
#2
|
||||
|
||||
رد: صور عطرة من حياة الصحابة: إيثارهم، معيشتهم، همومهم
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |