|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
الكلمات النادرة
الكلمات النادرة د. إبراهيم عوض إن الذي أوهم أن غريب المتنبي على كثرته النسبية أكثرُ مما هو في الحقيقة، هو أنه لا يكتفي به، بل يضيف إليه غرامه بالصيغ غير الشائعة، وأعني بذلك أن اللفظ وإن لم يكن غريبًا في ذاته، فإن المتنبي يترك صيغته الشائعة ويستخدم صيغة نادرة، أو في أحسن الأحوال أقل شيوعًا، فهو مثلًا قد تكرر استعماله لكلمة (مَلْك) (بفتح الميم وسكون اللام)، وجمعها (أملاك)، وذلك بدلًا من صيغتي المفرد والجمع الشائعتين (ملِك (بكسر اللام) وملوك). وقد لاحظت أن القدماء قد قرن بعضهم بين هذا وبين الغريب، وجعلوها شيئًا واحدًا، (مع أن هذا غير ذاك كما سبق القول)، وذلك كما فعل الثعالبي مع صيغة (التوراب) (وهي لغة في التراب)، وصيغة الجمع في (أروض) (جمع أرض) وغيرها؛ إذ وضع هاتين الكلمتين مع الغريب من أمثال (ابتشاك) و(اليلل) و(الكنهور)[1]. • كما أن بعضهم قد صرف الكلام إلى تخطئته: كالحاتمي الذي أخذ عليه استعمال (أَنْ المخففة من الثقيلة مع الضمير؛ لأنها - كما قال - قبيحة إلا إذا دخلت على اسم ظاهر[2]. ومَن ذلك أيضًا ما ذكره الجرجاني عن بعض من خطؤوا جمع المتنبي (بوق) على (بوقات)[3]. والواقع أن الذي يهمني هنا في المقام الأول إنما هو التنبيه على أن هذه السمة في شعر المتنبي، هي مظهر من مظاهر خروجه على المألوف وتنكبه الطريق التي مهدتها كثرة الأقدام إلى طريق ينفرد هو بالسير فيها أو قلَّ مَن يرتادها، إنه في نظري أشعة بمن يجد لذة في إيلام من حوله بصدمة كهربية خفيفة تخرجهم عن سكونهم وفتورهم وتلفتهم إليه بشيء من القسوة. كذلك لاحظت أن الأمثلة التي أشار إليها القدماء، فيما وقع لي، لا تزيد عن خمسة أو ستة، مع أن الأمر أكثر من ذلك كثيرًا وأعقد، على نحو ما سترى بعد قليل. وقد فرَّق المحدَثون بين الأمرين، كما فعل مثلًا المرحوم محمد كمال حلمي، ود. شوقي ضيف، وعدَّا غير المشهور من الصيغ عند الشاعر شذوذًا[4]. فأما بالنسبة لمدى انتشار هذه السمة، فقد وجدت أن هذه الصيغ النادرة - أو الشاذة كما سماها المرحوم محمد كمال حلمي ود.شوقي ضيف - تقارب الغريب عددًا. لقد استطعت أن أعد منها نحو مائة وأربعين، وقد يختلف معي بعضٌ في عد هذه الكلمة أو تلك صيغةً غير مألوفة، ولكن لا أظن أن الاختلاف سيكون كبيرًا. وهذه الصيغ متنوعة، فمنها صيغ أسماء، وهذه قد تكون أسماء جنس، أو مصادر، أو أسماء استفهام، أو أسماء موصولة، أو ظروفًا، ويدخل فيها أيضًا اسم المرة واسم الهيئة، وصيغ الجمع، وكذلك الصفات، وقد تكون هذه الصيغ صيغ أفعال أو حروفًا يتصرف فيها المتنبي على غير المعهود. (1) الصيغ الاسمية: ونبدأ بالأسماء، وقد عددتُ له منها: (ازديار: زيارة؛ عكبري /1/12/1)[5]. و(أبَيْك بفتح الباء وتسكين الياء: أبويك 1/54/26)، وهو في هذا الاستعمال يجري على ما قال ثعلب من أنه يجوز أن يقال هذا أبك، وهذا أباك، وهذا أبوك، فعلى الاستعمال الأول تكون التثنية (أباك) في حالة الرفع، و(أبَيْك) (بفتح الباء وتسكين الياء) في حالة النصب والجر)[6]. (عِضاض)، بكسر العين: عض /1/151/12). و(كِذاب، بكسر الكاف: كذب 1/200/40 و3/268/15). (سُربة، بضم السين: سرب، بكسرها 1/ 207/ 23). (سِواؤك، بكسر السين: سواك 1/255/32). و(المواحيد: الأفراد 1/262/8). و(دائل: صاحب الدولة 1/287/25). و(زأر: زئير 1/344/14، 2/108/45). و(ولادي: ولادتي 1/346/24). و(التِّلاد، بكسر التاء: التالد، التليد 1/363/33). و(الغَلْب، بفتح الغين وتسكين اللام: الغلبة 2/54/27). و(الكُثْر، بضم الكاف وتسكين الثاء: الكثرة 2/67/30). و(مَلْك، بفتح الميم وسكون اللام: ملِك، بكسر اللام 2/98/4، 5 و4/16/7 و4/280/47 و4/290/31)، وهذه الصيغة قد تكررت عند المتنبي كثيرًا كما ترى، وتكرر جمعها: (أملاك). و(شميم: شم 2/100/4). و(قِدى، بكسر القاف وفتح الدال: قِيد: مقدار 2/174/4). ومُسْي، بضم الميم وتسكين السين: مساء 2/186/3). و(الندام: المنادمة 2/211/17). و(السِّرَع، بكسر السين وفتح الراء: السرعة 2/224/10). و(السِّم، بكسر السين: الاسم 2/235/2). و(دَهْي، بفتح الدال وسكون الهاء: دهاء 2/253/15). و(امتساك: مصدر امتسك، بمعنى: التصق وبقي هناك، مِن (أمسك) 2/396/43). و(طماعية: طمع 3/21/1). و(التَّوراب، بفتح التاء: التراب 3/61/29). و(البَخَل بفتح الباء والخاء: البخل 3/80/21). و(البَنْي، بفتح الباء وسكون النون: البناء 3/137/11). و(لِقْيان، بكسر اللام وسكون القاف: لقية 3/290/9). و(لِسْن، بكسر اللام وسكون السين: لسان 3/385/19). (والكتاب: الكتابة 4/160/24). و(العواد: المعاودة 4/183/40). و(التباقي: البقاء 4/259/33). وكما ترى، فهناك كلمات تكررت أكثر مرة مثل (ملك)، والتي تكررت فيما تنبهتُ خمسَ مرات على الأقل، وتكرر جمعها (أملاك) هو أيضًا عدة مرات؛ كما سنلاحظ. (زأر) (مرتين). و(كذاب) (مرتين أيضًا). وبالمناسبة فقد لاحظت أن المتنبي يكثر من استعمال صيغة (فِعال) هذه بدلًا من (مُفاعلة)، (وكلتاهما صيغة المصدر من (فاعل)؛ مثل: (حِذار) و(غِلاب) و(قِراع) و(بِلاء: مبالاة)، و(دراك)، و(زيال)، و(لعاب)، و(ضراب)، و(عضاض)، و(ندام: منادمة)، و(نزال)، و(قران)، و(نطاح)، و(طعان)، و(طلاب)، و(مطال). ومع أنه لا بأس بذلك عمومًا، فإن استخدام (بلاء) مكان (مبالاة) مثلًا غير مستساغ أبدًا، كما في البيت التالي: أقل بلاء بالزرايا من القنا ♦♦♦ وأقدم بين الجحفلين من النبلِ ومما لُوحظ أيضًا أنه استخدم عدة مرات الصيغة المصدرية (فَعْل) (بفتح الفاء وسكون العين) بدلًا من مرادفها المألوف، كما مر بنا في (زَأْر) (مرتين)، و(غَلْب) و(دَهْي) و(بَنْي). ومما يتصل بالمصادر أنه جريء في اشتقاق اسم المرة والهيئة وجمعهما، وقد وقعت له من أسماء المرة على (صحات)، جمع (صَحة) بفتح الصاد (1/234/33)، و(خجلة) (2/94/2)، و(نطقة) (2/93/6)، و(يقظات)، في بيته المشهور: هون على بصر ما شق منظره ♦♦♦ فإنما يقظات العينِ كالحلمِ و(طربات)، جمع طربة، من (الطرب) (4/276/30)، (وهذه الأخيرة كما ترى غير مستساغة، وبخاصة أنها جاءت في البيت الذي وردت فيه مسكَّنة الراء). و(دولات)، ومن (دال يدول)، وسوف نتعرض لها بعد قليل. على أن أعجب ما رأيته في هذا الصدد لذلك الرجل اشتقاقه اسم المرة من (رأى): (رأية) رغم وجود (رؤية)، التي من كثرةِ ما نستخدمها قد نسينا أن من الممكن اشتقاق اسم مرة من هذا الفعل، وبخاصة أن كل الفرق بينها وبين اسم مرة هي راؤها مضمومة لا مفتوحة، ولكنه المتنبي! وهذا هو البيت الذي وردت فيه هذه الكلمة، والكلام عن ابني عضد الدولة: وأول رَأْية رأيا المعالي ♦♦♦ فقد علقا بها قبل الأوانِ أرأيت جرأة وثقة بالنفس في اشتقاق الألفاظ كمثل هذه الجرأة؟ إن مِن الخرق الزعم بأن المتنبي قد وفِّق في كل اشتقاقاته وصِيغه، ولكن ينبغي ألا نغفل عن حقيقة هامة هي أن مثل هذه الأعاجيب الباهرة لا تتاح إلا لذوى الجرأة الذين يتغشمرون (وهذه بالمناسبة من غريب المتنبي المبدع) الطرقَ المهجورة غير هيَّابين ولا وَجِلين، إنهم قد يَضلون الطريق، ولكنهم من المؤكد سوف يرون ما لم ترَ عين، وسوف يعودون يومًا فيحكون لنا من غرائب الطريق وعجائبه ما يشْدهُ العقولَ منا ويثير الخيال. ترى لو كان المتنبي قد التزم الصيغ الأليفة وردَّد ما يقوله غيره أكان يستطيع أن يقطف مثل هذه الزهرة الرائعة التي لا تنبت في الحدائق الموجودة على الطرق الآهلة، وإنما في الفلوات غير المطروقة؟ أما بالنسبة لاسم الهيئة، فقد رأيت له الشاهدين التاليين، وقد وفِّق فيهما على غرابة الجمع هنا: ألا كلُّ ماشية الخيزلَى فدا كلِّ ماشية الهيذبَى وكل نجاةٍ بجاويَّةٍ خنوف وما بي حسن المِشَى وهو هنا يفضِّل النُّوق على النساء، فأولئك هي اللائي قد حملنه وطرن به بعيدًا عن أيدي كافور وأظفاره، أما هؤلاء، فإنهن يمشين الخيزلى مسترخيات كسولات، ولم يكن ذلك أوان الاسترخاء والتكسر والغزل، فإن المسألة كانت مسألة حياة أو موت؛ حيث لا يتلفت الإنسان مهما يكن شغفه بالنساء إلى رقتهن ودلال مشيهن، فهذا معنى قوله: (وما بي حسن المشى)، فانظر إلى هذه السهولة التي يستعمل بها المتنبي هذه اللفظة، وكأن ليس فيها ما يلفت النظر، والحقيقة أن للمتنبي فضلًا عظيمًا أرانا أن صيغة الجمع أرق من مفردِها، لهذه المدة التي في آخرها، والتي جعلت الكلمة تبدو كأنها حرفان فقط ينزلقان على اللسان في نعومة ويسر، على عكس (مشية)، التي هي أربعة أحرف لا اثنان، وفيها سكنتان تحدثان شيئًا من القلقلة لا يناسب (حسن المشى). يتبع
__________________
|
#2
|
||||
|
||||
رد: الكلمات النادرة
الكلمات النادرة د. إبراهيم عوض ومن ذلك أيضا (ظنة) على (ظنن) في قوله عن رفقة سفره أيام تصعلكه في الصحراء وحرصه على ألا يعرف حقيقته أحد: يستخبرون فلا أعطيهمُ خبري ♦♦♦ وما يطيش لهم سهم من الظننِ ومثلها في ذلك (رعد) جمع (رِعدة)، بكسر الراء، في قوله: رعد الفوارس منك في أبدانها ♦♦♦ أجرى من العسلان في قنواتها وليس خروجه على المألوف في صيغة الجمع مقصورًا على أسماء المرة والهيئة، بل يعم الأسماء كلها، والملاحظ أنه في عدة مرات قد جمع بالألف والتاء ما جمع التكسير فيه هو المعتاد، مثل (عطيات) (2/8/24) بدل (عطايا)، و(همات) (2/154/21) بدل (همم)، و(ركبات) (2/169/36) بدلًا من (ركب)، و(مهجات) (2/209/10) بدل (مهج)، و(بوقات) (3/108/54) بدل (أبواق) مثلًا، وقد أثارت هذه الكلمة وقتها فيما نعرف جدلًا واسعًا، استغرق في (الوساطة) ثلاث صفحات (ص 456 - 459)؛ إذ خطَّأه منتقدوه، وقالوا: كان المفروض أن يجمعها جمعًا مكسرًا على (أفعال)، (وهذا هو الجمع الذي شاع، لدرجة أننا في الاستعمال لا نعرف غيره)، أو (فعول) أو (فِعلان) (بكسر العين) مثلًا. وكان رد المتنبي أن (هذا الاسم مولد لم يسمع واحده إلا هكذا ولا جمعه بغير التاء، وإنما هو مثل: حمام وحمامات... إلخ)[7]؛ أي إن عذر المتنبي أنه لم يجد له جمعًا، فقاسه على أمثال (حمام) و(حمامات). ولكن يمكن التساؤل: ولماذا لم يقسِه على (عود) و(أعواد) مثلًا؟ إنني لا أخطِّئ المتنبي، ولكن ألا يدل ذلك على أنه كان يحب الخروج على المألوف من وقت لآخر، وعلى أنحاء مختلفة؟ ثم إني أتساءل أيضًا: ألا يجوز أن المتنبي قد أراد بجمع المؤنث السالم أن يوحي بأن مَن سوى سيف الدولة من ملوك المسلمين في عصره ليسوا رجالًا بل نساء، على اعتبار الارتباط غالبًا بين (الألف والتاء) وبين النساء والتأنيث؟ ورجولته وأنوثتهم، إن صح هذا التوجيه، قائمتان على أنه وحده من بينهم هو الذي يحارب الروم، أما هم، فمتقاعسون قاعدون كالنساء، وهذا هو نص البيت: إذا كان بعضُ الناسِ سيفًا لدولةٍ ♦♦♦ ففي الناسِ بوقاتٌ لها وطبولُ إن من الممكن الرد بأن المتنبي لم يكن عاجزًا أن يقول ذلك لو كان يريده؟ وهذا رد وجيه لو كنت أقصد بـ(أراد) أنه أراد ذلك بعقله الواعي المتعمد، لكني أقصد أن ذلك كان في مؤخرة ذهنه أو هامش شعوره، وعلى أي حال فليس هذا إلا خاطرًا خطر لي، ولا أستطيع أن أقول فيه أكثر من ذلك. ومن الكلمات التي جمعها جمعًا مؤنثًا سالِمًا مع أن الشائع تكسيرها، كلمة (علات) (1/233/29) بدل (عِلل)، و(دولات) (3/110/65) بدل (دول) (جمع (دولة)، بمعنى الغلبة، كما في قولنا: (الأيام دول)، و(بقيات) (3/198/29) بدل (بقايا)، ومثلها (رتبات) (3/97/21) بدل (رتب). فهذه ثمانية شواهد، وهي ما تنبَّهت إليها، ولا أستبعد أن يكون هناك أمثلة أخرى غيرها، وهذه الأمثلة الثمانية تشهد، كما أشرت، إلى هذا الميل الذي لاحظنا عند المتنبي إلى مخالفة المألوف. وقد يمكن توجيه بعض هذه الجموع إلى أنه ربما أراد بها القلَّة؛ حيث إن العرب إذا أرادوا تقليل العدد في مثل هذه الحالة استخدموا جمع المؤنث السالم، وإذا أرادوا التكثير جمعوا الاسم جمع تكسير، والنقد الذي وجهه النابغة إلى بيت حسان التالي: لنا الجفناتُ الغرُّ يلمَعْن بالضحى ♦♦♦ وأسيافنا يقطُرْن من نجدةٍ دمَا بناءً على هذه القاعدة - مشهور؛ إذ أخذ عليه أنه أراد أن يمدح قومه بالكرم، ولكنه قال (الجفنات) بدل (الجفان)، فقلَّل جفان قومه، وهو ما لا يدل على ما أراده من فخر[8]، ولكن إذا كان يمكن توجيه بعض هذه الجموع إلى أن المتنبي ربما أراد التقليل كما هو الحال في (ركبات)، التي أراد بها التثنية؛ إذ جعل الضمير العائد عليها مثنى، وذلك في البيت التالي: وتكرمت ركباتها عن مبركٍ ♦♦♦ تقعان فيه وليس مسكًا أذفرا[9] وكما هو الحال في (بوقات)؛ إذ قد يقال إنه يقصد بها ملوك المسلمين في ذلك العصر، وهم قليلون، فإنه لا يمكن توجيه الأمثلة الباقية بحال، بل العكس قد يؤخذ عليه مثلًا، كما أخذ على حسان من قبله. إنه في الوقت الذي أراد أن يصف ممدوحه بالكرم الشديد قد قلل (عطاياه) فجعلها (عطيات)، وفي الوقت الذي أراد أن يمدح ابن عامر الأنطاكي بأنه عظيم (الهمم) إذا به يقللها مستعملًا (همات)، وذلك في البيت الآتي: فتى لا يضم القلب همات قلبه ♦♦♦ ولو ضمها قلب لما ضمه صدر وهكذا، أيا ما يكن الأمر، فالملاحظ أن المتنبي قد عدل عن صيغة جمع التكسير في عدد غير قليل من الكلمات إلى الجمع بالألف والتاء، على أن هذا ليس كل شيء في مسألة صيغ الجموع عند المتنبي، فإنه قد جمع (عبد) على (عِبِدَّى) (بكسر العين والباء وفتح الدال ومدها ومع تشديدها)، ثلاث مرات على الأقل (2/8/24 و4/4/3 و4/151/3)، وهي صيغة نادرة مهجورة، وذلك بدلًا من (عبيد) أو (عبدان) مثلًا، وكذلك (نواظير) جمع (ناظر) (2/43/17) بدلًا من (نواظر)، وذلك في البيت المشهور: نامَتْ نواظيرُ مصرَ عن ثعالبها ♦♦♦ فقد بشِمْنَ وما تفنَى العناقيدُ ويبدو أنه جرى في ذلك على طريقة الكوفيين، الذين يجوزون زيادة ياء في مثل هذه الحالة[10]، (قلت: "يبدو"؛ لأن العكبري، الذي فسَّرها على أنها جمع (ناظر) قد ذكر أيضًا أن هذا اللفظ وإن كان هو الرواية المعروفة، فإن المتنبي قد أقرَّه بالطاء: (نواطير)، فإن كان الأمر كذلك كانت الكلمة جمع (ناطور)، فلا مشكلة). و(بيوت (2/157/33) في البيت التالي: وما قلت من شعرٍ تكادُ بيوته ♦♦♦ إذا كتبت يبيضُّ من نورِها الحبرُ بدلًا من (أبيات)، التي تستعمل عادة لأبيات الشعر، على حين تستخدم (بيوت) في العادة للمساكن. ومن ذلك جمعه ثلاث مرات على الأقل (ناقة) على (أيانق) (2/235/28 و2/344/8 و2/355/8)، والشائع (نُوق) و(نياق). وجمعه (الكبد)، مرتين على الأقل، على (كبود) (1/342/4 و2/82/4)، كما جمعها على (أكبد) (1/362/26)، والشائع (أكباد). كما لاحظت أنه قد استخدم صيغة (أفعال) عددًا ملحوظًا من المرات جمعًا لكلمات تجمع في العادة على صيغ أخرى، وذلك مثل (أملاك)، التي استخدمها بدورها جمعًا لـ(ملك) ما لايقل عن تسع مرات (1/207/41)، و1/279/41، و1/10/1، و1/217/34، و1/238/14، و2/98/5، و2/309/16، و4/140/32، و4/212/10). وكذلك (أرواح) جمعًا لـ(ريح) (1/266/24) بدلًا من (رياح). و(أعلال) جمعًا لـ(علة) (3/197/22) بدل (علل). و(أجبال) جمعًا لـ(جبل) (3/284/28) بدل (جبال). و(أعيان) جمعًا لـ(عين)، حاسة البصر (1/35/19، و1/239/10، و3/307/34) بدلًا من (عيون). ويمكن أن يلحق بهن (آبال) جمع (إبل) (3/282/23)، (إبل) جمع لا واحد له من لفظه. وكذلك (آخاء) (3/378/7) بدلًا من (إخوة)، وهذه الكلمة قد وردت في العكبري، و(الوساطة) (ص333)، وفي (الكشف عن مساوئ المتنبي) للصاحب بن عباد[11]، الذي انتقدها على الشاعر أشد انتقاد، ولكني وجدت مكانها في اليازجي (آباء)، وهكذا: كلُّ آبائه كرام بني الدنـ ♦♦♦ ــيا ولكنه كريمُ الكرامِ[12] بدلًا من (كل آخائه...)، كما قال محققو كتاب الصاحب[13] إنها قد وردت في الديوان (كل آبائه)، وذلك على خلاف محققي كتاب (الوساطة)، الذين أشاروا إلى موضعها في الديوان على ما رواها الثعالبي من غير أن يعترضوا بأنها في الديوان (آبائه)[14]. ومما جمعه المتنبي على غير الصيغة الشائعة (دار) التي جمعها على (أدؤر) (3/265/5) بدلًا من (دُور). و(أم) على (أمَّات) (3/389/31) في غير العاقل، وذلك بدلًا من (أمهات). وحصان على (حُصُن)، بضم الحاء والصاد (4/213/17) بدلًا من (أحصنة). و(أُروض)، بضم الهمزة، جمع (أرض) (4/258/27) بدلًا من (أرَضين). ♦♦ ♦♦ ♦♦ فإذا انتقلنا إلى استخدامه الصيغ غير الشائعة في الصفات، وجدناه يقول (النسب القُراب)، بضم القاف (1/76/8)، و(الكرم التِّلاد)، بكسر التاء (1/363/33) بدلًا من (التالد) أو (التليد)، و(قصورة)، بمعنى: (امرأة محبوسة في خدرها)، (2/59/2) بدلًا من (مقصورة)، و(كناز) (2/183/32) بدلًا من (مكتنزة)، و(نصرانة) (2/233/26) بدل (نصرانية)، و(خَيرة الدول)، بفتح الخاء (3/40/20)، مؤنث (خير)، وهو تأنيث فيما يبدو غير شائع، فنحن نقول عادة: (هو خير الرجال، وهي خير النساء) لا (خيرة النساء)[15]. ومنها (مُؤْيَدات) بضم الميم وتسكين الهمزة وفتح الياء (3/339/32) في البيت التالي يمدح سيف الدولة: سلكت صروف الدهرِ حتى لقيتَه ♦♦♦ على ظهرِ عزم مُؤْيَدات قوائمُه بدلا من (مؤيّدات) مثلًا المشتقة من (أيَّد) بتشديد الياء، وهو الفعل المشهور المستعمل، أما (آيد) فقلما يخطر على بال أحد. وكذلك (حداث) جمع (حادث)، بمعنى (متحدث) (3/385/19) بدل (متحدثين)، و(أوحدي)، نسبة إلى (أوحد) (4/11/21) بدل (وحيد)، و(يلمعيات) (4/229/32) بدلًا من (ألمعيات) المشهورة المتداولة. ومن جموع الصفات غير الشائعة التي قابلتها عند المتنبي قوله: (شُذَّان) بضم الشين وتشديد الذال، جمع (شاذ) (3/27/25)، و(غُرَّان) بنفس الضبط، جمع (أغر) (4/228/31) بدلًا من (غر) بضم وتشديد، وهلمَّ جرًّا. ويمكننا أن نلحق بما مرَّ اشتقاقه أفعل تفضيل من (أسود)، وذلك في قوله: (لأنت أسود في عيني من الظلم) (1/35/2). يتبع
__________________
|
#3
|
||||
|
||||
رد: الكلمات النادرة
الكلمات النادرة د. إبراهيم عوض وقد حاول بعض اللُّغويين والنقاد أن يجدوا له تأويلًا، غير أن تأويلاتهم إن صحت من شأنها أن تكسب العبارة ركاكةً؛ مثال ذلك أن بعضهم قال ما معناه إن الكلام هو: (لأنت أسود في عيني)، ثم استطرد، فقال: (من الظلم)؛ أي إن شبه الجملة هذا خبر ثانٍ[16]، والحقيقة أن المتنبي جرى في ذلك على مذهب الكوفيين الذين يجوِّزون اشتقاق أفعل التفضيل وصوغ فعل التعجب من لوني البياض والسواد[17]. ♦♦ ♦♦ ♦♦ ولم يقتصر استخدام الصيغ غير المعهودة عند المتنبي على أسماء الجنس والصفات وجموعهما، بل دخل في ذلك أيضًا بعض أسماء الاستفهام والوصل والإشارة والظروف. وقد وجدته يُسكِّن اسم الاستفهام في (لِمَ) عدة مرات (1/146/3 و1/271/15 و1/351/8 و2/298/14 و2/372/2 و4/247/25)، ولا أظن من السائغ تفسير ذلك بضرورة الشعر، فإن المتنبي لم يكن ناظمًا أو مجرد شاعر صغير، ثم إن الضرورة الشعرية قد تتخذ ذريعة مرة مثلًا، ولكن ست مرات أكثر من أن تسوغها مثل هذه الضرورة. والتفسير الأكثر إقناعًا أنه يجري على ما يراه الكوفيون من جواز تسكين ميم (لِمْ)، يستوي في ذلك الشعر والنثر؛ حيث ورد عن العرب استعمالها شعرًا ونثرًا[18]. كما أنه استعمل (كم) في مكان (ما) أو (متى) ثلاث مرات على الأقل، مرتين منهما في بيت واحد، هو: إلى كم ذا التخلفُ في التواني؟ ♦♦♦ وكم هذا التمادي في التمادي؟ والثالثة في البيت التالي: إلى أي حينٍ أنت في زي محرمِ؟ ♦♦♦ وحتى متى في شِقوةٍ؟ وإلى كمِ؟ وقد وجَّهها العكبري توجيهًا ركيكًا؛ إذ قال إن معناها: (إلى أي عدد من أعداد من الزمان)[19]، والأفضل أن تفسر هكذا: (إلى كم من السنين؟)، ومع ذلك فإن استعمالها غريب. أما (الذْ) بسكون الذال بدلًا من (الذي)، فقد أحصيتها له مرتين (1/31/47 و4/206/36)، ويغلب على ظني أنه ربما استعملها أكثر من ذلك، وقد ذكر العكبري أنها لغة في (الذي)[20]، كما أن المتنبي قد صغرها مرة على الأقل (الُّذَيَّا) بضم اللام وفتح الذال وتشديد الياء مع فتحها ومدها: (1/219/4)، وكان ذلك تحقيرًا لمن تصفه هذه الكلمة، وأنا وإن كنت أنوي أن أعالج التصغير في مبحث تالٍ أحب ألا تفوتني الإشارة إلى أن تصغير الشاعر للاسم الموصول على هذا النحو هو صيغة غير مألوفة، كذلك قد استعمل الاسم الموصول المثنى المذكَّر من غير نون، فقال: (لرأسك والصدر اللَّذِي ملئا حزما) (4/106/20). كذلك فمن الملاحظ أن المتنبي أحيانًا ما يحول الضمير العائد على الاسم الموصول من الغَيبة، كما هو الشائع، إلى التكلم أو الخطاب؛ مثال ذلك قوله: أنا الذي نظَر الأعمى إلى أدبي ♦♦♦ وأسمعَتْ كلماتي من به صممُ والمعتاد أن يقال: (أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبه = وأسمعت كلماته...). ومنه قوله في سيف الدولة: أيها السيفُ الذي لست مغمدًا ♦♦♦ ولا فيك مرتابٌ ولا منك عاصمُ وذلك بدلًا من (أيها السيف الذي ليس مغمدًا). وقوله متحدثًا عمن سماها أو كناها بـ(داهية): يا وجهَ داهية التي لولاك ما ♦♦♦ أكَل الضنى جسدي ورضَّ الأعظما وقوله: فنحن الأُلى لا نأتلي لك نصرةً ♦♦♦ وأنت الذي لو أنه وحدَه أغنى (ولاحظ أنه في هذا البيت قد جرى على الأسلوب المعتاد في الشطرة الثانية). وقوله: أنت الذي سبك الأموالَ مكرمةً ♦♦♦ ثم اتخذت له السؤالَ خزانا (والطريف أنه في هذا عكس الآية، فجرى على الأسلوب المعتاد في الشطرة الأولى، وخرج على المألوف في الثانية). وقوله: وأنت الذي يغشى الأسنة أولًا ♦♦♦ وتأنف أن تغشى الأسنة ثانيَا وقد أخذ عليه هذا منذ وقت مبكر، وعقب الجرجاني على هذا بقوله: إنه من شنيع ما وجد في شعر المتنبي، وإن كان قد ساق حجة مَن احتجوا عن الشاعر، وتتلخص في أن استعمال ضمير المتكلم أو الخطاب بدلًا من الغائب، إنما هو حمل على المعنى؛ لأن هذا هو ذاك، فضلًا على أن العرب قد استعملته، ومع ذلك فقد عاد الجرجاني فقال: إن مثل هذه الاستعمالات تجوز أحيانًا ولا تجوز أخرى، وما فعله المتنبي هو مما يجوز، ثم رجع الجرجاني مرة ثانية إلى القول بأن المتنبي قد أخطأ بترك القوي إلى الضعيف لغير ضرورة داعية[21]. وقد رد الدكتور مندور على الجرجاني، وقال: إن صنيع المتنبي (وقد سماه كسر البناء: Rupture de Syntaxes) هو صنيع كل شاعر كبير، إنه لا يجهل القواعد النَّحْوية، ولكنه قد يخرج عليها عامدًا، لتحقيق غرض لا تحققه له هذه القواعد. وإذا كان الجرجاني قد رأى أن المتنبي في البيت التالي: وإني لمِن قوم كأن نفوسَنا ♦♦♦ بها أنف أن تسكنَ اللحم والعظما لم تُلجِئه ضرورة شِعرية إلى هذا الكسر في البناء، فإن رغبته في الفخر الذي يحققه له الضمير (نا)، هي التي أمَّلت عليه هذا الأسلوب[22]. وهو بهذا التعليل يلتقي مع العكبري، الذي لا أدري أكان قد قرأه وردد رأيه عن وعي أو عن غير وعي أم لا، والذي يقول إن الضمير العائد على الاسم الموصول إذا كان فيه ذم، وكان المتنبي يتحدث عن نفسه، لم يُعِده على نفسه واستخدام ضمير الغائب كالمعتاد، وذلك كما فعل في البيت التالي: لا أستزيدك فيما فيك من كرمٍ ♦♦♦ أنا الذي نام إن نبهت يقظانا (أي لو أنني طالبتُك بالمزيد من الكرم كنت كمَن ينبه يقظان، وتكون هذه غفلة مني كغفلة النائم)، أما إذا كان في الضمير مدح، فإنه يخرج به من الغَيبة إلى التكلم، كما في قوله: وإني لمن قومٍ كأن نفوسنا ♦♦♦ بها أنف أن تسكنَ اللحم والعظما ثم قال: (وهذه عادته في شعره، وهو مِن البلاغة والحذق)[23]. والحقيقة أن ذلك غير كثير في شعر المتنبي، وهو كذلك غير مطرد تمامًا فيما يخص ضمير التكلم على عكس ما يقول العكبري، فإنه في قوله: (أنا الذي نام إن نبهت يقظانا)، قد استعمل ضمير الغائب مرة وضمير المتكلم أخرى، مع أن كليهما في معرض ذم كذلك فإننا نتساءل: هل قصد العكبري تعميم ملاحظته السابقة على مدح الشاعر، سواء كان مدحًا لنفسه أو لغيره، أو إنه قصد بها مدحه لنفسه فقط؟ الراجح أنه أراد التعميم[24]. وقد وجدت أن الشاعر قد يجعل الضمير العائد على اسم الموصول ضمير غَيبة، مع أنه في معرض مدح؛ مثال ذلك قوله: يا مَن يقتل مَن أراد بسيفِه ♦♦♦ أصبحتُ مِن قتلاك بالإحسانِ وقوله: أنت الذي سبك الأموال مكرمةً ♦♦♦ ثم اتخذت لها السؤال خزانا (وإن كان استخدم ضمير المخاطب في الشطرة الثانية). وقوله في سيف الدولة: ما الدهرُ عندك إلا روضة أنف ♦♦♦ يا مِن شمائله في دهرِه زهرُ وقوله فيه أيضًا: فنحن الألى لا نأتلي لك نصرةً ♦♦♦ وأنت الذي لو أنه وحدَه أغنى أيًّا ما يكن الأمر، فإني لا أرى في تنكُّب المتنبي، في العائد على الاسم الموصول، ضمير الغيبة إلى ضمير التكلم أو الخطاب ما يؤاخذ عليه؛ لأن ذلك قد أثر عن العرب؛ كقول المهلهل: وأنا الذي قتلت بكرًا بالقنا ♦♦♦ وتركتُ تغلب غير ذات سنامِ وقول أبي النجم: يا أيها الذي قد سؤتني ♦♦♦ وفضحتني وطردت أم عياليا[25] وهو ما يسمى بـ(الالتفات)، وأمثلته كثيرة في القرآن[26]. وجدير بالذكر أن ما كان يفعله المتنبي أحيانًا قد أصبح شائعًا في الأسلوب العربي الحديث. نقطة أخرى قبل أن أغادر هذه المسألة؛ إذ وجدت أن المتنبي يخرج عن ضمير الغَيبة إلى التكلم والخطاب في جملة الصفة أيضًا، كما في قوله: كفاني الذم أنني رجلٌ ♦♦♦ أكرم مال ملكته الكرمُ وقوله: قومٌ تفرست المنايا فيكمُ ♦♦♦ ورأَت لكم في الحربِ صبَر كرامِ[27] ومن ذلك أيضًا البيت الذي ذكره الجرجاني وعابه على المتنبي، على حين رأى فيه د. مندور اقتدارًا فنيًّا، وهو: (وإني لمن قوم كأن نفوسنا =... إلخ). ويتصل بعدول المتنبي من ضمير الغَيبة إلى ضمائر التكلم والخطاب مسألة تذكيره أو تأنيثه، وإفراده أو تثنيته أو جمعه للضمائر العائدة على الاسم الظاهر المتقدم عليها. ويلحق به تذكير أو تأنيث الفعل، وإفراده أو تثنيته أو جمعه على خلاف فاعله، فقد لفتتني عدة ملاحظات في هذا السبيل تدل على أن المتنبي، حتى في هذه النقطة الحساسة، كان (عامدًا أو غير عامد، مضطرًّا أو لا) يكسر الأسلوب العربي المعتاد. وأحب أن أنبه إلى أني لا أستطيع الزعم بأن غيره من الشعراء لا يصنع صنيعه في هذه السمة الأسلوبية أو تلك، بَيْدَ أني أعتقد اعتقادًا قويًّا أن تجمع هذا الحشد من السمات الأسلوبية التي تنم عن ميل إلى مخالفة المعتاد ربما لا يتوفر في شعر غيره من الشعراء، وحتى إن توفر لبعضهم شيء من هذا، فإن بقية خصائص شعر المتنبي ستميِّزه عن هؤلاء البعض، وأنه لا يوجد مثلًا ذلك الإنسان الذي يتميز بكل ملمح أو سريرة في وجهه عن غيره من الناس، ولكن ما يميز كل إنسان عن غيره حقًّا إنما هو ملمح أو اثنان، ثم النسق الذي يجمع هذه الملامح مع بعضها البعض ثم مع سائر مظهره ومخبره. ♦♦ ♦♦ ♦♦ والآن نعود إلى الظواهر التي لاحظتها في شعر المتنبي خاصة بتذكير الأفعال والضمائر أو تأنيثها، وإفرادها أو تثنيتها أو جمعها: لاحظ أولًا الأمثلة الآتية: (حجب السماء بروقه) (1/249/15). و(حرص النفوس على الفلاح)[28]. و(سيم مزادة جمع (مزادة) (2/55/29). و(يُنضى المطي (بالبناء للمجهول) (2/88/13). و(حسد الأرض السماءُ (السماء هي الفاعل)) (2/190/14). و(هل ترك البيض الصوارم منهمُ * أسيرًا...؟) (2/313/33). و(طال أعمار الرماح) (3/397/26). و(كان الهباتُ صوانها (الهبات جمع (هبة)، وهي اسم كان) (4/169/1). وإنه لم يخطئ طبعًا في تذكير الفعل هنا، فإن التذكير والتأنيث كلاهما جائز، ولكن المعتاد هو التأنيث، ولا أظن أن الضرورة الشعرية مسؤولة عن ذلك كله؛ إذ لا أعتقد أن المتنبي كان عاجزًا عن تأنيث الأفعال في هذه الأمثلة وغيرها حتى يقال إنها الضرورة الشعرية، وحتى لو قلنا بهذا فأين الضرورة الشعرية في (يُنضَى المطي)، وكل ما كان سيتغير، لو أنه أراد الجري على الأسلوب الشائع، هو الياء، التي كانت ستنقلب تاءً؟ وإذا كنا قد رأيناه في عدد من الأمثلة يُذكِّر الفعل المسند إلى فاعل مؤنث (تأنيثًا مجازيًّا)، فإنه في أمثلة أخرى يذكر الفعل المسند إلى الفعل مؤنث أو فاعل يعامل معاملة المؤنث ومعطوف عليه مذكر؛ مثل قوله: (سقط العمامة والخمار) (2/106/29)، و(أضاء المشرفية والنهار) (2/105/25)، ولكن التوجيه هنا أسهل؛ إذ يمكن القول إنه بما أن المعطوف عليه والمعطوف هنا هما معًا الفاعل، فقد غلب المتنبي المعطوف المذكر على المعطوف عليه المؤنث (أي الفاعل النَّحْوي)، إلا أنه يمكن الرد بأن الفاعل (النحوي) له الأولوية على المعطوف على هذا الفاعل؛ لأنه هو الأقرب إلى الفعل، وبالتالي كان أولى بالفعل أن يجانسه في التأنيث، ومع ذلك فإن التذكير في هذين المثالين الأخيرين أخفُّ من التذكير في الأمثلة السابقة، التي لا يمكن الزعم، رغم كل شيء، بأنها خطأ. وإذا كنا قد رأينا المتنبي في بعض الأمثلة التي مرَّت يُذكِّر الفعل المسند إلى جماعة الإناث (وإن كان تأنيثًا معنويًّا)، فإنه في حالات أخرى قد أنَّث الفعل المسند إلى ضمير عائد على اسم ظاهر مذكَّر مجموع قد سبق، أو ضمير عائد على هذا الاسم الظاهر؛ مثال ذلك قوله: (موتانا التي دُفنت (بالبناء للمجهول) (1/92/28). و: رعدُ الفوارسِ منك في أبدانِها ♦♦♦ أجرى مِنَ العسلانِ في قنواتِها (رعد: جمع (رِعدة)، بكسر الراء، والعسلان: الاضطراب). فقد قال: (أبدانها) بدل (أبدانهم)، ولو كان استعمل ضمير الجمع المذكر ما كسر الوزن؛ أي إنه قالها بلا أدنى ضرورة، على عكس المثال التالي، الذي وقع الضمير آخر حرف في البيت، فلو تغير لضاعت القافية: لا نعذلُ المرضَ الذي بك شائقٌ ♦♦♦ أنت الرجالُ وشائق علَّاتِها (علات: جمع (علة). وهو مما ذكر فيه الضمير العائد على اسم مذكر مجموع قد سبق قوله: (وجنبني قرب السلاطين مقتُها (مقتها) هو الفاعل) (2/157/35)، وذلك بدلًا من (مقتهم). ومثلها قوله: (شعراء كأنها الخازباز) (2/183/36). وقوله: (فيها الكماة التي مفطومها رجل) (2/226/18). وقوله (2/327/34): وكانوا يروعونَ الملوكَ بأن بدوا ♦♦♦ وأن نبتَت في الماء نبتَ الغلافقِ (المعنى أن هؤلاء القبائل كانوا يخيفون الملوك بأنهم قد نشؤوا في البادية، فلا يبالون بالحر والعطش، وأن الملوك لا صبر لهم عن الماء؛ لأنهم نشؤوا فيه كما ينشأ الطحلب). وكان المتوقع أن يقول: (وأن نبتوا (أي هؤلاء الملوك) في الماء نبت الغلافق)، فليس في البيت من ناحية الوزن ما يعدل به إلى تغيير الضمير على هذا النحو، ومع ذلك فإني أرى أن خوف اللبس هو الذي دفعه إلى ذلك؛ إذ لو قال: (نبتوا) كما قال: (بدوا)، فلربما ظن سامعوه وقرَّاؤه أن الضميرين كليهما يعودان على ما يعود عليه الضمير المفرد المؤنث، بين أنه يريد غيرهم، وهم (الملوك)؛ مثال آخر: تُمسي الضيوفُ مشهاةً بعقوتِه كأن أوقاتها في الطيبِ آصالُ لو اشتهت لحم قاريها لبادرِها خراذلُ منه في الشيزَى وأوصالُ (العقوة: ساحة الدار، قاريها: مضيفها، خراذل: قطع، الشيزي: نوع من الجفان الخشبية). يتبع
__________________
|
#4
|
||||
|
||||
رد: الكلمات النادرة
__________________
|
#5
|
||||
|
||||
رد: الكلمات النادرة
أما في المثال التالي، فإنه يعود في المرة الرابعة إلى الضمير الذي استخدمه في المرة الثانية ليرجع في الخامسة فيستخدم ما استخدمه في الأولى، وهكذا: وجردًا مددنا بين آذانِها القنا فبِتْنَ خفافًا يتَّبِعن العواليا تماشى بأيدٍ كلما وافتِ الصفا نقشن به صدرَ البزاةِ حوافيا وينظُرْنَ مِن سودٍ صوادق في الدجى يرينَ بعيداتِ الشخوص كما هيا وتنصبُ للجرسِ الخفيِّ سوامعًا يخلن مناداةَ الضمير تناديا ♦♦ ♦♦ ♦♦ أما بالنسبة للظروف، فإننا نرى الشاعر قد استعمل (لدنَّه) بتشديد النون (2/240/14)، وقد عرض الجرجاني في وساطته انتقاد المنتقدين للتشديد في هذه اللفظة، ورد المتنبي عليهم بأن للشاعر من الحرية في التصرف ما ليس لغيره، حتى لو لم تضطره إلى ذلك ضرورة شعرية، وتخطئتهم إياه في هذا استنادًا إلى أن ضوابط اللغة، بهذه الطريقة، ستزول، وقد استغرق ذلك أكثر من ست صفحات (ص462 - 469) ما بين أخذ وردٍّ من الفريقين ختمها الجرجاني بقوله: (والكلام في هذا الباب يكثر من الفريقين)، وهو ما يعني في الحقيقة أنه غير مقتنع بما فعل المتنبي، وإن حاول تسويغه، والصواب أنه كان على المتنبي ألا يذهب في الحرية إلى هذا الحد، حتى لو سبقه إلى شبيه تصرفه هذا شعراء آخرون، وحسنا فعًل؛ إذ غير (لدنه) هذه إلى (ببابه)، فأصبح البيت كالآتي: فأرحامُ شعرٍ يتَّصِلن ببابه ♦♦♦ وأرحامُ مالٍ ما تني تتقطَّعُ وهذا يدل في نظري على تنبهه لخطئه، وإن كابر قليلًا، وقد حاول العكبري، من غير اقتناع فيما يبدو، أن يقيس (لدنَّه) بالتشديد على (لدنِّي)[33]، والحقيقة أن هذا غير ذاك، كذلك لا نوافقه على ما قاله من أن المتنبي ربما شدَّد النون للضرورة الشعرية؛ لأن المتنبي قد كفانا مؤنة هذا التعليل بما يفهم من كلامه من أنه عمل هذا اتساعًا لا ضرورةً. وهذا نص ما قال: (قد يجوز للشاعر من الكلام ما لا يجوز لغيره، لا للاضطرار إليه، ولكن للاتساع فيه واتفاق أهله عليه فيحذفون ويزيدون)[34]، يريد أن يقول: إن الشعراء هم أئمة الكلام وبهم يقتدى لا العكس[35]. وإذا كنا رأيناه يسكن ميم (لِمْ) عدة مرات، فقد سكن الظرف (مَعْ) مرة فيما لاحظت (4/81/2)، وإن كان من السهل تسويغ ذلك بضرورة الوزن ما دام لم يتسع المتنبي فيه، أما الظرف (عند)، فقد استعمله فاعلًا، وهو من تفننه المعجب، وذلك في البيت التالي: ويمنعني ممَّن سوى ابنِ محمَّدٍ ♦♦♦ أيادٍ له عندي تَضيقُ بها عِنْدُ ♦♦ ♦♦ ♦♦ أما بالنسبة إلى أسماء الإشارة، فقد تنبَّه القدماء إلى أنه يكثر من استعمال (ذا) في موضع (هذا)، وعابوا عليه هذا الإكثار، حتى الجرجاني الذي يقر له بالعبقرية الشعرية قد أخذ عليه ذلك؛ لأن (ذا) في رأيه ضعفه في صنعة الشعر، وأنه ندر ما كان الجاهليون يستعملونها، بل قلما يستخدمها المحدَثون[36]. والواقع أني لا أدري على أي أساس حكم الجرجاني بأن هذه الصيغة بالذات ضعيفة في صنعة الشعر عمومًا وفي صنعة البيتين التاليين على سبيل المثال بوجه خاص: قد بلغتَ الذي أردتَ من البِرْ رِ ومِن حقِّ ذا الشريف عليكا وإذا لم تَسِرْ إلى الدار في وَقْـ ـتِك ذا خفتَ أن تسيرَ إليكا هل معنى ذلك أنه لو كان استعمل (هذا) في الموضعين لكان البيتان أفضل؟ لا أظن أبدًا، فليس العيب هنا في استعمال (ذا)، ولكن في استعمال اسم الإشارة أصلًا؛ إذ إن قوله: (ذا الشريف) يوحي في أحسن الأحوال باللامبالاة؛ لأن الإشارة هنا معناها أن المشار إليه مجهول، ولا تراد معرفته أو هو أقل قيمة من أن يذكر باسمه، بله بلقب شرفي مثلًا. أما قوله: (في وقتك ذا)، فهو كلام نثري، يستوي في ذلك استعمال (هذا وذا)، فهذا هو العيب لا استعمال الشاعر (ذا) بالذات، كل ما في الأمر أن المتنبي يكثر من (ذا) خروجًا على المألوف بين الشاعرين والناثرين من استعمالهم عادةً (هذا) في الإشارة للمفرد المذكر القريب، ويقتضينا الإنصاف أن نقول إن البيتين السالفين قد قالهما المتنبي ارتجالًا يريد القيام من المجلس، وكان مجلس شراب، فهما مجرد كلام أضاف إليه الشاعر وزنًا وقافية، ومن التحكم نقدهما نقد الشعر. هذا وقد لاحظت وأنا أقرأ ديوان الشاعر للمرة الأولى (وكنت قرأت قبله (الصبح المنبي)، والذي نقل الجرجاني ملاحظته عن إكثار المتنبي من استعمال (ذا) وحكمه عليه - أنه يكثر أيضًا من استعمال (ذي)، وأحصيتها على قدر استطاعتي، وعجبت كيف لم يلفت ذلك أيضًا نظرَهم، إلى أن قرأت أن ابن جني قد تنبه إلى هذا بل فاتح المتنبي فيه[37]، ومع ذلك فقد فاتهم أن ينتبهوا إلى أنه أيضًا يكثر استعمال (هذي) و(ذي)، كما أنه قد استعمل (ذيا)، و(ذان) و(تان)، وهو ما يعني أن استخدامه لصيغ أسماء الإشارة الأقل شيوعًا كثير نسبيًّا. وقد استطعت أن أحصي له (ذي) سبع مرات على الأقل (1/180/14) و2/44/22) و2/28/7 و2/343/6 و3/33/51 و3/125/10 و3/134/1). و(هذي) ما لا يقل عن عشر مرات (1/226/6 و2/40/7 مرتين، و2/72/13 و2/193/1 و2/384/2 و3/112/1 و3/155/24 و3/355/19 و3/367/3). و(تا) مرة (3/93/3). ومثلها في ذلك من (هاتا) (3/174/1). و(ذيَّا) بتشديد الياء مصغرة (2/123/2). و(ذياك) (2/193/3). و(ذان) (3/371/29). و(تين) (2/89/1). فإذا أضفنا المرات التي استعمل فيها (ذا)، وهي كثيرة، فانظر كم من المرات قد استعمل المتنبي أسماء الإشارة الأقل شيوعًا، ألا يدل هذا مع ما سبق وما سَيَلِي، على رغبة قوية عنده على الخروج على المألوف؟ وقد سمج عنده استعمال (تين) بسبب السياق الذي وردت فيه، وهو: اخترتَ دهمَاءَ تينِ يا مَطَرُ ♦♦♦........................... إذ بدت الكلمتان كأنهما واحدة مما قد يوهم أنه ثنَّى (دهماء) خطأً على (دهماء تين)، علاوة على أن إضافة الصفة، إذا لم تكن أفعل تفضيل، إلى اسم الإشارة غريبةٌ. إننا نقول عادةً: (اخترت أشد هاتين الفرسين دهمة)، ولا نقول: (اخترت دهماء هاتين الفرسين)، فإذا أردنا أن نعبر عن هذا المعنى الأخير، فإننا نقول عادةً: (اخترت الدهماء من هاتين الفرسين) مثلًا؛ لأن العبارة الأولى توهم أن الإضافة فيها: (دهماء تين)، هي إضافة الملكية لا البعضية. أما العبارة الثانية، فهي باستخدام (أل) العهدية في (الدهماء)، واستخدام حرف الجر (مِن) قد حسمت الأمر وأزالت الوهم، ولكن مرة أخرى نقول: لقد وردت هذه العبارة في أبيات مرتجلة لا أظن المتنبي قد قصد بها الشعر[38]. ومن خروجه على المألوف في استعماله اسم الإشارة استعماله إياه منادى بلا أداة نداء، وذلك في قوله: هذي، برزتِ لنا فهجتِ رَسِيسَا ♦♦♦ ثم انثنيتِ وما شفيتِ نَسِيسَا وكان حقه لو جرى على الأسلوب المعتاد هنا، أن يقول: (يا هذي)، وقد كان هذا مما أخذه على المتنبي منتقدوه، غير أن صاحب (الوساطة) رد بأن ذلك لضرورة الشعر، قياسًا على حذف حرف النداء قبل المنادى النكرة؛ مثل: صاحِ، هل أبصرتَ بالخبــ ♦♦♦ ــتينِ من أسماء نارا وقول العجاج: جاريَ لا تستنكري عَذِيري ♦♦♦..................... (جاري: جارية). وحجته أنه إذا جاز ذلك في النكرة، فهو مع اسم الإشارة أجوز[39]. ولعله يشير بذلك إلى رأي مَن يسوون بين الاسم النكرة واسم الإشارة في أنهما كليهما مبهمان، وما دام قد جاز في اسم النكرة أن يحذف حرف ندائه، فإن حذفه مع اسم الإشارة - وهو بالضرورة أقل إبهامًا - أكثر جوازًا[40]. ويبدو لي أن الجرجاني وإن وفق في الاستشهاد ببيت العجاج، فإنه لم يوفق في البيت الأول؛ لأن (صاح) أصلها (يا صاحبي)؛ أي إن المنادى هنا ليس نكرة، وعلى هذا فلا يصح الاستشهاد بالبيت على ما يريد أن يقول، على أن هناك تفسيرًا آخر لصنيع المتنبي غير الضرورة الشعرية، وهو أنه جرى في ذلك على مذهب الكوفيين الذين يُجوِّزون حذف حرف النداء من المنادى المشار إليه[41]. أما العكبري، فقد أورد تأويل المعري للبيت، على أساس أن في الكلام تقديمًا وتأخيرًا، وأن أصل الكلام هو: (برزت لنا هذي)؛ أي (برزت لنا هذه البرزةَ، فهجت رسيسًا)، وعلى هذا فلا ضرورة شعرية، ولا نحو كوفي[42]. ولعل مَن يتساءل قائلًا: ما دام المتنبي قد حرَص على مذهب الكوفيين، فأين الخروج على المألوف إذًا؟ وفي الجواب على ذلك نقول: إن النحو الكوفي هو نفسه خروج على المألوف إلى حد كبير؛ لأن الكوفيين يقيسون على الشاذ[43]، ليس ذلك فقط، بل إن النحو الكوفي - كما يقول د. شوقي ضيف - كان قد هُجر في عصر المتنبي إلى النحو البصري[44]، فمتابعة المتنبي في أسلوبه للنحو الكوفي المهجورِ هو خروج على المألوف، وبخاصة أن الشعراء بوجهٍ عامٍّ (قلما لجؤوا إلى شذوذات الكوفة ومسوغاتها في التعبير)[45]؛ أي إن المتنبي في هذه الناحية هو - كما يقول د. شوقي ضيف - (شاعر من طراز جديد)[46]. (ب) الصيغ الفعلية: فإذا انتقلنا إلى الأفعال وجدناه كثيرًا ما يتنكَّب الصيغ الشائعة إلى صيغ أقل شيوعًا أو شبه مهجورة، ويستخدم أفعالًا وأوزانًا قليلة الاستعمال بوجه عام، وقد يشتق أفعالًا من اسم علم مثلًا...، إلخ. إنه مثلًا يقول (يستاق)[47]، بدلًا من (يسوق). و(تفاوح) (2/30/7)، التي أحدثت ضجة عند أدباء مصر، فأنكرها عليه قوم أول الأمر، ثم تحقق لهم أنها صحيحة فصيحة، ويبدو أن شعراء مصر قد أعجبوا بها بعد ذلك، فأخذوها عنه وانتشرت في أشعارهم[48]. و(يُفْكر)، بتسكين الفاء (2/61/90) بدلًا من (يُفَكِّر) بفتحها وتشديد الكاف، (وبالمناسبة أذكر أن هذا قد أخذ على أحد شعراء المهجر، ولعله إيليا أبو ماضي، فإن صدقت ذاكرتي فهذه فرصة لتصحيح هذا الانتقاد؛ إذ إن الصيغتين كلتيهما موجودتان في العربية، ويلاحظ القارئ الكريم أني لم أُخطِّئ المتنبي، بل قلت إنه تنكَّب الصيغة الشائعة إلى صيغة شبه مهجورة، وإن كانت صحيحة هي أيضًا)[49]. ومن ذلك استخدامه (غطَا) من غير تشديد الطاء (2/105/27) بدل (غطَّى)، بتشديدها، ومثلها مثل (حب) (2/205/1) بدل (أحب)، وفي استعمال اشتقاقات هذه المادة الأخيرة بعض مما يَلفِت النظر لطرافته؛ إذ يتراوح استعمال الثلاثي والرباعي حسب نوع الاشتقاق، ففي الأفعال يستخدم عادة الرباعي: (أحب يُحِب)، بضم حرف المضارعة، ويشتق من ذلك اسم الفاعل: (مُحب)، أما اسم المفعول والمصدر وأفعل التفضيل فيُؤخَذ من ثلاثي، فنقول على الترتيب: (محبوب) و(حُب) (بضم الحاء) و(أحب إليَّ من فلان)، ومن هنا نرى أن المتنبي قد ترك الفعل الرباعي الشائع واستخدام الثلاثي، وقد كرر ذلك مرة ثانية على الأقل، وذلك في بيته الرائع: حَبَبْتُك قلبي قبل حبِّك مَن نأى ♦♦♦ وقد كان غدارًا فكن لي وافيا وهو يقول: (يعتقي) (2/224/11) بدل (يعتاق). و(تُرفَّع) بضم تاء المضارعة وتشديد الفاء (2/251/5)، بدلًا من الثلاثي (تَرْفَع)، بفتح التاء والفاء من غير تشديد. و(راءها) بدلًا من (رآها) (2/362/2). و(اتَّرك) (بهمزة وصل وتشديد التاء) بدل (ترك)، وأحسب أنه استخدم الأولى لما فيها من التضعيف الذي يكسب المعنى شدة، وذلك في بيته المشهور: رِدِي حِياض الرَّدى يا نفسُ، واتَّرِكي ♦♦♦ حياضَ خوفِ الرَّدى للشاءِ والنعمِ وفي مثل هذا الوزن استعمل الفعل (ثأر)، فقال (أثَّار) (3/98/12) (بهمزة وصل وتشديد الثاء، وقد خفف الهمزة؛ إذ أصل الفعل (اثأر). ومن هذا الوزن أيضًا الفعل (يطَّلب)، بشديد الطاء (3/231/42)، بدل (يَطْلب) بتسكينها. والفعل (احتفر) (3/281/20)، الذي استعمله مكان (حفر). ومن الصيغ غير الشائعة عنده في الأفعال (صاعد) (3/168/14) بدل (صعِد)، و(تظاهر) (4/31/14) بدل (ظهر)، (إلا إذا كان معناه (تعاون)[50]، وذلك في بيته الذي كفَّره تقريبًا بسببه طه حسين، وهو من قصيدة يمدح بها أبا الفضل الذي اتهم بأنه قد أضل المتنبي وهوسه حين اتصل به الشاعر في صباه: نورٌ تظاهر فيك لاهوتيُّهُ ♦♦♦ فتكادُ تعلمُ علمَ ما لن يُعْلَما[51] وقد لاحظت أنه استخدم (انهوى) (1/274/27) بدل (هوَى: سقط)، وهي غريبة كما لاحظ الواحدي؛ إذ إن هذه الصيغة صيغة مطاوعة للفعل المتعدي، نقول: (فتحه فانفتح) و(جرَّه فانجر)، وهكذا، أما (هوَى)، فهو لازم[52]، وقد عد يوهان فك هذه الصيغة من العربية المولدة، اعتمادًا فيما يبدو من سياق كلامه على شرح الواحدي وعلى الخفاجي في (شرح درة الغواص)[53]. كذلك استخدم المتنبي (ينكسف) (في رواية العكبري 2/126/14)، أما اليازجي، فقد رواها (ينخسف) (1/177/14) بدل (يكسف)، وليست هذه كـ(انهوى)؛ لأن (كسف) كما تأتي لازمة تأتي متعدِّية، فيصح في هذه الحالة اشتقاق صيغة المطاوعة منها؛ يقال: (كسف القمر) و(كسفت الشمس القمر)[54]، ومثل (كسف وانكسف) في ذلك (همل وانهمل)؛ وإذ يقال: هملت (وانهملت) العين والسماء: فاضت وسالت[55]، وقد استعمل المتنبي صيغة (انفعل) منه ما لا يقل عن ثلاث مرات؛ مرتين في الماضي: ولطالما انهَمَلت بماءٍ أحمرٍ في شفرتَيْه جماجمٌ ونحورُ[56] أرواحنا انهَمَلت وعِشْنا بعدها مِن بعد ما قطرت على الأقدامِ يتبع
__________________
|
#6
|
||||
|
||||
رد: الكلمات النادرة
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |