الرقيب - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4412 - عددالزوار : 850152 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3942 - عددالزوار : 386293 )           »          الجوانب الأخلاقية في المعاملات التجارية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 63 )           »          حتّى يكون ابنك متميّزا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 60 )           »          كيف يستثمر الأبناء فراغ الصيف؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 57 )           »          غربة الدين في ممالك المادة والهوى (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 69 )           »          أهمية الوقت والتخطيط في حياة الشاب المسلم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 65 )           »          الإسلام والغرب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 66 )           »          من أساليب تربية الأبناء: تعليمهم مراقبة الله تعالى (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 56 )           »          همسة في أذن الآباء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 2 - عددالزوار : 57 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 07-12-2019, 05:13 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,534
الدولة : Egypt
افتراضي الرقيب

الرقيب



أحمد محمد مخترش





الخطبة الأولى

الحمد لله الذي كان بعباده خبيرًا بصيرًا، ولأعمالهم رقيبًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليمًا كثيرًا.

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102]، ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1].

أما بعد:
أيها المسلمون، يقول الله - عز وجل -: ﴿ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾، آية نسمعها دائمًا فما الذي تعنيه يا ترى؟ إنها تعني المراقبة، المراقبة التي هي أعلى مراتب الدين، وهي دوام العبد وتيقن العبد أن الله مطلع على ظاهره وباطنه، واستدامته لهذا العلم واليقين هي المراقبة، وهي ثمرة العلم بأن الله رقيبٌ علينا، ناظرٌ إلينا، سامع لأقوالنا، مطلع على أعمالنا في كل وقت وفي كل لحظةٍ، وفي كل نفسٍ، ومع كل طرْفة عينٍ.

قد حفظنا مع الله الأنفاس وراقبناه في جميع الأحوال، نعلم أنه علينا رقيب ومن قلوبنا قريب، يعلم الأحوال ويرى الأفعال، منطلقين من قوله - جل جلاله -: ﴿ يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا ﴾ [النساء: 108]، فمعية الله مع خلقه جميعًا، ومع أوليائه معيَّة خاصة: ﴿ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَّقِيبًا ﴾ [الأحزاب: 52]، ﴿ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ ﴾ [البقرة: 235]، ﴿ رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ ﴾ [الإسراء: 25، 26]، ﴿ يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ ﴾ [غافر: 19]، ﴿ وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ * أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ﴾ [الملك: 13، 14]، ﴿ ذَلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ [المائدة: 97].

إخوة الإيمان:
جاء في الحديث الصحيح أن جبريل - عليه السلام - سأل النبي - عليه الصلاة والسلام - سأله عن الإحسان، فقال: ((أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه، فإنه يراك))، هذا هو أعلى مراتب الدين أن نعبد الله كأننا نراه، وإن لم نكن نراه ولن نراه في الدنيا، فإنه يرانا - جل جلاله - وهذه هي المراقبة يا عبد الله، أن تستشعر أن الله مطلعٌ عليك ويراقب حركاتك، وأفعالك وأقوالك، وفي جميع أحوالك، وفي الصحيح وجد -صلى الله عليه وسلم- تمرة، اسمعوا - رعاكم الله - وترجِموا ما تسمعون إلى واقعٍ تسعدون به في الدنيا قبل الآخرة، وجد تمرة، فأخذها -صلى الله عليه وسلم- وقلَّبها وهو الذي ربط على بطنه من الجوع، فأراد أن يأكلها، فقال: ((أخشى أن تكون هذه التمرة من تمر الصدقة، والصدقة حرام على أهل البيت))، فتركها مراقبةً لمن يراه، فأين أكَلَة الرشوة في هذا الزمان؟ أين أكلَة الربا في هذا الزمان؟ أين أكلَة الحرام في هذا الزمان؟ تمرة تركها - عليه الصلاة والسلام - تضرُّعًا ومراقبة لله - عز وجل - والناس إلا من رحِم الله لا يتركون الحرام الذي هو كبيرة من الكبائر.

إخواني عباد الله:
إن جماع ما ترون من إقدام الناس على معصية الله في هذا الزمان؛ سواءً كبُرت المعصية، أم صغُرت - إنما هو بسبب نسيان المراقبة، نسيان أن الله يرانا ومطلع علينا، فلماذا إخواني جعلنا الله أهون الناظرين إلينا؟ لماذا نستخفي من الناس والله يرانا؟ لماذا نخشى ونخاف من نظر الناس ولا نخاف ونخشى الله - عز وجل - وهو أحق - سبحانه - أن نخافه ونخشاه، قال الجُنيد - رحمه الله -: "من تحقَّق في المراقبة، خاف على فَوات حظه من ربِّه"، وقال ذو النون: "علامة المراقبة: إيثار ما أنزل الله، وتعظيم ما عظَّم الله، وتصغير ما صغَّر الله"، وقيل أيضًا: من راقب الله في خواطره، عصمه الله في حركات جوارحه، وقال أبو حفص لأبي عثمان النيسابوري: "إذا جلست للناس، إذا جلست تعِظ الناس، إذا خطبت بالناس، إذا ذكرت الناس، إذا حدَّثت الناس - فكن واعظًا لقلبك ونفسك قبل أن تعِظ الناس؛ فإن الناس لو اجتمعوا عليك، إنما يراقبون ظاهرك والله - جل جلاله - يراقب باطنك".

وسُئل ابن عطاء عن أفضل الطاعات، فقال: "مراقبة الله في جميع الأوقات".

عباد الله:
ما أحوجنا إلى أن تعبد الله بأسمائه الحسنى، فمن أسمائه الرقيب الذي يعد الأنفاس، فمن علم أن الله عليه رقيب ومشاهد له في كل حركةِ من حركاته، حصلت له المراقبة، ولا بد أن يعلم كل مِنَّا أن الله هو الحفيظ، فلا بد أن نحفظ الجوارح مع الحفيظ عن الشهوات المحرمة، ومن أسمائه العليم الذي يعلم الخطرات، يعلم الضمائر ووساوس الخاطر، ومن أسمائه السميع والبصير، السميع للسر والنجوى، البصير لما تحت الثرى، ومن أسمائه الشهيد الذي يعلم الأفعال ويرى الأحوال، ومن أسمائه الخبير الذي لا يخفى عليه شيء، ومن أسمائه المحصي، المحصي للكليات والجزئيات، يُحصي الأنفاس في دخولها وخروجها، يحصي عدد دقات قلوبنا، محصي عدد ذرَّات الرمال، يحصي الأعمال والأقوال: خيرها وشرَّها، صغيرها وكبيرها، ﴿ وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ ﴾ [الأنعام: 59]، لا إله إلا الله سبحانه.
كل معلومٌ ففي علمك كانا
أنت محصيه زمانًا ومكانَا

أنت محصيها وهاديها
إلى نشوة التسبيح قلبًا ولسانَا


إخواني في الله، لا بد أن يصير الغالب علينا أن نذكر الله - سبحانه وتعالى - في قلوبنا، وأن نعلم أن الله - جل جلاله - مطلع علينا فنخاف من سطوت عقوبته، ونخافه - سبحانه - في كل وقت وحين، سُئل أحد الصالحين: بماذا يستعين الرجل على غضِّ بصره من المحرَّمات؟ قال: "بعلمهِ أن رأيت الله - أي: إن نظر الله - بعلمهِ أن رأيت الله، سابقةٌ على نظرهِ لذلك الحرام".

فيا أخي، يا عبد الله، يا من يُطلق نظره في المحرمات دون خوفٍ ولا حياءٍ من الله، غُض بصرك، واعلم أن نظر الله - عز وجل - سابقٌ لما تريد النظر إليه، قال ابن المبارك لرجل: راقِب الله، فسأله الرجل: ما معنى راقب الله؟ قال ابن المبارك: "كن دائمًا كأنك ترى الله"، وصدقه - رحمه الله - بأن مَن غفل عن الله نسِيه، ومن نسي الله نسِيه الله، ومن نسيه الله طرَده من رحمته، وهذا والله هو عين الخسران والحِرمان.
اذكر الله ما خلوت كثيرًا
فهو أزكى ما يكتب الملكان

وأخشه إن لهوت فهو رقيبٌ
وقريبٌ للقلب والشريان

هذب النفس لا تطع ما تمنت
وتمسك بشرعه القرآن

لا تقل إن خلوت إني وحيدٌ
فمع الله أنت في كل شان

إن عين الإله ما غاب عنها
أيُّ حي في عالم الأكوان

ترقب الخلق في جلالٍ وحكم
واقتدار ورحمة وحنان


يا ألله، سبحانك يا مَن تعلم خطرات الضمائر! سبحانك يا من تعلم وساوس الخاطر! سبحانك يا من تملِك هذه القوة وهذه القدرة!

عباد الله، حريٌّ والله بنا أن نستحيي من الله - جل جلاله - وأن نكفَّ عن معاصيه، ولا نغتر بجميل ستره علينا، وإمهاله لنا، إخواني خافوا من الله، اخشوا بغتات قهره، خافوا مفاجئات مكره، فهو الذي يسمع السر والنجوى، ويبصر ما تحت الثرى؛ قال القشيري - رحمه الله -: فمن عرف أن الله بهذه الصفة كان من أدبه دوام المراقبة ومطالبة النفس بدقيق المحاسبة.

عباد الله:
إن الله - جل جلاله - يقرب من قلوب العباد على حسب ما يرى من قرب قلوب العباد منه، فانظر أخي عبد الله، انظر ما في قلبك؛ قال الترمذي: "اجعل مراقبتك لمن لا تغيب عن نظره إليك، واجعل شكرك لمن لا تنقطع نعمه عنك، واجعل طاعتك لمن لا تستغني عنه طرْفة عين، واجعل خضوعك لمن لا تخرج عن ملكه وسلطانه".

سُئل ذو النون عن الجنة: بماذا تنال بعد - رحمة الله - قال: "بعد رحمة الله ينال الجنة العبد بخمس خصال، ومن هذه الخصال: مراقبة الله في السر والعلن"، ورحِم الله الإمام أحمد حين بكى عند هذه الأبيات:
إذا ما خلوت الدهر يوماً فلا تقل
خلوت ولكن قل علي رقيبُ

ولا تحسبن الله يغفل طرفة
ولا أن ما تخفي عليه يغيبُ






أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿ وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِن قُرْآنٍ وَلاَ تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ ﴾ [يونس: 61].

أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كلِّ ذنب، فاستغفروه إنَّه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.

أما بعد:
أحبَّتي في الله، إلى متى ونحن نوعظ ولا نتعظ؟ إلى متى ونحن نزجر ولا نزجر؟ إلى متى سيبقى حالنا على العصيان لا يتغير؟ يا ويح نفوسنا، يا ويح نفوسنا، ويا خسارتنا واللهِ في الدنيا قبل الآخرة، ما هذه الجرأة التي نراها منا ومن إخواننا في هذا الزمان على معصية الله، وكأنه لا يرانا؟!

الله أكبر، اسمعوا إخواني إن كانت جرأتنا على معصية الله معتقدين أن الله لا يرانا، فيا ألله، ما أعظمه من كفرٍ لمن أعتقد ذلك، يوم أن يقدم على معصية الله وعلى الآثام والخطايا والأوزار، معتقدًا أن الله لا يراه، فهذا كفر مخرج عن المِلة، يُستتاب صاحبه، فإن تاب وإلا قُتِل، وإن كان مع علمنا باطِّلاعه علينا ونعصيه - جل جلاله - فوالله ما أشد وقاحتنا وأقل حياءَنا يوم أن نعصيه وهو يرانا - جل جلاله وتقدست أسمائه.
وَإِذَا خلوْتَ بِرِيبةٍ في ظُلْمَةٍ
والنَّفْسُ داعيةٌ إلى الطغيانِ




إخواني، يا مسلمون:
﴿ مَّا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا * وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا ﴾ [نوح:13، 14]، فاستحوا عباد الله ممن خلقكم وأوجدكم من العدم، وأسبغ عليكم وافرَ النعم، وهداكم من الضلالة، وعلَّمكم من الجهالة، وكساكم من العُري، وفضَّلكم على كثير من خلقه، فهلا استحيينا منه - سبحانه! فاستحوا من خالقكم - عز وجل - ووقِّروه وقدِّروه حق قدره - سبحانه وتعالى.

عباد الله، إلى متى ونحن نزين الظاهر ونبارز الله - جلت قدرته - بسرائرنا وبجوارحنا عندما نختفي من أعين الناس، إنه من باب أولى أن نستحيي من الله أشد مما نستحيي من الناس، لماذا جعلنا الله أهون الناظرين؟ لماذا سوَّفنا؟ لماذا أسرفنا؟ لماذا جهِلنا؟ لماذا غرَّنا ستره علينا؟ فلا إله إلا الله من وقوفنا غدًا بين يديه - سبحانه - حُفاة عُراة غُرلاً، فيسألنا عن الدقيق والجليل، والقليل والكثير، والنقير والقطمير، في محكمة قاضيك فيها الله وجنوده الزبانية، وساحتها القيامة، وحسابها بالخردلة والذرة، وشهودها الجوارح والأعضاء، وبعدها إلى جنةٍ عالية أو إلى نارٍ حامية، أعاذني الله وإيَّاكم منها.

إخواني في الله، لماذا كلما كبرت أعمارنا، كثُرت ذنوبنا؟ ما لكم لا تقدرون الله حق قدره، وتوقِّرونه حق توقيره؟ سُئل ابن عباس عن قول الله تعالى: ﴿ مَّا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا ﴾، فقال: "أي: ما لكم لا تعظِّمون الله حقَّ عظمته"، فعظموا الله - عباد الله - حقَّ تعظيمه، وراقبوه، فأنا وأنتم تحت سمائه وفوق أرضه وفي قبضته: ﴿ وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ ﴾ [الأنعام: 18]، فحريٌّ بنا أن نأخذ سلاح المراقبة نحارب به الشيطان ونحارب به النفس، ونحارب به الهوى، ونحارب به الدنيا، حتى نلقى الله - سبحانه وتعالى.

فيا عبد الله، راقِب الله في أعمالك وأقوالك، يا من تعصي الله، راقب الله، يا من تصبح وتمسي على أذيَّة الناس، راقب الله، يا من تسعى في ظلم الناس، راقب الله، يا من تغش في البيع والشراء، راقب الله، يا أيها الموظف، راقب الله، يا من استرعاه الله رعية، راقب الله، فراقِبوا الله عباد الله في جميع أحوالكم وأوقاتكم، فوالله كلها حياة بسيطة وأيام قليلة، ثم نرحل من هذه الدنيا، ولن نعود لها أبدًا، فراقبوا الله عباد الله، فالله - عز وجل - مطلع ومشاهد، ورقيب عليكم، فلا يغركم ستره وحِلمه عليكم، ولا يكون هو أهون الناظرين - سبحانه.

ألا وصلوا وسلموا - رحمكم الله - على النبي المصطفى، والرسول المجتبى، كما أمركم بذلك ربكم - جل وعلا - فقال تعالى قولاً كريمًا: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 57].

اللهم صلي وسلم وبارك وأنعِم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه، وارضَ اللهم عن خلفائه الأربعة، أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر صحابة نبيِّك محمد.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الشرك والمشركين، وانصُر عبادك الموحدين، ودمِّر أعداءك أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمنًا مطمئنًا وسائر بلاد المسلمين، اللهم انصر من نصر الدين، واخذُل من خذل عبادك المؤمنين.

اللهم آمِّنا في أوطاننا، وأصلح أئمَّتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتَّقاك، واتَّبع رضاك يا رب العالمين، اللهم وفِّق ولي أمرنا لما تحبه وترضاه من الأقوال والأعمال، يا حي يا قيوم، اللهم أصلح له بطانته يا ذا الجلال والإكرام.

اللهم آنِس وحشتنا في القبور، وآمِن فزَعنا يوم البعث والنشور.

اللهم إنا نعوذ بك من علمٍ لا ينفع، ومن قلب لا يخشع، ومن نفس لا تَشبع، ومن دعاء لا يُسمع.

اللهم كن للمستضعفين والمظلومين والمضطهدين، اللهم فرِّج همَّهم، ونفِّس كَربهم، وارفع درجتهم، واخلُفهم في أهلهم.

اللهم أزِل عنهم العناء، واكشف عنهم الضر والبلاء، اللهم أنزِل عليهم من الصبر أضعاف ما نزل بهم من البلاء، يا سميع الدعاء.

ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار.

عباد الله: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى، وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ [النحل: 90].

فاذكروا الله العظيم الجليل، يذكركم، واشكروه على نعمه، يَزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 69.87 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 67.93 كيلو بايت... تم توفير 1.93 كيلو بايت...بمعدل (2.76%)]