محمد صلى الله عليه وسلم.. هو الرؤوف الرحيم - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         معنى قوله تعالى: {ليبلوكم أيُّكم أحسنُ عملاً} (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 39 )           »          تخصيص رمضان بالعبادة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 33 )           »          ذكر الله دواء لضيق الصدر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 26 )           »          بيان فضل صيام الست من شوال وصحة الحديث بذلك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 32 )           »          صيام الست من شوال قبل صيام الواجب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 29 )           »          صلاة الوتر بالمسجد جماعة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 27 )           »          قراءة القرآن بغير حفظ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 35 )           »          الإلحاح في الدعاء وعدم اليأس (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 31 )           »          الفهم الخطأ للدعوة يحولها من دعوة علمية تربوية ربانية إلى دعوة انفعالية صدامية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 38 )           »          معالجة الآثار السلبية لمشاهد الحروب والقتل لدى الأطفال التربية النفسية للأولاد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 37 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 08-12-2019, 04:32 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي محمد صلى الله عليه وسلم.. هو الرؤوف الرحيم

محمد صلى الله عليه وسلم.. هو الرؤوف الرحيم



الشيخ محمد كامل السيد رباح







الحمد لله رب العالمين، ونشهد أنْ لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن محمدًا عبده ورسوله.


وبعدُ:

إن رحمة النبي - صلى الله عليه وسلم - تُعد من أهمِّ الملامح الأساسية في شخصيته وفي دعوته، ومن صميم شخصيته رسولاً ونبيًّا ومُبَلِّغًا عن ربه، وهاديًا للناس، وحينما نقرأ قوله تعالى: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ﴾، وعندما نقف أمام هذه الآية، لا يَسَعُنا إلا نُدرك سَعَة رحمة هذا النبي الكريم، وكيف كان - صلى الله عليه وسلم - يَفِيض رحمةً في خُلُقِه وسلوكه، وأدبه وشمائله، ونُدرك أيضًا التناسبَ والتآلفَ في أرقى مستوياته بين الرِسالة والرسول في هذه الرحمة، حتى إننا لا نتصور أن يحمل عبء بلاغ هذه الرحمة إلى العالمين إلا رسولٌ رحيمٌ ذو رحمةٍ عامة، شاملة فيَّاضة، طُبِع عليها ذوقُه ووِجدانه، وصِيغ بها قلبه وفِطرته؛ يقول تعالى: ﴿ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ ﴾، فهو مثلٌ أعلى للرحمة الإلهية؛ لذلك وصفه الله تعالى بأنه رؤوفٌ رحيم، وقال تعالى: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ﴾، ولقد تعددت أقوال المفسرين في تفسير المراد من هذه الآية، ويبدو لي - والله أعلم - أن معنى الآية أبعد مما ذُكِر وأشملُ، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - بُعِث في زمن كان العالم كله يعاني فيه من أزمة ظاهرة في القِيَم، وأبرزها قيمة الرحمة، فإن هذا الخُلُق كاد يكون معدومًا في العالم آنذاك، ومظاهر هذا كثيرة، فعند العرب كان وأْد البنات، والقتل لأسباب تافهة، وربما قتَل أحدهم الآخرَ دونما سببٍ، وفي المحيط الخارجي كانت ثقافة الرومان التي تقوم على القوة والبطش، ولم يكن للرحمة فيها مكان، وكانت بلاد الفرس تَرزح تحت وطأة الطبقية المَقيتة التي حطَّمت الضعفاء والفقراء، وفي الهند كانت المرأة تُحرَق حيَّة مع زوجها بعد وفاته، وكانت الحروب بين الشعوب مُدمِّرة طاحنة تستمر عدة سنوات لا يرقب فيها فريق رَحِمًا ولا خُلقًا.


في هذه الأجواء التي تفتقد الرحمة بكل معانيها ومظاهرها، أرسل الله تعالى النبي محمدًا - صلى الله عليه وسلم - ليَنْشُرَ ثقافة الرحمة في العالم كله، ومن أجل أن يضع أُسُسًا للتعامُلِ، تكون فيها الرحمة غالبةً للخصومة، ويكون فيها العدل مضبوطًا بالرحمة، بل تكون فيها الحرب غير خالية من الرحمة.


جمع الله - سبحانه وتعالى - في نبيِّه محمد - صلى الله عليه وسلم - صفات الجمال والكمال البشري، وتألَّقت رُوحه الطاهرة بعظيم الشمائل والخِصال، وكريم الصفات والأفعال، حتى أبهرت سيرته القريب والبعيد، وتملَّكت هيبتُه العدوَّ والصديق، وقد صوَّر لنا هذه المشاعر الصحابي الجليل حسان بن ثابت - رضي الله عنه - أبلغ تصوير حينما قال:

وأجملُ منك لم ترَ قطُّ عيني
وأكملُ منك لم تلد النساءُ

خُلقتَ مبرَّأً من كل عيبٍ
كأنك قد خُلِقت كما تشاءُ


فمن سمات الكمال التي تحلَّى بها - صلى الله عليه وسلم - خُلُقُ الرحمة والرأفة بالغير، كيف لا وهو المبعوث رحمةً للعالمين، فقد وهَبه الله قلبًا رحيمًا، يرقُّ للضعيف، ويحنُّ على المسكين، ويعطف على الخلق أجمعين، حتى صارت الرحمة له سجيَّة، فشمِلت الصغير والكبير، والقريب والبعيد، والمؤمن والكافر، فنال بذلك رحمة الله تعالى، فالراحمون يرحمهم الرحمن.



قال الشاعر:

وإذا رحمت فأنت أمٌّ أو أبٌ
هذان في الدنيا هما الرُّحماءُ

يا أيُّها الأمي حسبُك رُتبةً
في العلم أنْ دانت بك العلماءُ



وقال الشاعر:

بُعثتَ إلى المَلا بِرًّا ونُعمى
ورُحمى يا نبي المَرْحَماتِ

رَفَعْتَ عن البريَّةِ كلَّ إصرٍ
وأنتَ لدائها آسي الأُساةِ

تمنَّى الدهرُ قبلك طيفَ نورٍ
فكان ضياكَ أغلى الأُمنياتِ



ورحمته - صلى الله عليه وسلم - للناس جميعًا، فعن جرير بن عبدالله - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((مَن لا يَرحَمِ الناس، لا يَرحَمُه الله - عز وجل))؛ رواه مسلم.



وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: سمعت أبا القاسم - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((لا تُنزعُ الرحمة إلاّ من شقِي))؛ رواه الترمذي، وحسَّنه الألباني.


إن تبلُّد الحس يهوي بالإنسان إلى منزلة بهيمية أو أحطَّ، الإنسانُ بغير قلب رحيم أشبه بالآلة الصماء، وهو بغير روح ودود أشبه بالحجر الصُّلب.


الرحمة صورة من كمال الفطرة وجمال الخلُق، تحمل صاحبها على البر، وتهبُّ عليه في الأزمات نسيمًا عليلاً، تترطَّب معه الحياة، وتأنَس له الأفئدة.


والإسلام رسالة خير وسلام ورحمة للبشرية كلها، دعا إلى التراحم، وجعل الرحمة من دلائل كمال الإيمان، فالمسلم يَلقى الناس وفي قلبه عطفٌ مدخور، وبرٌّ مكنون، يوسِّع لهم، ويُخفف عنهم، ويواسيهم، فعن ابن مسعود - رضي الله عنه - عن النبي أنه قال: ((لن تؤمنوا حتى تراحموا))، قالوا: يا رسول الله، كلنا رحيم، قال: ((إنه ليس برحمة أحدكم صاحبه، ولكنها رحمة العامة))؛ رواه الطبراني ورجاله ثِقات.



أيها المسلمون:

وإذا كان الأمر كذلك، فإن من أولى الناس وأحقهم بالرحمة وأَمنِّهم بها، وأَولاهم بها - الوالدين، فببرِّهما تُستجلب الرحمة، وبالإحسان إليهما تكون السعادة، ﴿ وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ﴾ [الإسراء: 24].


وقد تجلَّت رحمته - صلى الله عليه وسلم - في عددٍ من المظاهر والمواقف، ومن تلك المواقف

الرحمة بين المسلمين بشكل عام:

قال تعالى: ﴿ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الحجر: 88]، ومعلوم أن الخطاب الموجه له - صلى الله عليه وسلم - خطاب لأُمته، ما لم يرد ما يُخصِّصه.

وقال - سبحانه -: ﴿ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ﴾ [الفتح: 29].


وقال - عز من قائل -: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ ﴾ [المائدة: 54].


وفي الحديث المتفق عليه عن جرير بن عبدالله - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((مَنْ لا يَرْحَمُ، لا يُرْحَمُ)).

وعند البخاري عن النعمان بن بشير يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ترى المؤمنين في تراحمهم، وتوادهم، وتعاطفهم، كمثل الجسد، إذا اشتكى عضوًا، تداعى له سائر جسده بالسهر والحُمَّى)).

وعند مسلم عن عياض بن حمار - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: يقول: ((أهل الجنة ثلاثة: ذو سلطان مُقسط، متصدق، موفق، ورجل رحيم، رقيق القلب لكل ذي قربى، ومسلم، وعفيف متعفِّف ذو عيال)).

وعند البيهقي في السنن عن عبدالله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا مَن في الأرض، يَرحمكم من في السماء)).


ومن مظاهر رحمة النبي - صلى الله عليه وسلم - بأُمته أنه كان يتألَّم إذا حصَلتْ لهم مَسغبة، ونزلت بهم فاقة، فيُسارع بالعَمَل على رفع ما نزل بهم، ومن المظاهر كذلك أنه كان يعمل على قضاء ديون المَدينين من أصحابه من بيت مال المسلمين حينما وجد، ومن مظاهر رحمة النبي بأُمته أنه يكره ما يشق عليهم، ومن المظاهر كذلك أنه كان يراعي ما ركَّبه الله بهم من غرائز، فيمكن أصحابه من أن يقضوا وطَرهم المباح.



رحمته بالأطفال:

كان - صلى الله عليه وسلم - يعطف على الأطفال ويرقُّ لهم، حتى كان كالوالد لهم، يقبِّلهم ويضمُّهم، ويُلاعبهم ويحنِّكهم بالتمر،كما فعل بعبدالله بن الزبير عند ولادته.


وجاءه أعرابي فرآه يُقبِّل الحسن بن علي - رضي الله عنهما - فتعجَّب الأعرابي وقال: "تقبِّلون صبيانكم؟ فما نُقبلهم"، فرد عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - قائلاً: (أوَأمْلِك أن نزع الله من قلبك الرحمة؟)).



وصلى - عليه الصلاة والسلام - مرَّة وهو حامل أُمامة بنت زينب، فكان إذا سجد وضعها، وإذا قام حملها.



وكان إذا دخل في الصلاة فسمِع بكاء الصبي، أسرع في أدائها وخفَّفها، فعن أبي قتادة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((إني لأقوم في الصلاة أريد أن أُطول فيها، فأسمع بكاء الصبي، فأتجوَّز في صلاتي؛ كراهية أن أشقَّ على أُمِّه))؛ رواه البخاري، ومسلم.



وكان يحمل الأطفال، ويَصبر على أذاهم؛ فعن عائشة أمِّ المؤمنين أنها قالت: (أُتِي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بصبي، فبال على ثوبه، فدعا بماء، فأتْبعه إياه))؛ رواه البخاري.



وكان يحزن لفقْد الأطفال، ويُصيبه ما يصيب البشر مع كامل الرضا والتسليم، والصبر والاحتساب، ولما مات حفيده - صلى الله عليه وسلم - فاضت عيناه، فقال سعد بن عبادة - رضي الله عنه: "يا رسول الله، ما هذا؟"، فقال: ((هذه رحمة جعَلها الله في قلوب عباده، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء)).



كان - عليه الصلاة والسلام - إذا رأى طفلاً يظهر له البشر والسرور إيناسًا له، كان يأخذ أطفال أصحابه بين يديه يحملهم، ويداعبهم، كان إذا مرَّ بصبية يُقرئهم السلام، يقول: ((السلام عليكم أيها الصبية))، وقد ورد في الأثر: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رأى صبية يتسابقون، فجرى معهم سابقهم تطييبًا لهم، وكان يلقى الصبي وهو يركب ناقته، فيدعوه إلى ركوب الناقة؛ ليُدخل على قلبه السرور.



وعند مسلم عن أنس بن مالك، قال: ما رأيت أحدًا كان أرحم بالعيال من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: قال: كان إبراهيم مسترضعًا له في عوالي المدينة، فكان ينطلق ونحن معه، فيدخل البيت، وإنه ليدخن، وكان ظئره قينًا، فيأخذه، فيُقبِّله، ثم يرجع".



رحمته بالنساء:

لَما كانت طبيعة النساء الضعف وقلة التحمل، كانت العناية بهنَّ أعظم، والرفق بهن أكثر، وقد تجلَّى ذلك في خُلقه وسيرته على أكمل وجه، فحثَّ - صلى الله عليه وسلم - على رعاية البنات والإحسان إليهنّ، وكان يقول: ((مَن ولِي من البنات شيئًا، فأحسنَّ إليهن - كن له سترًا من النار))، بل إنه شدَّد في الوصية بحق الزوجة والاهتمام بشؤونها، فقال: ((ألا واستوصوا بالنساء خيرًا؛ فإنهنَّ عَوانٌ عندكم، ليس تملكون منهن شيئًا غير ذلك، إلا أن يأتين بفاحشة مبينة)).


وضرب - صلى الله عليه وسلم - أروع الأمثلة في التلطُّف مع أهل بيته، حتى إنه كان يجلس عند بعيره، فيضع رُكبته وتضع صفية - رضي الله عنها - رِجلها على رُكبته؛ حتى تركب البعير، وكان عندما تأتيه ابنته فاطمة - رضي الله عنها - يأخذ بيدها ويقبِّلها، ويُجلسها في مكانه الذي يجلس فيه.



رحمته بالضعفاء عمومًا:

وكان - صلى الله عليه وسلم - يهتمُّ بأمر الضعفاء والخدَم الذين هم مظنَّة وقوع الظلم عليهم، والاستيلاء على حقوقهم، وكان يقول في شأن الخدم: ((هم إخوانكم، جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده، فليُطعمه مما يأكل، وليُلبسه مما يلبس، ولا تكلفوهم من العمل ما يغلبهم، فإن كلفتموهم، فأعينوهم))، ومن مظاهر الرحمة بهم كذلك ما جاء في قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا جاء خادم أحدكم بطعامه، فليُقعده معه، أو ليناوله منه؛ فإنه هو الذي وَلِي حرَّه ودُخانه))؛ رواه ابن ماجه، وأصله في مسلم.


ومثل ذلك اليتامى والأرامل، فقد حثَّ الناس على كفالة اليتيم، وكان يقول: ((أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة، وأشار بالسبَّابة والوسطى))، وجعل الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله، وكالذي يصوم النهار ويقوم الليل، واعتبر وجود الضعفاء في الأمة والعطف عليهم، سببًا من أسباب النصر على الأعداء، فقال - صلى الله عليه وسلم -: ((أبغوني الضعفاء؛ فإنما تُنصرون وتُرزقون بضعفائكم)).



رحمته - صلى الله عليه وسلم - بالمذنبين:


وتتجلَّى رحمتُه - صلى الله عليه وسلم - بالمذنبين، وبمَن لا يعرفون كيف تُقضى الأمور، فيعفو ويَصفح ويُعلِّم، فعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: بينما نحن في المسجد مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ جاء أعرابي، فقام يَبول في المسجد، فقال أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: مَه مَه، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (لا تُزْرِمُوه، دعوه)، فتركوه حتى بال، ثم إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دعاه فقال له: ((إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول ولا القذر، إنما هي لذكر الله والصلاة، وقراءة القرآن))، قال: فأمر رجلاً من القوم، فجاء بدَلوٍ من ماء، فَشَنَّه عليه.



الرحمة بالأسير:

قال تعالى: ﴿ وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا ﴾ [الإنسان: 8].



ولمسلم عن عمران بن حُصين قال: كانت ثقيف حلفاءَ لبني عقيل، فأسرت ثقيف رجلين من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأسَر أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجلاً من بني عقيل، وأصابوا معه العضباء، فأتى عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو في الوثاق، قال: يا محمد، فأتاه، فقال: ((ما شأنك؟))، فقال: بِمَ أخذتني؟ وبِمَ أخذت سابقة الحاج؟ فقال - إعظامًا لذلك -: ((أخذتك بجريرة حلفائك ثقيف))، ثم انصرف عنه، فناداه، فقال: يا محمد، يا محمد، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رحيمًا رقيقًا، فرجع إليه، فقال: ((ما شأنك؟))، قال: إني مسلم، قال: ((لو قلتها وأنت تَملِك أمرك، أفلحتَ كلَّ الفلاح))، ثم انصرف، فناداه، فقال: يا محمد، يا محمد، فأتاه فقال: ((ما شأنك؟))، قال: إني جائع، فأطعمني، وظمآن فاسْقني، قال: ((هذه حاجتك)).



رحمته بالبهائم:

وشملت رحمته - صلى الله عليه وسلم - البهائم التي لا تعقِل، فكان يحثُّ الناس على الرفق بها، وعدم تحميلها ما لا تطيق، فقد روى الإمام مسلم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبَحتم فأحسنوا الذبح، وليُحد أحدكم شفرته، وليُرح ذبيحته))، ودخل النبي - صلى الله عليه وسلم - ذات مرة بستانًا لرجل من الأنصار، فإذا فيه جَمَل، فلما رأى الجملُ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - ذرَفت عيناه، فأتاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فمسح عليه حتى سكَن، فقال: ((لمن هذا الجمل؟))، فجاء فتى من الأنصار، فقال: لي يا رسول الله، فقال له: ((أفلا تتقي الله في هذه البهيمة التي ملَّكك الله إياها؛ فإنه شكا لي أنك تُجيعه وتُتعبه))؛ رواه أبو داود.


فعن عبدالله بن مسعود قال: كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سفر، فانطلق لحاجته، فرأينا حُمرة معها فرخان، فأخذنا فرخيها، فجاءت الحُمرة، فجعلت تفرش، فجاء النبي - صلى الله عليه وسلم- فقال: ((مَن فجع هذه بولدها؟ ردوا ولدها إليها))، ورأى قرية نمل قد حرقناها، فقال: ((من حرق هذه؟))، قلنا: نحن، قال: ((إنه لا ينبغي أن يعذب بالنار إلا ربُّ النار))؛ رواه أبو داود (2675)، وصحح إسناده الحاكم (4/239).



رحمته بالجمادات:

ولم تقتصر رحمته - صلى الله عليه وسلم - على الحيوانات، بل تعدَّت ذلك إلى الرحمة بالجمادات، وقد روت لنا كتب السِّيَر حادثة عجيبة تدل على رحمته وشفقته بالجمادات، وهي: حادثة حنين الجذع، فإنه لَمَّا شقَّ على النبي - صلى الله عليه وسلم - طول القيام، استند إلى جذعٍ بجانب المنبر، فكان إذا خطب الناس، اتَّكأ عليه، ثم ما لبث أن صُنع له منبر، فتحول إليه وترَِك ذلك الجذع، فحنَّ الجذع إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى سمع الصحابة منه صوتًا كصوت البعير، فأسرع إليه النبي - صلى الله عليه وسلم - فاحتضَنه حتى سكن، ثم التفت إلى أصحابه فقال لهم: ((لو لم أحتضنه، لحنَّ إلى يوم القيامة))؛ رواه أحمد.


رحمته بالأعداء حربًا وسلمًا:

فعلى الرغم من تعدد أشكال الأذى الذي ذاقه النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه من الكفار في العهد المكي، فإنه - صلى الله عليه وسلم - قد ضرب المثل الأعلى في التعامل معهم، وليس أدل على ذلك من قصة إسلام الصحابي الجليل ثمامة بن أثال - رضي الله عنه - عندما أسره المسلمون وأتوا به إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فربَطوه بسارية من سواري المسجد، ومكث على تلك الحال ثلاثة أيام وهو يرى المجتمع المسلم عن قرب، حتى دخل الإيمان قلبه، ثم أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بإطلاقه، فانطلق إلى نخل قريب من المسجد، فاغتسل، ثم دخل المسجد، فقال: "أشهد أنْ لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا رسول الله، يا محمد، والله ما كان على الأرض وجه أبغض إليّ من وجهك، فقد أصبح وجهك أحبَّ الوجوه إليّ، والله ما كان من دين أبغض إليّ من دينك، فأصبح دينك أحبَّ الدين إليّ، والله ما كان من بلد أبغض إليّ من بلدك، فأصبح بلدك أحبَّ البلاد إليّ"، وسرعان ما تغيَّر حال ثمامة، فانطلق إلى قريش يهدِّدها بقطْع طريق تجارتهم، وصار درعًا يدافع عن الإسلام والمسلمين.


كما تجلَّت رحمته - صلى الله عليه وسلم - أيضًا في ذلك الموقف العظيم، يوم فتح مكة وتمكين الله تعالى له، حينما أعلنها صريحةً واضحةً: (اليوم يوم المرحمة)، وأصدر عفوه العام عن قريش التي لم تدَّخر وسعًا في إلحاق الأذى بالمسلمين، فقابل الإساءة بالإحسان، والأذيَّة بحُسن المعاملة.



لقد كانت حياته - صلى الله عليه وسلم - كلها رحمة، فهو رحمة، وشريعته رحمة، وسيرته رحمة، وسنته رحمة، وصدق الله إذ يقول: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ﴾ [الأنبياء: 107].


هذا هو محمدٌ النبي - صلى الله عليه وسلم - وهذه رحمته التي شَملت كل الناس، واستمرت دستورًا هاديًا إلى أن تقوم الساعة، وليست تلك الرحمة الكاذبة التي تأتي كَردود أفعالٍ من أُناس يُؤمنون ببعض الكتاب ويَكفرون ببعض، كما أنها ليست تلك الرحمة ذات الوجهين التي تُطبَّق على البعض، ويُحْرَم منها البعض؛ كما نراه في كثير من الشخصيات والنُّظُم والقوانين الدوليَّة والمحليَّة، التي تُحاكم البعض وتستثني آخرين، أو تلك المؤسسات والشخصيَّات التي تَرْأَف وتَرْحم الحيوان، ولكنها تُشَرِِّع ظُلم الإنسان لأخيه الإنسان.



فعلينا أن نتعلم من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويكون هو القدوة والأسوة لنا في هذا الجانب؛ حتى تَسعَد الأرض ومَن على الأرض بالرحمة.



والله من وراء القصد.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 72.00 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 70.10 كيلو بايت... تم توفير 1.90 كيلو بايت...بمعدل (2.64%)]