تحذير أهل القرآن من بعض ما جاء في بهجة الجنان - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4457 - عددالزوار : 882535 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3992 - عددالزوار : 416837 )           »          رمضان شهر الصدقات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 32 )           »          رؤية هلال رمضان .. قصص من التاريخ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 36 )           »          السياسة الشرعية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 58 - عددالزوار : 5079 )           »          جمهورية القرم الإسلامية .. وتاريخ من المعاناة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 39 )           »          المخدرات كارثة…تهدد بنيان المجتمع (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 32 )           »          المسير إلى عرفة والوقوف بها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 48 )           »          الاستفادة من الأطفال في الدعوة إلى الله تعالى (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 50 )           »          معاناتي مع القولون العصبي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 59 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير > هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن
التسجيل التعليمـــات التقويم

هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن قسم يختص بحفظ واستظهار كتاب الله عز وجل بالإضافة الى المسابقات القرآنية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 21-12-2021, 08:18 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 135,704
الدولة : Egypt
افتراضي تحذير أهل القرآن من بعض ما جاء في بهجة الجنان

تحذير أهل القرآن من بعض ما جاء في بهجة الجنان
عثمان بن علي بندو




تمهيد:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:
ألّف الدكتور محمد عناية الله أسد سبحاني كتابًا في علوم القرآن سماه: (بهجة الجَنان في تاريخ تدوين القرآن)، والدكتور هو داعية مسلم هندي معاصر، عميد كلية القرآن بالجامعة الإسلامية بالهند.

وقد جذبتني عبارة كُتبت تحت عنوان الكتاب: (نظرات جديدة ولفتات بارعة في تاريخ حفظ القرآن وضبطه، ونقطه وشكله، وجمعه وتدوينه)، فبدأت في تصفُّح الكتاب لعلي أجد هذه النظرات الجديدة واللفتات البارعة، فإذا بي أجد شيئًا عجبًا، فنظرية الكاتب في جمع القرآن وتدوينه تخالف الصحيح المنقول، ولم يكن له أدلة كافية تمكِّنه من اعتراض المنقولات الصحيحة، فاستعمل أساليب الطعن في أئمة الحديث، ونثر الشبهات، ظنًّا منه أنه ينتصر لفكرة جديدة في جمع القرآن الكريم، لكنه يهدم بذلك أفكارًا صحيحة.

وليست هذه هي أساليب علمائنا الأفاضل، فإنهم قد نقلوا إلينا كيفية جمع القرآن الكريم في عهد النبوة وعهد الخلافة صحيحًا، ولذلك وجب عليَّ - وإن كنت لست أهلًا - أن أنبِّه على ما وقع من أخطاء في هذا الكتاب، فإن الكتاب مطبوع ومنشور، وموجود على عشرات مواقع الإنترنت ويقوم القراء بتحميله وقراءته، وقد يؤدي إلى إثارة فتن وشبهات قد طواها الزمن.

هدف الكاتب:
للكاتب هدف واحد من تأليف الكتاب، وهو أن يصل إلى إثبات فكرته أن القرآن الكريم جُمع في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا لا يُقبل نقلًا ولا عقلًا، فمن حيث النقل الروايات والمصادر الصحيحة التي تبيِّن أن القرآن الكريم تَمَّ جمعه في عهد الصديق وذي النورين رضي الله عنهما، ومن حيث العقل لا يمكن أن يكون القرآن قد جُمع في مصحف واحد وآخر ما أنزل منه كان قبل وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم بقليل، والعرضة الأخيرة كانت قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بخمسة أشهر، ووسائل الكتابة أعجز من أن يُكتب بها مصحف في هذه الفترة، وقد اهتم النبي صلى الله عليه وسلم بتثبيت هذه العرضة الأخيرة في صدور القراء من صحابته رضي الله عنهم.

صحيح أن القرآن الكريم كان مكتوبًا، ولكن طريقة الكتابة ليست كما تصوَّرها الكاتب، والكتابة كانت لخواص الناس وليست متوفرة للجميع، والسور والآيات مفرّقَة عندهم وليست مجتمعة في مصحف واحد كما ذكر.

في مقدمة الكتاب زعم الكاتب أنه يدافع عن تاريخ جمع القرآن وتدوينه، ولم يجد طريقة إلا هدم الجدار المتين الذي يعترض طريقه لإثبات فكرته، فانطلق من تشويه صورة علم الحديث وعلم التاريخ، فنسب إلى الأئمة والعلماء غفلتهم عن معلومات وروايات دسَّها أعداء الإسلام، ورووها في الكتب، وحاول الكاتب أن يستثير شفقة القارئ، فقال عن هؤلاء الأئمة: (نحن نُحسن الظن بهؤلاء الجهابذة الأعلام، ونكنُّ لهم كل حب وتقدير، ونظن أنهم برآء من كل هذه المشاكل ومن كل تلك الموبقات).

وهذا من العجب، فإن علماء الأمة قد بذلوا كل الجهد والوقت في الدفاع عن القرآن والسنة، وردِّ الشبهات، وتمييز الصحيح من الضعيف، وهذا العلم ليس بتلك السهولة، فإن شرح حديث واحد مبنيٌّ على كثير من الأصول والأسس، وتصحيح حديث واحد أو تضعيفه كذلك يتطلب شروطًا، ولو حدث هناك دسٌّ لحديث لكشف العلماء ذلك، فإني أستغرب كيف غفل الكاتب عن شيء اسمه (الحفظ والتلقي والتواتر)، فهكذا كان يُحفظ القرآن الكريم، وتُحفظ الأحاديث والكتب والمنظومات والشروح.

حتى لو احتج الكاتب بأن الإسلام مرَّ بلحظات ضعف، فإن القراء والعلماء حافظوا على الدين حتى في لحظات ضعفه، حتى لما هجم التتار وأسقطوا الخلافة بقي العلم والعلماء كالعز بن عبدالسلام وابن تيمية وغيرهما، فالله عز وجل تكفَّل بحفظ دينه.

لكن الكاتب أراد يجعل كلامه هذا تمهيدا نفسيا للقارئ، حتى يهيِّئه ليصدِّق أن روايات كثيرة صحيحة في جمع القرآن الكريم ما هي إلا روايات مغلوطة ومدسوسة، فهو لا يملك أدلة لإثبات نظريته فراح يهدم الأدلة الصحيحة المتواترة.

وفي محاولة لنيل عطف القارئ اعتمد الكاتب على تفعيل نظرية المؤامرة، فاتهم الورَّاقين من الأعاجم أنهم هم السبب في دسِّ هذه الأحاديث والمرويات في جوامع المحدِّثين، والغريب أنه بصيغة ( لعلهم ) ينسب إلى علماء الحديث عدم تدقيقهم في مراجعة تلك النسخ التي كتبها الوراقون، وكأنَّ العبث بكتب الحديث هو بتلك السهولة، وكأنَّ الكاتب لم يقرأ عن سير علماء الحديث ودقتهم وإتقانهم، وكأن علماء الحديث لا يعرفون المتون والأسانيد، ثم هَب أن ورَّاقًا دسَّ حديثًا في كتاب معيَّن، هل يفعل ذلك في كل الكتب، فهناك أحاديث تجدها في كثير من كتب السنة، وليس في كتاب واحد كالمرويات التي جاءت في جمع القرآن الكريم.

ثم هل يظنُّ الكاتب بهذا الكلام أنه يدافع عن القرآن والسنة، أم أنه يفتح بابا للطعن في القرآن والسنة؟

هل من الإنصاف أن نقول عن علماء الحديث أنهم (نظروا إلى تلك الجوامع وتلك المسانيد بعين التقديس والإجلال، وتلقَّفوها كما هي مطمئنين إلى صحة محتوياتها، ولم يخطر ببالهم أن هناك أياد خفيَّة تعمل في الظلام لتكدير صفوها وشوبها بما ليس منها).

وهذا طعن في علماء الحديث الهدف منه الطعن في الأحاديث، ثم إن كلام الكاتب هكذا بصفة العموم يفتح أبوابًا من الشبهات، فالكاتب لم يحدِّد هذه الزيادات المدسوسة ولم يقدِّم أدلة على كلامه.

لكن الكاتب لم يكن مهتمًّا بالعواقب قدر اهتمامه بالوصول إلى إثبات نظريته، فهو لم يُرد من كلامه هذا إلا التوطئة للطعن في مرويات جمع القرآن التي تثبت جمعه في عهد أبي بكر وعثمان، غافلًا عن حجم الضرر الذي أصاب القرآن والسنة بسببه، نسأل الله لنا وله العافية.

وإذا كان الكاتب يرى أن السنة تعرضت للتحريف، فالقرآن الكريم وتفسيره وعلومه والفقه وأصوله والحديث والعقيدة كلها تحتاج - بناءً على قوله - إلى أن نبدد عنها الشبهات التي نُسجت حبالها في الظلام.

نثر الشبهات:
اعتمد الكاتب على إحياء الشبهات القديمة، ونثرها بين يدي القارئ، وجعل بعضها - وقد أثبت العلماء ضعفه - صحيحًا عند المسلمين ليوهم القارئ، فيخلط الشبهات بالروايات الصحيحة على أنها كلها شبهات تم تصديقها، وهذا تدليس كبير.

لا أدري ماذا أقول؟ فالكاتب عميد كلية القرآن بالجامعة الإسلامية بالهند.
وصف الكاتب الأحاديث الصحيحة الخاصة بجمع القرآن الكريم بأنها (شائعة) من الشائعات.

عمَّم اجتهادات قليلة وانفرادات انفرد بها بعض الصحابة، فجعلها هي الأصل، وأن المسلمين أخذوا بها، وذلك غير صحيح، فالأصل ما اجتمع عليه الصحابة واتفقوا.

أحيى الكثير من الشبهات القديمة التي ردَّها العلماء منذ قرون وبيَّنوا ضعفها، وصوَّر للقارئ أن هذه الشبهات حقيقة صدَّقها المسلمون، وذلك غير صحيح.

فهو مثلًا يستدل برواية عن ابن مسعود رضي الله عنه ينكر فيها أن المعوِّذتين من القرآن، وقد بيَّن العلماء أن ابن مسعود لعله أنكر كتابتها في المصحف فلم يكتبها؛ لأنه لم يسمع أمر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، وهذا – إن كان صحيحًا - انفراد من ابن مسعود لا يُقاس عليه، مادام الصحابة كلهم اتفقوا على كتابتها في المصحف، ومادامت قراءة عاصم التي تُسند إلى ابن مسعود رضي الله عنه متواترة فيها المعوذتان، أو لعل ابن مسعود قال ذلك ثم تراجع عنه.

وقد ثبت بالأحاديث الصحيحة أن المعوذتين من القرآن، فعن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: كنتُ أقودُ برسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلم ناقتَه في السفرِ فقال لي: يا عُقبةُ ألا أُعلِّمُكَ خيرَ سورتَينِ قُرِئتا؟ فعلَّمنَي ﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ ﴾ و﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ ﴾ قال: فلم يرَني سُرِرتُ بهما جدًّا فلمَّا نزل لِصلاةِ الصبحِ صلَّى بهما صلاةَ الصبحِ للناسِ، فلمَّا فرغ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلم من الصَّلاةِ التفتَ إليَّ فقال: يا عُقبةُ كيف رأيتَ؟

وأنكر أيضا مسائل صحيحة، كاشتراط زيد بن ثابت رضي الله عنه شهادة رجلين من الثقات في جمع القرآن، وقد ذكرت سابقا أن العلماء ردّوا على مثل هذه المسائل وبينوها، والقرآن كان محفوظا في الصدور، فلما قرّر الصحابة جمعه اشترطوا زيادة في الثقة وغلقا لباب الشك والتأويل تطابق المحفوظ في الصدور مع المكتوب في السطور المتفرّق عند الصحابة رضي الله عنهم.

وهذا كان مسلك علماء الأمة في كل العلوم، في الإقراء والحديث والفقه، وهذه مزيّة اختصّ الله عزّ وجل بها هذه الأمة.

وليصل الكاتب إلى مبتغاه، سمّى الأحاديث الصحيحة ( شبهة ) كان على المسلمين ردّها، والعجب العجاب ثقة الكاتب بنفسه واعتداده برأيه، فهو يقول: ( فالنصوص كلها متضافرة على أن رسولنا عليه الصلاة والسلام لم يفارق أصحابه إلا بعدما دوّن لهم هذا القرآن العظيم بين الدّفتين، ولم يترك لهم إلا أن ينشروه في أرجاء المعمورة، وينوّروا العالم كله بأنوار رسالته ).

وعندما تقرأ الكتاب لن تجد دليلا واحدا يثبت ما قال، وستجد قصة نسجها الكاتب، وردودا على الأحاديث الصحيحة وطعنا فيها.

قلت: لو كان هناك دليل واحد على أن القرآن جُمع في عهد النبي صلى الله عليه وسلم لذكره العلماء من باب الخلاف، فكم من المسائل اختلف فيها العلماء، وماذا سيستفيد علماء الأمة من إنكارهم للجمع النبوي لو كان ذلك حقّا؟ ومن يتجرأ على الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنكاره لجمع القرآن في عهده ونسبة ذلك لخلفائه الراشدين؟ وهل يتواطؤ علماء الأمة كلهم على الكذب؟ سبحان الله.

نظرة على النصوص المتضافرة للكاتب:
لم يكن ما استدل به الكاتب نصوصا، وإنما استدل بقصة من نسج خياله، وانطلق يعبث بالأحاديث خاصة ما رواه الإمام البخاري رحمه الله:
نفى الكاتب كتابة القرآن الكريم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم على العسب واللحاف والأكتاف وغيرها، وطعن في رواية البخاري وتكلّم في أسانيدها، وهي رواية زيد بن ثابت رضي الله عنه: ( فتتبّعت القرآن اجمعه من العسب والرقاع واللخاف ) وتوجد روايات أخرى غيرها كثيرة، مثل حديث البراء بن عازب رضي الله عنه: ( كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ادع لي زيدا وليجيء باللوح والدواة والكتف، أو الكتف والدواة ).

وأصرّ الكاتب – دون تقديم دليل علمي – على أن القرآن كان يُكتب في أوراق على طريقة البطاقات الحديثة، وكاد يخبرنا الكاتب أن القرآن الكريم كان يُكتب حينها بالطابعة!!!

ولا أدري هل غفل الكاتب أم تغافل عن أمور عديدة أهمها:
البيئة التي عاش فيها النبي صلى الله عليه وسلم، حيث قلة وسائل الكتابة وقلة الكاتبين، وهو ما سيحاول الكاتب نفيه من بعد ليثبت حجته، وفي بحث للأستاذ أشرف عمر وهبة في دورية علمية محكمة (سيبراريانس جورنال) العدد 44 مؤرخ في ديسمبر 2016م بعنوان: الورق: تاريخه وتطوره، ذكر الباحث الرقّ كوسيلة للكتابة، يُنتج من الجلود، - والجلود كانت غالية الثمن عند العرب -، وأحيانا كانوا ينتجونه من جلود الميْتة ( للمساهمة في تخفيض ثمنه ) وكانت صناعة الرق تمرُّ بمراحل حتى يصل إلى هيئته الصالحة للكتابة.

أما الورق، فقد أدى توسع حركة الفتوحات الإسلامية شرقا، إلى أن يصل المسلمون إلى تخوم الصين (سمرقند) وفي إحدى المعارك عام 751م أسر المسلمون مجموعة من الصينيين ممن كانوا خبراء في صناعة الورق، فأسسوا بمساعدتهم أول مصنع للورق في ديار الإسلام في مدينة سمرقند، وبعد فترة محدودة أضحت هذه المدينة مركزًا معروفًا لإنتاج الورق، ومنها انتقلت صناعة الورق إلى بغداد، التي كانت حاضرة الإسلام وأعظم مدنه وقتها؛ حيث أسس الفضل بن يحيى البرمكي، وزير هارون الرشيد، أول مصنع للورق في بغداد عام 793م.

فأي مصدر اعتمد عليه الكاتب في بيان أن وسائل الكتابة كانت متوفرة عند العرب؟

ثم هَب أن فرضية توفُّر وسائل الكتابة وكثرة الكتَّاب صحيحة، هل نقبل بها من أجل الطعن في النصوص الصحيحة التي تثبت أن القرآن جُمع في المصحف بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟

التعويل في جمع القرآن كان على الحفظ لا على الكتابة، فالنسخ قد تتعرض للتلف ولهذا خصَّ الله عز وجل هذه الأمة بخاصة التلقي والتواتر، بل إن العرب كانوا يعتمدون على الحفظ في كل أمورهم، وكان التوثيق نادرًا.

بدأت حفظ القرآن الكريم حوالي سنة 1999 م ولم نستعمل في ذلك مصحفًا أبدًا، وكنا نتلقى القرآن من الشيخ في اللوحة، ثم نمحو الثمن بعد حفظه، بل إن المصاحف كانت نادرة في المساجد، ولم يكن المصحف متوفرًا للعامة إلا نادرًا، ولكن القرآن كان محفوظًا؛ إذ لم تكن هناك مدينة أو قرية أو حي إلا وفيه مسجد ومدرسة يُحفظ فيهما القرآن الكريم، ويستمر الجيل بعد الجيل في تلقيه ونقله.

ها أنا أتكلم لكم عن سنة 1999م، والكاتب يتحدث عن وفرة الوسائل في القرن الأول الهجري!

وفي معنى هذا يقول الأستاذ أحمد شرشال في كتابه (مخالفات النساخ لمرسوم المصحف الإمام): (فاعتقادهم أن القرآن يُتلقى من الصحف والمصاحف خطأ في التصور، فالأساس الذي انطلق منه هؤلاء وبنوا عليه دعواهم فاسدٌ، وما يُبنى على فاسد فهو فاسد مرفوض، ولم يقل أحد من أئمة القراءة أن القرآن يُتلقى من المصاحف والخط.

إن حفظ القرآن وتلاوته لم يعتمدا على المصاحف وحدها، بل على التلقي والمشافهة، والسماع والرواية، وهي سنَّة متبعة يأخذها الأول عن الآخر).

ثم أضاف: (فالقراءة رواية وسند وتلقٍّ، وما خطُّ المصحف إلا كالتذكرة).

ويقول الدكتور أكرم الدليمي في كتابه: ( جمع القرآن ): (ثم إن الاعتماد في نقل القرآن على حفظ القلوب والصدور لا على حفظ المصاحف والكتب، يُعَدُّ أشرف خصيصة من الله تعالى لهذه الأمة).

ولكن العجب العجاب كيف يغفل عميد كلية القرآن عن هذا؟ أين حفظ الباحث القرآن وكيف تلقاه وكيف تلقى العلم؟

والمنطلق الخطير الذي انطلق منه الكاتب هو تشكيكه في روايات جمع القرآن الصحيحة، دون تقديم بديل، مع استغرابه كيف يصدِّقها المسلمون، رغم أن كل الدواعي - حسبه - كانت متوافرة للنبي صلى الله عليه وسلم لجمع القرآن وتدوينه.

إشكال آخر:
زعم الكاتب أن النبي صلى الله عليه وسلم أوصى في خطبة حجة الوداع بالتمسك بكتاب الله، وتعجَّب كيف يوصي بذلك وهو لم يجمعه ويرتِّبه ويدوِّنه.

ألا يرى الكاتب أن المصاحف تملأ المساجد والمكتبات ورفوف مكتبات البيوت، ومع ذلك قلَّ من يتمسك بتطبيق كتاب الله عز وجل؟ فالنبي صلى الله عليه وسلم أوصى بالتمسك بكتاب الله تلاوة وعملًا.

هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى دلَّس الكاتب، فهو لم يذكر الوصية كاملة: (فإنّي قَدْ تَركْتُ فِيكُمْ مَا إنْ أخَذتمْ بِهِ لَمْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ، كِتَابَ اللهِ وَسُنَّة نَبيِّه، أَلاَ هَلْ بلَّغتُ، اللهمَّ اشْهَد).

وإذا كان النبي أوصى بالكتاب والسنة، فلماذا لم يذكرهما الكاتب معًا؟ ذاك لأنه يعلم أن السنة لم تدوِّن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولا عهد الخلفاء الراشدين، وكان سيقع في موقف المتناقض حينها، فلم يجد حلًّا سوى الاكتفاء بنصف الوصية، والله المستعان.

استخدام الشبهات مرة أخرى:
وهذه المرة يستغرب الكاتب من أنَّ أمرًا عظيمًا كجمع القرآن يُسند إلى شخص واحد هو زيد بن ثابت رضي الله عنه، وكنت قد ذكرت أن هذه الشبهات القديمة قد ردَّ عليها العلماء ولم يعُد هناك معنى لإثارتها، إلا أنها قد تؤثر في بعض من يقرأ هذا الكتاب والله المستعان.

ولكني أريد أن أردَّ على هذا الإشكال بطريقتي:
هل سمع الكاتب مرة أن مصحفًا يحتاج أن يتداول على كتابته خطاطون كثير؟ ولكنه يعلم أنه لمراجعة المصحف لا بد من لجنة علمية مكونة من السادة القراء والعلماء.

كذلك كان زيد، فهو المكلَّف بالجمع؛ لأنه كان مؤهلًا لذلك حفظًا وإتقانًا ولمعرفته بالكتابة، وكبار الصحابة وقراؤهم، وكلُّ الصحابة كانوا مشتركين في هذا العمل مراجعة وتوثيقًا، فلم ينته العمل إلا بإجماع الصحابة على صحته.

قال اللبيب في شرحه للعقيلة: (فما فعله صحابي واحد وأمر به، فلنا الأخذ به والاقتداء بفعله، فكيف وقد اجتمعت الصحابة على كتب المصحف حين كتبوه نحو اثني عشر ألفًا من الصحابة رضي الله عنهم، ونحن مأجورون على اتباعهم، ومأثومون على مخالفتهم).

وستجدون في الكتاب كثيرًا من الشبهات القديمة يطرحها الكاتب ليضرب بها الروايات الصحيحة، على أساس أنها روايات مغلوطة ومدسوسة وغير منطقية، كلُّ هذا ليصل إلى إثبات فكرة جمع القرآن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم.

فهو يسلك سبيل الطاعنين وسبيل المستشرقين، وما علم أنه للدفاع عن فكرته قد طعن في السنة الصحيحة، ولو قدَّم دليلًا من الكتاب أو السنة أو أقوال العلماء لقلنا: (الأمر فيه خلاف)، وما علم أنه بفعله هذا يهدم ولا يبني، وأن الأمر قد استقر والحمد لله، وأن الذكر محفوظ بإذن الله.

الناسخ والمنسوخ:
تكلَّم الكاتب في حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه حول آية الرجم، والآية منسوخة خطًّا باقية حكمًا، وقد كتب العلماء في إثبات ذلك المؤلفات العديدة، لكن الكاتب كعادته يطعن في الرواية، ليبرهن أن هذه الروايات في جمع وكتابة القرآن في عهد أبي بكر وعثمان هي باطلة.

ثم هو يبطل الناسخ والمنسوخ في القرآن الكريم، قائلًا: (وعلى أية حال فلم يكن هناك أي نسخ في القرآن، وإنما هو وهم وقع فيه من وقع).

قال ابن الجوزي رحمه الله: (إثبات أن في القرآن منسوخًا:
انعقد إجماع العلماء على هذا، إلا أنه قد شذَّ من لا يُلتفت إليه، فحكى أبو جعفر النحاس أن قومًا قالوا: ليس في القرآن ناسخ ومنسوخ، وهؤلاء خالفوا نصَّ الكتاب وإجماع الأمة، قال الله عز وجل: ﴿ مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا ﴾ [البقرة: 106].
يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 21-12-2021, 08:18 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 135,704
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تحذير أهل القرآن من بعض ما جاء في بهجة الجنان

تفسير خاطئ:

يرى الكاتب أيضًا أن المعوَّل عليه في حفظ كتاب الله هو الكتابة لا التلقي، وحجته في ذلك أن الحافظ مهما بلغ من الحفظ والذكاء لا بد أن يستعين بمصحف.

قلت: هذا إذا كان هناك حافظ واحد، أما آلاف من الصحابة!! وقد جمعهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه لصلاة التراويح، فهل كانوا يقرؤون من المصاحف، وكانوا يقومون الليل كله يُحيونه بالصلاة، وقام عثمان بن عفان رضي الله عنه ليلة قرأ فيها القرآن كله، فهل قرأه من المصحف؟

ويبدأ الكاتب هنا في محاولة أخرى ليثبت وجود وسائل الكتابة وتوفرها، وأن العرب كانوا أمة قارئة كاتبة، فيستدل بآية الدين في قوله تعالى: (فاكتبوه) لإثبات هذه الفكرة، ولم أجد علاقة بين هذا النوع من الكتابة وكتابة المصاحف، ولعل كتابة ورقة واحدة والاحتفاظ بها عمل شاق، ناهيك عن كتابة مصحف واحد أو عدة مصاحف كما ادَّعى الكاتب، وحتى لو كانت الكتابة متوفرة كما ادَّعى، فهو يرفض حجج العلماء في عدم كتابة المصحف في العهد النبوي، ومنها:
أن وجود النسخ في حياته صلى الله عليه وسلم كان أمرًا واردًا على بعض آيات القرآن الكريم، فلو دُوِّن الكتاب ثم جاء النسخ، لأدى ذلك إلى الاختلاف والاختلاط في الدين، فَحَفِظَه سبحانه في قلوب الصحابة إلى انقضاء زمان النسخ، ثم وَفَّق الصحابة بعدُ للقيام بجمعه.

أن دواعي الكتابة لم تكن قائمة في عهده صلى الله عليه وسلم، من جهة أن القرآن ربما كان لم يكتمل بعد، ومن جهة أيضًا أن عددًا كبيرًا من الصحابة كان يحفظ القرآن في صدره.

كل هذه يرفضها الكاتب ويصرُّ على إثبات فكرته رغم أنه لا يملك الأدلة، لكنه يحاول، فها هو يستشهد بآية أخرى ﴿ أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ ﴾ [الطور: 41]، فيفسَّر ذلك على أنه دليلُ وجود الكتابة في ذلك العهد، وإلا لما خاطبهم الله عز وجل بذلك، وهذا عجيب من عميد كلية القرآن، كأنه لم يقرأ التفاسير!!

ولكن ستجده أيضًا يرفض ما جاء في التفاسير المأثورة كما سنرى إن شاء الله، أو يحاول أن يأتي بتفسير من عنده كما في هذه الآية، ولا يوجد من أهل التفسير من فسَّر (يكتبون) هنا بالكتابة الحقيقية، بل هذا تعبير مجاز والهدف منه التحدِّي، فقد جاء في تفسير الطبري رحمه الله: (يقول: أعندهم اللوح المحفوظ الذي فيه نبأ ما هو كائن؟ فهم يكتبون ما فيه ويجادلونك به).

وأما رفضه ما جاء في التفاسير، فإنه استغرب إجماع المفسرين على تفسير لفظ (أمِّيّ) على أنه الذي لا يقرأ ولا يكتب، بينما هو يريد المعنى الآخر المذكور في بعض التفاسير أن الأمِّيَّ هو الذي ولد في أم القرى وهي مكة.

فهو يريد أن يجبرنا على الاعتراف بأن العرب كانوا أمة متقدمة تقرأ وتكتب، وتتوفر فيها وسائل الكتابة، وأن الأميين ليسوا أولئك الذين لا يقرؤون ولا يكتبون، بل هم الذين وُلِدوا في أم القرى وسكنوا فيها.

وقد وجد أدلة من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، لكنه جاء بها ليضعِّفها ويتكلم في أسانيدها كعادته، فيرفض حديثًا جاء بصيغ كثيرة، ومنها رواية البخاري: ( إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب).

ثم يفسِّر بهواه آية: ﴿ وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ ﴾ [العنكبوت: 48]، إن النبي صلى الله عليه وسلم كان أميًّا، لكنه بعد نزول الوحي صار يقرأ ويكتب، وقد جاء في تفسير الطبري قول ابن عباس في تفسير هذا الآية: (كان النبي صلى الله عليه وسلم أميًّا لا يقرأ شيئًا، ولا يكتب)، ولو علم ابن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم صار يقرأ ويكتب بعد نزول الوحي لذكره هنا.

مصحف في كل بيت:
وخلاصة الباب الأول من الكتاب أنه حين وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، كان كل الصحابة يملكون مصحفًا خاصًّا، بل إن بعض الأسر كانت تملك مصحفًا لكل عضو من الأسرة، وهذا عجيب.

فحتى في عصرنا هذا حيث المطابع بكثرة والمصاحف متوفرة للبيع، وتكلفة الورق غير عالية، إلا أننا لا نجد مصحفًا لكل بيت، فإذا أردنا شراء مصحف من الحجم الكبير ذي الجودة العالية من الورق والكتابة، فإن ثمنه سيكون باهظًا.

ثم هل أدرك الكاتب معنى نزول القرآن منجَّمًا، سورة بعض آياتها نزلت في مكة والأخرى في المدينة، وآيات نزلت ثم نزلت بعدها آيات أخرى بمدة طويلة، كيف يتعامل الكتَّاب مع هذا، بل كيف يتعامل معه الحفاظ؟ إذ لابد من العرضة الأخيرة، فهل حضرها جميع الصحابة كما ذكر الكاتب الذي جعل في كل بيت مصحفًا؟

وقد كان المسلمون مهتمين بكسب أرزاقهم مع صعوبة معيشتهم، بالإضافة إلى انشغالهم بالجهاد، ولهذا نزلت الآية: ﴿ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [المزمل: 20]، لقد كانت عملية جمع القرآن في الصدور شاقة وصعبة، وهذه لم يفطن إليها الكاتب، فالقرآن نزل منجَّمًا ولم ينزل جملة واحدة.

قصة ضيزى:
في الباب الثاني من الكتاب استمر الكاتب في التسويق لفكرته بنفس الطريقة، فهو بعد أن طعن في الأحاديث وانتصر لمذهب كتابة المصحف في العهد النبوي، ها هو يؤلف قصة من صنع خياله.

فالمسلمون في عهد الخليفة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما ورثوا المصحف عن النبي صلى الله عليه وسلم ونسخوا منه نسخًا، ولما كانت الكتابة متوفرة حسبه كثرت المصاحف، وأظن أن الكاتب ذو خيال واسع، فهو قد صنع مكتبات خاصة ببيع المصاحف في الأسواق، فلما استلم الخليفة عثمان رضي الله عنه الخلافة، تسرَّبت إلى الأسواق مصاحف مغشوشة صنعها الوراقون المنافقون الأعداء، فأرسل الخليفة مصاحف مختومة بختم الخلافة، وأمر بحرق مصاحف الوراقين التي تباع في الأسواق.
أولًا: هذه القصة باطلة من نسج خيال الكاتب.
ثانيًا: يطعن الكاتب في حديث حذيفة ابن اليمان الموجود في صحيح البخاري، ثم يريدنا أن نصدِّق هذه التفاهة.
ثالثا: محاولة كسب التعاطف باستخدام نظرية المؤامرة، لن يجد صدى لدى القراء، لأن الروايات الصحيحة بيِّنة، وهذه القصة باطلة.

والعجيب كيف يهوي الكاتب بقلمه على صحيح البخاري، بل يشكِّك في القرآن الكريم من خلال طرحه نفس السؤال الذي يطرحه الطاعنون في قصة ابن خزيمة، وحديث زيد وعمر الذي قال عن أواخر التوبة: لو كانت ثلاث آيات لجعلتها سورة على حدة، ولكن لماذا لم يذكر الكاتب معنى قول عمر، ولماذا لم يذكر كذلك حديث أبي بن كعب: أنهم جمعوا القرآن من مصحف أبي، فكان رجال يكتبون يملي عليهم أبي بن كعب، فلما انتهوا إلى الآية التي في سورة براءة: ﴿ ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ ﴾ [التوبة: 127]، أثبتوا أن هذه الآية آخر ما أنزل الله تعالى من القرآن، فقال أبي بن كعب: "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أقرأني بعد هذا آيتين: لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم إلى آخر السورة.

فهذا مما يدل على أن القرآن يُحفظ بالتلقي، وأن سورة التوبة هي آخر ما نزل من سور القرآن، وأن أبي بن كعب قد اطَّلع على العرضة الأخيرة وإن لم يجد وقتًا لكتابة الآيتين في مصحفه، إلا أنه تلقَّاهما من النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا الحديث وحده ينسف ادعاءات الكاتب في كتابه، ويؤكد أنه ما كان هناك مصحف كامل في المدينة حين وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، حتى مصحف أبيٍّ، وهو أحد الأربعة الذين أوصى النبي صلى الله عليه وسلم بالأخذ عنهم، وهو أحد الصحابة الذين نقرأ القرآن الكريم متواترًا بأسانيدهم.

استدلال باطل:
زعم الكاتب أنه يدافع عن القرآن الكريم، وأن هذه الروايات الخاصة بجمع القرآن محرَّفة، وتثير الشكوك، ولا تقنع الأعداء والأصدقاء، فمن هم الأصدقاء حسبه؟

الأصدقاء هم علماء الشيعة المتقدمون والمتأخرون، الذين لا يثقون في المصحف الحالي ويرون فيه تحريفًا، ولم أستوعب ماذا يريد الكاتب بالتحديد، هل إذا أسقطنا هذه المرويات، وصدَّقنا أن القرآن كُتب في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، سيتغيَّر المصحف؟ وهل سيقتنع الشيعة بأن القرآن غير محرَّف؟

فإن كان هذا هو قصد الكاتب فالله المستعان.

وهل شكَّ الشيعة في القرآن فقط؟ هم شكُّوا في نبوة محمد عليه الصلاة والسلام وفي عفَّة عائشة رضي الله عنها، وفي إيمان الصحابة رضي الله عنهم، وفي خلافة أبي بكر وعمر وعثمان، وشكُّوا في الأحاديث النبوية وفي الأحكام الفقهية، فهل يعقِل الكاتب ما قال؟

على سبعة أحرف:
استغلَّ الكاتب اختلاف العلماء في معنى الأحرف السبعة، وهل كانت المصاحف التي أحرقها الخليفة عثمان رضي الله عنه تحوي الأحرف الستة والمصحف الذي جمعه ونسخه يحوي حرف قريش فقط، فذكر أنه ليس من صلاحيات الخليفة حرق المصاحف والاقتصار على حرف واحد، ولا أدري هل الكاتب أغيرُ على كتاب الله من الخليفة أم من الصحابة، أم من علي رضي الله عنه حين قال: أيُّها النَّاس إيَّاكم والغلو في عثمان تقولون حرق المصاحف، والله ما حرقها إلا عن ملأٍ من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو وُليت مثل ما وُلِّي، لفعلت مثل الذي فعل).

وقد سمعت من المقرئ عبدالرشيد الصوفي ما معناه أن الأحرف السبعة عند القراء هي تلك الأوجه المختلف فيها مثل قراءة ( ملك ) و( مالك )، وغير ذلك، لا كما وصفها بعض العلماء من اختلاف في النحو والصرف وغير ذلك.

ولنقُل أن عثمان اقتصر على حرف واحد دون الحروف الأخرى، ألا يعلم الكاتب أن هذا الاختيار حقٌّ للقراء المهرة؟ أليس للقراء العشرة اختياراتهم؟ أليس ما نقرأ به اليوم من الشاطبية والدرة والطيبة وطرق نافع العشرة هو جزء من طرق كثيرة اندثرت وانقطعت أسانيدها؟ بل كادت تنقطع أسانيد ما ذكرنا سوى الشاطبية لولا المحقق ابن الجزري رحمه الله الذي أحياها، ولولا اهتمام المغاربة بقراءة نافع.

فكم من كتب بها روايات صحيحة، لكنها انقطعت واندثرت لانقطاع أسانيدها، وهذا مناقض لقول الكاتب: (وإن كان شيء لحقه الدثور وعفت آثاره، فنعلم أنه لم يكن من القرآن، فربنا سبحانه وتعالى كتب لقرآنه الخلود)، وهذا قياس غريب، أليس القرآن خالدًا ومحفوظًا؟

ابن شهاب الزهري في مرمى السهام:
بعد أن ضعَّف الكاتب روايات البخاري، اتَّجه إلى الزهري؛ لأن أكثر مرويات جمع القرآن رواها الزهري رحمه الله، فاتَّهمه الكاتب بالتساهل في رواية الحديث، وهذا – كما قلت سابقًا – ليقنع القارئ أن الزهري ضعيف الحديث، وهذا يعني أن أحاديثه التي رواها ضعيفة، وهذا يعني أن أحاديث جمع القرآن ضعيفة، فيُثبت نظريته وفكرته.

وإني لأتأسَّف؛ لأن أكثر من طعن في الزهري هم المستشرقون، وأكثرهم المستشرق اليهودي "جولد زيهر"، وهدفهم ليس الزهري، بل الأحاديث التي رواها، فالطعن في الزهري طعن في أحاديثه، والطعن في أحاديثه طعن في القرآن، والطعن في الزهري طعن في الصحابة، والطعن في الصحابة طعن غير مباشر في رسول الله صلى الله عليه وسلم.

والزهري إمام جهبذ ثقة صالح، كل الأئمة العظام في حياته أو بعد مماته يذكرونه بخير ويثنون عليه، ويردون عنه اتهامات المبطلين.

الجمع حفظ أم كتابة:
استدل الكاتب بحديث أنس بن مالك رضي الله عنه ليُثبت أن القرآن جُمع في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وفي الحديث: (مات النبي صلى الله عليه وسلم ولم يجمع القرآن غير أربعة: أبو الدرداء ومعاذ بن جبل وزيد بن ثابت وأبو زيد، قال: ونحن ورثناه).

ثم فسَّر (ونحن ورثناه) أن أنسًا وأهله ورثوا مصحف أبي زيد لقرابة بينهم، وهذا تفسير باطل.

ما الذي يشير في الحديث إلى (المصحف)؟ ولماذا لا يُطلعنا الكاتب على حديث آخر لأنس ذكر فيه أبا زيد فقال: (وكان رجلًا منا من بني عدي بن النجار، أحد عمومتي، ومات ولم يدع له عقبًا، ونحن ورثناه)، فبالجمع بين الحديثين يُفهم كلام أنس رضي الله عنه، فإن أبا زيد هذا لم يكن معروفًا فسأله الناس عنه، فأجاب أنس هذا الجواب.

ثم إن الكاتب يرى أن كلمة الجمع لا تعني الحفظ، بل تعني الجمع في المصحف، وهذا وحده ينسف كل ادعاءاته، فهو يذكر لنا كثرة الكتَّاب والمصاحف، ثم يستدل برواية تثبت أن من جمع - أي من كتب المصاحف - هم أربعة فقط.

ولكن الصحيح أن الجمع هو جمع الصدور لا جمع السطور، ألم يسمع الكاتب عميد كلية القرآن الكريم بمصطلح جمع القراءات العشر وبالقارئ الجامع؟ هل هؤلاء جمعوا القرآن حفظًا أم كتابة؟

تناقض آخر:
أتذكرون استشهاد الكاتب بحديث الأربعة الذين جمعوا القرآن، ها هو يريد أن يبيِّن لنا أن الذين جمعوا القرآن كانوا ألوفًا مؤلفة، حيث استدل الكاتب بقول للإمام النووي رحمه الله: (اعلم أن القرآن العزيز كان مؤلفًا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم على ما هو في المصاحف اليوم، ولن لم يكن مجموعًا في مصحف، بل كان محفوظًا في صدور الرجال، فكان طوائف من الصحابة يحفظونه كله، وطوائف يحفظون أبعاضًا منه).

وهذا هو التناقض الأول الذي بيَّنَّاه، أما التناقض الثاني فهو اقتصار الكاتب على قول الكاتب (فكان طوائف)؛ ليستدل بذلك على أن الحفاظ من الصحابة كانوا ألوفًا، لكنه لم يستشهد بقول الكاتب بعد ذلك: (ولكن لم يكن مجموعًا في مصحف، بل كان محفوظًا في صدور الرجال)، فكأن الكاتب يريد أن نفهم كلام النووي بطريقته، فالنووي يتكلم عن الحفظة من الصحابة وعددهم كثير، وكانوا يحفظونه في الصدور ولم يكن مجموعًا في مصحف، لكن الكاتب كعادته اقتطع جزءًا من الحقيقة ليصل فقط إلى مبتغاه.

الرسم العثماني:
في الباب الثالث استمر الكاتب في محاولة إثبات أن جمع القرآن كان في العهد النبوي، فاستدل بآية ﴿ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ ﴾ [القيامة: 17]، ففسَّر الجمع هنا أنه الجمع في الصحف حتى يقرأه النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك، وهذا لم يقل به أحد من المفسرين، وهو مناقض لصفة الوحي، ومناقض للأحاديث التي تدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يُقرئ ما نزل عليه مباشرة بعد أن تزول عنه شدة الوحي.

جاء في تفسير الطبري: (يقول تعالى ذكره: إن علينا جمع هذا القرآن في صدرك يا محمد حتى نثبته فيه، (وقرآنه): يقول: وقرآنه حتى تقرأه بعد أن جمعناه في صدرك).

لكن الكاتب كعادته يرد حديث البخاري في تفسير ابن عباس للآية، وحجته أن ابن عباس لم يكن موجودًا لما نزلت الآية، وهذا قياس باطل.

ثم يصف الروايات الصحيحة مرة أخرى بالحكاية المصنوعة والحكاية المزوَّرة، ومن الروايات التي طعن فيها اختلاف عمر بن الخطاب رضي الله عنه مع هشام بن حكيم في القراءة واحتكامهما إلى النبي صلى الله عليه وسلم، نسأل الله العافية.

وحتى لو صحَّ قول الكاتب أن المصحف كان مكتوبًا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فهو يهدم بذلك ما يسمَّى بالرسم العثماني، ويطعن في الروايات التي تفيد أن نقط القرآن وتشكيله تم في عهد الأمويين، ويصف مصاحف الصحابة التي يُحتفظ بها اليوم كمخطوطات أنها مصاحف الورَّاقين، وأنها من تدبير الحاقدين على الإسلام، وذلك لأن تلك المصاحف ليس فيها نقط ولا شكل، وهذا هو الاستئصال بعينه.

خاتمة:
ماذا أراد الكاتب ببحثه هذا؟ وأي نظرات جديدة ولفتات بارعة في تاريخ حفظ القرآن وضبطه، ونقطه وشكله، وجمعه وتدوينه؟
هل أتى الكاتب بجديد؟ وهل كان القرآن سيتغير لو أنه أثبت أنه جُمع في عهد النبي صلى الله عليه وسلم لا في عهد الخلافة الراشدة؟
ماذا استفاد الكاتب وماذا يستفيد القارئ من الكتاب؟
فسَّر الكاتب كتاب الله على هواه وردَّ تفسير العلماء.
طعن الكاتب في صحيح حديث النبي صلى الله عليه وسلم.
طعن في البخاري والزهري رحمهما الله.
أبطل وجود النسخ في القرآن الكريم.
هدم علم الرسم العثماني وضبط المصحف وتنقيطه وتشكيله.
منع اختلاف القراءات بحجة أن القراءة واحدة هي قراءة النبي صلى الله عليه وسلم، ولأن من أركان القراءات الرسم، فإنه نفى اختلاف القراءات ليثبت أن القرآن كان مكتوبا في العهد النبوي على قراءة واحدة.
استعمل أسلوب الطاعنين في الإسلام وأسلوب المستشرقين.
حاول الكاتب أن يثبت فكرة واحدة، فهدم القواعد والأصول وشكَّك في العلماء، وهذا يفتح بابًا للتشكيك في السنن، وفي الفقه والعقائد والتفسير وعلوم القرآن وعلوم الحديث؛ إذ كلها مبنية على القرآن الكريم والسنن الصحيحة.

وفي الأخير ننصح القراء والمتخصصين في علوم القرآن والقراءات أن يأخذوا علوم القرآن من كتب الأئمة الذين ألَّفوها على منهج سلفنا الصالح، كما ننصح دور النشر والمواقع الإلكترونية التي تتيح الاستفادة من هذا الكتاب قراءة وتحميلًا أن يصادروا الكتاب؛ لكيلا يصل إلى القراء درءًا للمفاسد.


كما نلتمس من السادة العلماء أن يطَّلعوا على مثل هذه المؤلفات ويمنعوا إصدارها ونشرها وتوزيعها، وعلى أولياء الأمور أن يمنعوها من التداول ورقيًّا أو إلكترونيًّا.


ونسأل الله العفو والعافية لنا ولكاتب الكتاب وللمسلمين جميعًا، كما أتمنى أن تبلغه كلماتي هذه لعله يتراجع عما دوَّنه في هذا الكتاب، والله تعالى أعلى وأعلم بالصواب.

والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 86.23 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 84.10 كيلو بايت... تم توفير 2.14 كيلو بايت...بمعدل (2.48%)]