عون الرحمن في وسائل استثمار رمضان ----يوميا فى رمضان - الصفحة 6 - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         لا سمَرَ إلَّا لِمُصَلٍّ ، أوْ مُسافِرٍ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          على أبواب العشر الأواخر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          رمضان شهر الإقبال على مجالس العلم والعبادة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          التغيير الشامل في رمضان .. هل هو ممكن؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          تاريخ غزوة بدر .. الميلاد الثاني (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          أخلاقيات الزواج في السنة النبوية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          ماهو الوقف في الإسلام ؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          الحمية .. ما لها وما عليها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          آيات وأحاديث في فضل الدعاء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          غزوة بدر الكبرى (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام

الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #51  
قديم 23-05-2020, 03:31 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,500
الدولة : Egypt
افتراضي رد: عون الرحمن في وسائل استثمار رمضان ----يوميا فى رمضان

مقتضيات القبول:
أولاً: الانكسار لعظمةِ الله؛ وتهانينا إليه بفضلِ الله الذي آتاه، وأنَّ ذلك يعني منه مزيد انكسارٍ لعظمةِ الله - تعالى - ومزيد سعي لشكران تلك النعم؛ فعن أبي عمران الشيباني أنَّ موسى - عليه السلام - قال يوم الطور: "يا رب، إنْ أنا صليت فمِن قِبلك، وإن أنا تصدقتُ فمن قِبلك، وإن أنا بلَّغتُ رسالاتك فمن قبلك، فكيف أشكرك؟ فقال - تعالى -: الآن شكرتني".
فهذا قولُ الكليم، وهو قولُ العارف بفضلِ الله المقر بإحسانه؛ يقول: إنْ أنا صليتُ فمن قِبلك؛ لا من سعي نفسي، ولا من تحصيلها، فلو وُكلت إلى نفسي، ولو وُكلت النفسُ إلى ما فيها، لما كان من العبدِ إلا العجز والتقصير والتواني، والذنب والخطيئة والسيئات، فلو كانت الصلاةُ شكرًا فما هي من سعيي، والشكر فعل ينسبُ إلى العبدِ لا إلى صاحبِ الإنعام والإكرام، وكذلك الصدقة والبيان عن اللهِ، ذهبت حيل السُّعاة في شكر الله، وعجزوا عن شكرِ الله على نعمه، فأصبح إقرارُهم بالعجزِ هو إعلانهم بالشكر.
إقرارك بعجزِك عن الشكرِ هو حقيقة ذلك الشكر؛ فإنَّ شكر نعمة الله يكون بنعمةٍ أخرى من الله وفضلٍ وإحسان يستوجبُ شكرًا آخر، حتى يكون الشكرُ الآخر نعمةً أخرى تستوجب شكرًا آخر، وهكذا فيفضي الحال إلى الإقرارِ بالعجز، والإعلان بالقصور، وأن شكر نعمةِ الله هو الإعلان بالعجز عن شكره.
ثانيًا: شهود منة الله؛ فليت شعري مَن المقبول فنهنيه على فضلِ الله الذي آتاه؟! وأنَّ ذلك يقتضي الإعلان بشكرِ نعمة الله، والإعلان بالعجز عن القيام بذلك، وأن ذلك يقتضي مع تلك التهنئة الالتفات للعمل والنظر إليه، حتى يشهدَ منةَ الله فيما كان، وحتى يرى تقصيرَ نفسِه في كل عبادة يرى فيها أوجه عجزِه، وأبواب قصوره، وضعفه وتوانيه وتباطئه مع فضل الله السَّابق، وإحسانه الغالب عليه.
ثالثًا: مطالعة عيب النفس والعمل؛ فتهنئة المقبولين تعني التفاتًا إلى نعمةِ ربِّ العالمين، وتعني رجوعًا إلى هذه الأعمالِ التي كانت؛ بالنظر إليها، والتفتيش في أوجهِ القصور والنقص فيها، وأنه كان ينبغي أن تكون هذه الأعمال أفضل مما تأدت، وأن حقَّ الله أعظم من ذلك، وأن حقَّ خطايا هؤلاء المقبولين وسيئاتهم يقتضي عملاً أكثر، فما يُزيل أدرانَ قلوبهم أضعاف أضعاف ما قدموا، بل إنَّ هذه السيئات والعيوب تقتضي منهم سعيًا موصولاً، وعبادةً غير منقطعة، وشغلاً دؤوبًا بذكرِ الله ومحبته إلى الممات، لا يقوم حقُّ الله بدون ذلك.
رابعًا: استقامة القلب؛ فليت شعري مَن هذا المقبول فنهنيه؟ حتى تكون تهنئتُنا له على ما نال قلبُه من ذلٍّ لله وتعظيم لأمره، وانكسارٍ من ذلك القلب، ورقةٍ على الخلق؛ ليستديم ذلك الحال، وليتحول إلى شخصٍ آخر بعد منحة الله - تعالى - له في رمضان وعطائه إليه وإحسانه.
خامسًا: الثبات على العمل الصالح؛ فليت شعري مَن المقبول فنهنيه؟ بأن يرجو موسمَ رمضان آخر، بينهما عبادة موصولة، وشغل بالله وطاعته، وخدمته ومحبته، شغل دائم غير منقطع؛ ليتحولَ إلى شخص مقتدٍ بالنبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقد كان عملُه دِيمَةً كما في الصحيحين، وفيهما: ((أحبُّ الأعمال إلى الله أدومها وإن قلَّ)).
وليت شعري من هذا المحروم فنعزيه؟ حتى يرى أنَّ مصيبةَ الدينِ أعظم من مصيبة الدنيا، وأنَّ الضرَّ الذي في عمله الصالح ينبغي أن يكون أشد عليه من ضرِّه في بدنِه أو ماله، وأنه مهما أصابه من مصائب الدنيا، فحق جبرانها، وتعويضها مضمون، وأمَّا مصيبة الدِّين، فحظه من الله قد ذهب، وحظه من الآخرة قد ولَّى.
مقتضيات الحرمان:
أولاً: الإقرار بظلمِه لنفسه؛ فليت شعري من هذا المحروم فنعزيه - وكلنا ذلك المحروم؟ حتى يعلم أنَّ ما أصابه بكسبِه، ومرذول عمله، وسيئاته في قصدِه ووجهته، وأنَّ ذلك مع إحسانِ الله وفضله غير لائق منه، وغير مناسب لعقلِه وإيمانه، وأنَّ الله لم يظلمه شيئًا، ولكن ظلم نفسَه.
ثانيًا: التنبه لشؤم السيئات؛ فليت شعري من هذا المحروم فنعزيه؟ ويعلم أنَّ هذه السيئات والتفريطات، إنما هي نتاج سابق السيئات والتفريطات، وأنَّ جزاء الحسنة التوفيق لحسنة بعدها، وأنَّ عقوبة السيئة الخذلان حتى يقعَ في سيئة تتلوها.
ثالثًا: لزوم الوقوفِ بالباب؛ فليت شعري من هذا المحروم فنعزيه؟ ويكون عزاؤنا أنَّ فضل الله الواسع يقتضي لزوم الوقوف بالباب، وألا يفارق العبدُ بابَ ربِّه مهما كان من ظلمِ العبد أو سوء فعله، فلا يزال من الله الإحسانُ والعطاء، وإن كان من المكلَّفين الإساءةُ وسوء الفعل.
رابعًا: لزوم التوبة؛ فليت شعري من هذا المحروم فنعزيه؟ ويعلم أنَّ الله يبسطُ يدَه بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يدَه بالنَّهارِ ليتوب مسيء الليل، حتى تطلعَ الشمس من مغربها، ويعلمُ أنَّ باب الله لا يزال مفتوحًا، وأنَّ الله لا يردُّ توبةَ التائب، فلا تزالُ التوبةُ متاحةً ما لم تبلغ روحك - أيها المحروم - حلقومَك، فمتى أمدَّك الله وأفسح في أجلِك، فلا تزال مدةُ تراجُعِك قائمةً، ولا يزال أمر توبتك لازمًا غير معفي أنت منه.
خامسًا: إصلاح العمل؛ فليت شعري من هذا المحروم فنعزيه؟ حتى يعلم أنه لا بد له من أن يصلحَ عملَه، حتى يكون عملُه ذلك بالنيةِ الخالصة لربِّ العالمين، وحتى يكون عملُه ذلك وَفْقَ سنة النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - وحتى يكون عملُه ذلك خاليًا من آفةِ الغرور وآفة العجب، فلا يرى عملاً يُعجب به، بل يرى فضلَ الله الذي يستوجبُ انكسارَه وذله لربه، وإعلانه بالعجزِ عن شكره، ولا يرى نفسَه التي تأدى منها العمل، بل يرى نفسَه التي هي أسباب القصورِ في العمل والعجز عن القيام بحق الله - تعالى.
سادسًا: إنما يتقبلُ الله من المتقين؛ قال علي - رضي الله عنه -: "كونوا لقبولِ العمل أشد منكم اهتمامًا بالعمل، ألم تسمعوا اللهَ - عز وجل - يقول: ï´؟ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ï´¾ [المائدة : 27]؟".
فإذا ذهبت مواسمُ الطاعاتِ بقي بعد ذلك استكمال حقوق هذه الطاعات، واستتمام ما يكون من لوازمِها؛ من النَّظرِ فيها، والتفتيش في آفاتها، والحذر من إفشائها؛ حتى يكون أبعد عن الرياء.
وقد يسأل سائل:كيف أعرف أنني من المقبولين؟
والجواب - والله أعلم -:
1- أن يجدَ قلبَه أقرب إلى الله، وآنس به، وأحب إليه، فهذه ثمرةُ الطاعةِ وعلامات القبول.
2- أن يحبَّ الطاعاتِ ويقبل عليها، ويشعر أنَّ أبوابَها تتفتح له وييسر له فعلُها، ويشعر أنَّ أبواب المعاصي تغلق عنه ويصرف عنها، ويكرهها ويستنكف عن فعلها.
3- ألاَّ يفقد الطاعات التي كان يقومُ بها في رمضان، بل يواظب عليها، بل ويستحدث بعد رمضان أعمالاً لم تكن له قبل رمضان.
4- ألاَّ يعود إلى الذنوبِ التي تاب منها في رمضان؛ فقد تكلَّمَ العلماءُ فيمن تاب من ذنبٍ ثم عاد إليه بأنَّ هذا دليل على أنَّ توبتَه لم تُقبل؛ لأنَّها لو قُبلت لما عاد إلى الذنبِ مرة أخرى؛ ولذلك ثبت في الصحيحين أنَّ ((مَن أساء في الإسلام أُخذ بالأوَّلِ والآخِر))؛ أي: عوقب بذنوبِه السابقة أيضًا؛ لأنَّ في الإساءة بعد التوبة حبوط للتوبة، ولعلَّ من أسرارِ هذا الأمرَ بالعمل الصالح بعد التوبة؛ كما قال - تعالى -: ï´؟ إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ï´¾ [الفرقان : 70]، وفي الحديثِ الذي أخرجه أحمد وحسنه الألباني: ((وأتبع السيئةَ الحسنةَ تمحها))، فاشتراطُ العملِ الصالح بعد التوبة حزمٌ في منع الرجوع إلى الذنب.
5- استشعار المنة وعدم الإدلال بالعمل؛ فقد يُبتلى العبدُ بعد رمضان بشعورٍ غامر أنه أدَّى ما عليه، وحبس نفسَه في رمضان عن أشياء كثيرة مما يشتهيه، فتجده يوم العيدِ عاصيًا! وهذه من علاماتِ عدم القبول؛ أن ينقلبَ على عقبيه بعد رمضان مباشرة؛ ولذلك من علاماتِ القبول أن تجدَه خائفًا على العمل، وجِلاً ألا يتقبل، مستشعرًا فضل الله ونعمته عليه، متحدثًا بذلك، شاكرًا لأنعم الله، مواصلاً للذكر.
6- ذكر ابن رجب أنَّ من علاماتِ قبول رمضان صيامَ ستٍّ من شوال، وذكر لصيامِ الست فوائدَ عظيمة لا أستطيعُ أن أغفلها، فخذها هنيئًا مريئًا، وافرح - إن صمت الأيام الست - بهذه النيات، ولعلَّ فهمك لهذه الفوائد وعملك بها رزقٌ ساقه الله إليك ليقبلك، فهيا أيها المقبول، أبشرْ بعد أن تعمل.


فوائد صيام ست من شوال بعد رمضان:
1- تحصيل ثواب صيام الدَّهر، وقد سبق بيان ذلك.
2- صيام شوال وشعبان كصلاة السنن الرواتب قبل الصلاة المفروضة وبعدها، فيكمل بذلك ما حصلَ في الفرائضِ من خللٍ ونقص؛ فإنَّ الفرائضَ تكملُ بالنوافلِ يوم القيامة، كما ورد عن النبي من وجوه متعددة.
3- معاودة الصيام بعد صيام رمضان علامةٌ على قبولِه؛ فإن الله إذا تقبَّلَ عملَ عبدٍ وفقه لعملٍ صالح، فمن رام أن يعلمَ مدى قبولِ عمله من ذلك، فليعوِّد نفسَه على الصيام والقيام من جديدٍ، حتى يكون صيامُه الثاني علامةَ قبول صيامه الأول، وحتى يكون قيامُه الآخر علامةً على قبول قيامه السابق عليه.
4- صيام رمضان يستوجبُ مغفرة ما تقدَّم من الذنوب، والصائمون يوفون أجورهم يوم الفطر، فيكون معاودة الصيام بعد الفطرِ شكرًا لهذه النعمة، فإنَّ شكر النعمة إنما يكون بفعلٍ من جنسها، حتى يكون الصيامُ نعمةً تستوجب شكرًا بصيام آخر، ويكون ذلك الصيام نعمة تستوجب شكرًا بصيام غيره، وهكذا، وكان وهيب بن الورد يُسأل عن ثوابِ شيء من الأعمالِ؛ كالطواف ونحوه، فيقول: "لا تسألوا عن الثَّوابِ، ولكن سلوا ما الذي على مَن وُفِّقَ لهذا العمل من الشكر؛ للتوفيق والإعانة عليه".
5- كثير من النَّاسِ يفرحُ بانقضاء رمضان؛ لاستثقال الصيام وملله وطوله عليهم، ومَن كان هذا حاله، فلا يكاد يعودُ إلى الصيامِ سريعًا، فالعائد إلى الصيامِ بعد فطره يوم الفطر يدل عودُه على رغبتِه في الصيام، وأنه لم يمله ولم يستثقله ولا تَكَرَّهَ به.
6- في صيام هذه الأيام الستة من شوال استدراكٌ لما فات العبدَ من وظائف الصيام؛ من وظائفِ إصلاح نفسِه وإقامتها على أمر الله، ومن الوظائفِ المرجوَّةِ كذلك من الصيامِ؛ من الإحسان إلى الفقراء، ومن إدراك نعمةِ الله في الأموال، ومن شكر نعم الله، ومن تخلي العبد للذكر والفكر؛ فإن شأنه في الفطرِ أن يكون مشغولاً عن الذكر والفكر، والصيام معين له على ذكرِ الله - تعالى - والتفكر في آخرته.
7- في صيام أيام شوال إعلانٌ ببقاء وظائف العبادة ما بقي العبد دهره، فليست تذهبُ مع المواسمِ الطاعاتُ، بل إن ذهبت المواسم فلا يزالُ الله أهل العفو وأهل المغفرة، ولا تزال مغفرته وعفوه يُرْجَوان بالعبادةِ من الصيام والقيام، فما تنقضي أبدَ الدهر وظيفةُ الصيام، وما تنقضي مدةَ حياة العبد وظيفةُ القيامِ وتلاوة القرآن.
8- في صيام هذه الأيام من شوال، وفى إتباعِها رمضان من غير مهلة ولا تراخٍ - إعلانٌ بعدم سآمةِ العبد من العبادة، وأنه لم ينتظر ذهاب رمضان وانقضائه، وأنه ما ملَّ وقوفَه بباب ربه، وما سَئِمَ التعرضَ لفضلِه وعطائه ونواله، وأنه لا يزال باقيًا مصرًّا، باقيًا على وظيفةِ العبادة، مصرًّا على التعرضِ لفضل الله وعطائه.
مسألة قضاء رمضان أولاً، أم ست من شوال؟
عن أم سلمةَ أنها كانت تأمر أهلَها: "من كان عليه قضاء من رمضان أن يقضيَه الغد من يوم الفطر"، فمن كان عليه قضاء من شهرِ رمضان، فليبدأ بقضائه في شوال؛ فإنه أسرع لبراءةِ ذمته، وهو أولى من التطوعِ بصيامِ ست من شوال، فإن العلماء اختلفوا فيمن عليه صيام مفروض، هل يجوزُ أن يتطوَّعَ قبله أم لا؟ وعلى قولِ مَن جوَّز التطوعَ قبل القضاء، فلا يحصل مقصود صيام ستة من شوال إلا لمن أكملَ صيامَ رمضان، ثم أتبعه ستًّا من شوال، فمن كان عليه قضاء من رمضان، ثم بدأ بصيامِ ست من شوال تطوعًا، لم يحصل له ثوابُ مَن صام رمضان ثم أتبعَه بست من شوال؛ حيث لم يكمل عدة رمضان، كما لا يحصلُ لمن أفطر رمضان لغير عذرٍ بصيامه ستة من شوال أجرُ صيام السنة بغير إشكال.
ومن بدأ بالقضاءِ في شوال، ثم أراد أن يتبعَ ذلك بصيام ست من شوال بعد تكملة قضاء رمضان، كان حسنًا؛ لأنَّه يصير حينئذٍ قد صام رمضانَ وأتبعه بستٍّ من شوال، ولا يحصل له فضل صيام ست من شوال بصومِ قضاء رمضان؛ لأنَّ صيامَ الست من شوال إنما يكونُ بعد إكمال عدة رمضان.
ومن علاماتِ القبول أيضًا أن تسارعَ إلى الطَّاعةِ محبًّا لها، وتترك المعصية أنفةً منها، وإذا رأيتَ أبواب الخير تتفتح لك - كما في رمضان أو أزيد - مثل البكاءِ ورقة القلب والسهر وقلة النوم وغيرها، فهذه من علاماتِ القَبول.
وأيضًا إذا كنتَ بعد رمضان أفضلَ مما كنت عليه قبل رمضان، وتستشعر أنَّ لك قلبًا جديدًا ينبضُ بحبِّ الله، وتحس أنك تحبُّ ربَّك أكثر، وتحب ذكره والقيام بين يديه، وتحب شكره وتحب الإقبال عليه.
إنَّ حقَّ كل عمل صُحب بالإخلاص، فكانت النية فيه غير مشوبة برياء أو سمعة - أن يكون لهذا العمل حراسة؛ حتى لا يتطرق إليه ضربٌ من ضروبِ الخلل، وهذه الحراسة تكون بما يلي:
1- بالحذرِ من الإدلالِ بالطَّاعة؛ فلا يحصل من العبد مَنٌّ على الله - تعالى - أو على خلقِه بذلك العمل.
2- بالحذر من العجب؛ فلا يدرك النفسَ بهذا العملِ عجبٌ، ودفعُ العجبِ يكون بشهود منة الله - تعالى - عليك وتقصير نفسك، فتندفع رؤيتك لعملك حين تكون مستغرقًا برؤية نعمة الله - تعالى - لا برؤيةِ عملك.
3- بالحذرِ من الغرور، وغرورُ النفس مبني على نسبةِ ما كان من السعي لكسبها، ومن العملِ لتحصيلها، وهي نسبة كاذبة غير صحيحة، فما كان من سعي أو كسب، فذلك فضل الله، لا نسبة لشيء من ذلك للعبد ألبتة.
4- بالمداومة على الطاعات؛ فعلامةُ قبولِ العمل التوفيقُ لنظائرِه وأمثاله بعد انقضائه، وحقُّ ذلك العمل أن يعلمَ أنَّ انقضاءَ موسم ذلك العمل يعني استجماع عدوِّه قوته في حبسه عن المزيدِ من ذلك العمل، حتى يجمعَ العدوُّ اللعين كلَّ الموانع والقواطع عن الصيامِ والقيام وتلاوة القرآن، فيحصل بعد رمضان انحدارٌ شديد لما كان من الأعمالِ الصَّالحة بذهابها وفواتها.
5- بالاستعانةِ بالله لدفعِ الشَّواغل؛ فحق تلك الأعمال التي آتانا الله إياها، وأعاننا عليها، أن نحذرَ لها من مكايدِ العدو المتربص بها، حتى إذا جمع الشواغل، وكثَّر الهموم والموانع والقواطع، كان عندنا من استعانتنا بالله - تعالى - واستمدادنا لقوتِه ما يدفع الشواغلَ والموانع والقواطع، وإلا فإنَّ أي استسلام لذلك يعني ذهاب رمضان وانقطاعه بأعماله الصالحات، ويعني رجوعَ العبدِ إلى مرذول عاداتِه وسيئ مألوفاته، التي هي حبسٌ عن الله - تعالى - وانقطاع عن السيرِ إليه، وتقصير في تحصيلِ أسباب النجاة.
أخي يا بن الإسلام

اعلم أنَّ الراحةَ لا تُنال بالراحة، ومعالي الأمور لا تُنال بالفتور، ومن زرع حصد، ومن جدَّ وجد، لله دَرُّ أقوام شَغَلهم تحصيلُ زادهم عن أهاليهم وأولادهم، ومال بهم ذكرُ المآل عن المال في معادهم، وصاحت بهم الدنيا فما أجابوا شغلاً بمرادهم، وتوسَّدوا أحزانهم بدلاً من وسادهم، واتخذوا الليلَ مسلكًا لجهادهم واجتهادهم، وحرسوا جوارحهم من النَّار عن غيِّهم وفسادهم.
أقبلت قلوبهم ترعى حقَّ الحقِّ، فذُهلت بذلك عن مناجاةِ الخلق، فالأبدان بين أهل الدنيا تسعى، والقلوب في رياض الملكوت ترعى، نازَلَهم الخوفُ فصاروا والِهين، وناجاهم الفكرُ فعادوا خائفين، وجنَّ عليهم الليلُ فباتوا ساهرين، وناداهم منادي الصلاح حيَّ على الفلاح فقاموا متهجدين، وهبَّت عليهم ريحُ الأسحارِ فتيقظوا مستغفرين، وقطعوا بندَ المجاهدة فأصبحوا واصلين، فرجعوا وقت الفجرِ بالأجر فيا خيبة النادمين.
أخي يا بن الإسلام، إنَّ عمل الصالحات لا ينقطعُ عنك ما دامت فيك روح، فعل الطاعات لا يسقط عنك ما دام يتردد فيك نَفَس، وأينما وجدت خيرًا فسارعْ إليه وشارك، اللهم ارزقنا فعلَ الخيرات وترك المنكرات وحب المساكين، وإذا أردت بعبادِك فتنة فاقبضنا إليك غيرَ مفتونين، ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرةِ حسنة، وقنا عذاب النَّار، اللهم خذ بنواصينا إلى ما تحبُّ وترضى، اللهم أحسن عاقبتَنا في الأمور كلِّها، وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة؛ إنَّك على ما تشاء قدير، وبالإجابةِ جدير، وحسبنا الله ونعم الوكيل.
عبادَ الله، هذه الشهور والأعمال والليالي والأيام كلُّها مقادير للآجال، ومواقيت للأعمال، ثم تنقضي سريعًا، وتمضي جميعًا، والذي أوجدها وابتدعها وخصَّها بالفضائلِ وأودعها باقٍ لا يزول، ودائم لا يحول، هو في جميعِ الأوقات إله واحد، ولأعمال عباده رقيبٌ مشاهد.
فسبحان من قلَّب عبادَه في اختلافِ الأوقات بين وظائف الخَدَم؛ ليسبغَ عليهم فيها فواضلَ النِّعَم، ويعاملهم بنهايةِ الجود والكرم، لَمَّا انقضت الأشهرُ الثلاثة الكرام، التي أولها الشهر الحرام، وآخرها شهر الصيام، أقبلت بعدها الأشهرُ الثلاثة؛ أشهرُ الحجِّ إلى البيت الحرام، فكما أنَّ من صام رمضانَ وقامه غُفر له ما تقدَّم من ذنبه، فمن حجَّ البيت ولم يرفث ولم يفسق رجع كيومَ ولدتْه أمه، فما يمضي من عمرِ المؤمن ساعة من الساعات، إلا ولله فيها عليه وظيفة من وظائف الطاعات، فالمؤمن يتقلبُ بين هذه الوظائف، ويتقرَّب بها إلى مولاه وهو راجٍ خائف، والمحب لا يملُّ من التقربِ بالنوافل إلى مولاه، ولا يأمل إلا قربه ورضاه.
أخي يا بن الإسلام، ليس من رغبَ إلى الله كمن رغب عن الله، ليس من بقي مع الله كمن بقي عن الله، ليس مَن عمره كله رمضان كمن عمره كله للجشاء والطعام، فالحذرَ الحذرَ من المعاصي، فكم سلبت من نعمٍ، وكم جلبتَ من نقم، وكم خربت من دِيار، وكم أَخلت دِيارًا من أهلها فما بقي منهم دَيَّار، كم أخذت من العصاة بالثمار، وكم محت لهم من آثار! فيا مَن ذنوبه كثيرة لا تُعد، ووجه صحيفتِه بمخالفتِه قد اسود، كم أدعوك إلى الصيامِ وتأبى إلا الصد! أمَا الموت قد سعى نحوك وجَدَّ؟! أما عزم أن يُلحقك بالأب والجد؟! أما ترى منعَّمًا قد أتربَ الثرى منه الخد، فاحذر أن يأتي على المعاصي فإنه إذا أتى أبى الرد.
فاغتنموا إخواني زمنكم، وبادروا بالصحةِ سقمكم، واحفظوا أمانةَ التكليف لمن أمَّنكم، وكأنكم بالحميمِ وقد دفنكم، وبالعملِ في القبر وقد رهنكم؛ قال بعضهم: "صم الدُّنيا، واجعل فطرَك الموت! الدنيا كلُّها شهرُ رمضان؛ المتقون يصومون فيه عن الشهواتِ المحرمات، فإذا جاءهم الموتُ فقد انقضى شهرُ صيامهم، واستهلوا عيد الفطرِ، فمن صام اليوم عن شهواته، أفطر عليها بعد مماته، ومن تعجَّل ما حُرِّمَ عليه قبل وفاته، عوقب بحرمانِه في الآخرة وفواته؛ شاهد ذلك: ï´؟ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ ï´¾ [الأحقاف : 20]".
يا غيومَ الغفلة عن القلوب تقشعي، يا شموسَ التقوى والإيمان اطلعي، يا صحائفَ أعمال الصائمين ارتفعي، يا قلوب الصائمين اخشعي، يا أقدامَ المتهجدين اسجدي لربك واركعي، يا عيونَ المجتهدين لا تهجعي، يا ذنوبَ التائبين لا ترجعي، يا أرضَ الهوى ابلعي ماءك ويا سماء النفوسِ اقلعي، يا بروقَ العشَّاقِ للعشاق الْمعي، يا خواطرَ العارفين ارتعي، يا همم المحبين بغيرِ الله لا تقنعي.
قد مُدت في هذه الأيامِ موائد الإنعام للصوام، فما منكم إلا من دعي: ï´؟ يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ ï´¾ [الأحقاف : 31] ويا همم المؤمنين أسرعي، فطوبى لمن أجاب وأصاب وويل لمن طُرد عن الباب وما دُعي.
يا من طالت غيبته عن اللهِ أبشر فقد قربت أيامُ المصالحة، ويا من دامت خسارتُه طول العام أبشر فقد جاءت أيامُ التجارة الرابحة، من لم يربح في رمضان فمتى يربح؟! ومن لم يتب فيه إلى مولاه فهو على بعده لا يبرح! كم ينادَى: حي على الفلاح وأنت خاسر! وكم تُدعى إلى الصلاحِ وأنت على الفساد مثابر!
إذا رمضان أتى مقبلاً فأقبل، فبالخير يُستَقبل، لعلك تُخطئه قابلاً وتأتي بعد فلا تُقبَل، فمن يضمن أن يعيشَ إلى رمضان؟! كم مِن آملٍ أن يصومَ هذا الدهر فخانه أملُه، فصار قبله إلى ظلمةِ القبر، كم من مستقبلٍ يومًا لا يستكمله! ومؤمل غدًا لا يُدركه! إنكم والله لو أبصرتم الأجلَ ومسيره، لأبغضتم الأملَ وغرورَه، لقد خاب وخسر من خرج من رحمةِ الله التي وسعت كل شيء، وحُرِم جنة عرضها السموات والأرض، فاتقوا الله عبادَ الله قبل نزولِ الموت واقتراب مواقيته، وإني لأقولُ لكم هذه المقالةَ وما أعلم عند أحدٍ من الذنوب أكثر مما عندي، ولكني أستغفر الله وأتوب إليه، فاللهم اغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا، وما أسررنا وما أعلنا، وما أنت أعلم به منَّا.

إخوتي، تالله لو قيلَ لأهل القبور: تمنوا، لتمنوا يومًا من رمضان، ونحن ما زلنا على قيدِ الحياة، فاللهَ اللهَ اغتنموا هذه الفضيلة، في هذه الأيام القليلة، تعقبكم النعمة الجزيلة، والدرجة الجليلة، والراحة الطويلة، والحالةُ الرضية، والجنَّة السرية، والعيشة الرضية، لا تُنال إلا بالوقارِ في هذا الشهر، ومن لا يوقره كان مصيرُه إلى النَّار، وبئس القرار.يا إخوتاه، أيام رمضان أيام محو ذنوبكم، فاستغيثوا إلى مولاكم من عيوبِكم، هذه أيام الإنابة، فيها تفتحُ أبواب الإجابة، فأين اللائذ بالجناب؟! وأين المتعرِّض بالباب؟! أين الباكي على ما جنى؟! أين المستغفر لأمرٍ قد دنا؟! أين المعتذر مما جناه؛ فقد اطلع عليه مولاه؟! أين الباكي على تقصيرِه، قبل تحسره في مصيرِه؟!يا مطرودًا ما دَرَى، تُعاتب ولا تفهم ما جرى؟! متى تُرى على البابِ تُرى، يا مضيعًا اليوم تضييعه أمس، تيقظ ويحك فقد قتلتَ النَّفس، واحفظ بقيةَ العمرِ فقد بعت الماضي بالبخس.يا من يجولُ في المعاصي قلبه وهمه، يا مؤثرًا الهوى على التُّقى لقد ضاع حزمه، يا معتقدًا صحته فيما هو سقمه، يا من كلما زاد عمرُه زاد إثمُه، يا طويلَ الأملِ وقد رقَّ عظمُه، يا لديغ الأملِ وقد بالغ فيه سمه، يا قليلَ العِبرِ وقد رحل أبوه وأمه، يا من سيجمعه اللَّحد عن قريبٍ ويضمُّه،كيف يوعظ مَن لا يعظه عقله ولا فهمه؟! كيف يوقظ من نام قلبه لا عينه ولا جسمه؟!يا من قد سارت بالمعاصي أخبارُه، يا من قد قبح إعلانُه وإسرارُه، أتؤثر الخسرانَ - قل لي - وتختاره؟! يا كثيرَ الذنوب وقد دنا إحضاره، نقدك بهرج إذا حُكَّ معياره، قد ضاعت في الذنوب الأعمار، فأين يكون لهذا الغرس إثمار؟!من رُحم في رمضان فهو المرحوم، ومن حُرم خيره فهو المحروم، ومن لم يتزود لمعادِه فهو ملوم، فإلى متى أنت في ثيابِ البطر؟! أمَا تعلمُ مصيرَ الصور؟! أما ينفعك ما ترى من العِبر؟! أصُمَّ السمعُ أم غُشي البصر؟! تالله إنَّك لعلى خطر، آن الرَّحيلُ ودنا السفر، وعند المماتِ يأتيك الخبر، كلما خرجت من ذنوبٍ دخلت في أُخر، يا قليلَ الصفا إلى كم هذا الكدر؟! أنت في رمضان كما كنتَ في صَفَر؟! يا من إذا تاب نقض، يا من إذا عاهد غدر.يا من إذا قال كذب، كم سترناك على معصية؟! وكم غطيناك على مخزية؟! فارجع إلى سيدِك ومولاك فإنَّ عطاياه مجزية.أخي يا بن الإسلام، خذ عدتَك، والبس لأْمتك، وأصلح نيتك، واشحذ عزيمتَك، وامض - ولا تلتفت - متوكِّلاً على الله ربك، هيا - أخي - خذ كتابي عملاً، وبادر به الأجل.دبِّر لدينِك كما دبرتَ لدنياك، لو دخلتْ في قدميك شوكةٌ لسهرتَ تتألم شاكيًا طالبًا الطبيب، وهذه أشواك المعاصي ملأت قلبَك منذ سنين، فأين صوتُ الأنين؟! وأين طلب المعين؟! ويحك، ألا تتألم لقلبِك كما تألمتَ لبدنك؟!قالوا: إنَّ السَّمكةَ إذا وقعت في شباكِ الصياد ظلَّتْ تبحث عن ثقبٍ تهرب منه، حتى إذا ما وجدته رجعت إلى الوراء، ثم اندفعت بأقصى قوةٍ لتنجو من ضيقِ الأسر إلى سعةِ الحرية، فإن لم تعزم هذه العزمةَ شوتها النيرانُ بعد ساعة، وأنت - أخي - أحوج ما تكون إلى مثلِ هذه العزمة؛ فالشيطانُ ألقى عليك شباكَه، وأحكم وثاقه، وخطة مكره هدفها في النهاية أن تكونَ رفيقَه في رحلةِ العذاب الأبدي، وأن تشتركَ معه في قيدٍ واحد؛ وأنتما تشويان سويًّا في نارِ جهنَّم! فماذا أنت فاعل وكل شيء عليك؟! نفسك التي بين جنبيك، دنياك التي تلهيك، هواك الذي يريدُ أن يدمرَك، شهواتُك المصممة على إهلاكِك، لكن حسبك أنَّ الله معك؛ قد ضاعف لكَ الثَّواب، وأغدق فرصَ الرضوان، وسلسلَ جند الشيطان، والدور عليك الآن.نعم - أخي يا بن الإسلام - الدور عليك؛ أن تجعلَ من رمضان محطةَ تزودٍ للجنةِ، دورك أخي أن تتسلحَ فيه بالطاقة، وتتجهزَ بالعزم، دورك أن تجعلَ منه وقفةَ حساب، وصفحةَ مراجعة، وخطة إصلاح، ووثبة انطلاق.أخي يا بن الإسلام، أيامُ رمضان أيامٌ تُصان، هي كالتاج على رأسِ الزَّمان، وصل توقيع القدم من الرحيم الرحمن ï´؟ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ ï´¾ [البقرة : 185]، يا له من وقتٍ عظيم الشان، تجب حراسته مما إذا حلَّ شان، كأنَّكم به قد رحل وبان، ووجه الصالح مع الله ما بان، فسوف يكون عليك شاهد ï´؟ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ ï´¾، فمن اللازمِ أن تُحرس فيه العينان، من الواجبِ أن يُحفظ فيه اللسان، من المتعين أن تُمنعَ من الخُطا في الخطأ القدمان؛ فإنَّه شهرٌ عظيمُ الشان ï´؟ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ ï´¾.إخوتي، زنوا أعمالَكم في هذا الشهرِ بميزان، واشتروا خلاصَكم بما عزَّ وهان، فإن عجزتم فسلوا المعينَ وقد أعان، إن كان في الماضي قد قبح الوصف فتُبِ الآن ï´؟ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ ï´¾، قد ذهبت السنة وضاعت البضاعة، ما بين التفريطِ والإضاعة، والتسويف يمحقُ ساعة بعد ساعة، والشمسُ والقمر بحسبان ï´؟ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ ï´¾.يا واقفًا في مقامِ التحير، هل أنت على عزمِ التغير؟! إلى متى ترضى بالنزولِ في منزل الهوان؟! ï´؟ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ ï´¾ هل مضى من عمرِك يومٌ صالح؟! سلمتَ فيه من جرائمِ القبائح، تالله لقد سبق المتقي الرابح، وأنت راضٍ بالخسران! ï´؟ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ ï´¾.عينك مطلقةٌ في الحرام، ولسانك منبسطٌ في الآثام، ولأقدامك على الذنوبِ إقدام، والكل مثبت في الديوان ï´؟ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ ï´¾، قلبك غائب في صلواتِك، وفكرك غارق في شهواتك، فإن ركن إليك راكن في معاملاتِك، دخلتَ به خان مَنْ خان ï´؟ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ ï´¾.يا هذا، أكثرُ كلامِك لهو وهَذَر، والوقت بالتفريطِ شَزَرَ مَزَر، فإن تغتبْ مسلمًا لم تُبقِ ولم تذر، الأمان منك الأمان، ولو في ï´؟ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ ï´¾.تالله لو عقلتَ حالَك، أو ذكرت ارتحالَك، أو تصورت أعمالَك، لبنيتَ بيتَ الأحزان، واعتكفت في ï´؟ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ ï´¾.أخي يا بن الإسلام، سيشهد رمضان عليك، بنطقِ لسانك ونظر عينيك، وسيشار يوم الجمع إليك، شقي فلان بن فلان؛ لأنه ضيَّعَ ï´؟ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ ï´¾.أخي، في كلِّ لحظة تقتربُ من قبرِك، فانظر لنفسِك في تدبير أمرِك، وما أراك إلا في أولِ شهرك، الأول والآخر سيان، متى تصبح في: ï´؟ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ ï´¾.يا بن الإسلام، أين حالُك من قوم صاموا بالنهارِ بلا فتور، نصبوا الأقدامَ في الدَّيْجور، ببكاء مطرود مهجور، فامتلأت بالخيرات: ï´؟ يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ ï´¾ [فاطر : 29]، رفضوا الدنيا شغلاً عن الزينة، وأذلوا أنفسَهم فعادت مسكينة، وعلموا الدنيا سفينة، فتأهبوا للعبور ï´؟ يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ ï´¾، يؤثرون بالطَّعام، ويؤثرون الصِّيام، يُؤَمِّلُونَ فضل الإنعام، فما كانت إلا أيام حتى اخضرت البذور ï´؟ يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ ï´¾.العليل عليل، والأنين طويل، والعيونُ تسيل، وما مضى إلا القليل، حتى فرح الصبور ï´؟ يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ ï´¾، بخلوف عبدٍ مسكين، نالوا المقامَ الأمين، وانشعب قلبُ الحزين بأكمل الحبور ï´؟ يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ ï´¾، سبحان من قضى لقومٍ سرورًا، وعلى آخرين ثبورًا، فما لهم من نور ï´؟ يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ ï´¾.فطوبى لعبد صام نهارَه، وقام أسحارَه، يا حسْنه ومصابيح النجوم تزهر، والنَّاسُ قد ناموا وهو في الخيرِ يسهر، غسل وجهَه من ماء عينه وماءُ العين أطهر.يا رمضان، بلِّغ ربَّنا عنَّا: لأجلِ الله صلَّينا وجاهدنا وضحينا، وجافينا فراشَ النَّومِ والغفلات جافينا، وأقبلنا على رضوانِه نرجو كرامتَه حوالينا، وأسرعنا إلى قرآنِه شوقًا وبالتقوى تداوينا، إلى أنواره لُذْنَا وفى محرابِه ذُبنا تناجينا، فيا ضيفًا أيا رمضان، ودمع العين منهمر غزير مذ تلاقينا، فكيف الحالُ حين تغيبُ يا ويلي إلى أين؟! إلى ربٍّ تغادرنا لتشهدَ أننا قوم تسامينا؟! أو الأخرى: نسينا عهدَ مولانا على الدنيا تباكينا؟! فناشد ربَّنا عفوًا يسُرُّ القلبَ والعين، أليس العفو من سيماه؟! أليس هلاكنا لولاه؟! أليس يجيب من ناداه؟! يمدُّ إلى العصاةِ يداه؟ لذا عدنا ولبينا.يا رب، تم نورُك فهديتَ فلك الحمد، عظم حلمُك فغفرت فلك الحمد، بسطتَ يدَك فأعطيت فلك الحمد، ربنا، وجهُك أكرمُ الوجوه، وجاهُك أعظم الجاه، وعَطيتُك أفضلُ العطية وأهناها؛ تُطاع ربنا فتشكر، وتُعصى فتغفر، وتجيبُ المضطر، وتكشفُ الضر، وتشفي السقيم، وتغفر الذنب، وتقبلُ التوبة، ولا يجزي بآلائك أحد، ولا يبلغُ مدحتَك قول قائل.يا من لا تراه العيون، ولا تخالطه الظُّنون، ولا يصفه الواصفون، ولا تغيره الحوادث، ولا يخشى الدوائر، ويعلم مثاقيلَ الجبال، ومكاييلَ البحار، وعددَ قطر الأمطار، وعدد ورقِ الأشجار، وعددَ ما أظلم عليه الليل وأشرق عليه النهار، ولا تُواري منه سماءٌ سماءً، ولا أرضٌ أرضًا، ولا بحرٌ ما في قعرِه، ولا جبلٌ ما في وعرِه، اجعل خيرَ أعمارِنا أواخرها، وخير أعمالنا خواتمها، وخير أيامنا يوم نلقاك فيه.اللهم لك الحمد أن أكرمتنا بهذا الضيفِ دون صالح عمل منا أو فضل، ولك الحمدُ أن أذنتَ لنا بذكرِك؛ بل أمرتنا به، ولك الحمدُ أن سمحتَ لنا بسؤالِك؛ بل أثبتنا عليه، ولك الحمد أن أوجبتَ علينا شكرَك لتهبنا المزيد، وهل بعد هذا الكرمِ من كرم؟! ومن أحقُّ بالرَّجاءِ منك؟!إلهنا، لطفك في البداياتِ جعلنا نطمعُ في لطفِ النهايات، وإحسانك إلينا قبل أن نطلبَ جعلنا نثق في أنَّك لن تخيِّب رجاءَ من يطلب، وتبليغك إيانا هذا الشهرَ رغم تفريطِنا في جنبك جعلنا نرجو ما لا نستحقُّ من الكرامةِ، لكن حسبنا أن حجتَنا لديك حاجتُنا، وكنزَنا عندك فاقتُنا، وسبيلَنا إليك إنعامُك، وشفيعنا لديك إحسانك، فيا مَن وثقتْ بعفوِهِ زفراتُ المذنبين فما خذلها، ويا من خرقت السبعَ الطباقَ دعواتُ التائبين فما ردَّها، وقفت سائلاً ببابك، باكيًا على أعتابِك، ورست سفينةُ نفسي على شاطئ كرمِك ترجو الجوازَ إلى رحمتِك ورضوانك، فكيف تخذلني؟! اللهم لا تُبعد من اقترب منك، ولا تطرد من ابتعد عنك، اللهم إني أعوذُ بك من رَوَغان القلوب، وتبعات الذنوب، ومُرديات الأعمال، ومُضِرات الأنفس، اللهم إنك تعلمُ أنى ما كتبتُ من كلمةٍ إلا أردتُ بها وجهَك، وما رسمت حرفًا إلا ليخر على الورق إجلالاً لعظمتك، فتقبل حسناتي، واغفر فجَرَاتي، ولا تؤاخذني على زلاتي، واغفر لمن مرت عينُه على كلماتي، ولا تجعل حالي مع إخواني وأخواتي طبيبًا يداوي والطبيبُ مريض!وهذا آخر ما أردت كتابتَه في هذه الرسالة، وقد جاءت - بحمد الله - مهذبةَ المباني، مشيدة المعاني، محكمةَ الأحكام، مستوفية الأنواع والأقسام، تقر بها عين الودود، وتكمد بها عين الحسود:
إِنْ يَحْسُدُونِي فَإِنِّي غَيْرُ لاَئِمِهِمْ
قَبْلِي مِنَ النَّاسِ أَهْلُ الْفَضْلِ قَدْ حُسِدُوا

فَدَامَ لِي وَلَهُمْ مَا بِي وَمَا بِهِمُ
وَمَاتَ أَكْثَرُنَا غَيْظًا بِمَا يَجِدُ

أَنَا الَّذِي يَجِدُونِي فِي صُدُورِهِمُ
لاَ أَرْتَقِي صَدَرًا مِنْهَا وَلاَ أَرِدُ
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 83.63 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 81.71 كيلو بايت... تم توفير 1.92 كيلو بايت...بمعدل (2.29%)]