وابك على خطيئتك - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         الدور الحضاري للوقف الإسلامي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          آفاق التنمية والتطوير (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 16 - عددالزوار : 3883 )           »          تحت العشرين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 61 - عددالزوار : 6959 )           »          المرأة والأسرة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 61 - عددالزوار : 6427 )           »          الأخ الكبير (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          فوائد متنوعة منتقاة من بعض الكتب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 10 - عددالزوار : 197 )           »          الحفاظ على النفس والصحة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          شرح النووي لحديث: أنت مني بمنزلة هارون من موسى (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          نظرية التأخر الحضاري في البلاد المسلمة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          الاستعلائية في الشخصية اليهودية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 01-08-2020, 03:08 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,915
الدولة : Egypt
افتراضي وابك على خطيئتك

وابك على خطيئتك


الشيخ عبدالله بن محمد البصري







أَمَّا بَعدُ، فَأُوصِيكُم أَيُّهَا النَّاسُ وَنَفسِي بِتَقوى اللهِ، فَاتَّقُوهُ تَعَالى وَارجُوا رَحمَتَهُ وَخَافُوا عَذَابَهُ، وَاقْدُرُوهُ حَقَّ قَدْرِهِ وَاخشَوا أَلِيمَ عِقَابِهِ ﴿ وَاتَّقُوا يَومًا تُرجَعُونَ فِيهِ إِلى اللهِ ثم تُوَفَّى كُلُّ نَفسٍ مَا كَسَبَت وَهُم لا يُظلَمُونَ ﴾ [البقرة: 281].



أَيُّهَا المُسلِمُونَ، في أَزمِنَةِ تَسَارُعِ الأَحدَاثِ وَتَوَالي المُستَجِدَّاتِ، وَتَكَاثُرِ القَضَايَا وَتَنَوُّعِ المُشكِلاتِ، مَعَ تَعَدُّدِ المَصنُوعَاتِ وَالمُختَرَعَاتِ، وَالتَّكَالُبِ على المُغرِيَاتِ وَالمُلهِيَاتِ، إِذْ ذَاكَ يُصبِحُ مِن غَيرِ المُستَنكَرِ وَإِن كَانَ قَرِيبًا مِنَ المُنكَرِ، أَن تَستَرسِلَ النُّفُوسُ في مُتَابَعَةِ مَا لا تَنفَعُهَا مُتَابَعَتُهُ، وَتَستَلِذَّ الخَوضَ فِيمَا لا يُفِيدُهَا الخَوضُ فِيهِ، وَتُقَطِّعَ الوَقتَ فِيمَا لا تَملِكُ تَغيِيرَهُ، بَل وَلا تُبَالِيَ بِالمُسَارَعَةِ في تَتَبُّعِ العَوَراتِ، وَالاشتِغَالِ بِالعَثَرَاتِ وَالسَّقَطَاتِ، وَالانصِرَافِ إِلى النَّقدِ الجَارِحِ الهَادِمِ، وَالغَفلَةِ عَنِ العَمَلِ الجَادِّ البَنَّاءِ. وَالسَّعِيدُ الحَمِيدُ يَا عِبَادَ اللهِ مَن عَلِمَ أَنَّ العُمُرَ قَصِيرٌ، وَتَيَقَّنَ أَنَّ الرَّحِيلَ سَرِيعٌ، وَأَنَّهُ لا يَهتَمُّ بِالصَّغَائِرِ إِلاَّ الصِّغَارُ، وَلا يُفَتِّشُ عَنِ المَسَاوِئِ إِلاَّ البَطَّالُونَ الفَارِغُونَ، وَأَنَّهُ مَا شَغَلَ أَحَدٌ نَفسَهُ بما لا يُفِيدُ، إِلاَّ عَظُمَ انصِرَافُهَا عَمَّا يُفِيدُ.



أَيُّهَا المُسلِمُونَ، لَو تَأَمَّلَ مُتَأَمِّلٌ وَتَفَكَّرَ مُتَفَكِّرٌ، لَعَلِمَ أَنَّ كَثِيرًا مِن مُشكِلاتِ الأُمَّةِ وَمَآسِيهَا، وَغَالِبَ آلامِ النَّاسِ وَأَوجَاعِهَا، وَمَنشَأَ ضِيقِ صُدُورِهَا وَتَكَدُّرِ نُفُوسِهَا، هُوَ المُبَالَغَةُ في الاشتِغَالِ بشُؤُونِ السِّيَاسَةِ وَكَثرَةُ مُتَابَعَتِهَا، وَشِدَّةُ الاهتِمَامِ بِقَضَايَا الاقتِصَادِ وَالانصِرَافُ إِلَيهَا، وَنَقدُ هَذَا وَذَمُّ ذَاكَ، وَشَكوَى فُلانٍ وَالقَدحُ في عَلاَّنٍ، مَعَ الذُّهُولِ عَن أَلَدِّ الأَعدَاءِ، وَالغَفلَةِ عَن أَكبَرِ مَصادِرِ الشَقَاءِ، أَلا وَهُوَ تِلكَ النُّفُوسُ الضَّعِيفَةُ الهَزِيلَةُ، الَّتِي لم تُزَكَّ بما أَرَادَهُ اللهُ، بَل دُسِّيَت وَدُنِّسَت بِمُخَالَفَةِ أَمرِهِ وَالوُقُوعِ فيما نَهى عَنهُ، وَالسَّيرِ في مُشتَهَيَاتِهَا وَالاندِفَاعِ مَعَ مُبتَغَيَاتِهَا، أَجَل أَيُّهَا المُسلِمُونَ إِنَّ عَامَّةَ الصَّلاحِ وَبِدَايَةَ الإِصلاحِ، لا يَكُونُ إِلاَّ بِإِصلاحِ النُّفُوسِ مِن دَاخِلِهَا، وَإِلزَامِهَا مَوَارِدِ الحَقِّ وَالهُدَى، وَالبُعدِ بها عَن مَوَاطِنِ البَاطِلِ وَالرَّدَى، وَعَلَى ضِدِّ ذَلِكَ يَكُونُ الفَسَادُ وَالإِفسَادُ، يَعرِفُ ذَلِكَ وَيَتَيَقَّنَ مِنهُ مَن تَأَمَّلَ قَولَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " مِن حُسنِ إسلامِ المَرءِ تَركُهُ ما لا يَعنِيهِ " إِنَّ هَذَا الحَدِيثَ لَيُبَيِّنُ أَنَّ تَركَ مَا لا يَعنِي المَرءَ وَلا يَخُصُّهُ، لا تَقوَى عَلَيهِ إِلاَّ القُلُوبُ السَّلِيمَةُ وَالنُّفُوسُ الزَّاكِيَةُ، الَّتي تَنطَوِي صُدُورُ أَصحَابِهَا عَلَى الصَّفَاءِ، وَلا تَحمِلُ غَيرَ الطُّهرِ وَالنَّقَاءِ.



عِبَادَ اللهِ، إِنَّ العَبدَ الَّذِي حَسُنَ إِسلامُهُ، لا يَشتَغِلُ بما لا يَعنِيهِ مِنَ الأَقوَالِ وَالأَفعَالِ، فَضلاً عَن أَن يُفتَتَنَ بما لا يَعنِيهِ مِنَ المُحَرَّمَاتِ وَالمُشتَبِهَاتِ، أَو يَتَعَلَّقَ بِالمَكرُوهَاتِ وَفُضُولِ المُبَاحَاتِ، الَّتِي لا تَندَفِعُ بها عَنهُ ضَرُورَةٌ، ولا تَحصُلُ لَهُ بها حَاجَةٌ، وَإِنَّمَا هِيَ ضَيَاعٌ لِوَقتِهِ وَتَبدِيدٌ لِجُهدِهِ. أَلا وَإِنَّ مِن أَولى ما يَجِبُ عَلَى المَرءِ اجتِنَابُهُ مِمَّا لا يَعنِيهِ، شَهوَةَ الكَلامِ وَإِطلاقِ الأَلسِنَةِ، وَفُضُولَ التَنَصُّتِ وَالاستِمَاعِ وَالتَّتَبُّعِ، فَكَم مِن خَائِضِينَ فِيمَا لا يَعنِيهِم، وَمُتَكَلَّمِينَ فِيمَا لا يَنفَعُهُم، وَمُستَمِعِينَ إِلى أُمُورٍ قَد طَهَّرَ اللهُ منها أَيدِيَهُم وَأَرجُلَهُم، فَأَبَوا إِلاَّ أنْ يَلُوكُوهَا بِأَلسِنَتِهِم وَيَفتَحُوا لها آذَانَهُم، غَافِلِينَ أَو مُتَغَافِلِينَ عَن أَنَّ مُوبِقَاتِ الأَسمَاعِ وَالأَلسِنَةِ، قَد تَكُونُ أَعظَمَ مِن مُوبِقَاتِ الأَيدِي وَالأَرجُلِ، وَأَنَّ صَلاحَ الأَلسِنَةِ وَاستِقَامَتَهَا صَلاحٌ لِلقُلُوبِ وَاستِقَامَةٌ لَهَا، فَفِي الصَّحِيحَينِ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " إِنَّ العَبدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالكَلِمَةِ مَا يَتَبَيَّنُ فِيها يَزِلُّ بها في النَّارِ أَبعَدَ مِمَّا بَينَ المَشرِقِ وَالمَغرِبِ " وَرَوَى أَحمَدُ وَغَيرُهُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ عَنهُ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ أَنَّهُ قَالَ: " وَهَل يَكُبُّ النَّاسَ في النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِم إِلاَّ حَصَائِدُ أَلسِنَتِهِم؟! " وَقَالَ سُبحَانَهُ -: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ﴾ [الأحزاب: 70، 71] " وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " لا يَستَقِيمُ إِيمَانُ عَبدٍ حَتَّى يَستَقِيمَ قَلبُهُ، وَلا يَستَقِيمُ قَلبُهُ حَتَّى يَستَقِيمَ لِسَانُهُ " رَوَاهُ أَحمَدُ وَغَيرُهُ وَحَسَّنَهُ الأَلبَانيُّ. وَعَن أَبي سَعِيدٍ الخُدرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ رَفَعَهُ قَالَ: " إِذَا أَصبَحَ ابنُ آدَمَ فَإِنَّ الأَعضَاءَ كُلَّهَا تُكَفِّرُ اللِّسَانَ أَيْ تَخضَعُ لَهُ فَتَقُولُ: اتَّقِ اللهَ فِينَا؛ فَإِنَّمَا نَحنُ بِكَ، فَإِنِ استَقَمتَ استَقَمنَا، وَإِنِ اعوَجَجتَ اعوجَجنَا " رَوَاهُ التِّرمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ الأَلبَانيُّ. وَقَدِ اتَّسَعَ مَيدَانُ الكَلِمَةِ في هَذَا الزَّمَانِ وَتَنَوَّعَتْ وَسَائِلُهَا، وَتَعَدَّدَت مَصَادِرُها وَعَظُمَ أَثَرُها وَخَطَرُها، فَصَارَ مِنهَا المَسمُوعُ وَالمَكتُوبُ وَالمُشَاهَدُ، وَالمُبَالَغُ فِيهِ وَالمَكذُوبُ وَالمُلَفَّقُ، في صُحُفٍ وَمَجَلاَّتٍ، وَإِذَاعَاتٍ وَقَنَوَاتٍ، وَبَرَامِجِ تَوَاصُلٍ وَشَبَكَاتِ معلوماتٍ، في فُضُولِ كَلامٍ وَلَغوِ حَدِيثٍ، وَخَوضٍ في أَعرَاضِ النَّاسِ وَتَتَبُّعٍ لِعَورَاتِهِم، وَاشتِغَالٍ بِعُيُوبِهِم وَفَرَحٍ بِسَقَطَاتِهِم، وَتَلَذُّذٍ بِإِشَاعَةِ مَثَالِبِهِم وَنَشرِ مَعَايِبِهِم. وَيَا للهِ، كَم أَدَّى الجَهلُ بِعَظِيمِ الجُرمِ بِكَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ، إِلى التَوَسُّعِ في السُّؤَالِ عَن أَحوَالِ النَّاسِ وَأَخبَارِهِم، وَاهتِمَامٍ غَيرِ لائِقٍ بِدَوَاخِلِ أُمُورِهِم وَالخَاصِّ مِن شُؤُونِهِم، مِن غَيرِ دَاعٍ صَحِيحٍ وَلا سَبَبٍ مَشرُوعٍ، وَأَعظَمُ مِن ذَلِكَ وَأَسوَأُ، مَا يَحصُلُ مِن عَدَدٍ مِن ضِعَافِ الدِّينِ وَقَلِيلِي المَروءَةِ، مِن خَوضٍ في أَعرَاضِ أَهلِ الخَيرِ وَالصَّلاحِ، وَتَنَاوُشٍ لأَهلِ الكَفَافِ وَالعَفَافِ، وَتَحرِيشٍ خَفِيٍّ وَجَلِيٍّ، وَغَمزٍ وَهَمزٍ وَلَمزٍ، وَاتِّهَامٍ لِلعَقَائِدِ وَاعتِدَاءٍ عَلَى النِّيَّاتِ وَالمَقَاصِدِ.



وَمِنَ الاشتِغَالِ بما لا يَعنِي: تَكَلُّمُ المَرءِ فِيما لا يُحسِنُهُ ولا يُتْقِنُه، وَتَعَرُّضُهُ لما لا يَعلَمُه وَلا يُحكِمُهُ، مِمَّا لَيسَ دَاخِلاً في تَخَصُّصِهِ وَلا تَصِلُ إِلَيهِ خِبرَتُهُ، وَأَسوَأُ مَا يَكُونُ ذَلِكَ وَأَفدَحُهُ وَأَشنَعُهُ، التَّعَرُّضُ لأُصُولٍ وَثَوَابِتَ قَد اتَّفَقَت عَلَيهَا كَلِمَةُ الرَّاسِخِينَ مِن أَهلِ العِلمِ، وَادِّعَاءُ أَنَّها مِن مَسَائِلِ الخِلافِ، لا لِفَضلِ عِلمٍ عِندَ صَاحِبِهَا أَو مَزِيدِ بَحثٍ وَتَحقِيقٍ وَتَدقِيقٍ، وَلَكِنْ حُبًّا لِلظُّهُورِ وَالبُرُوزِ وَالتَّصَدُّرِ وَصَرفِ الأَنظَارِ، وَرَغبَةً في الغَلَبَةِ وَالانتِصَارِ لِلنَّفسِ وَالتَّعَالُمِ، أَوِ اندِفَاعًا مَعَ إِملاءَاتٍ شَيطَانِيَّةٍ في التَّعالي وَانتِقَاصِ الآخَرِينَ وَالحَطِّ مِن أَقدَارِهِم، وَيَزدَادُ الأَمرُ بَلاءً إِذَا قَادَ إِلى جِدَالٍ وَمُشَاكَسَاتٍ وَمُلاسَنَاتٍ، وَتَوَسُّعٍ في الظُّنُونِ وَالاتِّهَامَاتِ، وَنَشرٍ لِقَالَةِ السُّوءِ وَبَثٍّ لِلأَكَاذِيبِ وَالشَّائِعَاتِ، وَتَلفِيقٍ لِلأَخبَارِ وَافتِرَاءٍ لِلكَذِبِ، قَالَ سُبحَانَهُ -: " ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ * ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ * ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ﴾ [الحج: 8 - 10].



أَيُّهَا المُسلِمُونَ، إِنَّ الاشتِغَالَ بما لا يَعنِي، يُورِثُ قِلَّةَ التَّوفِيقِ وَفَسَادَ الرَّأيِ، وَخَفَاءَ الحَقِّ وَقَسوَةَ القَلبِ، وَمَحقَ بَرَكَةِ العُمرِ وَحِرمَانَ لَذَّةَ العِلمِ، وَقِلَّةَ الوَرَعِ وَسُوءَ العَمَلِ، وَالمُشتَغِلُ بما لا يَعنِيهِ، لا تَرَاهُ إِلاَّ ضَعِيفَ الصِّلَةِ بِاللهِ، مُتَثَاقِلاً عَنِ الطَّاعَةِ، جَاهِلاً بما يُصلِحُ شَأنَهُ، مُقَصِّرًا فِيما يَنفَعُهُ وَيَرفَعُهُ، مُنصَرِفًا عَن مَعَالي الأُمُورِ إِلى سَوَاقِطِها، مُفَرِّطًا في أَمَانَتِهِ، غَافِلاً عَن مَسؤُولِيَّتِهِ، مُستَسلِمًا لِعَجزِهِ وَكَسَلِهِ، وَ" المُسلِمُ مَن سَلِمَ المُسلِمُونَ مِن لِسَانِهِ وَيَدِهِ، وَالمُهَاجِرُ مَن هَجَرَ مَا نَهَى اللهُ عَنهُ " وَ" كَفَى بِالمَرءِ إِثمًا أَن يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ " فَاتَّقِ اللهَ يَا عَبدَ اللهِ فَإِنَّ المَسؤُولِيَّاتِ أَكثَرُ مِن أَن يَتَّسِعَ لها عُمُرُكَ القَصِيرُ، وَعُمُرُكَ أَقصَرُ مِن أَن يُصرَفَ فِيمَا لا يَعنِيكَ، وَتَركُ مَا لا يَعنِيكَ حِفظٌ لِلدِّينِ وَزَكَاءٌ لِلنَّفسِ وَتَربِيَةٌ عَلَى الجِدِّ، فَلا تُضَيِّعْ نَفِيسَ أَنفَاسِكَ وَلا دَقِيقَ دَقَّاتِ قَلبِكَ " وَلاَ تَقفُ مَا لَيسَ لَكَ بِهِ عِلمٌ إِنَّ السَّمعَ وَالبَصَرَ وَالفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنهُ مَسؤُولاً " أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ: ﴿ لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا ﴾ [النساء: 114].



الخطبة الثانية

أَمَّا بَعدُ، فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالى وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ، وَمَن أَرَادَ صَلاحَ نَفسِهِ وَسَلامَةَ صَدرِهِ، وَنُورَ قَلبِهِ وَرَاحَةَ بَالِهِ، وَاستِجمَاعَ نَيِّتِهِ وَسَلامَةَ طَوِيَّتِهِ؛ فَلْيَشتَغِلْ بِعَيبِ نَفسِهِ، وَلْيَبكِ عَلَى خَطِيئَتِهِ، وَلْيَتَجَنَّبْ عُيُوبَ النَّاسِ وَمَثَالِبَهُم. وَلا يَعني ذَلِكَ أَيُّهَا المُسلِمُونَ أَن يَعِيشَ المَرءُ في مَعزِلٍ عَمَّا حَولَهُ وَيَترُكَ النَّصِيحَةَ، أَو يُقَصِّرَ في وَاجِبِ الأَمرِ بِالمَعرُوفِ وَالنَّهيِ عَنِ المُنكَرِ، أَو يَنكُصَ عَنِ المُسَاهَمَةِ في إِصلاحِ النَّاسِ وَدِلالَتِهِم عَلَى الخَيرِ وَأَطرِهِم عَلَى الحَقِّ، وَلَكِنَّ المَقصُودَ أَنَّهُ مَتى كَانَت مُخَالَطَةُ المُسلِمِ لِلنَّاسِ وَاشتِغَالُهُ بِأَحوَالِهِم ضَارَّةً لَهُ في عَقِيدَتِهِ أَو مُفسِدَةً لأَخلاقِهِ، أَو مُؤَدِّيَةً بِهِ إِلى الذُّهُولِ عَن إِصلاحِ شَأنِهِ، فَلْيَتَقَلَّلْ حِينَئِذٍ مِنَ الاشتِغَالِ بما لا يَعنِيهِ مِن شُؤُونِ الآخَرِينَ، وَلْيَسعَ لإِصلاحِ نَفسِهِ وَحِمَايَتِهَا مِمَّا يَضُرُّهَا، فَعَن عُقبَةَ بنِ عَامٍرٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قُلتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا النَّجَاةُ؟ قَالَ: " أَمسِكْ عَلَيكَ لِسَانَكَ، وَلْيَسَعكَ بَيتُكَ، وَابكِ عَلَى خَطِيئَتِكَ " رَوَاهُ التِّرمِذِيُّ وَغَيرُهُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ. أَلا فَاتَّقُوا اللهَ رَحِمَكُمُ اللهُ وَمَيِّزُوا بَينَ مَا يَعنِيكُم وَمَا لا يَعنِيكُم؛ وَسَلُوا اللهَ أَن يَهدِيَكُم لما اختُلِفَ فِيهِ مِنَ الحَقِّ بِإِذنِهِ؛ فَإِنَّهُ تَعَالى يَهدِي مَن يَشَاءُ إِلى صِرَاطٍ مُستَقِيمٍ.







__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 62.24 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 60.34 كيلو بايت... تم توفير 1.90 كيلو بايت...بمعدل (3.05%)]