وأظلمت سهارنفور بعد وداع شيخ الحديث! - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 499 - عددالزوار : 16477 )           »          متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 12817 - عددالزوار : 225606 )           »          أسباب انقطاع المطر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 37 )           »          أصناف الناس بعد رمضان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 33 )           »          غزوة أحد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 35 )           »          الإيمان والأمل وعدم اليأس (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 31 )           »          أمهات المؤمنين رضي الله عنهن (8): حفصة بنت عمر رضي الله عنها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 34 )           »          كيف يحقق المؤمن عبودية الافتقار إلى الله تعالى؟ (8) (فقه الأسماء الحسنى) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 35 )           »          بين يدي أعظم سورة في القرآن (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 36 )           »          فضل دعاء غائب لغائب وما يحمله من معاني عظيمة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 39 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العام > الملتقى العام > ملتقى أعلام وشخصيات
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى أعلام وشخصيات ملتقى يختص بعرض السير التاريخية للشخصيات الاسلامية والعربية والعالمية من مفكرين وأدباء وسياسيين بارزين

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 19-03-2020, 02:00 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,788
الدولة : Egypt
افتراضي وأظلمت سهارنفور بعد وداع شيخ الحديث!

وأظلمت سهارنفور بعد وداع شيخ الحديث!
محمود بن محمد حمدان




وهكذا تَقَضَّتْ عقودُ عُمُرِه الحافِل بالعنايةِ بالسُّنة وعُلومها؛ ثمانونَ عامًا وهو يترنَّمُ بـ«حدثنا» و«أنبأنا»، منها خمسةُ عقودٍ في صُحْبَة «الجامعِ الصحيح» ومؤلفِه إمام الدُّنيا أبي عبد الله البُخاري؛ حتَّى أَرْبَى في فِقْهِه على الغاية، وبلغَ في روايتِه النِّهاية.

فكانَ لمسيرتِه العلميَّة، وجهودِه المُباركة صدىً بينَ رجالِ المشرق والمَغرب؛ يقصدونه بالرِّحلة، ويُتابعونه قراءةً واستملاءً، وتحقيقًا وسماعًا، وتحريرًا وتقريرًا؛ فَغَدا له بين عُلماءِ الحديث وطُلابه؛ عجمًا وعربًا ذِكرٌ حميدٌ، وثناءٌ مجيد.

وإنْ سألتَ عن سَمْتِه وهدْيِه ودَلِّه فهو آيةٌ في الزُّهدِ والورَع، وانقطاعٍ عن الدُّنيا، وإقبالٍ على الآخرة، وكانَ أسيفًا سريعَ الدَّمعة.
يُبهجُ القلبَ ببهيِّ طلعته، وجميلِ طلَّتِه؛ فقد وُهبَ نَضْرةَ أهلِ الحديث وسِيمَاهُم؛ فبَدا ذا جمالٍ ظاهر، وإشراقٍ باهر.

إنِّه مُجيزُنا العلامة، المحدِّثُ الفقيه، شيخُ الحديث محمد يُونس بن شَبَّيْر أحمد بن شِير علي الجَوْنْفُوري المَظاهريّ -رحمه الله وأثابه رضاه- شيخُ الحديث بجامعةِ مظاهر العُلوم، بسهارنفور الهند.

الذي وافته مَنِيَّتُه صباح أولِ أمس، الثلاثاء (17 شوال 1438هـ) مبطونًا شهيدًا -إن شاء الله- بعد صبرٍ جميل على مرضٍ رَافَقَه حتى فارقه.

ولقد أخبرَ المُصطفى صلى الله عليه وسلم عن قَبْضِ العلم بقبضِ أهلِه في الخبرِ المشهورِ المتفقِ عليه، وهذا لا يتأتَّى إلا للعُلماء الذينَ بموتهم يموتُ العلم، وأحسبُ أنَّ فقيدَنا منهم، وممَّن عناهُم العلامة الباعونيُّ قاضي صفد في أوائل نظمه لـ(منهاج النووي)، حيثُ قال:

وقدْ قضى اللهْ القضا وأبرما
أن يُقبضَ العلمُ بقبضِ العُلما

ويتْبَعَ الناسُ رؤوسَ الجهلِ
أفتوا بلا علمٍ وغير نقلِ

ضلوا وللخَلْقِ فقد أضلوا
هناك أنواعُ البلا تحِلُّ

وإنّ ذا فيما أظنُّ قد دنا
لآفةٍ ماتَ كثيرٌ في الفنا

كانوا إذا جَنَّ الظلامُ قاموا
وإن رأوا ما يكرهون ناموا

كانوا نجومًا يُقتدى بنورهمْ
فأفلوا عنَّا إلى قبورهمْ


وُلِد الفقيدُ -كما جاءَ في «ثَبَتِه»- صباحَ الاثنين، الخامس والعشرين من شهر رجب، سنةَ (1355هـ)، في قرية (كُوْرَيْني) قُرْب (جَوْنفُور) شماليْ الهند، و(جَوْنْفُور) التي ينتمي إليها الشيخُ معروفةٌ بالعلم والفضل، وكثرةِ الجوامع والمدارس، ووفرة علمائها وشيوخها وأدبائها عبر التاريخ، وبلغت ذروتها في العِلم والثقافة والحضارة إبَّان السلطنة الشرقية؛ فلُقِّبت بـ(شيراز الهند).

غيرَ أنَّ قريته (كُوْرَيْني) كانت تعيشُ حياةَ البساطة والبُعد عن التَّرَف، شأنُ القُرى والأرياف، والحياةُ الحديثةُ لم تغزُها بعدُ إذْ لم يكن فيها دُور التعليم؛ كما في (جَونفور).
وكان الناسُ بصفةٍ عامَّةٍ على الفِطرة السّليمة، والعقائد الصحيحة، وصلاحٍ ودِين، مع صدقٍ وإخلاص.
فكانت بيئتُه التي نشأ بها بيئةً محافظة، مستقيمةً على العبادة، وقراءةِ القرآن، والأعمال الصالحة، وبُعْدٍ عن البِدع والمُحدثات عمومًا.

نشأ الفقيدُ عَجِيًّا[1]؛ إذْ فَقدَ أُمَّه وهو ابنُ خمسِ سنين، فتولَّت جدَّتُه لأُمه الصالحةُ الفاضلةُ تربيته، فرعته حقَّ رعايتِه، وكان لذلك أعظم الأثر في توجّهه.

ابتدأ تعليمه في البيوت والكتاتيب؛ فتعلَّمَ القراءةَ والكتابة، ثمَّ التحقَ بمدرسةِ ضياء العُلوم بـ(ماني كلان) من جونفور؛ فتعلَّم الفارسيَّة، والعربيَّة، والعلوم الدينيَّة.

ولعلَّ أوَّلَ شيوخِه الأستاذ ضياء الحق الفيض آبادي الذي درَس عليه معظم مقرَّرات المدرسة كـ«الكافية» لابن الحاجب، و«مقامات الحريري»، و«شرح الوقاية» في الفقه الحنفي، وغيرها.
وأعاد دراسة «شرح الوقاية» وغيرها على شيخه المربِّي عبد الحليم الجونفوري.

التحاقه بمظاهر العُلوم:
في سنةِ (1377هـ) التحقَ الشيخُ بالجامعةِ الشَّهيرة بسهارنفور = مَظاهر العُلوم، ودرَسَ فيها ثلاث سنوات، وانتفع بما درَسه من مقرراتها؛ كـ«تفسير البيضاوي»، و«مشكاة المصابيح»، و«الهداية» و«الدر المختار» في الفقه الحنفي.

ولازم شيخَها محمد زكريا الكاندهلوي (ت1402هـ) صاحب «أوجز المسالك إلى موطأ مالك» فسمعَ عليه «صحيح البخاري»، وقطعةً مِن مقدمة «مسلم»، ونصف «سنن أبي داود» إلى غير ذلك.

ومنْ حرصه -رحمه الله- على العِلم ومثافَنةِ الشيوخ أنَّه اكتنفته بعضُ الأسقام أثناء فترة دراسته، فربَّما حضر الدَّرس وبه علَّةٌ، وكان صابرًا مُثابرًا، حتَّى ألمَّ به مرضٌ جعله يتقيّأُ دمًا، فنصحه شيخه الكاندهلوي بالرِّجوع إلى أهله، فرفض رفضًا قاطعًا وأظهرَ مِن حرصه ما جعلَ شيخه يرفُق بحالته، ويأذن له بالبقاء، فما حالَت الأسقام بينه وبينَ العلم، فقد كان أُنسَه السُّنةُ والحديث.

وسمع «سنن أبي داود»، وجُزءًا من «صحيح البخاري»، و«شرح معاني الآثار» على العلامة محمد أسعد الله الرامفوري (ت 1399هـ)، ولازمه ملازمة طويلة، وانتفع به كثيرًا.

وكذا أخذ عن الشيخ منظور أحمد السهارنفوري (ت١٣٨٨هـ)، والمحدث أمير أحمد بن عبد الغني الكاندهلوي (ت1384هـ)، والمحدث فخر الدِّين أحمد المراد أبادي (ت1392هـ) وغيرهم.

ثمَّ أجازَ له بعدَ ذلك العلامة عبد الفتاح أبو غدة، والشيخ عبد الله الناخبي، ومجيزنا المُعمَّر أحمد علي سورتي رحمهم الله، في آخرين.

عنايتُه بالسُّنة، لا سيَّما الجامع الصَّحيح:
كان مُجيزنا العلامةُ الجَونفوري نسيجَ وحْدِه في حفظِ الحديث؛ إن عُدَّ المُحدِّثون فهو من كبارِهم، وإن ذُكِرَ المُشتغلون بالسُّنة فهو مِن أعيانهم، اقترنَ ذِكره بصحيحِ البُخاري الذي أولاه عنايةً فائقة، ورعايةً لائقة قلَّ نظيرُها في العصرِ الحديث؛ فنبغ في عُلومه حتَّى صارَ رأسًا فيه، فقرأ شُروحَه وطالعَ أسفارَه، وعرفَ غوامضه وسبرَ أغوارَه، ولبراعتِه في معرفة السُّنن، ومصطلح الحديث، والجرح والتعديل ذاع صيتُه في الآفاق.

ومَن خَبَرَه عَلِمَ أنَّه دائمَ اللَّهَجِ بالحديث؛ كأنَّ السُّنةَ على طَرف لسانه يختارُ منها ما يشاءُ في أيِّ وقتٍ شاء! وكان من محبَّتِه للسُّنة وعلومها، وللحديثِ وفُنونه، لا سيّما صحيح البُخاري أنَّه انقطع لتدريسه وإقراءِه أكثرَ مِن نصفِ قَرْن من الزَّمان، دونَ كَللٍ أو ملل! فقصده الطُّلاب بالرِّحلة، وحرصَ عليه رُوَّاد الحديث والسُّنة من سائر البلاد، فألحق الأحفادَ بالأجداد، لحيازته عالي الإسناد.

وتحصَّلَ له في خمسةِ عقودٍ عاشها مع صحيح البخاري أنْ شرحه فيها خمسين مرَّة، ولا نُبالغ إن قلنا: إنَّه مِن أكثر عُلماء عصره عنايةً وتخصصًا بالجامع الصحيح، شرحًا وإقراءً وفقهًا، وله عليه تقريراتٌ مفيدة، جمعَ بعضَها تلميذُه الشيخ محمَّد أيوب السُّورَتي في كتابٍ سمَّاه: «نبراس السَّاري إلى رياض البُخاري».
وطُبع له قبلَ ذلك من تقريراته وإفاداته على الصحيح: «كتاب التوحيد والردّ على الجهمية».

وله في أربعة مجلدات كتابُه الرَّائق: «اليواقيت الغالية في تحقيق وتخريج الأحاديث العالية» في تخريج الأحاديث، وتحقيق المباحث العلميَّة، كلاهما من جمع تلميذه السُّورتي.

وجديرٌ ذِكرُه أنَّه مِن «العُلماء العزاب الذين آثروا العِلمَ على الزَّواج» وتوانيه عن الزواج بسبب أمراضه المُستمرَّة، وأسقامه الدَّائمة؛ ولمَّا كبُر سِنُّه، وضعفت حاجته إلى الزواج كان يقول: زوجتي نسختي من صحيح البخاري.

ومِن مَكرُماته وأياديه البيضاء تولِّيه مشيخة الحديث بجامعة مظاهر العُلوم -والتي كانت بترشيحِ شيخِه الكاندهلوي حالَ حياته- فأفاد وأجاد ووفَّى بالمُراد، وتخرَّج به آلافُ الطُّلاب الذينَ قصدوه مِن كُلِّ جانب طالبين العِلم الذي هو أسنى المطالب، وصارَ لبعضهم شأنٌ كبيرٌ في العِلم والتدريس.

أمَّا في أسفاره المُتكررة إلى مكَّةَ، والمدينة والدَّوحة، وليستر، وغيرها فكان دائمَ الرَّغبة في إفادةِ طُلابه، مؤثرًا ذلكَ على راحته، قليلَ الانقطاعِ عن مجالس الإقراء، لا يردّ طالبيه، ولا يعتذرُ إلا لِماما، رحمه الله وبلَّ ثراه.

ومن مناقبه أنه كان شديد التعظيم للآثار والسُّنن، وقَّافًا عندها، مع كثرة تأنيه في المسائل، وعدم القطع فيها بحكم قبل استفراغ البحثِ في الدلائل.
ومِن عجائبه: أنَّه قرأَ مُسند عائشة في مسند الإمام أحمد أربعَ مرَّاتٍ للبحث عن كلمةٍ واحدة خلالَ تخريج حديث!

قصَّتي مع الشيخ (اللِّقاءُ المفقود):
وكان مِن عادةِ الشيخ = العُمرة في كُلِّ سنة، وربَّما كرَّرها في السَّنةِ الواحدة، وكان وقفُ الملك عبد العزيز (برج السَّاعة) نُزُله في مكَّةَ المُعظَّمة، وما إنْ يعلمُ طُلابُه ومحبُّوه من مشاهير المُحقِّقين وفُضلاء المشايخ بقدومِه حتَّى يتسابقوا لزيارته؛ للسلام والقراءة عليه، والاستفادة من علمِه وسمتِه.

وفي سنة (1435هـ) وتحديدًا في شهر (شعبان) نزلَ الشيخُ مكَّةَ كعادتِه الكريمة، ووافقَ ذلك وجودي في المملكة للعُمرة، وذهابي لمجلسِ سماع السُّنن الأربعة على جُملة مِن العُلماء والمُحدِّثين في الرياض، وعلى هامش هذه المجالس الميمونة، كنتُ أغتنمُ فُرصةَ إقامتي القصيرة بالرياض في زيارةِ أعلامها وفُضلائها؛ فزُرتُ سماحةَ المُفتي الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، والشيخ الفاضل عبد الله علُّوش -تلميذ الإمام الألباني- وغيرهما.

ولمَّا سألتُ عن الشيخ العلامة المُعمَّر د. محمَّد مصطفى الأعظمي، حفظه الله، قالوا: الشيخُ لا يستقبلُ الزيارات؛ لكِبره ومرضه! فقلتُ: لا حولَ ولا قوَّةَ إلا بالله، وفوضتُ أمري إلى الله! لكني لم أَيْأَس؛ فتحصلتُ على رقْم ابنه البار م. أنس؛ فلمَّا عَلِمَ الشيخُ أني من غزة، سمحَ بالزيارة، وكانت -لعمرِ اللهِ- مِن غنائم هذه الرِّحلة، فيممتُ بيتَه، وتشرفتُ بمُرافقةِ الشيوخ: محمَّد زياد التُّكلة، ومحمد الحريري الجُدّي، وأيمن ذو الغِنى، وخصَّني في هذه الزِّيارة بالإجازة، وناولني نُسخةً من كتابِه «كُتَّاب النَّبي صلى الله عليه وسلم ».

وعَقيب زيارتنا لشيخنا الأعظمي، أخبرني الشيخُ الحريري، وهو مِن أخصّ طلاب الشيخ الجونفري، بوجوده في مكة، لمَّا رأى شوقي لزيارة العُلماء، فطربَ قلبي لهذا الخبر الجميل؛ إذْ سماعي بالشيخ وجهوده قبلَ ذلك بكثير.

وقدَّر اللهُ أنَّ شركةَ العُمرة اتصلت بي لتُخبرني بضرورة رُجوعي إلى مكَّة؛ إذْ أزفَ موعدُ الرُّجوع إلى غزة! والمؤلمُ في الأمرِ أنَّ مجالس السَّماع لم تنتهِ بعدُ، فلم نسمع إلا «سنن النَّسائي» وهذه فُرصة قد لا تتكرر! والذي يعرف ماذا يعني السَّفر من غزة فإنَّه سيغتنم كُلَّ دقيقة فيما ينفعُه! فطفقتُ أجتهدُ في كُلِّ سبيلٍ للبقاءِ في الرياض وتأخير خروجي منها، فما استطعتُ لذلك سبيلًا! فعدتُ إلى مكَّةَ قبل انتهاء المجالس، وتذكرتُ وجودَ الشيخ الجونفوري بجوار المسجدِ الحرام، فلمَّا وصلتُ مكَّة يمَّمْتُ المسجدَ الحرام، وتنعَّمتُ بالجلوس فيه. ثمَّ هممتُ بالذَّهاب إلى الشيخ الجونفوري؛ فلا يفصلُني عنه إلا بضعة أمتار، ودقائق معدودة؛ وأنا في غمرةِ هذا الشوق العارم إذا بهاتفي يرنُّ مرَّةً ثانية؛ ليُخبرني المُتصل أنَّ الحافلات الآن ستنطلق للمطار، وما مِن بُدٍّ منِ حضوري فورًا!

ويا ناس! مقابلة الشيخ الجونفوري؟ والسَّلام عليه؟ والقراءة عليه؟ والتَّشرُّف به؟!
فما كانَ مِنَّي إلا أن عُدتُ أدراجي إلى الفندق تحت ضغط اتصالات الحملة وفي قلبي حسرة! إذْ فاتني لقاء الشيخ!
ولئن فاتني لقاؤه في الدُّنيا فأسأل الله أن يجمعني به في جنَّتِه ودار كرامته، مع النَّبيِّ المُختار صلى الله عليه وسلم وصحبه الأطهار.
فــ أهلُ الحديثِ هُمُ أهلُ النبيّ وإنْ ♦♦♦ لم يصحَبوا نفسَهُ، أنفاسَهُ صَحِبُوا

روايتي عنه، وإجازتُه:
ولئن حُرمتُ لقاءَ الشيخ فإنِّي لم أُحرمَ إجازتُه، فقد منَّ الله عليَّ وأجازَ لي الشيخُ مرارًا، لعلَّ أوَّلها بواسطة كريم المساعي الشيخ محمَّد زياد التُّكلة فترةَ مرافقته للفقيد في الدَّوحة بتاريخ: (28 ذي الحجة 1434هـ) وزادَ: وأجاز لمن يُدرك من الأولاد والأزواج حياةَ الشيخ، ثمَّ بتفضُّل الشيخ الفاضل يُوسف العلاوي في رحلته إلى الهند، بتاريخ: (14 ذي الحجة 1435هـ)، ثمَّ بتكرُّم الشيخ الحبيب تركي الفضلي الذي كان يتعاهد الشيخ حين نزوله مكَّةَ بتاريخ: (17 ذي الحجة 1436هـ)، وهذه الإجازات الثلاث ضمن استدعاءات ضمَّت مجموعة من الأشياخ وطلبة العلم، ثمَّ تفضلَ الشيخُ المُسنِد د. عبد الله التوم باستجازته لي إجازةً خاصَّة، وكان ذلك في: (22 ذي الحجة 1437هـ).
ومِن عجائب الاتّفاقات أنَّ إجازاته كُلَّها لي توالت في أربع سنوات، وجميعُها في ذي الحجَّة.

عقيدته ومنهجه:
رُغمَ أنَّ الشيخَ نشأَ في بيئةٍ يغلبُ عليها التَّعصبُ المذهبي، والميل إلى العقيدة الماتريديّة، إلى غيرِ ذلك؛ إلّا أنَّ اشتغالَه السنوات الطِّوال بعلمِ الحديثِ قادَه إلى اطِّراح الآراء الرَّدية، والتعصُّبات المذهبية، فَسَما به -رحمه الله- إلى القول الرَّجيح، والمعتقد الصَّحيح، فكان على نهج السَّلف الصالحين سلوكًا واعتقادًا، وخُتمَ له به.

* وقد أخبر الشيخُ الفاضل محمَّد الحريري - وهو مدوَّن في خاتمة ثَبَتِ شيخِه -:
1- لمَّا فَرَغْنَا أنا والشيخ التوم من قراءة «اعتقاد أبي عبد الله البخاري» الذي أفرده الشيخ محمد زياد التكلة واعتنى به؛ وعند قول المعتني (ص 15): «هذا آخر المنقول عن الإمام البخاري رحمه الله وإيانا والمسلمين»، قال شيخُنا: «وهذه عقيدتي» ثم بَكى -حفظه الله-. المدينة النبوية (16/12/1433هـ).

2- ولمَّا قرأتُ عليه بمنزلي «صريح السُّنة» للإمام أبي جعفر بن جرير الطبري - من نسخة تمام المنة (ص41) - عند قوله رحمه الله: «باب: القول في الإيمان زيادته ونقصانه؛ قال: وأما القول في الإيمان: هل هو قول وعمل؟ وهل يزيد وينقص؟ أم لا زيادة فيه ولا نقصان؟ فإن الصواب فيه: قول من قال: «هو قول وعمل يزيد وينقص». قال شيخُنا: «واشْهَد عَلَيَّ أني أقول بذلك». (5/ 12/ 1433هـ).

3- ولما قرأنا عليه يوم الخميس 16/ 12/ 1433 (أنا والمشايخ التوم وعاشور) كتاب (الصفات) للإمام الدارقطني قال شيخنا في نهاية الحديث الأول وفيه قوله صلى الله عليه وسلم : "يُلقى في النار، وتقول: هل من مزيد؟ حتى يضع رجله فيها -أو قدمه- فتقول: قط قط" قال شيخنا: (أما أنا فأقول بظاهر ما جاء في الأحاديث).

4- وقال في آخر الحديث (19) من كتاب (الصفات) للدارقطني: (وقال الزعفراني أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم رجل من أهل الكتاب، فقال: يا أبا القاسم، أَبَلَغك أن الله عز وجل يحمل الخلائق على إصبع، والسموات على إصبع، والأرضين على إصبع، والشجر على إصبع، والثرى على إصبع؟

قال: فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه، قال: وأنزل الله ﴿ وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ... ﴾ [الزمر: 67] إلى آخر الآية.
قال شيخنا: (ونحن نقول بإثبات الأصابع، والأشاعرة ينكرون ذلك مع أن فيه عشرة أحاديث، وقولهم غلط)!

5- وقال عند الحديث (19) من كتاب (الصفات) للدارقطني؛ وهو قوله صلى الله عليه وسلم : "لا تقبّحوا الوجه؛ فإن الله عز وجل خلق آدم على صورته": (نُثبتُ وجهًا لله يليق بجلاله سبحانه وتعالى).

6- وقال عند آخر كتاب (الصفات) للإمام الدارقطني وقول الزهري برقم (68): "سَلِّموا للسُّنة ولا تعارضوها"، قال شيخنا: (ونحن نُؤمنُ بما في هذا الكتاب).

7- ولما قرأت على شيخنا (كتاب في رؤية الله تبارك وتعالى) لأبي محمد عبد الرحمن بن عمر بن محمد المعروف بابن النحَّاس؛ قال شيخنا في آخره: (أما أنا فأؤمنُ بما جاء في الأحاديث).7/ 12/ 1433


8- وقال شيخنا عند الحديث (526) من سنن أبي داود وفيه: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا سمع المؤذن يتشهد قال: وأنا وأنا)، (فإن قال رجل في الجواب: "وأنا وأنا" فهذا كافٍ؛ خلافًا لبعض الحنفية لذين جعلوا ذلك خاصًّا بالنبي صلى الله عليه وسلم ).16/ 12/ 1432

9- وقال شيخنا عند قراءتنا لحديث معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه في صحيح مسلم (537) وفيه قوله صلى الله عليه وسلم للجارية: "... أين الله؟ قالت: في السماء..."، قال: (الصواب إثباتُ صفة الفوقية لله جل وعلا، ولا أذهبُ إلى أقوال المتكلمين)!20/ 12/ 1431ه.

10- وقال شيخنا تعليقًا على حديث (1408) في صحيح مسلم وفيه: "لا تُنكَح المرأةُ على عمتها ولا على خالتها"، قال: (مذهب الحنفية أن الزيادة على النصِّ نَسْخٌ، وعندهم الظَّني - كما هو الحال هنا - لا يَنسخ القطعي - وهو آيةُ المحرَّمات، فكيف الجواب؟! قال: قالوا: المشهور يُزاد به على الكتاب؛ لكن المشهور عندهم اشترطوا فيه التواتر في الطبقات الثلاث الأولى، وهذا غير موجود هنا، فمذهب الجمهور أَولى وأصح).23/ 12/ 1431هـ.

11- وقال شيخنا عند حديث المصَرَّاة في صحيح مسلم (1524) وفيه: "وإلا فليَرُدَّها وصاعًا من تمر": (مسألة المصَرَّاة واضحة، وقول من عَلَّلَهُ لا أقبلُه!
ثم قال: فإذا مِتُّ فأظهروا قولي؛ فإن أهل البلد عندنا لا يتحملون المخالفة في مثل هذه المسائل الظاهرة!).

قلتُ (الحريري) - ومن نسختي أنقُل -: «مذهب شيخنا اتباع الحديث وإن خالف المذهب، وكان - وفقه الله - يثني على بعض أهل الحديث وعلى شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم وابن كثير وابن عبد الهادي والذهبي - وقال عنه: الذهبي كأنه صِيغَ من الذهَب - والإمام أحمد - قبلهم - ويقول: أنا على مذهب السلف في الاعتقاد.

ولا يوافق غلاة الصوفية ولا الأشعرية والماتريدية، وكنا إذا جلسنا معه أحسسنا كأننا أمام رجل من السلف من أهل الحديث - نحسبه كذلك ولا نزكي على الله أحدًا - فلله درُّهُ».

12- وقال شيخنا عند قراءتنا لحديث (2612) من صحيح مسلم: "إذا قاتل أحدكم أخاه فليجتنب الوجه؛ فإن اللهَ خَلقَ آدمَ على صورته": (الإمام أحمد يحمل الحديث على ظاهره، وقد جاء في السنة لابن أبي عاصم: "على صورة الرحمن"، والمنبغي في مثل هذا السكوت عن التأويل، وإمرارها كما جاءت). 1/ 9/ 1432هـ.
ولتمامِ هذه الفوائد السَّنيَّة، والنُّقول السُّنيَّة يُنظر ثَبَت الشيخ: «الفرائد في عوالي الأسانيد وغوالي الفوائد» (ص 191 -196).

ومِنَ المواقفِ الجليلة التي رصدها قلمُ شيخنا محمَّد زياد التُّكلة –حفظه الله-:
«.. لمَّا قرأت عليه «لامية ابن تيمية» بكى بكاءً شديدًا –وهو أصلًا كثير الخشوع والبُكاء- وأثنى عليه ورفعَ شأنه، وقال: إنَّه عالمٌ محققٌ جليلٌ، وإنَّ ما رُمي به من انحراف في الاعتقاد غير صحيح؛ فإنَّه موافق لمذهب السلف.

وسبق أن كان لشيخنا أثرٌ على أحد أفاضل أصحابنا ممَّن تكلم ضد ابن تيمية أمامه، فرد عليه شيخنا وأرشده إلى مكانته، وكان سببَ خيرٍ جعلَ أخانا يراجع كلامه فاحصًا وانقلب عنده الموقف من شيخ الإسلام..».

وممَّا رقَمَه الشيخُ عبد الحميد ابن شيخنا غلام الله رحمتي –حفظهما الله- عن لقائه بالفقيد رفقة الشيخ عليّ الحدَّادي بالمسجدِ النَّبوي قوله: «..فذهبَ بي إليه وسألَه عن شيخ الإسلام وعقيدته؛ فأثنى عليه وعلى عقيدته خيرًا، وبَجَّلَه وعظَّمَه جدًّا، وقال: تأثرتُ به كثيرًا، ثمَّ قرأَ علينا الحديث المسلسل بالأولية، وأجازنا..».

وقال الشيخ المفتي عمر شريف القاسمي الهندي –حفظه الله-: «الشيخ محمد يُونُس كان متمسِّكًا بالأحاديث، وكان يردُّ على متعصِّبةِ الحنفيَّة، وكان يُنكر ويكره التأويل في الحديثِ إنكارًا كُلِّيًا، وكذلك في العقيدة كان يميلُ دائمًا إلى عقيدةِ السلف الصالحين، وكان يرجِّحُ عقيدتهم، ويقول بقولهم، وكان يُرجّحُ الحديث على كُلِّ الأقوال.. وهذا أثَّرَ فيَّ، وفي اختياري منهجَ السَّلف وتمسُّكي به عندما كنتُ طالبًا في جامعة ديوبند قبلَ خمسة عشر عامًا».

الفقيدُ في عُيونِ تلاميذه العرب:
أرسلَ لي شيخُنا محمد بن ناصر العجمي -حفظه الله-: «عظَّم الله أجر الجميع، وغفر الله له ورحمه، وأثابه رضاه، وجعله من المقبولين لديه، وهو -إن شاء الله- من عباد الله الصالحين الذين سيكرمهم الله - عز وجل-؛ ولكن الفجيعة في فقد أمثال هؤلاء العلماء. ﴿أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا نَأْتِي الأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا.

هذا والله هو النقصان العظيم؛ لفَقْدِ مثل هذا الإمام العالم، الذي كان أدرى الناس بصحيح البخاري، رحمه الله، وجزاك الله خيرًا، وجعل الخلف فيكم وفي أمثالكم من طلاب العلم».

وكتبَ شيخُنا محمَّد زياد التُّكلة -حفظه الله-ـ: «إنَّ شيخنا قد درَّس لأكثر من نصف قرن، وتخرج عليه عشرات الآلاف في بلده من طبقات عدة، وأخذ عليه الآلاف في أسفاره، ولا سيما في الحرمين الشريفين الذين يُكثر شيخنا من زيارتهما... وإن أبرز ما يُلمس من شيخنا شدة تعظيمه للسنّة، وهو متمثل فيه حالًا ومقالًا، فلا أعرفه يقدّم على السنّة شيئا، ويعظّم أئمة السلف والسنّة من المتقدمين والمتأخرين إجلالا عجيبًا، ناهيك عن الصحابة جميعهم، رضي الله عنهم».

* وقال شيخُنا د. عاصم القريوتي -حفظه الله-: «رحم الله شيخنا العلامة بحق الشيخ المحدث محمد يونس الجونفوري شيخ الحديث بجامعة مظاهر العلوم بسهارنفور بالهند، وأخلف المسلمين خيرًا منه.

‫وهو آية في الحفظ والإتقان والفهم، مع حسن المعتقد، مُحَلّى بالزهد والتواضع رحمه الله، ‫وكان يقول: ثلاثة أَثَّرُوا في مسيرتي العلمية: ابن تيمية، والذهبي، وابن كثير».

* ورثاه شيخُنا د. يَحيَى الغوثاني -حفظه الله-: «.. هو من نوادر علماء العصر تعرفت عليه أول مرة في عام (1407هـ) مقابل ميزاب الرحمة في صحن الطواف وكانت لحيته سوداء فقرأ علي حديث الرحمة من حفظه، وقرأت أول البخاري، ثم قرأ هو آخر البخاري بسنده فتعجبت من حفظه، وأجازني في الحديث عن شيخه الشيخ محمد زكريا الكاندهلوي، وعن شيوخه في مظاهر العلوم سهارنفور، وهو عالم رباني مخبت خاشع خاضع لله تعالى، وقد جرى ذكر الشيخ الفاداني فتشوف لزيارته ورؤيته، وقال: إنني بشوق لزيارته، فلم تتحقق في تلك السنة، وفي زيارات أخرى لمكة المكرمة كان الشيخ الفاداني قد توفي رحمه الله، فتأوّه لعدم إدراكه والرواية عنه».

* وكتبَ شيخُنا بدر العتيبي -حفظه الله-: «..الشيخ المحدث محمد يونس الجونفوري رحمه الله، أجازني ورأيتُ منه تعظيمًا للسُّنة، وحبًّا لشيخِ الإسلام ابن تيمية».
إنَّ عِلمَ الحديثِ عِلمُ رجالٍ
تَرَكوا الابتداعَ للاتّباعِ

فإذا جاءَ ليلُهُم كَتَبوهُ
وإذا أصبحوا غَدَوا للسماعِ


فنحسب الفقيدَ من الأتقياء الأخفياء، وكُل من تتلمذ عليه مِن شيوخنا العرب شهدَ له بزهده وورعه، وإقباله على العبادة، وإصلاح النَّفس، ولزومه غرزَ الحديث.
ومَن عاجل بُشراه -إنْ شاء الله- أنَّه خُتمَ له وهو يذكر الله -جلَّ في عُلا-، ورُئِيت له رؤى حسنةً.

وقد شهدَ جنازتَه ما يقرب من مليون مُشيِّع في منظرٍ مهيب، ولعلَّه يصدقُ فيه قولُ الإمام أحمد: «قولوا لأهل البدع بيننا وبينكم يوم الجنائز»، فجنائز علماءِ الإسلام دليل عظمتهم.

فرحمَ اللهُ الشَّيخَ المُحدِّثَ وأسْكنه جنات النعيم، وجعلَ ما حدَّث به وأفادَ، ورَوى وعلَّم بينَ يديْه يوم القيامة شفيعًا، وإنا لله وإنا إليه راجعون.





[1] اللَّطِيمُ الذي يموت أَبواه، والعَجِيُّ الذي تموت أُمُّه، واليتيمُ الذي يموت أَبوه. لسان العرب (12/542).

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 78.63 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 76.92 كيلو بايت... تم توفير 1.71 كيلو بايت...بمعدل (2.18%)]