مسألة الطلاق الثلاث بلفظ واحد - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         الصراع مع اليهود (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 2 - عددالزوار : 37 )           »          الوقـف الإســلامي ودوره في الإصلاح والتغيير العهد الزنكي والأيوبي نموذجاً (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          أفكار للتربية السليمة للطفل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          لزوم جماعة المسلمين يديم الأمن والاستقرار (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          منهجُ السَّلَف الصالح منهجٌ مُستمرٌّ لا يتقيَّدُ بزمَانٍ ولا ينحصِرُ بمكانٍ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          السياسة الشرعية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 38 - عددالزوار : 1197 )           »          الحكمـة ضالـة المؤمن ***متجددة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 72 - عددالزوار : 16919 )           »          حوارات الآخرة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 17 )           »          الخواطر (الظن الكاذب) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          الإنفــاق العــام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام > فتاوى وأحكام منوعة

فتاوى وأحكام منوعة قسم يعرض فتاوى وأحكام ومسائل فقهية منوعة لمجموعة من العلماء الكرام

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 10-07-2020, 02:40 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,025
الدولة : Egypt
افتراضي مسألة الطلاق الثلاث بلفظ واحد

مسألة الطلاق الثلاث بلفظ واحد
أ. د. علي أبو البصل





أولاً: تصوير المسألة:
إذا طلَّق الزوج زوجته ثلاث طلقات مرةً واحدة، أو بألفاظ ثلاثة في مجلس واحد، هل يقع ثلاثًا أو واحدة؟ ولهذا يكون للطلاق الثلاث صورتان؛ الأولى بأن يقول الزوج لزوجته، طلقتك ثلاثًا، أو طالق بالثلاث، أو طالق ألبتَّة، أو بأي ألفاظ تدلُّ على ذلك، والصورة الثانية بأن يقول الزوج لزوجته: أنت طالق، أنت طالق، أنت طالق، ويكون ذلك في مجلس واحد، فما الحكم في هذا الطلاق من ناحية الوقوع؟ هل يقع أم لا يقع؟ وإذا وقع فهل يكون ثلاثًا أم واحدة؟ هذه هي صورة المسألة مدار البحث.

ثانيًا: تحرير محل الخلاف[1]:
أ- اتفق الفقهاء أن الطلاق بلفظ صريح كقول الزوج لزوجتِه: أنت طالق، يقع بمجرد صدوره من أهله مضافًا إلى محلِّه، ولا حاجة في ذلك إلى النية.


ب- اتفق الفقهاء على أن الطلاق السنيَّ، هو الطلاق الذي يراعي فيه المطلِّق ما جاء به الفقه الإسلامي المستمدُّ مِن الأدلَّة المُعتمَدة مِن القرآن والسنة، ومِن ذلك قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ ﴾ [الطلاق: 1].


وقد فسَّر العلماء ذلك بأن المرأة تُطلَّق طاهرًا من غير جماع، وأن يكون واحدة، وأن تكون هناك ضرورة تقتضيه.


جـ- اتَّفق الفقهاء على حرمة الطلاق البدعي، وهو الذي يكون على خلاف ما جاءت به السنَّة أو الشريعة الإسلامية، ومن ذلك طلاق المرأة أثناء حيضها، أو في طهر جامع الزوج زوجته فيه، والطلاق ثلاث مرات في مجلس واحد[2].


د- اختلف الفقهاء في وقوع الطلاق البدعي؛ ومن ذلك الطلاق الثلاث في مجلس واحد، وهو مدار البحث، وانحصر خلاف الفقهاء في وقوعه، مع الاتفاق على الحرمة والإثم لكلِّ مَن يقدم عليه، وهذا هو الجانب الدياني في الموضوع، وينحصر الخلاف في الجانب القضائي، وهو وقوع الطلاق أم لا[3].

ثالثًا: منشأ الخلاف في هذه المسألة:
يَبدو لنا أن منشأ الخلاف في هذه المسألة يرجع إلى أمرين:
الأول: النهي عن الشيء، هل يستلزم الحرمة والبطلان، أم يستلزم الحرمة ولا يستلزم البطلان؟ بمعنى: هل يُفصل الجانب الأخروي عن الجانب الدنيوي أو القضائي في المسألة، أم عدم إمكانية الفصل؟[4]

والثاني: الأدلة الوارِدة في هذه المسألة: أدلة ظنية، يتطرَّق إليها الاحتِمال، وتتَّسع للرأي والرأي الآخر، وفيها مجال واسع للاجتِهاد بالرأي؛ يقول ابن رشد: "وكأنَّ الجُمهورَ غلَّبوا حكم التغليظ في الطلاق سدًّا للذريعة"[5].

رابعًا: آراء الفقهاء في هذه المسألة:
اختلف الفقهاء في هذه المسألة إلى أربعة آراء هي:
الرأي الأول: يَرى أصحاب هذا الرأي أنَّ طلاق الثلاث يقع ثلاثًا، وتَبين به المرأة بينونةً كُبرى، لا تحلُّ لزوجها، الذي طلَّقها هذا الطلاق، حتى تَنكح زوجًا غيره، وينسب هذا الرأي إلى الأئمة الأربعة، وجماهير الصحابة والتابعين[6].


واستدلوا على رأيهم هذا بالأدلة التالية:
1- الأدلة من القرآن الكريم:
أ- قال تعالى: ﴿ وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ ﴾ [البقرة: 228].
ب- قال تعالى: ﴿ لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً ﴾ [البقرة: 236].
جـ- قال تعالى: ﴿ الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ ﴾ [البقرة: 229].
د- قال تعالى: ﴿ وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ ﴾ [البقرة: 241][7].


وجه الاستدلال بالآيات الكريمة:
إنَّ العموم والإطلاق الوارد في الآيات الكريمة، والذي يُستَفاد من قوله: والمطلقات، وطلقتم، وطلقها، فطلقوهن، يجري على عمومه وإطلاقه، يشمل الطلاق الرجعي والبائن، سواء صدر الطلاق بلفظٍ واحِد أو اثنين أو ثلاثًا، مفرَّقًا أو بلفظ واحد، ولم يُقيَّد إلا بقيد العدة الواردة في النص، أي وقتَ ابتداء العدة، وبهذا يبقى العام على عمومه، والمُطلَق على إطلاقه.


2- الأدلة من السنَّة وهي كثيرة؛ ومنها:
أ- عن عائشة رضي الله عنها أنَّ رجلاً طلَّق امرأته ثلاثًا، فتزوجت، فطلق، فسئل النبي صلى الله عليه وسلم أتحلُّ للأول؟ قال: ((لا حتَّى يذوق عسيلتها، كما ذاقَ الأول))[8].


ب- حديث عُويمر العجلاني أنه طلَّق ثلاث تطليقات عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنفذه رسول الله صلى الله عليه وسلم[9].


ج- جاء رجل إلى ابن عباس، فقال: إنه طلق امرأته ثلاثًا، فسكت حتى ظننتُ أنه رادُّها إليه، ثم قال: يَنطلق أحدكم فيَركب الحموقة، ثم يقول: يا ابن عباس، وإن الله قال: ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا ﴾ [الطلاق: 2]، وإنكَ لم تتَّقِ الله، فلم أجد لك مخرجًا، عصيتَ ربك، فبانت منك امرأتك، وإن الله تعالى قال: ﴿ يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ ﴾ [الطلاق: 1] في قُبُل عدَّتهن[10].

وجه الاستدلال بهذه الأحاديث:
تفيد الأحاديث السابقة أن طلاق الثلاث يقع ثلاثًا، والمرأة تبين من زوجها بينونة كبرى، والأحاديث مجتمعة، يفسر بعضها بعضًا، ويؤكد بعضها بعضًا، والنبي صلى الله عليه وسلم أنفذه ثلاثًا، فلو كان لا يقع لأنكره وبين بطلانه.


الرأي الثاني: يرى أصحاب هذا الرأي أن الطلاق الثلاث يقع طلقةً واحدةً رجعيةً، وينسب هذا الرأي، إلى ابن تيمية وابن القيم[11].


واستدلوا على ذلك بما يلي:
1- قال تعالى: ﴿ الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ ﴾ [البقرة: 229].


وجه الاستدلال بالآية الكريمة:
تشير الآية الكريمة إلى الطلاق المشروع، فقد شرع الله سبحانه الطلاق، تطليقة بعد تطليقة، ولم يشرعه ثلاثًا دفعة واحدة، فإذا فعله الزوج ثلاثًا، لا يقع إلا واحدة.[12]


2- عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "كان الطلاق على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وسنتين من خلافة عمر، طلاق الثلاث واحدة، فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: إن الناس قد استعجلوا في أمرٍ قد كانت لهم فيه أناة، فلو أمضَيناه عليهم؟ فأمضاه عليهم"[13].


وجه الاستدلال بالحديث الشريف:
يدل الحديث بوضوح أن الطلاق بلفظ واحد، كان يقع واحدة من عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر، ثم إن عمر رضي الله عنه رأى الناس استهانوا بأمر الطلاق وكثر منهم إيقاعه جملة واحدة، فرأى من المصلحة معاقبتَهم بإمضائه عليهم؛ ليكون ذلك رادعًا لهم، وأساس العقوبة المصلحة، والمصلحة متغيرة، وقد تغيرت المصلحة، فيصار إلى الأصل وهو عدم وقوع الطلاق[14] ثلاثًا إلى طلقة واحدة.


3- عن ابن عباس قال: "طلَّق ركانة زوجه ثلاثًا في مجلس واحد، فحزن عليها حزنًا شديدًا، فسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف طلقتها؟ قال: طلقتها ثلاثًا في مجلس واحد، قال: إنما تلك طلقة واحدة، فارتجعها"[15].


وجه الاستدلال بالحديث:
يدل الحديث صراحة على أن طلاق الثلاث في مجلس واحد، يقع طلقة واحدة.

4- المعقول:
إن الأمر الذي يُخالف الشرع يكون باطلاً؛ لأنه وإن وجد من الناحية الحسية الواقعية؛ لكنه من حيث الاعتبار الشرعي يكون باطلاً؛ عملاً بقوله صلى الله عليه وسلم: ((مَن عمل عملاً ليس عليه أمرُنا، فهو ردٌّ))[16]؛ أي: مردودٌ وباطل، والطلاق البدعي، طلاق محرَّم؛ ولهذا يكون جمع الطلاق الثلاث بلفظ واحد، عملاً بدعيًّا باطلاً؛ ولهذا لا يقع إلا طلقةً واحدةً، حِفاظًا على تحقيق المصلحة من التتابع في الطلاق؛ وهي التدبُّر والتفكُّر، وتدارك الخطأ من أجل الحفاظ على الحياة الزوجية ما أمكن، وعدم إنهاء الحياة الزوجية، بقرار مُتسرِّع، يتبعه الندم؛ ولهذا قصد الشارع مِن المكلف أن يكون قصده في العمل، موافقًا لقصد الله في التشريع، وكل من ابتغى في تكاليف الشريعة، غير ما شُرعت له، فقد ناقض الشريعة، ومَن ناقَضَها، فعمله في المناقضة، باطل، فما يؤدِّي إلى المناقضة، يكون باطلاً بالبداهة.


الرأي الثالث: يرى أصحاب هذا الرأي أن الطلاق الثلاث في مجلس واحد طلاق بدعيٌّ باطل، لا يقع به شيء أصلاً، ويعد كأن لم يكن من الناحية الشرعية، وينسب هذا الرأي إلى بعض التابعين، وبعض أهل الظاهر[17]، واستدلوا على ذلك بما يلي:
أ- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((كل عمل ليس عليه أمرنا فهو رد))[18].


وجه الاستدلال بالحديث:
الحديث يدل بوضوح، أن الأمر المخالف لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم يكون باطلاً، مردودًا؛ ومن ذلك الطلاق البدعي، فلا يكون مقبولاً، وإنما يكون فاسدًا مردودًا؛ لأنه غير موافق لما جاء في القرآن والسنة؛ لأن جمع الطلاق الثلاث بكلمة واحدة لم يذكر في القرآن، فهو مُحدَث، فلا يكون واقعًا.


ب- عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه طلَّق امرأته وهي حائض، فذكر ذلك عمر للنبي صلى الله عليه وسلم فردها عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يرَها شيئًا[19].

وجه الاستدلال بهذه الرواية:
تدل الرواية بوضوح أن الطلاق البدعي لا يقع، ومن ذلك الطلاق الثلاث بكلمة واحدة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعتدَّ بهذا الطلاق، وردَّها لابن عمر، ولو كان الطلاق واقعًا، لما ردَّها لابن عمر؛ وهذا دليل عدم الوقوع.

الرأي الرابع: يرى أصحاب هذا الرأي أن المرأة المُطلَّقة إن كنت مدخولاً بها وقعت الثلاث، وإن لم تكن مدخولاً بها، وقَع واحدة فقط، ويُنسب هذا الرأي إلى بعض أصحاب ابن عباس وإسحاق بن راهويه[20].


واستدلوا على ذلك بما يلي:
أ- عن ابن عباس، قال: "كان الرجل إذا طلَّق امرأته ثلاثًا قبل أن يدخل بها، جعلوها واحدةً على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وصدرٍ من إمارة عمر... الحديث"[21].


وجه الاستدلال بهذه الرواية:
تقيِّد هذه الرواية بوضوح أن الطلاق قبل الدخول لا يقع إلا واحدة، ويقع بعد الدخول ثلاثًا، وهذا التقييد الوارد في هذه الرواية، يقيد ما كان مطلقًا في الروايات الأخرى؛ لأنه من المقرر أصوليًّا حمل المطلق على المقيد، وخاصة إذا اتحد الحكم والسبب في كل منهما.


ب- المعقول:
إن المرأة إذا طلقت قبل الدخول، فإن الطلاق يقع بائنًا، بمجرد وقوع الطلاق، ولا عدة للمرأة المطلقة قبل الدخول؛ ولهذا لا عبرة بالطلاق بعد ذلك؛ لعدم وجود المحل؛ لأن الزوجية تنتهي بمجرد صدور الطلقة من الرجل؛ لأن الطلاق هو ما صدر من أهله مضافًا إلى محله.


وأما المدخول بها، فإن المطلقة لا تبين من زوجها، بمجرد صدور الطلاق، وإنما تعتد المرأة، والمعتدة في حكم الزوجة، فتلحقها الطلقتان الأخريان، ولهذا يقع الطلاق الثلاث ثلاثًا بعد الدخول، ويقع واحدة قبل الدخول[22].

خامسًا: رأي القانون:
ذهبت معظم القوانين العربية إلى أن طلاق الثلاث بلفظ واحد أو بألفاظ ثلاثة في مجلس واحد، لا يقع إلا طلقة واحدة، ومن هذه القوانين: قانون الأحوال الشخصية الأردني، ومشروع القانون الاتحادي لدولة الإمارات العربية المتحدة، ومشروع القانون العربي الموحَّد لمجلس وزراء العدل العرب.


تنص المادة (90) من قانون الأحوال الشخصية الأردني، على "أن الطلاق المقترن بالعدد لفظًا، أو إشارة، والطلاق المكرر في مجلس واحد لا يقع بهما إلا طلقة واحدة"[23].


وتنص المادة (10) من مشروع قانون الإمارات، على أن "الطلاق المقترن بعدد لفظًا، أو إشارة، لا يقع إلا واحدة، وكذلك المتتابع، أو المتعدد في مجلس واحد".


ونصَّت الفقرة (جـ) من المادة (91) من مشروع القانون العربي الموحَّد على أنه: "لا يقع بالطلاق المقترن بالعدد لفظًا، أو كتابة، أو إشارة، إلا طلقة واحدة"[24].


وبهذا يكون القانون قد حسم الأمر في هذه المسألة، وأخذ برأي متأخري الحنابلة وغيرهم، وهو أن الطلاق الثلاث بلفظ واحد أو بألفاظ ثلاثة في مجلس واحد، لا يقع إلا طلقة واحدة رجعية، وهذا أمر حسنٌ فعله القانون؛ لأنه بذلك حفظ الأسرة من الضياع، وحقق حكمة تشريع الطلاق معًا؛ لأنه يجب أن يتفق قصد المكلف مع قصد الشارع من تشريع الحكم، والمناقضة عبث، والعبث باطل في التشريع.


سادسًا: المناقشة والتَّرجيح:
1- مناقشة أدلة الجمهور[25]:
أ- الأدلة من القرآن الكريم، أدلة عامة ومطلقة، والعام يتطرق إليه التخصيص، والمطلق، يتطرق إليه التقييد، وكلها أدلة ظنية يتطرق إليها الاحتمال في محل النزاع، فيسقط الاستدلال به، كما أن آية {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ} تشير إلى عدد الطلاق، ولا تشير إلى كيفية وقوعه؛ ولهذا لا يصحُّ الاحتجاج بها في محل النزاع.


ب- حديث عائشة رضي الله عنها لا حجة لكم فيه؛ لأنه لم يشر إلى كيفية وقوع طلاق الثلاث؛ لأنه يحتمل أن يكون الطلاق قد وقع بالتتابع وفي عدة مجالس، ومع قيام هذا الاحتمال يسقط الاستدلال بالحديث.


ج- حديث عويمر العجلاني، لا حجة فيه؛ لأن الطلاق وقع منه في غير محله، وبعد أن أصبحت زوجتُه أجنبية عنه، بسبب اللعان الذي وقع بينه وبين زوجه، والذي أدى إلى المفارقة بينهما بنفس اللعان، وتطليقه لها، بعد وقوع اللعان، لا أثر له، لفوات المحل؛ ولهذا لا يصح الاحتجاج بهذا الحديث؛ لأن الحرمة وقعت باللعان لا بالطلاق، وإن وجد الطلاق منه بعد اللعان، فهذا الطلاق لا قيمة له في الاعتبار الشرعي، وإن وجد من الناحية المادية؛ لأن الطلاق المعتبر شرعًا، هو ما صدر من أهله، مضافًا إلى محله.


د- أما بالنسبة لفتوى ابن عباس، فإن الأثر لم يشر إلى كيفية وقوع الطلاق؛ لأنه يحتمل أن الطلاق كان جملة واحدة أو مفرقًا، كما يحتمل أنه كان قبل الدخول، ويبقى الأمر في النهاية محض رأي واجتهاد من ابن عباس، وهذا الرأي يتطرق إليه الاحتمال في محل النزاع، فيسقط به الاستدلال.

2- مناقشة أدلة المذهب الثاني[26]:
أ- لا يوجد في الآية الكريمة ما يدل على أن الطلاق الثلاث يقع طلقة واحدة رجعية، فيؤخذ الحكم من السنة، وقد وردت الأحاديث التي تدل على أن الطلاق الثلاث يقع ثلاثًا، ومن ذلك حديث عويمر العجلاني.


ب- حديث ابن عباس، كان الطلاق على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يتطرق إليه الاحتمال والتأويل، فيسقط به الاستدلال في محل النزاع؛ ومن ذلك أن الطلاق المذكور في الحديث هو الطلاق المكرَّر: أنتِ طالق، أنت طالق، أنت طالق، وهذا الذي كان يقع واحدة؛ لأنهم كانوا يقصدون به التأكيد، ويَصدقون في دعوى التأكيد، نظرًا لما كانوا عليه من خشية الله، ولما رأى عمر تغير الأحوال عند الناس، أوقَعه عليهم ثلاثًا، ولم يقبل دعوى التأكيد، وهذا مجال اجتهاد عمر رضي الله عنه.


جـ- حديث طلاق ركانة زوجه ثلاثًا في مجلس واحد، حديث مضطرب؛ لأنه جاء في رواية أخرى أنه طلقها ألبتَّة لا ثلاثًا، وقد رجح أبو داود هذه الرواية؛ وبهذا يزول الاضطراب، لكن الحديث يبقى ضعيفًا من حيث المتن، ويكون خارج محل النزاع[27].

3- مناقشة أدلة المذهب الثالث:
أ- حديث كل عمل، ليس عليه أمرنا فهو ردٌّ، لا يصحُّ الاستدلال به؛ لأنَّ معناه أن العمل يكون مردودًا إذا كان مخالفًا لركن من أركان الإسلام أو شرط من شرائطه، وليس كذلك الطلاق؛ لأنه مخالف للسنة، كما أنَّ الحديث يتطرق إليه الاحتمال؛ لأنه يحتمل أن يكون الرد يوم القيامة؛ أي: من حيث الديانة عمل محرَّم، والدليل إذا تطرق إليه الاحتمال في محل النزاع سقط الاستدلال به[28]، وهو حديث عام، خصص بما سبق في أدلة القولين الأوليين من الحكم بوقوع الطلاق المثلث[29].


ب- حديث فردها عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يرها شيئًا، حديث ضعيف منكر من حيث السند والمتن، ويحتمل التأويل بأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يرها شيئًا مستقيمًا.

4- مناقشة أدلة المذهب الرابع:
رواية أبي داود غاية ما فيها التنصيص على بعض أفراد مدلول الرواية وهذا لا يقاوم عموم أحاديث ابن عباس، كما أن قوله: "أنت طالق" ثلاثًا، هذه الزيادة في المبنى تفيد الزيادة في المعنى، تفسيرًا وتأكيدًا، والتنصيص على بعض أفراد المدلول والذي دلت عليه الروايات الأخرى عن ابن عباس، لا يوجب الاختصاص بالبعض الذي وقع التنصيص عليه، وإنما يفيد التأكيد[30].

التَّرجيح:
ويمكن لنا بعد الاطلاع على آراء الفقهاء ومناقشة أدلة كل فريق، وملاحظة ما ذهب إليه القانون، أن نميل إلى ما أخذ به القانون معتمدًا في ذلك على رأي ابن تيمية وتلميذه ابن القيم، والذي يقضي بأن الطلاق الثلاث في مجلس واحد، لا يقع إلا طلقة واحدة رجعية، للأسباب التالية:
1- ضرورة إيقاع الطلاق بالكيفية التي حدَّدها القرآن والسنة، حفاظًا على مقصد الشارع من تشريع الطلاق؛ لأن المناقضة عبث، والعبث في الشرع محرَّم.


2- سدًّا لذريعة التحليل؛ ونكاح التحليل محرَّم في الإسلام.


3- حفاظًا على الأسرة من الضياع؛ بسبب الجهل بالأحكام الشرعية أو الآثار المترتبة على بعض التصرفات ومنها طلاق الثلاث.


جاء في الأسباب الموجبة لقانون الأحوال الشخصية الأردني رقم (61) لسنة 1976م، وفيما يخص المادة (90) منه:
نظرًا؛ لأن بعض المسلمين، لا يتورَّع عن استعمال ألفاظ الطلاق في غير ما شرعت له، وأسباب لا تستعديه، وكان المعمول به، أن الطلاق المكرر ثلاثًا في مجلس واحد يقع ثلاثًا بائنًا بينونة كبرى، بحيث لا تحل الزوجة بعد ذلك لزوجها إلا بعد أن تنكح زوجًا غيره، وفي ذلك ما فيه عنَتٌ وإحراج وهدم للأسرة، فقد نصَّ مشروع هذا القانون على أن الطلاق المكرر شرعًا، يقع به طلقة واحدة رجعية، كالطلاق المقترن بالعدد لفظًا أو إشارة، عملاً بما ذهب إليه بعض الصحابة؛ كابن عباس والتابعين كمحمد بن إسحاق صاحب المغازي، وأفتى به تقي الدين ابن تيمية وابن قيم الجوزية.


[1] الكاساني: البدائع (3 / 95)، 96)، وابن رشد: المقدمات (2 / 382)، وابن جزي: القوانين الفقهية (ص: 150)، والشافعي: الأم (5 / 180)، والقفال الشاشي: حلية العلماء (7 / 19، 20)، والشيرازي: المهذب (2 / 80)، وابن تيمية: الفتاوى الكبرى (3 / 14) وما بعدها، وابن قيم الجوزية: الطرق الحكمية (ص: 16، 17)، والشوكاني: نَيل الأوطار (7 / 4) وما بعدها، والموصلي: الاختيار (3 / 122).

[2] ابن تيمية: الفتاوى الكبرى (3 / 16) وما بعدها.

[3] ابن تيمية: الفتاوى الكبرى (3 / 19) وما بعدها، وابن قيم الجوزية: إعلام الموقعين (3 / 30)، وابن رشد: بداية المجتهد (2 / 60) وما بعدها.

[4] الكاساني: البدائع (3 / 95).

[5] ابن رشد: بداية المجتهد (2 / 62).

[6] الموصلي: الاختيار (3 / 122)، والكاساني: البدائع (3 / 94) وما بعدها، وابن عابدين: رد المحتار على الدر المختار (2 / 419)، والزيلعي: تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق (2 / 188)، ومحمد عليش: شرح منح الجليل (2 / 202)، وابن رشد: المقدمات (2 / 385)، والشربيني: مغني المحتاج (3 / 280)، والشافعي: الأم (5 / 187)، والشاشي القفال: حلية العلماء (7 / 515)، وابن النجار: متنهى الإرادات (2 / 251)، وابن قدامة: المغني، (7 / 515)، وابن تيمية: الفتاوى، (3 / 20)، وابن حزم: المحلى (10 / 170)، والشوكاني: نَيل الأوطار (7 / 17).

[7] ابن العربي أحكام القرآن 1/ 183 وما بعدها.

[8] ابن العربي: عارضة الأحوذي بشرح صحيح الترمذي (5 / 42)، والبخاري: صحيح البخاري (7 / 76).

[9] البخاري: صحيح البخاري (7 / 76)، والنووي: صحيح مسلم بشرح النووي (10 / 123) وما بعدها.

[10] أبو داود. صحيح سنن المصطفى صلى الله عليه وسلم (1 / 343).

[11] ابن تيمية: الفتاوى (3 / 19) وما بعدها، وابن قيم الجوزية: إعلام الموقعين (3 / 30) وما بعدها.

[12] أحمد المرتضى: البحر الزخار (4 / 175).

[13] النووي: صحيح مسلم بشرح النووي (10)، (ص: 69، 70).

[14] ابن قيم الجوزية: الطرق الحكمية (ص: 19، 17)، والشوكاني: نَيل الأوطار، (7 / 16) وما بعدها.

[15] أبو داود: سنن أبي داود (1 / 343).

[16] البخاري: صحيح البخاري (3 / 145).

[17] ابن حزم: المحلى (10 / 161) وما بعدها، والشوكاني: نَيل الأوطار (7 / 19)، ود. محمود السرطاوي: شرح قانون الأحوال الشخصية الأردني (2 / 38)، ود. وهبة الزحيلي: الفقه الإسلامي وأدلته (7 / 407).

[18] البخاري: صحيح البخاري (3 / 145).

[19] النووي: صحيح مسلم بشرح النووي (10 / 69)، وأبو داود: سنن أبي داود (1 / 341).

[20] الشوكاني: نَيل الأوطار (7 / 16).

[21] أبو داود: سنن أبي داود (1 / 344).

[22] الشوكاني: نَيل الأوطار (7 / 20).

[23] القاضي أحمد داود: القرارات الاستئنافية في أصول المحاكمات الشرعية وأصول الدعوى (2 / 912)، ود. محمود السرطاوي: شرح قانون الأحوال الشخصية الأردني (2 / 326).

[24] د. محمود الطنطاوي: الأحوال الشخصية في الشريعة ومشروع القانون الاتحادي لدولة الإمارات، ومشروع القانون العربي الموحد لمجلس وزراء العدل العرب (ص: 321).

[25] ابن تيمية: الفتاوى الكبرى (3 / 14) وما بعدها، وابن قيم الجوزية: أعلام الموقعين (3 / 30) وما بعدها، والشوكاني: نَيل الأوطار (7 / 4) وما بعدها، ود. محمود السرطاوي، شرح قانون الأحوال الشخصية الأردني (2 / 323)، ود. عبدالفتاح عمرو: السياسة الشرعية في الأحوال الشخصية (ص: 150).

[26] الشوكاني: نَيل الأوطار (7 / 19) وما بعدها، ابن رشد: المقدمات (2 / 385)، والشيرازي: المهذب (1 / 86).

[27] ابن رشد: بداية المجتهد (2 / 61)، وأبو داود: سنن أبي داود (1 / 343).

[28] الأستاذ الزرقا: المدخل الفقهي (1 / 153).

[29] الشوكاني: نَيل الوطار (7 / 20).

[30] الشوكاني: نَيل الوطار (7 / 20).




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 85.01 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 83.22 كيلو بايت... تم توفير 1.78 كيلو بايت...بمعدل (2.10%)]