لزوم الوقف في الفقه الإسلامي - ملتقى الشفاء الإسلامي
 

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4421 - عددالزوار : 858396 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3953 - عددالزوار : 392849 )           »          متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 12535 - عددالزوار : 215478 )           »          مشكلات أخي المصاب بالفصام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 51 )           »          المكملات الغذائية وإبر العضلات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 44 )           »          أنا متعلق بشخص خارج إرادتي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 44 )           »          مشكلة كثرة الخوف من الموت والتفكير به (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 47 )           »          أعاني من الاكتئاب والقلق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 43 )           »          اضطراباتي النفسية دمرتني (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 47 )           »          زوجي مصاب بالفصام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 45 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام > فتاوى وأحكام منوعة

فتاوى وأحكام منوعة قسم يعرض فتاوى وأحكام ومسائل فقهية منوعة لمجموعة من العلماء الكرام

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 10-07-2020, 01:55 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,060
الدولة : Egypt
افتراضي لزوم الوقف في الفقه الإسلامي

لزوم الوقف في الفقه الإسلامي
أ. د. علي أبو البصل


أولاً: تصوير المسألة:
الوقف والتحبيس والتسبيل بمعنى واحد، وحقيقته شرعًا: حبس مال يُمكن الانتفاع به مع بقاء عينه، على مصرف مباح موجود، ويُجمع على وقوف، وأوقاف.


وهو من خصائص أهل الإسلام، وقربة من القُرَب الموجبة لعظيم الثواب؛ لما فيه من تحبيس الأصل أو الرقبة وتسبيل المنفعة أو الفوائد والثِّمار.


والوقف من عقود التبرُّعات المالية، وليس من عقود المعاوَضات، وهل هذا التبرع يمنع البيع والهبة والميراث بمجرَّد اللفظ - كالعتق - لأن الوقف يحصل به، أو لا يلزم إلا بالقبض، وإخراج الواقف الوقف من يده إلى غيره، أو لا يلزم أصلاً؛ لأنه من عقود التبرعات المالية؛ كالهبة؛ بحيث يملك الواقف الرجوع عنه، وهبتَه، وبيعَه، ويَنتقِل للورثة بعد موته؟[1]

ثانيًا: تَحرير محل النزاع:
1- اتفق الفقهاء على لزوم الوقف في الحالات التالية[2]:
أ- أن يكون الوقف مسجدًا أو أرضًا يُقام عليها مسجد، فإنَّ الوقف يُصبح لازمًا، ولا يَجوز الرجوع فيه، ويلزم مؤبدًا بالإجماع.


ب- أن يَخرج الوقف مخرج الوصية، بأن يضاف إلى ما بعد الموت، بأن قال: إذا مت فقد جعلت داري أو أرضي وقفًا على كذا، أو قال: هو وقف في حياتي، صدقة بعد موتي، وفي هذه الحال يصبح الوقف لازمًا، وتنطبق عليه أحكام الوصية، إذا مات الواقف مصرًّا على وصيته.


جـ- أن يحكم الحاكم بلزوم الوقف؛ لأن حكمه صادف محل الاجتهاد، وأفضى اجتهاده إليه، وقضاء القاضي في موضع الاجتهاد، بما أفضى إليه اجتهاده جائز وملزم، ويرفع الخلاف في المسألة، كما في سائر المُجتَهَدات المُختلَف فيها.


د- أن يلزم الواقف نفسه بنفسه تجاه الله تعالى؛ بشرط صحيح في قسيمة عقد الوقف، كأن يقول: وقفي هذا لا يُباع ولا يوهب ولا يورث، كما فعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه في وقفه في حضرَة النبي صلى الله عليه وسلم، وبهذا يُصبح الوقف لازمًا، بشرط الواقف؛ لأنه شرط معتبر شرعًا؛ عملاً بالقاعدة الشرعية: "شرط الواقف كنصِّ الشارع".


2- اختلف الفقهاء في لزوم الوقف، وقطع التصرف في أصل الوقف، وخروج الوقف من ملكيَّة الواقف في غير الحالات الآنفة الذكر، وبهذا انحصر الخلاف بين الفقهاء.


منشأ الخلاف في لزوم الوقف:
يرجع الخلاف بين الفقهاء في لزوم الوقف إلى الأسباب التالية:
أ- الخلاف في تكييف الوقف وتصوره؛ لأنه لم يرد مفصلاً في القرآن الكريم[3]، وخاصة أن فكرة الشخصية الحكمية أو المعنوية، لم تكن واضحة في أذهان الفقهاء، فيما مضى من الزمان، حتى تنقل ملكية الوقف من الواقف إلى الجهة الموقوف عليها، والتي أصبح الآن لها شخصية حكمية مُعتبَرة، وذمة مالية مستقلة؛ لأن لزوم الوقف يرتبط بموضوع نقل ملكية المال الموقوف من الواقف، ولكن إلى أين؟! لأنه لا يجوز تسييب المال شرعًا، وهذا الإشكال حلَّ الآن بفكرة الشخصية الحكمية أو الاعتبارية أو المعنوية، وهي شخصية مستقلة عن الأفراد، ولها ذمة مالية مُستقلَّة كذلك.


ب- تعارض الأدلة الواردة في لزوم الوقف، وكيفية الجمع والتوفيق بينها، وفي هذا تختلف أنظار العلماء.


جـ- الأدلة الواردة في لزوم الوقف، أدلة ظنيَّة، يتطرَّق إليها الاحتمال، وتتَّسع للرأي والرأي الآخر، وفيها مجال واسع للاجتهاد بالرأي.


رابعًا: آراء الفقهاء في لزوم الوقف:
اختلف الفقهاء في لزوم الوقف إلى فريقَين:
الأول: يرى أن الوقف عندما يصدر عن الواقف، يكون لازمًا، وملزمًا له منذ صدوره، فلا يجوز له الرجوع عنه، ولا هِبَتُه، ولا بَيعه، كما لا ينتقل للورثة بعد موته، وينسب هذا الرأي إلى جماهير العلماء، ومنهم المالكية والشافعية والحنابلة والزيدية والظاهرية، وجماهير الحنفية[4]، واستدلوا على ذلك بما يلي:
أ- عن ابن عمر رضي الله عنهما أن عمر بن الخطاب، أصاب أرضًا بخيبر، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم يستأمره فيها، فقال: يا رسول الله، إني أصبتُ أرضًا بخيبر، لم أصبْ مالاً قط أنفس عندي منه، فما تأمر به؟ قال: إن شئتَ حبست أصلها، وتصدَّقت بها، قال: فتصدق بها عمر، أنه لا يباع ولا يوهب ولا يورث، وتصدق بها في الفقراء، وفي القربى، وفي الرقاب، وفي سبيل الله، وابن السبيل، والضيف، ولا جناح على من وليها، أن يأكل منها بالمعروف، ويطعم غير متموِّل"، قال فحدثت به ابن سيرين فقال: "غير متأثل مالاً"[5].

وجه الاستدلال بالحديث:
يدلُّ الحديث صراحةً على لزوم الوقف، يُستفاد ذلك من قوله صلى الله عليه وسلم: ((لا يُباع ولا يوهب ولا يورث))، وهذه الكلمات فسَّرت معنى التحبيس الوارد في الحديث؛ وهو: قطع الأصل عن التصرف، والتصدُّق بالمنفعة على جهة برٍّ لا تنقطع، ويُستفاد من الحديث أيضًا الأحكام التالية:
1- فضل الصدقة الجارية.


2- صحة شروط الواقف واتباعه فيها.


3- لا يشترط تعيين المصرف لفظًا.


4- الوقف لا يكون إلا فيما له أصل يدوم الانتفاع به، فلا يصح وقف ما لا يدوم الانتفاع به كالطعام.


5- لا يَكفي في الوقف لفظ الصدقة، سواء قال: تصدَّقتُ بكذا، أو جعلتُه صدقة، حتى يضيف إليها شيئًا آخر؛ لتردُّد الصدقة، بين أن تكون تمليك الرقبة، أو وقف المنفَعة، فإذا أضاف إليها ما يُميِّز أحد المحتملين صحَّ، بخلاف ما لو قال: حبستُ أو وقفت، فإنه صريح في ذلك.


6- جواز الوقف على الأغنياء؛ لأن ذوي القربى، والضيف لم يقيَّد بالحاجة، وهو الأصح عند الشافعية.


7- للواقف أن يشترط لنفسه جزءًا من ريع الموقوف؛ لأن عمر رضي الله عنه شرَط لمن وليَ وقفَه، أن يأكل منه بالمعروف[6]، كما يدلُّ على أن ناظر الوقف له الأجر من ريع الوقف بالمعروف.


ب- عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا مات الإنسان، انقطع عنه عمله إلا من ثلاث؛ صدقة جارية، وعِلم ينتفع به، وولد صالح يدعو له))[7].
قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح.


وجه الاستدلال بالحديث:
يفيد الحديث بوضوح لزوم الوقف؛ لأن الصدقة الجارية هي الوقف كما فسَّرها العلماء، وجريان الصدقة يدلُّ على اللزوم؛ إذ لو كان غير لازم لكانت صدقةً مُنقطعةً غير جارية، والحديث وصفَها بعدم الانقطاع، وهذا يفيد الاستمرارية والتأبيد إلى قيام الساعة[8].


جـ- عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل سبعة حيطان له بالمدينة صدقة على بني عبدالمطلب[9].


وجه الاستدلال بالسنَّة الفعلية:
يدل فعل الرسول صلى الله عليه وسلم على جواز الوقف؛ لأنه ليس أدلَّ على الجواز من الوقوع، وعلى لزومه أيضًا؛ لأنه لم يثبت أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد رجع عن وقفه هذا.


د- أوقف عثمان بن عفان رضي الله عنه بئر رومة، فصار بعد الوقف دلوُه فيها كدلاء المسلمين؛ استجابةً لدعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَن يَشتري بئر رومة، فيجعل فيها دلوَه مع دلاء المسلمين، بخيرٍ له منها في الجنة))[10].

وجه الاستدلال بهذا الأثر:
يدل هذا الأثر على لزوم الوقف؛ لأن أثر الوقف قد ترتب عليه فور صدوره، وأصبح عثمان رضي الله عنه بعد الوقف فردًا من أفراد المسلمين، ودلوه مع دلاء المسلمين، ولا فرق بينه وبينهم، ولو لم يكن وقف عثمان رضي الله عنه لازمًا؛ لما ترتَّب عليه هذا الأثر.


هـ- إجماع الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين إجماعًا عمليًّا، ولم يثبت أن أحدًا من الصحابة رجع عن وقفه أو نقضه، فكان ذلك إجماعًا على اللزوم والتأبيد، ومنهم: فاطمة بنت الرسول صلى الله عليه وسلم؛ تصدَّقت بمالها على بني هاشم وبني المطلب، وعليٌّ تصدَّق عليهم، وأدخل معهم غيرهم، وزَيد بن ثابت حبَس دارَه بالبَقيع، وتصدَّق أبو بكر بداره بمكة، وتصدق سعد بن أبي وقاص بداره بالمدينة، وبداره بمصر، وغيرهم من الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين، قال جابر بن عبدالله: لم يكن أحد من الصحابة له مقدرة إلا وقَف وقفًا، وكتبوا في ذلك كتبًا، ومنعوا فيها من البيع والهِبة، وأوقافهم مشهورة بالحرمين بشروطها وأحوالها[11].

والفريق الثاني:
يرى أن الوقف لا يكون لازمًا، إلا في حالات ثلاث، أشرنا إليها سابقًا، وينسب هذا الرأي إلى الإمام أبي حنيفة وزفر من الحنفية، وهو قول للحنابلة، واستدلوا على ذلك، بما يلي:
1- أنبأ عبدالله بن لهيعة عمَّن سمع عكرمة يحدث عن ابن عباس، أنه قال: لما نزلت الفرائض في سورة النساء، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا حبس بعد سورة النساء)).


وعن عمرو بن خالد، حدثنا ابن لهيعة عن أخيه عيسى بن لهيعة عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا حبْسَ عن فرائض الله))[12].

وجه الاستدلال بالحديث:
يدلُّ الحديث بوضوح على أن الوقف غير لازم؛ لأن لزوم الوقف يترتَّب عليه حبس عن فرائض الله تعالى، ومنع الورثة من الوصول إلى حقوقهم المشروعة بآيات المواريث الواردة في سورة النساء؛ وهذا المنع لا يجوز شرعًا بنص الحديث، وما يؤدي إليه وهو اللزوم يكون باطلاً بالبداهة، ولهذا يكون الوقف غير لازم؛ لأن القول بلزومه يؤدي إلى هذا المآل الممنوع شرعًا، والنظر في مآلات الأفعال معتبر مقصود شرعًا، والوقف حبس عن فرائض الله تعالى، فكان منفيًّا شرعًا[13].


2- روى أبو بكر بن حزم، عن عبدالله بن زيد بن عبدربه أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم حائطي هذا صدقة، وهو إلى الله ورسوله، فجاء أبواه، فقالا: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم كان قوام عيشِنا، فرده رسول الله إليهما، ثم ماتا، فورثهما ابنهما بعد[14].

وجه الاستدلال بالحديث:
يدلُّ الحديث بوضوح على عدم لزوم الوقف؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم رد الوقف، وأعاد الحائط إليهما، ولو كان الوقف لازمًا، لما ردَّه صلى الله عليه وسلم؛ والرجوع في الوقف، وإرثه من قبل الورثة دليل عدم لزومه.

3- عن ابن شهاب الزهري عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: "لولا أني ذكرت صدقتي لرسول الله صلى الله عليه وسلم لرددتها"[15].

وجه الاستِدلال بهذا الأثر:
يدلُّ الحديث بوضوح أن عمر رضي الله عنه أراد أن يرجع في وقفه، وأن الذي منعه من الرجوع، كونه ذكره للنبي صلى الله عليه وسلم فكَرِهَ أن يُفارقه على أمر ثم يخالفه إلى غيره، وهذا دليل واضح على عدم لزوم الوقف ابتداء[16].

4- عن عطاء بن السائب، عن شريح، قال: "لا حبس عن فرائض الله"[17]، وهو يشمَل بعُمومه الوقف؛ لأنَّ النَّكرة في سياق النفي تعم، وهذا دليل على عدم لزوم الوقف.

وأما المعقول:
فإن القول بلزوم الوقف يؤدِّي إلى قطع التصرف في العين الموقوفة، بزوال الملك عن الواقف، لا إلى واقف، وهذه هي السائبة المنهي عنها شرعًا، فلزوم الوقف غير مشروع؛ لأنه يؤدي إلى هذا المآل المحرم، كما أن للواقف ولاية خاصة في تعيين النظَّار والقوام، وعزلهم، وتوزيع الغلَّة على شرطِه، وأساس هذه الولاية ملكه الثابت، وإذا ثبت بقاء الملك في الموقوف انتفى لزوم الوقف؛ للتلازم، وكانت له حرية التصرف فيه، وحرية التصرف تنافي اللزوم[18].

خامسًا: المناقشة والتَّرجيح:
1- مناقشة أدلة القائلين بلزوم الوقف:
قال المانعون للزوم الوقف: إنَّ الأدلة التي استند إليها جماهير العلماء في لزوم الوقف يتطرَّق إليها الاحتمالات التالية:
أ- احتمال النَّسخ؛ لأن الأدلة جاءت قبل نزول آيات المواريث، فتكون منسوخة بآيات المواريث، وحديث ابن عباس.


ب- يحتمل أن تكون الأدلة في الوقف المُضاف لما بعد الموت؛ ولهذا يأخذ الوقف أحكام الوصية.


جـ- قد يكون الوقف لازمًا بناءً على شرط الواقف ورغبته، وهذا أمر متَّفق عليه؛ لأن شرط الواقف كنصِّ الشارع؛ وقول عُمر رضي الله عنه لا يُباع ولا يوهب ولا يورث، شرَط شرطه على نفسه، فألزم نفسه بنفسه تجاه الله تعالى.


وبما أن هذه الأدلة يتطرق إليها الاحتمال يَسقط الاستدلال بها في محلِّ النزاع، ويثبت الأصل وهو عدم لزوم الوقف؛ عملاً بحديث ابن عباس والأدلة الأخرى، والتي تُفيد صراحةً عدم لزوم الوقف[19].

2- مناقشة أدلة القائلين بعدم لزوم الوقف:
أ- حديث ابن عباس حديثٌ ضعيف؛ لأنه قد ورد في سنده ابن لهعية، وهو مطعون فيه، ولا يحتج بمثله؛ ولهذا يكون الحديث عند المحدثين ضعيفًا[20]، والحديث الضعيف عند الفقهاء لا يقوى على معارضة حديث وقف عمر بن الخطاب رضي الله عنه؛ لأنه حديث صحيح ورَد في كتب الصحاح[21]؛ قال الترمذي: "العمل على هذا الحديث عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم، لا نعلم بين أحد من المتقدِّمين منهم في ذلك اختلافًا في إجازة وقف الأرضين وغير ذلك"[22].


وعلى فرض القول بصحة الحديث، فهو حديث عام، خصَّصته السنَّة بأحاديث صحيحة؛ كحديث وقف عمر رضي الله عنه والتخصيص نوع مِن التوفيق، والجمع بين الدليلين خير من إهمالهما، أو إهمال أحدهما.


ب- حديث أبي بكر بن حزم، حديث مُرسَل؛ لأنَّ أبا بكر لم يُدرِك عبدالله بن زيد، والانقطاع في السند يؤدِّي إلى ضعف الحديث؛ لأن الحديث الصحيح يشترط فيه أن يكون متَّصل السند، والحديث الضعيف لا يصحُّ الاحتجاج به، ولا يقوى على معارضة الأدلة الصحيحة، وعلى فرض القول بصحة الحديث فإنَّ الحديث وارد في الصدقة المُنقطعة، وكأنه تصدق به صدقة تطوع، وجعل مصرفها إلى اختيار الرسول صلى الله عليه وسلم فتصدَّق بها رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبويه"[23].


جـ- الاستدلال بالأثر المرويِّ عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه استدلال غير صحيح؛ لأن الأثر ضعيف ولا يحتج به عند المحدِّثين؛ لوجود انقطاع في السند، ووجه الانقطاع أن الأثر رواه الزهري عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، والزهريُّ لم يُدرك عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وهذا يعني أن الحديث منقطع؛ لأنه أسقط الراوي الذي يَصل الزهريَّ بعمر بن الخطاب رضي الله عنه؛ ولهذا لا يصحُّ الاحتجاج بهذا الأثر؛ لأنه لا يقوى على معارضة الأدلة الصحيحة، ومنها حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه الوارد في كتب الصحاح[24].


د- أما القول بأن القول بلزوم الوقف، يؤدِّي إلى تسييب المال، وهذا لا يجوز شرعًا، فهذا غير صحيح؛ لأن الوقف ينتقل مِن ملكيَّة الواقف إلى ملكية الجهة الموقوف عليها، وهي جهة معنوية، ولها ذمة مالية مستقلة عن الأفراد، والأفراد ينتفعون بثمار الوقف، وهذا ما استقر عليه الاجتهاد في هذا العصر، والذي عبَّر عنه الفقهاء قديمًا بقولهم: حبس الوقف على حكم ملك الله، يقول ابن حزم: "وهذِه وساوس؛ لأن الحبس، ليس إخراجًا إلى غير مالك، بل إلى أجل المالكين، وهو الله تعالى؛ كعتق العبد"[25].


3- التَّرجيح:
يترجَّح لدينا رأي جماهير العلماء[26]، للأسباب التالية:
أ- يَستنِد رأي جماهير العلماء الذي يقضي بلزوم الوقف إلى أدلة صحيحة، وإجماع عملي من قبل الصحابة رضوان الله عليهم، وقد استمر ذلك بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ولم يُنكِر أحد ذلك إلى يومِنا هذا.


ب- ضعف أدلة القائلين بعدم اللزوم.


جـ- الاحتمالات التي أورَدَها المانعون على أدلة جماهير العلماء، لا تَستند إلى دليل، والاحتمال الناشئ من غير دليل لا يُعمل به ولا يلتفت إليه.


د- الجمع بين الأدلة أولى من إهمال أحدها، ورأي جماهير العلماء يؤدي إلى الجمع بين الأدلة والتوفيق بينها، ويحفظ الأوقاف كمَصالح مُعتبَرة شرعًا من العبث، ويؤدي إلى دوامها واستقرارها.


[1] ابن جزي: القوانين الفقهية (ص: 243)، وأحمد الدردير: الشرح الصغير (4 / 97)، والقرافي: الذخيرة (6 / 301)، والشربيني: مغني المحتاج (2 / 376)، والرملي: نهاية المحتاج (5 / 358)، وابن قدامة: المغني (8 / 186)، والشوكاني: السيل الجرار (3 / 314).

[2] الكاساني: البدائع (6 / 218)، والقرافي: الذخيرة (6 / 322)، والأستاذ مصطفى الزرقا: أحكام الأوقاف (ص: 21) وما بعدها.

[3] د. فتحي الدريني: الفقه المقارن (ص: 378).

[4] القرافي: الذخيرة (6 / 301)، والرملي: نهاية المحتاج (5 / 358)، وابن قدامة: المغني (8 / 186)، وأحمد المرتضى: البحر الزخار (5 / 148)، والكاساني: البدائع (6 / 186)، والكمال ابن الهمام: فتح القدير (5 / 37) وما بعدها، وابن عابدين: رد المحتار على الدر المختار (4 / 338) وما بعدها، وابن حزم: المحلى (9 / 175) وما بعدها.

[5] ابن حجر العسقلاني: فتح الباري شرح صحيح البخاري (7 / 325).

[6] ابن حجر العسقلاني: فتح الباري شرح صحيح البخاري (7 / 325).

[7] ابن العربي: عارضة الأحوذي بشرح صحيح الترمذي (6 / 143).

[8] محمد عليش: منح الجليل شرح مختصر سيدي خليل (8 / 108) وما بعدها.

[9] البيهقي: السنن الكبرى (6 / 160).

[10] البيهقي: السنن الكبرى (6 / 166).

[11] البيهقي: السنن الكبرى (6 / 161)، والقرافي: الذخيرة (6 / 323)، والشوكاني: السيل الجرار (3 / 314).

[12] البيهقي، السنن الكبرى، (6 / 162، 163).

[13] الكاساني: البدائع (6 / 219).

[14] البيهقي، السنن الكبرى (6 / 163).

[15] ابن حجر العسقلاني، فتح الباري شرح صحيح البخاري (7 / 324)، والشوكاني: نَيل الأوطار (6 / 127)، وابن حزم: المحلى (9 / 181).

[16] ابن حجر العسقلاني: فتح الباري شرح صحيح البخاري (7 / 324).

[17] البيهقي، السنن الكبرى (6 / 162)، وابن حزم: المحلى (9 / 181).

[18] د. فتحي الدريني: الفقه المقارن (ص: 417).

[19] الكاساني: البدائع (6 / 218) وما بعدها، والشوكاني: نَيل الأوطار (6 / 127) وما بعدها.

[20] البيهقي: السنن الكبرى (6 / 163).

[21] أحمد بن محمد الخلال: كتاب الوقوف (1 / 204) وما بعدها.

[22] ابن العربي: عارضة الأحوذي بشرح صحيح الترمذي (6 / 144)، والقرافي: الذخيرة (6 / 322) وما بعدها، وابن حزم: المحلى (9 / 177).

[23] البيهقي: السنن الكبرى (6 / 163).

[24] ابن حجر العسقلاني: فتح الباري شرح صحيح البخاري (7 / 324).

[25] ابن حزم: المحلى (9 / 178).

[26] الشوكاني: السيل الجرار (3 / 314).


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 78.66 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 77.00 كيلو بايت... تم توفير 1.66 كيلو بايت...بمعدل (2.11%)]