المسيحية كما جاء بها المسيح - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         معنى قوله تعالى: {ليبلوكم أيُّكم أحسنُ عملاً} (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          تخصيص رمضان بالعبادة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          ذكر الله دواء لضيق الصدر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          بيان فضل صيام الست من شوال وصحة الحديث بذلك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          صيام الست من شوال قبل صيام الواجب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          صلاة الوتر بالمسجد جماعة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          قراءة القرآن بغير حفظ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          الإلحاح في الدعاء وعدم اليأس (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          الفهم الخطأ للدعوة يحولها من دعوة علمية تربوية ربانية إلى دعوة انفعالية صدامية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          معالجة الآثار السلبية لمشاهد الحروب والقتل لدى الأطفال التربية النفسية للأولاد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام

الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 13-11-2019, 01:29 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي المسيحية كما جاء بها المسيح

المسيحية كما جاء بها المسيح (1)


الشيخ الدكتور محمد أبو زهرة



المسيحية في القرآن:

قبل أن نخوض في المسيحية كما هي عند المسيحيين نتكلم في المسيحية التي جاء بها المسيح عليه السلام، وإنّا إذا تصدينا للمسيحية التي جاء بها المسيح نجد التاريخ لا يسعفنا بها، إذ بَعد العهد، واضطربت روايات التاريخ بالأحداث التي نزلت بالمسيحيين، ويجوز أن تكون قد عملت يدُ المحوِ والإثبات عملها، حتى اختلط الحابل بالنابل، وصار من العسير أن نميز الطيب من الخبيث، والحق من الباطل، والصحيح من غير الصحيح، وإننا معشر المسلمين لا نعرف مصدرًا صحيحًا جديرًا بالاعتماد والثقة من المسلم غيرَ القرآن الكريم والحديثِ النبوي الشريف، فهما المصدران المعتمدان للمسلم في هذا، وما نكتب هذا لنلزم به المسيحيين، ولا على أنَّه هو المُعتبر عندهم، ولكن نكتبه، ليتَّسِق البحثُ، ولتتم السلسلة.



ينص القرآن الكريم على أن عقيدة المسيح هي التوحيد الكامل، التوحيد بكل شعبه، التوحيد في العبادة، فلا يعبد إلا الله، والتوحيد في التكون، فخالق السماء والأرض وما بينهما هو الله وحده لا شريك له، والتوحيد في الذات والصفات فليست ذاته بمُركَّبة، وهي منزهة عن مشابهة الحوادث سبحانه وتعالى.



فالقرآن الكريم يثبت أن عيسى ما دعَا إلَّا إلى التوحيد الكامل، وهذا ما يقوله الله تعالى عما يكون من عيسى يوم القيامة من مجاوبة بينه وبين ربه: ﴿ وَإِذْ قَالَ اللهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ * مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ﴾ [المائدة: 116، 117].



فهذا نص يفيد بصريحه أن عيسى ما دعا إلا إلى التوحيد، فغير التوحيد إذن دخل النصرانية من بعده، وما كان عيسى إلَّا رسول لله رب العالمين.



ولقد نزل على السيد المسيح - عليه السلام - كتاب هو "الإنجيل"، وهو مصدِّق للتوراة، ومحيٍ لشريعتها، ومؤيدٌ للصحيح من أحكامها، وهو مبَشِّرٌ برسول يأتي من بعده اسمه أحمد، وهو مشتمل على هدى ونور، وهو عظة للمتقين، وإنه كان على أهل الإنجيل أن يحكموا بما أُنزل فيه، ولذلك قال الله تعالى: ﴿ وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾ [المائدة: 47].



دعوة المسيح:

ولقد كانت دعوة المسيح - عليه السلام - تقوم على أساس أنَّه لا توسط بين الخالق والمخلوق، ولا توسط بين العابد والمعبود، فالأحبار والرهبان لم تكن لهم الوساطة بين الله والناس، بل كل مسيحي يتصل بالله في عبادته بنفسه، من غير حاجة إلى توسط كاهن أو قسيس أو غيرهما، وليس شخص - مهما تكن منزلته أو قداسته أو تقواه - وسيطًا بين العبد والرب في عبادته، وتعرف أحكام شرعه مما أنزل الله على موسى من كتاب، وما أُثِر عنه من وصايا، وما اقترنت به بعثته من أقوال ومواعظ.



ودعوة عيسى عليه السلام - كما ورد في بعض الآثار، وكما تضافرتْ عليه أقوال المؤرخين - تقوم على الزهادة والأخذ من أسباب الحياة بأقل قسط يكفي لأن تقوم عليه الحياة، وكان يحث على الإيمان باليوم الآخر، واعتبار الحياة الآخرة الغاية السامية لبني الإنسان في الدنيا، إذ الدنيا ليست إلَّا طريقًا غايته الآخرة، وابتداء نهايته تلك الحياة الأبدية.



ولماذا كانت دعاية المسيح عليه السلام إلى الزهادة في الدنيا، والابتعاد عن أسباب النزاع، والعكوف على الحياة الروحية؟

الجواب عن ذلك: أن اليهود الذين جاء المسيح مبشّرًا بهذه الديانة بينهم كان من يغلب عليهم النزعات المادية، وكان منهم من يفهم أن الحياة الدنيا هي غاية بني الإنسان، بل إن التوراة التي بأيديهم اليوم خلت من ذكر اليوم الآخر، ونعيمه أو جحيمه، ومن فرقهم من كان يعتقد أنَّ عقاب الله الذي أوْعد به العاصين، وثوابه الذي وَعَد به المتقين، إنما زمانه في الدنيا لا في الآخرة، وقد قال "رينان" الفيلسوف الفرنسي في كتابه "المسيح": «الفلسفة اليهودية كان من مقتضاها السلطة الفعلية في نفس هذا العالم، فإنَّه يؤخذ من أقوال شيوخهم أنَّ الصالحين يعيشون في ذاكرة الله والناس إلى الأبد، وهم يقضون حياتهم قريبين من عين الله، ويكونون معروفين عند الله، أما الأشرار فلا، هذا كان جزاء أولئك، وعقاب هؤلاء. ويزيد الفريسيون على ذلك أن الصالحين ينشرون في هذه الأرض يوم القيامة ليشتركوا في ملك المسيح الذي يأتي لينقذ الناس، ويصبحوا ملوك العالم وقضاته، وهكذا يتنعمون بانتصارهم، وانخذال الأشرار أعدائهم، وعلى ذلك تكون مملكتهم في هذا العالم نفسه!» أهـ.




فجاء المسيح عليه السلام مبشرًا بالحياة الآخرة، وأنَّها الغاية السامية لهذا العالم بين أولئك الذين أنكروها، ومن لم ينكرها بقوله منهم أنكرها بفعله، فكانوا في ذلك الإنكار سواء.



المصدر: «محاضرات في مقارنة الأديان» (ص 11 – 13)




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 20-12-2019, 09:46 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي رد: المسيحية كما جاء بها المسيح


المسيحية كما جاء بها المسيح (2)



الشيخ الدكتور محمد أبو زهرة




مريم والمسيح في القرآن:
وإذا كانت شخصية المسيح هي اللب في المسيحية الحاضرة، وأساس الاعتقاد فيها، وجب أن نبينها كما جاءت في القرآن، كما سنبينها كما جاءت في المسيحية، ليستطيع القارئ أن يوازن بين الشخصيتين، ويعرف أيهما أقرب إلى التصور، والعقل يتقبلها بقبول حسن، ولنبدأ بأمه.

يذكر القرآن الكريم مريمَ أم عيسى عليه السلام، فيقص خبر الحمل بها وولادتها وتربيتها في سورة آل عمران. فيقول - تعالت كلماته -: ﴿ إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ * فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ [آل عمران: 35 – 37].

هذه هي الأحوال التي اكتنفت الحمل بالبتول مريم وولادتها وتربيتها، ويلاحظ القارئ أن العبادة والنسك أظلاها، وهي جنين في بطن أمها إلى أن بلغت مبلغ النساء، واصطفاها الله لأمر جليل خطير، فأمُّها - وهي حامل بها - نذرت أن يكون ما في بطنها محرَّرًا خالصًا لخدمة بيت الله وسِدانته، والقيام بشئونه، واستمرت مصممة على الوفاء بنذرها، فلما وضعتْ - وكان نذرها على فرض الذكورة - كما يبدو من إشارات النصوص القرآنية، جددت العزم على الوفاء بالنذر، وقد وجدت ما تسوِّغه النفس للتحلُّلِ من النذر، فكان ذلك الإصرار عبادة أخرى؛ إذ وُجدت في النفس داعيات التردد، والرجوع والتحلل من الوفاء، فكان كفُّها هذه الداعيات والقضاء عليها عبادةً أخرى.

ثم انصرفت الفتاة الناشئة منذ طراوة الصبا إلى النُّسك والعبادة، وقام على تنشئتها وهدايتها وتعليمها نبي من أنبياء الله الصِّديقين الصالحين؛ فكفلها زكريا، ووجهها إلى العبادة الصحيحة، وتنزيه القلب من كل أدران الشر والإثم، وكان الله سبحانه وتعالى يُدرُّ عليها أخلاف الرزق من حيث لا تقدر ولا تحتسب، ومن غير جهد ولا عَنَتٍ، حتى أثار ذلك عجب نبي الله كافلِها فكان ﴿ كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ [آل عمران: 37].

ولقد كانت تلك التنشئة الطاهرة التي تكوَّنت في ظلها بريئة من دنس الرذيلة - لا يجد الشيطان سبيلًا أو منفذًا ينفذ إلى النفس منها - تمهيدًا لأمرٍ جليل قد اصطفاها الله تعالى له دون العالمين، ولذا خاطبتها الملائكة وهي الأرواح الطاهرة باجتباء الله لها: ﴿ وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ * يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ ﴾ [آل عمران: 42، 43]. ولقد كان ذلك الاصطفاء هو اختيار الله لها لأن تكون أمًّا لمن يولد من غير نطفة آدمية، وكان ذلك لكي تكون آية مشهورة، تحمل - فيما حفَّ بها من أحوال - القرائنَ التي تقطع ريب المرتاب، وألسنة كل أفاك، وتغير السبيل أمام المؤمنين إذ أن ولادته من غير أب من أم كانت حياتها للنسك والعبادة، والعكوف على التقوى، وتحت ظل نبي من أنبياء الله تعالى لم تُزَنَّ بريبةٍ قطّ - يجعل المؤمن يعتقد بآية الله الكبرى في هذا الكون، ولا يجعل شيئًا يقف أمام مريد الهداية من تطنن بالأم أو ريبة فيها، فحياتها كلها من قبل ومن بعد تنفي هذه الريبة، وتبعدها عن موطن الشبهة.

الحمل بالمسيح وولادته:
حملتِ العذراء البتول مريم بالسيد المسيح عليه السلام، وهو الأمر الذي اجتباها الله له، واختارها لأجله، ولقد فوجئت به، إذ لم تكن به عليمة، فبينما هي قد انتبذت من أهلها مكانًا شرقيًا، أرسل الله إليها ملكًا تمثل لها بشرًا سويًا ﴿ قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا * قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا * قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا * قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا * فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا * فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا ﴾ [مريم: 18 – 23].

حملت السيدة مريم البتول بعيسى من غير أب، ثم ولدته، ولم تبين الآثار النبوية مدة الحمل، فلم يرد في الصحاح آثار تبين تلك المدة، ولو كانت مدة الحمل غريبة لذكرت، فليس لنا إذن إلا أن نفرض أن مدة الحمل كانت المدة الغالبة الشائعة بين الناس، وهي مدة تسعة أشهر هلالية.

ولما ولدته وخرجت به على القوم كان ذلك مفاجأة لهم، سواء في ذلك من يعرف نسكها وعبادتها، ومن لا يعرف، لأنها فاجأتهم بأمر غريب، وهي المعروفة بينهم بأنها عذراء ليس لها بعل، فكانت المفاجأة داعية الاتهام، لأنه عند المفاجأة تذهب الروية، ولا يستطيع المرء أن يقابل بين الماضي والحاضر، وخصوصًا أن دليل الاتهام قائم، وقرينته أمر عادي لا مجال للريب فيه عادة، ولكن سبحانه وتعالى رحمها من هذه المفاجأة، فجعل دليل البراءة من دليل الاتهام لينقضَ الاتهام من أصله، ويأتي على قواعده ويفاجئهم بالبراءة وبرهانها الذي لا يأتيه الريب، ليعيد إلى ذاكرتهم ما عرفوه في نُسُكها وعبادتها، ولذلك نطق الغلام وهو قريب عهد بالولادة، أشارت إليه ﴿ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا * قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا * وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا * وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا * وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا ﴾ [مريم: 29 – 33].

نطق السيد المسيح في المهد، ليكون كلامه إعلامًا صريحًا ببراءة أمه وأنه لم يكن إلا عبدَ الله، ولد من غير أب، ويروي ابنُ كثير: « عن ابن عباس أن عيسى ابن مريم أمسك عن الكلام بعد أن كلمهم طفلًا، حتى بلغ ما يبلغ الغلمان ثم انطقه الله بعد ذلك بالحكمة والبيان، فأكثرَ اليهودُ فيه وفي أمه من القول، وكانوا يسمونه ابن البغية، وذلك بقوله تعالى: ﴿ وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا ﴾ [النساء: 156]».

ولم يُذكر في الآثار الصحاح عن النبي عليه الصلاة والسلام حال عيسى عليه السلام في مرباه ونشأته، وكيف كان منه مما يكون إرهاصًا بنبوته، فليس لنا إلا أن نقول: إنه قد تربى بما كان يتربى به أمثاله الذين ينشئون على التقى والمعرفة في بني إسرائيل. ويغلب على الظن أن يكون قد ظهر منه وهو غلام، ما يدل على روحانيته، وما يدعو إليه بعد ذلك من حياة روحية، وسط قوم سيطرت عليهم المادة، وغلبت عليهم نزعاتها، والاتجاه إليها.

الحكمة في كون المسيح ولد من غير أب:
ولا بد من أن نشير هنا قبل أن ننتقل إلى بعثته عليه السلام إلى السبب الذي من أجله ولد عيسى عليه السلام من غير أب، فإنه لابد أن يكون ذلك لحكمه يعلمها الله جلَّت قدرتُه، وقد أشار إليها سبحانه في قوله تعالت كلماته: ﴿ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا ﴾ [مريم: 21].

وإنا نتلمس تلك الآية الدالة في ولادة عيسى عليه السلام من غير أب، فنجد أنه يبدو أمام أنظارنا أمران جليان: أحدهما: أن ولادة عيسى عليه السلام من غير أب تعلن قدرة الله سبحانه وتعالى، وأنه الفاعل المختار المريد، وأنه سبحانه لا يتقيد في تكوينه للأشياء بقانون الأسباب والمسببات التي نرى العالم يسير عليها في نظامه الذي أبدعه الله والذي خلقه، فالأسباب الجارية لا تقيد إرادة الله، لأنه خالقها، وهو مبدعها ومريدها؛ فإن الأشياء لم تصدر عن الله جلت قدرته، كما يصدر الشيء عن علَّته، والمسبَّب عن سببه، من غير أن يكون للعلة إرادة في معلولها، بل كانت بفعله سبحانه وبإرادته التي لا يقيدها شيء مهما يكن شأنه، وخَلْقُ عيسى من غير أب هو بلا ريب إعلان لهذه الإرادة الأزلية، بين قوم غلبت عليهم الأسباب المادية، وفي عصر ساده نوع من الفلسفة، أساسها أن خلق الكون كان مصدره الأول كالعلة عن معلولها، فكان عيسى آية الله على أنه سبحانه لا يتقيد بالأسباب الكونية، وأن العالم كله بإرادته، ولم يكن سبحانه بمنزلة العلة من المعلول: ﴿ سُبْحَانَهُ وتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا ﴾ [الإسراء: 43].

الأمر الثاني: أن ولادة المسيح عليه السلام من غير أب إعلان لعالم الروح بين قوم أنكروها، حتى لقد زعموا أن الإنسان جسم لا روح فيه، وأنه ليس إلا تلك الأعضاء والعناصر التي يتكون منها، فلقد قيل عن اليهود أنهم كانوا لا يعرفون الإنسان إلا جسمًا عضويًّا، ولا يقرون أنه جسم وروح، فقد قال "رينان" في سبب الحقد الذي تغلغل في النفس اليهودية: « لو كان الشعب الإسرائيلي يعرف التعاليم اليونانية التي كان من مقتضاها اعتبار الإنسان عنصرين مستقلين: أحدهما الروح، والآخر الجسد، وأنه إذا تعذبت الروح في هذه الحياة فإنها تستريح في الحياة الثانية، لسرى عنه شيء كثير من عذاب النفس، واضطراب الفكر، بسبب ذُله وخضوعه، مع ما كان يراه في نفسه من الامتياز الأدبي والديني عن الشعوب التي كانت تذله».


يقرر "رينان" في هذا أن اليهود ما كانوا يقولون كاليونان أن الإنسان جسم وروح، ولقد يؤيد هذا ما جاء في التوراة التي بأيديهم في تفسير النفس بأنها الدم، فقد جاء فيها: «لا تأكلوا دم جسم ما، لأن نفس كل جسد هي دمه». إذن لم يكن اليهود يعرفون الروح على أنها شيء غير الجسم، فلما جاء عيسى من غير أب، وكان إيجاده بروح من خلق الله، كما قال تعالى: ﴿ وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ ﴾ [الأنبياء: 91] كان ذلك الإيجاد الذي لم يكن العامل فيه سوى ملك من الأرواح نفخ في جيب مريم، فكان الإنسان من غير بذرة الإنسان وجرثومته. كان ذلك إعلانًا لعالم الروح بين قوم أنكروها، ولم يعرفوها، فكان هذا قارعة قرعت حسَّهم ليدركوا الروح، وكان آيةً معلمة لمن لم يعرف الإنسان إلا إنه جسم لا روح فيه، وهذه آية الله في عيسى وأمه عليهما السلام.


المصدر: «محاضرات في مقارنة الأديان» (ص 13 – 17)





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 21-01-2020, 07:51 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي رد: المسيحية كما جاء بها المسيح


المسيحية كما جاء بها المسيح (3)




الشيخ الدكتور محمد أبو زهرة



بعثة عيسى عليه السلام ومعجزاته:
بُعث عيسى - عليه السلام - ولم يرد في القرآن الكريم ولا في الآثار الصحاح بيانُ السِّنِّ التي بُعث عند بلوغها عليه السلام، ولكن ورد في بعض الآثار أنَّه بعث في سن الثلاثين، وهي السن التي تذكرُ الأناجيلُ المعتبرة - عند النَّصارى - أنَّه بعث على رأسها، ويصح لنا أن نفرض أنه بُعث في هذه السن على هذا الأساس.

بعث عيسى - عليه السلام - يبشِّر بالروح وعجزِ الملاذِ التي استغرقت النفوس في تلك الأيام واستولت عليها، ويبشر بعالم الآخرة، ولقد أيَّده الله بمعجزاتٍ. وإنَّ ولادته نفسَها معجزة، كما جاء في "الملل والنحل" للشهرستاني؛ فقد قال - رحمه الله - في ذلك: «كانت له آياتٌ ظاهرة، وبيّنات زاهرةٌ، مثل: إحياء الموتى، وإبراء الأكمه والأبرص، ونفس وجوده وفطرته آيةٌ كاملة على صدقه؛ وذلك حصوله من غير نطفة سابقةٍ، ونطقه من غير تعليم سابقٍ».

ومعجزاته التي ذكرها القرآن الكريم تتلخص في خمسة أمورٍ جاء ذكر أربعةٍ منها في سورة المائدة في قوله تعالى: ﴿ إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي ﴾... إلى قوله - تعالت كلماته -: ﴿ إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * قَالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ * قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ * قَالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لَا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ ﴾ [المائدة: 110 - 115].

ويستبين من هذه الآيات الكريمة أربع معجزاتٍ:
الأولى: أنَّه يصور من الطين كهيئة الطير فينفخ فيها فتكون طيرًا بإذن الله، أيْ أنَّ الله سبحانه وتعالى خلق على يديه طيرًا من الطين، فالخالق هو الله سبحانه وتعالى، ولكن جرى الخلق على يد عيسى وبنفخٍ من روحه عليه السلام، بإذن الله تعالى.

الثانية: إحياؤه عليه السلام الموتى بإذن الله جلَّتْ قدرتُه، والمحيي في الحقيقة هو الله العلي القدير، ولكن أجرى الإحياء على يد المسيح عليه السلام، ليكون ذلك برهانَ نبوَّتِه، ودليلَ رسالتِه.

الثالثة: إبراؤه عليه السلام الأكمه والأبرص، وهما مرضان تعذَّر على العالم قديمهِ وحديثه العثورُ على دواءٍ لهما، والتمكن من أسباب الشفاء منهما، ولكن عيسى بقدرة الله شفاهما، وبَرئَ المريضان برُقيته، فكان ذلك دليلًا قائمًا على رسالته عليه السلام.

الرابعة: إنزال المائدة من السماء بطلبِ الحواريين، لتطمئنَّ قلوبهم، وليعلموا أن قد صدقهم.

وهناك خامسةٌ ذُكرت في سورة آل عمران، وهي: إنباؤه عليه السلام بأمورٍ غائبة عن حسِّه، ولم يعاينها؛ فقد كان ينبئ صحابته وتلاميذه بما يأكلون وما يدَّخرون في بيوتهم، وقد ذكر الله تعالى ذلك في قول تعالى حاكيًا عنه: ﴿ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [آل عمران: 49].

الحكمة من كون معجزاته عليه السلام من ذلك النوع:
هذه معجزات عيسى عليه السلام، وهنا يتساءل القارئ: لماذا كانت معجزاته عليه السلام من ذلك النوع؟

يجيب عن ذلك ابنُ كثيرٍ في كتابه "البداية والنهاية" بقوله:
«كانت معجزة كل نبي في زمانه بما يناسب أهل ذلك الزمان؛ فذكروا أنَّ موسى عليه السلام كانت معجزاته مما يناسب أهل زمانه، وكانوا سحرةً أذكياء، فبُعث بآياتٍ بهرت الأبصار، وخضعت لها الرقاب، ولما كان السحرة خبيرين بفنون السحر وما ينتهي إليه، وعاينوا ما عاينوا من الأمر الباهر الهائل الذي لا يمكن صدوره إلا ممن أيده الله وأجرى الخارق على يديه تصديقًا له أسلموا سراعًا، ولم يتلعثموا. وهكذا عيسى ابن مريم بُعث في زمنِ الطبائعيَّة الحكماء، فأُرسل بمعجزاتٍ لا يستطيعونها ولا يهتدون إليها، وأنَّي لحكيمٍ إبراءُ الأكمه الذي هو أسوأ حالًا من الأعمى والأبرص والمجذوم ومن به مرض مزمن، وكيف يتوصل أحد من الخلق إلى أن يقيم الميّتَ من قبره، وغير هذا مما يعلمُ كلُّ أحدٍ أنَّه معجزة دالة على صدقِ مَن قامت به، وعلى قدرة من أرسله. وهكذا محمدٌ صلى الله تعالى عليه وسلم وعليهم أجمعين بُعث في زمن الفصحاء البلغاء، فأنزل الله عليه القرآن العظيم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تنزيل من حكيم حميد، فلفظه معجزة تحدَّى به الأنسَ والجنَّ أن يأتوا بمثله، أو بعشرِ سورٍ من مثله، أو بسورة، وقطع عليهم بأنهم لا يقررون لا في الحال، ولا في الاستقبال، فلم يفعلوا، ولن يفعلوا، وما ذلك إلا لأنه كلام الخالق عز وجل، والله لا يشبهه شيء لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله».

ما نراه حكمة صحيحة:
من هذا الكلام يستفاد أن معجزة المسيح كانت من نوع إبراء المرضى الذين يتعذر شفاؤهم وإحياء الموتى، لأن القوم كانوا على علمٍ بالطب الطبيعي وكانوا فلاسفةً في ذلك، فجاءت المعجزة من جنس ما يعرفون؛ ليكون عجزهم حجةً عليهم وعلى غيرهم ممن هم دونهم في الطب، ولكنَّ (رينان) الفيلسوف المؤرخ الفرنسي يقرِّر أن اليهود ما كانوا على علمٍ بالطب الطبيعي؛ فيقول: «كانت صناعة الطب في المشرق في ذلك الزمان كما هي اليوم، فإنَّ اليهود في فلسطين كانوا يجهلون هذه الصناعة التي وضعها اليونان منذ خمسة قرون قبل ذلك التاريخ، وكان قد ظهر قبل ذلك بأربعة قرون ونصف كتابٌ لأبُقراط أبي الطب موضوعه العلة المقدسة يعني: الهستريا، وفيه وصفُ هذه العلة وذكرُ دوائها، إلا أن اليهود في فلسطين كانوا يجهلون صدور هذا الكتاب، وكان في اليهودية في ذلك الزمان كثيرون من المجانين، وربما كان ذلك ناشئًا من شدَّة الحماسة الدينية».

فاليهود الذين بُعث المسيح بين ظهرانيهم لم يكونوا على علم إذن بالطب، أو الطب الطبيعي على رأي ذلك الفيلسوف المؤرخ. وفي الحق أن الذي نراه تعليلًا مستقيمًا لكون معجزات السيد المسيح عليه السلام جاءت على ذلك النحو هو مناسبة ذلك النوع لأهل زمانه، لا لأنهم أطباء، فناسبهم أن تكون المعجزة مما يتصل بالشفاء والأدواء، بل لأنَّ أهل زمانه كان قد سادهم إنكارُ الروح في أقوال بعضهم، وأفعال جميعهم، فجاء عليه السلام بمعجزةٍ هي في ذاتها أمرٌ خارقٌ للعادة، مصدق لما يأتي به الرسول، وهي في الوقت ذاته إعلان صادق للروح، وبرهان قاطع على وجودها، فهذا طين مصورٌ على شكل طيرٍ، ثم ينفخ فيه فيكون حيًّا، ما ذاك إلا لأن شيئًا غير الجسم وليس من جنسه فاض عليه، فكانت معه الحياة، وهذا ميِّتٌ قد أكله البلى، وأخذت أشلاؤه في التحلل وأوشكت أن تصير رميمًا أو صارت، يناديه المسيح عليه السلام فإذا هو حيٌّ يجيب نداء من ناداه؛ وما ذاك إلا لأن روحًا غير الجسم الذي غيَّره البلى حَّلت فيه بذلك النداء، ففاضت عليه الحياة، وهكذا.


فكانت معجزة عيسى عليه السلام من جنس دعايته، وتناسب أخصَّ رسالته، وهو الدعوة إلى تربية الروح، والإيمان بالبعث والنشور، وأنَّ هناك حياة أخرى يجازى فيها المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته، إن خيرًا فخير، وإن شرًّا فشر.


وهل ترى أن معجزة إحياء الموتى تسمح لمنكر الآخرة بالاستمرار في إنكاره، أو تسمح لجاحد البعث والنشور أن يستمر في جحوده. وقد أسلفنا لك القول أنَّ اليهود كان يسود تفكيرهم عدم الاعتراف بوجود الآخرة، وعدم الإيمان باليوم الآخر، إن لم يكن بالقول فبالعمل، فكان إحياء الموتى صوتًا قويًّا يحملهم على الإيمان حملًا، ولكنهم كانوا بآيات الله يجحدون.

المصدر: «محاضرات في مقارنة الأديان» (ص 17 – 21)





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 21-01-2020, 07:54 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي رد: المسيحية كما جاء بها المسيح

المسيحية كما جاء بها المسيح (4)




الشيخ الدكتور محمد أبو زهرة







تلقي اليهود لدعوة المسيح:

بعث الله عيسى عليه السلام بتلك البيّنات، وأيَّد رسالته بتلك المعجزات، وإنها باهرة تخرس الألسنة، وتقطع الطريق على منكري رسالته. لو كان الدليل وحده هو الذي يهدي النفوس الضالة والقلوب الشاردة، ولكن القوم الذين بعث فيهم كانوا غلاظ الرقاب، قساة القلوب، فكانت مهمته شاقة، إذ حاول هدايتهم، لأن منهم من علم الديانة رسومًا وتقاليد يتجهون إلى الأشكال والمظاهر منها دون الاتجاه إلى لُبِّها وغايتها؛ حتى لقد كان منهم من يحجم عن عمل الخير في يوم السبت زاعمًا أنه داخل في عموم النَّهي عن العمل فيه، فإذا جاء المسيح داعيًا إلى أن ينظروا إلى إصلاح القلب بدل الأخذ بالمظاهر والأشكال، فإنه لا شك يصدم هؤلاء فيما يألفون وفيما وجدوا سابقيهم.



واليهود قومٌ عكفوا على المادة، واستغرقتهم، واستولت على أهوائهم ومشاعرهم حتى لقد كان نُسّاكهم وسدنة الهياكل عندهم – وقد فاتهم العمل على كسب المال من أبوابه الدنيوية - يجمعون المال من نذور الهياكل والقرابين التي يتقرب بها الناس، ويحرصون على ذلك أشد الحرص، فكانوا يأخذون القرابين من أشد الناس حاجة وأفقرهم، فجاء المسيح وندد بهذا.



ولقد أتخذ بنو إسرائيل من تدينهم المزعوم بدين موسى والأنبياء من بعده - وزعمهم أن لهم منزلة دينية لا يساميهم فيها أحد - اتخذوا من هذا ما يصح أن يسمى أرستقراطية دينية؟ فزعموا أن لهم المكانة السامية، ولغيرهم المنزل الدون، ولو اعتنقوا الديانة اليهودية، وآمنوا برسالة موسى. فكانت هناك طائفة يقال لها السَّامرة، وكان الإسرائيليون يعاملون آحادها كأنهم المنبوذون. فلما جاء عيسى عليه السلام وسوى بين بني البشر في دعايته أنكروا عليه ذلك وناصبوه العداء. ولقد كانوا يجعلون لأحبارهم وعلماء الدين فيهم المنزلة السامية والمكانة العالية دون الناس، فجاء المسيح وجعل الناس جميعًا سواء أمام ملكوت الله.



مناوأة اليهود له:

لكل هذا تقدم اليهود لمناوأة المسيح، وقليل منهم من اعتنق دينه وآمن به، وأخذوا يعملون على منع الناس من سماع دعايته. فلما أعيتهم الحيلة، ورأوا أن الضعاف والفقراء يجيبون نداءه ويلتفون حوله مقتنعين بقوله - أخذوا يكيدون له، ويوسوسون للحكام بشأنه، ويحرضون الرومان عليه، ولكن الرومان ما كانوا يلتفتون إلى المسائل الدينية والخلافات المذهبية بين اليهود، بل تركوا هذه الأمور لهم يسوونها فيما بينهم، واليهود يريدون أن يغروا الرومان بعيسى كيفما كان الثمن، فبثوا حوله العيون يرصدونه، ويتسقطون قوله بشأن الحكومة والحكام عساهم يجدون كلمة له يتعلقون بها وينقلونها للحاكم الروماني، فلم يجدوا؛ لأن المسيح ما كان يدعو إلا إلى إصلاح الجانب النفسي الخلقي، ولم يكن قد اتجه إلى إصلاح الحكومة بعد. ولما ضاقت بهم الحيلة كذبوا عليه، وانتهى الأمر إلى أن تمكنوا من حمل الحاكم الروماني على أن يصدر الأمر بالقبض عليه، والحكم عليه بالإعدام صلبًا.



نهاية المسيح في الدنيا:

وهنا نجد القرآن الكريم يقرر أن الله لم يمكنهم من رقبته، بل نجاه الله من أيديهم، فما قتلوه، ولكن شبِّه لهم، وبعض الآثار تقول: إن الله ألقى شبهه على يهوذا. ويهوذا هنا هو يهوذا الاسخريوطي الذي تقول الأناجيل عنه إنه هو الذي دسَّ عليه، ليرشد القابضين إليه، إذ كانوا لا يعرفونه، وقد كان أحد تلاميذه المختارين في زعمهم.



ولقد وافق هذا إنجيل برنابا موافقة تامة، ففيه: «ولما دنت الجنود مع يهوذا من المحل الذي كان فيه يسوع، سمع يسوع دنوَّ جم غفير، فلذلك انسحب إلى البيت خائفًا، وكان الأحد عشر نيامًا، فلما رأى اللهُ الخطر على عبده أمر جبريل وميخائيل ورفائيل وأدريل[1] سفراءه أن يأخذوا يسوع من العالم، فجاء الملائكة الأطهار وأخذوا يسوع من النافذة المشرفة على الجنوب، فحملوه ووضعوه في السماء الثالثة في صحبة الملائكة التي تسبح الله إلى الأبد... ودخل يهوذا بعنف إلى الغرفة التي أُصعد منها يسوع، وكان التلاميذ كلهم نيامًا، فأتى الله العجيب بأمر عجيب، فتغير يهوذا في النطق وفي الوجه، فصار شبيهًا بيسوع حتى إننا اعتقدنا أنه يسوع، أمَّا هو فبعد أن أيقظنا أخذ يفتش لينظر أين كان المعلم، لذلك تعجبنا، وأجبنا أنت يا سيدي معلِّمنا، انسيتنا الآن... إلخ».



والأناجيل المعتبرة عند المسيحيين لم تختلف في شيء كاختلافهم في قصة الصلب، فلكلٍّ روايةٌ بشأنها.



المسيح بعد نجاته:

لم يُصلب المسيح بنصِّ القرآن، ولكن شُبّه على القوم، لقوله تعالى: ï´؟ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ ï´¾ [النساء: 157]، وقوله تعالى: ï´؟ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا * بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ ï´¾ [النساء: 157، 158] وإذا كان المسيح عليه السلام لم يصلب، فما هي حاله بعد ذلك؟



اختلَف في هذا الشأن مفسرو القرآن؛ فجلُّهم على أن الله سبحانه وتعالى رفعه بجسمه وروحه إليه، وأخذوا بظاهر قوله تعالى في مقابل القتل: ï´؟ بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ ï´¾، وببعض آثار قد وردت في ذلك. وفريق آخر من المفسرين - وهم الأقل عددًا - قالوا: إنه عاش حتى توفاه الله تعالى كما يتوفى أنبياءه، ورفع روحه إليه كما ترفع أرواح الأنبياء والصديقين والشهداء، وأخذوا في ذلك بظاهر قوله تعالى: ï´؟ إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ï´¾ [آل عمران: 55]، ومن ظاهر قوله تعالى: ï´؟ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ï´¾ [المائدة: 117]، ولكلٍّ من المختلفين وجهةٌ هو موليها، ولا نريد أن ندخل في تفصيل حججِ الفريقين وترجيح إحداهما على الأخرى، فلذلك موضع ليس هذا مقامه.



ويزعم بعض الناس أن المسيح عليه السلام قد هاجر إلى الهند، وأنَّه عاش فيها حتى استوفى أجله ومات هناك وله قبر. ولقد جاء في "تفسير المنار" ما نصه: «وجد في بلدة سرى نكرا مقبرة فيها مقام عظيم يقال إنه مقام نبي جاء بلاد كشمير من زهاء ألف وتسعمائة سنة، ويسمَّى (يوز آسف) ويقال إن اسمه الأصلي عيسى، وإنه نبي من بني إسرائيل، وإنه ابن ملك، وإن هذه الأقوال مما يتناقله أهل تلك الديار عن سلفهم، وتذكر في كتبهم، وإن دعاة النصرانية الذين رأوا ذلك المكان لم يسعهم إلا أن قالوا: إن ذلك القبر لأحد تلاميذ المسيح أو رسله».



هذا ما جاء في "تفسير المنار"، وقد ذكر أن نقله عن غلام أحمد القديانى الهندي، وهو راو يُشكُّ في صدْقِه.



هذا، وإن القرآن الكريم لم يبيّن ماذا كان من عيسى بين صلْبِ الشَّبيهِ ووفاة عيسى أو رفعه على الخلاف في ذلك، ولا إلى أين ذهب، وليس عندنا مصدرٌ صحيحٌ يعتمد عليه، فلنترك المسألة، ونكتفي باعتقادنا اعتقادًا جازمًا أن المسيح لم يُصلب، ولكن شُبِّه لهم.




المصدر: «محاضرات في مقارنة الأديان» (ص 21 – 24).





[1] يريد إسرافيل وعزرائيل.









__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 100.44 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 97.17 كيلو بايت... تم توفير 3.28 كيلو بايت...بمعدل (3.26%)]