البناء المطلوب و العطاء المرغوب

[بشرى المغرب]

يحكي التاريخ الإسلامي باقتدار كيف أن المسلمين اعتنوا في تاريخهم الحافل ببناء المساجد والمدارس سعيا وراء تربية الرجال وتكوينهم ونشر الثقافة الدينية وزرعها بين أعضاء الأمة، فإذا سألت التاريخ أجابك بمثل ما قامت به السيدة الجليلة فاطمة الفهرية سنة 857م ببناء أكبر معلمة لتربية وتعليم الرجال في المغرب وهو مسجد القرويين بفاس والذي تخرج منه جمع كبير من العلماء الذين أفادوا الأمة بعلمهم وصلاحهم وتقواهم، كما قامت أختها مريم ببناء مسجد الأندلسيين بفاس، وسار على هذا النهج المسلمون في كل مصر ومدينة وقرية، وكان الهدف الأول والمسعى نيل الرضى عند الله تعالى لما سمعوا قول رسوله صلى الله عليه وسلم:" (من بنى مسجدا يذكر فيه اسم الله بنى الله له بيتا في الجنة ) رواه بن ماجة عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- وعن جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (من بنى مسجدا كمفحص قطاة بنى الله له بيتا في الجنة) رواه بن ماجة –كتاب المساجد-باب من بنى مسجدا (4/1209) برقم 569.

البناء المطلوب:

تلك كانت من محامد أهل السخاء والعطاء في زمن احتيج فيه إلى تشييد المواقع الجامعة من مساجد ومدارس وبمارستانات(مستشفيات)، ولازالت الحاجة إلى ذلك قائمة مرجوة، لكن نقدر في زماننا أن المسعى الأكبر الذي يجب العناية به وتوجيه المقصد إليه هو البحث عن تكوين الرجال وتعهدهم في زمان كثرت فيه الغفلة، واشتط فيه الرأي، وتنازعت الأفكارُ القلوبَ والعقولَ وحادت بها عن الوجهة حتى كادت المساجد والمدارس العتيقة تخلو من العمار والزوار، فلا حاجة إلى كثرة البناء مع قلة المرتادين، بل يجب التوجه إلى البحث عن الطرق التي يستجلب بها أبناء الأمة مما انغمسوا فيه من الضياع والشتات وعدم الاكتراث لمصير أمة هي أعز الأمم وسيدتهم وغرتهم متى كانت بدينها تطبيقا ودعوة، قال تعالى لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ) [ سورة التوبة - 108-]، أفلا يكون من الأجدى أن نبني الدعاة، ونتعهدهم لنؤسس الأمة كما أسست على عهد نبي الله، فقد كون الجماعة ثم اختار لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد حيث يلتقون ويلتفون ويتآزرون ويستمعون للوحي غضا طريا وليكون مركز قيادة وانطلاق كما هو مركز عبادة وسباق.

العطاء المرغوب:

ثم إن في مجتمعاتنا الإسلامية اليوم مزية عند أهل السخاء والفضل، تتمثل في تجاوبهم مع تحديات الواقع وبدل أموالهم لأهل الحاجة والخصاص، ووقفها في سبيل الله تعالى لتعلو بها راية الأمة، وما رأيناه من نصر في لبنان الأبية ما كان ليكون لولا أموال الصدقات والزكاة، فعندهم التصدق بخمس الأموال لأهل البيت من الواجبات، فلو صار أهل كل الأمصار على دعم كل الحركات الإسلامية الساعية حقا لإعلاء دين الله بالمال والصدقات والزكاة، لما كان لحصار المخزن لها وملاحقتها كبير شأن – وما له- فمتى أدركت الأمة أن من مصاريف الزكاة والصدقات مسلكا لهذه الحركات الصاعدة، كان النصر وكان البدل سببا لإعلاء دين الله تعالى، فكما تتفاضل الصدقات بحسب الزمان والمكان، فكذلك هي بحسب الحاجة والمقصد، فشأن الحركات الإسلامية اليوم السعي لتكوين الدولة الإسلامية الداعية إلى الله تعالى الممكنة لدينه في الأرض، ولاستعادة الخلافة، قال تعالى إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) [ سورة التوبة - 60-]، وهل للدعوة إلى الله وإلى سبيله من قوام بغير المال، وهل حد الجهاد إلا دعوة لله ولرسوله ولدين الإسلام.