يا دعاة الإسلام اتحدوا - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         المسائل الفقهية المتعلقة بالمسبحة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          دم الاستحاضة سببه ركضة الشيطان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          حكم التسميع والتحميد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          فضل الصلاة في الصف الأول والصفوف المقدمة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          جوانب خفية في الخلاف (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          الوجيز في فقه الزكاة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          مجالس تدبر القرآن ....(متجدد) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 181 - عددالزوار : 60934 )           »          أبو بكر الصديق رضي الله عنه (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 2 - عددالزوار : 26 )           »          لماذا يصمت العالم عن المجاعة في غزة؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          أعمال تعدل أجر الصدقات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى الشباب المسلم

ملتقى الشباب المسلم ملتقى يهتم بقضايا الشباب اليومية ومشاكلهم الحياتية والاجتماعية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 16-09-2020, 03:20 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,947
الدولة : Egypt
افتراضي يا دعاة الإسلام اتحدوا

يا دعاة الإسلام اتحدوا


عبدالرحمن العبادي




إن من ينظر إلى واقع المسلمين اليوم على وجه البسيطة، يجد أن الدعوة الإسلامية في البلاد الإسلامية وغير الإسلامية، قد بلغت شأوًا كبيرًا من الانتشار - فلها الآن في كل بلد صوت - رغم مكْر الماكِرين واضِطهاد المُضطهَدين، وتجبُّر المتجبِّرين، فها هي اليوم - ولله الحمد - رغم هذا وذاك تشقُّ طريقها رغم العوائق ورغم المؤسَّسات المعادية للإسلام فكرًا ومنهجًا؛ كالماسونية وأذيالها من شعوبية وقومية وشيوعيَّة، إلى غير تلك المسميات التي لم تقمْ إلا على فكرة العداء للإسلام والكيد لأهله.

إن الصحوة الإسلامية حقيقة واقعة ولها المستقبل إن شاء الله، رغم تشاؤم المتشائمين، ويأس اليائسين وتثبيط المثبِّطين، وهذه الحقيقة سنَّة مطَّردة في كل عصور التاريخ الإسلامي؛ مصداقًا لقوله - عليه الصلاة والسلام -: ((إن الله يبعث على كل رأس مائة سنة، من يجدِّد لهذه الأمة أمر دينها))، أو كما قال.

تظهر هذه الفئة المجدِّدة على شكل أفراد وعلى شكل جماعات، وما يتميز به التجديد في هذا العصر، ظهور التجديد على أيدي جماعات كلها تدعو إلى شرع الله وتحكيمه، وتدعو إلى عودة الإسلام إلى واقع الحياة التطبيقي.

لكن لا بدَّ لهؤلاء الدعاة أو المجدِّدين من أمور يتَّصفون بها؛ حتى تؤتي جهودهم ثمارها، وتجني ديار الإسلام ثم البشرية بشكل عام من خيرها، وإلا كان عدم الاتصاف بهذه الصفات سببًا في عدم نجاح الدعوة الإسلامية على خصومها - لا سمح الله - أو فشلها إذا علِم الله -تعالى- فيها عدم الولاء الكامل لله وحده، ولم تتوفر فيها مقوِّمات الثبات لهُزالها أمام التحديات المعاصرة.

وأولى المقوِّمات للدعاة الإسلاميين عدم التنازع؛ لقوله تعالى: ﴿ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ﴾ [الأنفال: 46].

فالتنازع على زعامة أو على منصب، أو السعي من قِبَل الداعية للطعن في أخيه لتوهين أمره؛ لكي ينفضَّ الناس مِن حوله - أمرٌ فيه خطر كبير على حياة الداعية، فهو إذا وصل إلى هذه المرحلة من الأنانية وحب الذات - بحيث يدفعه ذلك إلى طمْس معالم الخير وضرْب إخوانه من الخلف - فإنه يُخشى على إيمانه؛ إذ يصبح لا فرق بينه وبين غيره من دعاة الأفكار الأرضية الذين غايتهم الشُّهرة أو المنصب، أو عرَضٌ من أعراض الحياة الدنيا الزائلة، ودعوته الإسلامية أسمى من أن تكون مطيَّةً مُسخَّرةً لهوى متَّبع، تُمليه النفس الأمَّارة بالسوء، فهي دعوة لم تجئ إرضاءً للأهواء والشهوات، ولو كانت كذلك، لما وقف في وجهها المشركون، ولأجابهم النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى ما يُريدون حينما قالوا له: نعبد إلهك يومًا وتعبد آلهتنا يومًا آخر!

إن الصحوة الإسلامية حقيقة واقعة، ولها المستقبل - إن شاء الله - رغم اليائسين والحاقدين المثبِّطين.

ولو كانت الدعوة الإسلامية كذلك، لما أرخص الرسول الكريم وصحابته الأجلاء أنفسهم في سبيل الله؛ حتى أحصى العادُّون فقالوا: إن 80 % من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- اختارهم الله شهداءَ، فيجب على الدعاة أن يَعوا هذه الحقيقة، ولا ينظروا إلى الدعوة الإسلامية على أنها وسيلة لقضاء المآرب والشهوات الأرضية والأهواء الضالة، إنه إذا عَلِم الدعاة هذه الحقيقة وعلموا أن غايتهم رضا الله - سبحانه وتعالى - بإسهامهم في رفع راية الإسلام، فحينذاك تنطفئ شُعلة البغض من الصدور، وتزول العداوة منها.

الثانية: النظرة الشمولية للإسلام:
فلا نأخذ الإسلامي نتفًا وتقاطيع، فنهتم بجانب ونترك جانبًا آخَر؛ كأن نهتم - مثلاً - بالجانب السياسي، ونتهاون في الجانب العِبادي، أو نهتم بالجانب العبادي والأخلاقي، ونترك الجوانب الأخرى، فذلك أمر لا يتناسب مع حقيقة الإسلام.

ولقد كان أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عبَّادًا بالليل وفرسانًا بالنهار، ولقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- متبتِّلاً بالليل حتى تتورَّم قدماه، وكان قائدًا يقود الجيوش الجرَّارة في المعارك، وكان رائدًا سياسيًّا كأفضل ما تكون الريادة، وقبل هذا وذاك هو نبي الله - عليه الصلاة والسلام - ولأنه خاتم النبيين، ولأنه للناس أجمعين، فإن النبوة خوَّلتْه أن يكون كذلك ويتَّصف بتلك الصفات التي فاق فيها الأنبياء قبله - عليه وعليهم الصلاة والسلام.

كذلك كان أصحابه قادة جيوش، وأئمة محاريب، وخطباءَ منابر، وساسة أُمم، مع أنهم كانوا قوَّام ليلٍ، صُوَّام نهار.

وهكذا يجب أن يكون الداعية المسلم، فينظر للإسلام نظرة شمولية ولا يتقوقع في زاوية؛ لأن الإسلام كل متكامل، وكل عمل فيه يسند الآخَر، فالواعظ في وعظه يرقِّق القلوب ويهذِّب النفوس، فيكون موئلاً للتائبين، والقائد بجهاده ينشر دين الله بين العالمين؛ ليوسِّع رقعة الدولة الإسلامية، أو يرابط على ثغور المسلمين، يدفع عنهم غائلة العدو، فيعيش المسلمون في ديارهم بأمان، والحاكم أو الخليفة يرعى مصالح أمته ويردُّ عنها الظلم، ويُفسح لها صدره، فهو الأب الرحيم بأبنائه، فيكون بحدب الخليفة ورحمته، ودفاع القائد وصولته، وبرِقَّة الواعظ وعِظته؛ ليتحقَّق التكامل والترابط في حماية الإسلام وأهله من أعداء الله.

أما إذا فُقد واحد من هؤلاء من الساحة - وهذا كمثال - حدث الخلل والاضطراب في المجتمع، فإن قعد الخليفة، أو عُدم، شاع الظلم والجور بين الناس، وإن تهاوَن القائد أو فُقد، اضطرب حبل الأمن وخاف الناس من أعدائهم، وإن فُقد الواعظ أو تكاسَل، شاع في الناس الإخلاد للدنيا، واستولى على قلوبهم الشيطان.

لقد دار بيني وبين أحد الدعاة ممن يأخذ من الإسلام بطرفٍ، وينظر إلى الإسلام نظرة ضيِّقة، فقال: يجب علينا أن نهتم بتثبيت كلمة لا إله إلا الله محمد رسول الله في النفوس، فالدعوة الإسلامية أول ما بدأت ركَّزت على هذا المعنى في النفوس، ثم دعت إلى غيرها من مكارم الاخلاق والتزام أوامر التشريع!

قلت: وهل تظن أن المجتمعات الإسلامية الآن كافرة بالإسلام؛ حتى نأتي وندعوها إلى الإسلام من جديد؟ إن الإسلام كامن في النفوس، حتى عند الذين تهاوَنوا بشأنه، ولكنه يحتاج إلى مَن يحرِّكه، فهو كالجمرة المتَّقدة وقد غطَّاها الرماد، فإذا ما هبَّت الريح، اتَّقدت الجمرة جَذوةً مشتعلةً من جديد.

ذكر الأستاذ الشيخ أبو الحسن الندوي في كتابه "روائع إقبال" - على ما أظن - أن مسلمًا كان يجلس على مائدة خمر مع ندمان له على غير دينه، فلما أخذت الخمر برؤوسهم، علا بينهم الكلام القبيح والشتم والتعريض، فكان مما قاله أحدهم فيه سبٌّ للنبي -صلى الله عليه وسلم- فما كان من هذا المسلم رغم سكره، إلا أن ثارَت فيه حَميته الإسلامية، وانتقَم لنبيه الكريم!

إن الإسلام واقر في النفوس، ولكنه يحتاج إلى مَن يبعثه من جديد!

ثم قلت له: وهل تظن أن اهتمام الدعاة بتزكية النفس وتربيتها على العبادة فقط كافٍ لها؟ إن الأمة الإسلامية تحتاج إلى القائد المؤمن والخليفة المؤمن، والصحفي المؤمن والصانع المؤمن، وأخذتُ أعدِّد له، ثم قلت: وهل اقتصارنا على العبادة فقط - وهي جزء من الدين - كفيل بأن يوفر ذلك كله؟ فقال: دعك من تلك الأمور واتركها لأصحابها، فلهم ما لهم، ولنا ما لنا! نحن لنا العبادة والدار الآخِرة، وهم لهم الدنيا! فاستغربت من قوله هذا بعد كلامي السابق له عن شمولية الإسلام! فقلت: وهل تظن أن الإسلام دين دراويش؟

إن الإسلام جاء شاملاً كاملاً ينظِّم أمور الدنيا والآخرة؛ ﴿ وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ﴾ [القصص: 77]، وعلَّم الله المسلمين أن يقولوا: ﴿ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً ﴾ [البقرة: 201].

ولماذا لا يكون منا نحن الدعاة القائد المسلم المؤمن الذي يحمي الدعوة؟! ولماذا لا يكون منا الحاكم المسلم الذي يناصر الدعوة ويرفعها؟! ولماذا لا يكون منا الصانع المسلم حتى نستغني عن أعدائنا؟! صحيح أن تزكية النفس بالعبادة أمر مهمٌّ، ولكنه ليس كل الإسلام.

ومن يوم أن دار بيني وبين هذا الداعية الكلام هذا، وأنا أشعر بالألم لحال بعض الدعاة الذين اهتموا ببعض الإسلام، وتركوا بعضه الآخَر، أو غفلوا عنه، والدعوة الإسلامية إنما تتعثَّر في طريقها بأمثال هؤلاء الدعاة، الذين لم يستوعِبوا شمولية الإسلام، ولم يعوا حقيقته، الأمر الذي جعلهم في معزل عن الحياة في كثير من جوانبها، وهذا ما لم يأت به الإسلام، وليس في الإسلام ما هو في عقيدة النصارى: دع ما لله لله، ودع ما لقيصر، كلا؛ فكما هو دين الآخرة هو دين الدنيا، يرعى شؤونها ويُسيِّر مصالحها، وكما هو دين صلاة وصيام، هو كذلك دين سياسة، وكما هو دين سِلْم ومرحمة، هو كذلك دين جهاد وجلاد، وكما يهتم بالناحية الإيمانية والسلوكية، يهتم كذلك بالنواحي العِلمية، وكما يهتم بالناحية الشعورية والنفسية أو الوجدانية، يهتم كذلك بالناحية العقلية والإدراكية، وقِسْ على ذلك سائر الأمور.

ومن يلقي نظرةً على كتاب الله وسنة نبيه - عليه الصلاة والسلام - يجد هذه الشمولية واضحةً جليةً، ولو لم تكن هذه الشمولية في الإسلام، لكان فيه نقص، وحاشى أن يكون فيه نقص وهو المهيمن على الديانات كلها وهو خاتمها، ولا بدَّ أن يكون للختام الكمال، وهو دين البشر جميعًا على مختلف أجناسهم ولغاتهم وديارهم، ودينٌ هذا شأنه يجب أن يكون كاملاً شاملاً؛ حتى يكون صالحًا لهؤلاء البشر جميعًا.

فمن أراد أن يتصدَّى للدعوة الإسلامية، يجب أن ينظر إلى هذا البُعد؛ ليحيط بالإسلام كمنهج تربوي أخلاقيٍّ، ونظام سياسي واجتماعي واقتصادي، وتشريع فقهي، وألا يقتصر النظر على جانب واحد، فيكون حالنا كحال العميان الثلاثة الذين لمسوا جسم الفيل من زاوية، فقال كل منهم واصفًا الفيل حسب ما وقعتْ عليه يده، فالذي لمسَ رجله، قال: إن الفيل طويل، والذي لمس ذيله، قال: إن الفيل قصير، والذي لمس أذنه، قال: إن الفيل عريض!

ومن نظر إلى الإسلام بنظرة ضيِّقة، حاله كحال هؤلاء العميان الذين لم يجاوز وصفهم للفيل ما وقعت عليه أيديهم.

الثالثة: التبيُّن والتثبُّت:
وذلك نأخذه من قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ﴾ [الحجرات: 6].

فيجب على الداعية أن يكون متثبِّتًا مما يقول، وأن يكون على بيِّنة بالأمر، ولا يخوض فيه، ويُدلي فيه بدلوه؛ حتى يكون على يقين من ذلك.

إن الله تعالى لم يعرض علينا قصة الهدهد مع نبي الله سليمان - عليه السلام - للتسلية، ولكن لنأخذ منها العِبرة والعِظة، فحين جاء الهدهد بخبر ملكة سبأ وقومها، أنهم يعبدون الشمس من دون الله، قال سليمان - عليه السلام - بمنطق الداعية الأريب: ﴿ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ * اذْهَبْ بِكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ ﴾ [النمل: 27 - 28]، فلم يأخذ الأمر بالعجلة، فلربما كان الهدهد بهذا الخبر يريد أن يهدئ من ثورة سليمان عليه وتوعُّده له، فاخترع تلك القصة؛ فكان لا بد من التبيُّن.

وهذا التثبُّت أو التبيُّن عند الداعية، يكون في الكلام الذي يقول، وفي الحكم الذي يَصدُر، وفي الخبر الذي يُنشر، فلا يصدر منه إلا الكلام الذي تيقَّن أنه الحق، ولا يصدر الحكم إلا إذا ظهرت له حالة جليَّة، ولا يختلف اثنان في إصدار حكم معيَّن عليها، لا يَنشر خبرًا إلا إذا تيقَّن من صحته، حتى يُعطي لدعوته وزنًا ولمبادئه قيمةً بين العالمين، أما أن يكون كحاطب ليلٍ، يخبط خبط عشواء، وأما أن يكون مَن يسمي نفسه داعية بوقًا لكل ناعق، أو لسانًا لذوي السلطان يُصدر الفتاوى؛ إرضاءً لذوي النفوذ، وتملُّقًا لهم، فذلك ما يُنكره الإسلام على أتباعه، ولا يرضى لهم أن يتَّصفوا به، فإنه الفسق بعينه والانحراف عن الصواب.

الرابعة: الحوار الهادئ مع الضالين:
فالداعية يجب أن يتحلى بروح السماحة واللطف، وأن يكون ليِّن الجانب، طيب المعشر، حتى مع الضالين أو المضللين من الناس، فيجب عليه أن يفتح صدره، وأن يكون المشفق الحنون، وأن يشعر هؤلاء الضالون بهذه الشفقة: بالحوار الهادئ المتَّزن، وبالخلُق الكريم، وبالتعامل السمح، لا أن يتعالى على أصحاب المعاصي، ويكون معهم فظًّا غليظًا، ولا يكون ديدنه إلا إصدار فتاوى التكفير والإخراج من الملَّة لمجرَّد وقوع إنسان في معصية سلوكية أو خلقية أو فكرية، فكثير من هؤلاء إذا رأى الحق وبصر به، اتَّبعه وتخلى عن جاهليته.

صحيح أن هناك أئمَّة للكفر يُناوئون الإسلام فكرًا وعقيدةً وسلوكًا، وهؤلاء من واجب الداعية التحذير منهم والرد عليهم، وإبطال مكايدهم، لكن هناك من الضالين من عاشوا في بيئة قوِّضت منها خيام الإسلام، فعاش في أسرة ليس فيها من الإسلام إلا الأسماء، وعاش في مجتمع كل مظاهره جاهلية، وتربَّى في المدرسة والمعهد والجامعة على منهج يَكفر بالإسلام، فهو لم يفتح عينيه في الحياة إلا على هذه المظاهر المعادية للدين، فعلينا أن نَعذِر هؤلاء ونُشفِق على حالهم، ونسعى إلى أن ننتشلهم مما هم فيه من بلاء، يجب أن نكون مبشِّرين لا منفِّرين ومجمِّعين لا مفرِّقين.

إن هناك من الدعاة - للأسف - من يكون حجر عثرة في طريق الدعوة، وتنفير الناس منها بسبب جفاف طبعهم وغِلظتهم، إن هذا الأسلوب الفظَّ بيَّن الله أنه سبب في انصراف الناس عن الدعوة إن اتَّصف النبي -صلى الله عليه وسلم- به فقال تعالى: ﴿ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ﴾ [آل عمران: 159]، وكان هذا البيان للنبي الكريم عن قوم ملأ الإيمان قلوبهم؛ حتى إن أحدهم لو وُزن إيمانه بإيمان الأمة كلها، لرجح إيمانه، فكيف يُقبَل هذا من الداعية مع الناس في عصر ضَعُف فيه الإيمان، واستمرأت فيه النفوس حبَّ الدنيا، وتلاعبت بها الأهواء؟

لا شك أن ذلك يكون في هذا العصر آكد في حق الداعية؛ لظهور الباطل وانتشار الضلال، فأصبح المؤمن يمسي مؤمنًا ويُصبح كافرًا، يبيع دينه بعرَض من الدنيا قليل، كما جاء في الحديث، فقد اختلَّت القيم الإسلامية والموازين في أذهان كثير ممن يُسمُّون أنفسهم مسلمين، أفنأتي نحن ونَزيد الطين بلَّة، ونزيد الناس نفورًا على نفور؟
إن ذلك ما لا ينبغي أن يكون في أسلوب الداعية الذي علَّمه ربه - تبارك وتعالى - فقال: ﴿ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾ [النحل: 125]

الخامسة: إتقان العمل:
وذلك مصداقًا لقوله - عليه الصلاة والسلام -: ((إن الله يحب إن عمل أحدكم عملاً أن يتقنه))، فإتقان العمل أمر واجب على المسلم وعلى الداعية أوجب، ذلك أن الناس ينظرون إلى العمل، فإن كان فيه إتقان وثقوا بصاحبه وكبُر في أعينهم، أما إن رأوا في عمله العشوائية والتخبُّط وعدم الإتقان، فإن الناس تزهد فيه وفي عمله، وعدم الإخلاص في العمل أو إتقانه، هو الذي جعل المسلم ينفر من الإقبال على ما عِند أخيه المسلم، فراجت للأجنبي بضاعته وفكرُه، وأصبح الواحد، مِنا أنَّى وُجد؛ في المدرسة والجامعة، وفي المتجر وفي السوق، وفي كل ميادين الحياة - موصومًا بالغشِّ والتزوير والاحتيال.

ولا نريد أن يكون الدعاة ممن أثَّرت فيهم عادات السوء التي تفشَّت في مجتمعهم، فتراهم يتَّصفون بعدم الإخلاص في العمل أو عدم إتقانه.

إن كل أمر يقوم به الداعية لصالح الدعوة الإسلامية عبادة لله، فلينظر كيف يقدِّم لربه هذه العبادة، إن كلمة الخير التي يكتبها في صحيفته أو مجلته، عبادة، وإن مسرحيَّته التي يربي الناس بها على مكارم الأخلاق، عبادة، وإن الأنشودة التي يغرِّد بها؛ لتكون بديلاً للغناء، عبادة، وإن قصيدة الشعر التي يلقيها على مسامع الناس؛ ليصرفهم عن الغناء مما يتفوَّه به دعاة جهنم، عبادة؛ فيجب عليه أن يكون متقنًا في كل ذلك، مخلصًا فيه نيَّته لله تعالى، وإن لم يكن كذلك، فلا رَبِح ولا رَبِحتْ منه دعوته.

السادسة: المخالَطة:
فلا يَنزوي الدعاة على أنفسهم، ويتقوقعوا في محيط بعيدًا عن مجتمعهم، بل يجب أن يعيشوا مشاكل الناس وهمومهم، ويقدِّموا لهم الحلول لهذه المشاكل والهموم، لا أن ينظروا إلى الناس من أبراج عاجية - كما يقال - وينظِّروا النظريات فقط وهم عن الميدان التطبيقي بعيدين! كلا، فإن الدعوة الإسلامية ليست نظريات فقط، ولكنها نظرية وتطبيق، واعتقاد وسلوك، وإيمان وعمل، ويوم أن يكون الداعية على هذا المستوى من التفاعل مع مجتمعه، يشاركه همومه وأحزانه، فيسعى إلى وضع الحلول لمشاكله، ويتبنَّى قضاياه، فحين ذاك يكون لهذا الداعية من مجتمعه التقدير ولدعوته التأييد والدعم.

السابعة: المزاوجة بين العلم والفكر:
وما أعني به ذلك أولئك الدعاة الذين يحفظون المتون وأعرضوا عن كل شيء غير ذلك، فنجد الواحد منهم يحفظ متون مسائل فقهية معينة، بينما هو عن قضايا الإسلام الأخرى في غيبة أو جهلٍ، وقد تكون هذه القضايا من الأمور الواضحة في الدِّين، ولكنه ينظر إليها نظرة مشوَّشة أو قاصرة، إني لا أنكر حفظ المتون في القضايا الفقهية والأصولية، لكن يجب أن يجمع إلى ذلك الفكر الإسلامي، وأن يكون حافظ المتون هذا على اطلاع واسع بقضايا الإسلام العامة، لا أن يكون جامدًا في مجالات محددة.

وأيضًا لا يكون حفظ المتون سببًا في غفلة الداعية عن قضايا أمته الإسلامية، فمن لم يهتم بأمر المسلمين، فليس منهم، فتجد أحدهم يحفظ عشرات المسائل الفقهية، والأصولية، وإذا سألته عن حال المسلمين في بلد ما، وما يعانون، لم يُخرج جوابًا، وكأنه يعيش في عالم آخَر، وذلك يرجع لعدم معايشته لواقع أمته، وداعية هذا حاله، لن يتأتَّى منه مطلقًا توعيةُ أمة، ولا رفعُ راية دعوة، ولا انتصارٌ لدين اجتمَع عليه أهل الشرق والغرب؛ ليقضوا عليه وعلى أتباعه.

أخي الداعية إلى الله، هذه بعض المعالم التي أردت أن أطرحها بين يديك، لا معلمًا ومرشدًا، ولكن مذكِّرًا؛ ﴿ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الذاريات: 55].

فإني أرى بعض الهَنات عند بعض الدعاة فيما ذكرت، ووجدت في بعضهم تهاونًا بشأنها، وهذا ما لا أرضاه أن يكون فيهم، وهم قد اعتلوا أشرف منصبٍ، منصب الدعوة إلى الله وميراث الأنبياء، فإذا انتكس الدعاة في طريقهم، وساروا فيها على غير هدى، فمَن غيرهم يحمل دعوة الله للبشر؟ ومن يردُّ الناس إلى رحاب الله؟ ومَن يقودهم إلى طريق الخلاص؟


فيا دعاة الإسلام، تضامنوا وتوحَّدوا، ولا تتفرَّقوا؛ فإن الدعوة إلى الله ليست محلاًّ للتنازع والشِّقاق!

ويا دعاة الإسلام، عيشوا واقع أُمتكم، ولا تغفلوا عنه، فتندموا لهذا التفريط أمام الله في حق المسلمين! ويا دعاة الإسلام، كونوا كما كان نبيكم - عليه الصلاة والسلام - مبشِّرين لا منفِّرين، ومجمِّعين لا مفرِّقين. والحمد لله رب العالمين.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 71.73 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 69.84 كيلو بايت... تم توفير 1.89 كيلو بايت...بمعدل (2.64%)]