|
|
ملتقى التنمية البشرية وعلم النفس ملتقى يختص بالتنمية البشرية والمهارات العقلية وإدارة الأعمال وتطوير الذات |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
خطط النهضة ومدى استغلال الكفاءات
خطط النهضة ومدى استغلال الكفاءات د. مصطفى عطية جمعة خطط النهضة هي السبل والخطط التي اتبعتها أنظمة الحكم في أقطار العالم الإسلامي، من أجل تنمية بلدانها، ومعالجة مشكلات شعوبها، وهي تمثل الوجه العملي التطبيقي للتعرف على فلسفة الحاكم ورؤيته في قيادة أمته، وترتبط بلب بحثنا الذي يعنى بسبل تنمية الأمة في ضوء أسس الشريعة، ومدى استغلال الكفاءات الشخصية والاستفادة من نابغي الأمة وعباقرتها في النهضة، وهذا أساس في دراستنا الذي يناقش بشكل مباشر كيفية نهضة الأمة عبر حفز طاقات أبنائها لسد أوجه النقص والثغور العلمية. لقد تبنت النخب الحاكمة الخطط النهضوية الغربية، بحكم ارتباطها النفسي والفكري والعلمي بجامعات الغرب ومعاهده، ووجدوا لدى الغرب خططا جاهزة للتطبيق وتجارب حية يمكن نقلها، وهذا ما تم بالفعل، فانتقلت الخطط بفلسفاتها ومناهجها ورؤاها إلى العالم الإسلامي، دون تمحيص في غالب الأحيان، ولا أدنى سعي إلى أسلمة روحها وفلسفاتها، بحيث تؤخذ في حسبانها ثقافة الأمة وهويتها. إن النهج الحداثي الذي استند إليه مخططو النهضة الإسلامية المعاصرة، والذي أتى على شكل علمانية تكمن في كونها أسوأ بكثير من لاهوت المسيحية كما تبدى في القرون الوسطى، طالما أن العلمانية تدمر قداسة وشمولية كل القيم الأخلاقية وتهدد الإيمان في المجتمع [1]. وربما هذا ينصرف إلى العلمانية الجزئية التي تفصل الدين عن المجتمع وليست العلمانية الشاملة التي لا تعترف بالديانات مطلقاً، وتعد الجماعة الإنسانية وما تعارفت عليه هي مصدر القيم والشرائع فحسب. وعندما تم استيراد الحداثة في هيئة خطط تحديث، جاءت مصحوبة بالقيم والفلسفات الغربية في كل الأحيان، ومعها خبراء ومخططون غربيون في بعض الأحيان. وهذا ما يسمى " التبعية " التي أعاد الغرب سيطرته بها على دولنا من خلالها، فبعد حصول أقطارنا على استقلالها السياسي، كانت الدول الغربية قد طوّرت أشكالاً جديدة من التبعية تبقي على الاستقلال السياسي صورياً مفرغاً، وتحوّل بلادنا إلى أتباع لها [2]، مما جعل الجهود التنموية اقتصادياً غير مجدية لأن التنظيم الاجتماعي متخلف وضعف الهوية الحضارية سائد وأولويات التحديث موجهة لخدمة الفئات الاجتماعية المسيطرة، وتدور في فلك النسق الاقتصادي للدول المصنعة [3]. كانت المحصلة لخطط عقود طويلة من النهضة، المزيد من الأجيال المتعلمة وفق المنظومة العلمية الغربية، التي لا تراعي هوية الأمة ولا تقف عندها، إلا أنها أجيال الأزمة، لأنها لم تتعلم - كما يجب - وفق ثقافتها وهويتها الحضارية، وإنما تلقت تعليماً مهجناً، فعانت أزمة ازدواج وهوية، بالإضافة لمشكلات الكفاءة والتدريب. لقد راهنت الدول العربية والإسلامية على التعليم كوسيلة لطي واقع التخلف وتحويل التعليم من نخبوي يستهدف أقليات أرستقراطية مجتمعية، إلى تعليم جماهيري متوجه لجميع شرائح الشعب، ولكن تكاثرت أعداد المتعلمين ثم الخريجين الذين واجهوا واقعا تنمويا متأخرا، بدا في: عدم وجود فرص عمل، احتكارات اقتصادية، وتميز طبقي، واحتكار سياسي، وغياب رعاية الكفاءات والموهوبين، ففضّل الكثير الهجرة خارج الأوطان، وبعضهم الانطواء داخل الوطن حيث الرضا بقليل لا يثمر ولا يرقى بالذات، ولا يفيد مستقبل الوطن. ومن هنا كانت أزمة النظام التعليمي وفشل مخططاته أدت إلى تهميش أعداد ضخمة من الشباب، الذين صاروا مولدين لأشكال من العنف الاجتماعي والسياسي[4]. وفي الوقت الذي لم تجد الكفاءات المسلمة أمكنة، ففضلت الرحيل إلى الغرب، واصلت نظمها الحاكمة استيراد خبراء من الغرب، لأنها لم تكلف نفسها عناء البحث عن الوطنيين المتميزين داخل أو خارج الوطن. كل هذا يندرج تحت مفهوم " هدر الإمكانية " الذي يعني: أن هناك غايات نهائية للشعب، وأنه يمتلك إمكانات، بعضها ثابت والبعض الآخر متغير، يمكن إذا أحسن استغلالها أن تؤدي إلى الوصول لهذه الغايات، ولكن هناك محددات أخرى لمدى القدرة على استعمال الإمكانات وتطويرها وصولا للغايات[5]. ولكي نقف على حجم الأزمة المتمثلة في هجرة العقول والأدمغة العربية والمسلمة إلى الدول الغربية، نستعرض بعض الإحصاءات التي تشير إلى أن (60 %) ممن درسوا في الولايات المتحدة الأمريكية في العقود الثلاثة الأخيرة لم يعودوا إلى أوطانهم، وأن (50 %) ممن درسوا في فرنسا لم يعودوا لدولهم، والغريب أن حكام دولهم الطاردة يعدّون هذا أمرا عظيما لأنه يفيد أقطارهم بمداخيل نقدية تتمثل في تحويلات العاملين إلى الوطن، وفي نفس الوقت حل لمشكلة البطالة [6]. وهكذا تختزل القضية إلى قضية مالية فحسب، ونسوا أن هذه العقول يمكنها أن تأتي للوطن بآلاف الأفكار والاختراعات التي تعود بعشرات المليارات على شعوبهم. وقد وصلت معدلات الهجرة لدى الشباب إلى أرقام مفزعة، تهدد بعض الدول العربية بكارثة، فدولة لبنان - مثلا - تفقد (16.000) شابا شهريا، وهذا معناه لدولة صغيرة في عدد السكان مثل لبنان تفريغا للكفاءات على المستوى القريب، وتفكيكا للدولة على المستوى البعيد[7]. وقد يرى البعض أن هناك وجوها إيجابية في التنمية في بعض الأقطار، ولكن من المعلوم اقتصاديا أن نمو الناتج الإجمالي لا يعبر عن حدوث تنمية، فهناك أقطار نفطية بها فائض مالي ضخم، ناتج عن اقتصاد ريعي، وليست مساعي تنموية حقيقية. ورغم الإمكانات الضخمة التي تزخر بها الأمة، إلا أن الاختيار الحاسم يتمثل في مدى الاستفادة من طاقاته البشرية الوفيرة نسبيا، وهذا يتحدد بخصائص البشر في المجتمع بالإضافة إلى التنظيم الاجتماعي الاقتصادي الذي ينظّمهم في أطر اجتماعية وسياسية وإنتاجية، فلم يحدث تقدم في القوى البشرية تتناسب مع متطلبات التنمية الجادة، ولا تليق حتى بالعصر الذي نعيشه [8]. فالتركيز على القوة البشرية يصب مباشرة في الهدف المتوخى من دراستنا، فلا استثمار لمواردنا دون بشر، ولا بشر تنمويين دون تعليم جاد، وتدريب عال، واستفادة من مواهبهم، بمعنى أن يتعرف المجتمع على حاجاته، ومن ثم يوجّه قواه البشرية لتلبية هذه الحاجات بالنظر إلى قدراتهم، ثم مؤهلاتهم، ومن ثم يضطلع كل فرد بدوره (الفرض العيني)، و تصدي مختلف الطاقات والتخصصات لسد الحاجات الجماعية (الفرض الكفائي). والمثال الواقعي للأزمة في العالم العربي يبدو في نسبة الإنفاق على البحث العلمي التي لا تتخطى (0.15%) من حجم الناتج الإجمالي للدول العربية، في حين تتعدى (2%) من الناتج في الدول المتقدمة، كما أن عدد الباحثين في العالم العربي الموزّعين على القطاع الحكومي بكل روتينيته وبطئه وخضوعه للدولة يزيد عن (66%)، وهناك (31%) في الجامعات، أما القطاع الخاص فنسبته(2%)، يقال هذا وسط معدلات عالية من الأمية في العالم العربي تصل في بعض الأقطار العربية إلى (60%)، وهناك هدر ضخم في منظومة التعليم، يؤدي لتسرّب الطلاب، الأمر الذي جعل نسبة الخريجين عام 2010م في حدود 3.4% من السكان وهي نسبة ضئيلة [9]. نذكر هذا، لأنه لا استغلال حقيقيا ولا حفز للكفاءات، فلابد أن تكون الصورة واضحة ومكتملة، حتى تعرف الأمة أين تقف، وواقعها العلمي والبشري، وهل تنتج عبر نظامها التعليمي ما يغطي حاجاتها؟ وأوجه تخصص علمائها؟ وإلى أين يسيرون؟ كي تكون التوجهات عند طرح الفروض الكفائية نابعة من واقع الأمة، آخذة في الحسبان العلماء المهاجرين، والمنفيين، وأيضا القابعين داخل الوطن، منتظرين فرصا لهم. تأتي هذه الحقائق في زمن لم يكن لدى الطليعة المسلمة ولا نخبة العلماء - إلى عقود قريبة - كثير من الإجابات عن أسئلة النهضة، وانحصر دورهم في الدفاع عن الشريعة وتعاليمها، دون تقديم مؤلفات وأبحاث كاملة توضح سبل تطبيق الشريعة وفروضها في حياة الأمة، أو بعبارة أدق: لم يكن الإسلام - مبادئ وأسسا - مقدَّما للأمة في صورة برامج نهضوية، بل ظل الخطاب الإسلامي دينيا (عقيدة وقيما وأخلاقا وفقها) أكثر من كونه حضاريا نهضويا، وربما يعود هذا إلى عوامل عدة أبرزها: أن تكوين الباحث الإسلامي كان في الكليات التقليدية التي تكتفي بتدريس العلوم الإسلامية المتوارثة، دون الانشغال كثيراً بقضايا النهضة والحضارة، في حين أن مخططي النهضة ومستورديها كانوا من خلفيات علمانية، تنظر للإسلام نظرة تقليدية. وأيضا، لم يكن نظام الحكم يضع علماء شريعة في خضم مشاريعه النهضوية، فهي واردة إليه من الدول الأجنبية، وجاهزة للتطبيق. [1] الإسلام وضرورة التحديث، نحو إحداث تغيير في التقاليد الثقافية، فضل الرحمن، ترجمة إبراهيم العريس، دار الساقي، بيروت، ط1، 1993م، ص27. وقد أشار المؤلف إلى أن العلمانية تروج للإلحاد وبدأت آثار تطبيقها سيئة في المجتمعات الغربية، بحكم إقصاء القيم الأخلاقية. ويؤكد أن النبي محمدا ( صلى الله عليه وسلم ): " رمى إلى تكوين جماعة تدعو إلى الطيبة والعدالة في هذا العالم أي نظام اجتماعي سياسي ذي قاعدة أخلاقية تحت حكم الله، أي بالاستناد إلى أن القيم الأخلاقية لا يمكن وضعها أو إلغاؤها من قبل الإنسان على هواه أو كما يناسب مصالحه. ص28. [2] هدر الإمكانية: بحث في مدى تقدم الشعب العربي نحو غاياته، د. نادر الفرجاني، منشورات مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، ط3، 1983، ص79. [3] السابق، ص99. [4] حول أسباب العنف السياسي، د. علي أومليل، بحث ضمن كتاب: العنف والسياسة في الوطن العربي، م س، ص19. [5] هدر الإمكانية، ص13. [6] هجرة الأدمغة العربية، حلقة نقاشية في مجلة المستقبل العربي، الصادرة عن مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، العدد 266، إبريل 2001، ص102 ( ورقة د. محمد مراياتي ). [7] السابق، ص105، 106 ( مداخلة عدنان السيد حسين ). [8] هدر الإمكانية، م س، ص57، 58. [9] مؤشرات المستقبل وواقع الأمة العربية، سلمان رشيد سلمان، مجلة المستقبل العربي، بيروت، العدد 282، أغسطس 2002، ص93.
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |