اسم الفاعل: صَوغُه وعمَلُه - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         معنى قوله تعالى: {ليبلوكم أيُّكم أحسنُ عملاً} (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 39 )           »          تخصيص رمضان بالعبادة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 33 )           »          ذكر الله دواء لضيق الصدر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 26 )           »          بيان فضل صيام الست من شوال وصحة الحديث بذلك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 32 )           »          صيام الست من شوال قبل صيام الواجب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 29 )           »          صلاة الوتر بالمسجد جماعة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 27 )           »          قراءة القرآن بغير حفظ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 35 )           »          الإلحاح في الدعاء وعدم اليأس (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 31 )           »          الفهم الخطأ للدعوة يحولها من دعوة علمية تربوية ربانية إلى دعوة انفعالية صدامية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 38 )           »          معالجة الآثار السلبية لمشاهد الحروب والقتل لدى الأطفال التربية النفسية للأولاد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 37 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العلمي والثقافي واللغات > ملتقى اللغة العربية و آدابها > ملتقى النحو وأصوله

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 28-09-2020, 03:47 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي اسم الفاعل: صَوغُه وعمَلُه

اسم الفاعل: صَوغُه وعمَلُه



أ. د. محمد عبدالله سعادة




الفِعْلُ لمّا كان يَدُلُّ على المَصْدَرِ بلَفْظِه، وعلى الزمانِ بصِيغَتِه، وعلى المكانِ بمَحِلِّه، اشْتُقَّ منه لهذه الأقسامِ أسماءٌ، ولمّا كان يَدُلُّ على الفَاعِلِ بمَعْناهُ، لأنه حَدَثٌ، والحَدَثُ لا يَصْدُرُ إلا عن فَاعِلٍ اشْتُقَّ مِنه اسْمُ فَاعِلٍ؛ ولذلك اخْتَلَفَتْ تعريفاتُ اسْمِ الفَاعِلِ عندَ النُّحاةِ، فقال ابْنُ الحَاجِبِ[1]: "ما اشْتُقَّ مِن فِعْلٍ لِمَن قامَ به بمَعْنَى الحُدُوثِ" وقولُه: "لمَن قام به" يُخْرِجُ اسْمَ المَفْعُولِ؛ فإنه ليس قائمًا به، وإنما هو واقعٌ عليه، وقولُه: "بمَعْنَى الحُدُوثِ" يُخْرِجُ الصِّفَةَ المُشَبَّهَةَ؛ فإنها تَدُلُّ على الثُّبُوتِ.

وقال ابْنُ مَالِكٍ[2]: "هو الصِّفَةُ الدَّالَّةُ على فاعِلٍ، جارِيَةٌ في التَّذْكِيرِ والتَّأْنِيثِ على المُضَارِعِ".


وقال ابْنُ هِشَامٍ[3]: "ما دَلَّ على الحَدَثِ وفاعِلِه" فخَرَجَ بالحَدَثِ نَحْوُ أَفْضَلَ - اسْمَ تَفْضِيلٍ - وحَسَنٍ - صفةً مُشَبَّهَةً - وخَرَجَ بذِكْرِ فَاعِلِه نَحْوُ مَضْرُوبٍ.


واسْمُ الفَاعِلِ الذي يَعْمَلُ عَمَلَ الفِعْلِ هو الذي يَجْرِي على فِعْلِه، ويَطَّرِدُ القِياسُ فيه كما ذَكَرَ ابْنُ السَّرَّاجِ[4]، ويَجُوزُ أن يُنْعَتَ به اسْمٌ قَبْلَه نَكِرَةٌ، كما يُنْعَتُ بالفِعْلِ الذي اشْتُقَّ منه ذلك الاسْمُ، ويُذَكَّرُ ويُؤَنَّثُ، وتَدْخُلُه الْأَلِفُ واللَّامُ، ويُجْمَعُ بالوَاوِ والنُّونِ؛ كالفِعْلِ إذا قُلْتَ: يَفْعَلُونَ، نَحْوُ ضَارِبٍ وقاتِلٍ، يَجْرِي على يَضْرِبُ ويَقْتُلُ، ومَعْنَى جَرَيانِ اسْمِ الفَاعِلِ على الفِعْلِ في حَرَكَاتِه وسَكَنَاتِهِ أنَّ عَدَدَ حُرُوفِ ضَارِبٍ كعَدَدِ حُرُوفِ يَضْرِبُ، وضَادُ ضاربٍ مَفْتُوحَةٌ، كما أنَّ ياءَ يَضْرِبُ مفتوحةٌ، والأَلِفُ ثانِيَةٌ وهيَ ساكِنَةٌ، كما أنَّ ثانيَ يَضْرِبُ ساكِنٌ، والرَّاءُ فيهما ثالِثَةٌ مَكْسُورَةٌ، والباءُ فيهما حَرْفُ إِعْرابٍ.

ونَبَّهَ ابْنُ هِشَامٍ أنَّ المُجَارَاةَ تَقَابُلُ حَرَكَةٍ بِحَرَكَةٍ، لا حَرَكَةٍ بعَيْنِها، فقال[5]: "اسْمُ الفَاعِلِ لا يَكُونُ إلّا مُجَارِيًا للمُضَارِع، فإنه مُجارٍ ليَضْرِبُ، فإن قُلْتَ: هذا مُنْتَقَضٌ بداخِلٍ ويَدْخُلُ، فإنَّ الضَّمَّةَ لا تُقَابِلُ الكَسْرَةَ، قلتُ: اعْتُدَّ في المُجَاراةِ تَقَابُلُ حَرَكَةٍ بحَرَكَةٍ، لا حَرَكَةٍ بعَيْنِها".

وكذلك جاءَ في التَّصْرِيحِ[6]: "إذ لا يُشْتَرَطُ التَّوَافُقُ في أعْيَانِ الحَرَكَاتِ".

وقال ابْنُ هِشَامٍ[7]: "فإن قُلْتَ: كيفَ تَصْنَعُ بقائِمٍ ويَقُومُ؛ فإنّ ثانيَ قائمٍ ساكِنٌ، وثانيَ يَقُومُ مُتَحَرِّكٌ؟ قلتُ: الحَرَكَةُ في ثاني يَقُومُ مَنْقُولَةٌ مِن ثالثِه، والأَصْلُ: يَقْوُمُ كيَدْخُلُ".



صَوْغُ اسْمِ الفَاعِلِ:


اسْمُ الفَاعِلِ مَقِيسٌ[8] مِنَ الفِعْلِ الثُّلاثِيِّ على وَزْنِ فاعِلٍ، في كلِّ فِعْلٍ على وَزْنِ (فَعَلَ) مُتَعَدِّيًا كانَ أو لازِمًا، نَحْوُ ضَرَبَ فهو ضاربٌ، وذَهَبَ فهو ذاهبٌ[9].

وإن كان الفِعْلُ على وَزْنِ (فَعِلَ) بكَسْرِ العَيْنِ، فإن كان مُتَعَدِّيًا، فقِياسُه أيضًا أن يَأتيَ اسْمُ الفَاعِلِ على فاعِلٍ؛ نَحْوُ: رَكِبَ فهو راكبٌ، وعَلِم فهو عالمٌ.


وإن كان لازمًا فلا يُقالُ في اسْمِ الفَاعِلِ منه (فَاعِلٌ) إلّا سَماعًا[10]، نَحْوُ أَمِنَ فهو آمِنٌ، وسَلِمَ فهو سالِمٌ، بل قياسُ اسْمِ الفَاعِلِ منه أن يَكُونَ على فَعِلٍ في الأَعْراضِ؛ نَحْوُ: فَرِحَ فهو فَرِحٌ، ونَضِرَ فهو نَضِرٌ، وبَطِرَ فهو بَطِرٌ[11]، وأَشِرَ فهو أَشِرٌ، وتَعِبَ فهو تَعِبٌ، وحَمِقَ فهو حَمِقٌ.

وشَذَّ مَرِيضٌ وسَقِيمٌ وكَهْلٌ؛ إذ قياسُها كفَرِحٍ؛ لأنها أَعْراضٌ.


ويَأتي أيضًا اسْمُ الفَاعِلِ مِن ((فَعِلَ)) اللازمِ على (فَعْلان)، نَحْوُ عَطِشَ فهو عَطْشَانُ، وشَبِعَ فهو شَبْعَانُ، ورَوِيَ فهو ريَّانُ، وصَدِيَ فهو صَدْيَانُ، وسَكِرَ فهو سَكْرانُ.

ويأتي على أفْعَلَ في الأَلْوانِ؛ نَحْوُ: سَوِدَ فهو أَسْوَدُ، وحَمِرَ فهو أَحْمَرُ[12]، وعَوِرَ فهو أَعْوَرُ، وعَشِيَ فهو أَعْشَى وحَوِرَ فهو أَحْوَرُ، وجَهِرَ فهو أَجْهَرُ[13]، ووَجِلَ فهو أَوْجَلُ، وعَرِجَ فهو أَعْرَجُ، وعَمِيَ فهو أَعْمَى، وعَمِشَ فهو أَعْمَشُ.



ويأتي أيضًا على (فَعِيل)؛ نَحْوُ: حَزِنَ فهو حَزِينٌ، وغَنِيَ فهو غَنِيٌّ.

وقد يُسْتَغْنَي عن صِيغَةِ فاعِلٍ مِن فَعَلَ بالفَتْحِ بغَيْرِها؛ نَحْوُ: شَاخَ فهو شيْخٌ، وطَابَ فهو طَيِّبٌ، وشابَ فهو أَشْيَبُ، وعَفَّ فهو عَفِيفٌ[14].

وإذا كان الفِعْلُ على وَزْنِ (فَعُلَ) - ولا يَكونُ إلّا لازمًا - فاسْمُ الفَاعِلِ منه على فاعِلٍ قَلِيلٌ؛ نَحْوُ: حَمُضَ فهو حامِضٌ، وفَرُهَ فهو فَارِهٌ[15].

ويَكْثُرُ مَجِيءُ اسْمِ الفَاعِلِ منه على (فَعْلٍ)[16]؛ نَحْوُ: ضَخُمَ فهو ضَخْمٌ، وشَهُمَ فهو شَهْمٌ، وصَعُبَ فهو صَعْبٌ، وسَهُلَ فهو سَهْلٌ.



ويأتي على (فَعِيل)[17]؛ نَحْوُ: جَمُل فهو جَمِيلٌ، وشَرُفَ فهو شَرِيفٌ، وظَرُفَ فهو ظَرِيفٌ، وقَرُبَ فهو قَرِيبٌ، وبَعُدَ فهو بَعِيدٌ، وقد يَأْتِي على غَيْرِ ذلك؛ نَحْوُ: جَبُنَ فهو جَبانٌ، وشَجُعَ فهو شُجاعٌ، وحَرُمَ فهو حَرامٌ، وجَنُبَ فهو جُنُبٌ، وخَشُنَ فهو خَشِنٌ، ومَلُحَ الماءُ فهو مِلْحٌ[18]، ونَجُسَ فهو نَجِسٌ.



وجميعُ هذه الصِّفاتِ[19] التي لَيست على "فاعل" صِفاتٌ مُشَبَّهَةٌ، إن قُصِدَ بها الثُّبُوتُ، وإطلاقُ اسْمِ الفَاعِلِ عليها مَجازٌ في الاصْطِلاحِ الشَّائِعِ، فإن قُصِدَ بها الحُدُوثُ والتَّجَدُّدُ كانتْ أسماءَ فَاعِلِينَ، وأما ما جاء على (فاعل) كضاربٍ وقائمٍ، فاسْمُ فاعلٍ إلا إذا دَلَّ على الثُّبُوتِ، كطاهرِ القَلْبِ، وقامتْ قرينةٌ على ذلك، وأُضِيفَ لمَرْفُوعِه؛ فيكونُ صفةً مُشَبَّهَةً تَجْرِي عليه أحكامُها على الرَّغْمِ مِن بَقَائِه على صُورَةِ اسْمِ الفَاعِلِ.



والمَعْلُومُ عندَ النُّحاةِ أن اسْمَ الفَاعِلِ لا يُضَافُ لمَرْفُوعِه، بخلافِ الصِّفَةِ المُشَبَّهَةِ؛ فلا يُقالُ: زَيْدٌ كاتبُ الأَبِ؛ لأنَّ مَنْ كَتَبَ أبُوه لا يَحْسُنُ إِسْنادُ الكِتَابةَ له[20]، أمّا الصِّفَةُ المُشَبَّهَةُ، فيَجُوزُ جَرُّ فَاعِلِها بها؛ نَحْوُ: "حَسَنُ الْوَجْهِ، ومُنْطَلِقُ اللِّسَانِ، وطاهِرُ القَلْبِ"[21]، واسْمُ الفَاعِلِ المُتَعَدِّي لواحِدٍ تَمْتَنِعُ إضافتُه لفَاعِلِه عندَ الجمهورِ، وإن قُصِدَ ثُبُوتُه، أمّا اللازمُ "كقائِمِ الأَبِ"، فإنما تَمْتَنِعُ إضافتُه إذا قُصِدَ به الحُدُوثُ، فإن قُصِدَ به الدَّوامُ كان صفةً مُشَبَّهَةً، وانْطَلَقَ عليه اسْمُها، وجَازَ إضافتُه إلى ما هو فاعِلٌ في المَعْنَى، أما اسْمُ الفَاعِلِ المُتَعَدِّي لأَكْثَرَ من واحِدٍ، فلا يُضَافُ لمَرْفُوعِه اتِّفاقًا[22]، وأَجَازَ ابْنُ مَالِكٍ[23] في اسْمِ الفَاعِلِ المُتَعَدِّي لواحِدٍ أن يُضَافَ إلى مَرْفُوعِه إن لم يَلْتَبِسْ فاعلُه بمَفْعُولِه؛ نَحْوُ: مَرَرْتُ برجلٍ ضاربِ الأَبِ زَيْدًا، أي: ضاربٌ أبوه زيدًا؛ والحاصِلُ من ذلك أنك إذا أَرَدْتَ ثُبُوتَ الوَصْفِ، قلتَ: حَسَنٌ، ولا تَقُولُ: حَاسِنٌ، وإن أردتَ حُدُوثَه قلتَ حاسِنٌ، ولا تَقُولُ حَسَنٌ[24]؛ ولهذا اطَّرَدَ تحويلُ الصِّفَةِ المُشَبَّهَةِ إلى فاعلٍ في قوله تعالى: {وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ} [هود: 12]، عند قَصْدِ النصِّ على الحُدُوثِ[25]، فإن قُصِدَ بالصِّفَةِ المُشَبَّهَةِ مَعْنَى الحُدُوثِ حُوِّلَتْ إلى فاعِلٍ، وإن قُصِدَ ثُبُوتُ مَعْنَى اسْمِ الفَاعِلِ، عُومِلَ مُعَامَلَةَ الصِّفَةِ المُشَبَّهَةِ، ولو كان مِن مُتَعَدٍّ، إن أُمِنَ اللَّبْسُ[26].



قال ابْنُ النَّاظِمِ[27]: "ولو قُصِدَ بالصِّفَةِ المُشَبَّهَةِ مَعْنَى الحُدُوثِ حُوِّلَتْ إلى بِنَاءِ اسْمِ الفَاعِلِ، واسْتُعْمِلَتْ اسْتِعْمالَهُ؛ كقولك: زَيْدٌ فارِحٌ أَمْسِ وجامِعٌ غدًا"؛ ومِن ذلك قولُه تعالى: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ} [الزمر: 30]؛ لأنّه أُرِيدَ الصِّفَةُ الثابتةُ، أي: إنكَ مِنَ المَوْتَى، وإن كنتَ حَيًّا؛ كما يُقالُ: إنّكَ سَيِّدٌ، فإذا أُرِيدَ أنكَ سَتَمُوتُ أو سَتَسُودُ، قيلَ: مائِتٌ وسائِدٌ"[28].

قال الزَّمَخْشَرِيُّ[29] "والفَرْقُ بين المَيِّتِ والمائِتِ أن المَيِّتَ كالحَيِّ صفةً ثابتَةً ، وأمّا المائتُ، فيَدُلُّ على الحُدُوثِ، تَقُولُ: زيدٌ مائتٌ الآنَ، ومائتٌ غدًا، ونَحْوُهما: ضَيِّقٌ وضائِقٌ، وقُرِئ: {ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَائِتُونَ} [المؤمنون: 15] بالأَلِفِ، يُرِيدُ حُدُوثَ الصِّفَةِ".

وقد يَأتي اسْمُ الفَاعِلِ على (فُعَلَة) بفَتْحِ العين؛ نَحْوُ: حُطَمَةٍ، وضُحَكَةٍ، وهُمَزةٍ، ولُمَزةٍ، للَّذي يَفْعَلُ ذلك بغَيْرِه، واسْمُ المَفْعُولِ بسُكُونِها؛ قال ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: "ما جاءكَ مِن هذا البابِ على (فُعَلَة) فهو الفاعل، وما جاءكَ على (فُعْلَة) فهو المَفْعُولُ"[30].

وقد يَأْتي (فاعِل)[31] بمَعْنَى ذِي كَذا، في "الصِّحَاحِ": رَجُلٌ خَابِزٌ: ذو خُبْزٍ، وتامِرٌ: ذو تَمْرٍ، ولَابِنٌ: ذو لَبَنٍ، ودَارِعٌ: ذو دِرْعٍ، ونابِلٌ: ذو نَبْلٍ.


وفي "نَوَادِرِ أبي زَيْدٍ": "يُقالُ: القومُ سامِنونَ زابِدُونَ، أي: كَثُرَ سَمْنُهم وزُبْدُهم"، وفي "أَدَبِ الكاتبِ" لِابْنِ قُتَيْبَةَ: "رجلٌ شاحِمٌ لاحِمٌ: ذو شَحْمٍ ولَحْمٍ".

وإن كان الفِعْلُ الثُّلاثِيُّ قدِ اعْتَلَّتْ عَيْنُه؛ نَحْوُ: "قَامَ وبَاعَ"، تُبْدَلُ الهَمْزَةُ مِنَ الياءِ والواوِ إذا وَقَعَتَا عَيْنَيْنِ في اسْمِ الفَاعِلِ، بعدَ أَلِفٍ زائدةٍ؛ نَحْوُ "قائم وبائع" فتَحَرَكَّتِ الواوُ والياءُ في قَاوِم وبايِع، وقبلَهما فَتْحَةٌ، وليس بينَهما وبينَها حاجِزٌ إلّا الألفَ الزائدةَ، وهي حاجزٌ غَيْرُ حَصِينٍ، فاعْتَلَّتِ الواوُ والياءُ في اسْمِ الفَاعِلِ حَمْلًا على الفِعْلِ، فقُلِبَتا أَلِفًا، فاجْتَمَعَ ساكِنَانِ، فأُبْدِلَ مِنَ الثانيةِ همزةً، فإن صَحَّ حَرْفُ العِلَّةِ في الفِعْلِ صَحَّ في اسْمِ الفَاعِلِ، نَحْوُ "عاوِر" المَأْخُوذِ مِنْ (عَوِرَ)، ولا يَجُوزُ اللَّفْظُ بالأصلِ في "قائمٍ وبائعٍ ونَحْوِهما"، فلا يُقالُ: "قاوِم"، ولا "بايِع"[32].



صَوْغُ اسْمِ الفَاعِلِ مِنْ غَيْرِ الثُّلاثِيِّ:


بِزِنَةِ المضارِعِ منه بعدَ زيادةِ مِيمٍ مَضْمُومَةٍ في أَوَّلِهِ، وبكَسْرِ ما قبلَ آخِرِه[33] مطلقًا؛ نَحْوُ: قاتَلَ يُقَاتِلُ فهو مُقاتِلٌ، ودَحْرَجَ يُدَحْرِجُ فهو مُدَحْرِجٌ، وشذَّ الفَتْحُ في ألفاظٍ؛ نَحْوُ: أَحْصَنَ فهو مُحْصَنٌ، فاسْتَغْنَوا بمُفْعَلٍ عن مُفْعِلٍ، وجاء الكَسْرُ على الأصلِ، ونَحْوُ: أَلْفَجَ الرجلُ فهو مُلْفَجٌ، أي: فَقِيرٌ، وفي الحديث: ((ارْحَمُوا مُلْفَجَكُم))[34]، وسُمِعَ: أُلْفِجَ مَبْنِيًّا للمَفْعُول، وعلى هذا فلا شُذوذَ، ونَحْوُ: أَسْهَبَ الرجلُ في الكلام، إذا أَكْثَرَ كلامَه وجاوَزَ الحَقَّ، فهو مُسْهَبٌ بالفَتْحِ، ومن ذلك[35]: أعَمَّ وأخْوَلَ، إذا كَثُرَتْ أَعْمَامُه وأَخْوَالُه، فهو مُعَمٌّ ومُخْوَلٌ. وقال الأَزْهَرِيُّ[36]: يُقالُ: أَنْتَجَتِ الناقةُ إذا اسْتَبَانَ حَمْلُها فهي نَتُوجٌ، ولا يُقال مُنْتِجٌ على الأصلِ، وهو القياسُ، إلّا أن العربَ اسْتَغْنَتْ عنه بـ (نَتُوج)، ويُقال: أَحْصَرَتِ الناقةُ إذا ضاق مَجْرَى لَبَنُها فهي حَصُورٌ.

وقد يَأتي الشيءُ مَرَّةً بلَفْظِ المَفْعُولِ، ومَرَّةً بلَفْظِ الفَاعِلِ، والمَعْنَى واحِدٌ، تَقُولُ العَرَبُ[37]: "عَبْدٌ مُكاتِبٌ، ومُكاتَبٌ"، و"مكانٌ عامِرٌ، ومَعْمُورٌ"، "ومَنْزِلٌ آهِلٌ ومَأْهُولٌ".

ورُبَّما اسْتُغْنِيَ عن (مُفْعِل)[38] بفاعِلٍ، قالوا: أَيْفَعَ الغُلَامُ، إذا شَبَّ، فهو يافِعٌ، والقياسُ مُوفِعٌ، وسُمِعَ يَفَعَ الغلامُ مِنَ الثُّلاثِيِّ، ويُقالُ: أَوْرَقَ الشَّجَرُ فهو وارِقٌ، والقياسُ مُورِقٌ، وأَوْرَسَ الشجرُ إذا اخْضَرَّ وَرَقُه، فهو وارِسٌ، وجاء مُورِسٌ قليلًا، وأَعْشَبَ فهو عاشِبٌ.

وشَذَّ أيضًا: أَمْحَلَ البَلَدُ، إذا قَحَطَ فهو ماحِلٌ، وأَلْقَحَتِ الرِّيحُ[39] فهي لاقِحةٌ؛ قال تعالى: {وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ}[40].

وقد يُسْتَغنَى أيضًا عن فاعِلٍ بمُفْعِلٍ، قالوا: حَبَّه فهو مُحِبٌّ[41]، ولم يَقُولوا حابٌّّ.

كما اسْتَغْنَوْا عن (مُفْعَل) بمَفْعُولٍ فيما له ثلاثيٌّ؛ نَحْوُ: أَحَبَّه فهو مَحْبُوبٌ، ونَدَرَ: مُحَبٌّ.

وقد جاء (فاعِل) في مَوْضِعِ مَفْعُولٍ، نَحْوُ: "ماءٌ دافِقٌ"[42]، أي: مَدْفُوقٌ، و"عِيشَةٌ رَاضِيةٌ"، أي: مَرْضِيَّةٌ.

وكذا يَكونُ اسْمُ الفَاعِلِ بوَزْنِ المَفْعُولِ؛ كقوله تعالى: {إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا} [مريم: 61]؛ أي: آتِيًا، قال الرَّضِيُّ[43]: "والأَوْلى أنه مِنْ أَتَيْتُ الأمْرَ؛ أي: فَعَلْتُهُ، فالمَعْنَى::إِنَّهُ كان وَعْدُه مَفْعُولًا كما في الآيةِ الأخْرَى".

وقد يَأتي اسْمُ الفَاعِلِ مَقَامَ المَصْدَرِ[44]؛ نَحْوُ: قُمْ قائمًا، أي: قيامًا؛ قال الرَّاجِزُ[45]:




قُمْ قائمًا، قُمْ قائما لَقِيتَ عَبْدًا نائما





وقد جاء المَصْدَرُ[46] على فَاعِلَة؛ نَحْوُ: باقِيةٍ بمَعْنَى بَقَاءٍ؛ {فَهَلْ تَرَى لَهُم مِّن بَاقِيَةٍ} [الحاقة: 8]، وطاغِيَةٍ بمَعْنَى الطُّغْيَانِ.

قال أَبُو حَيَّانَ[47]: "مِنْ بَاقِيَةٍ"؛ أي: من بقاءٍ، مَصْدَرٌ على فاعِلَةٍ، كالعاقِبَةِ.

وقال أَبُو حَيَّانَ[48] - في قوله تعالى: {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ}- جَوَّزُوا أن تَكُونَ (خائنة) مَصْدَرًا كالعاقبة، أي: يَعْلَمُ خيانةَ الْأَعْيُنِ.


وقال ابنُ جِنِّي[49] "فيَجُوزُ أن يَكونَ مَصْدَرًا، أي: خِيانةً منهم".

وقال ابنُ جِنِّي[50]: "مَرَرْتُ به خاصَّةً، أي: خُصُوصًا، مِنَ المَصَادِرِ التي على فاعِلَة".

وقال أَبُو حَيَّانَ[51] في قوله تعالى: {فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ} [الحاقة: 5]: "وقِيلَ: الطَّاغِيَةُ مَصْدَرٌ؛ كالْعاقِبَةِ، ويَدُلُّ عليه: {كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا}.

وقال تعالى: {إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا}، قال الزَّمَخْشَرِيُّ[52]: "النَّفْسُ النَّاشِئَةُ مَصْدَرٌ، مِن نَشَأَ، إذا قام ونَهَضَ على (فاعِلَة) كالعاقِبة".

وقد يُوضَعُ المَصْدَرُ مَقامَ اسْمِ الفَاعِلِ، نَحْوُ: رجلٌ عَدْلٌ، أي: عادِلٌ، وماءٌ غَوْرٌ، أي: غائِرٌ، وجاء رَكْضًا، أي: راكِضًا؛ قال أَبُو حَيَّانَ[53]: {وَأَنْزَلَ الفُرْقَانَ}، الفُرْقانُ: مَصْدَرٌ في الأَصْلِ، وأُرِيدَ به اسْمُ الفَاعِلِ، أيِ: الفَارِقُ".

وقال تعالى: {لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا}،كَرْهًا: مَصْدَرٌ يَقَعُ بمَعْنَى اسْمِ الفَاعِلِ؛ أي: كارِهاتٍ[54].

وجاء أسماءٌ بمَعْنَى اسْمِ الفَاعِلِ، نَحْوُ: "حَسْبُنا اللهُ" بمَعْنَى المُحْسِبِ، أيِ: الْكَافِي، قال أَبُو حَيَّانَ[55]: ألَا تَرَى أنه يُوصَفُ به، تَقُولُ: مَرَرْتُ برجلٍ حَسْبِكَ مِنْ رجلٍ؛ أي: كافِيكَ، فتَصِفُ به النَّكِرَةَ؛ إذْ إضافتُه غَيْرُ مَحْضَةٍ؛ لِكَونِه في مَعْنَى اسْمِ الفَاعِلِ غَيْرِ الماضي المُجَرَّدِ مِنْ أَلْ، فلا يَتَعَرَّفُ بالإضافةِ.

وقد يُقالُ: لماذا سُمِّيَ "اسْمُ الفَاعِلِ" بلَفْظِ الفَاعِلِ، الذي هو وَزْنُ اسْمِ الفَاعِلِ منَ الثُّلاثِيّ، ولم يَقُولوا: "اسْمُ المُفْعِل" إذا كان مِن غَيْرِ الثُّلاثِيِّ؛ قال ابنُ الحَاجِبِ[56]: "إنما سُمِّيَ اسْمُ الفَاعِلِ بلَفْظِ الفَاعِلِ لِكَثْرَةِ الثُّلاثِيِّ، فَجَعَلُوا أَصْلَ البابِ له، فلم يَقُولوا: "المُفْعِل" ولا "المُسْتَفْعِل"؛ ولأنهم أَطْلَقُوا اسْمَ الفَاعِلِ على مَنْ لم يَفْعَلِ الفِعْلَ؛ كالمُنْكَسِرِ، والمُتَدَحْرِجِ، والجَاهِلِ، والضَّامِرِ".



الثُّبُوتُ والحُدُوثُ في اسْمِ الفَاعِلِ:


ذَكَرَ النُّحَاةُ أنَّ اسْمَ الفَاعِلِ هو ما دَلَّ على الحُدُوثِ، وأنَّ الصِّفَةَ المُشَبَّهَةَ ما اشْتُقَّتْ من فِعْلٍ لازِمٍ على مَعْنَى الثُّبُوتِ[57]، ومُقْتَضَى ذلك أن التفريقَ بين اسْمِ الفَاعِلِ والصِّفَةِ المُشَبَّهَةِ قائمٌ على الحُدُوثِ وَضْعًا في اسْمِ الفَاعِلِ، وعلى الثُّبُوتِ وَضْعًا في الصِّفَةِ المُشَبَّهَةِ، ولكنَّ الواقعَ غَيْرُ ذلك، فقد رَأَيْنا كثيرًا ممّا جاء على فاعلٍ يَدُلُّ على الثُّبُوتِ، وبعضًا مِنَ الصِّفَةِ المُشَبَّهَة يَدُلُّ على الحُدُوثِ، وقد ذَكَرَ النَّحْوِيُّونَ هذا:

قال الشَّيْخُ يَس[58]: "وكثيرًا ما يُسْتَعْمَلُ اسْمُ الفَاعِلِ مِنْ غَيْرِ إِفادَةِ التَّجَدُّدِ والحُدُوثِ؛ كما في "اللهُ عالِمٌ"، وغَيْرِ ذلك".

وقال الجُرْجَانِيُّ[59]: "فإذا قلتَ: "زَيْدٌ مُنْطَلِقٌ"، فقد أَثْبَتَّ الانْطِلاقَ فِعْلًا له مِن غَيْرِ أن تَجْعَلَهُ يَتَجَدَّدُ، ويَحْدُثُ منه شيئًا فشيئًا، بل يَكونُ المَعْنَى فيه كالمَعْنَى في قولك: زيدٌ طويلٌ، وعَمْرٌو قَصِيرٌ".

وقال أَبُو حَيَّانَ[60]: "المضارِعُ - فيما ذَكَرَ البَِيَانِيُّونَ - مُشْعِرٌ بالتَّجَدُّدِ والحُدُوثِ بخلاف اسْمِ الفَاعِلِ؛ لأنه عندَهم مُشْعِرٌ بالثُّبُوتِ".

ولذا جاء قولُه تعالى: {أَوَ لَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ}.


فجاءَ باسْمِ الفَاعِلِ (صَافَّاتٍ)؛ لأنَّ الأصلَ في الطَيَرانِ هو صَفُّ الأَجْنِحَةِ، وجاء بالمضارِع (يَقْبِضْنَ)؛ لأن القَبْضَ طارئٌ على البَسْطِ، بمعني أنهنَّ صافاتٌ، ويَكونُ القَبْضُ منهنَّ تارةً بعدَ تارةٍ؛ ذلك لأن المضارعَ هنا للتَّجَدُدِ والحُدُوثِ، بخلاف اسْمِ الفَاعِلِ - صَافَّاتٍ - الدَّالِّ على الثُّبُوتِ[61].

وقال أَبُو حَيَّانَ - في قوله تعالى: {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً} [البقرة: 30]- "وجَعَلَ الخَبَرَ اسْمَ فاعلٍ؛ لأنه يَدُلُّ على الثُّبُوتِ دونَ التَّجَدُدِ شيئًا فشيئًا"[62].

وقال - في قوله تعالى: {واللهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ} [البقرة: 72] – "أَتَى باسْمِ الفَاعِلِ لأنه يَدُلُّ على الثُّبُوتِ، ولم يأتِ بالفِعْلِ الذي هو دَالٌّ على التَّجَدُّدِ والتِّكْرَارِ إِذْ لا تَجَدُّدَ فيه"[63].

وقال - في قوله تعالى: {إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ} [البقرة: 14] – "أَتَى باسْمِ الفَاعِلِ الذي يَدُلُّ على الثُّبُوتِ، وأنَّ الِاسْتِهْزَاءَ وَصْفٌ ثابِتٌ لَهُم"[64].

والصِّفَةُ المُشَبَّهَةُ - كذلك - لم تُوضَعْ للثُّبُوتِ دائمًا؛ قال الرَّضِيُّ[65]: "والذي أَرَى أن الصِّفَةَ المُشَبَّهَةَ كما أنها ليست موضوعةً للحُدُوثِ، ليست أيضًا موضوعةً للثُّبُوتِ في جميعِ الأَزْمِنةِ، لأنَّ الحُدُوثَ والاسْتِمْرارَ قَيْدانِ في الصِّفَةِ، ولا دَلَالَةَ فيها عليهما، لكن لمّا أُطْلِقَ ولم يكن بعضُ الأزمنةِ أَوْلَى من بعض، كان الظاهرُ ثُبُوتَه في جميع الأزمنة إلى أن تقومَ قرينةُ التَّخْصِيصِ؛ نَحْوُ: كان هذا حسنًا فقَبُحَ".



مَعْنَى ذلك: أن الحدَّ الذي وَضَعَه النحاةُ للتفريقِ بينهما يَتَطَّرَقُ إليه اللَّبْسُ؛ لأن كثيرًا مما جاء على (فاعِل) يُفيدُ الثُّبُوتَ، لا الحُدُوثَ؛ كطاهرٍ وفاسِقٍ، وهذه الصِّفاتُ يُلْحِقُها بعضُ النُّحاةِ باسْمِ الفَاعِلِ اعْتِبارًا للصِّيغَةِ، ومنهم من يُلْحِقُها بالصِّفَةِ المُشَبَّهَةِ اعتبارًا للدَّلَالةِ، وقد يُقالُ إن العِبْرةَ بالأصلِ، لا بالفَرْعِ الطارئِ، أَعْنِي أن الأصلَ في اسْمِ الفَاعِلِ الدَّلَالَةُ على الحُدُوثِ، والثُّبُوتُ طارئٌ عليه، والأصلُ في الصِّفَةِ المُشَبَّهَةِ الثُّبُوتُ، والحُدُوثُ طارئٌ، وهذا ما جَعَلَ الرَّضِيَّ يَقولُ[66]: "ذلك لأن صِيغَةَ الفَاعِلِ مَوْضُوعَةٌ للحُدُوثِ، والحُدُوثُ فيه أَغْلَبُ".

وقد مَثَّلَ ابْنُ هِشَامٍ[67] للصفةِ المُشَبَّهَةِ بمستقيمِ الرَأْيِ، ومُعْتَدِلِ القَامَةِ، وهذا يَدُلُّ على أن اسمَ الفَاعِلِ مِن غَيْرِ الثُّلاثِيِّ يَكونُ أحيانًا صفةً مُشَبَّهَةً.

نَرَى فيما تَقَدَّمَ أن الأصلَ في الحُدُوثِ والثُّبُوتِ هو الاسْتِعْمالُ، وأن كثيرًا مِنِ اسْمِ الفَاعِلِ دالٌّ على الثُّبُوتِ، وأنه يَدُلُّ على الحُدُوثِ تارةً أخرى، وهذا يُفَسِّرُ قَولَ النُّحاةِ: "إذا قُصِدَ بالصِّفَةِ المُشَبَّهَةِ مَعْنَى الحُدُوثِ حُوِّلَتْ إلى فَاعِلٍ، وإن قُصِدَ ثُبُوتُ اسْمِ الفَاعِلِ عُومِلَ مُعامَلَةَ الصِّفَةِ المُشَبَّهَةِ"[68].

وقد ذَكَرَ النحاةُ أن الصِّفَةَ المُشَبَّهَةَ فَرْعٌ عنِ اسْمِ الفَاعِلِ في العَمَلِ، وهي بَعْضُه، وقد عَبَّرَ بعضُهم باسْمِ الفَاعِلِ على ما عُرِفَ أنه صفةٌ مُشَبَّهَةٌ، كعَظِيمٍ وطَيِّبٍ؛ قال أَبُو حَيَّانَ - في قوله تعالى: {حَلَالًا طَيِّبًا} [البقرة: 168] –: "طَيِّبًا: اسْمُ فاعل"[69].

وقال تعالى: {لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [آل عمران: 105]. "اسْمُ فاعلٍ مِن عَظُمَ، غَيْرَ مَذْهُوبٍ به مَذْهَبُ الزَّمانِ"[70].



إعمالُ اسْمِ الفَاعِلِ:


يَعْمَلُ اسْمُ الفَاعِلِ عَمَلَ فِعْلِه مُتَعَدِّيًا ولازمًا، وهو فَرْعٌ[71] مِنَ الفِعْلِ في العَمَلِ، ونَشَأَ خلافٌ بين النحاة في عَمَلِ اسْمِ الفَاعِلِ، ومَنْشَأُ الخلافِ هو حَمْلُ اسْمِ الفَاعِلِ على الفِعْلِ لَفْظًا ومَعْنًى؛ لأن طائفةً مِنَ النحاةِ تَأْخُذُ بِجَرَيَانِ اسْمِ الفَاعِلِ على الفِعْلِ في اللَّفْظِ والمَعْنَى، وطائفةً أخرى تَأْخُذُ بِجَرَيَانِه في المَعْنَى دونَ اللَّفْظِ، وتَرَتَّبَ على هذا الخلافِ خلافٌ في الفروعِ، وأَكْثَرُ النحاةِ يُعَوِّلُونَ على المُجَاراةِ اللَّفْظِيّةِ والمَعْنَوِيَّةِ؛ قال سِيبَوَيْهِ[72]: "بابٌ مِنِ اسْمِ الفَاعِلِ الذي جَرَى مَجْرَى الفِعْلِ المُضارِعِ، وذلك قولُك: هذا ضاربٌ زيدًا غدًا، فمعناه وعَمَلُه: هذا يَضْرِبُ زيدًا غدًا".

وقال[73]: "بابٌ صار فيه الفاعِلُ بمَنْزِلَةِ الذي فَعَلَ في المَعْنَى، وما يَعْمَلُ فيه، وذلك قولُكَ، هذا الضَّارِبُ زَيْدًا، فصار في مَعْنَى: الذي ضَرَبَ زيدًا وعَمِلَ عَمَلَه".

وقال ابنُ يَعِيشَ[74]: "واعْلَمْ أنَّ اسمَ الفَاعِلِ الذي يَعْمَلُ عمَلَ الفِعْلِ هو الجارِي مَجْرَى الفِعْلِ في اللَّفْظِ والمَعْنَى".

وقال الرَّضِيُّ[75]: "واسْمُ الفَاعِلِ يَعْمَلُ لمشابَهةِ الفِعْلِ لَفْظًا ومَعْنًى.

ومُقْتَضَى ذلك بُطْلَانُ عَمَلِ اسْمِ الفَاعِلِ، إذا بَطَلَتِ المُشَابَهَةُ اللَّفْظِيَّةُ والمَعْنَوِيَّةُ؛ ولذلك إذا كان اسْمُ الفَاعِلِ بمَعْنَى الماضي لا يَعْمَلُ عَمَلَ الفِعْلِ؛ لعَدَمِ جَرَيَانِه على الفِعْلِ، فهو مُشْبِهٌ له مَعْنًى لا لَفْظًا، فلا تَقَولُ: هذا ضاربٌ زَيدًا أَمْسِ، بل يَجِبُ إضافتُه.



شروطُ عمل اسْمِ الفَاعِلِ:


وَضَعَ النّحْوِيُّونَ شروطًا لِعَمَلِ اسْمِ الفَاعِلِ، وهو لا يَخْلُو مِن أن يكون مَقْرونًا بأَلْ، أو مُجَرَّدًا منها، فإن كان مُجَرَّدًا مِنْ (أَلْ) عَمِلَ عَمَلَ فِعْلِه إن كان حالًا أو مستقبَلًا؛ نَحْوُ: هذا ضاربٌ زيدًا الآنَ أو غدًا، وإنما عَمِلَ كما قُلْنا لجَرَيَانِه على الفِعْلِ الذي هو بمعناه، فضاربٌ يُشْبِهُ (يَضْرِبُ) في اللَّفْظِ والمَعْنَى؛ لأن المضارعَ للحالِ أوْ الِاسْتِقْبَالِ.

قال ابْنُ السَّرَّاجِ[76]: "تَقولُ: هذا ضاربٌ زيدًا، إذا أردتَ بضاربٍ ما أنتَ فيه، أوِ المُسْتَقْبَلَ كمَعْنَى الفِعْلِ المضارِع له، فإذا قلتَ هذا ضاربُ زيدٍ، تُرِيدُ به مَعْنَى المُضِيِّ فهو بمَعْنَى غلامِ زَيْدٍ، لم يَجُزْ فيه إلا هذا؛ يَعْنِي: الإضافةَ والخَفْضَ.



شروطٌ أخرى غَيْرُ كَونِه بمَعْنَى الحال والاستقبال:


أولاً: ألّا يُوصَفَ، ولا يُصَغَّرَ، وإنما اسْتَوَى التَّصْغِيرُ مع الصِّفَة في مَنْعِ العَمَلِ؛ لأن التَّصْغِيرَ وَصْفٌ في المَعْنَى، والوَصْفُ والتَّصْغِيرُ يَخْتَصَّانِ بالِاسْمِ، فيُبْعِدانِ الوَصْفَ عنِ الفِعْلِيَّةِ، فيَضْعُفُ العَمَلُ[77]، قال ابْنُ السَّرَّاجِ[78]: "ولا يُحَقَّرُ الاسْمُ إذا كان بمَعْنَى الفِعْلِ، نَحْوُ: هو ضُوَيْرِبٌ زَيْدًا، وإن كان ضاربَ زيدٍ؛ لِما مَضَى، فتَحْقِيرُه جَيِّدٌ".

وقال الرَّضِيُّ[79]: "ويُشْتَرَطُ في اسْمِ الفَاعِلِ والمَفْعُولِ ألّا يَكونا مُصَغَّرَينِ، ولا مَوْصُوفَينِ؛ لأن التَّصْغِيرَ والوصْفَ يُخْرِجَانِه عن تَأْوِيلِه بالفِعْلِ".

ويُعَلِّلُ السُّيُوطِيُّ عَدَمَ إعمالِ اسْمِ الفَاعِلِ المُصَغَّرِ عندَ الْبَصْرِيِّينَ، فقال[80]: "فلا يَجُوزُ: هذا ضُوَيْرِِبٌ زيدًا؛ لعدمِ وُرُودِه، ولدخولِ ما هو مِنْ خَوَاصِّ الاسْمِ عليه، فَبَعُدَ عن شَبَهِ المضارِع بتَغْيِيرِ بِنْيَتِه التي هي عُمْدَةُ الشَّبَهِ.

وأجاز الْكِسَائِيُّ[81] إعمالَ اسْمِ الفَاعِلِ المُصَغَّرِ والمَوْصُوفِ، وحَكَى عن بعضِهم: "أَظُنُّنِي مُرْتَحِلًا وسُوَيِّرًا فَرْسَخًا"، ولا حُجَّةَ له في ذلك؛ لأن (فَرْسَخًا) ظَرْفٌ يَكْتَفِي برائحةِ الفِعْلِ، والظَّرْفُ يُتَوَسَّعُ فيه.

وأَرَى أن الْكِسَائِيَّ صَرَّحَ بعَمَلِ اسْمِ الفَاعِلِ المُصَغَّرِ؛ لأن اسمَ الفَاعِلِ المُكَسَّرَ يَعْمَلُ مِثْلَ: "هؤلاءِ ضَوَارِبٌ زَيدًا"، والتَّصْغِيرُ والتَّكْسِيرُ مِن خَواصِّ الأسماء، وهما يَرُدَّانِ الأشياءَ إلى أُصولها؛ ولذا لَمَحَ الْكِسَائِيُّ هذه الصِّلَةَ بينَهما، فأجاز عَمَلَه[82].

والفَرَّاءُ[83] مَذْهَبُه مَذْهَبُ البَصْرِيِّينَ: وهو أن المُصَغَّرَ لا يَعْمَلُ، فلا تَقُولُ: هذا ضُوَيْربٌ زيدًا، بل يَجِبُ الإضافةُ، أمّا الكُوفِيُّونَ - غَيْرَ الفَرَّاءِ - فنَسَبَ في "الهَمْعِ" إعمالَ المُصَغَّرِ إليهم، قال السُّيُوطِيُّ[84]: "وقال الْكُوفِيُّونَ إلا الفَرَّاءَ، ووافَقَهمُ النَّحَّاسُ: يَعْمَلُ مُصَغَّرًا، بِناءً على مَذْهَبِهم أن المُعْتَبَرَ شَبَهُهُ الفِعْلَ في المَعْنَى لا الصُّورَةِ.

وأَجَازَ ابْنُ هِشَامٍ[85] وَصْفَ اسْمِ الفَاعِلِ بعدَ العَمَلِ، فَجَوَّزَ أن يَكونَ (يَبْتَغُونَ) مِن قَولِه تعالى: {وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ} [المائدة: 2] - نَعْتًا لآمِّينَ، ورَدَّ على أبِي البَقَاءِ مَنْعَه ذلك.

قال ابنُ عُصْفُورٍ[86]: "إنْ وُصِفَ اسْمُ الفَاعِلِ بعدَ العَمَلِ عَمِلَ، مثلُ: هذا ضارِبٌ زَيدًا عاقلٌ، وإن وُصِفَ اسْمُ الفَاعِلِ قبلَ العَمَلِ لا يَجُوزُ عملُه، فلا يُقالُ: هذا ضاربٌ عاقلٌ زَيدًا". وأَجَازَ الْكِسَائِيُّ إعمالَه إذا وُصِفَ قبلَ العَمَلِ. واحْتَجَّ بقولِ الشَّاعِرِ[87].




إذا فَاقِدٌ[88] خَطْبَاءُ[89] فَرْخَيْنِ[90] رَجَّعَتْ[91] ذَكَرْتُ سُلَيْمَى في الخَلِيطِ المُزَايلِ[92]





لأن (فَرْخَينِ) معمولٌ لفاقدٍ الموصوفِ بِـ (خَطْبَاءُ)، وأُجِيبَ بأنه مَنْصُوبٌ بِإِضْمارِ فِعْلٍ يُفَسِّرُهُ (فَاقِدٌ)، تَقْدِيرُه: فَقَدَتْ فَرْخَيْنِ؛ لأنَّ "فَاقِدٌ"[93] صفةٌ غَيْرُ جارِيةٍ على الفِعْلِ في التَّأْنِيثِ، واسْمُ الفَاعِلِ إذا لم يَجْرِ على الفِعْلِ في تذكيرِه وتأنيثِه لا يَعْمَلُ.


ثانيًا: ألّا يَكونَ بمَعْنَى الماضِي؛ وذلك لعَدَمِ تَحَقُّقِ المُجَاراةِ اللَّفْظِيَّةِ، فهو يُشْبِهُ الفِعْلَ في المَعْنَى فَقَطْ؛ قال ابنُ يَعِيشَ[94]: "وقد بَيَّنْتُ ألَّا مُضَارَعةَ بين الماضي واسْمِ الفَاعِلِ إن كان في معناه، فَلَمَّا لم يَكُن بينَهما مُضارعَةُ ما بَيْنَه وبينَ الفِعْلِ إن أُرِيدَ به الحالُ أوْ الِاسْتِقْبالُ، لم يُعْمِلُوه عَمَلَه، بل يَكونُ مضافًا إلى ما بعدَه بحُكْمِ الِاسْمِيّةِ.

وقال الرَّضِيُّ[95]: إنما اشْتُرِطَ أحدُ الزَّمَانَينِ؛ ليَتِمَّ مُشابَهةُ الفِعْلِ لَفْظًا ومَعْنًى؛ لأنه إذا كان بمَعْنَى الماضي شابَهَهُ مَعْنًى لا لَفْظًا.

وقال الشَّيْخُ خَالِدٌ[96]: "لأنه إنما عَمِلَ حَمْلًا على المضارِعِ؛ لِما بينَهما مِنَ الشَّبَهِ اللَّفْظِيِّ والْمَعْنَوِيِّ، لا الماضِي؛ لأنه لم يُشْبِهْ لَفْظَ الفِعْلِ الذي هو بمَعْناهُ، خِلافًا للْكِسَائِيِّ في إِجازةِ عَمَلِهِ بمَعْنَى الماضي".

ولا يُقالُ إن الوَصْفَ عَمِلَ[97] ماضيًا، نَحْوُ: كان زيدٌ آكِلًا طَعَامَكَ؛ لأن الأصلَ زيدٌ آكِلٌ طعامَك، فلمّا دخلتْ (كان) قُصِدَ حِكايةُ التَّرْكِيبِ السابقِ؛ ولذا قال الشَّيْخُ الخُضَرِيُّ[98]: "وإن كان بمَعْنَى الماضي لم يَعْمَلْ إلا إذا صَحَّ وُقُوعُ المُضارِعِ مَوْقِعَهُ، نَحْوُ: كان زيدٌ ضاربًا عَمْرًا أَمْسِ؛ لصحَّةِ: كان زيدٌ يَضْرِبُ، بِخِلافِ هذا ضاربٌ زيدًا أَمْسِ؛ لعدمِ صِحَّةِ يَضْرِبُ بَدَلَه.

وأجاز الكِسَائِيُّ وابنُ مَضَاءٍ وهِشَامٌ الضَّرِيرُ أن يَعْمَلَ اسْمُ الفَاعِلِ بمَعْنَى الماضي مطلقًا؛ كما يَعْمَلُ بمَعْنَى الحال والاستقبالِ سواءً، وتَمَسَّكَ بِجَوَازِ نَحْوِ: زيدٌ مُعْطِي عَمْرٍو أَمْسِ دِرْهَمًا، وقال الجمهورُ فيه: هو منصوبٌ بفِعْلٍ مدلولٍ عليه باسْمِ الفَاعِلِ، كأنه لمّا قال: (مُعْطِي عَمْرٍو) قيل: وما أَعْطَي قال دِرْهَمًا، أي: أَعْطَاهُ دِرْهَمًا[99].

قال الفَارِسِيُّ[100]: "كان أبو بَكْرٍ يقولُ في قولهم: "هذا مُعْطِي زيدٍ الدِّرْهمَ أَمْسِ": إنَّ الدِّرْهمَ يَنْتَصِبُ بمُضْمَرٍ يَدُلُّ عليه (مُعْطِي)، ولا يَكُونُ أَنْ يَنْتَصِبَ بـ (مُعْطِي)؛ لأنه ماضٍ".

وذَهَبَ السِّيرَافِيُّ، والأَعْلَمُ، والشَّلَوْبِينُ إلى أن (دِرْهمًا) منصوبٌ بـ (مُعْطٍ) المذكورِ، وإن كان ماضيًا؛ لقُوَّةِ شَبَهِهِ هنا بالفِعْلِ مِن حيثُ طَلَبُه ذلك المعمولَ[101].

واحْتَجَّ الْكِسَائِيُّ[102] أيضًا بقوله تعالى: {وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ} [الكهف: 18].

ولا حُجَّةَ له فيه؛ لأنه حكايةُ حالٍ ماضيةٍ، ومَعْنَى حكايةِ الحالِ الماضيةِ: أن تُقَدِّرَ نَفْسَكَ كأنكَ موجودٌ في ذلك الزمانِ، أو تُقَدِّرَ ذلك الزمانَ كأنه موجودٌ الآنَ، فالمقصودُ بحكايةِ الحالِ حكايةُ المَعَانِي الكائنةِ حِينَئِذٍ، لا الألفاظِ؛ ولذا قال تعالى: {وَنُقَلِّبَهُمْ} بالمضارِعِ الدَّالِّ على الحالِ، ولم يَقُلْ "وَقَلَّبْناهُمْ" بالماضي.


وقال بعضُهم[103]: لا حاجةَ إلى تَكَلُّفِ حكايةِ الحالِ؛ لأن حالَ أهلِ الكَهْفِ مُسْتَمِرٌّ إلى الآنَ، فيَجُوزُ أن يُلاحَظَ في (باسِطٌ) الحالُ، فيكونُ عاملًا.

ويَدُلُّ على بُطْلانِ مَذْهَبِ الْكِسَائِيِّ في إعمال اسْمِ الفَاعِلِ بمَعْنَى الماضي - وَصْفُه بالْمَعْرِفَةِ في قول الشَّاعِرِ النَّابِغَةِ الذُّبْيَانِيِّ يَعْتَذِرُ للنُّعْمَانِ[104].



لَئِنْ كُنْتَ قَدْ بُلِّغْتَ عنِّي خِيانةً لَمُبْلِغُكَ الوَاشِي أَغَشُّ وَأَكْذَبُ





لأن (مُبْلِغُكَ) بمَعْنَى الماضي، والواشي: صِفَتُه، ولو عَمِلَ (مُبْلِغُ) لم يَتَعَرَّفْ، بل كان نَكِرَةً؛ لأن اسمَ الفَاعِلِ بمَعْنَى الماضي إضافتُه مَحْضَةٌ، وتُفِيدُ التَّعْرِيفَ.

وَيَنْبَغِي أن يُعْلَمَ أن مَحَلَّ الخلافِ في عَمَلِ اسْمِ الفَاعِلِ الماضي المجرَّدِ مِن (أل) بالنسبةِ إلى نَصْبِه المَفْعُولَ، أمّا رَفْعُه الفاعِلَ، فإن كان ضَمِيرًا بارزًا، أو مُسْتَتِرًا رفَعَه اتفاقًا بلا خلافٍ، وإن كان ظاهرًا فذَهَبَ بعضُهم إلى أنه لا يَرْفَعُهُ، وبه قال ابْنُ جِنِّي والشَّلَوْبِينُ، وذَهَبَ قومٌ إلى أنه يَرْفَعُه، وهو ظاهرُ كلام سِيبَوَيْهِ، واختاره ابنُ عُصْفُورٍ.

وشَرْطُ عَمَلِ اسْمِ الفَاعِلِ الرفْعَ في الفَاعِلِ الظاهرِ -: الاعْتِمادُ، لا كَوْنُه بمَعْنَى الحالِ أوْ الِاسْتقبالِ؛ قال الرَّضِيُّ[105]: "إنما اشْتُرِطَ فيه الحالُ والاستقبالُ للعَمَلِ في المَفْعُول لا الفَاعِلِ؛ لأنه لا يَحْتاجُ في الرَّفْعِ إلى شَرْطِ زَمَانٍ.

أما عَمَلُ اسْمِ الفَاعِلِ النَّصْبَ، فيُشْتَرَطُ فيه اجْتِماعُ الِاعْتِمادِ وكَوْنُه بمَعْنَى الحالِ أوْ الِاسْتِقْبالِ.

قال الشَّيْخُ خالِدٌ[106]: "اشْتِراطُ الجمهورِ الاعتمادَ وكَوْنَ الوَصْفِ بمَعْنَى الحالِ والاستقبالِ إنما هو للعَمَلِ في المنصوبِ، لا لمُطْلَقِ العَمَلِ؛ بدَلِيلَينِ:


أَحَدُهما: أنه يَصِحُّ "زيدٌ قائمٌ أبوه أَمْسِ".

والثاني: أنهم لم يَشْتَرِطُوا أن يَحْسُنَ إعْمالُه عَمَلَ الفِعْلِ إلّا في هذه المواضِعِ.

وقال: "وقد قالوا: أقائمٌ أَخَوَاكَ، وأَذَاهِبٌ إِخْوَتُكَ، وما ذاهِبٌ إِخْوَتُكَ، فأَعْمَلُوا اسمَ الفَاعِلِ لمّا تَقَدَّمَ كلامٌ أُسْنِدَ إليه، وإنْ لم يَكُنْ أَحَدَ تلكَ الأشياءِ التي تَقَدَّمَ ذِكْرُها، فجعلوا هَمْزَةَ الاستفهامِ وحرفَ النَّفْيِ بمَنْزَلَةِ المَوْصُوفِ: نَحْوُ: مَرَرْتُ برجلٍ قائمٍ أَخَواهُ".

وقال الرَّضِيُّ[107]: "اعْلَمْ أن اسمَ الفَاعِلِ والمَفْعُولِ مع مُشَابَهَتِهِما للفِعْلِ لَفْظًا ومَعْنًى لا يَجُوزُ أن يَعْمَلا في الفَاعِلِ والمَفْعُولِ ابتداءً كالفِعْلِ؛ لأنَّ طَلَبَهما لهما، والعَمَلَ فيهما على خِلافِ وَضْعِهما؛ لأنهما وُضِعا على ما ذَكَرْنا للذَّاتِ المُتَّصِفَةِ بالمَصْدَرِ، والذَّاتُ التي حالُها هكذا لا تَقْتَضِي فاعِلًا ولا مَفْعُولًا، فاشْتُرِطَ للعَمَلِ إمّا تَقْوِيتُهما بذِكْرِ ما وُضِعا مُحتاجَينِ إليه، وهو ما يُخَصِّصُهما؛ كرجلٍ ضاربٍ ومضروبٍ، وإما وُقوعُهما بعدَ حرفٍ هو بالفِعْلِ أَوْلى، كحَرْفِ الاسْتِفْهامِ والنَّفْيِ".

ومُقْتَضَى ذلك أن اسمَ الفَاعِلِ غَيْرَ المُعْتَمِدِ لا يَعْمَلُ، هذا مَذْهَبُ جمهورِ البَصْرِيِّينَ، وأَجَازَ الكُوفِيُّونَ والأَخْفَشُ إعمالَه دونَ اعتمادٍ على شيءٍ، نَحْوُ: "قائمٌ الزيدانِ"، واستدلُّوا بقوله تعالى: {وَدَانِيَةٌ عَلَيهِمْ ظِلِالُهَا} [الإنسان: 14]، في قراءةِ[108] مَن رَفَعَ (دانية) فقالوا: هو مُبْتَدأٌ، وظِلَالُها فاعلُه، ورُدَّ ذلك بجواز كَوْنِ (ظلالُها) مبتَدَأً، وخَبَرِه (دانية).

واسْتدَلَّ السُّهَيْلِيُّ[109] على إبطالِ (قائمٌ زيدٌ) دونَ اعتمادٍ، فقال: ما حُكِيَ عن بعضِ النَّحْوِيِّينَ مِن قولِهم: (قائمٌ زيدٌ) أن (قائمٌ) مبتدأٌ، و(زيدٌ) فاعلٌ، فقد قدَّمْنا أن هذا باطلٌ في القِياسِ؛ لأن اسمَ الفَاعِلِ اسمٌ مَحْضٌ، واشْتِقَاقَه مِنَ الفِعْلِ لا يُوجِبُ له عَمَلَ الفِعْلِ، ولكن إنَّما يَعْمَلُ إذا تَقَدَّمَ ما يَطْلُبُ الفِعْلَ، فيَقْوَى حينَئِذٍ مَعْنَى الفِعْلِ فيه، ويُعَضِّدُ هذا مِنَ السَّماعِ أنَّهم لم يَحْكُوا عنِ العَرَبِ (قائمٌ الزيدانِ) إلا على الشَّرْطِ الذي ذَكَرْناه".

وبَيَّنَ ابنُ يَعِيشَ سببَ اعتمادِ اسْمِ الفَاعِلِ على ما قبلَه فقال[110] "اسْمُ الفَاعِلِ محمولٌ على المضارِعِ في العَمَلِ؛ للمُشابَهةِ التي ذَكَرْناها، والفروعُ أبدًا تَنْحَطُّ عن درجاتِ الأصولِ، فلمّا كانتْ أسماءُ الفَاعِلِينَ فُروعًا على الأفعالِ كانتْ أَضْعَفَ منها في العَمَلِ، والذي يُؤَيِّدُ ذلك أنك تَقُولُ: "زيدٌ ضاربٌ عَمْرًا، وزيدٌ ضاربٌ لعمرٍو"، فتَكونُ مُخَيَّرًا بين أن تُعَدِّيَه بنَفْسِه، وبينَ أن تُعَدِّيَه بحَرْفِ الجَرِّ؛ لضَعْفِه، ولا يَجُوزُ مثلُ ذلك في الفِعْلِ؛ ولذلك مِنَ الضَّعْفِ لا يَعْمَلُ حتى يَعْتَمِدَ على كلامٍ قبلَه".

فاسْمُ الفَاعِلِ المُتَعَدِّي بنَفْسِه يَجُوزُ أن يُعَدَّى باللامِ؛ لضَعْفِه بسببِ فَرْعِيَّتِه للفِعْلِ، وكذلك المَصْدَرُ، تَقُولُ: "أنا ضاربٌ لزيدٍ، وأَعْجَبَنِي ضَرْبُكَ لزيدٍ"[111]، ويَظْهَرُ ممّا سَبَقَ أن اعتمادَ اسْمِ الفَاعِلِ يُقَوِّي فيه جانبَ الفِعْلِيَّةِ[112].




وللموضوع تتمة



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 187.97 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 186.03 كيلو بايت... تم توفير 1.94 كيلو بايت...بمعدل (1.03%)]