في أخطار المعاصي - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4408 - عددالزوار : 847541 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3938 - عددالزوار : 384597 )           »          مجالس تدبر القرآن ....(متجدد) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 163 - عددالزوار : 59455 )           »          المستشرقون.. طلائع وعيون للنهب الاستعماري الحلقة الثالثة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 39 )           »          السياسة الشرعية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 16 - عددالزوار : 584 )           »          العمل التطوعي.. أسسه ومهاراته (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 32 )           »          أبواب الجنة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 42 )           »          المتسولون (صناعة النصب والاحتيال) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 39 )           »          إلى كل فتاة.. رمضان بوابة للمبادرة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 41 )           »          أســـرار الصـــوم ودرجات الصائمين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 36 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 02-07-2020, 04:19 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,300
الدولة : Egypt
افتراضي في أخطار المعاصي

في أخطار المعاصي


الشيخ عبدالله بن صالح القصيِّر





الحمدُ لله العزيزِ العليم، غافرِ الذنب وقابلِ التوب، شديدِ العقاب ذي الطَّوْل، لا إله إلا هو إليه المصير، هو ربِّي لا إله إلا هو عليه توكَّلتُ وإليه مَتاب، أحْمَدُه - سبحانه - على عافيته العظيمة، ونِعمه الكريمة، وآلائه الجسيمة، التي تُجدَّد كلَّ آن، في الأبدان والأوطان والأديان.

وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحْدَه لا شريكَ له في رُبوبيَّته وأُلوهيَّته، وكماله في ذاته وصِفاته وأفعاله، فلا: ﴿ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ * هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ * وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ ﴾ [الرعد: 11 - 13].

وأشهَدُ أنَّ محمدًا عبده ورسوله، الذي حذَّر أمَّته الذنوب، وبيَّن عظيمَ خطرها على الأبدان والقلوب، وأنها تُزِيل النعمَ عن العباد، وتُورِث أنواع الفساد، وتحلُّ النِّقمَ والمصائب في البلاد، وما يَنطق عن الهوى إنْ هو إلا وحيٌ يُوحَى، صلَّى الله وسلَّم عليه وعلى آل بيته الطاهرين، وزوجاته أمَّهات المؤمنين، وخلفائه الراشدين، وعموم صحابته الأئمَّة المهديِّين.

أمَّا بعد:
فأيُّها المسلمون، اتَّقوا الله تعالى حقَّ تقواه؛ بأن تُطيعوه فلا تعصوه، وتَذْكُروه فلا تنسوه، وتشكروه فلا تَكْفروه، فإنَّكم بذلك تحفظون نعمةَ الله عليكم، وتضمنون استقرارَها لديكم، وتأخذون بأسبابِ وصول مزيد فضله وإحسانه إليكم، وتدفعون المصائبَ عنكم، وحلولَ النِّقم فيكم: ﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ﴾ [إبراهيم: 7].

أيها المسلمون:
احذروا المعاصي فإنَّها بريدُ الكفر، وموجبةٌ لسَلْب النِّعم، وداعية للنِّقم، وتنقص العمر، وتَنزِع البركة مِن الرزق، وإنَّ العبدَ ليُحرَم الرِّزقَ بالذنب يُصيبه، وهي تُظلِم القلب وتُقسِّيه، وتَحُول بينه وبيْن نورِ العلم وسبيلِ الهدى، وإنَّ المعصية لتَجرُّ صاحبها إلى معصية أخرى، قال بعضُ السلف: "إنَّ مِن عقوبة السيِّئة السيِّئةَ بعدها".

فالمعصية تُحبِّب العاصي إلى جِنسها، وتُثقل عليه الطاعة بعدها، حتى يألف الرجلُ المعاصي، ويُصبح من المُصرِّين عليها، حتى إنَّه ليفعلُ المعصية مع عِلمه بحُكمها وعظيم خطرِها، وربَّما لا يجد اللذَّة لها، ولكن الإلْف والعادة، واعتبِروا ذلك بحالِ مَن شأنهم التخلُّفُ عن الصلاة، أو الإدمانُ على المسكِرات والمخدِّرات، وأَكَلة الرِّبا، والذين يَحلِقون اللِّحَى، والمتبرِّجات، والمترجِّلات من النساء، حيث يُزيَّن لأحدهم - بسبب إصراره على المعصية - سوءُ عمله، ويَنسى عاقبة أمره بعد حلول أجله: ﴿ أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ﴾ [فاطر: 8].

فيكون ذلك مِن أسباب سوءِ الخاتمة عندَ حلول القاصمة، حين يُكشَف عنه الغِطاء، ويَظهر ما خفِي بسببِ غلبة الهوى، وإيثار الحياة الدنيا، فتجدون العصاةَ يتحسَّرون عند الموت، يقول العاصي: ﴿ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي ﴾ [الفجر: 24]، ﴿ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ ﴾ [المنافقون: 10]، ﴿ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ ﴾ [المؤمنون: 99 - 100].

ومِن أخطرِ أضرار المعاصي أيُّهَا المسلمون أنها تنزِع الحياءَ مِن نفْس العاصي، حتى يجاهِرَ بها ويعلنَها أمام الداني والقاصي، وفي الصحيحِ عنِ النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((كلُّ أمَّتي معافًى إلا المجاهرين، وإنَّ مِن المجاهرة أن يعمل الرجلُ بالليل عملاً، ثم يُصبِح وقد ستَره الله عليه، فيقول: يا فلان، عملتُ البارحةَ كذا وكذا، وقد بات يسترُه ربُّه ويُصبِح يكشِف سِترَ الله عنه))؛ متفق عليه.

وإنَّ مِن الناس مَن يفتخر بمعصيته، ويرى أنها ضرورةٌ لحاله، فلا يزال يرتكب الذنبَ بعدَ الذنبِ، حتى تهون عليه المعصية، وتصغُرَ في قلبه الخطيئة، وذلك مِن عَلامات موت القلْب وفساد الفِطرة؛ فإنَّ الذنب كلَّما صغُر في عين العاصي عظُم عند الله - عزَّ وجلَّ.

واحتقار المعصية علامةٌ مِن علامات النِّفاق، وبرهان مِن براهينه بالاتِّفاق؛ ففي الصحيح عن عبدالله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: ((إنَّ الفاجِرَ يرى ذنوبَه كذُباب وَقَع على أنفه، فقال به هَكَذا)).

واحتِقارُ الذنب واستصغارُه والتهوينُ مِن شأنه مِن أسباب الإصرار على المعصية، الذي جعَلَه الله مِن أسباب منْع المغفرة، وطمْس القلب، واتِّصافه بالغفلة؛ قال تعالى: ﴿ وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ ﴾ [النساء: 18]، وقال سبحانه: ﴿ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ﴾ [الصف: 5].

أيها المؤمنون:
إنَّ خطورةَ الاستمرار على المعاصي تَظهر ثمرتُها عندَ فراق الدنيا والإقبال على الآخِرة، حيث يُحال بيْن المرء وقلْبه في أحوج لحظة، وعندَ أعظم مصيبة، حيث تُعرَض له معاصيه التي كان مُصرًّا عليها، فيُزيّنها له الشيطانُ، فيَهذي بها، حتى تحول بيْنه وبيْن النُّطق بشهادة الحق.

ذكَر الإمام ابن القيِّم - رحمه الله تعالى -: أنَّ رجلاً حضرَه الموتُ فقيل له: قل: لا إله إلا الله، فجَعَل يَهذي بالغناء، ويَحكي صوتَ آلته، وأبَى أنْ يقول: لا إله إلا الله، وقيل لآخر: قل: لا إله إلا الله، فقال: هو كافِر بما يقول، ثم مات، وقيل لثالث: قل: لا إله إلا الله، فقال: كلَّما أردتُ أن أقولَها فلِساني يُمسِك عنها، وقيل لأحد التجَّار عند الموت: قل: لا إله إلا الله، فقال: هذه القِطْعة رخيصة، هذا المشتري جيِّد، وكان رجلٌ يُطفِّف في الوزن، فقيل له عند الموت: قل: لا إله إلا الله، فقال: إنَّه لا يستطيع أن يقولَها؛ لأنَّ كفَّة الميزان ثقيلةٌ على لسانه.

وهكذا خطَر المعاصي على أهلِها قد يُدرِكهم - إن لم يتوبوا - في الدنيا والآخرة، فتوبوا إلى الله عبادَ الله مِن كلِّ معصية، واعتذروا إليه مِن كلِّ خطيئة، فإنَّ التوبة النَّصوح يمحو الله بها السيِّئة، ويَسْتُر بها من الفضيحة، ويصرِفُ الله بها العقوبة، ويُكمِّل بها الإيمان، ويَعصِم بها من النيران، ويُورِث بها الجنان: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [التحريم: 8].

بارَك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعَنا جميعًا بما فيه من الآيات والذِّكْر الحكيم.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم، ولسائر المسلمين والمؤمنين مِن كل ذنب، فاستغفروه يغفرْ لكم، إنَّه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية
أما بعد:
الحمدُ لله وكفَى، وأسأل الله للجميعِ الهُدى والتُّقى، والعفاف والغِنَى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحْدَه لا شريكَ له، له الأسماء الحُسْنى، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله، النبي المصطَفَى، والرسول المُجتَبَى، صلَّى الله عليه وعلى آلِه وأصحابه أئمَّة أُولي التُّقى، وسلَّم تسليمًا.

أما بعد:
فأيُّها الناس، اتَّقوا الله تعالى حقَّ التقوى، واحذروا أسبابَ سخط الجبار فإنَّ أجسامكم على النار لا تَقْوَى، واعلموا أنَّ لكلِّ ذنب عقوبةً قد تُصيب المذنب، لكن لغفلته وإعراضه لا يحسُّ بها، وقد تتأخَّر عنه فيظنُّ لجهله أنَّه قد أُعْفِي منها، وقد يصرِف الله العقوبةَ بسببٍ مِن الأسباب التي جعَلَها صوارفَ للعقوبات، كالتوبةِ مِن السيئات، أو خالص الدعوات، أو المصائب المكفِّرات، أو الحسنات الماحيات، أو عفو ربِّ الأرض والسموات، فإنْ لم يصرف الله عنه العقوبةَ، فإنَّه على خطَر منها، ولو في آخِرِ العمر، أو في القبْر، أو يوم الحشْر، وفي الحديث: ((إذا أراد الله بعبدِه الشرَّ، أمسكَ عنه العقوبةَ بذنبه حتى يوافِيَ به))، والله عليم حكيم.

أيها المسلمون:
وعقوبات السيِّئات والمعاصي نوعان: عقوبة شرعيَّة دِينيَّة كالحدود؛ كجَلْد الزاني غيرِ المحصَن، ورجْم المحصَن، وقطع يَدِ السارق، وعقوبات المفسدين في الأرْض، بالقتل أو الصَّلْب، أو قطْع الأيدي والأرْجُل مِن خلاف، أو النفي من الأرض، وكذلك حدُّ القصاص وسائرِ التعزيرات المقدَّرة شرعًا، أو إجماعًا، أو اجتهادًا، ومَن لم ينلْ جزاءه في هذه الدار شرعًا، طهَّره الله بما يُصيبه من مصائبَ في نفْسه وأهله وماله؛ قال النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- في الحدود: ((فمَن أصاب شيئًا مِن ذلك فعُوقِب به في الدنيا، فهو كفَّارة له وطهور)).

فإقامةُ الحدود والتعزيرات الشرعيَّة في الدنيا تطهيرٌ لأصحابها مِن أرجاس الذنوب، ونجاةٌ لهم من عذاب الآخِرة، ومَن قُصِّر في الحُكم عليه أو تنفيذه لَحِقَه مِن العقوبة في الآخرة بقَدْر ما نقص في الدنيا، ومَن لم يُطهَّر في هذه الدنيا مِن العصاة، طُهِّر بتشديد الموت عليه، وما يُصيبه مِن عذاب القبر وأهوالِ يوم القيامة.

فإذا أُقيمَتِ العقوباتُ الشرعية في الدنيا، رَفعَتِ العقوباتِ القدريَّةَ أو خفَّفتْها، ولا يَكاد الربُّ - سبحانه - يجمع على عبده بيْن العقوبتين إلا إذا لم يَفِ أحدهما برفْع موجب الذنب، ولم يكن فيه زوالُ دائه.

أمَّا إذا عُطِّلتِ الأحكام الشرعيَّة بسببِ تحكيم القوانين الوضعيَّة، أو هوى الراعي، أو احتيال آحادِ الرعيَّة، استحالتِ العقوبات على الذنوب إلى قدريَّة كونيَّة، وربَّما كانت أشدَّ منها، وربَّما كانت دونها، ولكن الأخطر أنَّ العقوبات الكونية القدرية تعمُّ الخاصَّة والعامَّة، فلقدْ أخبر النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- أنَّ الناس إذا رأوا المنكر فلم يُغيِّروه يُوشِك أن يعمَّهم الله بعقابٍ منه، وقال تعالى: ﴿ وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾ [الأنفال: 25].

ومِن هذه العقوبات ما يُلاحظ وقوعُه عامًّا في هذه الأزمان في سائرِ الأقطار من الحروبِ الأهلية المدمِّرة، والفِتن العظيمة المحيِّرة، والجدْب، والقَحْط، والسِّنون، والفيضانات، والغَرَق الذي عمَّ كثيرًا من الدِّيار، وكذلكم الزلازل والخسْف، والرِّياح، والثلوج، فإنَّها بسببِ الجرأة على معاصِي الله، وتعطيل أحكامِ الله وحدودِه في العُصاة؛ قال تعالى: ﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ * فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الأنعام: 44 - 45]، وقال تعالى: ﴿ فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ﴾ [العنكبوت: 40]، وقال تعالى في قوم نوح: ﴿ فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ ﴾ [العنكبوت: 14]، وقال في أهلِ سبأ: ﴿ فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ * ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ ﴾ [سبأ: 16 - 17].

فهذه المصائب الجانِحة، والفِتن العامَّة هي نتيجةٌ لكفْر نِعم الله، والخروج عن طاعته، وتعطيلِ تحكيمِ شرْعه، وإقامة حدوده: ﴿ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ﴾ [فصلت: 46].

وهكذا ما يُصاب به العبدُ مِن الهمِّ والحَزَن، والقَلَق والأَرَق، والتَّعَب والمرض، وضِيق المعيشة ونقْص الحِيلة، ونحو ذلك، كلُّ ذلك قد يكون مِن العقوبات المكفِّرات، وقد يكون سببًا لرِفعة الدرجات، وقد يكون من العِبَر والعِظات، التي يُنذِر الله بها العصاة؛ يقول تعالى: ﴿ وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ ﴾ [الشورى: 30].

﴿ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾ [البقرة: 201].

عباد الله:
﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ [النحل: 90].

فاذكروا الله العظيم الجليل يذكرْكم، واشكروه على نِعمه يزدْكم، ولَذِكْرُ الله أكبر، والله يعلم ما تَصْنعون.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 65.35 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 63.47 كيلو بايت... تم توفير 1.88 كيلو بايت...بمعدل (2.88%)]