توحيد الحاكمية - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 12495 - عددالزوار : 213317 )           »          أطفالنا والمواقف الدموية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »          عشر همسات مع بداية العام الهجري الجديد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          وصية عمر بن الخطاب لجنوده (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          المستقبل للإسلام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 9 )           »          انفروا خفافاً وثقالاً (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 9 )           »          أثر الهجرة في التشريع الإسلامي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          مضار التدخين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          متعة الإجازة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          التقوى وأركانها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 9 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام

الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 11-07-2020, 04:00 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,873
الدولة : Egypt
افتراضي توحيد الحاكمية

توحيد الحاكمية
الشيخ د. علي ونيس





الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فقد تنوعت عبارات علماء أهل السنة في التعبير عن أنواع التوحيد، ولكنها مع ذلك التنوع متفقة في المضمون، ولعل السبب في ذلك هو أن تلك التقسيمات لم يرد بها نص صريح، وإنما هي مأخوذة من استقراء النصوص؛ ولذلك فمن العلماء - كابن أبي العز في (شرح الطحاوية) (ص: 76) - من قسَّم التوحيد إلى ثلاثة أقسام، وهي:
1 - توحيد الربوبية.
2 - توحيد الأسماء والصفات.
3 - توحيد الألوهية.

ومن المتأخرين من زاد قسمًا رابعًا على الأقسام الثلاثة السابقة، وسماه:
4 - توحيد الحاكمية؛ (أي: التحاكم إلى الكتاب والسنة).

وقد رد كثير من العلماء جعل (الحاكمية) من أقسام التوحيد، وأنه في الحقيقة داخل ضمن توحيد الألوهية؛ لأن العبادة لا تقبل شرعًا إلا بشرطين، هما:
1 - الإخلاص.
2 - الاتباع.

كما قال تعالى: ﴿ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ﴾ [الكهف: 110].

وبناءً على هذين الشرطين لقبول العمل، لا حاجة بنا إلى إضافة (توحيد الاتباع) إلى أقسام التوحيد؛ لأن الاتباع شرط في قبول العمل، وليس قسمًا خاصًّا من أقسام التوحيد.

ومن العلماء من قسم التوحيد إلى قسمين، وهذا هو الأغلب في كلام أهل العلم المتقدمين؛ لأنهم يَجمعون بين توحيد الربوبية وتوحيد الأسماء والصفات، وذلك بالنظر إلى أنهما يشكلان بمجموعهما جانب العلم بالله ومعرفته عز وجل، فجمعوا بينهما لذلك، بينما توحيد الألوهية يشكل جانب العمل لله.

ومن العلماء من يقول: التوحيد قسمان، كما ذكره ابن القيم في كتابه (مدارج السالكين) (3/ 449):
القسم الأول: توحيد المعرفة والإثبات: ويريد به توحيد الربوبية وتوحيد الأسماء والصفات، وسُمِّي بتوحيد المعرفة؛ لأن معرفة الله عز وجل إنما تكون بمعرفة أسمائه، وصفاته، وأفعاله.

والإثبات: أي إثبات ما أثبته الله لنفسه من الأسماء والصفات والأفعال.

القسم الثاني: توحيد القصد والطلب: ويراد به الألوهية، وسُمِّي بتوحيد القصد والطلب؛ لأن العبد يتوجَّه بقلبه ولسانه وجوارحه بالعبادة لله وحده، رغبة ورهبة، ويقصد بذلك وجه الله، وابتغاء مرضاته.

ولا يكمُلُ لأحد توحيده إلا باجتماع أنواع التوحيد بتقسيماته المختلفة، فهي متكافلة متلازمة يكمل بعضها بعضًا، ولا يمكن الاستغناء ببعضها عن الآخر، فلا ينفع توحيد الربوبية بدون توحيد الألوهية، وكذلك لا يصح ولا يقوم توحيد الألوهية بدون توحيد الربوبية، وكذلك توحيد الله في ربوبيته وألوهيته لا يستقيم بدون توحيد الله في أسمائه وصفاته؛ فالخلَل والانحراف في أيِّ نوع منها هو خَلَل في التوحيد كلِّه.

فمعرفة الله لا تكون بدون عبادته، والعبادة لا تكون بدون معرفة الله؛ فهما متلازمان.

فمن أقر بتوحيد الربوبية وعلم أن الله سبحانه هو الرب وحده لا شريك له في ربوبيته - لزمه من ذلك أن يُفرِدَ الله بالعبادة وحده سبحانه وتعالى؛ لأنه لا يصلُحُ أن يُعبَد إلا من كان ربًّا خالقًا، مالكًا مدبرًا، وما دام كله لله وحده وجب أن يكون هو المعبودَ وحده.

ولهذا جرت سنة القرآن الكريم على سَوْقِ آيات الربوبية مقرونةً بآيات الدعوة إلى توحيد الألوهية، ومن أمثلة ذلك:
قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 21، 22].

وأما توحيد الألوهية فهو متضمن لتوحيد الربوبية؛ لأن من عبَد الله ولم يشرك به شيئًا فهذا يدل ضمنًا على أنه قد اعتقد بأن الله هو ربه ومالكه الذي لا رب غيره.

وهذا أمر يشاهده الموحد من نفسه؛ فكونه قد أفرد الله بالعبادة ولم يصرف شيئًا منها لغير الله، ما هو إلا لمعرفته وتحققه بتوحيد الربوبية، وأنه لا رب ولا مالك ولا متصرف إلا الله وحده.

وأما توحيد الأسماء والصفات فهو شامل للنوعين معًا؛ وذلك لأنه يقوم على إفراد التوجه والاعتراف لله تعالى بكل ما له من الأسماء الحسنى والصفات العلى التي لا تنبغي إلا له سبحانه وتعالى، والتي من جملتها: الرب - الخالق - الرازق - الملك، وهذا هو توحيد الربوبية، والعمل بمقتضى هذه الأسماء هو توحيد الألوهية.

هذه هي طرق العلماء في تقسيم التوحيد بوجه عام، ولا خلاف بين العلماء في مضمونها، وإن اختلفوا في تقسيمها، والتقسيم مجرد اصطلاح، ولا مشاحة في الاصطلاح؛ كما يقول الأصوليون.

فلا ينبغي أن يكون الخلاف في هذه المسألة من دواعي التكفير والتفسيق والتبديع؛ لأنها مسألة تعليمية، ولو قسم التوحيد باحث أو عالم إلى أي تقسيم آخر، شريطة أن يلتزم المعاني التي دل عليها تقسيم السلف - فلا إشكال في ذلك؛ لأنه لا يُقصَد بالتقسيم التعبُّدُ به في ذاته، وإنما يقصد بالتقسيم التفهيم.

وخلاصة الكلام: أن تقسيم التوحيد إلى ثلاثة أقسام أفضل تقسيم، وأوضحه، وأجمعه، لكن لو قسم بغير هذا التقسيم لما كان فيه بأس، وشأن التوحيد في ذلك شأن جميع العلوم التي وضعوا لها اصطلاحات حادثة بحسب معانيها.

وممن نص على أن أقسام التوحيد ثلاثة: ابن تيمية - رحمه الله - وليس هو من ابتدأ هذا التقسيم كما يزعم البعض، بل سبقه إليه عدد من العلماء؛ فقد ورد في كلام ابن جرير الطبري، وفي كلام ابن بطة العكبري، وغيرهما من السابقين على شيخ الإسلام ابن تيمية، وحتى لو سلمنا جدلًا أنه أول من قال به لم يضر ذلك إذا كان المضمون صحيحًا موافقًا للكتاب والسنة.

وذكر الشيخ العلامة بكر بن عبدالله أبو زيد حفظه الله، في كتابه "التحذير من مختصرات الصابوني" (ص30) أن: "هذا التقسيم الاستقرائي لدى متقدمي علماء السلف، أشار إليه ابن منده، وابن جرير الطبري، وغيرهما، وقرره شيخا الإسلام ابن تيمية وابن القيم، وقرره الزبيدي في "تاج العروس"، وشيخنا الشنقيطي في "أضواء البيان"، في آخرين رحم الله الجميع، وهو استقراء تام لنصوص الشرع، وهو مطرد لدى أهل كل فن، كما في استقراء النحاة كلام العرب إلى اسم وفعل وحرف، والعرب لم تَفُهْ بهذا، ولم يعتب على النحاة في ذلك عاتب، وهكذا من أنواع الاستقراء"؛ انتهى.

وجاء هذا التقسيم عن أبي يوسف صاحب أبي حنيفة - رحمهما الله، كما في "كتاب التوحيد"؛ لابن منده (3/ 304 - 306)، و"الحجة"؛ للأصبهاني (1/ 111 - 113).

قال الإمام ابن بطة في كتابه "الإبانة الكبرى" (6 / 173): "وذلك أن أصل الإيمان بالله الذي يجب على الخلق اعتقاده في إثبات الإيمان به ثلاثة أشياء:
أحدها: أن يعتقد العبد إنِّيَّته؛ ليكون بذلك مباينًا لمذهب أهل التعطيل الذين لا يثبتون صانعًا.

الثاني: أن يعتقد وحدانيته؛ ليكون مباينًا بذلك مذاهب أهل الشرك الذين أقروا بالصانع وأشركوا معه في العبادة غيره.

والثالث: أن يعتقده موصوفًا بالصفات التي لا يجوز إلا أن يكون موصوفًا بها؛ من العلم والقدرة والحكمة، وسائر ما وصف به نفسه في كتابه؛ إذ قد علمنا أن كثيرًا ممن يقرِّ به ويوحده بالقول المطلق قد يلحد في صفاته، فيكون إلحاده في صفاته قادحًا في توحيده، ولأنا نجد الله تعالى قد خاطب عباده بدعائهم إلى اعتقاد كل واحدةٍ في هذه الثلاث والإيمان بها".

تفصيل القول في توحيد الحاكمية:
يُعَدُّ مفهوم الحاكمية من أهم المفاهيم المتداولة في الفكر الإسلامي المعاصر التي لقِيَت رواجًا وتداولًا على مستوى الفكر والعمل، مما جعل لهذا المفهوم والمصطلح الدال عليه موقعًا خاصًّا في الخطاب الإسلامي المعاصر، وأدار حوله الكثير من الجدل المعرفي والخلاف الفكري، وغَدَا محورًا للممارسات الدعوية والحركية، ولبنة في بناء الفكر السياسي الإسلامي المعاصر،وقد تعاملت مع هذا المفهوم جهات عديدة بوصفه مفتاحًا سحريًّا يوظفه العالِم والجاهل بقصد تقرير أحكام محددة، أو ترويج أفكار معينة،وقد استقطب الموضوع أنظار الباحثين المسلمين وغير المسلمين، واستخدمت في دراسته أساليب متنوعة في البحث والنظر.

الحاكمية لغة: حاكمية [مفرد]: مصدر صناعي[1] من حاكَم: وهو منصب الحاكم، أو وظيفته، أو لقبه الوظيفي، ويطلق عليها المعاصرون: "قضية الحاكمية"[2].

فالحاكمية مصدرٌ صناعي، لكنه يؤدي المعنى الذي يؤديه المصدر القياسي (الحكم).

ولفظ (الحاكمية) من الألفاظ المولدة، وأول من استخدمها في خطابه السياسي والديني هو العلامة الهندي الشهير أبو الأعلى المودودي، ثم أخذت عنه بعد ذلك وانتشرت وذاعت.

فقد بحث المودودي فكرة الحاكمية في إطار المسائل الأساسية للدستور الإسلامي، وتعرَّض للحاكمية في أول المسائل التي أثارها، باعتبارها مفتاح المشكلة في المنظومة الدستورية في نظره،وقد صاغ المودودي فكره السياسي - ومنه ما كتبه عن الحاكمية - ما بين 1937 - 1941م، عندما كانت الحاكمية في الهند للاستعمار الإنجليزي، وهي سلطة بشرية جاهلية كافرة، وكانت تلوح في أفق الهند المستعمرة يومئذ صورة الهند المستقلة كما تصورها "حزب المؤتمر" دولة قومية ديمقراطية علمانية ـ على النمط الغربي ـ وفيها ستكون الحاكمية للجاهلية الهندوكية الكافرة، وأمام هذه الحقيقة أعلن المودودي بأعلى صوته عن كفره بهذه الحاكمية البشرية، وركز على الجانب الإلهي من الحاكمية.

وقد نالت فكرة الحاكمية نصيبًا أوفى في كتابه "تدوين الدستور الإسلامي"، وحقيقة هذا المؤلف رد على صرخة تحدٍّ خرجت من أفواه العلمانيين وقتها؛ حيث قام المحامي أ.ك،روهي متحديًا بأن من استطاع أن يثبت لي أن القرآن يشتمل على مبادئ دستورية فله جائزة خمسة آلاف روبية، وقام المودودي بالتصدي لهذا التحدي والرد عليه؛ فألف "أسس الدستور الإسلامي في القرآن"، وألقى محاضرة في كراتشي بعنوان "تدوين الدستور الإسلامي"، وهذا ما جعل المحامي بوهي يقتنع بالأفكار التي طرحها المودودي، وساهم بعد ذلك في تقديم مشروع دستوري في المجلس التأسيسي موافقًا للدستور الإسلامي.

ومعنى الحاكمية عند المودودي: يبين المودودي الحاكمية بقوله: تطلق هذه الكلمة على السلطة العليا، والسلطة المطلقة، على حسب ما يصطلح عليه اليوم في علم السياسة.

فالحاكمية بهذا المعنى هي السلطة العليا المهيمنة على غيرها من السلطات، وهذا التعريف الذي أورده المودودي قريب من تعاريف المفكرين الغربيين لمفهوم السيادة[3].

ومعنى توحيد الحاكمية: إفراد الله سبحانه بالحكم والتشريع، وأنه سبحانه هو الحكم والمشرع، وأنه لا يُشرِك في حكمه أحدًا.

وقد اختلف العلماء المعاصرون في هذا القسم، فمنهم من جعله من أقسام التوحيد، ومنهم من جعله داخلًا ضمن توحيد الألوهية أو الربوبية، أو هما معًا.

ومما استدل به المثبتون له كقسم من أقسام التوحيد: أن الله تعالى وصف المشرع من دونه بأنه ندٌّ وشريك له تعالى؛ كما قال تعالى: ﴿ أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ ﴾ [الشورى: 21]، وقال تعالى: ﴿ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا ﴾ [الكهف: 26].

فالله عز وجل لم يشرك أحدًا في حُكمه، ولم يجعل لأحدٍ أن يُعبَد من دونه، وفي قراءة ثابتة: ﴿ وَلَا تُشْرِكْ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا ﴾ [الكهف: 26]؛ فهو نهي للمسلم أن يُشرِكَ في الحكم أحدًا مع الله عز وجل، أو أن يعبُدَ في الحُكم أحدًا من دون الله تعالى.

﴿ اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ [التوبة: 31].

وعن عدي بن حاتمٍ رضي الله عنه قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم، وفي عُنقي صليبٌ من ذهبٍ، قال: فسمعته يقول: ﴿ اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ ﴾ [التوبة: 31]"، قال: قلت: يا رسول الله، إنهم لم يكونوا يعبدونهم، قال: ((أجل، ولكن يحلُّون لهم ما حرم الله، فيستحلونه، ويحرِّمون عليهم ما أحَلَّ الله، فيحرِّمونه؛ فتلك عبادتهم لهم))؛رواه البيهقي في "السنن الكبرى" (30350)، وصححه الألباني.

وعن أبي البَخْتَريِّ، قال: سئل حذيفة رضي الله عنه عن هذه الآية: "﴿ اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ ﴾ [التوبة: 31]، أكانوا يصلُّون لهم؟" قال: "لا، ولكنهم كانوا يحلون لهم ما حُرِّم عليهم، فيستحلونه، ويحرِّمون عليهم ما أحَلَّ الله لهم، فيحرِّمونه؛ فصاروا بذلك أربابًا"؛رواه البيهقي في "السنن الكبرى" (20351).

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في "منهاج السنة النبوية" (5 / 130): "ولا ريب أن من لم يعتقد وجوب الحكم بما أنزل الله على رسوله فهو كافرٌ، فمن استحل أن يحكم بين الناس بما يراه هو عدلًا من غير اتباعٍ لما أنزل الله فهو كافرٌ؛ فإنه ما من أمةٍ إلا وهي تأمر بالحكم بالعدل، وقد يكون العدل في دِينها ما رآه أكابرهم... فهؤلاء إذا عرَفوا أنه لا يجوز الحكم إلا بما أنزل الله فلم يلتزموا ذلك، بل استحلوا أن يحكموا بخلاف ما أنزل الله - فهم كفارٌ".

وقال العلامة الشنقيطي في "أضواء البيان" (7 / 150) عند قوله تعالى: ﴿ وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ ﴾ [الشورى: 10]: "ما دلت عليه هذه الآية الكريمة من أن ما اختَلَف فيه الناس من الأحكام فحكمه إلى الله وحده لا إلى غيره، جاء موضَّحًا في آيات كثيرة؛ فالإشراك بالله في حُكمه كالإشراك به في عبادته؛ قال في حُكمه: ﴿ قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا ﴾ [الكهف: 26]، وفي قراءة ابن عامر من السبعة: (وَلَا تُشْرِكْ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا)، وقال في الإشراك به في عبادته: ﴿ وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ﴾ [الكهف: 110]، فالأمرانِ سواءٌ،وبذلك تعلَم أن الحلال ما أحَلَّه الله، وأن الحرام ما حرَّمه الله، والدِّين هو ما شرعه الله؛ فكل تشريع من غيره باطل، والعمل به بدل تشريع الله عند من يعتقد أنه مثله، أو خير منه - كفرٌ بواحٌ لا نزاع فيه، وقد دل القرآن في آيات كثيرة على أنه لا حكم لغير الله، وأن اتباع تشريع غيره كفرٌ به، فمن الآيات الدالة على أن الحكم لله وحده قوله تعالى: ﴿ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ ﴾ [الأنعام: 57]، وقوله تعالى: ﴿ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ﴾ [المائدة: 44]، وقوله تعالى: ﴿ وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ [القصص: 88]، والآيات بمثل ذلك كثيرة جدًّا؛ كقوله تعالى: ﴿ إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ ﴾ [النحل: 100]، وقوله تعالى: ﴿ وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ ﴾ [الأنعام: 121]، وقوله تعالى: ﴿ أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ﴾ [يس: 60]، والآيات بمثل ذلك كثيرة جدًّا"؛ انتهى.

وقال - رحمه الله - أيضًا في "أضواء البيان"(7 / 169): "لما كان التشريع وجميع الأحكام - شرعيةً كانت أو كونية قدرية - من خصائص الربوبية، كما دلت عليه الآيات المذكـورة، كان كل من اتبع تشـريعًا غير تشــريع الله قد اتخذ ذلك المشرِّعَ ربًّا، وأشركه مع الله".

وخلاصة ما بينه رحمه الله تعقيبًا على الآيات البينات التي سقناها آنفًا يوجزه قوله (3 / 259): "إن متَّبِعي أحكام المشرعين غير ما شرعه الله مشركون بالله".

وقال ابن أبي العز الحنفي في "شرح الطحاوية"(1 / 228) في معرض ذكر ما يجب على الأمة تجاه نبيها صلى الله عليه وسلم: "فيوحِّده بالتحكيم والتسليم، والانقياد والإذعان، كما وحَّد المرسِل بالعبادة والخضوع، والذل والإنابة والتوكل.

فهما توحيدان، لا نجاة للعبد من عذاب الله إلا بهما: توحيد المرسِل، وتوحيد متابعة الرسول؛ فلا يحاكِمُ إلى غيره، ولا يرضى بحُكم غيره".

وليس كلام الإمام الطحاوي هنا عن توحيد الرسول بالتحكيم، بل كلامه عن توحيد الحُكم؛ إذ لا فرقَ بين تحكيم الله وتحكيم رسوله الذي لا ينطق عن الهوى.

والواقع أن توحيد الحاكمية الذي ذكره بعضهم هو جزء من توحيد الألوهية، الذي يتضمن إفراد الله تعالى بالعبادة؛ لأن من أطاع غير الله في تحليل حرام أو تحريم حلال، أو وضع شريعة - فقد اتخذه إلهًا من دون الله عز وجل؛ كما قال تعالى: ﴿ اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ [التوبة: 31].

فمَن أعطى حق التشريع أو الحكم فيما شجَر بين الخَلْق لغير الخالق، أو أقرَّ بذلك، أو دعا إليه، أو انتصَر له، أو سلَّم به دونما إكراهٍ - فقد أشرَك بالله شركًا أكبر يُخرجه من ملة الإسلام، والعياذ بالله!


ويمكن أن نقول: إن توحيد الحاكمية إذا نظَر فيه الباحث يجد أنه يتكوَّن من قسمين:
القسم الأول: ما يتعلق بتقدير الحُكم الكوني، وتشريع الحكم الشرعي، وهذا داخل تحت توحيد الربوبية،وهذا مِن فِعل الرب سبحانه، وهو المشرِّع وحده؛ قال تعالى: ﴿ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الأعراف: 54]، وقال سبحانه وتعالى منكرًا على مَن جعل للبشر حقَّ التشريع فقال: ﴿ أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ ﴾ [الشورى: 21].

القسم الثاني: وهو ما يتعلق باستجابة العباد للحكم الكوني والشرعي لله رب العالَمين، وتحاكمهم إلى شرعه، ورضاهم به؛ قال تعالى: ﴿ فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [النساء: 65]؛ فالتحاكُم مِن العباد عبادةٌ، لا يجوز صرفها لغير الله، وهو مِن إفراده سبحانه وتعالى بالعبادة في التحاكم إلى شرعه، وهذا داخل تحت توحيد الألوهية.

فأنت ترى أن تقسيم السلف - رحمهم الله - قد استوعب كل ما يندرج تحت هذا التقسيم من أنواع، والاكتفاء بما ورد عن السلف أولى، دون تبديع أو تفسيق مَن زاد عليها من باب البيان والتوضيح، ما دام ملتزمًا بمضمون ما نص عليه السلف.

وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.


[1] (المصدر الصناعي)؛ أي: المصنوع، وهو ما انتهى بياء مشددة وتاء، مأخوذًا من المصدر؛ كالخصوصية، والفروسية، والطفولية، أو من أسماء الأعيان؛ انظر: "المعجم الوسيط" (1 / 525)، و"شذا العرف" (ص 61).
وفي "النحو الوافي" (3 / 187): "عرضت المراجع القديمة لهذا المصدر الصناعي القياسي بما لا يخرج عما قدمناه، وكذلك عرض له مجمع اللغة القاهري عرضًا موجزًا في دور انعقاده الأول، وفيما يلي النص الحرفي - كما ورد في محضر الجلسة الثانية والثلاثين من محاضر جلسات دور الانعقاد الأول ص426 - على لسان أحد الأعضاء قال:
"حاجتنا إلى المصدر الصناعي ماسة في علم الكيمياء وغيره من العلوم، وقد قال العلماء: إنه من المولد المقيس على كلام العرب، وتخريجه سهل؛ لأن هذا المصدر مكون من اللفظ المزيد عليه ياء النسب، وتاء النقل، على رأي أبي البقاء في: "الكليات"؛ اهـ، وتقدم المراد من تاء النقل في رقم 4 من هامش الصفحة السالفة.
ثم جاء في المحضر بعد ذلك ما نصه: "أن عضوًا قرأ نصوصًا من شرح القاموس في مادة: "كيف"، ونصوصًا أخرى من "كليات أبي البقاء"، وأن مناقشة الأعضاء في هذه النصوص انتهت إلى القرار الآتي، وهو: "إذا أريد صنع مصدر من كلمة يزاد ياء النسب والتاء"؛ اهـ، وقد وافق عليه المجلس نهائيًّا طبقًا لهذا، ولما في ص21 من كتاب المجمع المشتمل على القرارات السليمة من الدورة الأولى إلى الدورة الثامنة والعشرين".

[2] انظر: "معجم اللغة العربية المعاصرة" (1 / 539)؛ د أحمد مختار عبدالحميد عمر (المتوفى: 1424هـ) بمساعدة فريق عمل.

[3] "نحو بناء مداخل منهجية وفقه جديد لمفهوم الحاكمية"؛ لأحسن لحساسنة.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 77.09 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 75.20 كيلو بايت... تم توفير 1.89 كيلو بايت...بمعدل (2.46%)]