خصائص التربية الأخلاقية عند ابن كثير - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 12495 - عددالزوار : 213433 )           »          أطفالنا والمواقف الدموية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 30 )           »          عشر همسات مع بداية العام الهجري الجديد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 25 )           »          وصية عمر بن الخطاب لجنوده (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 34 )           »          المستقبل للإسلام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 31 )           »          انفروا خفافاً وثقالاً (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 28 )           »          أثر الهجرة في التشريع الإسلامي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          مضار التدخين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 28 )           »          متعة الإجازة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 21 )           »          التقوى وأركانها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير

ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 16-04-2021, 02:46 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,873
الدولة : Egypt
افتراضي خصائص التربية الأخلاقية عند ابن كثير

خصائص التربية الأخلاقية عند ابن كثير












مبارك بن حمد الحامد الشريف




الخصائص: جمع خصيصه؛ مِن خص يخص خصًّا، وخصَّصه واختصَّه: أفرَدَه به دون غيره، وتَخصَّص له: إذا انفرَد[1].







وقد جاء حديث ابن كثير عن خصائص التربية الأخلاقية بناء على نظرته وتصوُّرِه للإسلام وأوامره ونواهيه، فهو بهذا يختلف عن نظرةِ غيره للأخلاق ممن يعتبرها فضائلَ إنسانية مدرَكةً بالعقل.







فمن خصائص التربية الأخلاقية عند ابن كثير:



1- موافقة الأخلاق للفِطرة: فالنفوس تميل إلى محبة الخير والفضيلة، كما أنها تَنفِر من الأخلاق الذميمة، وهذا يعني موافقتها للفطرة التي فطَرَ الله الناسَ عليها؛ فهو سبحانه خلق النفوس "سويَّة مستقيمة على الفطرة، كما قال تعالى: ﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ ﴾ [الروم: 30]، وقال صلى الله عليه وسلم: ((كلُّ مولود يولَد على الفطرة، فأبواهُ يهوِّدانِه وينصِّرانه ويمجِّسانه، كما تولَد البهيمة بهيمةً جمعاءَ، هل تُحِسُّون فيها مِن جدعاءَ؟))[2].







كما أن الله سبحانه وتعالى مكَّن للنفس الإنسانية من معرفة أصول الأخلاق من الخير والشرِّ، وهيَّأها لقَبول الحق، وسلوك طريق الخير والفضيلة، كما قال سبحانه: ﴿ فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا ﴾ [الشمس: 8]، ومعنى ذلك كما قال ابن كثير: "يعني أرشَدَها إلى فُجورها وتقواها؛ أي: بيَّن لها ذلك، وهداها إلى ما قدر لها، قال ابن عباس: ﴿ فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا ﴾: بيَّن لها الخير والشرَّ.... وقال سعيد بن جبير: ألهَمَها الخير والشر"[3].







فابن كثير رحمه الله يؤكِّد أن النفوس مجبولة على محبة الأخلاق الفاضلة واستحسانها، وهذه الأخلاق هي التي أمَرَ الله بها، وهي المتوافقة مع فطرة الإنسان السوية؛ ولهذا فإنه "ليس مِن خلُقٍ حسن كان أهل الجاهلية يعملون به ويستحسنونه إلا أمَرَ الله به، وليس مِن خلُقٍ سيئ كانوا يتعايرونه بينهم إلا نهى الله عنه وقدَّم فيه، وإنما نهى عن سفاسف الأخلاق ومذامِّها؛ قلت: ولهذا جاء في الحديث: ((إن الله يحب معاليَ الأخلاق ويكرهُ سَفْسَافَها))"[4].







وقد نقل ابن كثير أن أكثم[5] بن صَيْفِيٍّ لما سمع الآيات: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ [النحل: 90]، قال: إني أراه -يعني محمدًا صلى الله عليه وسلم - يأمر بمكارم الأخلاق، وينهى عن ملائمها، فكونوا في هذا الأمر رؤوسًا، ولا تكونوا فيه أذنابًا"[6].







ومما لا شك فيه أن انطلاق الداعية إلى الله من هذا التصوُّرِ للأخلاق يشجِّعه إلى أن يتحمس في دعوته، وأن يحرص دائمًا على توجيه الناس وإرشادهم، ودعوتهم للخير والفضيلة؛ لأنه موقن بأن الخير أصيل في نفوسهم، وأن ما يدعوهم إليه من الأخلاق الحميدة، والصفات النبيلة هي متوافقة مع فِطَرِهم السليمة، ونفوسهم السوية المستقيمة، وأن "الشر ليس عميقًا في النفس الإنسانية إلى الحد الذي نتصوره أحيانًا، إنه في تلك القشرة الصُّلبة التي يواجهون بها كفاح الحياة للبقاء، فإذا آمنوا تكشَّفتْ تلك القشرة الصُّلبة عن ثمرة حُلوةٍ شهيَّة، هذه الثمرة الحلوة إنما تتكشف لمن يستطيع أن يشعر الناس بالأمن في جانبه، والثقة في مودته، والعطف الحقيقي على كفاحهم وآلامهم وأخطائهم وحماقاتهم وشيء من سعة الصدر في أول الأمر كفيل بتحقيق ذلك كله".







2- الأخلاق الإسلامية ربَّانيَّةُ المصدر: من خصائص التربية الأخلاقية عند ابن كثير أن الأخلاق مصدرُها من عند الله تعالى، سواء كانت هذه الأخلاق مما أثبَتَها الشارع ابتداء، أو كانت من الأخلاق التي أقَرَّها ورضيها مما تعارَفَ عليها الناس قبل الإسلام، فالله سبحانه يأمر عباده أن يتصفوا ويلتزموا ويتحلَّوا بالأخلاق الفضيلة، وينهاهم عن الأخلاق الرذيلة، كما قال سبحانه في سورة الإسراء بعدما أمَرَ بجملة من الأخلاق النبيلة، ونهى سبحانه عن بعض الأخلاق الرذيلة: ﴿ ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ ﴾ [الإسراء: 39].







يقول ابن كثير: "يقول تعالى: هذا الذي أمرناك به من الأخلاق الجميلة، ونهيناك عنه من الصفات الرذيلة، مما أوحينا إليك يا محمد لتأمُرَ به الناس"[7].







وكما قال سبحانه في سورة النور بعد أمره ببعض الأخلاق الحميدة، ونهيه عن بعض الأخلاق الرديئة: ﴿ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [النور: 31]، يقول ابن كثير: "أي افعَلوا ما أمَرَكم الله به من هذه الصفات الجميلة، والأخلاق الجليلة، واتركوا ما كان عليه أهل الجاهلية من الأخلاق والصفات الرذيلة"[8].







وهكذا، فالأخلاق الإسلامية ربانيةُ المصدر؛ لأن الله هو الذي شرَعَها وأقَرَّها، وأمر عباده بالالتزام بها، فهو سبحانه "يأمر عباده بالعدل، وهو القسط والموازنة، ويندب إلى الإحسان... ويأمر بصلة الأرحام"[9]، كما "يأمر عباده المؤمنين بالمعاونة على فعل الخيرات... وترك المنكَرات... وينهاهم عن التناصر على الباطل، والتعاون على الإثم والمحارم"[10].







وهو سبحانه الذي يُوَفِّق عباده للخير، ويزكِّي نفوسهم للبِرِّ، كما قال سبحانه: ﴿ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ [النور: 21]، قال ابن كثير: "أي لولا هو يرزق من يشاء التوبة والرجوع إليه، ويزكِّي النفوس مِن شِرْكها وفجورها ودنسها وما فيها من أخلاق رديئة، كلٌّ بحسَبِه، لَمَا حصَّل أحد لنفسه زكاة ولا خيرًا"[11].







فالأخلاق التي يجب أن يتحلى بها الداعيةُ المسلم هي الأخلاق الإسلامية، التي منبعُها الإسلام، ومصدرُها القرآن، فهي أخلاق ثابتة أصيلة، لا تتغير ولا تتبدل، فالأخلاق الحسنة هي الأخلاق الحسنة، وهي أخلاق فضيلة في كل حال، وفي كل زمان ومكان، والأخلاق المذمومة هي أخلاق مذمومة، وهي أخلاق رذيلة في كل حال، وفي كل زمان ومكان، فهي لا تتغير؛ لأنها تعبُّديَّة تعتمد على الحق، وابتغاء الأجر والثواب من الله سبحانه وتعالى[12].








فالأخلاق الإسلامية ليست أخلاقًا ماديَّة ودنيوية، تدور مع المنافع والمصالح والأهواء والأغراض الشخصية حيث دارتْ، كما هو الحال في غير الأخلاق الإسلامية مما يجعلها مضطربة متذبذبة، فالإحسان إلى الوالدين وبرُّهما مثلًا من أفضل الأخلاق وأسماها عند كل مسلم، بخلاف غيره الذي يربط أصالة ذلك الخلق ونبله بالمصلحة العائدة عليه من التحلي بذلك الخلق، وليس لكونه أمرًا تعبُّديًّا أوجَبَه الله سبحانه وتعالى وحثَّ عليه ورغَّب فيه.







3- تميز الأخلاق الإسلامية باليسر والسهولة: وهذه الخصيصة لها أثرٌ كبير في تقبُّل الأخلاق والأخذ بها، ومن الأمثلة عليها مراعاة ابن كثير للتوازن والاختلافات بين الناس، ومعاملتهم بما يتناسب مع منازلهم وأقدارهم، واختلاف مراتبهم ومستوياتهم، فيذكُر رحمه الله أن الله سبحانه "قد فاوَتَ بين خلقه فيما أعطاهم من الأموال والأرزاق، والعقول والفهوم، وغير ذلك من القوى الظاهرة والباطنة"[13].







ونبَّه أيضًا رحمه الله على "اختلاف ألسنة الناس وألوانهم، وما جُبِلوا عليه من الإرادات والقوى، وما بينهم من التفاوت في العقول والفهوم والحركات، والسعادة والشقاوة"[14].







وبناء على ذلك فإن ابن كثير يوجِّه الداعيةَ المصلح أن يأخذ ما عفا من أخلاق الناس وأعمالهم، كما قال سبحانه لنبيِّه صلى الله عليه وسلم: ﴿ خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ ﴾ [الأعراف: 199]، فيقول رحمه الله: "عن مجاهد في قوله: ﴿ خُذِ الْعَفْوَ ﴾ قال: من أخلاق الناس وأعمالهم بغير تحسس، وقال هشام بن عروة عن أبيه: أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم أن يأخذ العفو من أخلاق الناس، وفي رواية قال: خُذْ ما عفا لك من أخلاقهم"[15].







ومن الأمثلة أيضًا ما ذكره ابن كثير من أنه ينبغي أن يراعي الداعية والمعلِّم التفريق في أسلوب معاملة الجاهل ودعوته وتعلمه عن المنسوب للعلم؛ فعندما أورَدَ رحمه الله قصة الصِّدِّيق مع الأعرابي الذي جاءه في الحج وقد قتل صيدًا وهو مُحْرِم، فسأل الصِّدِّيقَ عن جزاء ذلك، فشاور الصديقُ أُبَيَّ بن كعب، فقال الأعرابي: أتيتك وأنت خليفة رسول الله أسألك، فإذا أنت تسأل غيرَك؟! فقال أبو بكر رضي الله عنه: وما تُنكِر؟ يقول الله تعالى: ﴿ فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ ﴾ [المائدة: 95]، فشاورت صاحبي حتى إذا اتفقنا على أمرٍ أمَرْناك به، فقال ابن كثير رحمه الله معلقًا على هذه الحادثة: "فبيَّن له الصدِّيق الحُكمَ برفق وتؤدة لما رآه أعرابيًّا جاهلًا، وإنما دواءُ الجهلِ التعليمُ"[16].







وهذا الأسلوب الذي ذكره ابن كثير - وهو مراعاة حال الجاهل، والرفق في دعوته وتعليمه - هو الأسلوب المناسب الذي ينبغي أن يسلكه الدعاة مع الجهال وعوام الناس.







ومن الأمثلة أيضًا ما ذكره ابن كثير في كيفية أسلوب التعامل مع الزعماء والسلاطين، وهو أن يكون الخطاب بالقول الليِّن، كما قال سبحانه لموسى وهارون حينما أرسَلَهما لفرعون: ﴿ اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا ﴾ [طه: 43، 44]، قال ابن كثير: "هذه آية فيها عِبرة عظيمة، وهو أن فرعون في غاية العتو والاستكبار، وموسى صفوة الله من خلقه إذ ذاك، ومع هذا أمر ألا يخاطب فرعون إلا بالملاطفة واللِّين.. ليكون أوقع في النفوس وأبلغ وأنجع"[17].







فابن كثير رحمه الله يوجِّه الدعاة والمصلحين إلى فائدة هذا الأسلوب؛ حيث إنه أوقع في النفوس وأبلغ وأنجع، بخلاف الأساليب التي يغلب عليها طابعُ العنف والمواجهة والتهييج والإثارة، مما يكون له أثر سيئ عكسي على الدعوة والدعاة.







4- الأخلاق الإسلامية فِطريَّة وجِبليَّة من وجه، ومكتسبة من وجه آخر[18]:



من خصائص التربية الأخلاقية عند ابن كثير أن الأخلاق الإسلامية فطريَّةٌ في الإنسان، بمعنى أنه مجبول عليها، فهي فطريَّة وجِبليَّة من وجه، ومكتسبة من وجه آخر، فالحِلم بالتحلُّم، والعلم بالتعلم، كما قال عليه الصلاة والسلام[19]، وكان من دعائه صلى الله عليه وسلم: ((اللهم اهدِني لأحسَنِ الأخلاق وأحسن الأعمال، لا يهدي لأحسَنِها إلا أنت، وجنِّبْني أسوأ الأعمال وأسوأ الأخلاق، لا يجنِّبْني عنها إلا أنت))[20]، وقال عليه الصلاة والسلام لأشجِّ عبدِ القيس: ((إن فيك لَخَلَّتينِ يُحِبُّهما الله: الحِلمُ والأناةُ))، فقال أخلُقينِ تخلَّقتُ بهما، أم جبَلَني اللهُ عليهما؟ قال: ((بل جبَلَكَ الله عليهما))، فقال: الحمد لله الذي جبَلَني على خلُقينِ يحبُّهما الله ورسوله[21].







وعن عبدالله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله قسم بينكم أخلاقكم، كما قسم بينكم أرزاقكم))[22].







يقول ابن كثير عند تفسير الآية: ﴿ سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ ﴾ [فصلت: 53]: "المراد بذلك ما الإنسان مجبول عليه من الأخلاق المتباينة من حسنٍ وقبح"[23].







ويقول عند تفسير الآية: ﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا ﴾ [المعارج: 19]: "يقول تعالى مخبرًا عن الإنسان وما هو مجبول عليه من الأخلاق الدنيئة"[24].







ويُمثِّل ابن كثير على بعض الأخلاق الجبليَّة بالشجاعة والجبن، فيذكر "أن الشجاعة والجبن غرائز تكون في الرجال، يقاتل الشجاع عمن لا يعرف، ويفرُّ الجبان عن أمِّه"[25].







فالحاصل أن الأخلاق فطريَّة ومجبول عليها الإنسان من وجه، وهي من وجه آخر مكتسبة يكتسبها الإنسان بمجاهدة نفسه وتزكيتها، كما قال تعالى: ﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ﴾ [الشمس: 9، 10]، يقول ابن كثير: "قد أفلح من زكى نفسه؛ أي: بطاعة الله - كما قال قتادة - وطهَّرَها من الأخلاق الدنيئة والرذائل"[26]، وكما قال تعالى: ﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى ﴾ [الأعلى: 14]، يقول ابن كثير: "أي طهَّر نفسه من الأخلاق الرذيلة، وتابع ما أنزله الله على الرسول صلى الله عليه وسلم"[27].







وابن كثير رحمه الله يرى أن الأخلاق التي يكتسبها الإنسان ويتحلَّى بها ما هي إلا ثمرة من ثمرات التقوى، وأثرٌ من آثار طاعة الله وعبادته واتباع رسوله صلى الله عليه وسلم؛ فالصوم مثلًا يورث "زكاة النفس وطهارتها، وتنقيتها من الأخلاق الرذيلة، والأخلاط الرديئة"[28]، وكذلك اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم يورث زكاة النفس وطهارتها، كما قال سبحانه: ﴿ كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ ﴾ [البقرة: 151].







قال ابن كثير: "يُذكِّر تعالى عباده المؤمنين ما أنعَمَ عليهم من بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم إليهم، يتلو عليهم آياتِ الله مبيِّناتٍ ويزكِّيهم؛ أي: يطهِّرهم من رذائل الأخلاق، ودنس النفوس، وأفعال الجاهلية"[29].







فالواجب على المسلم بشكل عام، والداعية إلى الله بشكل خاص - أن يروض نفسه على الأخلاق الحسنة؛ حتى تعتادها، وتكون ممارستها عفوية بدون تكلُّف ولا تصنُّع، وهذا بلا شك يحتاج إلى مجاهدة ومثابرة ﴿ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [العنكبوت: 69]، وكما قال عليه السلام: ((ومن يتعفَّفْ يُعِفَّهُ الله، ومن يستغنِ يُغنِهِ الله))[30].







[1] ابن منظور: لسان العرب، والفيروزابادي: القاموس المحيط، كلاهما باب الصاد فصل الخاء.




[2] انظر تفسير القرآن العظيم 4/ 613 والحديث متفق عليه، وأخرجه البخاري بلفظ: ((ما من مولود إلا يولد على الفطرة...))، كتاب الجنائز، باب إذا أسلم فمات هل يصلَّى عليه؟ رقم (1358)، ومسلم كتاب القدر باب معنى كل مولود يولد على الفطرة رقم (2658)، وأبو داود كتاب السنة، باب في ذراري المشركين رقم (4714)، والترمذي كتاب القدر، باب ما جاء كل مولود يولد على الفطرة رقم (2168).




[3] المرجع نفسه 4/ 613 عند تفسير الآية: ﴿ وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا ﴾ [الشمس: 7].




[4] المرجع نفسه 2/ 720 عند تفسير الآية: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ ﴾ [النحل: 90]، والحديث أخرجه الطبراني في الكبير بلفظ: ((إن الله يحب معالي الأمور وأشرافها، ويكره سفاسها)) 3/ 131 رقم (2893)، طبعة مكتبة الرياض بدون تاريخ، ومعنى "سفاسفها" أي: رديئها وحقيرها، انظر المعجم الوسيط ص 433.




[5] هو أكثم بن صيفي بن رياح بن الحارث بن معاوية التميمي، حكيم العرب في الجاهلية وأحد المعمَّرين، عاش زمنًا طويلًا وأدرَكَ الإسلام، وقصد المدينة في مائة من قومه يريدون الإسلام، فمات في الطريق ولم ير النبي صلى الله عليه وسلم، وأسلم من بلغ المدينة من أصحابه، من كلامه: من فسدت بطانته كان كمن غصَّ بالماء، من مأمنه يؤتى الحذر، ويل للشجي من الخلي، مات سنة 9هـ (الأعلام 2/ 6).




[6] انظر تفسير القرآن العظيم 2/ 720.




[7] انظر تفسير القرآن العظيم 3/ 54.




[8] المرجع نفسه 3/ 357.




[9] انظر تفسير القرآن العظيم 2/ 719 عند تفسير الآية: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ ﴾ [النحل: 90].




[10] المرجع نفسه 2/ 10 عند تفسير الآية: ﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى ﴾ [المائدة: 2].




[11] المرجع نفسه 3/ 344.




[12] ومن هنا يتضح الفرق في السلوك التربويِّ بين التربية الإسلامية وغيرها، سواء كانت شرقية اشتراكية أو غربية علمانية، حيث لا تعتبر الأخلاق شيئًا يُذكَر - في جملتها - فالمنكَرات والرذائل والفواحش التي تأباها الفطرةُ الإنسانية السليمة أصبحت لا تُعَدُّ شائنةً، ولا مرتكبها منبوذًا، وأسموا الشذوذ الجنسي بالمثلية، فلا يقال: هذا شاذ جنسيًّا، بل يقال: "مثلي"؛ حتى تتوارى الكلمات المرفوضة، ويحل محلَّها هذا المفهومُ الغامض، فتتسرَّب من خلاله الفاحشة وانحدار الأخلاق. الدعوة الإسلامية الشمول والاستيعاب لمحمد زين هادي العرمابي ص 126-127.




[13] انظر تفسير القرآن العظيم 4/ 150 عند تفسير الآية: ﴿ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ ﴾ [الزخرف: 32].




[14] المرجع نفسه 4/ 276 عند تفسير الآية: ﴿ وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ * وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ ﴾ [الذاريات: 20، 21].




[15] انظر تفسير القرآن العظيم 2/ 348.




[16] المرجع نفسه 2/ 128 عند تفسير الآية 95 من سورة المائدة.




[17] انظر تفسير القرآن العظيم 3/ 195.




[18] هذا العنوان اقتبسته من الدكتور مسفر البواردي، في رسالته الدكتوراه "منهج ابن القيم في الدعوة إلى الله" ص 216 بحث غير مطبوع.




[19] أخرجه البخاري في كتاب العلم، باب العلم قبل القول والعمل رقم (67).




[20] أخرجه مسلم في كتاب صلاة المسافرين، باب صلاة النبي صلى الله عليه وسلم ودعائه بالليل رقم (1812).




[21] أخرجه مسلم بلفظ: ((إن فيك لخصلتين يحبهما الله: الحلم والأناة))، كتاب الإيمان، باب الأمر بالإيمان بالله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم وشرائع الدين رقم (117) (118).




[22] أخرجه الحاكم في مستدركه كتاب الإيمان 1/ 33، طبعة دار المعرفة بيروت، بدون تاريخ.




[23] انظر تفسير القرآن العظيم 4/ 623.




[24] المرجع نفسه 4/ 497




[25] المرجع نفسه 1/ 386 عند تفسير الآية: ﴿ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ ﴾ [البقرة: 256].




[26] انظر تفسير القرآن العظيم 4/ 613.




[27] المرجع نفسه 4/ 593.




[28] المرجع نفسه 1/ 265 عند تفسير الآية: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ ﴾ [البقرة: 183].




[29] المرجع نفسه 1/ 244.




[30] أخرجه البخاري، كتاب الزكاة، باب لا صدقة إلا عن ظهر غنى رقم (1427).









__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 71.16 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 69.26 كيلو بايت... تم توفير 1.89 كيلو بايت...بمعدل (2.66%)]