اللغة/ الكلمة من منظور الأدب الإسلامي - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         الدين والحياة الدكتور أحمد النقيب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 16 - عددالزوار : 17 )           »          فبهداهم اقتده الشيخ مصطفى العدوي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 16 - عددالزوار : 49 )           »          يسن لمن شتم قوله: إني صائم وتأخير سحور وتعجيل فطر على رطب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 22 )           »          رمضان مدرسة الأخلاق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »          أمور قد تخفى على بعض الناس في الصيام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          دروس رمضانية السيد مراد سلامة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 15 - عددالزوار : 340 )           »          جدول لآحلى الأكلات والوصفات على سفرتك يوميا فى رمضان . (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 17 - عددالزوار : 730 )           »          منيو إفطار 18رمضان.. طريقة عمل كبسة اللحم وسلطة الدقوس (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »          5 ألوان لخزائن المطبخ عفا عليها الزمان.. بلاش منها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          5 طرق لتنظيف الأرضيات الرخامية بشكل صحيح.. عشان تلمع من تانى (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العلمي والثقافي واللغات > ملتقى اللغة العربية و آدابها

ملتقى اللغة العربية و آدابها ملتقى يختص باللغة العربية الفصحى والعلوم النحوية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 11-01-2021, 08:19 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,550
الدولة : Egypt
افتراضي اللغة/ الكلمة من منظور الأدب الإسلامي

اللغة/ الكلمة من منظور الأدب الإسلامي







مصطفى بن عمور








1 - هناك إجماع شامل عند المفكِّرين والعلماء والأدباء - وحتى عند أبسط الناس - على أن الإنسان كائنٌ لغوي، وأنَّ اللغة خصِّيصة إنسانية متميِّزة ومميِّزة؛ بكسر الياء:
متميزة لأنها ذاتُ طبيعة خاصة، لها القدرة على التعبير عن كينونة متكلِّمها، والتأثير في ذاته وفي ذوات الآخرين، كما أن لها سلطةً قوية في تكوين الإنسان وتوجيهه، وربطه بعلائقَ متواشجةٍ وشديدة مع غيره من أفراد المجتمع الواحد، ومع الكون من حوله، بل وتربط الحاضر بالماضي السَّحيق وبالمستقبل البعيد.

ومميزة لأنَّ بفضلها يَتخذ الإنسان موقعًا خاصًّا لا يَشرَكه فيه مخلوقٌ آخر، ويَبين بها عمَّا يُحيطه من الوجود، ويستطيع بواسطتها تكوينَ ذاته، وتأسيسَ ذاكرته وتاريخه، وحضارته؛ "فالإنسان دون لغة يَستحيل إلى لا كائن... إلى لا شيء"؛ عبدالملك مرتاض - في نظرية الرواية - عالم المعرفة، 240.

ترى ما الذي أعطى اللغة خصوصيتها تلك؟ أيُّ سرٍّ ذاك الذي سرى في كيانها فأحالها إلى لغز يَرفعها إلى مقام الغيب، رغم أنَّ مادتها من عالم الشهادة والحسِّ؟! ما الذي جعل الفلاسفةَ والمفكِّرين يحسبون لها كلَّ حساب، ثم يخرجون من عَوالمها وعلاماتُ الدهشة والاستغراب منطبعةٌ على فِكرهم كما تنطبع على قسمات وجوههم؟! لماذا هذه الدهشة المستمرَّة التي تُفاجئ الإنسانَ كلَّما فكَّر في لغته؟! عن أصلها.. عن طبيعتها.. بل عن العالم الذي انبجَسَت منه أو نجمَت عنه؟! إنها آية.. سر.. أو كأنها سِحر! إنها كالروح؛ قريبة بعيدة، جليَّة غامضة، معلومة مجهولة.

ولعل هذا ما دفَع كثيرًا من المفكرين إلى التنبُّه إلى خطورة اللغة وشدة بأسها وقوة شكيمتها... حتى جعَلها البعض أشبهَ بقَدر ملزِم يتحكَّم في الإنسان أفرادًا وجماعات؛ يقول المفكر والفيلسوف الفرنسي ميشيل فوكو في حوار أجرته معه مجلة telquel - تيل كيل - الفرنسية: "أعتقد أن عددًا منا - بمن فيهم أنا - يرَون أن الحقيقة لا وجود لها، وأن اللغة فقط هي الموجودة"، ويقول في موضع آخر بوضوح ٍأشدَّ: "يعتقد البشر أن كلامهم في خدمتهم، لكنهم لا يدركون أنهم يُخضِعون أنفسهم لمطالبِه"؛ عبدالعزيز حمودة - المرايا المحدبة - عالم المعرفة.

بل وتصل عند الفيلسوف الألماني هيدغر إلى درجة أعلى وأقوى؛ فهي عنده تَسبق الذَّات المفردة.. إنَّها تصنَعُنا.. إنها أكبر من ذواتنا.. هي حياة كل البشر، كل الذوات، بل هي الحقيقة، فوق الأفراد الذين يشاركون فيها مشاركة جزئية؛ بل لقد اندفع في كتابه "الكينونة والزمن" يطرح تساؤلاتٍ هامةً وقويَّة؛ أبرزُها: ما الذي يَسبق الآخر: الكينونة أم اللغة؟ وهل نولد في الكينونة أم في اللغة، وهل تَسبق الكتابةُ الوجودَ أو العكس... حيث يَخلُص في النهاية إلى: أن اللغة والتفكير يَكشفان عن الكينونة، ومن دون اللغة لا يستطيع الإنسان أن يُدرك الكينونة، ومعناه أن الكينونة لا تُفصِح عن ذاتها إلا باللُّغة؛ ولذلك يَنتهي المطاف بالمفكِّر "بيرمان" إلى القول: يرى البِنيَويُّون الفرنسيُّون المحدَثون أنه إذا كانت اللغة هي التي تقوم بتشكيل وصياغةِ ما نَعرفه عن العالم فإنه يمكن القول: بأن اللغة تشكِّل معرفتنا بالعالم، ما نعرفه إذًا ليس العالمَ كما هو في الواقع، بل اللغة ذاتها"؛ عبدالعزيز حمودة - نفسه.

ولقد استطاع بنجامين لي هورف بعدَ المقارنة بين اللغة الإنجليزية ولغات هنودِ أمريكا أن يكشف بأن بِنيَة لغةٍ من اللغات تؤثِّر على طريقة فَهمِ صاحبها للواقع؛ رينيه ويلك - مفاهيم نقدية - عالم المعرفة.

هذا بالنسبة للمفكرين في عصرنا، بيد أننا إذا انطلَقْنا من رؤيتنا الإسلامية الأصيلة، فسنكتشف موقفًا آخر يُزيل تلك الغرابة، ونورًا يَمحو معالم تلك الدهشة، وما يقربنا من حقيقة اللغة/ اللغز كخصِّيصة إنسانية بامتياز، ويُميط عنها تلك الحجُبَ التي تجعلها غامضةً مدهشة تُبلبِل الفكر وتحير الظنون، كما سنَكشف عن دورها وخطورتها في حياة الإنسان عمومًا.

ها نحن أولاء في رحاب الملأ الأعلى.. وقد اكتمل خلق آدم الجسدي/ الترابي، ولم يبقَ غيرُ نفخ الروح المقدس فيه.. ها هو ذا الجسد الترابي جامد لا يتحرك، مجهولٌ لا يُعرَف، صامت لا يَنطق... فجأة.. فجأة.. يُنفَخ فيه الروحُ المقدس، فإذا هو متحرِّك بعدَ جمود، معروفٌ بعد نُكران، ناطق بعد صمت...) وï´؟ قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ ï´¾ [البقرة: 33] (فأنبأ آدم بالأسماء؛ بالحروف والكلمات.. باللغة، وحينَها اكتملت شخصية آدم وظهرَت كينونته المتميزة/ المميزة) ï´؟ الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ ï´¾ [الرحمن: 1 - 4] (وتجلى كائنًا يستحقُّ التكريم والاحترام، إنه كائنٌ ذو روح، ولغة، ولولا الروحُ ما كانت اللغة، ولولا اللغةُ ما كَشفَت الروح عن نفسها ولظلَّت مطمورة محجوبة.

تتصل الروح باللغة وباسمها تنطق، وتضَع الروح ثقتَها في اللغة لتتحدث باسمها، وعلى اللغة أن تتذكر دائمًا ذلك الفضاءَ الرفيعَ المقام الذي وُلِدت فيه، وأفصحَت عن نفسها في ميدانه، عليها أن تعود إليه كأصلٍ منه انبجَسَت، ومن عينه سالت، ومن هيولاه تشكَّلَت، كذاكرةٍ منها يتأسَّس وجودُها الحقيقي، فاذا انفصلَت عنها أصبحَت كالشريد، كاللقيط الذي لا انتماء له، أو كالعضو المشطور من الذات، لا قيمة له ولا غاية، بل يتحول كيانها إلى وجود وهمي.. إلى سراب!

الإنسان أساسًا هو الروح، والروح هي ذاكرة اللغة الأولى وأصلها، وحين تَنفصل اللغةُ عن ذاكرتها وأصلِها الأولِ تغدو ضدَّ الإنسان، وضد وجوده؛ لأنها ستَسوقه إلى التِّيه الأبدي؛ فما لا أصل له لا غايةَ له، ولا طريقَ يملكها لاحِبَة، تحضن خُطواته وتوجِّه سَيره... وإنما سيكون المجهول مصيره، ذلك المجهول الذي يملأ الذاتَ حيرة وضلالاً، وقلقًا مقيتًا.. ومميتًا.

2-إن اللغة هي الرَّحِم التي تحتضن مستوياتٍ عديدةً من نشاط الإنسان؛ إنها تستقبل بُذور التصورات والمعتقدات، وتربِّيها تربيةً خاصة، كما أنها تمتلك رحمًا للتاريخ والعلوم، ورحمًا خاصةً بتفاهات الإنسان وكذلك عزماته وشؤون حياته؛ صَغُرت أو كَبُرت، وهي تلبِّي كل ذلك بمختلِف مستوياته؛ لأن كيانها خُلق لأداء كلِّ هاتيك المهمات المتفاوتة.

ولأن الإنسان متعدِّد الإدراك فإنه يدرك المشهودَ كما يدرك المَغيب، ولغته التي تعبِّر عن الأول ليست هي نفسَها التي تَكشِف عن الثاني أو تتصل به؛ إنَّ بينهما لفَرقًا شاسعًا.. الأولى لغة الاستعمال العادي (من العادة) الذي يحتكُّ بالأشياء ويتقمَّصها كما تتقمَّصه كأنهما شيء واحد، فتُصاب اللغة بالجمود والتحجر، وتصبح غيرَ قادرة على التطور المنفتح، أو التعبير عما فوق طاقتها المحدودة، أما اللغة الثانية فهي مترفِّعة متمنعة وعصيَّة على الجمود، ورافضةٌ للتقوقع في شرنقة العادة الخانقة؛ إنَّ لها عالَمًا آخرَ تتصل به، وتسعى للاحتكاك به والتعبير عنه، عالمًا واسعًا هو عالَم الروح؛ أصلها الأول وذاكرتها التي تطمح لربط علائقَ قوية ووثيقةِ العرى بها، لا تنفصم ولا تهترئ؛ لذلك تبقى مُنفتحة على الماضي والحاضر والمستقبل، وتَظَل محتفظة بحيويتها وديمومتها المتجددة التي تتجاوز الزمن؛ لأنه قيد، وتتجاوز منطق العقل؛ لأنه متغيِّر متقلب، وتتجاوز الغرائز؛ لأنها جامدة منغلقة، وتتجاوز تفاهات الإنسان؛ لأنها لا تملك قيمةً عالية في بناء الإنسان: إنسان الروح المكرم المحترم، وهذه هي اللغة الأصيلة للأدب، وهي التي تُعطيه قيمته الحقيقية، وتميزه عن باقي نشاطات الإنسان اللغوية التي لا طاقة لها للتعبير عن أشواق الإنسان ومشاعره ومواجيده التي تُفرزها غدد الروح الخفية.

إنَّ الكشف عن الروح باللُّغة المبدعة هو مطلبُ الأدبِ الأساسُ، وإلا فهو لَغْو وتزجيةُ فراغ، ودعوةٌ للدوران في حَلْقة مفرَغة: حَلقة الغرائز والعوائد؛ سواء اجتماعية، أو فكرية، أو ثقافية...

والكشف عن الروح الإنسانيِّ هو الرغبة الملحَّة التي تسكن عُمْق الأدب ولغتَه التي لا تصبح مجردَ وسيلة، وإنما تجليًا خالصًا للروح إلى درجة التَّماهي والاندِماج، إن اللغة بهذا المعنى هي التي تدل الإنسان على حقيقته الإنسانية بإشراقاتها الروحية وسموها النوراني، فهي ليست شيئًا مدنسًّا ولا مبتذَلاً ولا ينبغي أن تكون، إنها خلاصة روح الإنسان وأعظم قيمة تجسد كيانه الذي خلق طاهرًا مكرمًا، وحين يَشعر الأديب الحقُّ والمبدع الأصيلُ بكرامة اللغة المستمَدَّة من قداسة الروح فإنه يحرص جهده على حِفظها من الضَّياع، وعلى استعمالها بما يُرضي كرامتها تلك، ولا يُقيِّدها في سجن العادة ولا يَربطها بحبل إلى حجر الغريزة الجامد، فتجمد بدورها وتتحجر.

إن الأدب من المنظور الإسلامي لا يحجر على اللغة الأدبية، ولا يمنع قواها الداخلية من الانبثاق والعطاء، بل يريد منها أن تكون مخلصة للإنسان، وأن تكون وفيَّة لروحه ووجوده، وللقيم العالية وللمبادئ السامية الطاهرة، يطلب منها فقط أن تكون مسؤولة عن حركتها في واقعه الظاهر والباطن.

3- على الأديب الأصيل - وخاصة الأديب المسلم - أن يكون عالمًا بذلك الصراع المرير بين الغرائز المنحرفة من جهة، والروح من جهة أخرى؛ من أجل اكتساب موقع خطير مؤثِّر في كيان الإنسان المعرفي والروحي والثقافي؛ للتحكم فيه وتوجيه مساراته ونشاطاته، وخصوصًا نشاطه اللغوي، لقد استطاعت الغريزة باتفاق متقن مع كهَّانها وسدَنتها من المفكرين الظلاميِّين والكتاب المنحرفين عبر التاريخ أن تُزيح الروح الحقيقية جانبًا، والأخطر من ذلك أن تتلفَّع بردائها وتتقمص شخصيتها وتستعير لبوسها.

وقد أفسح الناسُ لِلُغة الغريزة كلَّ باب، وفتحوا لها كل منفذ، حتى طغَت على لغة الروح وقِيَمها، فإن تعجَب فاعجب من الذين يدَّعون أن الغريزة مكبوتة بفِعل الواقع، ووصايةِ الروح وقيمها، وأنَّ من حقها الآن أن تنفجر وتتحرَّر، وأن تنطق بلغتها الخاصة حتى تُطلِق سراح مكبوتها وتفكَّ قيودَ أسرها!

فما أكذَب هؤلاء الناعقين زورًا! وما أفضح إفكهم حين يُلغون حقائق التاريخ! وما أقبح افتراءهم حين يقلبون الواقع المبين، ويُسدِلون عليه ستار التمويه والخداع!

ألم تنطلق الغريزة منذ انحرافها عن فطرتها القويمة لتدمِّر وتنهب، وتعيث بفسادها الأكبر في الأرض كأنها على ظهر شيطان أو على ظهرها شيطان؟! ألم تسيطر أحقابًا وعهودًا على نشاطات وسلوك الإنسان في السياسة والاقتصاد والثقافة والفن؟! فمن يُعاني من الكبت إذًا؛ هل هي لغة الغريزة أم لغة الروح؟! إننا لو أردنا أن نُشير إلى الجانب الذي ظل مقهورًا في حياة الإنسان ونشاطاته لأشارَت أصابع فكرنا وأصابع التاريخ إلى جانب الروح ولغته.
يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 11-01-2021, 08:19 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,550
الدولة : Egypt
افتراضي رد: اللغة/ الكلمة من منظور الأدب الإسلامي

اللغة/ الكلمة من منظور الأدب الإسلامي







مصطفى بن عمور


والحقيقة أن الغريزة ذاتُ طبيعة جامدة؛ فهي الآن نفس ما كانت عليه عند إنسانِ ما قبلَ الطُّوفان وستبقى على حالها إلى أن يأذَن الله بالساعة، إنها تظل دائمًا طافية على السطح... متصلِّبة كقطعة فلِّين، ووراءَها يكمُن بعدٌ إنساني آخر، وعالم أفسحُ ومعانٍ تموج داخل الكيان الإنساني العميق... إلا أن ذلك يحتاج في رؤيتنا إلى لغةٍ سليمة، تستطيع الحفر في تلك الأعماق والنَّهَل من تلك الأمواج الحيوية المنسابة فيما وراء الغريزة الطافية المتصلبة، بل وتحتاج في رأينا إلى شجاعةٍ تتحدى الجمودَ والتحجُّر المفروضَين على أشواق الروح الإنسانية وفضائها الرحب الفسيح، وهل يوجد مَن هو أهلٌ لذلك غير الأديب المتشرِّب لروح الإسلام أو مَن يماثله من الأدباء الإنسانيِّين الكبار؟! إنه الأديب المبدِع الذي لا تُغريه لغةَ الغريزة ويُسرَها ومحدوديتها التي لا تتطلب جهدًا عقليًّا أو فيضًا روحيًّا كبيرًا، ولا تُغريه الشهرة الميسورة والأموال المغدِقة التي تجلبها تلك اللغة الغريزية بسِحرها المزيف وفتنتها المائلة المميلة؟! إن رغبة الأديب الإسلاميِّ والمبدع الإنساني فوق ذلك كله؛ رغبته هي بناء حضارة الإنسان ذاتِ الفضاء الرَّحْب والسعة المشرقة والطُّموح المترامي ببَصيرته نحو النموذج الإنساني المتكامل عقلاً وروحًا ومادَّة، رغم ما يتطلَّبه ذلك من جهدٍ وصبر وعناء...

وشتَّان ما بين اللغتين؛ فقد يكون الموضوع واحدًا، ثم تختلف مضامينه ومعانيه وإيحاءاته حين يمر بقناةِ هذه اللغة (لغة الروح) أو تلك (لغة الغريزة)؛ حيث نكتشف فرقًا شاسعًا بين حديثَيهما عنه؛ خذ موضوع الحب مثلاً نريد التعبير عن مَضمونه وتفجير معانيه وإثارة إيحاءاته، فتيقن أنَّك ستَجد نفسك أمام شعورين أو إحساسين متباعدين إلى حدِّ التنافر والتناقض:
أما أحدهما فيَجعلك بكيانك كلِّه تَصغر وتَضيق وتنكمش حتى تجمد على حيِّز صغير منه؛ وذلك ما تقوم به لغة الغريزة.

بينما يجعل الآخَر كيانك كله يَكبر وتتَّسع أبعاده ومراميه حتى لتَشعر أن ذراعَيْ عقلك وقلبك وروحك تضمَّان الكون بما فيه بعاطفةٍ فيَّاضة لا يمكن وصفُها بميزان الحروف والكلمات، بل بميزان الشعور والذَّوق والوجدان... وشتَّان ما بين القناتين/ اللغتين.

وهنا نكون قد وصَلنا إلى نفس النتيجة التي دلَّتنا عليها شواهدُ سُقناها من قَبلُ عن مفكِّرين آخرين، وهذه النتيجة هي: خطورة اللغة وقوتها وقدرتها على بناء الإنسان وتشكيل معرفته بنَفسه وبالعالم مِن حوله، إنها كما اتَّضح من قبلُ أشبه بقدرٍ لازب يتحكَّم في الإنسان ومصيره؛ (تأمَّل قول الله تعالى: ﴿ وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ ﴾ [مريم: 80]). وقد نتَّفق مع هيدجر حين يؤكِّد أن اللغة في جوهرها تكشف عن الكينونة وبدونها لا يحدث ذلك، ولكن اختلافنا الأعمق يَكمُن في تحديد ماهية تلك الكينونة، فنحن نقول: ماهية روحية/ إنسانية، بينما غيرنا يؤكِّد أنها حيوانيَّة غريزيَّة، فتفترق النتيجتان.


وأما خطورة اللغة فهو أمر لا يُنكَر إلا أنه لا يتعلَّق بحتميَّة لغوية تقابل الحتميَّة الاقتصادية المادية (حسب مدرسة ماركس) أو الحتمية الاجتماعية؛ (حسب مدرسة دوركهايم)، أو الحتمية الجنسيَّة (حسب مدرسة فرويد)؛ لأننا نؤمن حسب منهاجنا الإسلاميِّ الأصيل بأن الإنسان قادرٌ على التبصُّر والتفكر وكشف العواقب قبل أن يتحرَّك أو يخطوَ خطوة ما، بل هو مُطالَب بذلك مأمورٌ به ﴿ بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ ﴾ [القيامة: 14].

4 - إننا من خلال هذه الخطوات المختصرة نكون على مَقرُبة من فقهِ وحقيقة تلك التوجيهات الإسلامية التي تَنهانا عن قول كلام وتحضُّنا وترشدنا إلى قولٍ آخر، كما تفصل بين الكلمة في مستواها السليم (= الكلمة الطيبة/ أحسن القول)، والكلمة في مستواها المنحرف (= الكلمة الخبيثة/ السوء من القول)، وتعطينا القِسطاس الصحيح الذي نَزِن به الكلام/ اللغة، والمعيار القويم الذي نَحكم ونوجِّه به سيرورة اللغة؛ حتى تَكون في مصلحتنا لا ضدنا، ولا التفاتَ إلى مَن يعتبر ذلك مجرَّد نصائحَ أخلاقية لا علاقة لها بتشييدِ المعرفة وبناء الثقافة.

وعلى هذا الأساس قدَّم لنا القران الكريم نموذجًا نقديًّا إسلاميًّا حين يقول الله عز وجل عن نوع خاصٍّ من الشعراء/ منتجي الثقافة الشعرية: ﴿ وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ * أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ * وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ ﴾ [الشعراء: 224 - 226]. إنهم شعراء/ منتِجون لنوعٍ من أخطر أنواع الإنتاج الثقافي "يتَّبعون المزاج والهوى، ومِن ثم يتَّبعهم الغاوون، الهائمون مع الهوى، الذين لا مَنهج لهم ولا هدف، وهم يَهيمون في كلِّ وادٍ من وِديان الشعور والتصوُّر والقول، وفق الانفعال الذي يسيطر علهم في لحظةٍ من اللحظات، تحتَ وقع مؤثر من المؤثرات"؛ سيد قطب - في ظلال القرآن.

إنهم ينطقون كلماتٍ لا قرارَ لها ولا غاية، ولا خيرَ وراءها للإنسان السَّوي، كلمات تسوق كلَّ مَن ربط مصيره بها، إلى المجهول، إلى القلق والحيرة والضَّلال، وضياع الهُوية الإنسانية الكريمة، رغم طلائها المبهرَج ورغم فتنتها الناقمة، إنها ظاهرٌ لا باطنَ له، كشجرة مجتثَّة جافة، يحسبها الناظرُ سليمة، بيد أنَّها منخورةُ الباطن لا تثمر عِلمًا ولا معرفة، ولا تؤسِّس عقلاً ولا تنمي شعورًا، وشرٌّ من ذلك كله أنها كلمة/ شجرة منبطحة، يتوهم متسلِّقها أنه يَصعد إلى علوٍّ وسمو من خلالها، فإذا به يجد نفسه في مكانه، وربما أسفل منه؛ لأنها لا تنمو كباقي الشجر الحيِّ السليم نحو الأفق، معانقة السماء! ويا خيبة مَن يجهد نفسه في التسلُّق ويتعبها ويضيع وقتًا ثمينًا، ليجد نفسه في النهاية لم يتقدَّم شبرًا، ولم يتحلحل عن مكانه قِيدَ أنملة، وهذا توقيعٌ وتحقيق مبين لمعنى الكلمة/ اللغة كما جاء مَعناها في آيات بيِّنات أخرى من القران الكريم، فتأمَّل: ﴿ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ * وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ ﴾ [إبراهيم: 24، 26].

إن الفِكر لتتشعَّب أطرافه من قوة التعبير وجمالية التشبيه، وإن الخيال ليقف لحظاتٍ ليستجمع أنفاسه أمام هذه الأمواج المتلاحقة الزخَّارة والمتدفقة من المعاني والدلالات! وها نحن أولاء أمام صورتين: كلمة طيبة، وكلمة خبيثة: الأولى كشجرة طيبة، والثانية كشجرة خبيثة، الأولى أصلها ثابت في الأرض وفروعها المورقة ممتدة نحو الأعلى، بينما الأخرى اجتُثَّت من أصلها فانحنَت فروعها الميتة إلى الأسفل.

ومن التصوير الموحي نقتطف برهة من الزمن لننتقل نحو الواقع والتجربة: هي ذي شجرةٌ خضراءُ ريَّانة، جذورها متغلغلة في أعماق الأرض، تمتص رحيق الوجود وتستمد أنساغ الحياة من مجاري المياه العميقة.. العميقة، وها هي فروعها تتَسامق إلى الأعلى حيث فسحةُ الفضاء وحيث احتضانُ الحرارة ومعانقةُ النور، وسخاء غزير يتساقط ثمارًا حلوة، وجمال فتَّان يبعث في النفس أريحية واطمئنانًا.

ثمَّ ها هي ذي شجرةٌ من نوع آخر: اقتُلعت من جذورها، فانقطع عنها نسغ الحياة ومدد الوجود، وبدل أن تُعانق فروعها فسيحَ الفضاء انحدرت إلى أسفل؛ لونها الصفراوي يوحي بدلالات الموت وأطياف العدم، وجفافها الرهيب تعبِّر عنه وريقاتها الممتقعة كوجه ذهبَت عنه نَضارة الحياة؛ لا نمو ولا حركة، ولا ثمار ولا ظلال جمال، وإنما صلابة متخشِّبة، وأشباح الموت تحيطها بهالة من الجفاف والامتقاع، فلم تعد تصلح إلا للنار ولهيبها!

فالكلمة حين تنبعث من أعماق كاتبها، متواشجة مع روحه الإنسانية الشفافة وإحساسه الصافي النقي، مغتَذِية بخفقات قلبه، وسُبحات فكره المتعالية وامتدادات خياله الرائع - لهي كلمةٌ متوغلة الجذور، تستمد حياتها من مجاري الفطرة العميقة السليمة، وتمتد ظلالها وفروعها إلى باقي النفوس سخيةً بثمارها الحية، وما ثمارها تلك سوى غذاءٍ للعقول والقلوب، مشعَّةٌ بالنور محتضنة له، لا يَخشى قارؤها عوادِيَ الجمود الغريزي أو طوارقَ التِّيه والتشتت والاغتراب، إنها كالمنار تَهدي التائهين في غَيابات الظلام ولجج التيه والحيرة.

وتلك هي الكلمة التي تحبب الحياة الكريمة وتدعو إلى احترامها؛ كهبةٍ إلهية لا يجب التفريط فيها أو العدوان عليها أو تحريف مجراها نحو الهيمان الوجودي والضلال النفسي...

وتلك هي الكلمة الخالدة التي تجسِّد الحكمة المرنة، والقدرة على اختراق النفوس إلى أعماقها، واستِكْناه أغوارها، وإطلاق طاقتها الخلاقة في سبيل الإبداع الذي يقيم الصرح الإنسانيَّ الرفيع الكريم، وينميه ويصله بمبتدَئه الحقيقي ومنتهاه السليم.

وفي المقابل هناك الكلمة الخبيثة التي يَكتبها صاحبها وكأنها غريبة عنه، لا يَعرف لها أصلاً من روحه الإنسانية الكريمة، ولا مرجعًا من فطرته السليمة، ولا سندًا من شعوره وفكره المتعالي عن الدنايا وسفاسف الاهتمام، ولا جذورًا تمتد إلى مجاري أغواره الروحية، فإذا قرأتها تحس وكأنها طيفٌ شيطاني عنيد، أو صفعات لا توقظك؛ بل تخدرك، كأنها نسيج من الظلمات، طبقة تغشاها طبقة، إذا اتسعت عينُ قلبك أو عقلك لا تكاد ترى شيئًا سوى ظلام لا نهاية له!

إنها كلمة/ لغة جمعَت من أصناف المرض والضلال ما يُطوح بك في مهامِهِ القلق والاغتراب، وتمجُّ في شرايين كيانك ذرات الضعف والانسياق لكلِّ ناعق أو ضوء زائف، إنها الكلمة التي يكتبها صاحبها ليتلهَّى بها، فتستحيل مأساة لقارئها، وما أخطرها من جريمة!

هذه الكلمة في مستواها الطيب أو الخبيث هي التي تحدِّد مصير الإنسان، وتوجه حركتَه حسَب تعامله معها، وعلاقته التي تربطه بها؛ فإن كان حذرًا متبصرًا، كان مصيره إلى خير، وإن كان هائمًا على عقله وشعوره، حاطبًا للكلمات في ظلمات ليل بهيم - كان مصيره إلى شرٍّ ودائرة سَوء تَحيق به من جميع الجهات إلى حدِّ الاختناق والاحتراق، وهذا تَجلٍّ من تجليات قول الرسول صلى الله عليه وسلم لمعاذ: ((ثكلتك أمك يا معاذ! وهل يُكبُّ الناسَ في النار على وجوههم/ مناخِرهم، إلا حصائدُ ألسنتهم؟!))؛ الترمذي - حسن صحيح.

هكذا تصبح الكلمات/ اللغة أشبهَ بأعوادٍ من حطب تَشوي صاحبها في آخر المطاف، وتُذيقه بعض الذي كسَب منها بغير تبصُّر أو اعتبار.

"إن الكلمات يجب أن تُسأل عما تصنعه بعقولنا وأرواحنا"؛ مصطفى ناصف - محاورات مع النثر العربي - عالم المعرفة.

وزبدة القول: يموت الإنسان عضوًا عضوًا، ولكن يبقى منه شيء/ عضو بعد موته؛ يبقى منه كلامه/ لغته؛ خاصة تلك التي استعمَلها في إنتاج خطابه المعرفي/ الثقافي، تبقى تلك اللغة كعضو إنساني قويِّ المِراس، ماهرٍ في مراوغاته وقدرته على التخفِّي والمكر؛ فإما أن يَمتلك الإنسان زمامه ويَكبَح جماحه ويهذِّب من لوثاته، ويسخِّره لروحه وعقله وشعوره بالمعروف... وإلا فانتظِر أن يملك هو زمامَه، فيطوِّح به كيفما شاء، ويرمي به في كل مفازة مجهولة الحدود والمعالم، أو يصدمه بقدر لم يدرك له حسابًا، ولم يَضرب له موعدًا.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 78.82 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 76.48 كيلو بايت... تم توفير 2.34 كيلو بايت...بمعدل (2.97%)]