|
ملتقى اللغة العربية و آدابها ملتقى يختص باللغة العربية الفصحى والعلوم النحوية |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
اللغة العربية.. المسيرة والصمود
اللغة العربية.. المسيرة والصمود "اللغة العربية.. كلمة التاريخ وكلمة الواقع" أ. د. جابر قميحة ليس مِن همِّنا أن نُحاول البحث في أعماق التاريخ عن أولية اللغة العربية، وأولية شَكلها الكتابي، فذلك من مهمات علماء اللغة وفقهائها، على أن هذا - من الناحية العملية - لن يفيدنا شيئًا في بحثنا هذا. ولكن هناك حقيقتان لا يستطيع أحد إنكارهما وهما: 1) إن اللغة العربية في أولياتها - وهي مرحلة الطفولة الباكرة، التي ترجع إلى ما قبل الإسلام بقرون مديدة - هذه اللغة في سنوات الميلاد والحَبو، لم تكن بالصورة التي كانت عليها في أوائل القرن السابع الميلادي الذي نزل القرآن في نهاية العقد الأول منه، بل كانت في صورة أبسط، وأقل مستوى، وأقل مُفرَدات. 2) إنه كان هناك - مِن فَجرِ نشوء هذه اللغة - لهجات خاصة متعدِّدة بتعدُّد القبائل، وتباعُد أماكن وجودها في الجزيرة العربية[1]، ونشأ عن هذا التعدد فروق لغوية تمثَّلت فيما يأتي: أ- شكل الكلمات في بعض حروفها؛ كاستبدال الحِميريِّين الألف والميم بالألف واللام (أل) أي أداة التعريف؛ فالحديث الشريف: ((ليس من البر الصيام في السفر))، يُكتَب وينطق هكذا: ((ليس من أمبر أمصيام في أمسفر)). ب- نُطق الكلمات؛ كاستِبدال الشين بالكاف، فيُقال "عيناش" و"جيدش" بدلاً من "عيناك" و"جيدك"، وهذا ما يُسمى بالكشكشة، ومثل استبدال الجيم بالياء إذا جاء في الكلمة عين، فكلمتا "على" و"عشى" تصبحان "علج" و"عشج"، وهذا ما يسمى بالعجعجة. جـ- الدلالات المعنوية للكلمات: فكلمة أدفأ تعني جلب الدفء، ولكنها بلُغة كنانة تَعني القتل[2]. وبتضام هذه الدلالات بعضها إلى بعضها الآخر نشأ ما يُسمى "بالمشترك اللفظي" الذي يَعني أن تكون الكلمة واحدة، ولها معانٍ متعدِّدة؛ ككلمة العين التي تعني: الناظرة، والبئر، والرجل العظيم، والجاسوس... إلخ. •••• ولكن هذه الفروق اللغوية لم تقف عقبةً أمام التِقاء القبائل العربية على "اللغة الأم" التي استكملت عناصر نُضجِها قبل نزول القرآن بقرن من الزمان - على الأقل - والتي تمثَّلت في لغة قريش التي تُعتبَر "لغة مثالية" انصهرت فيها جميع اللهجات واللغات العربية، لغة تمثَّلت ما اقتبسته من لهجات القبائل الوافدة على مكة وعكاظ، لغة تزوَّدت بما تخيَّرته من ألسنة أهل اليمن وحوران والنبط والقبط والروم ومصر والعجم والسريان والحبش، لغة صهَرها القريشيون في بوتقتِهم، وحوَّلوا ما استقرضوه إلى ألفاظ عربية، فواصلت اللغة النموذجية تطورها - واستعارات ما ينقصها مما أخذته من لغات الشعوب البعيدة والنائية، ومن لهجات الأقوام العربية المتاخمة والقريبة"[3]. ويرى الدكتور إبراهيم أنيس أن هذه اللغة توافَرَ لها الشرطان الأساسيان اللذان لا تكون اللغة مشتركة إلا بهما، وهذان الشرطان هما: أ- أن تمثِّل مستوى لغويًّا أرقى من لهجات الخطاب في غالب الأحوال، ومن ثم يتخذها الناس مقياسًا لحسن القول، وإجادة الكلام. ب- وهي كذلك - كما يَرى هنري سويت - لا يستطيع السامع أن يَحكم على المنطقة التي ينتمي إليها المتكلم بهذه اللغة[4]. •••• وبناءً على ما سبق، يبدو الخلاف الذي ثار قديمًا وحديثًا ومؤداه: هل نزل القرآن بلغة قريش خاصة؟ أم باللغة العربية المشتركة آنذاك؟[5]، أقول: يبدو هذا الخلاف لفظيًّا، فلهجة قريش الخاصة كانت تمثِّل اللغة المشتركة لقبائل العرب كلها؛ وذلك لعوامل مُتعدِّدة أهمها: 1) العامل الديني؛ فمكة هي مركز الكعبة، وبيت الله الحرام؛ حيث يحج العرب، ويَفِدون إليها بالآلاف كل عام. 2) العامل الاقتصادي؛ فقد كانت مكة مركزًا تجاريًّا مهمًّا في الجزيرة العربية، ومنها كانت تنطلق القوافل في رحلتي الشتاء والصيف. 3) العامل الاجتماعي والأدبي؛ فقد كانت قريش موضع توقير وتبجيل بين القبائل العربية، وذلك أصلاً ناتج عن مكانتها الروحية، فقصدت قريش للتحكيم في القضايا والدماء بين القبائل، والسفارة بينها للسلام وحقن الدماء. وبقرب مكة كانت تقوم سوق عكاظ كل عام، وهي سوق تجارية أدبية يتبارى فيها الشعراء والأدباء والخطباء وما نقل إلينا من أخبارها، وما طرح فيها من شعر وخطب جاء بلغة قريش، فساعد ذلك على إنمائها، وانتشارها، وسيادتها[6]. 4) العامل اللغوي الفني؛ فقد كانت هي أفصَح اللغات لخلوِّها من العيوب النطقية واللغوية التي أشرنا من قبل إلى بعضها، مثل عنعنة تميم، وتلتلة بهراء، وكشكشة ربيعة، وكسكسة مضر، وعجرفية ضبة، واستنطاء اليمن، وعجعجة قضاعة[7]. ويُعلِّل ابن خلدون فصاحة لغة قريش "ببُعدهم عن بلاد العجم من جميع جهاتهم، ثم من اكتنفهم من ثقيف وهذيل وخزاعة وبني كنانة وغطفان، وبني أسد وبني تميم، وأما من بعد عنهم ربيعة ولخم وجذام وغسان وإياد، وقضاعة وعرب اليمَن المُجاورين لأمم الفرس والروم والحبَشة، فلم تكن لغتهم تامة الملَكة بمخالطة الأعاجم، وعلى نسبة بُعدهم من قريش كان الاحتجاج بلغاتهم في الصحة والفساد عند أهل الصناعة العربية"[8]. ولعلَّ هذا هو ما قصد إليه أبوبكر الصديق رضي الله عنه بقوله: "وقريش هم أوسط العرب في العرب دارًا، وأحسنه جوارًا، وأعربه ألسنة"[9]. •••• وليس معنى ذلك أن قريشًا فرضت لهجتها على العرب - كما هي - ضربة لازب، بل تمَّ ذلك عفويًّا وتدريجيًّا على مدى طويل، وتقبُّل نفْس واقتناع. ولا يعني ذلك أن لهجة قريش في صورتها الكاملة المستقلة تحوَّلت كما هي إلى اللغة العربية المشتركة، بل هي لهجة قريش الصافية مطعمة - كما ألمعنا من قبل - بكلمات من لهجات الآخرين، وهذا ما أبرزه السيوطي في قوله: "كانت العرب تَحضر المواسم في كل عام، وتحج إلى البيت في الجاهلية، وقريش يسمعون لغات العرب، فما استحسَنوه من لغاتهم تكلموا به، فصاروا بذلك أفصح العرب، وخلَت لغتهم من مستبشع اللغات، ومستقبح الألفاظ"[10]. وربما كان أقدم نص في هذا المعنى هو قول قتادة: "كانت قريش تجتني - أي تختار - أفضل لغات العرب، حتى صار أفضل لغاتها لغتها فنزل القرآن بها" [11]. وكانت اللهجة القريشية - بالمفهوم السابق - أي الفصحى العربية - ذائعة مُنتشرة قبل نزول القرآن بكثير، والدليل على ذلك أن أقدم النصوص الأدبية التي وصلت إلينا كأحدثها في مضامينه وطوابعه الفنية واللغوية[12]. •••• يتبع
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |