بين النصيحة وضرائرها - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         ولا تبغوا الفساد في الأرض (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 21 )           »          تحرر من القيود (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          فن التعامـل مع الطالبات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          السياسة الشرعية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 28 - عددالزوار : 790 )           »          العمل السياسي الديـموقراطي سيؤثر في الصرح العقائدي وفي قضية الولاء والبراء وهي قضية م (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          العمل التطوعي.. أسسه ومهاراته (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 9 - عددالزوار : 133 )           »          طرائق تنمية الحواس الخمس لدى الطفل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 19 )           »          حقيقة العلاج بالطاقة بين العلم والقرآن (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 33 )           »          الله عرفناه.. بالعقل! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          افتراءات وشبهات حول دعوة الإمام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 7 - عددالزوار : 96 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى حراس الفضيلة

ملتقى حراس الفضيلة قسم يهتم ببناء القيم والفضيلة بمجتمعنا الاسلامي بين الشباب المسلم , معاً لإزالة الصدأ عن القلوب ولننعم بعيشة هنية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 19-10-2020, 11:05 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,578
الدولة : Egypt
افتراضي بين النصيحة وضرائرها

بين النصيحة وضرائرها


د. محمود عبدالجليل روزن







النصيحة: ذكر الإنسان بما قد يكره ذكرُه، فقد تشترك مع النقد في هذا المعنى، ويشتركان كلاهما مع التعيير والفضحِ والشماتةِ في أنَّ كلَّ واحدة منها فيها ذكرٌ لِعَيْبٍ في المرء يكره ذكره، والفَيْصَلُ بين تلك الأمور باطنٌ وظاهرٌ: فأمَّا الباطنُ فالمقصودُ به نيَّة الـمُتكلِّم، فعليها التعويلُ، هل يُريدُ نُصحًا أم يُريدُ شيئًا آخرَ لم يتوصَّلْ إليه إلا بإلباسه ثوبَ النصح؟




وأمَّا الظاهرُ؛ فيكشفُ عن الباطنِ - غالبًا - بأسلوبِه وتحرِّيه الوجه الأمثل لِـمَا يدَّعي أنَّه نصيحةٌ، فإن جاءت على وجهها لم يصحَّ أن تحملَ على غير ذلك، فيُشكرُ مُسديها، ويُحسنُ جزاؤه وصحبتُه. أمَّا إن جاءت على وجهٍ غير وجيهٍ، ورأيٍ فهيهٍ، فحُقَّ أن يُنصح صاحبُها، غير أنَّ العاقل ينظر فيما جاء به، فإن كان به ما يُقبل أخذه، ولا يجمل به أن يردَّ الحكمةَ لسوادِ القرطاس كما سبق بيانه قريبًا.



من الحدود الدقيقة بين الحق والباطل ذلك الحدُّ بين النقد والغيبة، ومِن أكثر ما يُلبِّس به الشيطانُ على بعض المتكلمين أن يأتيه فيُزِّين له سوء عمله فيراه حسنًا، بل يراه أحسنَ الحسن وأوجبَه، ومن صور هذا التزيين أن يكون للمرء شهوةٌ وهوًى في ذكر كذا وكذا من أمر فلانٍ، فإذا رأى منه الشيطان شيئًا من التورُّع نقل تفكيره في الأمر إلى بابةٍ أخرى فيُلبس الغيبة شكل النقد، بل لا يزال به حتى يريه أنَّه من النَّقد الواجب الذي لا بد من ارتكابه لينصلح حالُ المنتقَد أو لِيُحذِّر من حاله مَن قد يغترُّ به.



والتشريعُ الحكيم لم يُطلِق هذا الأمر على عواهنه ليرتع فيه الشيطانُ ويبيض ويفرِّخ، بل سوَّره وسيَّجه بسوارٍ من نارٍ مَن اقتربَ منه لفحه لهيبها ومَن تمادى إليها فما ثمَّ إلا حفرةٌ من حُفَرِها، أو جُرُفٌ هارٍ من جُرُوفها. فالغيبة لا تباح إلا لـمُستفتٍ ومُفتٍ ومُشيرٍ، ومُتظلِّمٍ ومُحذِّرٍ ممَّن اشتُهرَ بالإضلال، وفي نقد الرجال للتثبُّت من صحة الأخبار والآثار. هذه هي الحالات التي يباحُ فيها لبعض الناس أن يُعيِّنوا بعضَ الناس، وتفصيل ذلك وأدلته مشهورٌ في كتب الفقه مبذولٌ لكلِّ طالب.



قال الحافظ ابن رجب: «اعلم أن ذِكر الإنسان بما يكره محرم إذا كان المقصود منه مجرد الذمِّ والعيب والنقص، فأما إن كان فيه مصلحة لعامة المسلمين خاصة لبعضهم وكان المقصود منه تحصيل تلك المصلحة فليس بمحرم بل مندوب إليه».



قد يقول قائل: هل يمكن التمييز في هذا الباب بين ما هو لله وبين ما هو من حظِّ النفس والشيطان؟ والإجابةُ بعون الله: إنَّ الإنسان أعلمُ بنيّة نفسه من غيره، فأنت تستطيعُ أن تحدد الباعث لك على الحديث في فلانٍ وعلانٍ من الناسٍ، غير أنَّ هناك علامةً تنير للناقد الدربَ وتحذِّره من الزلل. هذه العلامة مفادها أنَّ الناقد الذي لا يريد إلا الإصلاح ما استطاع: يركِّزُ نقده على الفكرة، فإنَّ تمَّ له الأمر وإلا انتقل لنقدِ الموقفِ فإن تمَّ له وإلا انتقل إلى نقدِ الشخص أو الجماعة المعيَّنة.



ولبيانِ ذلك؛ نسوقُ هذا الحديث عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضى الله عنه- قَالَ: دَخَلَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- فَإِذَا حَبْلٌ مَمْدُودٌ بَيْنَ السَّارِيَتَيْنِ؛ فَقَالَ: «مَا هذَا الْحَبْلُ» قَالُوا: هذَا حَبْلٌ لِزَيْنَبَ، فَإِذَا فَتَرَتْ تَعَلَّقَت فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: «لاَ، حُلُّوهُ، لِيُصَلِّ أَحَدُكُمْ نَشَاطَهُ، فَإِذَا فَتَرَ فَلْيَقْعُدْ»[1].



فهذا سلوكٌ خاطئٌ، فيه بعض التشدُّد والغلو ولذلك ذكره الإمام البخاري تحت باب: ما يُكره من التشدُّد في العبادة.



فقد فعل النبي -صلى الله عليه وسلم- جملة أمورٍ في هذا الموقف:

أنَّه سأل أوَّلًا، ولم يبدأ بالتوجيه، فربُّما كان الحبلُ ممدودًا لغايةٍ مشروعةٍ أو ضروريةٍ خفيت عن النبي -صلى الله عليه وسلم-.


أنَّه لم يتوقَّف كثيرًا عند الشخص المخطئ لأنَّ النقد مُتوجِّه لعلاجِ الفكرة نفسها وهي فكرة التشدد والغُلُوِّ في العبادة.



أنَّه قدَّم حلًّا للوضع القائم، وذلك لـمَّا أمرهم بحلِّ الحبل.



أنَّه قدَّم لهم توجيهًا يضمن لهم إن عملوا به ألا يقعوا في هذا الخطأ مرة أخرى، ولاحظ أن التوجيه نفسه يصلح كتعليل للأمر السابق، حتى يكون التنفيذ عن اقتناعٍ لا لمجرَّد الطاعة العمياء.




ولو تتبعنا أحاديث النبي -صلى الله عليه وسلم- لوجدناها مستفيضةً في النهي عن الغلو والتشدُّد بما لا يدع مجالًا للشكِّ في أنَّ الوسطية والاعتدال هما عنوان الأمة الخاتمة.



فمن ذلك قوله -صلى الله عليه وسلم- «إياكم والغُلُوَّ؛ فإنَّما هَلَكَ مَنْ كان قَبلَكم بالغُلُوِّ في الدين»[2].



وهذا عامٌّ في جميع أنواع الغُلُوِّ في الاعتقادات والأعمال؛ وإن كان سبب وروده نهيه عن لقط الكبار من الجمار عند الرَّمي في الحجّ، لأنَّه نوع من الغلو في العبادة ومجاوزة للحد المشروع.



وعن عائشة - رضي الله عنها - أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «إنَّ الله لم يبعثني مُعْنِتًا ولا مُتَعَنِّتًا، ولكن بعثني مُعلِّمًا مُيسِّرًا»[3].



وعن ابن مسعود -رضى الله عنه- قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «هلك المتنطِّعون» قالها ثلاثًا.[4].



قال النووي - في شرحه على الحديث: «.. المتنطعون: أي المتعمقون الغالون المجاوزون الحدود في أقوالهم وأفعالهم».



إلى غير ذلك من الأحاديث الكثيرة التي تُوقِف القارئ على أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قد انتقد الفكرة نفسها مِرارًا، بأكثر من أسلوب، فاستخدم التحذير العام في قوله: «إياكم والغلو»، ولفت أنظارهم إلى حاله أنه لم يبعث مُعنتًا متشددًا ولكنه بُعث مُيسِّرًا، كذلك استخدم أسلوب الترهيب بذكر مآل المتنطعين.



وقد يحتاج النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى نقد الموقف نفسه فلا يُسمِّي أحدًا، ولكن يُعرِّض فعن أنس -رضى الله عنه- أنَّ نفرًا من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- سألوا أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- عن عمله في السرِّ، فقال بعضهم: لا أتزوج النساء، وقال بعضهم: لا آكل اللحم، وقال بعضهم: لا أنام على فراش، وقال بعضهم: أصوم لا أفطر. قال: فحمد الله النبي -صلى الله عليه وسلم- وأثنى عليه ثم قال: «ما بال أقوام قالوا كذا وكذا؟! لكني أصلي وأنام وأفطر وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني»[5].



فهذا الموقف يعالج الفكرة نفسها ألا وهي الغلو والتشدُّد في العبادة، اضُطر النبي فيه إلى نقد الموقف فانتقد دون أن يُسمِّي أو يُعيِّن. ويمكن أن نلاحظ بسهولة أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- اتَّبع المنهج السابق بيانه في حديث زينب رضي الله عنها:

(1) أنَّه لـمَّا ذكر له أزواجه هذا الموقف أتى بالقائلين فسألهم: «أَنْتُمُ الَّذِينَ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا؟»؛ وهذا ثابتٌ في رواية الصحيحين. ولا ريبَ أنَّ التثبُّتَ في هذه الحالات ضروريٌ فبدأ به النبي -صلى الله عليه وسلم-.



(2) أنَّه لم يكتفِ بنُصحهم في السرِّ مخافةَ أن يكون الخبر قد انتقل لغيرهم، أو أن يكون ذلك السلوك قد شاع بين الصحابة فوجب علاجه.



(3) أنَّه لـمَّا أراد ذكر الظاهرة على الملأ لم يُسمِّ أسماءً وإنَّما عرَّض بقوله: «ما بال أقوامٍ قالوا كذا وكذا؟».



(4) أنه لم يَكتفِ بذكر الخلل وإنَّما ذكر العلاجَ ببيان السنَّة: «أصلي وأنام وأفطر وأتزوج النساء».



(5) أنَّه وضع الضمانة بالترغيب والترهيب حتى لا يقع يتحرَّز الناس مستقبلًا من الوقوع في الغلو والتشدُّد في هذا الباب فقال: «فمن رغب عن سنتي فليس مني»، فرغَّب في السنَّة والاتباع وحذَّر من الرغبة عنها.



ولو تتبَّعْنا أحاديثَ النبي -صلى الله عليه وسلم- سنجدها كلها سائرة على نفس المنهج في التربية وتقويم السلوك، نقد الفكرة هو الغالب الأعمّ وهو الطائفة العظمى من أحاديث النبي -صلى الله عليه وسلم-، ونقد الموقف موجودٌ ولكنَّه أقلّ، أمَّا نقد الأشخاصُ فأقل القليل، بل إنَّ ما جاء منه فهو:

(1) إمَّا مُندرج تحت أحد الأبواب التي تجوز فيها الغيبة للضرروة كقوله لفاطمة بنت قيس لـمَّا استشارته فيمن تنكح؟ قال لها: «أَمَّا أَبُو جَهْمٍ فَلاَ يَضَعُ عَصَاهُ عَنْ عَاتَقِهِ، وَأَمَّا مُعَاوِيَةُ فَصُعْلُوكٌ لاَ مَالَ لَهُ. انْكِحِى أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ». قَالَتْ: فَكَرِهْتُه، ثُمَّ قَالَ: « انْكِحِى أُسَامَةَ»، فَنَكَحْتُهُ فَجَعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا وَاغْتَبَطْتُ بِه[6].



(2) وإمَّا واردٌ على لسان هؤلاء الصحابة أنفسهم الذين تعرضوا لانتقاد النبي -صلى الله عليه وسلم-، وقد ذكروه على سبيل توقيف غيرهم على النصائح النبوية كما في حديث الثلاثة الذين خلِّفوا، فراويه هو أحد الثلاثة وهو كعبُ بن مالكٍ -رضى الله عنه-.



ومعَ الفوضى التعبيرية التي تعيشها مجتمعاتنا الإسلامية وخصوصًا بعد ما يُسمَّى بثورات الربيع العربيّ فإنَّ الكثيرين استحلُّوا الأعراض تحت دعوى أنَّ هؤلاء الـمُنتقَدين لا غِيبةَ لهم!! لأنَّهم مجاهرون بالذنب أو لأنَّهم علمانيون ويساريون وشيوعيون وغير ذلك!! حتى رأينا مَنْ يذكر الأمَّ ومَنْ يُنابِزُ بالألقاب ومن يرفع الصور الفاضحة لكاميرات التصوير زاعمًا أنَّه بذلك يُجاهد الجهاد الأكبر!



لذلك؛ وجب علينا ألا ننسى أنَّ المواضع التي أُبيح فيها الغيبة مواضع ضرورة والضرورة لها أحكامها وتُقدَّر بقدرها ولا يؤخذُ منها إلا أقلّ القليل الذي يُسدُّ به الرمق. وقد كان لأئمة السلف القدح الـمُعلَّى والنصيب الأوفى مِن الاستنان بالهدي النبوي في هذا الباب، وكُتب الجرح والتعديل خيرُ شاهدٍ على ذلك، فهذا الإمام المزني يقول: «سمعني الشافعيُّ يومًا وأنا أقول: فلان كذَّاب (يعني في رواية الحديث)، فقال لي: يا إبراهيم؛ اكْسُ ألفاظَك أحسنَها، لا تقل: كذَّاب، ولكن قل: حديثه ليس بشيء».



وقول البخاري عن الرواي: (فيه نظر) أو (سكتوا عنه) تعني أنَّ الراوي الموصوف بذلك متهم بالوضع أو كذَّاب، ولكنَّ البخاري - كان يتورَّع عن هذه الألفاظ مع كون الراوي يستحقُّ الوصف بها، وجاء في سير أعلام النبلاء أنَّ بكر بن منير قال: سمعتُ أبا عبد الله البخاري يقول: أرجو أن ألقى الله ولا يحاسبني أني اغتبت أحدًا. قال الذهبي مُعلِّقًا: «صدق، ومَنْ نظر في كلامه في الجرح والتعديل عَلِمَ وَرَعَه في الكلام في الناس وإنصافه فيمن يضعفه، فإنه أكثر ما يقول: (منكر الحديث) (سكتوا عنه، فيه نظر) ونحو هذا، وقلَّ أن يقول: فلان كذاب، أو كان يضع الحديث حتى أنه قال: إذا قلت فلان في حديثه نظر؛ فهو متهم واهٍ».



وعن عبدالله بن مسعودٍ -رضي الله عنه- قال: إني لَأذكرُ أول رجل قطعه [النبي -صلى الله عليه وسلم- ]؛ أُتي بسارقٍ فأمر بقطعه، وكأنَّما أسِفَ وجهُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.قال: قالوا يا رسول الله؛ كأنك كرهتَ قَطْعَه! قال: «وما يمنعني؟ لا تكونوا عونًا للشيطان على أخيكم»[7].



ولا يجوز بحالٍ أن يَلعَنَ مُسْلِمٌ مُسْلِماً معيّنا أو يسبَّه بأيِّ نوعٍ من السباب تحت ذريعةِ نقده أو نصحه أو تحذير المسلمين منه أو غير ذلك، ولو كان قد فعل كبيرة مهما استكبرها اللاعن الذي يظنُّ نفسه ناقدًا أو ناصحًا، فهذا رجلٌ من الصحابة - رضي الله عنهم - كان يشرب الخمر وجُلِدَ مرة ومرتين بسبب شربه، ثم لما جيء به مرارًا؛ قال أحدهم: لعنه الله؛ ما أكثر ما يؤتى به! فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «لا تلعنوه؛ فإنه يحب الله ورسوله».



فدلَّ هذا الموقف على أنَّ المسلم المعين الذي يشرب الخمر لا يُلعن مع أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- لعن جنس شاربي الخمر، بل لَعَنَ معهم تسعةَ أجناس أخرى؛ فَلَعَنَ في الخمر عشرةً[8]. إذًا؛ هناك فرقٌ واضح بين لَعْن الـمُعيَّن حتى إن تُيُقِّنَ فعله لما يُوجب اللعن، وبين لعن الجنس على العموم كأن يقول: لعنة الله على الظالمين أو: لعنة الله على الـمُرتشين والرَّائشين والواشمات والمستوشمات ونحو ذلك مما ورد به النصُّ الصحيح الصريح.



على الجانب الآخر؛ فإنَّ بعض الـمُنتقَدِين يسارعون في التشغيب على مُنتقِديهم معتبرين أنَّ مُجرَّد إظهار الحقِّ - وإن لم يكن فيه تعرُّض للأشخاص - تطاوُلٌ غيرُ مقبولٍ، كأن يقول الناقد: أنا لا أحبُّ أدب فلانٍ الروائي لأنَّ فيه تعريضًا بالذَّات الإلهية أو أنَّ فيه توظيفًا للرذيلة لا يليقُ، فإذا بالبعضِ يهاجمونه ويتهمونه بأنَّه يُسيءُ للشخص نفسه ويُهينه، فهم لم يُفرِّقوا بين الشخص وبين إنتاجه الأدبي والروائيّ.



وفي مثل هؤلاء قال ابن رجب: «فلو فُرِضَ أنَّ أحدًا يكرهُ إظهارَ خطئه المخالفِ للحقِّ؛ فلا عبرةَ بكراهته لذلك، فإنَّ كراهة إظهار الحق إذا كان مخالفًا لقول الرجل ليس من الخصال المحمودة؛ بل الواجب على المسلم أن يُحبَّ ظهورَ الحق ومعرفة المسلمين له؛ سواءٌ كان ذلك في موافقته أو مخالفته».





[1] متفق عليه.




[2] رواه أحمد والنسائي وابن ماجه والحاكم، وصححه الألباني في صحيح الجامع (2680).




[3] رواه مسلم (ح 1478).




[4] رواه مسلم (ح 2670).




[5] متفق عليه.





[6] رواه مسلم (ح 1480).




[7] رواه أحمد، وقال الشيخ شعيب الأرناؤوط: حسن بشواهده.




[8] لحديث: «أتاني جبريل فقال: يا محمد؛ إنَّ الله -عز وجل- لعن الخمر، وعاصرَها، ومُعتصرَها، وشاربها، وحاملها، والمحمولةَ إليه، وبائعها، ومُبتاعها، وساقيها، ومُسقيها» رواه الطبراني والحاكم والبيهقي وغيرهم، وصححه الألباني في صحيح الجامع (ح72).





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 70.90 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 68.97 كيلو بايت... تم توفير 1.93 كيلو بايت...بمعدل (2.72%)]