أهمية تعلم علم النحو - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         اعظم شخصيات التاريخ الاسلامي ____ يوميا فى رمضان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 909 )           »          فتاوى رمضانية ***متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 564 - عددالزوار : 92746 )           »          متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 11935 - عددالزوار : 190975 )           »          مجالس تدبر القرآن ....(متجدد) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 114 - عددالزوار : 56909 )           »          مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن" (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 78 - عددالزوار : 26181 )           »          شرح كتاب التفسير من مختصر صحيح مسلم للمنذري (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 33 - عددالزوار : 726 )           »          الدين والحياة الدكتور أحمد النقيب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 16 - عددالزوار : 72 )           »          فبهداهم اقتده الشيخ مصطفى العدوي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 16 - عددالزوار : 57 )           »          يسن لمن شتم قوله: إني صائم وتأخير سحور وتعجيل فطر على رطب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 32 )           »          رمضان مدرسة الأخلاق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 32 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العلمي والثقافي واللغات > ملتقى اللغة العربية و آدابها > ملتقى النحو وأصوله

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 06-10-2020, 06:36 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,602
الدولة : Egypt
افتراضي أهمية تعلم علم النحو

أهمية تعلم علم النحو

أبو أنس أشرف بن يوسف بن حسن

بسم الله الرحمن الرحيم
إنَّ الحمدَ لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذُ بالله تعالى من شُرُور أنفسنا وسيئات أعمالنا، إنَّه مَن يَهده الله فلا مُضل له، ومَن يُضلل فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إلهَ إلاَّ الله وحده لا شريكَ له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله - صَلَّى الله عليه وَسَلَّم.


{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 102]، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1].
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 70، 71].


أمَّا بعدُ، فإنَّ أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي محمَّد - صَلَّى الله عليه وَسَلَّم، وشر الأمور مُحدَثاتها، وكل مُحدَثة بدعة، وكل بدعة ضَلاَلة، وكل ضَلاَلة في النَّار.


أمَّا بعدُ؛ فإنَّ اللغة العربيَّة هي اللغة التي اختارها الله لهذا الدِّين، ولا يَمْتَرِي أحدٌ في أنَّ اللُّغة العربيَّة وعلومَها تُنَزَّلُ من علومِ الإسلامِ ومعارفِه مَنْزِلة اللسان من جَوارح الإنسان، ولا نَبعُدُ كثيرًا إذا قُلنَا: بل منزلةَ القلب منَ الجَسَد؛ لأنَّها لسان الإسلام الأَسْمى، بها أُنْزِلَ القرآن العظيم، فقال - جَلَّ وعَلاَ -: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [يوسف: 2].


"وإذا كانتِ اللُّغة هي خِزَانةَ الفكر الإنساني؛ فإنَّ خزائن العربيَّة قدِ ادَّخَرَت من نفيس البيان الصَّحيح عنِ الفكر الإنساني، وعن النُّفوس الإنسانيَّة، ما يُعجز سائر اللُّغات؛ لأنَّها صُفِّيَت منذ الجاهليَّة الأولى المُعرِقَة في القِدَم، من نفوس مُختَارة بريئة منَ الخَسَائس المُزرِيَة، ومنَ العلل الغالبة، حتى إذا جاء إسماعيلُ نبي الله، ابنُ إبراهيمَ خليل الله - عليهما الصَّلاة والسَّلام، أَخَذَها وزادها نصاعة وبراعة وكرمًا، وأسلمها إلى أبنائه منَ العَرَب، وهم على الحَنِيفِيَّة السَّمْحَة دين أبيهم إبراهيم.


فَظَلَّت تَتَحَدَّر على ألسنتهم مُختَارَة مُصَفَّاة مُبَرَّأَة، حتَّى أظَلَّ زمان نبي، لا ينطق عنِ الهوى - صَلَّى الله عليه وَسَلَّم، فأنزل الله بها كتابه بلسان عربي مُبين، بلا رمز مبني على الخُرَافَات والأوهام، ولا ادِّعاء لِمَا لم يكن، ولا نسبة كَذِب إلى الله، تعالى الله عن ذلكَ عُلُوًّا كبيرًا"[1].


قال ابن كثير - رحمه الله - في "تفسيره" 2/ 467: لغة العَرَب هي أفصح اللُّغات وأبينها وأوسعها، وأكثرها تأدية للمعاني التي تقوم بالنفوس، فلهذا أُنْزِل أشرف الكُتُب بأشرف اللُّغات على أشرف الرسل... إلى آخر كلامه - رَحِمَه الله تعالى.


وقال شيخ الإسلام ابنُ تيميَّة - رحمه الله - في "اقتضاء الصِّراط المستقيم" ص 268: إنَّ اللهَ لَمَّا أنزل كتابه باللسان العربي، وجعل رسوله مُبَلِّغًا عنه الكتابَ والحكمةَ بلسانه العَرَبي، وجعل السَّابقينَ إلى هذا الدين مُتَكَلِّمينَ به، ولم يكن سبيل إلى ضبط الدِّين ومعرفته إلاَّ بضبط هذا اللِّسان، صارت معرفته منَ الدِّين، وصار اعتبار التَّكَلُّم به أسهل على أهل الدِّين في معرفة دين الله، وأقرب إلى إقامة شعائر الدِّين، وأقرب إلى مُشابهتهم للسَّابقينَ الأَوَّلينَ منَ المُهَاجرينَ والأنصار في جميع أمورهم. ا. هـ


وقد قال الله - عَزَّ وَجَلَّ - في وصف كتابه: {قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ} [الزمر: 28]، فوصفه بالاستقامة كما وصفه بالبيان في قوله: {بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} [الشعراء: 195]، وكما وصفه بالعدل في قوله: {وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا} [الرعد: 37].


وقال أبو إسحاق الزَّجَّاج[2]:
"سَمِعْتُ أبا العَبَّاس المُبَرِّد[3] يقول: كان بعضُ السَّلَف يقول: عليكم بالعربيَّة؛ فإنَّها المروءة الظَّاهرة، وهي كلام الله - عَزَّ وَجَلَّ - وأنبيائه وملائكته... إلى آخر كلامه - رَحمَه الله.


وقال شيخ الإسلام ابن تيميَّة - رحمه الله - في "مجموع الفتاوى" 32/ 252: معلوم أنَّ تعلُّمَ العربيَّة وتعليم العربية فَرض على الكفاية، وكان السَّلَف يُؤَدِّبُون أولادهم على اللَّحن، فنحن مأمورونَ أمر إيجابٍ أو أمرَ استحبابٍ أن نحفظَ القانونَ العربي، ونصلح الألسن المائلة عنه، فيحفظ لنا طريقة فَهم الكتاب والسُّنَّة، والاقتداء بالعرب في خِطَابِها، فلو تُرِكَ النَّاسُ على لَحْنِهِم كان نقصًا وعيبًا. ا.هـ


ونقل شيخُ الإسلام ابن تيميَّة - رحمه الله - في "اقتضاء الصراط المستقيم" ص 310 عن الإمام أحمد - رحمه الله - كَرَاهَة الرَّطَانة[4]، وتسمية الشُّهُور بالأسماء الأعجَميَّة، والوَجه عند الإمام أحمد في ذلك كَرَاهة أن يَتَعَوَّد الرَّجل النُّطق بغير العَرَبيَّة[5].


ثمَّ قال شيخ الإسلام ابن تيميَّة - رحمه الله - ص 311: "لأنَّ اللِّسان العربي شعار الإسلام وأهله، واللغات من أعظم شعائر الأمم التي بها يَتَمَيَّزُونَ، ولِهَذا كان كثير منَ الفُقهاء أو أكثرهم يكرهون في الأدعية التي في الصَّلاة والذِّكر أن يُدعَى الله، أو يذكر بغير العربيَّة. ا.هـ


وإذا كانتِ اللغات من أعظم شعائر الأمم التي بها يَتَمَيَّزون - كما قال شيخ الإسلام ابن تيميَّة - فإنَّ الأمَّة العزيزة تعتز بلغتها، وتحرص على استقلالها اللُّغَوي؛ كما تحرص على استقلالها العسكري والاقتصادي سواء، وتحترم قوانينها اللُّغَويَّة، وتَتَمَسَّك بها، والأمَّة الذَّليلة تفرط في لغتها، حتى تصبح أجنبيَّة عنها، وهي مَنسوبة إليها.


إلى مثل هذا المعنى أشارَ الكاتب الحجَّة البليغ مصطفى صادق الرَّافعي - رحمه الله - في قوله: "هل أعجب مِن أن المَجمَع العلمي الفرنسي يُؤَذِّن في قومه بإبطال كلمةٍ إنجليزيَّة، كانت في الألسنة من أثر الحرب الكبرى، ويوجب إسقاطها منَ اللُّغة جُملَةً، وهي كلمة: (نظام الحصر البَحْري)، وكانت مِمَّا جاءت مع نَكَبات فرنسا في الحرب العظمى.


فلَمَّا ذهبت تلك النَّكَبات، رأى المجمع العلمي أنَّ الكلمة وحدها نكبة على اللُّغة، كأنَّها جندي دولة أجنبيَّة في أرض دولة مُستَقلَّة بِشَارَتِه وسِلاحِه وعَلَمِه، يُعْلِن عن قَهْرٍ، أو غَلَبة، أو استعبادٍ! وهل فعلوا ذلكَ إلاَّ أنَّ التَّهَاون يدعو بعضه إلى بعض، وأنَّ الغفلة تبعث على ضعف الحفظ والتَّصَوُّن، وأنَّ الاختلاطَ والاضطراب يجيء منَ الغفلة، والفَسَاد يجتمع منَ الاختلاط والاضْطرَاب.


إنَّما الأُمُور بِمَقَاديرها في ميزان الاصطلاح، لا بِأَوزَانها في نفسها، فألف جندي أجنبي بأسلحتهم وذَخيرتهم في أرض هالِكَة بأهليها، ربما كانوا غوثًا تَفَتَّحَت به السَّماء؛ ولكن جنديًّا واحدًا من هؤلاء في أمَّة قويَّة مستقلَّة، تنشق له الأرض، وتكاد السَّماء أن تَقَعَ[6]. ا.هـ


وقال - رَحمَه الله - في موضعٍ آخر: ما ذَلَّت لغة شعب إلاَّ ذَلَّ، ولا انْحَطَّت إلاَّ كان أمره في ذَهابٍ وإِدْبار، ومِن هذا يفرض الأجنبي المستعمر[7] لغتَه فرضًا على الأمَّة المُستَعمَرَة، ويركبهم بها، ويشعرهم عظمته فيها، ويستلحقهم من ناحيتها؛ فيحكم عليهم أحكامًا ثلاثة في عمل واحد:
أمَّا الأوَّل: فحبس لغتهم في لغته سجنًا مؤبَّدًا.
وأمَّا الثاني: فالحكم على ماضيهم بالقَتل محوًا ونسيانًا.
وأمَّا الثالث: فتَقييد مُستقبلهم في الأَغلال التي يَصنَعُها، فأمرهم من بعدها لأمره تَبَعٌ"[8]. ا.هـ.


وقد قال الشَّافعي - رحمَه الله -:
إنَّ المسلمَ عليه أن يكونَ تَبَعًا فيما افتُرِضَ عليه، ونُدِبَ إليه، لا مَتْبُوعًا؛ أيْ: على كلِّ مسلمٍ أن يَتَعَلَّمَ من لغة العرب ما يكون به على أصل ما جاء به النَّبي - صَلَّى الله عليه وَسَلَّم - لا أن يظلَّ على لغته هو، أو عرف قومه واصطلاحهم ولهجتهم، وتتبعه لغة العرب التي جاءَ بها القرآن وسُنَّة النَّبي - صَلَّى الله عليه وَسَلَّم - فيكون بذلكَ متبوعًا.


واعلم أنَّ شخصيَّة الأمَّة تبدو جَليَّة عند اعتيادها الأخذ بلغة الكتاب العزيز، وأن تَرْكَ تلكَ اللُّغة مضيعة لشخصيَّة الأمَّة، وامِّحاء لها، وذوبان لتلكَ الشَّخصيَّة في كيان الأمم التي تَتَكَلَّم الأمة لغاتها.


فإن تَرَكَتِ الأمَّة لغةَ الكتاب إلى غير لُغَة مِمَّا يعتد به، فاعلم أنَّها أصْبَحَت أمَّة لا شخصيَّة لها، وعُدَّها في الموتى، وكَبِّر عليها أربعًا.
قال شيخ الإسلام ابن تَيْمِيَّة - رحمَه الله -:
"اعلم أنَّ اعتيادَ اللُّغة يؤثر في العقل والخُلُق والدِّين، تأثيرًا قويًّا بَيِّنًا، ويُؤَثِّر أيضًا في مشابهة صدر هذه الأمَّة منَ الصَّحابة والتابعينَ، ومُشَابَهتُهم تزيد العقل والدِّين والخُلُق"[9]. ا. هـ


وقال الرَّافعي - رحمه الله -:
"اللُّغة هي صورة وجود الأمَّة بأفكارها ومعانيها وحقائق نفوسها، وجودًا مُتَمَيِّزًا بخصائصه؛ فهي قوميَّة الفِكر، تَتَّحد بها الأمَّة في صور التفكير وأساليب أخذ المعنى منَ المادَّة.


والدِّقَّة في تركيب اللُّغة دليلٌ على دِقَّة المَلَكَات في أهلها، وعمقها هو عُمْق الرُّوح، ودليل الحِسِّ على ميل الأمَّة إلى التَّفكير والبحث في الأسباب والعِلَل.
وكثرة مُشتَقَّاتها برهان على نَزعة الحُرِّيَّة وطِماحها؛ فإنَّ رُوح الاستعباد ضَيِّق لا يَتَّسع، ودَأْبُه لُزُوم الكلمة والكلمات القليلة.


وإذا كانتِ اللُّغة بهذه المَنْزِلة، وكانت أمَّتُها حريصة عليها، ناهِضةً بها، مُتَّسِعة فيها، مكبرة شأنها، فما يأتي ذلكَ إلاَّ من رُوح التَّسَلُّط في شعبها والمُطابقة بين طبيعته وعمل طبيعته، وكونه سيد أمره، ومُحَقق وجوده، ومستعمل قُوَّته، والآخذ بحقِّه.


فأمَّا إذا كان منه التَّرَاخي والإهمال، وتَرك اللُّغة للطَّبيعة السُّوقيَّة، وإصغار أمرها، وتهوين خَطَرها، وإيثار غيرها بالحُبِّ والإكبار، فهذا شَعب خادمٌ لا مَخدوم، تابع لا مَتبُوع، ضعيف عن تكاليف السِّيادَة.


لا يطيق أن يحملَ عظمة ميراثه، مُجتَزئ ببعض حَقِّه، مكتفٍ بضَرُورَات العيش، يوضع لِحُكمه القانونُ الذي أكثره للحرمان، وأقَلُّه للفائدة التي هي كالحِرْمان.


لا جَرَمَ كانت لُغة الأمَّة هي الهدفَ الأَوَّل للمستعمرينَ، فلَن يَتَحَوَّل الشَّعب أول ما يَتَحَوَّل إلاَّ من لُغَته؛ إذ يكونُ منشأ التَّحَوُّل من أفكاره وعَوَاطفه وآماله.


وهو إذا انْقَطَعَ من نَسَب لغته انقَطَعَ من نَسَب ماضيه، فلَيسَ كاللُّغة نسبٌ للعاطفة والفِكْر؛ حتَّى إنَّ أبناء الأب الواحد لو اختلفت ألسنتُهُم، فنَشَأَ منهم ناشئ على لُغَة، ونشأ الثاني على أخرى، والثالث على لُغَة ثالثة، لكانوا في العاطفة كأبناء ثلاثة آباء"[10]. ا.هـ


وكان علماء الأمَّة - رحمهمُ الله - في صَدْرها الأَوَّل على وعي كامل بأَثَر اللغة في تكوين الأمَّة، وخطرها في بناء شَخصيَّة المسلم، ولذلكَ حَرَصُوا حرصًا شديدًا على لغة القرآن والسُّنَّة، وشَدَّدُوا النَّكير على مَن حادَ عنها إلى غيرها، واستبدلَ الذي هو أدنى بالذي هو خير.


قال شيخ الإسلام ابن تيميَّة - رحمَه الله -:
قال الشَّافعي، فيما رواه السِّلَفِي بإسناد مَعروف إلى محمد بن عبدالحَكَم قال: سمعتُ محمَّد بن إدريس الشَّافعي يقول:
"سَمَّى الله الطَّالبينَ من فضله في الشِّراء والبيع تُجَّارًا، ولم تزل العرب تُسميهم التجَّار، ثم سَمَّاهم رسول الله - صَلَّى الله عليه وَسَلَّم - بما سَمَّى الله به منَ التِّجارة بلسان العرب.


والسَّمَاسرة اسم من أسماء العَجَم، فلاَ نحبُّ أن يُسمِّيَ رجلٌ يعرف العربيَّة تاجرًا إلاَّ تاجرًا، ولا ينطق بالعربيَّة، فيسمي شيئًا بالعجميَّة؛ وذلكَ أنَّ اللسانَ الذي اختاره الله - عَزَّ وَجَلَّ - لسان العرب، فأنزل به كتابه العزيز، وجعَلَه لسان خاتم أنبيائه محمَّد - صَلَّى الله عليه وَسَلَّم.


ولِهَذا نقول: ينبغي لكُلِّ أحدٍ يَقدِر على تَعَلُّم العَرَبيَّة أن يَتَعَلَّمَهَا؛ لأنَّها اللسان الأَوْلَى بأن يكونَ مرغوبًا فيه، مِن غير أن يُحرِّم على أحدٍ أن ينطقَ بالعجميَّة.
قال شيخ الإسلام:
فقد كَرِه الشافعي لِمَن يعرف العربيَّة أن يسميَ بغيرها، وأن يَتَكَلَّمَ بها خالطًا لها بالعَجميَّة، وهذا الذي ذكره، قالَهُ الأئمة مأثورًا عنِ الصَّحابة والتابعينَ"[11]. ا. هـ


وقال - رحمه الله - في موضع آخر:
"وما زال السَّلَف يكرهون تغيير شعائر العرب حتَّى في المُعَامَلات، وهو التَّكَلُّم بغير العربيَّة، إلاَّ لحاجَة، كما نَصَّ على ذلك مالكٌ والشَّافعي وأحمد؛ بل قال مالك: مَن تَكَلَّم في مسجدنا بغير العربيَّة أُخرِج منه.


مع أنَّ سائرَ الألسن يَجوز النُّطق بها لأصحابها؛ ولكن سَوَّغوها للحاجة، وكَرهُوهَا لغير الحاجة، ولِحِفْظ الإسلام.
فإنَّ اللهَ أنزل كتابه باللسان العربي، وبَعَثَ به نَبيَّه العربي، وجعلَ الأمَّة العربيَّة خير الأمم، فصارَ حفظ شعارهم من تَمَام حفظ الإسلام.
فكيف بِمَن تَقَدَّم على الكلام العربي - مُفرده ومنظومه - يُغَيِّرُه ويُبَدِّله، ويخرجه عن قانونه، ويُكَلِّف الانتقال عنه؟!"[12].


ولم يكنِ العَرَبُ عندما يفتحون بلدًا منَ البُلدان يتركون لسانَهم ولسان قرآنهم من أجل لسان أحد؛ وإنما تغلب العربيَّة على أهل المِصْر المَفْتوح حتَّى تطبق عليه، ويكره المسلمونَ أَشَدَّ الكُرْهِ أن تَتَفَشَّى فيهم العُجْمة والرَّطَانَة البعيدتان عن لغة الكتاب وأهله.



قال شيخ الإسلام:
"واعتياد الخِطاب بغير العربيَّة التي هيَ شعار الإسلام ولُغة القرآن، حتى يصيرَ ذلكَ عادَة للمِصْر وأهله، ولأهل الدار، وللرجل معَ صاحبه، ولأهل السُّوق، أو للأُمراء، أو لأهل الدِّيوان، أو لأهل الفقه، فلاَ ريبَ أنَّ هذا مكروه؛ فإنَّه منَ التَّشَبُّه بالأعاجم.


ولهذا كانَ المسلمونَ المُتَقَدِّمون، لَمَّا سَكَنوا أرض الشام ومِصْر، ولغةُ أهلهما رُوميَّة، وأرضَ العراق وخُرَاسَان، ولغةُ أهلهما فارسيَّة، وأرضَ المغرب ولغةُ أهلها بَرْبَرِيَّة، عَوَّدُوا أهل هذه البلاد العَرَبيَّة، حتَّى غلبت على أهل هذه الأَمصار؛ مسلمهم وكافرهم، وهكذا كانت خُرَاسَان قديمًا.


ثمَّ إنَّهم - أي: المسلمينَ - تساهَلُوا في أمر اللغة، واعتادوا الخطاب بالفارسيَّة، حتى غلبت عليهم، وصارتِ العربيَّة مهجورةً عند كثيرٍ منهم، ولا ريبَ أنَّ هذا مَكرُوه.


وإنَّما الطَّريق الحَسَن اعتياد الخطاب بالعربيَّة، حتى يَتَلَقَّنها الصِّغار في الدُّور والمكاتب، فيظهر شعار الإسلام وأهله، ويكون ذلكَ أسهل على أهل الإسلام في فِقه معاني الكتاب والسُّنَّة وكلام السَّلَف، بخلاف منِ اعتادَ لغة، ثم أراد أن ينتقلَ إلى أخرى فإنَّه يصعبُ عليه"[13].


ويدلُّكَ على اكتساح العربيَّة لغات البلاد المفتوحة - غير ما ذكره شيخ الإسلام - رحمه الله - فيما تَقَدَّمَ - تلك الأَنَّة الشاكية التي كَتَبها "ألفارو" مَطران[14] "قرطبة" إلى أحد أصدقائه عام أربع وخمسين وثمانمائة منَ الميلاد، يصف فيها حال اللُّغة العربيَّة مع لغة كتابه المُقَدَّس، زَعَم.
وكيف تَحَوَّل أتْبَاعُه، وأتباع كتابه بالأمس إلى لغة القرآن المجيد، ولم يكن قد مَضَى على فتح الأندلس غير مائة وأربعين عامًا عندما كَتَب تلكَ الرِّسالة الشَّاكية.


كتب "ألفارو" مَطران "قرطبة" عام أربع وخمسين وثمانمائة للميلاد إلى أحد أصدقائه يقول:
"مَن الذي يعكف اليوم بين أتباعنا منَ المؤمنينَ على دراسة الكُتُب المُقَدَّسَة، أو يرجع إلى كتاب أي عالم من علمائها، مِمَّن كتبوا في اللُّغة اللاَّتينيَّة؟ مَن منهم يدرس الإنجيل، أو الأنبياء، أو الرُّسل؟
إنَّنا لا نرى غير شُبَّان مسيحيينَ هاموا حبًّا باللغة العربيَّة، يبحثون عن كتبها ويتُقنونها، ويدرسونها في شَغَف، ويعلقون عليها، ويَتَحَدَّثُون بها في طلاقة، ويكتبون بها في جمال وبلاغة، ويقولون فيها الشِّعر في رقة وأناقة.


يا للحزن! مسيحيونَ يجهلون كتابهم وقانونهم ولاَتينيتهم، وينسَوْن لغتهم نفسها، ولا يكاد الواحد منهم يستطيع أن يكتبَ رسالةً معقولةً لأخيه مُسَلِّمًا عليه، وتستطيع أن تجدَ جمعًا لا يُحْصَى يُظْهِر تفوقه وقدرته وتَمَكُّنه منَ اللغة العربيَّة". ا.هـ


وكان العرب يفرُّون منَ الوُقُوع في اللَّحن، ويحثُّون على تَعَلُّم العربيَّة فَحَرِيٌّ بطالب العلم أن يَتَعَلَّم قواعد الكلام العربي، وأن يفر من أن يلحن في كلامه.
وقد عَقَد ابنُ عبدالبر - رحمَه الله - في أول كتابه: "بهجة المَجَالس وأنس المُجَالِس" بابًا في اجتناب اللَّحن وتعلُّم العربيَّة، وذمِّ الغريب منَ الخطاب، أورد فيه أخبارًا وأشعارًا حول هذا الأمر، وصدَّره بقول عمر - رضيَ الله عنه، حينما كَتَب إلى أبي موسى الأشعري - رضي الله عنهما -: أمَّا بعدُ، فتَفَقَّهوا في السُّنَّة، وتعلَّموا العربيَّة، وأعرِبوا القرآن؛ فإنَّه عَربي[15].


ورَوَى ابن أبي شيبة، عن عمر أيضًا أنَّه قال: تعلَّموا العربيَّة؛ فإنَّها من دينكم، وتعلَّموا الفَرَائضَ؛ فإنَّها مِن دينكم[16].
ورَوى الخطيب البغدادي - رحمَه الله - في كتابه "الجامع لأخلاق الرَّاوي وآداب السامع" 2/25 (1067)، أنَّ عمرَ بن الخَطَّاب - رضيَ الله عنه - قال: تعلَّموا العربيَّة؛ فإنَّها تزيد في المروءة، وتثبت العقل.


قال شيخ الإسلام ابن تيميَّة - رحمه الله - في "اقتضاء الصِّراط المستقيم" ص 317: "وهذا الذي أمر به عمر - رضيَ الله عنه - من فقه العربيَّة، وفقه الشَّريعة، يجمع ما يُحْتَاج إليه؛ لأنَّ الدِّين فيه أقوال وأعمال، فَفِقه العربيَّة هو الطريق إلى فقه أقواله، وفِقه السُّنَّة هو فقه أعماله. ا.هـ
ورَوَى ابن أبي شيبة أيضًا في "مصنفه"، عنِ ابن عمرَ - رضيَ الله عنهما - أنَّه كانَ يضرب ولده على اللَّحن[17].
ورَوَى أيضًا، عن أُبَي بن كعب أنه قال: تعلَّموا العربيَّة، كما تعلمون حفظ القُرآن[18].
ورَوَى أيضًا، عن ابن عمر أنَّه قال: أعرِبوا القرآن؛ فإنَّه عربي[19].
ورَوَى أيضًا، عن ابن بُرَيْدَة، عن رجل من أصحاب النَّبي - صَلَّى الله عليه وَسَلَّم - أنَّه قال: لأَن أقرأَ آيةً بإعرابٍ أحبُّ إليَّ مِن أنْ أقرأَ كذا وكذا آية بغير إعرابٍ[20].
ورَوَى أيضًا، عن أبي جعفر أنَّه قال: مِن فِقه الرجل عرفانه اللَّحن[21].


ولاَ شَكَّ أنَّ دِعامة العُلُوم العربيَّة وقانونها الأَعلى، الذي منه تستمد العون، وتستَلْهِم القصد، وترجع إليه في جميع مسائلها، وفروع تشريها، هو علم النَّحو.
وهذه العلوم النَّقليَّة - على عظيم شأنِها - لا سبيلَ إلى استخلاص حقائقها، والنَّفاذ إلى أسرارها بغير هذا العلم، فهل ندركُ كلام الله تعالى، ونَفهم دقائقَ التَّفسير، وأحاديث الرَّسول - عليه السَّلام، وأصول العقائد، وأدلَّة الحكام، وما يتبع ذلكَ من مسائل فقهيَّة، وبحوث شرعيَّة مختلفة، قد ترقى بصاحبها إلى مراتب الأئمَّة، وتسمو به إلى منازل المجتهدينَ إلاَّ بإلهام النَّحو وإرشاده؟!


ولذلكَ أجْمَعَ الأئمَّة منَ السَّلَف والخَلَف قاطبة على أنَّ النَّحو شرط في رتبة الاجتهاد، وأن المجتهد لو جَمَع كُلَّ العلوم لم يبلغ رتبة الاجتهاد حتى يعلم النَّحو، فيعرف به المعاني التي لا سبيل لمعرفتها بغيره، فرُتبة الاجتهاد مُتَوَقِّفة عليه، لا تتم إلاَّ به[22].


فعلم النَّحو من أسْمَى العلوم قدرًا، وأنفعها أَثَرًا، به يَتَثَقَّف أَوَد[23] اللسان، ويَسْلَس[24] عنان البيان، وقيمة المرء فيما تحت طيِّ لسانه، لا طيلسانه، ولا يمكن أن يستغنيَ عن علم النَّحو إلاَّ الأخرسُ الذي لا يفصح بحرف واحدٍ.
وقد وَرَد عن سَلَفنا الصَّالح - رحمهم الله تعالى - آثار كثيرة تَحُثُّ على تعلُّم علم النَّحو، أورَدَ منها الخطيب البغدادي - رحمَه الله - طرفًا في كتابه: "الجامع لأخلاق الرَّاوي وآداب السامع"، وَبَوَّبَ عليها - رحمَه الله - بقوله: التَّرغيب في تعلُّم النحو والعربيَّة لأداء الحديث بالعبارة السَّويَّة.


وللموضوع تتمة




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 06-10-2020, 06:37 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,602
الدولة : Egypt
افتراضي رد: أهمية تعلم علم النحو

أهمية تعلم علم النحو

أبو أنس أشرف بن يوسف بن حسن



ومنَ الآثار التي أوردها - رحمه الله -:
1- قال الرَّحبي: سمعتُ بعض أصحابنا يقول: إذا كَتَبَ لَحَّان، فكتب عنِ اللَّحَّان لَحَّانٌ آخر، فكَتَب عنِ اللَّحَّان لحانٌ آخر، صارَ الحديث بالفارسيَّة[25].
قال الخطيب البغدادي - رحمه الله -: فينبغي للمُحَدِّث أن يَتَّقيَ اللَّحن في روايته؛ لِلعلَّة التي ذكرناها، ولن يقدرَ على ذلكَ إلاَّ بعد دراسة النَّحو، ومطالعته علم العربيَّة. ا.هـ
2- قال المغيرة بن عبدالرحمن: جاء الدَّرَاوَرْدِي - يعني: عبدالعزيز بن محمد - إلى أبي يعرض عليه الحديث، فجعل يقرأ ويلحن لحنًا بَيِّنًا، فقال له أَبِي: وَيحكَ يا دَرَاوَرْدِيّ، أنتَ كنتَ بإقامة لسانكَ قبل هذا الشأن أحرى[26].
3- قال حاجب بن سليمان: سمعتُ وكيعًا يقول: أتيتُ الأعمش أسمع منه الحديثَ، وكنتُ ربَّما لحنتُ، فقال لي: يا أبا سفيان، تركتَ ما هو أَوْلَى بكَ منَ الحديث. فقلتُ يا أبا محمد، وأي شيء أَوْلَى منَ الحديث؟ قال: النَّحو. فأَمْلَى عليَّ الأعمش النَّحو، ثُمَّ أملى عليَّ الحديثَ[27].
4- سمع أبو عمرو أبا حنيفة يَتَكَلَّم في الفقه، ويلحن، فأعْجَبَه كلامه، واستقبح لَحنه، فقال: إنَّه لَخَطَّاب، لو ساعَدَهُ صَوَاب.
ثم قال لأبي حنيفة: إنَّكَ لأَحوج إلى إصلاح لسانكَ من جميع النَّاس[28].
5- قال شعبة: مَن طَلَب الحديث، فلم يبصر العربيَّة، فمثله مَثَل رجل عليه بُرْنُس، وليس له رأس[29].
6- قال حَمَّاد بن سَلَمة: مَثَل الذي يَطلُب الحديثَ، ولا يعرف النَّحو، مثل الحِمار، عليه مخلاة[30]، لا شعير فيها[31].
7- قال حماد بن سلمة لإنسان: إن لحنتَ في حديثي فقد كذبتَ عليَّ؛ فإني لا ألحن[32].
8- قال الشعبي: النَّحو في العلم كالملح في الطَّعام، لا يُستَغنى عنه[33].
9- قال سالم بن قتيبة: كنتُ عند ابن هُبَيرة الأكبر، فجَرَى الحديث، حتى ذكر العربيَّة، فقال: والله ما استوى رجلان، دينُهما واحد، وحسبهما واحد، ومروءتهما واحدة، أحدهما يلحن، والآخر لا يلحن، إنَّ أفضلهما في الدنيا والآخرة الذي لا يلحن.


قلت: أصلحَ الله الأمير، هذا أفضل في الدُّنيا لفضل فصاحته وعَرَبيته، أرأيتَ الآخرة، ما باله فُضِّل فيها؟
قال: إنَّه يقرأ كتاب الله على ما أنزل الله، وإنَّ الذي يلحن يحمله لَحنه على أن يُدْخِلَ في كتاب الله ما ليس فيه، ويُخْرِج منه ما هو فيه. قال: قلتُ: صَدَق الأمير، وبَرَّ[34].


وقال علي - رضي الله عنه -: تعلَّموا النَّحو؛ فإنَّ بني إسرائيل كفروا بحرفٍ واحد كان في الإنجيل الكريم مسطورًا، وهو: أنا وَلَّدت عيسى. بتشديد اللام، فخَفَّفوه، فكَفَرُوا.
وكان بعض البلغاء يقول: إنِّي لأجد للَّحن في فمي سُهُوكة كسُهُوكَة اللَّحم.
وقال الأصمعي - رحمه الله -[35]: إن أخوف ما أخاف على طالب العلم - إذا لم يعرف النَّحو - أن يَدخلَ في جملة قوله - صَلَّى الله عليه وَسَلَّم -: ((مَن كذب عليَّ متعمدًا فَلْيَتَبَوَّأ مقعده منَ النار))[36].
وقال ابن جنِّي[37]: إنَّ أكثر مَن ضَلَّ من أهل الشَّريعة عن القصد فيها، وحادَ عن الطَّريقة المُثلى إليها فإنَّما استهواه، واستخَفَّ حلمَهُ، ضعفُه في هذه اللُّغة الكريمة الشَّريفة التي خوطب الكافة بها. ا هـ [38].


وقال عبدالله بن المبارك - رحمه الله -: اللَّحن في الكلام أقبح من آثار الجدري في الوجه.
وقال الزُّهْرِي - رحمه الله -: ما أحدث النَّاس مروءةً أحب إليَّ من تعلُّم النحو[39].
وقال الشافعي - رحمه الله -: مَن تَبَحَّرَ في النحو اهتدَى إلى كل العلوم[40].
وقال أيضًا - رحمه الله -: لا أُسأَل عَن مسألة مِن مسائل الفِقه إلاَّ أجبتُ عنها من قواعد النحو[41].
وقال أيضًا - رحمه الله -: ما أردتُ بها - يعني: العربيَّة والأخبار - إلاَّ الاستعانة على الفقه [42].


وفي "معجم الأدباء" للحموي: حَدَّثَ النَّضر بن شُمَيل، قال أخبرنا الخليل بن أحمد، قال: سمعتُ أيوب السَّخْتِيَانِي يُحَدِّث بحديثٍ، فَلَحَن فيه، فقال: أستغفر الله، يعني: أنه عَدَّ اللَّحن ذنبًا [43].
وفيه أيضًا: وحَدَّث أبو العيناء، عن وَهْب بن جرير، أنه قال لفتى من باهلة: يا بُنَي، اطلب النَّحو؛ فإنَّكَ لن تعلمَ منه بابًا إلاَّ تَدَرَّعتَ[44] منَ الجمال سِربالاً[45].
وفيه أيضًا، عن سعيد بن سَلْم، قال: دخلتُ على الرَّشيد، فبَهَرَني هيبةً وجمالاً، فلَمَّا لَحَن خَفَّ في عَيْنِي.


وعلى هذا قول الشاعر:
يُعْجِبُنِي زِيُّ الفَتَى وَجَمَالُهُ فَيَسْقُطُ مِنْ عَيْنَيَّ سَاعَةَ يَلْحَنُ


وفيه أيضًا: عن الشَّعبي، قال: حُلِي الرِّجال العربيَّة، وحلي النساء الشَّحم.
وفيه أيضًا: قال رجل لبَنِيه: يا بَنِي، أصْلِحوا مِن ألْسِنتكم؛ فإنَّ الرَّجل تنوبه النَّائبة، يحتاج أن يَتَجَمَّل فيها، فستعير من أخيه دابة، ومن صديقه ثوبًا، ولا يجد من يعيره لسانًا.


فهذه جملة منَ الآثار الواردة عن سَلَفنا الصالح - رحمهم الله، تبين عنايتهم البالغة باللُّغة، وكيفَ أنَّها كانت أهم وسيلة عندهم لتَعَلُّم دينهم، ونحن مأمورونَ باقتفاء آثارهم، والاهتداء بمنارهم، ففيهم وفي سلوك سبيلهم الخير كله.
وما زال الأمر على ذلكَ حتى يومنا هذا، فها هو سماحة الشَّيخ ابن عُثَيمين - رحمَه الله - ينادي بضرورة تعلُّم علم النَّحو، فقد ذَكَر - رحمه الله - في مقدمة شرحه لكتاب "نزهة النَّظَر" أنَّ علمَ النَّحو أهم من علم الحديث من وجه. ا.هـ


وكلنا يعلم ما لعلم الحديث من أهميَّة إذ هو الطريق لمعرفة ما صَحَّ عن رسول الله - صَلَّى الله عليه وَسَلَّم - من أحاديث؛ حتى يتعَبَّد لله بها.
وكذلكَ كان الشَّيخ مُقبل الوَادعي - رحمه الله -: فقد كانَ - رحمَه الله - يحثُّ طلابه كثيرًا على تعلُّم اللُّغة العربيَّة، وكان يُخَلِّل دروسه بالسُّؤال عن الشَّواهد الشِّعريَّة والإعراب، وقد قال - رحمه الله - يومًا لطُلاَّبه: يا أبنائي، إن كانت لي عندكم نصيحَة مُتَقَبَّلَة فاهتَمُّوا بالنَّحو[46].


ولقد أورَدَ أبو بكر محمد بن عبدالملك الشَّنْتَرِينِيّ[47] قصيدتينِ تُبَيِّنَان أهميَّة تعلُّم علم النحو، في فصل من كتابه: "تنبيه الألباب على فضائل الإعراب".
القصيدة الأولى لإسحاق بن خَلَف المعروف بابن الطَّبيب[48]، يقول فيها:
النَّحْوُ يَبْسُطُ مِنْ لِسَانِ الأَلْكَنِ[49] وَالمَرْءُ تُعْظِمُهُ إِذَا لَمْ يَلْحَنِ
فَإِذَا طَلَبْتَ مِنَ العُلُومِ أَجَلَّهَا فَأَجَلُّهَا مِنْهَا مُقِيمُ الأَلْسُنِ
لَحْنُ الشَّرِيفِ يُزِيلُهُ عَنْ قَدْرِهِ وَتَرَاهُ يَسْقُطُ مِنْ لِحَاظِ الأَعْيُنِ
وَتَرَى الوَضِيعَ إِذَا تَكَلَّمَ مُعْرِبًا نَالَ المَهَابَةَ بِاللِّسَانِ الأَلْسَنِ
مَا وَرَّثَ الآبَاءُ عِنْدَ وَفَاتِهِمْ لِبَنِيهِمُ مِثْلَ العُلُومِ فَأَتْقِنِ
فَاطْلُبْ هُدِيتَ وَلا تَكُنْ مُتَأَبِّيًا فَالنَّحْوُ زَيْنُ العَالِمِ المُتَفَنِّنِ
والنَّحْوُ مِثْلُ المِلْحِ إِنْ أَلْقَيْتَهُ فِي كُلِّ صِنْفٍ مِنْ طَعَامٍ يَحْسُنِ


وأمَّا القصيدة الثانية فَلِلْكِسَائيّ علي بن حمزة - رحمَه الله تعالى[50]، قال فيها:
إِنَّمَا النَّحْوُ قِياسٌ يُتَّبَعْ وَبِهِ فِي كُلِّ أَمْرٍ يُنْتَفَعْ
فَإِذَا مَا أَتْقَنَ النَّحْوَ الفَتَى مَرَّ فِي المَنْطِقِ مَرًّا فَاتَّسَعْ
وَاتَّقَاهُ كُلُّ مَنْ يَسْمَعُهُ مِنْ جَلِيسٍ نَاطِقٍ أَوْ مُسْتَمِعْ
وَإِذَا لَمْ يَعْرِفِ النَّحْوَ الفَتَى هَابَ أَنْ يَنْطِقَ جُبْنًا فَانْقَمَعْ
يَقْرَأُ القُرْآنَ لا يَعْرِفُ مَا صَرَّفَ الإِعْرَابُ فِيهِ وَصَنَعْ
فَتَرَاهُ يَنْصِبُ الرَّفْعَ وَمَا كَانَ مِنْ نَصْبٍ وَمِنْ خَفْضٍ رَفَعْ
وَإِذَا حَرْفٌ جَرَى إِعْرَابُهُ صَعُبَ الحَرْفُ عَلَيْهِ وَامْتَنَعْ
يَتَّقِي اللَّحْنَ إِذَا يَقْرَؤُهُ وَهْوَ لا يَدْرِي وَفِي اللَّحْنِ وَقَعْ
يَلْزَمُ الذَّنْبُ الَّذِي أَقْرَأَهُ وَهْوَ لاَ ذَنْبَ لَهُ فِيمَا اتَّبَعْ
وَالَّذِي يَعْرِفُهُ يَقْرَؤُهُ وَإِذَا مَا شَكَّ فِي حَرْفٍ رَجَعْ
نَاظِرًا فِيهِ وَفِي إِعْرَابِهِ فَإِذَا مَا عَرَفَ الحَقَّ صَدَعْ
أَهُمَا فِيهِ سَوَاءٌ عِنْدَكُمْ لَيْسَتِ السُّنَّةُ فِينَا كَالبِدَعْ
وَكَذَاكَ العِلْمُ وَالجَهْلُ فَخُذْ مِنْهُمَا مَا شِئْتَ مِنْ شَيءٍ وَدَعْ
كَمْ وَضِيعٍ رَفَعَ النَّحْوُ وَكَمْ مِنْ شَرِيفٍ قَدْ رَأَيْنَاهُ وَضَعْ

وقال آخر:

وَيَا حَبَّذَا النّحْوُ مِنْ مَطْلَبٍ تَعَالَى بِهِ قَدْرُ طُلاَّبِهِ
كَأَنَّ العُلُومَ لَهُ عَسْكَرٌ وُقُوفٌ خُضُوعٌ عَلَى بَابِهِ


وقال شاعر يصف النحو:
اقْتَبِسِ اقْتَبِسِ النَّحْوَ فَنِعْمَ المُقْتَبَسْ وَالنَّحْوُ زَيْنٌ وَجَمَالٌ مُلْتَمَسْ
صَاحِبُهُ مُكْرَمٌ حَيَثُ جَلَسْ مَنْ فَاتَهُ فَقَدْ تَعَمَّى وَانْتَكَسْ
كَأَنَّ مَا فِيهِ مِنَ العِيِّ خَرَسْ شَتَّانَ مَا بَيْنَ الحِمَارِ وَالفَرَسْ

[51]

وإنَّ مَن يحاول إقامة الدليل على فضل علم النحو كان كَمَن يتكلفه على إشراق الشمس وضياء النهار.


ـــــــــــــــــــــــــــــ
[1] "أباطيل وأسمار" للعلامة محمود محمد شاكر ص 436.
[2] الإمامُ، نحويُّ زمانه، أبو إسحاق، إبراهيم بن محمد بن السَّري الزَّجَّاج البغدادي، مُصَنِّف كتاب "معاني القرآن"، وله تآليف جَمَّة. مات سنة إحدى عشرة وثلاثمائة، وقيل: مات في تاسع عشر جمادى الآخرة سنة عشرة. "السِّيَر" 14/360.
[3] إمام النحو، أبو العباس، محمد بن يزيد بن عبدالأكبر الأزدي، البصري، النحوي، الأخباري، صاحب "الكامل".
أخذ عن الجَرْمي، والمازني، وأبي حاتم السجستاني وغيرهم، إلاَّ أنَّ أغلبَ تَلَقِّيه عن المازني، ثم نبه قدره في البصرة، وانتهتْ إليه الرِّياسة؛ حتى قال الناس: ما رأى محمد بن يزيد مثل نفسه، وأما سبب تَلقيبه بالمُبَرِّد فقال ياقوت: وإنَّما لُقِّبَ بالمبرد؛ لأنَّه لَمَّا صَنَّف المازني كتاب الألف واللام سَألَه عن دقيقه وعويصه، فأجابه بأحسن جواب، فقال له المازني: قم فأنتَ المُبْرِد؛ أي: المثبت للحق، فحَرَّفَه الكوفيون، وفتَحُوا الرَّاء.
مات المُبَرِّد ببغداد سنة خمس وثمانين ومائتين.
[4] الرَّطانة بفتح الرَّاء وكسرها، والتَّراطُن: كلام لا يفهمه الجمهور، وإنَّما هو مواضعة بين اثنين أو جماعة، والعرب تخص بها غالبًا كلام العجم. "النهاية" لابن الأثير (ر ط ن).
[5] وهذا هو الذي كان عليه السَّلَف منَ الصَّحَابة والتَّابعينَ - رضيَ الله عنهم، فقد رَوَى ابن أبي شيبة في "المصنف" أن عمر - رضي الله عنه - قال: ما تَكَلَّمَ الرجل بالفارسيَّة إلاَّ خَبَّ *، ولا خَبَّ إلاَّ نقصت مُرُوءته.
ورَوَى أيضًا عن عطاء أنَّه قال: لا تعلموا رطانة الأعاجم، ولا تدخلوا عليهم كنائسهم؛ فإنَّ السخط ينزل عليهم.
ورَوَى أيضًا عن محمد بن سعد بن أبي وقاص أنَّه سمعَ قومًا يَتَكَلَّمُونَ بالفارسيَّة، فقال: ما بال المَجوسيَّة بعد الحنيفيَّة؟!
ــــــــــــــــ
* يقال: خَبَّ فلان؛ يعني: صارَ خَدَّاعًا، والخِبُّ بالكسر والفتح -: الرَّجل الخَدَّاع. "مختار الصحاح"، و"القاموس المحيط" (خ، ب، ب).
[6] "تحت راية القرآن" للرافعي ص 25.
[7] هو المستدمر، لا المستعمر.
[8] "وحي القلم" للرَّافعي (3/33).
[9] "اقتضاء الصراط المستقيم" (ص316).
[10] "وحي القلم" (3/32).
[11] "اقتضاء الصِّراط المستقيم" (ص 313)، وسيأتي إن شاء الله قريًبا ذكر شيء من هذه الآثار عنِ الصحابة والتابعين.
[12] "مجموع فتاوى شيخ الإسلام" (32/255).
[13] "اقتضاء الصراط المستقيم" (ص316)
[14] مَطران النصارى ويكسر: لكبيرهم، ليس بعربي محض." القاموس المحيط" (م ط ر).
[15] رواه أبو بكر بن أبي شيبة في "مُصَنَّفه" 5/240، 6/116 (25651، 29914).
[16] المصنف 6/117 (29926).
[17] المصنف 5/240، 6/116 (25650، 29919)، ورواه أيضًا الخطيب البغدادي - رحمه الله - في كتابه "الجامع لأخلاق الرَّاوي وآداب السامع" 2/28 (1082)، عن ابن عمر وابن عباس - رضي الله عنهم.
وروى أيضًا - رحمه الله - في نفْسِ الكتاب 2/28 (1081) عن علي بن أبي طالب - رضيَ الله عنه، أنَّه كان يضرب الحَسَن والحُسَين على اللَّحن.
وفي "معجم الأدباء" للحَمَوي، قال: وكان عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يضرب أولاده على اللَّحن، ولا يضربهم على الخَطَأ.
وفيه أيضًا: وقد كان عمر بن عبدالعزيز أشد الناس في اللَّحن على ولده وخاصته ورعيته، وربَّما أَدَّبَ عليه.
[18] " المصنف" 6/116 (29915).
[19] "المصنف" 6/116 (29917).
[20] "المصنف" 6/116 (29918).
[21] "المصنف" 6/117 (29927).
[22] الفصل الحادي عشر - باختصار - من كتاب: "لمع الأدلة، في أصول النحو" لأبي البركات، كمال الدين بن محمد الأنباري، المُتَوَفَّى سنة 577هـ.
[23] يقال: أَوِد يَأْوَدُ أَوَدًا: اعْوَجَّ، ويقال: أقام أَوَدَه: قَوَّم اعوجاجه. "الوسيط" (أ و د).
[24] يقال: سَلِسَ الشَّيء يسْلَسُ سلسًا: سهلَ ولانَ وانقاد. "الوسيط" (س ل س).
[25] "الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع" 2/24 (1064).
[26] "الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع" 2/26 (1070).
[27] "الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع" 2/26 (1071).
[28] "الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع" 2/26 (1072).
[29] "الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع" 2/26 (1073).
[30] المِخْلاَة - بالكسر -: ما يجعل فيه الخَلَى، والخلى - مقصور -: هو الرطب من الحشيش. "مختار الصحاح" (خ ل ي).
[31] "الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع" 2/26 (1074).
[32] "الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع" 2/29 (1087).
[33] "الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع" 2/28 (1080).
[34] "الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع" 2/25 (1069).
وفي "معجم الأدباء" للحموي، عن يحيى بن عتيق، قال: سألتُ الحسن، فقلت: يا أبا سعيد، الرَّجل يتعلم العربية، يلتمس بها حسن المنطق، ويقيم بها قراءته، قال الحسن: يا بُنَي، فتعلمها؛ فإن الرَّجل يقرأ الآية، فيعيا بوجهها، فيهلك فيها.
[35] هو عبدالملك بن قريب - اسمه عاصم، غلبَ عليه لقبه - بن علي بن أصمع الباهلي، أبو سعيد، أحد أئمَّة العلم بالشعر واللُّغة والنَّحو والأخبار، أخَذَ العلم في البصرة عنِ الخليل، وابن العلاء، وأخذ عنه الرِّياشي، والسجستاني، له مؤلفات وتصانيف كثيرة، منها: "خلق الإنسان"، و"المقصور والممدود"، و"الأضداد"، وغيرها. توفِّي سنة 216هـ.
وانظر ترجمته في: "إنباه الرواة" 2/197، و"بغية الوعاة" 2/112، و"شذرات الذهب" 2/36، و"الأعلام" 4/162.
[36] "البخاري" (108)، و"مسلم"1/10 (3).
[37] إمام العربية، أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي، صاحب التصانيف، وأبوه جني "معرب كنى"، مملوك رومي لسليمان بن فهد الموصلي*، ولد أبو الفتح بالموصل ممتعًا بإحدى عينيه**، وتَلَقَّى عن علماء الموصل، ولم ينشب أن تصدَّر بها للدراسة يافعًا، فمَرَّ الفارسي عليه وسأله، والناس حوله، فلم يحر جوابًا، فقال له: تَزَبَّبْتَ وأنتَ حِصْرِم***، فلازَمَه بعدئذ ثم خلفه بعد وفاته في بغداد، وملأ اسمه الأسماع، وحذق علوم اللغة العربية، وارتَحَلَ إلى حلب كثيرًا، وتناظر مع المتنبي فيها، ثم توثَّقت بينهما أواصر المَحَبَّة، ومؤلفاته تبهر العقول؛ فإنَّها مع كثرتها في غاية الإتقان، منها في النحو، "سر الصناعة"****، و"اللمع"، و"التصريف"*****، و"التلقين" في النحو، و"التعاقب"، و"المقصور والممدود"، و"الخصائص"******، و"إعراب الحماسة"، و"ما يذكر ويؤنث"، و"المحتسب في الشواذ"*******، تُوفِّي ببغداد في صفر سنة اثنتين وتسعين وثلاثمائة، ووُلدَ قبل الثلاثين وثلاثمائة، وانظر: "السير" 17/ 17، و"نشأة النحو" ص 158.
ــــــــــــــــ
*وفي ذلك يقول ابن جني:
فَإِنْ أُصْبِحْ بِلاَ نَسَبٍ فَعِلْمِي فِي الوَرَى نَسَبِي
عَلَى أَنِّي أَؤُولُ إِلَى قُرُومٍ سَادَةٍ نُجُبِ
قَيَاصِرَةٍ إِذَا نَطَقُوا أَرَمَّ الدَّهْرُ ذُو الخُطَبِ
أُولاكَ دَعَا النَّبِيُّ لَهُمْ كَفَى شَرَفًا دُعَاءُ نَبِي


** أي: إنَّه كان أعور.
*** تَزَبَّبَ العنب: صار ذبيبًا، والحِصْرم: أول العنب ما دام أخضر، وفي المَثَل: تَزَبَّبَ قبل أن يَتَحَصرَم، إذا ادَّعى حالة أو صفة قبل أن يَتَهَيَّأ لها، "القاموس المحيط"، و"المعجم الوسيط" ( ح ص ر م).
**** انظر نُسَخَه الخطيَّة في "تاريخ الأَدَب العربي" لبروكلمان 2/ 245، 246 (النسخة العَرَبيَّة)، وقد نشر مصطفى السَّقَّا وآخرون الجزء الأول منه في مطبعة مصطفى الحلبي بالقاهرة، سنة 1954م.
***** طُبع باعتناء هوبرغ في ليبزغ سنة 1885م، وطُبع مع شُرُوح للشَّيخ محمد نعسان الحموي سنة 1331 هـ في مصر.
****** طُبعَ في مصر عام 1376 هـ في دار الكُتُب المصريَّة، في ثلاثة أجزاء، بتحقيق الأستاذ محمد علي النجار.
******* طُبعَ في القاهرة سنة 1386 هـ بإشراف المجلس الأعلى للشؤون الإسلاميَّة، واسمه: "المحتسب في تبيين وجوه شواذ القراءات والإيضاح عنها"، وطُبعَ لابن جني أيضًا كتاب "المقتضب" في اسم المفعول الثلاثي المعتل العين سنة 1903 في ليبزغ، وطُبع أيضًا في القاهرة 1922 بعنوان "المقتضب من كلام العرب" ضمن ثلاث رسائل، معه رسالتان هما: "ما يحتاج إليه الكاتب مِن مهموز ومقصور وممدود"، و"عقود الهمز وخواص أمثلة الفعل"، ونشر إبراهيم مصطفى وعبدالله أمين الجزء الأول من كتاب "المنصف شرح تصريف المازني" في مطبعة مصطفى حلبي بالقاهرة سنة 1954، وانظر جُملة مُصَنَّفات ابن جني في: "الفهرست" 95، و"معجم الأدباء" 12/ 109 - 112، و "إنباه الرواة" 2 / 336، 337.
[38] "الخصائص" 3/ 245. وقال النووي - رحمه الله - في "شرح صحيح مسلم" 7/ 157 : وأمَّا ما يقع في كثير من كُتُب المصنفين من استعمال "كافة" مضافة وبالتعريف؛ كقولهم: هذا قول كافَّة العلماء، ومذهب الكافَّة، فهو خَطَأ معدودٌ في لَحن العوام وتحريفِهم. ا هـ؛ ولكن الصَّحيح جواز ذلكَ، وأنَّه ليس منَ اللَّحن، وقد بينتُ ذلكَ في أول كتابي: "التوضيحات الوفية شرح القواعد الأساسية". يَسَّرَ الله طبعه.
[39] "معجم الأدباء" للحموي.
[40] "شذرات الذهب"، لابن العماد الحنبلي (231).
[41] "شذرات الذهب"، لابن العماد الحنبلي (231).
[42] "مناقب البيهقي" 2/ 42، و"سير أعلام النبلاء" 10/ 75.
[43] قال ابن فارس في كتابه"الصاحبي في فقه اللغة": وقد كان الناس قديمًا يجتنبونَ اللَّحن فيما يكتبونه، أو يقرؤونه اجتنابهم بعض الذنوب. ا هـ.
[44] أي: لبست.
[45] السِّربال: القميص.
[46] نقل ذلكَ عنه تلميذه أبو بلال الحضرمي في مقدمة تحقيقه لكتاب: "موصل الطلاب إلى قواعد الإعراب".
[47] محمد بن عبدالملك الأندلسي الشنتريني، أبو بكر، نحوي، من أهل شنترين في غربي قرطبة، نزل بمصر، من كتبه: "تلقيح الألباب في عوامل الإعراب"، وكتاب "العروض"، وانظر: "الأعلام" للزركلي 7/128، و"بغية الوعاة" 68.
[48] هو إسحاق بن خَلَف، كان في منْشَئِه من أهل الفتوة ومعاشرة الشُّطَّار؛ أي: الخبثاء الفجار، وحبس في جناية، فقال الشعر في السجن، وتَرَقَّى في ذلك حتى مدح الملوك، ودُوِّن شعره، ولم يزل على رسم الفُتُوة وضرب الطُّنبور آلة من آلات اللعب واللهو والطرب، ذات عنق وأوتار، إلى أن توفِّي نحو سنة 230 هـ، وانظر "الأعلام" للزركلي 1/ 295، و"الوافي بالوفيات" 8/ 267.
[49] يقال: لَكِن - كـ"فَرِحَ" - لَكَنًا - محركة - ولُكْنَة، ولُكُونة، ولكنونة، بضمهن، فهو ألكن لا يقيم العربية لعجمة لسانه. "القاموس المحيط" (ل ك ن).
[50] الإمام، شيخ القراءة والعربية، أبو الحسن علي بن حمزة بن عبدالله بن بَهْمَن بن فيروز الأسدي، مولاهم الكوفي، فارسي الأصل، سُئِل عن تلقيبه بالكسائي فقال: لأنِّي أحرمتُ في كساء. وقيل في السبب غير هذا، نشأ بالكوفة، وتعلم النحو على كِبَر، وكان سبب تعلمه أنه جاء يومًا، وقد مشى حتى أعيا، فجلس إلى قوم فيهم فضل، وكان يجالسهم كثيرًا، فقال: قد عيَّيْت، فقالوا له: تجالسنا وأنت تلحن؟! فقال: كيف لحنتُ؟ فقالوا: إن كنتَ أردتَ من التعب فقل: أعْيَيْتُ. وإن كنتَ أردت من انقطاع الحيلة والتَّحيُّر في الأمر فقل: عَيِيتُ. فأنف من هذه الكلمة، وقام من فوره، فسأل عمَّن يُعَلِّم النحو، فأرشدوه إلى معاذ الهراء، فلزمه حتى أنفد ما عنده *.
ثمَّ تَوَجَّه تلقاء البصرة، فتلقى عن عيسى بن عمر المقرئ والخليل وغيرهما، ولَمَّا أعجب بالخليل قال له: من أين أخذت علمكَ هذا؟ قال: من بوادي الحجاز ونجد وتهامة، فجابَ هذه البوادي، وقضى وطره، فقيل: قدمَ وقد كتب بخمس عشرة قنِّينة حبر**، ثمَّ جابَ إلى البصرة، فألفى الخليل قضى نَحبه، وخلفه يونس، فجلس في حلقته، ومَرَّت بينهما مسائل، اعترف له يونس بها.
قال الشافعي - رحمه الله -: مَن أرادَ أن يتبَحَّرَ في النحو فهو عيال على الكسائي.
وقال ابن الأنباري: اجتمع فيه أنَّه كان أعلمَ النَّاس بالنحو، وواحدهم في الغريب، وأوحد في علم القرآن، كان يكثرون عليه حتى لا يضبط عليهم، فكان يجمعهم، ويجلس على كرسي، ويتلو وهم يضبطون عنه حتى الوقوف، وله عدَّة تصانيف، منها: "معاني القرآن"، و"كتاب في القراءات"، وكتاب "النوادر الكبير"، و"مختصر في النحو"، وغير ذلك.
قال الكسائي: صَلَّيت بهارون الرشيد، فأعجبتني قراءتي، فغلطتُ في آية، ما أخطأ فيها صبي قط، أردتُ أن أقول: {وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}، فقلت: (لعلهم يرجعين)، قال: فوالله ما اجترَأَ هارون أن يقولَ لي: أخطأتَ؛ ولكنَّه لَمَّا سلمتُ قال لي: يا كسائي، أي لغة هذه؟ قلت: يا أميرَ المؤمنينَ، قد يعثر الجواد. قال أمَّا هذا، فنعم.
ماتَ الكسائي - رحمه الله - بالري بقرية أَرَنْبُويَة***، سنة تسع وثمانين ومائة، عن سبعين سنة، وفي تاريخ موته أقوال، فهذا أصحها****.
ــــــــــــ
* "نزهة الألباء" 68، و"إنباه الرواة" 2/ 257، 258.
** القِنِّينة - بالكسر والتشديد - منَ الزُّجاج، الذي يجعل الشراب فيه. "لسان العرب" ( ق ن ن).
*** أَرَنْبُويَة - بفتح أوله وثانيه، وسكون النون، وضم الباء الموحدة، وسكون الواو، وياء مفتوحة، وهاء مضمومة في حال الرَّفع، وليس كـ"نفطويه، وسيبويه"، من قرى الري، مات بها أبو الحسن علي بن حمزة الكسائي النحوي المقرئ، ومحمد بن الحسن الشيباني الفقيه، صاحب أبي حنيفة، في يوم واحد سنة 189هـ، ودفنا بهذه القرية، وكانا قد خرجا مع الرشيد، فصلى عليهما، وقال: اليوم دفنت علم العربية والفقه.
ويقال لهذه القرية: رَنْبُوية، بسقوط الهمزة أيضًا. وانظر "معجم البلدان" 1/ 162.
**** وانظر ترجمته في: "التاريخ الكبير" 6/ 268، و"التاريخ الصغير" 2/ 247، و"مراتب النَّحويين" 74 - 75، و"طبقات النَّحويين" 138 - 142، و"الفهرست" لابن النَّديم 29، و"تاريخ بغداد" 11/ 403، و"السِّيَر" 9/ 131.

[51] انظر: "معجم الأدباء" لياقوت الحموي.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 107.10 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 104.76 كيلو بايت... تم توفير 2.34 كيلو بايت...بمعدل (2.18%)]