شرح حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه: « الثلث .. والثلث كثير» - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         شرح كتاب فضائل القرآن من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 10 - عددالزوار : 187 )           »          مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن" (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 117 - عددالزوار : 28425 )           »          مجالس تدبر القرآن ....(متجدد) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 175 - عددالزوار : 60031 )           »          خطورة الوسوسة.. وعلاجها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 9 )           »          إني مهاجرة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          الضوابط الشرعية لعمل المرأة في المجال الطبي.. والآمال المعقودة على ذلك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          السياسة الشرعية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 30 - عددالزوار : 819 )           »          صناعة الإعلام وصياغة الرأي العام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          من تستشير في مشكلاتك الزوجية؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          فن إيقاظ الطفل للذهاب إلى المدرسة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث

ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث ملتقى يختص في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وعلوم الحديث وفقهه

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 16-10-2019, 01:43 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,617
الدولة : Egypt
افتراضي شرح حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه: « الثلث .. والثلث كثير»

شرح حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه: « الثلث .. والثلث كثير» (1)


سماحة الشيخ محمد بن صالح العثيمين



عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصِ بْنِ أَهْيَبَ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ بْنِ زُهْرَةَ بْنِ كِلَابٍ بْنِ مُرَّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَئٍ، الْقُرَشِيِّ، الزُّهْرِيِّ رضي الله عنه، أَحَدِ الْعَشَرَةِ الْمَشْهُودِ لَهُمْ بِالْجَنَّةِ - رضي الله عنهم - قَالَ: جَاءَنِي رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يَعُودُنِي عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ مِنْ وَجَعٍ اشْتَدَّ بِي، فَقُلْتُ: إِنِّي قَدْ بَلَغَ بِي مِنَ الوَجَعِ مَا تَرَى، وَأَنَا ذُو مَالٍ، وَلَا يَرِثُنِي إِلَّا ابْنَةٌ لِي، أَفَأَتَصَدَّقُ بِثُلُثَيْ مَالِي؟ قَالَ: «لا»، قُلْتُ: فَالشَّطْرُ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: «لا»، قُلْتُ: فَالثُّلُثُ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: «الثُّلُثُ؛ وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ - أَوْ كَبِيرٌ - إِنَّكَ أَنْ تَذَرَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ، خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذَرَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ، وَإِنَّكَ لَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً تَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللَّهِ إِلَّا أُجِرْتَ بِهَا، حَتَّى مَا تَجْعَلُ فِي فِيّ امْرَأَتِكَ»، قَالَ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أُخَلَّفُ بَعْدَ أَصْحَابِي؟ قَالَ: «إِنَّكَ لَنْ تُخَلَّفَ فَتَعْمَلَ عَمَلًا تَبْتَغِي بِهِ وَجْهَ اللهِ إِلَّا ازْدَدْتَ بِهِ دَرَجَةً وَرِفْعَةً، وَلَعَلَّكَ أَنْ تُخَلَّفَ حَتَّى يَنْتَفِعَ بِكَ أَقْوَامٌ، وَيُضَرَّ بِكَ آخَرُونَ، اللَّهُمَّ أَمْضِ لِأَصْحَابِي هِجْرَتَهُمْ، وَلَا تَرُدَّهُمْ عَلَى أَعْقَابِهِمْ، لَكِنِ البَائِسُ سَعْدُ ابْنُ خَوْلَةَ»؛ يَرْثِي لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَنْ مَاتَ بِمَكَّةَ؛ متفق عليه.



قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله:

قال المؤلف - رحمه الله تعالى - فيما نقله عن سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - أن النبي -صلى الله عليه وسلم- جاءه يعوده في مرض ألَمَّ به، وذلك في مكة، وكان سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - من المهاجرين الذين هاجروا من مكة إلى المدينة، فتركوا بلدهم لله عز وجل، وكان من عادة النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه يعود المرضى من أصحابه، كما أنه يزور من يزور منهم؛ لأنه -صلى الله عليه وسلم- كان أحسنَ الناس خلقًا؛ على أنه الإمام المتبوع - صلوات الله وسلامه عليه - كان من أحسن الناس خلقًا، وألينهم بأصحابه، واشدهم تحبُّبًا إليهم.



فجاءه يعوده، فقال: يا رسول الله: «إِنِّي قَدْ بَلَغَ بِي مِنَ الوَجَعِ مَا تَرَى»؛ أي: أصابه الوجع العظيم الكبير.

«وَأَنَا ذُو مَالٍ كَثِيرٍ، أَوْ كَبِيرٍ»؛ أي: إن عنده مالًا كبيرًا.

«وَلَا يَرِثُنِي إِلَّا ابْنَةٌ لِي»؛ أي: ليس له ورثة بالفرض إلا هذه البنت.

«أَفَأَتَصَدَّقُ بِثُلُثَيْ مَالِي؟»؛ يعني: بثلثيه: اثنين من ثلاثة!

«قَالَ: «لَا»، قُلْتُ: الشَّطْرُ يَا رَسُولَ اللهِ» أي: بالنصف.

«قَالَ: «لَا»، قُلْتُ: بِالثُّلُثِ؟ قَالَ: «الثُّلُثُ وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ».



فقوله: «أَفَأَتَصَدَّقُ»؛ أي: أعطيه صدقة؟ فمنع النبي -صلى الله عليه وسلم- مِن ذلك؛ لأن سعدًا في تلك الحال كان مريضًا مرضًا يخشى منه الموت، فلذلك منعه الرسول -صلى الله عليه وسلم- أن يتصدق بأكثر من الثلث؛ لأن المريض مرض الموت المُخَوِّف لا يجوز أن يتصدق بأكثر من الثلث؛ لأن ماله قد تعلَّق به حقُّ الغير؛ وهم الورثة؛ أما مَن كان صحيحًا، ليس فيه مرض، أو فيه مرض يسير لا يخشى منه الموت، فله أن يتصدق بما شاء؛ بالثلث، أو بالنصف، أو بالثلثين، أو بماله كله، لا حرج عليه؛ لكن لا ينبغي أن يتصدَّق بماله كله؛ إلا إن كان عنده شيء يَعْرِف أنه سوف يستغني به عن عباد الله.



المهم أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- منعه أن يتصدق بما زاد عن الثلث.



وقال: «الثُّلُثُ؛ وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ - أَوْ كَبِيرٌ»؛ وفي هذا دليل على أنه إذا نقص عن الثلث فهو أحسن وأكمل؛ ولهذا قال ابن عباس - رضي الله عنهما -: «لو أنَّ الناس غَضُّوا من الثلث إلى الربع»؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «الثُّلُثُ؛ وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ».



وقال أبو بكر - رضي الله عنه -: «أرضى ما رضيه الله لنفسه»؛ يعني: الخمس، فأوصى بالخمس - رضي الله عنه.



وبهذا نَعْرِف أنَّ عمل الناس اليوم؛ وكونهم يوصون بالثلث؛ خلاف الأولى، وإنْ كان هو جائزًا؛ لكنَّ الأفضلَ أن يكون أدنى من الثلث؛ إما الربع أو الخمس.



قال فقهاؤنا - رحمهم الله -: والأفضل أن يوصي بالخمس، لا يزيد عليه؛ اقتداءً بأبي بكر الصديق رضي الله عنه.



ثم قال الرسول - عليه الصلاة والسلام -: «إِنَّكَ أَنْ تَذَرَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ، خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذَرَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ»؛ أي: كونك تُبْقِي المال، ولا تَتَصَدَّق به؛ حتى إذا مُتَّ، وَوَرِثَه الورثةُ صاروا أغنياء به، هذا خير من أن تذرهم عالة، لا تترك لهم شيئًا؛ «يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ»؛ أي: يسألون الناس بأكُفِّهِم؛ أعطونا أعطونا.



وفي هذا دليل على أن الميت إذا خَلَّف مالًا للورثة فإنَّ ذلك خير له.



لا يظنُّ الإنسانُ أنه إذا خَلَّف المال، وَوُرِثَ منه قهرًا عليه، أنه لا أجر له في ذلك! لا بل له أجر؛ حتى إن الرسول - عليه الصلاة والسلام - قال: «إِنَّكَ أَنْ تَذَرَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ، خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذَرَهُمْ عَالَةً …إلخ»؛ لأنك إذا تركتَ المال للورثة انتفعوا به، وهم أقارب، وإن تصدقت به انتفع به الأباعد، والصدقة على القريب أفضل من الصدقة على البعيد؛ لأن الصدقة على القريب صدقة وصلة.



ثم قال: «إِنَّكَ لَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً تَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللَّهِ إِلَّا أُجِرْتَ بِهَا، حَتَّى مَا تَجْعَلُ فِي فِيّ امْرَأَتِكَ»؛ يقول: لن تنفق نفقة؛ أي: لن تنفق مالًا؛ دراهم أو دنانير أو ثيابًا، أو فرشًا، أو طعامًا، أو غير ذلك، تبتغي به وجه الله إلا أُجِرْتَ عليه.



الشاهد من هذا قوله: «تَبْتَغِي بِهِ وَجْهَ اللَّهِ»؛ أي: تقصد به وجه الله عز وجل، يعني تقصد به أن تصل إلى الجنة؛ حتى ترى وجه الله عز وجل.



لأن أهل الجنة - جعلني الله وإياكم منهم - يرون الله سبحانه وتعالى، وينظرون إليه عيانًا بأبصارهم؛ كما يرون الشمس صحوًا ليس دونها سحاب، وكما يرون القمر ليلة البدر؛ يعني: أنهم يرون ذلك حقًّا.



«حَتَّى مَا تَجْعَلُهُ فِي فِي امْرَأَتِكَ»؛ أي: حتى اللقمة التي تطعمها امرأتك تؤجر عليها؛ إذا قصدت بها وجه الله؛ مع أن الإنفاق على الزوجة أَمْرٌ واجب، لو لم تنفق لقالت: أَنْفِق أو طَلِّق، ومع هذا إذا أنفقتَ على زوجتك تريد به وجْهَ الله؛ آجَرَك الله على ذلك.



ثم قال - رضي الله عنه -: «أُخَلَّفُ بَعْدَ أَصْحَابِي؟»؛ يعني: أو خلف بعد أصحابي؛ أي: هل أتأخر بعد أصحابي فأموتُ بمكة؛ فبيَّن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه لن يُخَلَّف؛ فقال: «إِنَّكَ لَنْ تُخَلَّفَ»؛ وبيَّن له أنه لو خُلِّفَ، ثم عمل عملًا يبتغي به وجه الله إلا ازداد به عند الله درجة ورفعة.



يعني: لو فُرِضَ أنك خُلِّفْتَ، ولم تتمكن من الخروج من مكة، وعملت عملًا تبتغي به وجه الله؛ فإنَّ الله تعالى يزيدك به رفعة ودرجة؛ رفعة في المقام والمرتبة، ودرجة في المكان.



فيرفعك الله - عز وجل - في جنات النعيم درجات؛ حتى لو عملتَ بمكة وأنت قد هاجرتَ منها.



ثم قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «وَلَعَلَّكَ أَنْ تُخَلَّفَ»؛ أنْ تُخَلَّفَ هنا غير أنْ تُخَلَّفَ الأولى؛ «لَعَلَّكَ أَنْ تُخَلَّفَ»: أي: تُعَمَّرَ في الدنيا؛ وهذا هو الذي وقع؛ فإن سعد بن أبي وقاص عُمِّرَ زمانًا طويلًا؛ حتى إنه - رضي الله عنه - كما ذكر العلماء، خَلَّفَ سبعة عشر ذكرًا، واثنتي عشر بنتًا.



وكان في الأول ليس عنده إلا بنت واحدة؛ ولكن بقي، وَعُمِّرَ، ورُزِقَ أولادًا؛ سبعة عشر ابنا واثنتي عشرة ابنة.



قال: «وَلَعَلَّكَ أَنْ تُخَلَّفَ حَتَّى يَنْتَفِعَ بِكَ أَقْوَامٌ، وَيُضَرَّ بِكَ آخَرُونَ»؛ وهذا الذي حصل؛ فإنَّ سعدًا - رضي الله عنه – خُلِّفَ، وصار له أثر كبير في الفتوحات الإسلامية، وفتح فتوحات عظيمة كبيرة، فانتفع به أقوام؛ وهم المسلمون، وضُرَّ به آخرون؛ وهم الكفار.



ثم قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «اللَّهُمَّ أَمْضِ لِأَصْحَابِي هِجْرَتَهُمْ»؛ سأل اللهَ أن يمضي لأصحابه هجرتهم؛ وذلك بأمرين:

الأمر الأول: ثباتهم على الإيمان؛ لأنه إذا ثبت الإنسان على الإيمان ثبت على الهجرة.



والأمر الثاني: ألا يرجع أحدهم منهم إلى مكة بعد أن خرج منها؛ مهاجرًا إلى الله ورسوله.



لأنك إذا خرجتَ من البلد مهاجرًا إلى الله ورسوله؛ فهو كالمال الذي تتصدق به، يكون البلد مثل المال الذي تصدق به لا يمكن أن ترجع فيه، وهكذا كل شيء تركه الإنسان لله، لا يرجع فيه.



ومن ذلك: ما وُفِّقَ فيه كثير من الناس من إخراج التليفزيون من بيوتهم؛ توبةً إلى الله، وابتعادًا عنه، وعمَّا فيه من الشرور، فهؤلاء قالوا: هل يمكن أن نعيده إلى البيت؟

نقول: لا، بعد أن أخرجتموه لله لا تعيدوه؛ لأن الإنسان إذا ترك شيئًا لله، وهجر شيئًا لله، فلا يعود فيه، ولهذا سأل النبيُّ - عليه الصلاة والسلام - ربَّه أن يمضي لأصحابه هجرتهم.




وقوله: «وَلَا تَرُدَّهُمْ عَلَى أَعْقَابِهِمْ»؛ أي: لا تجعلهم ينتكسون عن الإيمان فيرتدُّون على أعقابهم؛ لأن الكفر تَأَخُّرٌ، والإيمان تَقَدُّمٌ، وهذا على عكس ما يقوله الملحدون اليوم؛ حيث يصفون الإسلام بالرجْعِيَّة؛ ويقولون: إن التقدميَّة: أن ينسلخ الإنسان من الإسلام، وأن يكون علمانيًّا؛ يعني: أنه لا يُفَرِّقَ بين الإيمان والكفر - والعياذ بالله - ولا بين الفسوق والطاعة، فالإيمان هو التقدم في الحقيقة.



المتقدمون هم المؤمنون، والتقدُّم يكون بالإيمان، والرِّدَّة تكون نكوصًا على العقبين؛ كما قال النبي - عليه الصلاة والسلام - هنا: «وَلَا تَرُدَّهُمْ عَلَى أَعْقَابِهِمْ».



المصدر: « شرح رياض الصالحين »







__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 17-10-2019, 04:18 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,617
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه: « الثلث .. والثلث كثير»


شرح حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه: « الثلث .. والثلث كثير» (2)


سماحة الشيخ محمد بن صالح العثيمين







عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصِ بْنِ أَهْيَبَ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ بْنِ زُهْرَةَ بْنِ كِلَابٍ بْنِ مُرَّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَئٍ، الْقُرَشِيِّ، الزُّهْرِيِّ رضي الله عنه، أَحَدِ الْعَشَرَةِ الْمَشْهُودِ لَهُمْ بِالْجَنَّةِ - رضي الله عنهم - قَالَ: جَاءَنِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَعُودُنِي عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ مِنْ وَجَعٍ اشْتَدَّ بِي، فَقُلْتُ: إِنِّي قَدْ بَلَغَ بِي مِنَ الوَجَعِ مَا تَرَى، وَأَنَا ذُو مَالٍ، وَلَا يَرِثُنِي إِلَّا ابْنَةٌ لِي، أَفَأَتَصَدَّقُ بِثُلُثَيْ مَالِي؟ قَالَ: «لا»، قُلْتُ: فَالشَّطْرُ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: «لا»، قُلْتُ: فَالثُّلُثُ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: «الثُّلُثُ؛ وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ - أَوْ كَبِيرٌ - إِنَّكَ أَنْ تَذَرَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ، خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذَرَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ، وَإِنَّكَ لَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً تَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللَّهِ إِلَّا أُجِرْتَ بِهَا، حَتَّى مَا تَجْعَلُ فِي فِيّ امْرَأَتِكَ»، قَالَ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أُخَلَّفُ بَعْدَ أَصْحَابِي؟ قَالَ: «إِنَّكَ لَنْ تُخَلَّفَ فَتَعْمَلَ عَمَلًا تَبْتَغِي بِهِ وَجْهَ اللهِ إِلَّا ازْدَدْتَ بِهِ دَرَجَةً وَرِفْعَةً، وَلَعَلَّكَ أَنْ تُخَلَّفَ حَتَّى يَنْتَفِعَ بِكَ أَقْوَامٌ، وَيُضَرَّ بِكَ آخَرُونَ، اللَّهُمَّ أَمْضِ لِأَصْحَابِي هِجْرَتَهُمْ، وَلَا تَرُدَّهُمْ عَلَى أَعْقَابِهِمْ، لَكِنِ البَائِسُ سَعْدُ ابْنُ خَوْلَةَ»؛ يَرْثِي لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ مَاتَ بِمَكَّةَ؛ متفق عليه.



قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله:

وفي هذا الحديث من الفوائد فوائد عظيمة كثيرة:

منها: أنَّ مِن هدي الرسول - صلى الله عليه وسلم - عيادة المرضى؛ لأنه عاد سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - وفي عيادة المرضى فوائد للعائد وفوائد للمَعُود.



أما العائدُ فإنه يؤدي حَقَّ أخيه المسلم؛ لأن من حَقِّ أخيك المسلم أن تعوده إذا مرض.



ومنها: أنَّ الإنسان إذا عاد المريض فإنه لا يزال في مَخْرَفَة الجنة؛ يعني: يجني ثمار الجنة حتى يعود.



ومنها: أنَّ في ذلك تذكيرًا للعائد بنعمة الله عليه بالصحة؛ لأنه إذا رأى هذا المريض، ورأى ما هو فيه من المرض، ثم رجع إلى نفسه، ورأى ما فيها من الصحة والعافية؛ عَرَفَ قَدْرَ نعمة الله عليه بهذه العافية؛ لأن الشيء إنما يُعْرَف بضده.



ومنها: أن فيها جلبًا للمودة والمحبة؛ فإنَّ الإنسان إذا عاد المريض صارت هذه العيادة في قلب المريض دائمًا، يتذكرها، وكلما ذكرها أحب الذي يعوده، وهذا يظهر كثيرًا فيما إذا برأ المريض، وحصلت منه ملاقاة لك تجده يتشكر منك، وتجد أن قلبه ينشرح بهذا الشيء.



أمَّا المَعُود: فإنَّ له فيها فائدة أيضًا؛ لأنها تُؤْنِسُهُ، وتشرح صدره، ويزول عنه ما فيه من الْهَمِّ، والْغَمِّ، والمرض؛ وربما يكون العائد موفَّقًا؛ يُذَكِّرُه بالخير، والتوبة، والوصية؛ إذا كان يريد أن يوصي بشيء عليه من الديون وغيرها، فيكون في ذلك فائدة كبيرة للمَعُود.



ولهذا قال العلماء: ينبغي لمن عاد المريض أن يُنَفِّسَ له في أجله؛ أي: يُفْرِحه؛ يقول: ما شاء الله، أنت اليوم في خير، وما أشبهه، وليس لازمًا أن يقول له: أنت طيب مثلًا؛ لأنه قد يكون أشد مرضًا من أمس، لكن يقول: أنت اليوم في خير؛ لأن المؤمن كل أمره خير، إن أصابه ضراء فهو في خير، وإن أصابه سراء فهو في خير، فيقول: اليوم أنت بخير، والحمد لله، وما أشبه ذلك مما يُدْخِل عليه السرور.



والأجل محتوم إن كان هذا المرض أجله مات، وإن كان بقي له شيء من الدنيا بقي.



وينبغي أيضًا أن يُذَكِّرَه التوبة، لكن لا يقول له ذلك بصفة مباشرة؛ لأنه ربما ينزعج، ويقول في نفسه: لو أن مرضي غير خطير ما ذكَّرني بالتوبة؛ لكن يبدأ بذكر الآيات والأحاديث التي فيها الثناء على التائبين ما يتذكر به المريض.



وينبغي كذلك أن يُذَكِّره الوصية؛ لا يقول له: أَوصِ؛ فإنَّ أجلك قريب، لو قال هكذا انزعج، بل مثلًا يُذَكِّرُه بقصص واردة عليه، يقول مثلًا: فلان كان عليه دَين، وكان رجلًا حازمًا، وكان يوصي أهله بقضاء دَينه، وما أشبه ذلك من الكلمات التي لا ينزعج بها.



قال أهل العلم: ينبغي أيضًا إذا رأى منه تَشَوُّفًا إلى أن يقرأ عليه، فينبغي أن يقرأ عليه؛ ينفث عليه بما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ مثل قوله: «أَذْهِبِ البَاسَ رَبَّ النَّاسِ، وَاشْفِ أَنْتَ الشَّافِي، لَا شِفَاءَ إِلَّا شِفَاؤُكَ، شِفَاءً لَا يُغَادِرُ سَقَمًا»، ومثل قوله: «رَبَّنَا الَّذِي فِي السَّمَاءِ، تَقَدَّسَ اسْمُكَ، أَمْرُكَ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، كَمَا رَحْمَتُكَ فِي السَّمَاءِ، فَاجْعَلْ رَحْمَتَكَ فِي الْأَرْضِ، وَاغْفِرْ لَنَا حُوبَنَا وَخَطَايَانَا، أَنْتَ رَبُّ الطَّيِّبِينَ، أَنْزِلْ رَحْمَةً مِنْ رَحْمَتِكَ، وَشِفَاءً مِنْ شِفَائِكَ، عَلَى هَذَا الْوَجَعِ، فَيَبْرَأُ»، أو يقرأ عليه بسورة الفاتحة؛ لأن سورة الفاتحة رقية، يُقْرَأ بها على المرضى، وعلى الذين لدغتهم العقرب، أو الحية، أو ما أشبه ذلك.



فمتى رأى العائدُ من المريض أنه يُحِبُّ أن يقرأ عليه، فليقرأ عليه؛ لئلَّا يُلْجِئَ المريضَ إلى طلب القراءة؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «رَأَيْتُ مَعَ أُمَّتِي سَبْعِينَ أَلْفًا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ وَلَا عَذَابٍ»، وقال: «هُمُ الَّذِينَ لَا يَسْتَرْقُونَ، وَلَا يَكْتَوونَ، وَلَا يَتَطَيَّرُونَ، وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ».



فقوله: «لَا يَسْتَرْقُونَ»؛ أي: لا يطلبون أحدًا يقرأ عليهم، فأنت إذا رأيته يتشوَّقُ لتقرأ عليه، اقرأ عليه؛ لئلَّا تُحْرِجَه إلى طلب القراءة.



كذلك - أيضًا - إذا رأيت أنَّ المريض يحب أن تطيل المقام عنده، فأطل المقام؛ فأنت على خير وعلي أجر، فأطل المقام عنده، وأدخل عليه السرور، ربما يكون في دخول السرور على قلبه سببًا لشفائه؛ لأن سرور المريض وانشراح صدره من أكبر أسباب الشفاء، فإذا رأيت أنه يحبك فابقَ عنده، وأطل الجلوس عنده حتى تعرف أنه قد مل.



أما إذا رأيت ان المريض متكلف ولا يحب أنك تبقي، أو يحب أن تذهب عنه حتى يحضر أهله ويأنس بهم فلا تتأخر، اسأل عن حاله ثم انصرف.



ومن فوائده: حسن خلق النبي صلى الله عليه وسلم، ولا شك أن النبي صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقًا؛ لأن الله تعالى قال: ﴿ ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ * مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ * وَإِنَّ لَكَ لَأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ * وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ [القلم: 1-4]؛ فأعظم الناس خلقًا وأحسن الناس خلقًا رسول الله صلى الله عليه وسلم.



ولهذا كان يعود أصحابه، ويزورهم، ويسلم عليهم، حتى إنه يمر بالصبيان الصغار فيسلم عليهم، صلوات الله وسلامه عليه.



ومن فوائد هذا الحديث: أنه ينبغي للإنسان مشاورة أهل العلم؛ لأن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه استشار النبي صلى الله عليه وسلم حينما أراد أن يتصدق بشيء من ماله، فقال: يا رسول الله: «إني ذو مال كثير، ولا يرثني إلا ابنة لي، أفاتصدق بثلثي مالي؟ قال: لا …»؛ الحديث.



ففيه استشارة أهل العلم والرأي، وكل إنسان بحسبهن؛ فمثلًا إذا كنت تريد أن تقدم على شيء من أمور الدين، فشاور أهل العلم؛ لأنهم أعلم بأمور الدين من غيرهم، إذا أردت ان تشتري بيتًا فشاور أصحاب المكاتب العقارية، إذا أردت أن تشتري سيارة فاستشر المهندسين في السيارات وهكذا؛ ولهذا يقال: (ما خاب من استخار، ولا ندم من استشار).



والإنسان بلا شك لا ينبغي له أن يكمل نفسه، من ادعي الكمال لنفسه فهو الناقص، بل لابد أن يراجع خصوصًا في الأمور الهامة التي تتعلق بمسائل الأمة؛ فإن الإنسان قد يحمله الحماس والعاطفة على فعل شيء هو في نفسه حق ولا باس به، لكن التحدث عنه قد يكون غير مصيب إما في الزمان، أو في المكان أو في الحال.



ولهذا ترك النبي صلى الله عليه وسلم بناء الكعبة على قواعد إبراهيم؛ خوفًا من الفتنة، فقال لعائشة رضي الله عنها: «لولا أن قومك حديثو عهد بكفر لبنيت الكعبة على قواعد إبراهيم، ولجعلت بابين بابًا يدخل منه الناس، وبابًا يخرجون منه».



من أجل أن يتمكن الناس من دخول بيت الله عز وجل، لكن ترك ذلك خوف الفتنة مع كونه مصلحة!



بل أعظم من ذلك أن الله تعالى نهى أن نسب آلهة المشركين، مع أن آلهة المشركين جديرة بأن تسب وتعاب وينفر منها، لكن لما كان سبها يؤدي إلى سب الرب العظيم المنزه عن كل عيب ونقص؛ قال الله عز وجل: ﴿ وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [الأنعام: 108].



فالمهم أنه ينبغي أن نعلم أن الشيء قد يكون حسنًا في حد ذاته وفي موضوعه، لكن لا يكون حسنًا، ولا يكون من الحكمة، لا من العقل، ولا من النصح، ولا من الأمانة أن يذكر في وقت من الأوقات، أو في مكان من الأماكن، أو في حال من الأحوال، وإن كان هو في نفسه حقًّا وصدقًا وحقيقة واقعة، ومن ثم كان ينبغي للإنسان أن يستشير ذوي العلم والرأي والنصح في الأمر قبل أن يقدم عليه، حتى لا يكون لديه برهان؛ لأن الله قال لأشرف خلقه - عليه الصلاة والسلام - وأسدهم رأيًا، وأبلغهم نصحًا محمد صلى الله عليه وسلم قال: ﴿ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّه ﴾ [آل عمران: 159].



هذا وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم أسد الناس رأيًا، وأرجحهم عقلًا، وأبلغهم نصحًا صلوات الله وسلامه عليه.



والإنسان ربما تأخذه العطفة فيندفع، ويقول: هذا لله، هذا أنا أفعله، ستصدع بالحقن سأقول: سوف لا تأخذني في الله لومة لائم وما أشبه ذلك من الكلام، ثم تكون العاقبة وخيمة، ثم إن الغالب أن الذي يحكم العاطفة، ويتبع العاطفة، ولا ينظر للعواقب، ولا للنتائج، ولا يقارن بين الأمور، الغالب أنه يحصل على يديه من المفاسد ما لا يعلمه إلا الله عز وجل، مع أن نيته طيبة، وقصده حسن، لكن لم يحسن أن يتصرف؛ لأن هناك فرقًا بين حسن النية وحسن التصرف، قد يكون الإنسان حسن النية، لكنه سيئ التصرف، وقد يكون سيئ النية، والغالب أن سيئ النية يكون سيئ التصرف، لكن مع ذلك: قد يحسن التصرف لينال غرضه السيئ.



فالإنسان يحمد على حسن نيته، لكن قد لا يحمد على سوء فعله، إلا أنه إذا علم منه أنه معروف بالنصح والإرشاد النبي صلى الله عليه وسلم فإنه يعذر بسوء تصرفه، ويلتمس له العذر، ولا ينبغي أيضًا أن يتخذ من فعله هذا الذي لم يكن موافقًا للحكمة - لا ينبغي بل لا يجوز - أن يتخذ منه قدح في هذا المتصرف، وأن يحمل ما لا يتحمله، ولكن يعذر ويبين له وينصح ويرشد، ويقال: يا أخي هذا كلامك، أو فعلك حسن طيب وصواب في نفسه، لكنه غير صواب في نحله أو في زمانه، أو في مكانه.



المهم أن في حديث سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - إشارة إلى أنه ينبغي للإنسان أن يستشير من هو أكمل منه رأيًا، وأكثر منه علمًا.



وفيه أيضًا من الفوائد: أنه ينبغي للمستشير أن يذكر الأمر على ما هو عليه حقيقة، وأسبابه، وموانعه وجميع ما يتعلق به، حتى يتبين للمستشار حقيقة الأمر، ويبني مشورته على هذه الحقيقة، ولهذا قال سعد: ((إني ذو مال ولا يرثني إلا ابنة))، فقوله: ((إني ذو مال)) بيان لسبب العطية التي يريد أن يعطيها، ((ولا يرثني إلا ابنة لي)) بيان لانتفاء المانع، يعني لا مانع من أن أعطي كثيرًا لانتفاء الوارث.



والمستشار عليه أن يتقي الله - عز وجل - فيما أشار فيه، وأن لا تأخذه العطفة في مراعاة المستشير؛ لأن بعض الناس إذا استشاره الشخص، ورأى أنه يميل إلى أحد الأمرين، أو أحد الرأيين ذهب يشير عليه به.



ويقول: أنا أحب أن أوافق الذي يرى أنه يناسبه؛ وهذا خطأ عظيم، بل خيانة، والواجب إذا استشار أن تقول له ما ترى أنه حق، وأنه نافع، سواء أرضاه أم لم يرضه، وأنت إذا فعلت هذا كنت ناصحًا وأديت ما عليك، ثم إن أخذه، ورأى أنه صواب فذاك، وإن لم يأخذ به فقد برئت ذمتك، بل خيانة، مع أنك ربما تستنتج شيئًا خطأً، قد تستنتج أنه يريد كذا، وهو لا يريده فتكون خسرانًا من وجهين:

الوجه الأول: من جهة الفهم السيئ.

الوجه الثاني: من جهة القصد السيئ.



وفي قول الرسول عليه الصلاة والسلام ((لا)) دليل على أنه لا حرج أن يستعمل الإنسان كلمة ((لا)) وليس فيها شيء.



فالنبي عليه الصلاة والسلام استعمل كلمة ((لا)) ومن ذلك أن جابرًا - رضي الله عنه - لما أعيا جملة ولحقه النبي عليه الصلاة والسلام؛ لأن من عادة الرسول عليه الصلاة والسلام - لأنه راعى أمته - أنه يمشي في الآخر، لا يمشي قدامهم، بل يمشي وراءهم، لأجل أنه إذا احتاج أحد إلى شيء يساعده عليه الصلاة والسلام، فانظر إلى التواضع وحسن الرعاية.



((لحق جابرًا - وكان جملة قد أعيا - لا يمشي، فضرب النبي صلى الله عليه وسلم الجمل، ودعا له، وقال: ((بغنيه بأوقية))، فقال جابر: لا، ولم ينكر عليه الرسول عليه الصلاة والسلام قوله: ((لا))، والنبي عليه الصلاة والسلام هنا عند ما قال له سعد: أتصدق بثلثي مالي؟ قال: لا إذًا: فلا مانع من كلمة ((لا))، فإنها ليست سوء أدب وخلق، وكثير من الناس الآن يأنف أن يقول ((لا)) ويقول بدلًا عنها: سلامتك، وهذا طيب أن تدعو له بالسلامة، لكن إذا قلت ((لا))، فلا عيب عليك.



ومن فوائد الحديث: أنه لا يجوز للمريض مرضًا مخوفًا أن يعطي أكثر من الثلث إلا إذا أجازه الورثة؛ لأن الورثة تعلق حقهم بالمال لما مرض الرجل، فلا يجوز أن يعطي أكثر من الثلث، لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الثلثين: لا، وفي النصف: لا، وقال: ((الثلث والثلث كثير)).



وفيه: دليل على أنه ينبغي أن يكون عطاؤه أقل من الثلث، كما قال ابن عباس رضي الله عنهما: أن الناس غضوا من الثلث إلى الربع؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((الثلث والثلث كثير)).



ومن فوائد الحديث: أنه لا يجوز للإنسان إذا كان مريضًا مرضًا يُخشى منه الموت أن يتبرع بأكثر من الثلث من ماله، لا صدقة، ولا مشاركة في بناء مساجد، ولا هبة، ولا غير ذلك، لا يزيد على الثلث؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم منع سعد بن أبي وقاص أن يتصدق بما زاد عن الثلث.



ومن فوائده: أنه ينبغي أن يغض من الثلث؛ يعني: الربع، الخمس، دون ذلك؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أشار إلى استحباب الغض من الثلث في قوله: ((والثلث كثير))، وبهذا استدل عبدالله بن عباس - رضي الله عنهما - حيث قال: لو أن الناس غضوا من الثلث إلى الربع؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((الثلث والثلث كثير)).



والوصية كالعطية، فلا يجوز أن يوصي الإنسان بشيء من ماله بعد موته زائدًا على الثلث، فليكن من الثلث فأقل.



والأفضل في الوصية أن تكون بخمس المال؛ لأن أبا بكر - رضي الله عنه - قال: أرضى بما رضية الله لنفسه: الخمس، فأوصي بالخمس - رضي الله عنه - ومن ثم فإن فقهاؤنا - رحمهم الله - قالوا: يسن أن يوصي بالخمس إن ترك مالًا كثيرًا.



ومن فوائد هذا الحديث أنه: إذا كان مال الإنسان قليلًا، وكان ورثته فقراء؛ فالأفضل أن لا يوصي بشيء، لا قليل، ولا كثير؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: ((إنك إن تذر ورثتك أغنياءَ خير من أن تذرهم عالة))، خلافًا لما يظنه بعض العوام أنه لا بد من الوصية، فهذا خطأ، والإنسان الذي ماله قليل وورثته فقراء ليس عندهم مال، لا ينبغي له أن يوصي، الأفضل ألا يوصي.



ويظن بعض العامة أنه لم يوص لم يكن له أجر، وليس كذلك، بل إذا ترك المال لورثته فهو مأجور في هذا، وإن كان الورثة سوف يرثونه قهرًا، لكن إذا كان مسترشدًا بهدي النبي صلى الله عليه وسلم، لقوله: ((إنك أن تذر ورثتك أغنياءَ خيرٌ من أن تذرهم عالة))، فإن أجره في ذلك أفضل من أن يتصدق عنه بشيء من ماله.



ومن فوائد هذا الحديث: خوف الصحابة المهاجرين من مكة أن يموتوا فيها؛ لأن سعدًا رضي الله عنه قال: ((أخلف بعد أصحابي))، وهذه الجملة استفهامية، والمعنى ((أخلف؟))، وهذا استفهام توقعي مكروه، يعني أنه لا يحب أن يتخلف فيموت في مكة وقد خرج منها مهاجرًا إلى الله ورسوله، وهكذا كل شيء تركه الإنسان لله لا ينبغي أن يرجع فيه، وقد سبق لنا في شرح الحديث أن من ذلك ما فعله بعض الناس؛ حيث تخلصوا من جهاز التلفزيون لما رأوا من مضاره ومفاسده ما يربو على مصالحه ومنافعه، تركوه لله فكسروه، ثم جاؤوا يسألون: هل يعيدوه مرة ثانية؟ نقول: لا تعده مرة أخرى ما دمت قد تخلصت منه ابتغاءَ وجه الله، فلا ترجع فيما تركته لله.



ومن فوائد الحديث: ظهور معجزة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال له: ((إنك لن تخلف حتى يضر بك أقوام وينتفع بك آخرون))، فإن الأمر وقع كما توقعه النبي صلى الله عليه وسلم، فإن سعدًا - رضي الله عنه - بقي إلى خلافة معاوية وعمر طويلًا بعد قول الرسول صلى الله عليه وسلم له، وهذا من آيات النبي صلى الله عليه وسلم؛ أن يخبر عن شيء مستقبل فيقع كما أخبر به عليه الصلاة والسلام، ولكن هذا ليس خبرًا محضًا، بل توقُّع، لقوله: ((لعلك أن تخلف))، فلم يجزم، ولكن كان الأمر كما توقعه النبي صلى الله عليه وسلم.



ومن فوائد هذا الحديث: أنه ما من إنسان يعمل عملًا يبتغي به وجه الله، إلا ازداد به رفعة ودرجة، حتى وإن كان في مكان لا يحل له البقاء فيه؛ لأن العمل شيء والبقاء شيء آخر.



ولهذا كان القول الراجح من أقوال العلم: أن الإنسان إذا صلى في أرض مغصوبة فإن صلاته صحيحة؛ لأن النهي ليس عن الصلاة بل النهي عن الغضب.



فالنهي منصب على شيء غير الصلاة، فتكون صلاته صحيحة في هذا المكان المغضوب، لكنه آثم ببقائه في هذا المكان المغصوب، نعن نعود لو ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((لا تصلِّ في أرض مغصوبة))، لقلنا: ((إذا صليت في الأرض المغصوبة فصلاتك باطلة، كما نقول: إنك إن صليت في المقبرة والحمام))، هذا غير صلاة الجنازة؛ لأنها تجوز حتى في المقبرة.



ومن فوائد هذا الحديث: أن الإنسان إذا أنفق نفقة يبتغي وجه الله فإنه يثاب عليها، حتى النفقات على أهله وعلى زوجته، وعلى نفسه إذا ابتغي بها وجه الله أثابه الله عليها.



وفيه إشارة إلي أنه ينبغي للإنسان أن يستحضر نية التقرب إلى الله في كل ما ينفق؛ حتى لا يكون له في ذلك أجر، كل شيء تنفقه صغيرًا كان أم كبيرًا، على نفسك أو على أهلك أو على أصحابك، أو على أي واحد من الناس، إذا ابتغيت به وجه الله أثابك الله على ذلك. وقوله: ((لكن البائس سعد بن خولة..)) سعد بن خولة - رضي الله عنه - من المهاجرين الذين هاجروا من مكة، ولكن الله قدر أن يموت فيها، فمات فيها، فرثي له النبي عليه الصلاة والسلام؛ أي: توجع له أن مات بمكة، وقد كانوا يكرهون للمهاجر أن يموت في الأرض التي هاجر منها.




هذا ما تيسر من الكلام على هذا الحديث، والمؤلف - رحمه الله تعالى - ذكره في باب النية؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لسعد: ((إنك لن تعمل عملًا تبتغي به وجه الله إلا ازددت به درجة ورفعة))، وقال له: ((إنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أُجرت عليها))، فأشار في هذا الحديث إلى الإخلاص في كون الإنسان يبتغي بعمله وبإنفاق ماله وجه الله؛ حتى ينال على ذلك الأجر، وزيادة الدرجات والرفعة عند الله عز وجل، والله الموفق.



المصدر: « شرح رياض الصالحين »




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 89.67 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 87.25 كيلو بايت... تم توفير 2.43 كيلو بايت...بمعدل (2.71%)]