المصدر المؤول بحث في التركيب والدلالة - الصفحة 2 - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         انشودة يا أهل غزة كبروا لفريق الوعد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 28 )           »          حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4421 - عددالزوار : 859109 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3953 - عددالزوار : 393448 )           »          متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 12535 - عددالزوار : 215743 )           »          مشكلات أخي المصاب بالفصام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 73 )           »          المكملات الغذائية وإبر العضلات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 57 )           »          أنا متعلق بشخص خارج إرادتي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 58 )           »          مشكلة كثرة الخوف من الموت والتفكير به (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 59 )           »          أعاني من الاكتئاب والقلق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 55 )           »          اضطراباتي النفسية دمرتني (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 57 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العلمي والثقافي واللغات > ملتقى اللغة العربية و آدابها > ملتقى النحو وأصوله

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #11  
قديم 31-10-2022, 09:22 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,061
الدولة : Egypt
افتراضي رد: المصدر المؤول بحث في التركيب والدلالة

المصدر المؤول

د. طه محمد الجندي






بحث في التركيب والدلالة (9)





السبب الثاني للتحويل إلى المصدر المؤول: الإخبار عن الفاعل:
مضى بنا القولُ: إنَّ الغرض الدَّلالي من وراء ذِكر المصدر صريحًا، هو التكثيف على جانب الحدَث وحْده، دون اللوازم الأخرى لهذا الحدث؛ كالنصِّ على ذِكر الزمن، أو الفاعل؛ حتى إننا لا نُقدِّر فاعلاً لهذا الحدث عند إضماره، وذلك بخلاف الفعل الذي يدل ببِنْيته على معنًى في الاسم؛ ولذا "وجَب ألاَّ يَخلوَ عن ذلك الاسم؛ مضمرًا، أو مظهرًا"[1]. فليس بلازمٍ على المُحلِّل - لتركيب مثل قوله تعالى: ﴿ أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ * يَتِيمًا ﴾ [البلد: 14 - 15] - أن يُقدِّر فاعلاً مضمرًا للمصدر (إطعام).

أمَّا عند إظهار الفاعل مع التركيب المصدري، فإنه يظهر مجرورًا به على الإضافة لا مرفوعًا، "والمضاف إليه تابعٌ للمضاف، ومُستحقٌّ للخفض...، فإذا أرادوا أن يُخبروا عن الاسم الذي هو فاعلٌ للحدَث، لَم يكن الإخبار عنه - وهو مخفوض - تابعًا في اللفظ لغيره، وحقُّ المُخبر عنه أن يكون مرفوعًا مبدوءًا به؛ للحكمة المذكورة في باب المبتدأ"[2].

فلم يَبقَ إلاَّ أن يُدخلوا عليه حرفًا يدلُّ على أنه مُخبر عنه، كما تدلُّ الحروف على معانٍ في الأسماء، وهذا لو فعَلوه، لكان الحرف حاجزًا بينه وبين الحدث في اللفظ، والحدث الذي هو حركة الفاعل في المعنى، يَستحيل انفصاله عن الفاعل، كما يَستحيل انفصال الحركة عن محلِّها؛ فوجَب أن يكون اللفظ غيرَ منفصلٍ؛ لأنه تابعٌ للمعنى، ولَمَّا بطَلَ جعْلُ الاسم مُخبرًا عنه مع بقاء لفظ الحدَث على حاله، وبطَل إدخال حرفٍ يدلُّ على كونه مخبرًا عنه - لَم يبقَ إلاَّ أن تَشتقَّ من لفظ الحدَث لفظًا يكون كالحرف في النيابة عنه، دالاًّ على معنًى في غيره، ويكون متَّصلاً اتِّصال المضاف بالمضاف إليه، وهو الفعل المُشتق من لفظ الحدَث، فإنه يدلُّ على الحدث بالتضمُّن، ويدلُّ على أنَّ الاسم مُخبرٌ عنه، لا مضاف إليه؛ إذ يَستحيل إضافة الفعل إلى الاسم[3].

وإذًا، فالسرُّ الدَّلالي من وراء اشتقاق الفعل من المصدر، هو الدلالة على كون الفاعل مُخبرًا عنه؛ إذ لا يمكن الإخبار عنه، وهو في موقع المضاف إليه؛ لأنه حالتئذ تابعٌ للمضاف، وهذا بخلاف الفعل الذي يَحمل بين طيَّاته دَلالة حتميَّة على ما قام بالحدَث، وقد نصَّ النحويون على أنَّ صيغة الفعل تَحمل التنبيه على سائر لوازم الحدَث، كالزمن، والفاعل، ففي مثل قولنا: أفعل وتفعل دَلالة على الفاعل المستتر، وقد سبَق أن نوهَّتُ في بحثٍ لي عن صِيَغ الأمر في العربية بقيمة هذا التقدير للفاعل، وبأنه استجابة بدهيَّة لنداء العقل الذي يَلتمس اطِّراد القاعدة في انبناء الجملة الفعليَّة على طرَفي إسناد: فعل + فاعل في الحد الضروري لها، وهذا ما جعَلهم يقولون بصلاحية الضمير للبروز والاستتار، ولنتأمَّل التراكيب القرآنية التالية:
﴿ وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ ﴾ [النجم: 26].

﴿ لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ ﴾ [المائدة: 80].

﴿ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ ﴾ [المائدة: 84].

فالتركيب المحوَّل في الآية الأولى، مُركَّب من عملية إسناديَّة محوَّلة بدورها من معنًى إفرادي عميق، تقديره (إلاَّ من بعد إذن الله)، ثم أُريد الإخبار عن فاعل الحدَث، وهو مرفوع، ولا يُمكن ذلك مع بقاء لفظ الحدَث على إفراده؛ إذ لا يُمكن الإخبار عنه وهو مضافٌ تابعٌ في اللفظ لغيره.

فتمَّ التحويل إلى التركيب الإسنادي المركَّب من فعْلٍ مُشتقٍّ من لفظ الحدَث؛ وذلك لأنه يدلُّ على الحدَث بالتضمُّن، كما يدل على أنَّ الاسم مُخبرٌ عنه، وقد تَمَّ التحويل بزيادة العنصر المصدري (أن)، وبتحويل مورفولوجي من لفظ الحدَث إلى الفعل.

وثمَّة سببٌ آخرُ يُمكن أن نَذكره في هذا الصَّدد، يتمثَّل في أنَّ المصدر الصريح لا يُمكنه - بتركيبه الإفرادي - توضيح ما إذا كان معموله فاعلاً، أو نائبَ فاعلٍ، فكلاهما يأتيان في موقع المضاف إليه المجرور لفظًا، وهنا يجب الإتيان بالمصدر المؤوَّل؛ لأنه ببِنْيَته الإسناديَّة يستطيع بيان ما إذا كان معمول الفعل فاعلاً، أو نائبَ فاعلٍ، وذلك عن طريق تحويل حركات الفعل من فعلٍ مبني للمعلوم إلى آخر مبني للمجهول، ولنتأمَّل هذا التركيب القرآني: ﴿قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى﴾ [طه: 59].

فالرُّكن المحوَّل في الآية ﴿ أَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ﴾، مركَّب من بِنْية إسناديَّة محوَّلة من رُكن إفرادي في المعنى العميق، وجاء معطوفًا على الخبر، والتقدير (موعدكم حشرُ الناس)، ولَمَّا كان الركن المصدري لا يتكفَّل ببيان ما إذا كان معموله المضاف فاعلاً، أو نائبَ فاعلٍ - تَمَّ التحويل إلى الرُّكن الإسنادي لبيان ذلك، وقد تَمَّ التحويل باتِّباع القاعدتين أنفسهما اللتين سبَق ذِكرهما، وهما قاعدة التحويل بالزيادة، مُمثَّلة في زيادة العنصر المصدري (أن)، وقاعدة التحويل المورفولوجي من بِنْية المصدر إلى بِنْيَة الفعل المبني للمجهول؛ ليُعْلَمَ أنَّ معمول الفعل نائبُ فاعلٍ، لا فاعل.


[1] ابن قيم الجوزية؛ بدائع الفوائد، (1/ 32).


[2] ذكَر المُحقِّق أنَّ ما قاله هناك هو: "الرافع للاسم المبتدأ؛ كونه مُخبرًا عنه؛ لأن كلَّ مُخبر عنه يُقدَّم في الرُّتبة، فاستحقَّ من الحركات أثقلَها؛ لأنَّ أوائل الألفاظ والكلام أَوْلَى بالنقل وأحملُ له"؛ نتائج الفكر، (67).

[3] السهيلي؛ نتائج الفكر، (67 - 68)، وانظر: السيوطي؛ الأشباه والنظائر، (1/ 59).



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #12  
قديم 31-10-2022, 09:22 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,061
الدولة : Egypt
افتراضي رد: المصدر المؤول بحث في التركيب والدلالة

المصدر المؤول

د. طه محمد الجندي






بحث في التركيب والدلالة (10)







السبب الثالث للتحويل إلى المصدر المؤول:
أنَّ التعبير بالمصدر المؤول - كما يذكر السهيلي - إنما يدلُّ على مجرَّد معنى الحدَث، دون احتمال معنًى زائدٍ عليه، "ففيه تحصينٌ للمعنى من الإشكال، وتخليصٌ له من شوائب الاحتمال"[1]، ولنتأمَّل قوله تعالى: ﴿ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ ﴾ [البقرة: 184]، فالركن المحوَّل في الآية مركَّب من عمليَّة إسناديَّة مُكوَّنة من العنصر المصدري (أن) + مسند (تصوموا) + مسند إليه مورفيم واو الجماعة، ويُفسَّر هذا الركن الإسناد بمعنًى تحتيٍّ هو: (صومكم).


في مقابل المعنى التحتي للركن الإسنادي الذي يمكن التمثيل له بالمشجر التالي:
فالمسند إليه في الأوَّل: عبارة عن تركيب إسنادي محوَّل عن بنيةٍ إفراديَّة في الثاني.


ولعله صار واضحًا أنَّ التحويل قد تَمَّ بنفس القاعدتين السابقتين:
قاعدة الزيادة، وقاعدة التحويل المورفولوجي، أمَّا لماذا تَمَّ التحويل من رُكن المصدر الأُحادي الدَّلالة إلى العنصر المصدري وفعْله، فهو ما سُقناه عن السهيلي من أنَّ المصدر المؤول من (أن) والفعل، تكون دَلالته على الحدث دون احتمال معنًى زائدٍ عليه، وتفسير ذلك أننا إذا قلنا: صومُكم خيرٌ، فقد يُفيد أنَّ في هذا الصوم رُكنًا، أو صفة، أو هيئة هي التي أوجَبت الحُكم له بالخيريَّة، ويُحتمل أيضًا أن مجرَّد الصوم - بوصفه حدَثًا - خيرٌ، دون قصْد صفة من صفاته؛ يقول السهيلي: "إذا قلتَ: كَرِهتُ خروجَك، أو أعجَبني قدومُك، احتمَل الكلام معانيَ؛ منها: أن يكون نفسُ القدوم هو المُعجِب لك، دون صفة من صفاته، وهيئاته، وإن كان لا يُوصف في الحقيقة بصفات، ولكنها عبارة عن الكيفيَّات، واحتمَل أيضًا أن تُريد أنَّك أعْجَبتك سرعته، أو بُطْؤه، أو حالة من حالاته، فإذا قلت: "أعجَبني أن قَدِمت، كانت على الفعل (أن) بمنـزلة الطابع والعنوان، من عوارض الاحتمالات المتصورة في الأذهان"[2].


ويَعني ذلك أنَّ اقتران الفعل بـ(أن) تُخلصه من تلك الاحتمالات التي تَعرض للمصدر، إذا جئنا به صريحًا، ولعله من أجْل ذلك أجازُوا وصْف المصدر الصريح بصفة من صفاته، أو الإخبار عنه بشيءٍ من ذلك، وامتنَع ذلك في المؤول، تقول مثلاً: بَهرني تواضُعك الحميد، كما تقول: تواضعُك حميدٌ، ولا تقول: بَهرني أن تتواضَع حميد، ولا أن تتواضَع حميد، فـ(أن) مع الفعل تُحيل الركن المؤوَّل إلى رُكنٍ يُفهم منه الحدث دون عارضٍ من عوارضه المتصورة.


وقد استنَد السهيلي إلى هذه الخاصية لـ(أن) في جعْل (أن) المفسرة مصدريَّة؛ إذ إنها على حدِّ قوله: "تحصينٌ لِما بعدها من الاحتمالات، وتفسيرٌ لِما قبلها من المصادر المُجملات التي في معنى المقالات والإشارات"[3].


ولتفسير ذلك نُلقي الضوء على التركيب القرآني التالي: ﴿ وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا ﴾ [النحل: 68].


والركن المحوري في الآية - وهو رُكن المفعول - (أن اتَّخذي)، مركَّب من عمليَّة إسناديَّة طرَفاها: المسند الفعل، والمسند إليه ضمير المخاطبة، وكلاهما يُفسَّر في البِنْية العميقة بالمصدر (الاتِّخاذ)، وهو أُحادي البنية، قد يُفهم منه عارضٌ من عوارضه؛ ولذا تَمَّ التحويل بقاعدتي التحويل السابقتين؛ ليُخلص العنصر المصدري الزائد الحدَث من تلك الاحتمالات العارضة، لو جئنا بالمصدر صريحًا، فالمقصود في الآية هو مجرَّد اتِّخاذ الجبال بيوتًا، وليس اتِّخاذًا مخصوصًا، أو مُقيَّدًا بصفةٍ ما.


وثَمَّة سببٌ آخرُ للتحويل في الآية، يعود إلى أنَّ التعبير بالمصدر صريحًا يؤدي إلى تفويت معنى الأمر المُفاد من لفظة (افعل).



[1] السهيلي؛ نتائج الفكر، (126 - 127).

[2] السهيلي؛ نتائج الفكر، (126 - 127).

[3] السابق، (128).



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #13  
قديم 31-10-2022, 09:23 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,061
الدولة : Egypt
افتراضي رد: المصدر المؤول بحث في التركيب والدلالة

المصدر المؤول

د. طه محمد الجندي




بحث في التركيب والدلالة (11)


السبب الرابع من أسباب التحويل إلى المصدر المؤول:
ما جاء على لسان السهيلي من أنَّ (أنْ) تدلُّ على إمكان الفعل، دون الوجوب والاستحالة"[1].


وبيان ذلك يتمثَّل في أنَّ الحدَث المفاد من (أن) ومدخولها، يأخذ ظلالاً دَلاليَّة، لا توجد في الحدَث المجرَّد المُفاد من المصدر الصريح؛ إذ تُضفي (أن) على الحدَث نوعًا من الإمكانيَّة والرجاء في وقوعه، ولا تُفيد بحالٍ القطْع بحصوله، ولنتأكَّد من صِدق هذا الفرضيَّة، لا بدَّ لنا من وقفةٍ مع هذا النموذج القرآني: ﴿ إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 169].


فالركن المؤوَّل في الآية هو (أن تقولوا)، والنظر إليه يَهدي إلى أنه مركَّب من ركنٍ إسنادي تمثيله في الآتي: عنصر مصدري (أن) + مسند (الفعل تقولوا) + مسند إليه مورفيم واو الجماعة، وهذا الرُّكن الإسنادي محوَّل عن معنًى تحتيٍّ إفرادي هو (القول)، غير أنه عَدَل عن هذا المعنى الإفرادي إلى التركيب المحوَّل؛ لِما فيه من سرٍّ دَلالي يَختلف عن المعنى الدَّلالي للمصدر الصريح الذي يُوحي بتأكُّد دَلالة الحدث ووقوعه؛ ولذا جاء التعبير به صريحًا في قوله: ﴿ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ ﴾، فالأمر بذلك من الشيطان لهم واقعٌ لا مَحالة، غير أنه عندما تعلَّق الأمر بالقول على الله ما لا يَعملونه، جاء بالمصدر المؤول الذي يوحي بإمكان وقوع ذلك من المأمورين، إذا هم اتَّبعوا أوامر الشيطان، فليس في التعبير قطْعٌ بحصول ذلك منهم؛ لِما في (أن) من الدَّلالة على الاستقبال، مع الدَّلالة على إمكانيَّة وقوع ذلك منهم، إذا هم تتبَّعوا خطوات الشيطان.


ولسنا في حاجة إلى التذكير بكيفيَّة التحويل إلى هذا الركن المصدري المؤول؛ إذ إنه تَمَّ باتِّباع القاعدتين التحويليَّتين اللتين سبَق القول فيهما.



[1] السهيلي؛ نتائج الفكر، (126).





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #14  
قديم 31-10-2022, 09:23 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,061
الدولة : Egypt
افتراضي رد: المصدر المؤول بحث في التركيب والدلالة

المصدر المؤول

د. طه محمد الجندي




بحث في التركيب والدلالة (12)




السبب الخامس للتحويل إلى المصدر المؤول:
وهو سبب مقيَّد، ضابطه وقوعُ المصدر المؤول من (أن) والفعل شاغلاً وظيفةَ المبتدأ؛ إذ يَستحيل التركيب حالتئذ من معنًى خبري، إلى معنى طلبي، وبيان ذلك يَذكره السهيلي مُفسِّرًا القولَ: أن تقومَ خيرٌ من أن تقعدَ، فيَذكر أنَّ المعنى الدَّلالي لهذا القول، ليس الإخبار عن الحدَث، وإنما فيه معنًى زائدٌ: هو الأمر بذلك؛ يقول: "فكأنك تأْمُره بأن يفعلَ، ولستَ بمُخبرٍ عن الحدَث، بدليل امتناع ذلك في المُضي، فإنَّك لا تقول: أن قُمتَ خيرٌ من أن قعدتَ، ولا: أن قام زيدٌ خيرٌ من أن قعد، وامتناع هذا دليلٌ على أن الحدَث - يعني المصدر الصريح - هو الذي يُخبر عنه، وأمَّا (أن) وما بعدها، فإنها وإن كانت في تأويل المصدر، فإنَّ لها معنًى زائدًا لا يجوز الإخبار عنه، ولكنَّه يُراد ويلزم، ويُؤمر به، فإن وجَدتها مبتدأةً ولها خبرٌ، فليس الكلام على ظاهره؛ لما تقدَّم[1].

وهذا القول صريحٌ في أنَّ المصدر المؤول من (أن) والفعل الشاغل لمقعد المبتدأ، لا يكون المعنى المَروم منه هو الإخبار عن الحدَث المُفاد منه، بل هناك سرٌّ دَلالي آخر، يتمثَّل في الأمر بمضمونه، ولنتأمَّل قوله تعالى: ï´؟ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى ï´¾ [البقرة: 237].

فالمبتدأ في الآية عبارة عن تركيبٍ إسنادي، مكوَّن من الركن المصدري (أن) والمسند (تعفو)، ثم المسند إليه مورفيم واو الجماعة، وهذا الركن الإسنادي محوَّل من بِنْية تحتيَّة إفراديَّة هو: العفو أقربُ، غير أنه لو جاء بالمصدر صريحًا هنا، لكان المعنى على الإخبار على الحدَث؛ ولذا تَمَّ التحويل إلى التركيب المصدري؛ ليدلَّ على أنَّ المراد الأمر بذلك، وقد تَمَّ التحويل بالقاعدتين التحويليَّتين: قاعدة الزيادة، والتحويل المورفولوجي.



[1] السهيلي؛ نتائج الفكر، (129 - 130)، وانظر: ابن قيِّم الجوزية؛ بدائع الفوائد، (1/ 104).



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #15  
قديم 31-10-2022, 09:23 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,061
الدولة : Egypt
افتراضي رد: المصدر المؤول بحث في التركيب والدلالة

المصدر المؤول

د. طه محمد الجندي




بحث في التركيب والدلالة (13)






السبب السادس للتحويل إلى المصدر المؤول:
ما يُفيد المصدر المؤول في بعض صوره من تقْوِية المعنى، وتوكيد مضمونه وتثْبيته، ويكون ذلك حال استعمال العنصر المصدري (أنَّ) المشددة أو المُخفَّفة عنها، يؤكِّد ذلك ما جاء في الأشباه والنظائر: "إنما دخَلت (إن) على الكلام للتوكيد...، وهكذا (أنَّ) المفتوحة؛ إذ لولا إرادة التوكيد، لقلتَ - مكان قولك: بلغَني أنَّ زيدًا مُنطلق -: بلغني انطلاقُ زيدٍ"[1]، ولا يَحتاج النص إلى مزيدٍ من الإيضاح؛ فقد ذكرَ صراحة أنَّ إرادة التوكيد في المصدر المؤول من (أن) هي العلَّة في إيثاره التراكيب الوارد فيها، ولنتأمَّل قوله تعالى: ﴿ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ ﴾ [البقرة: 47]. فالعنصر المصدري المحوَّل، مركَّب من الأداة (أنَّ) + مسند إليه مورفيم ياء المتكلم + المسند، وهو مكوَّن بدوره من عمليَّة إسناديَّة مركَّبة من المسند الفعل (فضل)، والمسند إليه (فاعل) هو مورفيم تاء المتكلم + ركن الفضْلة ضمير المخاطبين (كم)، وقد وقَع هذا التركيب معطوفًا على المفعول به (نعمتي)، والبِنْية التحتيَّة له هي بِنْية إفراديَّة فسَّرها الزمخشري بقوله: "﴿ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ ﴾ نُصِب عطفًا على نِعمتي؛ أي: اذكُروا نعمتي وتفضيلي"[2]، ثم أُجْرِيت عليه عدة عمليَّات تحويليَّة، حتى انتهى إلى ما هو عليه في البنية السطحيَّة، ويُمكننا أن نذكرَ تلك العمليات في الآتي:
1- تحويل بالزيادة؛ حيث تَمَّ إدخال مورفيم التوكيد (أن)؛ نظرًا لخُلوِّ المعنى العميق من عناصر التوكيد، ثم أُريد توكيد هذا الركن، فزِيدَ العنصر المصدري (أن) لذلك، فصار التركيب مُقدَّرًا هكذا: اذكُروا نعمتي وأن تفضيلي.


2- تحويل موقعي وظيفي، وذلك بتغيير وظيفة المضاف إليه (ياء المتكلم)؛ لتكون في موقع المسند إليه (اسم أنَّ)، وتقديم هذا العنصر اللغوي إنما يكون للعناية والاهتمام، فالعنصر الذي يُعنى به هو العنصر المقدَّم، فصار التركيب مُقدَّرًا هكذا: "أنِّي تفضيل".


ثم إنه لَمَّا كان عنصر المسند (اسم حدث)، وأسماء الأحداث لا تقع في تلك الوظيفة، إلاَّ في مواطن خاصة، فقد تَمَّ تحويله تحويلاً مورفولوجيًّا إلى لفظ يَصِح إسناده إلى المسند إليه، ويكون ذلك وَفْق كثيرٍ من الاختيارات الملائمة للمعنى المراد؛ إذ يُمكن تحويله إلى فعلٍ ماضٍ - كما في الآية - أو مضارع، فيقال: أني أُفضِّلكم، أو اسم فاعل، فيكون: أني مُفضِّلكم، وغير ذلك من الصِّيَغ المُتعدِّدة، التي يُمكن أن تَشغل هذا الموقع بصورة عامَّة؛ كاسم المفعول، وصِيَغ المبالغة، والصفة المُشبَّهة، واسم التفضيل، ولا شكَّ أنَّ كلَّ صيغة من ذلك، سوف تُضفي معنًى دلاليًّا خاصًّا بها؛ من مبالغةٍ، أو دوامٍ وثبوتٍ، أو تفضيلٍ، وكلها صورٌ سوف تُضفي على المصدر المؤول ظلالاً دلاليَّة، لا تكون في المصدر الصريح.


[1] السيوطي؛ الأشباه والنظائر، (1/ 29).

[2] الزمخشري؛ الكشاف، (1/ 135).



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 90.81 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 87.21 كيلو بايت... تم توفير 3.60 كيلو بايت...بمعدل (3.97%)]