حمد الله تعالى: معناه وفضائله ومواضعه - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         قراءة في مقال حقائق مذهلة عن الكون المدرك (اخر مشاركة : رضا البطاوى - عددالردود : 0 - عددالزوار : 9 )           »          حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4387 - عددالزوار : 836892 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3919 - عددالزوار : 379405 )           »          متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 11942 - عددالزوار : 191257 )           »          سحور يوم 19 رمضان.. ساندوتشات فول مخبوزة خفيفة ولذيذة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 32 )           »          واتس اب بلس الذهبي (اخر مشاركة : whatsapp Girl - عددالردود : 2 - عددالزوار : 2666 )           »          الأمثال في القرآن ...فى ايام وليالى رمضان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 661 )           »          فقه الصيام - من كتاب المغنى-لابن قدامة المقدسى يوميا فى رمضان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 947 )           »          دروس شَهْر رَمضان (ثلاثون درسا)---- تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 1099 )           »          أسرتي الرمضانية .. كيف أرعاها ؟.....تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 854 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى الشباب المسلم

ملتقى الشباب المسلم ملتقى يهتم بقضايا الشباب اليومية ومشاكلهم الحياتية والاجتماعية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 23-02-2019, 06:21 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,615
الدولة : Egypt
افتراضي حمد الله تعالى: معناه وفضائله ومواضعه

حمد الله تعالى: معناه وفضائله ومواضعه
عبدالله بن عبده نعمان العواضي





إن الحمد لله نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102]، ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ﴾ [النساء: 1]، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ﴾ [الأحزاب: 70-71].



أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي رسوله محمد بن عبد الله، صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.


أيها الناس، "الحمد لله" كلمةٌ من أحسن الكلمات التي يُعمر بها الجَنان، وينطق بها اللسان، وتسمعها الأذنان، وتخطُّها للحقِّ البَنان.


و"الحمد لله" من أطيب ما تعطرت بلفظه الأفواه، واستراحت به النفوس، وكثرت به الأجور، وارتفعت به المنزلة عند الله رب العالمين.


و"الحمد لله" عبارة تحمل في حروفها المضيئة إشراق النفس وامتلاءها بشكر المنعم سبحانه، الذي أعطى فأجزل، ورزق وتفضَّل.


و"الحمد لله" تعبير عن صبر النفس ورضاها بما نزل عليها من المكاره، موقنة بأن الله تعالى في قدره الذي نزل عليم حكيم، لا ينزل على عبده المؤمن إلا ما وافق حكمته وعلمه ورحمته، وكان بالمؤمنين رحيمًا.


إن" الحمد الله" كلمة تختصر كلمات الثناء والشكر، والتعظيم والصبر، فما أحسنها وهي تخرج من قلب صابر، أو لسان ذاكر، أو عبد شاكر، وما أجملها أن تكون حقيقة قلبية لا جملة لسانية فحسب، فأصدق الحمد ما نطق به القلب قبل أن يفوه به اللسان.


عباد الله، " الحمد لله" هي أول الكلام ونهايته، وأول الخلق وخاتمته، قال تعالى: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ ﴾ [الأنعام: 1]. وقال تعالى: ﴿ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الزمر: 75]. وأول سورة في ترتيب المصحف الشريف مبدوءة بالحمد، وبها افتتحت خمس سور من القرآن: الفاتحة، والأنعام، والكهف، وسبأ، وفاطر. وما ذلك إلا لفضل هذه الكلمة وعظم مكانتها.


إن حمد الله يعني: الثناء على الله تعالى لصفات كماله، ونعوت جلاله، وآيات جماله، والثناء عليه لإحسانه لعبده، وجميل فعاله به، مع حبه وتعظيمه تبارك وتعالى.


فقد أمر الله تعالى بحمده على تنزهه عن النقائص فقال: ﴿ وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا ﴾ [الإسراء: 111]. وأمر بحمده على نعمة إيضاحه لعباده الدينَ الحق إيضاحًا بيِّناً فقال: ﴿ وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَ ا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ﴾ [النمل: 93]. والحمد لله على نعمة الخلق والإيجاد، قال تعالى: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ ﴾ [الأنعام: 1]. والحمد لله على إمداده عباده بالنعم البدنية الحسية التي بها يعيشون، قال تعالى: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الفاتحة: 2]. فالرب هو المربي لعباده المصلح لشؤونهم بنعمه سبحانه. والحمد لله على إمداده عباده بالنعم المعنوية التي تصلح أرواحهم، وتهديهم إلى الصراط المستقيم بنور الوحي المبين. قال تعالى: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا ﴾ [الكهف: 1]. وقال تعالى: ﴿ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ ﴾ [الأعراف: 43].


أيها المسلمون، إن حمد الله تعالى عبادة شريفة أمر الله تعالى بها، ودعا عباده إليها؛ ليأجرهم عليها، ويحفظ نعمه عليهم بها، كما حث عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم في سنته على العموم وعلى الخصوص، مبينًا عظم الثواب الحاصل من قولها بصدق وإخلاص.


فحمد الله تعالى من أحب الكلام إليه؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أحب الكلام إلى الله تعالى أربع: لا يضرك بأيهن بدأت: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر)[2].


والحمد لله لها ثواب يملأ ميزان الحسنات يوم القيامة؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الطهور شطر الإيمان، والحمد لله تملأ الميزان) [3].


وقول الحمد لله من الأعمال الصالحة التي هي خير من الدنيا وما فيها؛ لما فيها من الأجر العظيم الذي لا تساويه الدنيا؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لأن أقول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر؛ أحب إلي مما طلعت عليه الشمس) [4].


والحمد لله من الأعمال الصالحة التي يبقى لصاحبها أجرها، وتقيه عذاب النار؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خذوا جُنتكم من النار قولوا: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر؛ فإنهن يأتين يوم القيامة مقدِّمات[5]، ومعقِّبات[6]، ومجنِّبات[7]، وهن الباقيات الصالحات)[8].


للمؤمنين الحامدين اللهَ على مصيبة فقدِ الولد صابرين محتسبين بيتٌ في الجنة يقال له: بيت الحمد؛ فعن أبي موسى رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا مات ولد العبد قال الله تعالى لملائكته: قبضتم ولد عبدي؟ فيقولون: نعم. فيقول: قبضتم ثمرة فؤاده؟ فيقولون: نعم. فيقول: ماذا قال عبدي؟ فيقولون: حمدك واسترجع. فيقول الله تعالى: ابنوا لعبدي بيتًا في الجنة وسموه بيت الحمد) [9].


إن الحمد لله مع الإيمان سبب لدخول الجنان، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لقيت إبراهيم ليلة أسري بي فقال: (يا محمد أقرئ أمتك مني السلام، وأخبرهم أن الجنة طيبة التربة، عذبة الماء، وأنها قيعان، وأن غراسها سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر )[10].


والحمد لله سبب لنيل رضوان الله تعالى إذا قال المسلم ذلك عند كل أكلة وكل شربة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إن الله ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة فيحمده عليها أو يشرب الشربة فيحمده عليها )[11].


إن حمد الله تعالى إذا أكثر منه العبد المؤمن فصار ديدنه في السراء والضراء كان من أفضل عباد الله يوم القيامة. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أفضل عباد الله تعالى يوم القيامة الحمَّادون)[12].


أيها الأحباب الكرام، إن المؤمنين تلذذوا بقولهم: "الحمد الله" وآثاره عليهم في الدنيا، ويستمر تلذذهم به في الجنة، غير أن حمد الله منهم كان في الدنيا عبادة، ولكنه في الآخرة صار تلذذاً وتنعمًا.


قال تعالى: ﴿ وَهُوَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ [القصص: 70]. فمما يحمدونه في الجنة: حمدهم له تعالى على إذهاب الحزن عنهم، قال تعالى: ﴿ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ ﴾ [فاطر: 34]. ومما يحمدونه: نعمة تحقق وعده لهم بدخول الجنة والنجاة من النار، قال تعالى: ﴿ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ ﴾ [الزمر: 74].


وحينما ينالون النعيم في كل موطن في الجنة يكون الحمد آخر دعائهم؛ شكراً لله تعالى على ما مكنهم في الجنة من ذلك النعيم، حتى يصير التحميد كالنفَس منهم هناك، قال تعالى: ﴿ دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [يونس: 10]. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إن أهل الجنة ... يلهمون التسبيح والتحميد كما يُلهمون النفس)[13].


أيها المسلمون، إن حمد الله تعالى عبادة مشروعة على الدوام؛ لكونها ثناء على الله تعالى الذي كمل في ذاته وصفاته وأفعاله، ولأن نعمه لا تزال بعباده متصلة غير منفصلة، بل صار الحمد عملاً دائمًا من أعمال بعض العبادات لا ينفك عنها؛ كالصلاة والحج، ففي الصلاة نجد حمد الله تعالى من جملة أدعية الاستفتاح، ومنها قول: (الله أكبر كبيرا، والحمد لله كثيرا، وسبحان الله بكرة وأصيلا)[14].


وهو ذكر للرفع من الركوع، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا قال الإمام: سمع الله لمن حمده، فقولوا: اللهم ربنا لك الحمد)[15].


وعن أبي سعيد الخدري قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رفع رأسه من الركوع قال: (اللهم ربنا لك الحمد، ملء السماوات وملء الأرض، وملء ما شئت من شيء بعد، أهل الثناء والمجد أحق ما قال العبد وكلنا لك عبد..)[16]. وهذه الصيغة في حديث أبي سعيد من أكمل صيغ الحمد.


والحمد كذلك ذكر في الركوع والسجود، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في ركوعه وسجوده: (سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي)[17].


وفي الحج كذلك فإن من شعاره: الحمد، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: إني لأعلم كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم يلبي: ( لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك)[18].


أحبتي الكرام، إن المسلم يحمد الله تعالى في جميع أحواله في ضرائه وسرائه، فمتى أصابه ضر أو نزل به حزن، أو آلمه مصاب فإنه يحمد الله تعالى؛ لأن ذلك بقدر الله وقضائه، وفي ذلك خير للمسلم أجراً ومثوبة، وصقلاً للنفس من كبريائها، ورداً لها من شرودها عن ربها؛ فعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رأى ما يحب قال: (الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وإذا رأى ما يكره قال: الحمد لله على كل حال)[19]. " وهذا على حسن الظن بالله تعالى، وأنه لم يأت بالمكروه إلا لخير علمه لعبده فيه وأراده به، فكأنه قال: اللهم لك الخلق والأمر تفعل ما تريد، وأنت على كل شيء قدير"[20].


قال عمر رضي الله تعالى عنه : "ما ابتليت ببلية إلا كان لله علي فيها أربع نعم: إذ لم تكن في ديني، وإذ لم أحرم الرضا، وإذ لم تكن أعظم، وإذ رجوت الثواب عليها"، وقال الغزالي: "لا شدة إلا وفي جنبها نعم لله، فليلزم الحمد والشكر على تلك النعم المقترنة بها". وقال إمام الحرمين: "شدائد الدنيا مما يلزم العبدَ الشكرُ عليها؛ لأنها نعم بالحقيقة؛ بدليل أنها تعرض العبد لمنافع عظيمة ومثوبات جزيلة، وأغراض كريمة تتلاشى في جنبها شدائد"[21].
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه غفور رحيم.



الخطبة الثانية
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
أيها المسلمون، إن المسلم إذا نزلت عليه نعم الله تعالى، وأحاط به فضله سارع إلى حمد الله تعالى على ذلك؛ شكراً لربه، ورجاء لبقاء نعمته عليه. وقد ورد في كتاب الله تعالى وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام بعض الأحوال التي يستحب فيها حمد الله تعالى؛ فمن ذلك:
حينما يصبح المسلم وحين يمسي؛ فبقاؤه من الليل إلى الصباح، ومن الصباح إلى المساء حيًا يعبد الله تعالى، ويستعفي من ذنوبه؛ نعمة عظيمة تستحق الحمد. فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمسى يقول: (أمسينا وأمسى الملك لله والحمد لله لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير..) وإذا أصبح قال ذلك أيضًا: أصبحن[22].


ويحمد الله تعالى كذلك إذا أقبل على النوم، وإذا استيقظ منه؛ فالنوم نعمة من أجل النعم، والاستيقاظ منه وقد نال البدن راحته وذهب عناؤه نعمة تستحق الحمد.


فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أوى إلى فراشه يقول: (الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا، وكفانا وآوانا، فكم ممن لا كافي له ولا مؤوي)[23].وإذا استيقظ قال: (الحمد لله الذي أحيانا بعدما أماتنا وإليه النشور) [24].


وعندما يرى المسلم في منامه ما يحب من الرؤى فإنه يحمد الله؛ لأن ذلك من جملة ما يسر النفس، وتلك نعمة تستحق الحمد. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا رأى أحدكم الرؤيا يحبها فإنما هي من الله فليحمد الله عليها، وليحدث بها، وإذا رأى غير ذلك مما يكره، فإنما هي من الشيطان، فليستعذ بالله و لا يذكرها لأحد؛ فإنها لا تضره)[25].


إخواني الكرام، إذا دعا المسلم دعوة فاستجيبت له؛ كدعوته بحصول الولد له بعد العقم فإنها نعمة تستأهل الحمد، كما قال تعالى عن الخليل إبراهيم: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ ﴾ [إبراهيم: 39].


وإذا رأى في نفسه نعمة فاق بها غيره، وفضل بها على من سواه كنعمة العلم النافع دينيًا كان العلم أم دنيويًا فليحمد الله تعالى كما قال عز وجل عن نبييه داود وسليمان: ﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا وَقَالا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [النمل: 15].


وإذا عطس العطاس الطبيعي وليس العطاس المرَضي الناتج عن الزكام فإنه يشرع له أن يحمد الله على هذه النعمة؛ ففي العطاس منفعة عظيمة للبدن؛ إذ فيه " الشعور بالارتياح في الدماغ وخفة الرأس وانشراح النفس"[26]. قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله يحب العطاس ويكره التثاؤب، فإذا عطس أحدكم فحمد الله فحقٌّ على كل مسلم سمعه أن يشمته)[27].


أيها الفضلاء الكرام، حصول الإنسان على الطعام والشراب، وسهولة سياغته لهما نعمة عظيمة تستحق الحمد؛ فلهذا يستحب للمسلم أن يحمد الله تعالى عند الفراغ من تناول ذلك.


فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا رفع مائدته قال: (الحمد لله كثيراً طيبًا مباركًا فيه، غير مكفي، ولا مودَّع، ولا مستغنى عنه ربنا[28][29]. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أكل طعامًا فقال: الحمد لله الذي أطعمني هذا ورزقنيه من غير حول مني ولا قوة؛ غفر له ما تقدم من ذنبه)[30].


وحينما ينظر المسلم إلى نعمة الكساء الذي رزقه الله إياه ليستر عورته، ويزينه بين الناس فإنه يستحب له إذا لبس ثوبًا جديداً أن يحمد الله تعالى، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ومن لبس ثوبًا جديداً فقال: الحمد لله الذي كساني هذا ورزقنيه من غير حول مني ولا قوة غفر له ما تقدم من ذنبه)[31].


ومتى تأمل في تسخير الله للإنسان وسائلَ النقل القديمة منها والحديثة كيف تخفف عنه من عناء وتوصله إلى غاية لم يكن بالغها إلا بشق النفس؛ فإنه يحمد الله تعالى عند ركوبها عليها، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استوى على ظهر الدابة قال: الحمد لله، سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون، الحمد لله، الحمد لله، الحمد لله...[32].


فيا أيها المسلمون، علينا -بعد هذا- أن نتأمل في نعم الله تعالى علينا، وحسن بلائه لنا، فنحمد الله في السراء ونحمده في الضراء، ونحمده في الصباح وفي المساء، وفي سائر الأوقات والأحوال التي حثنا الشرع الشريف على حمد الله تعالى فيها.


فحمد الله صدقًا من القلب واللسان يزيد الإيمان، ويأتي بالثواب الذي يثقل الميزان، ويغفر الذنوب، ويجلب النعم، ويصرف النقم، ويورث صاحبه الاطمئنان، ويوصله إلى محبة الله ورضوانه.
هذا وصلوا على النبي المختار...


[1] ألقيت في مسجد ابن الأمير الصنعاني في 8 /10 /1439ه، 22 /6 /2018م.

[2] رواه مسلم.

[3] رواه مسلم.

[4] رواه مسلم.

[5] مقدمات لقائلهن على غيره.

[6] معقبات: عُدن على قائلهن بالخير.

[7] مجنبات له من النار.

[8] رواه النسائي والحاكم، وهو حسن.

[9] رواه الترمذي وابن حبان، وهو حسن.

[10] رواه الترمذي والطبري، وهو حسن.

[11] رواه مسلم.

[12] رواه الطبراني، وهو صحيح.

[13] رواه مسلم.

[14] رواه مسلم.

[15] متفق عليه.

[16] رواه مسلم.

[17] متفق عليه.

[18] رواه البخاري.

[19] رواه ابن ماجه وغيره، وهو حسن.

[20] فيض القدير (5/ 88).

[21] فيض القدير (2/ 133).

[22] رواه مسلم.

[23] رواه مسلم.

[24] رواه مسلم.

[25] رواه البخاري.

[26] روائع الطب الإسلامي (2/ 132).

[27] رواه البخاري.

[28] (غير مكفي) أي: ربنا غير محتاج إلى الطعام فيكفى لكنه يطعم ويكفي (ولا مودع) بفتح الدال الثقيلة أي: غير متروك فيعرض عنه (ولا مستغنى عنه) بفتح النون وبالتنوين أي: غير متروك الرغبة فيما عنده فلا يدعى إلا هو ولا يطلب إلا منه. فيض القدير (5/ 139).

[29] رواه البخاري.

[30] رواه أحمد والأربعة، وهو حسن.

[31] رواه أبو داود، وهو حسن.

[32] رواه أبو داود، وهو صحيح.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 76.36 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 74.48 كيلو بايت... تم توفير 1.88 كيلو بايت...بمعدل (2.46%)]