|
|
ملتقى نصرة الرسول صلى الله عليه وسلم قسم يختص بالمقاطعة والرد على اى شبهة موجهة الى الاسلام والمسلمين |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
من سيرة الإمام ابن تيمية
__________________
|
#2
|
||||
|
||||
رد: من سيرة الإمام ابن تيمية
من سيرة الإمام ابن تيمية الشيخ صلاح نجيب الدق تواضع ابن تيمية: (1) قال عمر بن علي البزار: ما رأيتُ ولا سمِعْتُ بمثل تواضُع ابن تيمية في عصره؛ كان يتواضع للكبير والصغير، والجليل والحقير، والغني الصالح والفقير، وكان يُدني الفقيرَ الصالح ويُكرمُه، ويُؤنِسُه ويُباسِطُه بحديثه زيادة على مثله من الأغنياء، حتى إنه ربما خدَمه بنفسه، وأعانه بحمل حاجته جَبْرًا لقلبه، وتَقَرُّبًا بذلك إلى ربِّه؛ (الأعلام العلية في مناقب ابن تيمية، للبزار، صـ:50). (2) قال عمر بن علي البزار: ظهر لي من حُسْن أخلاق ابن تيمية تواضُعُه؛ إنه كان إذا خرجنا من منزله بقصد القراءة يحمل هو بنفسه النسخةَ، ولا يَدَعُ أحدًا منا يحملها عنه، وكنت أعتذر إليه من ذلك؛ خوفًا من سُوء الأدب، فيقول: لو حملته على رأسي لكان ينبغي، ألَا أحمل ما فيه كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ (الأعلام العلية في مناقب ابن تيمية، للبزار، صـ:52). زهد ابن تيمية: قال عمر بن علي البزار: لقد اتَّفق كلُّ مَنْ رأى ابن تيمية - خصوصًا مَنْ أطال ملازمتَه - أنه ما رأى مثلَه في الزُّهْد في الدنيا، حتى لقد صار ذلك مشهورًا بحيث قد استقرَّ في قلب القريب والبعيد مِنْ كُلِّ مَنْ سَمِعَ بصفاته على وجهها؛ بل لو سُئِلَ عاميٌّ من أهل بلدٍ بعيدٍ: مَنْ كان أزهدَ أهْلِ هذا العصر وأكملَهم في رفض فضول الدنيا، وأحرصَهم على طلب الآخرة؟ لقال: ما سَمِعْتُ بمثل ابن تيمية رحمة الله عليه، وما اشتهر له ذلك إلا لمبالغته فيه مع تصحيح النية، وإلا فمن رأينا من العلماء قنع من الدنيا بمثل ما قنع هو منها، أو رضي بمثل حالته التي كان عليها، لم يسمع أنه رغب في زوجة حسناء، ولا دار واسعة جميلة، ولا بساتين، ولا شدَّ على دينار ولا درهم، ولا رغب في دوابَّ ولا ثياب ناعمة فاخرة، ولا زاحم في طلب الرئاسات، ولا رُئي ساعيًا في تحصيل المباحات مع أن الملوك والأمراء والتجار والكبراء كانوا طَوْعَ أمرِه، خاضعين لقوله وفعله؛ (الأعلام العلية في مناقب ابن تيمية، للبزار، صـ:45). إيثار ابن تيمية: كان الإمام ابن تيمية مع شدَّة تركه للدنيا، ورفضه لها، وفقره فيها، وتقلُّله منها، مؤثرًا بما عساه يجده منها قليلًا كان أو كثيرًا؛ فقد كان يَتَصَدَّق حتى إذا لم يجد شيئًا، نزع بعض ثيابه المحتاج إليه فيصل به الفقير، وكان يستفضل من قُوْتِه القليلَ الرغيفَ والرغيفين، فيُؤثِر بذلك المحتاجين على نفسه؛ (الأعلام العلية في مناقب ابن تيمية، للبزار، صـ:17). معركة شقحب: طلب السلطان الناصر محمد بن قلاوون (وذلك في معركة شقحب ضد التتار) من ابن تيمية - أن يقف معه في المعركة، فقال له الشيخ ابن تيمية: السنة أن يقف الرجل تحت راية قومه، ونحن من جيش الشام، لا نقف إلا معهم، وحرَّضَ ابنُ تيمية السلطانَ على القتال، وبشَّره بالنصر، وجعل يحلف بالله الذي لا إله إلا هو إنكم منصورون عليهم في هذه المرة، فيقول له الأمراء: قل: إن شاء الله، فيقول: إن شاء الله تحقيقًا لا تعليقًا، وأفتى الناس بالفطر مدة قتالهم، وأفطر هو أيضًا، وكان يدور على الأجناد والأمراء، فيأكُل من شيء معه في يده؛ ليُعلِمَهم أن إفطارهم ليتقوَّوا على القتال أفضلُ، فيأكُل الناس، وكان يتأوَّلُ قوله صلى الله عليه وسلم: ((إنكم مُلاقُوا العدوِّ غدًا، والفطر أقْوى لكم))؛ فانتصر المسلمون على التتار في ذلك اليوم، ولله الحمد والمنة؛ (البداية والنهاية، لابن كثير، جـ 14 صـ26:25). لقاء ابن تيمية مع ملك التتار: قال محمد بن عمر البالسي، وكان مع الذين ذهبوا مع ابن تيمية لمقابلة مع محمود قازان (ملك التتار)، قال ابن تيمية لقازان: أنت تزعم أنك مسلم، ومعك مُؤذِّنٌ، وقاضٍ، وإمامٌ، على ما بلغنا، فغزوتنا ودخلت بلادنا على ماذا؟ وأبوك وجدُّك هولاكو كانا كافرين، وما غزوا بلاد الإسلام؛ بل عاهَدا فوفَيَا، وأنت عاهدت فغدَرْتَ، وقلتَ فما وفيْتَ، وقرَّب إلى الجماعة طعامًا فأكلوا منه إلا ابنُ تيمية، فقيل له: ألا تأكل؟ فقال: كيف آكُلُ من طعامكم، وكلُّه ممَّا نهبتم من أغنام الناس، وطبختموه بما قطعتم من أشجار الناس؟ قال: وطلب قازان منه الدعاء، فقال ابن تيمية في دعائه: اللهم إن كان عبدُك هذا محمود إنما يُقاتِل لتكونَ كلمتُكَ هي العليا، وليكون الدينُ كُلُّه لك، فانصُرْه، وأيِّدْهُ، ومَلِّكْهُ البلادَ والعبادَ، وإن كان إنما قام رياءً وسُمْعةً، وطَلبًا للدنيا، ولتكونَ كلمتُه هي العليا، وليذلَّ الإسلامَ وأهلَه، فاخذُلْه، وزَلْزِلْهُ، ودمِّرْه، واقطَعْ دابِرَهُ؛ وقازان يُؤمِّنُ على دُعائه، ويرفع يديه، فجعلنا نجمع ثيابنا خَوْفًا من أن تتلوَّثَ بدمه إذا أمر بقتله. قال: فلما خرجنا من عنده، قال له قاضي القضاة نجم الدين ابن صَصْرى وغيره: كدت أن تُهلِكنا، وتُهلِك نفسَكَ، والله لا نصحبك من هنا، فقال: وأنا والله لا أصحبكم، فانطلقنا عُصْبةً، وتأخَّر هو في خاصة نفسه، ومعه جماعة من أصحابه، فتسامَعَتْ به الأمراءُ من أصحاب قازان، فأتوه يتبرَّكُون بدعائه، وهو سائر إلى دمشق، وينظرون إليه، والله ما وصل إلى دمشق إلا في نحو ثلاثمائة فارس في ركابه، وكنت أنا من جملة من كان معه، وأما أولئك الذين رفضوا أن يصحبوه، فخرج عليهم جماعةٌ من التتار، فأخذوا منهم أموالهم وثيابهم؛ (البداية والنهاية، لابن كثير، جـ 14 صـ92:91). ابن تيمية يُطلِق الأسرى النصارى: قال الإمام ابن تيمية رحمه الله: خاطبت قازان - ملك التتار- في إطلاق الأسرى، فسمح بإطلاق الأسرى المسلمين، ثم قال قازان: معنا نصارى أخذناهم من القدس، فهؤلاء لا يُطلَقُون، فقلت له: بل جميع من معك من اليهود والنصارى الذين هم أهل ذمَّتنا؛ فإنا نفكُّهم، ولا ندع أسيرًا، لا من أهل الملَّة، ولا من أهل الذِّمَّة، وأطلقنا من النصارى مَنْ شاء الله، فهذا عملنا وإحساننا، والجزاءُ على الله، وكذلك السبي الذي بأيدينا من النصارى يعلم كل أحدٍ إحسانَنا ورحمتَنا ورأفتَنا بهم؛ كما أوصانا خاتمُ المرسلين؛ حيث قال في آخر حياته: ((الصلاةَ وما مَلَكَتْ أيمانُكُمْ)) قال الله تعالى في كتابه: ﴿ وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا ﴾[الإنسان: 8]؛ (مجموع فتاوى ابن تيمية، جـ28 صـ:618:617). ضوابط العذر بالجهل عند ابن تيمية: • روى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((كان رجل يسرف على نفسه، فلما حضره الموتُ، قال لبنيه: إذا أنا متُّ فأحرقوني، ثم اطحنوني، ثم ذروني في الريح، فوالله لئن قدر عليَّ ربِّي ليُعذِّبني عذابًا ما عذَّبَه أحدًا، فلما مات فُعِل به ذلك، فأمر الله الأرض، فقال: اجمعي ما فيك منه، ففعلتْ، فإذا هو قائم، فقال: ما حملك على ما صنعتَ؟ قال: يا رب خشيتك فغفر له))؛ (البخاري، حديث: 6481 / مسلم، حديث: 2756). قال الإمام ابن تيمية رحمه الله: هذا رجلٌ شَكَّ في قدرة الله، وفي إعادته إذا ذُرِي؛ بل اعتقد أنه لا يُعاد، وهذا كُفْرٌ باتِّفاق المسلمين، لكن كان جاهلًا، لا يعلم ذلك، وكان مؤمنًا يخاف الله أن يُعاقِبَه، فغفر له بذلك، والمتأوِّل من أهل الاجتهاد الحريص على متابعة الرسول أولى بالمغفرة من مثل هذا؛ (مجموع فتاوى ابن تيمية، جـ3 صـ230: صـ231). وقال رحمه الله: هذا الرجل لم يكن عالِمًا بجميع ما يستحقُّه الله من الصفات وبتفصيل أنه القادر، وكثير من المؤمنين قد يجهل مثل ذلك فلا يكون كافرًا؛ (مجموع فتاوى ابن تيمية، جـ11 صـ411). • روى مسلم عن عائشة أنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم: مهما يكتم الناس يعلمه الله؟ قال: ((نعم))؛ (مسلم، حديث: 974). قال الإمام ابن تيمية: تعليقًا على قول عائشة: "مهما يكتم الناس يعلمه الله"، هذه عائشة أم المؤمنين: سألت النبي صلى الله عليه وسلم: هل يعلم الله كلَّ ما يكتم الناس؟ فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: ((نعم))، وهذا يدلُّ على أنها لم تكن تعلم ذلك، ولم تكن قبل معرفتها بأن الله عالم بكل شيء يكتمه الناسُ كافرةً، وإن كان الإقرار بذلك بعد قيام الحجَّة من أصول الإيمان، وإنكار علمه بكل شيء كإنكار قُدْرته على كل شيء، هذا مع أنها كانت ممَّنْ يستحِقُّ اللَّوْمَ على الذَّنْب؛ ولهذا لَهَزَها النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: ((أتخافين أن يَحِيفَ اللهُ عليك ورسُولُه))، فقد تبيَّن أن هذا القول كُفْرٌ، ولكن تكفير قائله لا يُحكَم به حتى يكون قد بلغه من العلم ما تقوم به عليه الحُجَّةُ التي يُكفَّر تاركُها؛ (مجموع فتاوى ابن تيمية، جـ11 صـ412: صـ413). سماحة ابن تيمية مع مخالفيه: (1) قال الإمام ابن تيمية: أنا في سعة صدر لمن يُخالفني، فإنه وإن تعدَّى حدودَ الله بتكفير أو تفسيق أو افتراء أو عصبية جاهلية، فأنا لا أتعدَّى حُدُودَ الله فيه؛ بل أضبط ما أقوله وأفعله، وأزنه بميزان العدل، وأجعله مؤتمًّا بالكتاب الذي أنزله الله، وجعلَه هُدًى للناس، حاكمًا فيما اختلفوا فيه؛ قال الله تعالى: ﴿ كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ ﴾ [البقرة: 213]، وقال تعالى: ﴿ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ ﴾ [النساء: 59]، وقال تعالى: ﴿ لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ﴾ [الحديد: 25]؛ (مجموع فتاوى ابن تيمية، جـ 3صـ:245). (2) قال الإمام ابن تيمية رحمه الله: لا أُحِبُّ أن يُنتصَر من أحدٍ بسبب كذبه عليَّ أو ظُلْمه وعُدوانه؛ فإني قد أحللْتُ كلَّ مسلم، وأنا أحب الخير لكل المسلمين، وأريد لكل مؤمن من الخير ما أحِبُّه لنفسي، والذين كذبوا وظلموا فهم في حِلٍّ من جهتي؛ (مجموع فتاوى ابن تيمية، جـ 28 صـ:55). (3) كان بعض أصحاب ابن تيمية الأكابر يقول: ودِدْتُ أني لأصحابي مثل ابن تيمية لأعدائه وخصومه؛ (مدارج السالكين، لابن القيم، جـ 2صـ328). (4) قال الإمام ابن القيم: ما رأيتُ ابن تيمية يدعو على أحدٍ من أعدائه قطُّ، وكان يدعو لهم؛ (مدارج السالكين، لابن القيم، جـ 2صـ329). (5) كان قاضي المالكية ابن مخلوف من أعداء ابن تيمية، ومع ذلك يقول الإمام ابن تيمية: وابن مخلوف لو عمل مهما عمل، والله ما أقدر على خير إلا وأعمله معه، ولا أعينُ عليه عدوَّه قطُّ، ولا حول ولا قوة إلا بالله، هذه نيَّتي وعزمي، مع علمي بجميع الأمور، فإني أعلم أن الشيطان ينزغ بين المؤمنين، ولن أكون عونًا للشيطان على إخواني المسلمين؛ (مجموع فتاوى ابن تيمية، جـ 28 صـ:55). (6) قال الإمام ابن القيم: جئتُ يومًا مُبشِّرًا لابن تيمية بموت أكبـر أعدائه، وأشدِّهم عَداوةً وأذًى له؛ فنهرني وتنكَّر لي واسترجع، ثم قام من فوره إلى بيت أهله فعزَّاهم، وقال: إني لكم مكانه، ولا يكون لكم أمرٌ تحتاجون فيه إلى مساعدة إلا وساعدتُكم فيه؛ فسُرُّوا به ودعوا له، وعظَّمُوا هذه الحال منه، فرحمه الله ورضي عنه؛ (مدارج السالكين، لابن القيم، جـ 2صـ329). (7) كتب الإمام ابن تيمية رسالةً إلى تلاميذه وأحبابه، يتحدَّث فيها عن خصومه، قال فيها: "أنا أُحبُّ لهم أن ينالوا من اللذَّة والسرور والنعيم ما تَقَرُّ به أعينُهم، وأن يفتح لهم من معرفة الله وطاعته والجهاد في سبيله ما يصِلُون به إلى أعلى الدرجات؛ (مجموع فتاوى ابن تيمية، جـ 28 صـ:41). (8) قال قاضي المالكية ابن مخلوف: ما رأينا مثل ابن تيمية حرَّضْنا عليه فلم نقدِرْ عليه، وقدر علينا فصفَحَ عنَّا، وحاجَجَ عنَّا؛ (البداية والنهاية، لابن كثير، جـ14 صـ:54). (9) قال الشيخ علم الدين البرزالي: في العشر الأوسط من رجب من سنة إحدى عشرة وسبعمائة وقع أذًى في حقِّ الشيخ تقي الدين ابن تيمية بمصر، ظفر به بعض المبغضين له في مكان خالٍ، وأساء إليه الأدب، وحضر جماعة كثيرة من الجند وغيرهم إلى الشيخ بعد ذلك لأجل الانتصار له، فلم يُجبْ إلى ذلك، وكتب إلى المقاتلي يذكر أن ذلك وقع من فقيه بمصر يعرف بالمبدي، حصل منه إساءةُ أدَبٍ، ثم بعد ذلك طلب وتودَّد وشفع فيه جماعةٌ، الشيخ ابن تيمية ما تكلَّم، ولا اشتكى، ولو حصل شكوى من ابن تيمية لأُهِينَ ذلك الرجل غايةَ الإهانة، لكن ابن تيمية قال: أنا ما أنتصِرُ لنفسي؛ (العقود الدرية، لابن عبدالهادي، صـ305). (10) قال الذهبي: في شعبان سنة إحدى عشرة وسبعمائة، وصل النبأ أن الفقيه علي بن يعقوب البكري -أحد المبغضين لابن تيمية - استفرد بابن تيمية بمصر، ووثب عليه، ونتش ثيابه، وقال: احضر معي إلى القاضي، فلي عليك دعوى، فلما تكاثَرَ الناسُ انصرف، فطُلِبَ علي البكري من جهة الدولة، فهرب واختفى، وذكر غير الذهبي: أنه ثار بسبب ذلك فتنة، وأراد جماعة الانتصار من علي البكري، فلم يمكنهم ابن تيمية من ذلك؛ (ذيل طبقات الحنابلة، لابن رجب الحنبلي، جـ4 صـ517). (11) مرض الإمام ابن تيمية أيامًا يسيرة في القلعة بدمشق، وكان الكاتب شمس الدين الوزير في ذلك الوقت موجودًا بدمشق، فلما علم بمرضه، استأذَنَ في الدخول عليه لعيادته، فأذِنَ الشيخُ له في ذلك، فلما جلس عنده أخذ يعتذر له عن نفسه، ويلتمس منه أن يحلَّه ممَّا عساه أن يكون قد وقع منه في حقِّه من تقصير أو غيره، فأجابه الشيخ رحمه الله: بأني قد أحللتُكَ وجميع من عاداني، وهو لا يعلم أني على الحق؛ (الأعلام العلية في مناقب ابن تيمية، للبزار، صـ:82:81). احترام ابن تيمية لفقهاء أهل السنة: قال الإمام ابن تيمية: تجوز صلاة المأموم خلف إمامٍ يُخالِفه في المذهب الفقهي المعتبر، وهي صلاة صحيحة، كان الصحابة والتابعون لهم بإحسان ومَنْ بعدهم من الأئمة الأربعة يُصلِّي بعضُهم خلف بعض مع تنازُعهم في المسائل الفقهية، ولم يقل أحدٌ من السلف: إنه لا يُصلِّي بعضهم خلف بعض، ومَنْ أنكر ذلك فهو مُبتدعٌ ضالٌّ مُخالِفٌ للكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة وأئمتها، وقد كان الصحابة والتابعون ومن بعدهم: منهم من يقرأ البسملة، ومنهم مَنْ لا يقرؤها، ومنهم من يجهر بها، ومنهم مَنْ لا يجهر بها، وكان منهم من يقنت في الفجر، ومنهم من لا يقنت، ومنهم من يتوضَّأ من الحجامة والرُّعاف والقيء، ومنهم من لا يتوضَّأ من ذلك، ومنهم مَنْ يتوضَّأ من مَسِّ الذَّكَر ومسِّ النساء بشهوة، ومنهم مَنْ لا يتوضَّأ من ذلك، ومنهم مَنْ يتوضَّأ من القهقهة في صلاته، ومنهم مَنْ لا يتوضَّأ من ذلك، ومنهم مَنْ يتوضَّأ من أكل لحم الإبل، ومنهم مَنْ لا يتوضَّأ من ذلك، ومع هذا فكان بعضُهم يُصلِّي خلف بعض، مثلما كان أبو حنيفة وأصحابه والشافعي وغيرُهم يُصلُّون خلف أئمة أهل المدينة من المالكية، وإن كانوا لا يقرؤون البسملة لا سرًّا ولا جهرًا، وصلى أبو يوسف خلف الرشيد، وقد احتجم، وأفتاه مالك بأنه لا يتوضَّأ، فصلى خلفه أبو يوسف ولم يُعِدْ، وكان أحمد بن حنبل يرى الوضوء من الحجامة والرُّعاف، فقيل له: فإن كان الإمام قد خرج منه الدم ولم يتوضَّأ، تُصلِّي خلفه؟ فقال: كيف لا أُصلِّي خلف سعيد بن المسيب ومالك؛ (مجموع فتاوى ابن تيمية جـ 23صـ 373: صـ 375). أسباب اختلاف الفقهاء في قبول رواية حديث عند ابن تيمية: قال الإمام ابن تيمية رحمه الله: إذا وجد لواحد من الفقهاء قولٌ قد جاء حديثٌ صحيحٌ بخلافه، فلا بُدَّ له مِنْ عُذْرٍ في تركه، ويرجع عدم قبول الفقيه لرواية الحديث لأسباب متعددة، وهي: السبب الأول: ألا يكون الحديث قد بلغ الفقيه، ومن لم يبلغه الحديث لم يكلف أن يكون عالِمًا بموجبه، وإذا لم يكن قد بلغه وقد قال في تلك القضية بموجب ظاهر آية أو حديث آخر، أو بموجب قياس، أو موجب استصحاب، فقد يُوافِق ذلك الحديث تارةً ويُخاِلفُه أخرى، وهذا السبب هو الغالب على أكثر ما يوجد من أقوال السلف مخالفًا لبعض الأحاديث؛ فإن الإحاطة بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم لم تكن لأحدٍ من الأمة. السبب الثاني: أن يكون الحديث قد بلغ الفقيه لكنه لم يثبُتْ عنده. السبب الثالث: اعتقاد الفقيه ضعف الحديث باجتهاد قد خالفه فيه غيرُه. السبب الرابع: اشتراط الفقيه في خبر الواحد العَدْل الحافظ شروطًا يُخالِفه فيها غيرُه. السبب الخامس: أن يكون الحديث قد بلغ الفقيه، وثبت عنده لكن نَسِيَه. السبب السادس: عدم معرفة الفقيه بدلالة الحديث. السبب السابع: اعتقاد الفقيه أن لا دلالة في الحديث، والفرق بين هذا وبين الذي قبله أن الأول لم يعرف جهة الدلالة، والثاني عرف جهة الدلالة لكن اعتقد أنها ليست دلالةً صحيحةً. السبب الثامن: اعتقاد الفقيه أن تلك الدلالة قد عارَضَها ما دَلَّ على أنها ليست مرادةً مثل معارضة العام بخاص، أو المطلق بمقيد، أو الأمر المطلق بما ينفي الوجوب، أو الحقيقة بما يدل على المجاز، إلى أنواع المعارضات، وهو باب واسع أيضًا؛ فإن تعارُضَ دلالات الأقوال وترجيح بعضها على بعض بحر خضم. السبب التاسع: اعتقاد الفقيه أن الحديث معارضٌ بما يدل على ضَعفه، أو نسخه، أو تأويله إن كان قابلًا للتأويل بما يصلح أن يكون معارضًا بالاتفاق؛ مثل: آية، أو حديث آخر، أو إجماع. السبب العاشر: معارضة الفقيه للحديث بما يدلُّ على ضَعفه أو نسخه أو تأويله ممَّا لا يعتقده غيرُه أو جنسه معارض، أو لا يكون في الحقيقة معارضًا راجحًا؛ كمعارضة كثير من الكوفيين الحديث الصحيح بظاهر القرآن، واعتقادهم أن ظاهر القرآن من العموم ونحوه مُقدَّمٌ على نصِّ الحديث؛ (مجموع فتاوى ابن تيمية، جـ 20 صـ 239: صـ 250). صبر ابن تيمية على البلاء: كتب الإمام ابن تيمية رسالةً إلى تلاميذه يُعبِّر فيها عن رضاه بقضاء الله تعالى، قال فيها: "أنا طيب وعيناي طيبتان أطيب ما كانتا، ونحن في نِعَمٍ عظيمة، لا تُحْصَى ولا تُعَدُّ، والحمدُ لله حمدًا كثيرًا طيِّبًا مُباركًا فيه، كل ما يقضيه اللهُ تعالى فيه الخيرُ والرحمةُ والحكمةُ، إن ربي لطيفٌ لما يشاء، إنه هو القويُّ العزيز العليم الحكيم، ولا يَدْخُل على أحد ضررٌ إلا من ذنوبه؛ قال تعالى: ﴿ مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا ﴾ [النساء: 79]، فالعبد عليه أن يشكُر اللهَ ويحمده دائمًا على كلِّ حالٍ، ويستغفر من ذنوبه، فالشكر يُوجِب المزيدَ من النِّعَم، والاستغفارُ يدفَعُ النِّقَم ولا يقضي الله للمؤمن قضاءً إلا كان خيرًا له، إن أصابتْهُ سرَّاءُ شكر، وإن أصابتْهُ ضرَّاءُ صبر، فكان خيرًا له؛ (العقود الدرية، لابن عبدالهادي، صـ383). • حفظ الله تعالى ابن تيمية، فقد كان مُعظَّمًا مُكْرَمًا، يُكْرِمه المسؤول عن القلعة ونائبُها إكرامًا كثيرًا، ويسألانه عن حوائجه، ويُبالغان في قضائها، وكان ما صنَّفَه من كُتُبٍ في هذه المدة قد خرج بعضُه من عنده وكَتَبَه بعضُ أصحابه، واشتَهر وظهَر بفضل الله تعالى؛ (العقود الدرية، لابن عبدالهادي، صـ379). قبس من كلام ابن تيمية: قال الإمام ابن تيمية رحمه الله: (1) من سنة الله: أنه إذا أراد إظهار دينه، أقام مَنْ يُعارِضُه فيحق الحقَّ بكلماته، ويقذف بالحَقِّ على الباطل فيدمغه، فإذا هو زاهِق؛ (مجموع فتاوى ابن تيمية، جـ:28 صـ:57). (2) إن في الدنيا جنَّةً مَنْ لم يدخلْها لن يدخُلَ جنَّةَ الآخرة؛ (مدارج السالكين، لابن القيم، جـ 1صـ452). (3) بالصبر واليقين تنال الإمامة في الدين؛ قال تعالى: ﴿ وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ ﴾ [السجدة: 24]؛ (مجموع فتاوى ابن تيمية، جـ:3 صـ: 358). (4) الذِّكْر للقلب بمنزلة الغذاء للجسد، فكما لا يجد الجسدُ لذَّةَ الطعام مع السقم، فكذلك القلب لا يجد حلاوة الذِّكْر مع حُبِّ الدنيا؛ (مجموع فتاوى ابن تيمية، جـ:9 صـ: 312). (5) ما يصنع أعدائي بي؟ أنا جنَّتي وبُستاني في صدري، إن رحت فهي معي لا تُفارِقُني، إن حَبْسي خلوةٌ، وقَتْلي شهادةٌ، وإخراجي من بلدي سياحة؛ (الوابل الصيب، لابن القيم، صـ42). (6) ما ندم من استخار الخالق، وشاور المخلوقين، وثبت في أمره؛ (الوابل الصيب، لابن القيم، صـ112). (7) (إياك نعبد) تدفع الرياء (وإياك نستعين) تدفع الكبرياء؛ (مدارج السالكين، لابن القيم، جـ 1صـ78). (8) من أراد السعادة الأبديَّة، فَلْيَلْزَم عتبة العبوديَّة؛ (مدارج السالكين، لابن القيم، جـ 1صـ429). (9) الخوفُ المحمودُ ما حجزَكَ عن محارِمِ الله؛ (مدارج السالكين، لابن القيم، جـ 1صـ511). (10) العارفُ لا يرى له على أحدٍ حقًّا، ولا يشهد على غيره فضلًا؛ ولذلك لا يُعاتِب، ولا يُطالِب، ولا يُضارِب؛ (مدارج السالكين، لابن القيم، جـ 1صـ519). (11) الزُّهْد: تَرْكُ ما لا ينفَعُ في الآخِرة، والوَرَعُ: تَرْكُ ما تخاف ضررَهُ في الآخرة؛ (مدارج السالكين، لابن القيم، جـ 2صـ12). (12) غاية الكرامة لزوم الاستقامة؛ (مجموع فتاوى ابن تيمية، جـ:11 صـ: 298). (13) التكبُّر شَرٌّ من الشِّرْك، فإن المتكبِّر يتكبَّر عن عبادة الله تعالى، والمشْرِكُ يعبُد الله وغيره؛ (مدارج السالكين، لابن القيم، جـ 2صـ316). (14) مَنْ فارق الدَّليلَ ضَلَّ السبيلَ، ولا دليل إلا بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم؛ (مفتاح دار السعادة، جـ1 صـ83). (15) العوارض والمحن هي كالحَرِّ والبرد، فإذا عَلِمَ العبدُ أنه لا بُدَّ منهما، لم يغضَبْ لورودهما، ولم يغتمَّ لذلك، ولم يحزن؛ (مدارج السالكين، لابن القيم، جـ 3صـ361). وفاة ابن تيمية: تُوفِّي الإمام ابن تيمية رحمه الله ليلة الاثنين، العشرين من ذي القعدة، سنة ثمانٍ وعشرين وسبعمائة من الهجرة، وذلك بقلعة دمشق التي كان محبوسًا فيها، عاش ابن تيمية سبعًا وستين سنة وأشهرًا؛ (البداية والنهاية، لابن كثير، جـ14 صـ:141). جنازة ابن تيمية: أُخرِجَتْ جنازة الإمام ابن تيمية إلى جامع دمشق، وصلَّوا عليه الظهر، وكان يومًا مشهودًا، لم يُعْهَدْ بدمشق مثله، وقال رجل بصوت مرتفع: هكذا تكون جنائز أئمة السنة، فبكى الناسُ بُكاءً كثيرًا، واشتدَّ الزحام، وألقى الناس على نعشه مناديلَهم، وصار النعش على الرؤوس يتقدَّم تارةً، ويتأخَّر أخرى، وخرجت جنازتُه من باب الفرج، وازدحم الناسُ على أبواب المدينة جميعًا للخروج، وعظُمَ الأمرُ بسوق الخيل، وتقدَّم في الصلاة عليه هناك أخوه عبدالرحمن، ودُفِن وقت العصر، أو قبلها بيسير إلى جانب أخيه شرف الدين عبدالله بمقابر الصوفية؛ (شذرات الذهب، لابن العماد الحنبلي، جـ 8 صـ150). بلغ عدد الذين حضروا جنازة الإمام ابن تيمية رحمه الله أكثرُ من خمسمائة ألف شخص؛ قال العارفون بالتاريخ: لم يُسمَعْ بجنازة بمثل هذا الجَمْع إلا جنازة الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله؛ (الأعلام العلية في مناقب ابن تيمية، للبزار، صـ:84). أسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى، وصفاته العُلا - أن يجعل هذا العمل خالصًا لوجهه الكريم، وأن يجعله ذُخْرًا لي عنده يوم القيامة ﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾ [الشعراء: 88، 89]، كما أسأله سبحانه أن ينفع به طلاب العلم، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |