وقفات مع بعض العلماء - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4418 - عددالزوار : 854876 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3949 - عددالزوار : 389750 )           »          معنى قوله تعالى: {ليبلوكم أيُّكم أحسنُ عملاً} (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 49 )           »          تخصيص رمضان بالعبادة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 38 )           »          ذكر الله دواء لضيق الصدر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 32 )           »          بيان فضل صيام الست من شوال وصحة الحديث بذلك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 41 )           »          صيام الست من شوال قبل صيام الواجب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 35 )           »          صلاة الوتر بالمسجد جماعة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 34 )           »          قراءة القرآن بغير حفظ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 42 )           »          الإلحاح في الدعاء وعدم اليأس (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 40 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث > ملتقى نصرة الرسول صلى الله عليه وسلم

ملتقى نصرة الرسول صلى الله عليه وسلم قسم يختص بالمقاطعة والرد على اى شبهة موجهة الى الاسلام والمسلمين

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 08-09-2020, 03:53 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي وقفات مع بعض العلماء

وقفات مع بعض العلماء (1)


فتحي حمادة






هذه وقفات مهمة وعظيمة، تحتاج إلى نظرة ثاقبة، وعقول واعية، وقلوب يقظة؛ لاستعادة التاريخ العظيم الذي نسجه هؤلاء العلماء الربانيُّون، الذين قدموا للإسلام الكثير والكثير، من خلال تقديم العلم للعالَم، دون تزييف أو تحريف، ووضعوا كل علم في موضعه، بجهد ومشقة، وأذى وعرق ودم، لم ينظروا إلى شهرة أو مال، بل وضعوا آخرتهم أمام أعينهم؛ لذلك اشتغلوا بصدقٍ، فقدموا العلم بصدق، مروا بمواقف قاسية، ومحن تزلزل القلوب، وتغير العقول، ومع ذلك واجهوا كل ذلك بالاستعانة بالله، والتمسك بكتابه وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - فحوَّلوا المحن إلى منح، وحولوا المواقف إلى تاريخ ما زال يخلدهم، وثبتت القلوب والعقول، ولن نعطيهم حقوقَهم مهما تكلمنا عنهم، ولكن الله - عز وجل - هو القادر على تعويضهم بالفردوس الأعلى برحمته وفضله - تعالى - فعلى طلاب العلم أن ينهجوا هذا النهج، ويسيروا على خطى هؤلاء العلماء الربانيين؛ لاستعادة هذا التاريخ العظيم الذي جعل من الإسلام عقيدة وعملاً، وليس قولاً فقط؛ فطبَّقوا الإسلام كما أمرنا الله - تعالى - وذلك من خلال العلوم التي أتقنوها، وعلموا ما بها من أحكام وشرائع وحدود، فاجتهدوا بالرغم من فقرهم، واستوعبوا بالرغم من تعبهم، وفسروا أدق المسائل بالرغم من صعوباتها، وفي خلال هذه السطور التالية سأمر سريعًا على بعض المواقف لبعض علمائنا وتاريخهم، وأقوال العلماء عن بعضهم البعض، وما قدموه وما بذلوه من جهد، وكيف حصَّلوا هذا العلم؟ ليتعلم طلاب العلم،وأنا منهم [1].


في ترجمة مَعْمَر بن راشد، أبي عُرْوَة الأزدي:
قال معمر: سمعتُ من قتادة، وأنا ابن أربع عشرة سنةً، فما شيء سمعت في تلك السنين إلا وكأنه مكتوب في صدري.


وكان من أوعية العلم، مع الصدق، والتحري، والورع، والجلالة، وحسن التصنيف.


وقال أحمد: ما أضم أحدًا إلى معمر، إلا وجدت معمرًا أطلبَ للحديث منه، هو أول مَن رحل إلى اليمن.


قال يحيى بن مَعِين: قال هشام بن يوسف: أقام مَعْمَر عندنا عشرين سنة، ما رأينا له كتابًا؛ يعني: كان يحدثهم من حفظه.


في ترجمة ابن إسحاق محمد بن إسحاق بن يَسَار بن خيار:
قال أبو معاوية: كان ابن إسحاق من أحفظِ الناس، فكان إذا كان عند الرجل خمسة أحاديث أو أكثر، فاستودعها عند ابن إسحاقَ، قال: احفظها عليَّ، فإن نسيتُها، كنتَ قد حفظتَها عليَّ.


في ترجمة شُعْبة بن الحجاج بن الوَرْد الأَزْدي العَتَكِي:
كان سفيان الثوري يخضع له ويجله، ويقول: شعبة أمير المؤمنين في الحديث.


وقال الشافعي: لولا شعبةُ، لما عُرِف الحديث بالعراق.


وقال أبو داود الطيالسي: سمعتُ من شعبةَ سبعة آلاف حديث، وسمع منه غُنْدَر سبعة آلاف.


قال أيوب: الآن يقدمُ عليكم رجلٌ من أهل واسط، يقال له: شُعْبة، هو فارس في الحديث، فإذا قَدِم فخذوا عنه.


قال حماد: فلما قَدِم أخذنا عنه.


قال أبو بحر البكراوي: ما رأيت أحدًا أعبدَ لله من شعبة، لقد عَبَدَ اللهَ حتى جفَّ جلده على عظمه واسود!


قال حمزة بن زياد الطوسي: سمعت شعبة - وكان ألثغ، قد يبس جلده من العبادة - يقول: لو حدثتكم عن ثقة، ما حدثتكم عن ثلاثة.


وقال عمر بن هارون: كان شعبة يصوم الدهر كله.


قال الذهبي: ذكر شيخنا أبو الحجاج في (تهذيبِه): لشعبة ثلاثمائة شيخ سمَّاهم.


وقال أبو قطن: كانت ثيابُ شعبة كالتراب، وكان كثير الصلاة، سخيًّا.


وعن عبدالعزيز بن أبي رواد، قال: كان شعبة إذا حكَّ جسمه انتثر منه التراب، وكان سخيًّا، كثير الصلاة.


قال أبو داود الطيالسي: كنا عند شعبة، فجاء سليمان بن المغيرة يبكي، وقال: مات حماري، وذهبت مني الجمعة، وذهبت حوائجي.


قال: بكم أخذته؟


قال: بثلاثة دنانير.


قال شعبة: فعندي ثلاثة دنانير، والله ما أملك غيرها، ثم دفعها إليه.


قال الأصمعي: لم نرَ قط أعلم من شعبة بالشِّعر، قال لي: كنت ألزم الطِّرِمَّاح، فمررتُ يومًا بالحكم بن عُتَيبة وهو يحدِّث، فأعجبني الحديث، وقلت: هذا أحسن من الشعر، فمن يومئذٍ طلبت الحديث.


قال أبو داود: سمعت شعبة يقول: لولا الشعر، لجئتُكم بالشعبي؛ يعني: أنه كان في حياة الشعبي مقبلاً على طلب الشعر.


قال أبو قطن: سمعت شعبة بن الحجاج يقول: ما شيء أخوف عندي من أن يدخلني النار من الحديث.


وعنه، قال: وددتُ أني وقاد حمام، وأني لم أعرف الحديث.


قال الذهبي: قلت: كل مَن حاقق نفسه في صحة نيته في طلب العلم، يخاف من مثل هذا، ويود أن ينجو كفافًًا.


قال عفَّان: كان شعبة من العبَّاد.


قال سعد بن شعبة: أوصى أبي إذا مات أن أغسل كتبه، فغسلتُها.


قال الذهبي: قلت: وهذا قد فعله غير واحد بالغسل، وبالحرق، وبالدفن؛ خوفًا من أن تقع في يدِ إنسان واهٍ، يزيد فيها، أو يغيرها.


قال علي بن المديني: شعبة أحفظ للمشايخ، وسفيان أحفظ للأبواب.


في ترجمة سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري:
ويقال: إن عدد شيوخه ستمائة شيخ، وكبارهم الذين حدَّثوه عن أبي هريرة، وجَرِير بن عبدالله، وابن عباس، وأمثالهم.


وقد قرأ الختمة عرضًا على: حمزة الزيات أربع مرات.


وقال شعبة، وابن عيينة، وأبو عاصم، ويحيى بن مَعِين، وغيرهم: سفيان الثوري أمير المؤمنين في الحديث.


وقال عباس الدوري: رأيتُ يحيى بن مَعِين لا يقدِّم على سفيان أحدًا في زمانه في الفقه، والحديث، والزهد، وكل شيء.


قال أبو حنيفة: لو كان سفيان الثوري في التابعين، لكان فيهم له شأن.


وعن أبي حنيفة، قال: لو حضر علقمة والأسود لاحتاجا إلى سفيان.


وروى ضمرة، عن المثنى بن الصباح، قال: سفيان عالم الأمة وعابدها.


عن ابن أبي ذئبٍ، قال: ما رأيتُ أشبه بالتابعين من سفيان الثوري.


وقال أبو قطن: عن شعبة: ساد سفيان الناس بالورع والعلم.


قال ابن عُيَينة: أصحاب الحديث ثلاثة: ابن عباس في زمانه، والشعبي في زمانه، والثوري في زمانه.


وقال قَبِيصة: ما جلستُ مع سفيان مجلسًا إلا ذكرت الموت، ما رأيت أحدًا كان أكثر ذكرًا للموت منه.


قال سفيان: لأن أخلف عشرة آلاف درهم يحاسبني الله عليها، أحب إليَّ من أن أحتاج إلى الناس.


وقال رواد بن الجراح: سمعتُ الثوري يقول: كان المال فيما مضى يكره، فأما اليوم، فهو ترس المؤمن.


وقال عبدالله بن محمد الباهلي: جاء رجل إلى الثوري يشاوره في الحج؛ قال: لا تصحب مَن يكرم عليك، فإن ساويتَه في النفقة أضرَّ بك، وإن تفضَّل عليك استذلك.


ونظر إليه رجل وفي يده دنانير، فقال: يا أبا عبدالله، تمسك هذه الدنانير؟!


قال: اسكت، فلولاها لتَمَنْدَل بنا الملوك.


قال: قد كان سفيان رأسًا في الزهد والتأله والخوف، رأسًا في الحفظ، رأسًا في معرفة الآثار، رأسًا في الفقه، لا يخاف في الله لومة لائم، من أئمة الدين.


قال سفيان بن وكيع: مات سفيان وله مائة دينار بضاعةً، فأوصى إلى عمار بن سيف في كتبه، فأحرقها.


في ترجمة نافع بن أبي نعيم:
قال عن نفسه: أدركت عدةً من التابعين، فنظرت إلى ما اجتمع عليه اثنان منهم، فأخذته، وما شذ فيه واحد تركته، حتى ألفت هذه القراءة.


وروي: أن نافعًا كان إذا تكلم توجد من فيه ريحُ مسك، فسئل عنه، قال: رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - في النوم تفلَ في فِي.



وقال الليث بن سعد: حججتُ سنة ثلاث عشرة ومائة، وإمام الناس في القراءة بالمدينة نافع بن أبي نعيم.


[1] تم الاستعانة بكتاب سير أعلام النبلاء.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 09-09-2020, 01:34 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي رد: وقفات مع بعض العلماء

وقفات مع بعض العلماء (2)


فتحي حمادة







نظرنا خلال المقالة السابقة في ترجمة لبعض العلماء الأعلام؛ ومنهم: مَعْمَر بن راشد، أبي عُرْوَة الأزدي، وابن إسحاق محمد بن إسحاق بن يَسَار بن خيار، وشُعْبة بن الحجاج بن الوَرْد الأَزْدي العَتَكِي، وسفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، ونافع بن أبي نعيم؛ ونستكمل اليوم معًا مجموعة أخرى من علماءنا[1].


في ترجمة حماد بن زيد:
قال أحمد بن حنبل: حماد بن زيد من أئمة المسلمين، من أهل الدين، هو أحب إليَّ من حماد بن سلمة.


وقال عبدالرحمن بن مَهْدِي: لم أرَ أحدًا قط أعلم بالسنة ولا بالحديث الذي يدخل في السنة من حماد بن زيد.


وروي عن سفيان الثوري، قال: رجل البصرة بعد شعبة ذاك الأزرق؛ يعني: حمَّادًا.


قال سليمان بن حرب: لم يكن لحماد بن زيد كتاب، إلا كتاب يحيى بن سعيد الأنصاري، وهذا دليل على حفظه.


وقال أحمد بن عبدالله العجلي: حماد بن زيد ثقة، وحديثه أربعة آلاف حديث، كان يحفظها، ولم يكن له كتاب.


في ترجمة الإمام الشافعي:
قال عن نفسه: جعلت لذتي في العلم.


قال الحميدي: سمعت الشافعي يقول: كنت يتيمًا في حجر أمي، ولم يكن لها ما تعطيني للمعلِّم، وكان المعلم قد رَضِي مني أن أقوم على الصبيان إذا غاب، وأخفف عنه، فكان يعلِّم الأطفال وهو صغير.


وعن الشافعي، قال: كنت أكتب في الأكتاف والعظام، وكنت أذهب إلى الديوان، فأستوهب الظهور، فأكتب فيها.


وقال عمرو بن سواد: قال لي الشافعي: كانت نَهْمَتي في الرمي، وطلب العلم، فنلتُ من الرمي حتى كنت أصيب من عشرة عشرةً، وسكت عن العلم فقلت: أنت - والله - في العلم أكبر منك في الرمي.


قال أحمد بن إبراهيم الطائي الأقطع: حدثنا المزني، سمع الشافعي يقول: حفظتُ القرآن وأنا ابن سبع سنين، وحفظتُ (الموطَّأ) وأنا ابن عشر.


وقال الشافعي أيضًا: لأن يلقى اللهَ العبدُ بكل ذنب إلا الشرك خيرٌ من أن يلقاه بشيء من الأهواء.


وقال أيضًا: لو عَلِم الناس ما في الكلام من الأهواء لفرُّوا منه، كما يفرُّون من الأسد.


قال يونس الصدفي: ما رأيتُ أعقلَ من الشافعي، ناظرتُه يومًا في مسألة، ثم افترقنا، ولقينِي، فأخذ بيدي، ثم قال: يا أبا موسى، ألا يستقيم أن نكون إخوانًا وإن لم نتفقْ في مسألة.


قال الذهبي: قلت: هذا يدل على كمال عقل هذا الإمام، وفقهِ نفسه، فما زال النظراء يختلفون.


قال تميم بن عبدالله: سمعتُ سويد بن سعيد يقول: كنتُ عند سفيان، فجاء الشافعي، فسلَّم وجلس، فروى ابن عيينة حديثًا رقيقًا، فغُشِي على الشافعي.


فقيل: يا أبا محمد، مات محمد بن إدريس، فقال ابن عيينة: إن كان مات، فقد مات أفضل أهل زمانه.


قال محمد بن عبدالله بن عبدالحكم: كان الشافعي بعد أن ناظر حفصًا الفرد يكره الكلام، وكان يقول: والله، لأن يُفتِيَ العالم فيقال: أخطأ العالم، خيرٌ له من أن يتكلَّم فيقال: زنديق، وما شيء أبغض إليَّ من الكلام وأهله.


وقال الشافعي أيضًا: مَن تعلم القرآن عظمت قيمته، ومَن تكلم في الفقه نما قدره، ومَن كتب الحديث قويت حجته، ومَن نظر في اللغة رقَّ طبعه، ومَن نظر في الحساب جزل رأيه، ومَن لم يَصُنْ نفسه، لم ينفعه علمه.


وقال: وددتُ أن الناس تعلموا هذا العلم - يعني: كتبه - على ألاَّ ينسب إليَّ منه شيء.


وقال أيضًا: إذا وجدتُم في كتابي خلافَ سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقولوا بها، ودعوا ما قلته.


قال أبو ثور: سمعتُه يقول: كل حديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فهو قولي، وإن لم تسمعوه مني.


ويروى أنه، قال: إذا صحَّ الحديث فهو مذهبي، وإذا صحَّ الحديث فاضربوا بقولي الحائط.


وكان الشافعي قد جزأ الليل: فثلثه الأول يكتب، والثاني يصلي، والثالث ينام.


وقال الربيع: كان الشافعي مارًّا بالحذائين، فسقط سوطُه، فوثب غلام، ومسحه بكمه، وناوله، فأعطاه سبعة دنانير.


وهذا دليل على أنه كان سخيًّا جدًّا، ومما يؤكد ذلك أن الربيع قال: تزوجتُ، فسألني الشافعي: كم أصدقتها؟ قلت: ثلاثين دينارًا، عجلت منها ستةً، فأعطاني أربعةً وعشرين دينارًا.


وقال الحميدي،: قَدِم الشافعي صنعاء، فضربت له خيمة، ومعه عشرة آلاف دينار، فجاء قوم، فسألوه، فما قلعت الخيمة ومعه منها شيء.


قال الشافعي: خرجتُ إلى اليمن في طلب كتب الفراسة حتى كتبتها وجمعتها.


قال الشافعي: أصل العلم: التثبيت، وثمرته: السلامة، وأصل الورع: القناعة، وثمرته: الراحة، وأصل: الصبر الحزم، وثمرته: الظَّفَر، وأصل العمل: التوفيق، وثمرته: النُّجْح، وغاية كل أمر: الصدق.


وقال أيضًا: العالم يسألُ عمَّا يعلم وعمَّا لا يعلم، فيثبت ما يعلم، ويتعلم ما لا يعلم، والجاهل يغضب من التعلم، ويأنف من التعليم.


وقال: العلم علمانِ: علم الدين وهو الفقه، وعلم الدنيا وهو الطب، وما سواه من الشعر وغيره، فعناء وعبث.


في ترجمة يحيى بن مَعِين:
قال أحمد بن زهير: ولد يحيى في سنة ثمان وخمسين ومائة، قال الذهبي: قلتُ: وكتب العلم وهو ابن عشرين سنةً.


قال ابن عَدِي: حدَّثني شيخ كاتب - ذكر أنه قرابة يحيى بن معين - قال: كان مَعِين على خراج الرَّيِّ، فمات، فخلف ليحيى ابنه ألف ألف درهم، فأنفقه كله على الحديث حتى لم يبقَ له نعلٌ يلبسه.


قال ابن المَدِيني: انتهى العلم بالبصرة إلى يحيى بن أبي كثير، وقتادة، وعلم الكوفة إلى أبي إسحاق، والأعمش، وعلم الحجاز إلى ابن شهاب، وعمرو بن دينار، وصار علم هؤلاء الستة إلى اثني عشر رجلاً؛ ابن أبي عروبة، ومعمر، وشعبة، وحماد بن سلمة، والسُّفْيَانينِ، ومالك، والأوزاعي، وابن إسحاق، وهشيم، وأبي عوانة، ويحيى بن سعيد، ويحيى بن أبي زائدة...، إلى أن ذكر ابن المبارك، وابن مهدي، ويحيى بن آدم، فصار علم هؤلاء جميعهم إلى يحيى بن معين.


قال الذهبي: قلت: نعم، وإلى: أحمد بن حنبل، وأبي بكر بن أبي شيبة، وعلي، وعدَّة، ثم من بعد هؤلاء إلى أبي عبدالله البخاري، وأبي زُرْعة، وأبي حاتم، وأبي داود، وطائفة، ثم إلى أبي عبدالرحمن النسائي، ومحمد بن نصر المروزي، وابن خزيمة، وابن جَرِير.


ثم شرع العلم ينقص قليلاً قليلاً، فلا قوة إلا بالله.


قال أحمد بن حنبل: ها هنا رجل خلقه الله لهذا الشأن، يُظهِر كذب الكذَّابين؛ يعني: ابن معين.


وقال هارون بن معروف: قَدِم علينا شيخ، فبكرت عليه، فسألناه أن يملي علينا، فأخذ الكتاب، وإذا الباب يدق، فقال الشيخ: مَن هذا؟ قال: أحمد بن حنبل، فأَذِن له، والشيخ على حالته لم يتحرَّك، فإذا آخر يدق الباب، فقال: مَن ذا؟ قال: أحمد الدورقي، فأَذِن له، ولم يتحرك، ثم ابن الرومي فكذلك، ثم أبو خَيْثَمة فكذلك، ثم دق الباب، فقال: مَن ذا؟ قال: يحيى بن مَعِين، فرأيت الشيخ ارتعدت يده، وسقط منه الكتاب.


قال أحمد بن عقبة: سألت يحيى بن معين: كم كتبت من الحديث؟ قال: كتبت بيدي هذه ستمائة ألف حديث.


قال الذهبي: قلت: يعني بالمكرر.


وخلف يحيى من الكتب مائة قمطر، وأربعة عشر قمطرًا، وأربعة حباب شرابية مملوءة كتبًا.


وذكر أن يحيى بن معين خلَّف من الكتب ثلاثين قمطرًا وعشرين حبًّا، فطلب يحيى بن أكثم كتبه بمائتي دينار، فلم يَدَعْ أبو خيثمة أن تباع.


قال يحيى: ما رأيتُ على رجل خطأً إلا سترتُه، وأحببت أن أزين أمره، وما استقبلت رجلاً في وجهه بأمر يكرهه، ولكن أبيِّن له خطأه فيما بيني وبينه، فإن قبل ذلك، وإلا تركته.


وقال ابن الغلابي: قال يحيى: إني لأحدِّث بالحديث، فأسهر له؛ مخافة أن أكون قد أخطأت فيه.


وقال يحيى بن مَعِين: كتبت بيدي ألف ألف حديث.


وقال: لو لم نكتب الحديث خمسين مرةً ما عَرَفناه.


قال إبراهيم بن عبدالله بن الجُنَيد: سمعت يحيى بن معين يقول: ما الدنيا إلا كحلم، والله ما ضر رجلاً اتقى الله على ما أصبح وأمسى، لقد حججتُ وأنا ابن أربع وعشرين سنةً، خرجتُ راجلاً من بغداد إلى مكة، هذا من خمسين سنةً، كأنما كان أمس.


في ترجمة الإمام أحمد بن حنبل:
طلب العلم وهو ابن خمس عشرة سنةً، في العام الذي مات فيه مالك، وحماد بن زيد.


فعدَّة شيوخه الذين روى عنهم في (المسند) مائتان وثمانون ونيِّف.


قال عبدالله بن أحمد: قال لي أبي: خُذْ أيَّ كتاب شئت من كتب وَكِيعٍ من المصنف، فإن شئتَ أن تسألني عن الكلام حتى أخبرك بالإسناد، وإن شئت بالإسناد حتى أخبرك أنا بالكلام.


وقال: قال لي أبو زرعة: أبوك يحفظُ ألف ألف حديث، فقيل له: وما يدريك؟ قال: ذاكرته، فأخذت عليه الأبواب.


وعن أبي زُرْعة، قال: حُزِرت كتب أحمد يوم مات، فبلغت اثني عشر حملاً وعدلاً، ما كان على ظهر كتاب منها: حديث فلان، ولا في بطنه: حدثنا فلان، كل ذلك كان يحفظه.


قال إبراهيم الحربي: رأيت أبا عبدالله، كأن الله جمع له علم الأولين والآخرين.


وعن رجلٍ قال: ما رأيت أحدًا أعلمَ بفقه الحديث ومعانيه من أحمد.


وقال ابن راهويه: كنتُ أجالس أحمد وابن مَعِين، ونتذاكر، فأقول: ما فقهه؟ ما تفسيره؟ فيسكتون إلا أحمد.


قال أبو بكر الخلال: كان أحمد قد كتَبَ كُتُبَ الرأي وحَفِظها، ثم لم يلتفتْ إليها.


وعن شيخ: أنه كان عنده كتاب بخط أحمد بن حنبل، فقال: كنا عند ابن عُيَينة سنةً، ففقدت أحمد بن حنبل أيامًا، فدللت على موضعه، فجئت، فإذا هو في شبيهٍ بكهفٍ في جيادٍ، فقلت: سلام عليكم، أدخل؟ فقال: لا، ثم قال: ادخل، فدخلت، وإذا عليه قطعة لبد خلق، فقلت: لِمَ حجبتني؟ فقال: حتى استترتُ، فقلت: ما شأنك؟ قال: سرقتْ ثيابي، قال: فبادرت إلى منزلي، فجئتُه بمائة درهم، فعرضتُها عليه، فامتنع، فقلت: قرضًا، فأبى، حتى بلغت عشرين درهمًا، ويأبى، فقمت، وقلت: ما يحل لك أن تقتل نفسك، قال: ارجع، فرجعتُ، فقال: أليس قد سمعت معي من ابن عيينة؟ قلت: بلى، قال: تحب أن أنسخه لك؟ قلت: نعم، قال: اشترِ لي ورقًا، قال: فكتب بدراهمَ اكتسى منها ثوبين.


وقال عبدالرزَّاق: ما رأيت أحدًا أفقه ولا أورع من أحمد بن حنبل.


وقال الهيثم بن جميل الحافظ: إن عاش أحمد، سيكون حجةً على أهل زمانه.

وقال قُتَيبة: خير أهل زماننا ابن المبارك، ثم هذا الشاب - يعني: أحمد بن حنبل - وإذا رأيت رجلاً يحب أحمد، فاعلم أنه صاحب سنة.

وقال قُتَيبة: لولا الثوري لمات الورع، ولولا أحمد لأحدثوا في الدين، أحمد إمام الدنيا.

وقال حَرْمَلة: سمعتُ الشافعي يقول: خرجتُ من بغداد، فما خلفت بها رجلاً أفضل، ولا أعلم، ولا أفقه، ولا أتقى من أحمد بن حنبل.

ورُوِي عن إسحاق بن راهويه، قال: أحمد حجَّة بين الله وبين خلقه.

وعن ابن المَدِيني، قال: أعزَّ الله الدين بالصِّديق يوم الردَّة، وبأحمد يوم المحنة.

وقال أبو عُبَيد: إني لأتديَّن بذكر أحمد، ما رأيت رجلاً أعلم بالسنة منه.

وروى عباس، عن ابن معين، قال: ما رأيت مثل أحمد.

وقال عبدالله بن أحمد: قال أصحاب بشر الحافي له حين ضرب أبي: لو أنك خرجت فقلت: إني على قول أحمد، فقال: أتريدون أن أقوم مقام الأنبياء؟!

يريد أن يقول: إن أحمد يسير على نهج الأنبياء، ولا يمكن لأحد أن يقوم بهذا إلا مَن يتشبه بالأنبياء.

وقال عمرو الناقد: إذا وافقني أحمد بن حنبل على حديث، لا أبالي مَن خالفني.

قال إمام الأئمة ابن خزيمة: عن الدنيا ما كان أصبره! وبالماضين ما كان أشبهه! وبالصالحين ما كان ألحقه! عرضت له الدنيا فأباها، والبدع فنفاها.

وقال النسائي: جمع أحمد بن حنبل المعرفة بالحديث، والفقه، والورع، والزهد، والصبر.

قال الحُمَيدي: ما دمت بالحجاز، وأحمد بالعراق، وابن راهويه بخراسان لا يغلبنا أحد.

قال أبو عُبَيد القاسم بن سلام: انتهى العلم إلى أربعةٍ: أحمد بن حنبل - وهو أفقههم فيه - وإلى ابن أبي شيبة - وهو أحفظهم له - وإلى علي بن المَدِيني - وهو أعلمهم به - وإلى يحيى بن مَعِين - وهو أكتبهم له.

وقال إسماعيل بن الخليل:
لو كان أحمد بن حنبل في بني إسرائيل، لكان آيةً.

وعن علي بن شعيب، قال: عندنا المثل الكائن في بني إسرائيل، من أن أحدهم كان يوضع المنشار على مفرق رأسه، ما يصرفه ذلك عن دينه، ولولا أن أحمد قام بهذا الشأن، لكان عارًا علينا أن قومًا سبكوا، فلم يخرج منهم أحد.

وهذا دليل على صبر الإمام أحمد بما أصابه من أذى، فضلاً عن أن الأذى كان عظيمًا، ولا يتحمله أحد؛ لذلك قالوا: إن الإمام أحمد لو كان في بني إسرائيل لكان معهم آية.

وقال إبراهيم الحربي: "عالم وقته: سعيد بن المسيب في زمانه، وسفيان الثوري في زمانه، وأحمد بن حنبل في زمانه".

قال صالح بن أحمد: ربما رأيتُ أبي يأخذ الكسر، ينفض الغبار عنها، ويصيرها في قصعة، ويصب عليها ماءً، ثم يأكلها بالملح، وما رأيته اشترى رمَّانًا، ولا سفرجلاً، ولا شيئًا من الفاكهة، إلا أن تكون بطيخةً - فيأكلها بخبز - وعنبًا وتمرًا.

وقال لي: كانت والدتك في الظلام تغزلُ غزلاً دقيقًا، فتبيع الأستار بدرهمين أقل أو أكثر، فكان ذلك قوتنا، وكنا إذا اشترينا الشيء، نستره عنه كيلا يراه، فيوبِّخنا، وكان ربما خبز له، فيجعل في فخارة عدسًا وشحمًا وتمرات شهريز، فيجيء الصبيان، فيصوت ببعضهم، فيدفعه إليهم، فيضحكون ولا يأكلون.

وكان يأتدم بالخل كثيرًا.

قال المَرُّوذِي: رأيتُ طبيبًا نصرانيًّا خرج من عند أحمد ومعه راهب، فقال: إنه سألني أن يجيء معي ليرى أبا عبدالله.

وأدخلت نصرانيًّا على أبي عبدالله، فقال له: إني لأشتهي أن أراك منذ سنين، ما بقاؤك صلاح للإسلام وحدهم، بل للخلق جميعًا، وليس من أصحابنا أحد إلا وقد رَضِي بك.

فقلت لأبي عبدالله: إني لأرجو أن يكون يدعى لك في جميع الأمصار، فقال: يا أبا بكر، إذا عَرَف الرجل نفسه، فما ينفعه كلام الناس.

قال عباس الدوري: حدثنا علي بن أبي فزارة - جارنا - قال: كانت أمي مقعدةً من نحو عشرين سنةً، فقالت لي يومًا: اذهب إلى أحمد بن حنبل، فسله أن يدعو لي، فأتيتُ، فدققت عليه وهو في دهليزه، فقال: مَن هذا؟ قلتُ: رجل سألتْنِي أمي - وهي مقعدة - أن أسألك الدعاء، فسمعت كلامه كلام رجل مغضب، فقال: نحن أحوج أن تدعو الله لنا، فوليتُ منصرفًا، فخرجت عجوزٌ، فقالت: قد تركته يدعو لها، فجئت إلى بيتنا، ودققت الباب، فخرجت أمي على رجليها تمشي.

قال عبدالله بن أحمد: كان أبي يصلِّي في كل يوم وليلة ثلاث مائة ركعة، فلما مَرِض من تلك الأسواط، أضعفتْه، فكان يصلي كل يوم وليلة مائةً وخمسين ركعةً.

وعن أبي إسماعيل الترمذي، قال: جاء رجل بعشرة آلاف من ربح تجارته إلى أحمد، فردها، فكان فقيرًا زاهدًا وعفيفًا.

وقيل: إن صَيْرَفيًّا بذل لأحمد خمسمائة دينار، فلم يقبل.

حُمِل إلى الحسن الجَرَوِي ميراثُه من مصر مائة ألف دينار، فأتى أحمد بثلاثة آلاف دينار، فما قبِلها.

وبالرغم من العذاب الذي لَقِيه الإمام أحمد فإنه لم يتأوَّه من شدة الألم، وقد قال ابنه: ما سمعتُ لأبي أنينًا حتى مات، وعندما انتهت المحنة وجاء الخير وجاءت له الدنيا راغمة؛ قال الإمام: تمنيت الموت، وهذا أمر أشد عليَّ من ذلك، ذاك فتنة الضرب والحبس كنت أحمله، وهذه فتنة الدنيا.

وكان يقول: الخوف يمنعني أكل الطعام والشراب، وإذا ذكرت الموت هان عليَّ كل أمر الدنيا، إنما هو طعام دون طعام، ولباس دون لباس، وإنها أيام قلائل، ما أعدل بالفقر شيئًا، ولو وجدت السبيل، لخرجت حتى لا يكون لي ذِكْر.

وقال: أريد أن أكون في شِعْبٍ بمكة حتى لا أعرف، قد بليت بالشهرة، إني أتمنَّى الموت صباحًا ومساءً.

"وعن أبي زرعة قال: حُزِرتْ كتب أحمد يوم مات، فبلغت اثني عشر حملاً وعدلاً، ما كان على ظهر كتاب منها: حديث فلان، ولا في بطنه: حدَّثنا فلان، وكل ذلك كان يحفظه على ظهر قلبه.

وقال قُتَيبة بن سعيد: كان وكيع إذا كانت العتمةُ ينصرف معه أحمد بن حنبل، فيقف على الباب، فيذاكره، فأخذ وكيع ليلةً بعضادتي الباب، ثم قال: يا أبا عبدالله، أريد أن ألقي عليك حديث سفيان، قال: هاتِ، قال: تحفظ عن سفيان عن سلمة بن كُهَيل كذا؟ قال: نعم، حدَّثنا يحيى، فيقول سلمة كذا وكذا، فيقول: حدَّثنا عبدالرحمن، فيقول: وعن سلمة كذا وكذا، فيقول: أنتَ حدثتنا حتى يفرغ من سلمة، ثم يقول أحمد: فتحفظ عن سلمة كذا وكذا؟ فيقول وكيع: لا، ثم يأخذ في حديث شيخ شيخ، قال: فلم يزل قائمًا حتى جاءت الجارية فقالت: قد طلع الكوكب أو قالت: الزُّهْرة"[2].

في ترجمة إسحاق بن راهويه:
قال يحيى بن يحيى: ليومٌ من إسحاق أحب إليَّ من عمري.

وقال محمد بن عبدالوهَّاب الفراء: رَحِم الله إسحاق، ما كان أفقهه وأعلمه!

قال الحاكم: إسحاق بن راهويه إمامُ عصره في الحفظ والفتوى، سكن نيسابور، ومات بها.

وقال محمد بن أسلم الطوسي حين مات إسحاق: ما أعلم أحدًا كان أخشى لله من إسحاق، يقول الله - تعالى -: ﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ﴾ [فاطر: 28].


قال: وكان أعلم الناس.


[1] تم الاستعانة بكتاب سير أعلام النبلاء.

[2] طبقات الشافعية الكبرى.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 09-09-2020, 02:29 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي رد: وقفات مع بعض العلماء

وقفات مع بعض العلماء (3)


فتحي حمادة





نظرنا خلال المقالة السابقة في ترجمة لبعض العلماء الأعلام؛ ومنهم: حماد بن زيد، والإمام الشافعي، ويحيى بن مَعِين، والإمام أحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، ونقف اليوم مع مجموعة أخرى من علماءنا[1].


في ترجمة الإمام البخاري:
قال محمد بن أبي حاتم: قلتُ لأبي عبدالله: كيف كان بَدْء أمرك؟ قال: ألهمت حفظ الحديث وأنا في الكتَّاب، فقلت: كم كان سنك؟ فقال: عشر سنين أو أقل، ثم خرجتُ من الكتَّاب بعد العشر، فجعلت أختلف إلى الداخلي وغيره، فقال يومًا فيما كان يقرأ للناس: سفيان، عن أبي الزبير، عن إبراهيم، فقلت له: إن أبا الزبير لم يروِ عن إبراهيم؛ فانتهرنِي، فقلت له: ارجعْ إلى الأصل فدخل فنظر فيه، ثم خرج، فقال لي: كيف هو يا غلام؟ قلتُ: هو الزبير بن عَدِي، عن إبراهيم، فأخذ القلم مني، وأحكم كتابه، وقال: صدقتَ.


فقيل للبخاري: ابن كم كنت حين رددتَ عليه؟ قال: ابن إحدى عشرة سنةً، فلما طعنت في ست عشرة سنةً، كنت قد حفظتُ كتب ابن المبارك ووكيع، وعَرَفت كلام هؤلاء، ثم خرجت مع أمي وأخي أحمد إلى مكة، فلما حججتُ رجع أخي بها! وتخلفت في طلب الحديث.


يُروَى عن محمد بن يوسف الفربري أنه كان يقول: سمع كتابَ (الصحيح) لمحمد بن إسماعيل تسعون ألف رجل، فما بقي أحدٌ يرويه غيري، وهذا دليل على كثرة تلاميذه ومريديه.


قال البخاري: حججتُ، ورجع أخي بأمي، وتخلفت في طلب الحديث، فلما طعنت في ثمان عشرة، جعلت أصنِّف قضايا الصحابة والتابعين وأقاويلهم، وذلك أيام عبيدالله بن موسى، وصنَّفت كتاب (التاريخ) إذ ذاك عند قبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الليالي المقمرة، وقلَّ اسم في التاريخ إلا وله قصة، إلا أني كرهت تطويل الكتاب.


قال أبو بكر الأعين: كتبنا عن البخاري على باب محمد بن يوسف الفريابي، وما في وجهه شعرة.


فقلنا: ابن كم أنت؟ قال: ابن سبع عشرة سنةً.


وهذا يدل على أنه كان يحدِّث الناس وهو صغير جدًّا.


وقال محمد بن إسماعيل: ما وضعت في كتابي (الصحيح) حديثًا إلا اغتسلتُ قبل ذلك، وصليت ركعتين.


قال محمد بن يوسف البخاري: كنت مع محمد بن إسماعيل بمنزله ذات ليلة، فأحصيتُ عليه أنه قام وأسرج يستذكر أشياء يعلقها في ليلةٍ ثمان عشرة مرة.


وقال محمد بن أبي حاتم الورَّاق: كان أبو عبدالله إذا كنت معه في سفر يجمعنا بيت واحد إلا في القيظ أحيانًا، فكنت أراه يقوم في ليلة واحدة خمس عشرة مرة إلى عشرين مرة، في كل ذلك يأخذ القداحة، فيوري نارًا، ويسرج، ثم يخرج أحاديث، فيعلم عليها.


وقال ابن عَدِي: سمعت عبدالقدوس بن همام يقول: سمعت عدةً من المشايخ، يقولون: حوَّل محمد بن إسماعيل تراجمَ جامعِه بين قبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومنبره، وكان يصلِّي لكل ترجمة ركعتين.


وقال البخاري: صنَّفت (الصحيح) في ست عشرة سنةً، وجعلتُه حجةً فيما بيني وبين الله - تعالى.


ويؤخذ من ذلك أن الواجب على طالب العلم ألاَّ يتعجلَ في تأليف الكتب إلا بعد إتقان علمه؛ حتى لا نقع فيما وقعنا فيه الآن، بسبب الكتب الكثيرة التي كثرت في زماننا، والتي لا فائدة منها؛ فالمكتبات الآن مملوءة بالكتب الفارغة من داخلها، ولا تعد حجة للإسلام ولا للمؤلِّف، بل هي حجَّة عليه، فلسنا في سباق في تأليف الكتب، ولكن نحن في سباق في تأليف العمل الجيد، الذي يعد حجة للإسلام وللمؤلف.


وقال النجم بن الفضيل: رأيتُ النبي - صلى الله عليه وسلم - في النوم، كأنه يمشي، ومحمد بن إسماعيل يمشي خلفه، فكلما رفع النبي - صلى الله عليه وسلم - قدمه، وضع محمد بن إسماعيل قدمه في المكان الذي رفع النبي - صلى الله عليه وسلم - قدمه!


وقال محمد بن إسماعيل: كتبتُ عن ألف شيخ وأكثر، عن كل واحد منهم عشرة آلاف وأكثر، ما عندي حديث إلا أذكر إسناده.


ويستشهد من ذلك أن يأخذ طالب العلمِ العلمَ من الشيوخ الثقات وليس من الكتب فقط.


وقال محمد بن أبي حاتم الورَّاق: سمعتُ حاشد بن إسماعيل وآخر يقولانِ: كان أبو عبدالله البخاري يختلف معنا إلى مشايخ البصرة وهو غلام، فلا يكتب، حتى أتى على ذلك أيام، فكنا نقول له: إنك تختلف معنا ولا تكتب، فما تصنع؟ فقال لنا يومًا بعد ستة عشر يومًا: إنكما قد أكثرتما عليَّ وألححتما، فاعرضا عليَّ ما كتبتما.


فأخرجنا إليه ما كان عندنا، فزاد على خمسة عشر ألف حديث، فقرأها كلها عن ظهر القلب، حتى جعلنا نحكم كتبنا من حفظه.


ثم قال: أترون أني أختلف هدرًا، وأضيع أيامي؟! فعَرَفنا أنه لا يتقدَّمه أحد.


وقال أبو أحمد عبدالله بن عَدِي الحافظ: سمعتُ عدَّة مشايخ يحكون أن محمد بن إسماعيل البخاري قَدِم بغداد، فسَمِع به أصحاب الحديث، فاجتمعوا وعمدوا إلى مائة حديث، فقلبوا متونها وأسانيدها، وجعلوا متن هذا الإسناد هذا، وإسناد هذا المتن هذا، ودفعوا إلى كل واحد عشرة أحاديث ليلقوها على البخاري في المجلس، فاجتمع الناس، وانتدب أحدهم، فسأل البخاري عن حديث من عشرته، فقال: لا أعرفه، وسأله عن آخر، فقال: لا أعرفه، وكذلك حتى فرغ من عشرته، فكان الفقهاء يلتفت بعضهم إلى بعض، ويقولون: الرجل فَهِم.


ومَن كان لا يدري قضى على البخاري بالعجز، ثم انتدب آخر، ففعل كما فعل الأول.


والبخاري يقول: لا أعرفه.


ثم الثالث وإلى تمام العشرة أنفس، وهو لا يزيدهم على: لا أعرفه.


فلما عَلِم أنهم قد فرغوا، التفتَ إلى الأول منهم، فقال: أما حديثُك الأول فكذا، والثاني كذا، والثالث كذا إلى العشرة، فردَّ كل متن إلى إسناده، وفعل بالآخرين مثل ذلك؛ فأقر له الناس بالحفظ!


وقال يوسف بن موسى المروروذي: كنت بالبصرة في جامعها، إذ سمعت مناديًا ينادي: يا أهل العلم، قد قدم محمد بن إسماعيل البخاري، فقاموا في طلبه، وكنت معهم، فرأينا رجلاً شابًّا، يصلي خلف الأسطوانة.


فلما فرغ من الصلاة، أحدقوا به، وسألوه أن يعقد لهم مجلس الإملاء، فأجابهم.


فلما كان الغد اجتمع قريب من كذا كذا ألف فجلس للإملاء، وقال: يا أهل البصرة، أنا شاب وقد سألتموني أن أحدثكم، وسأحدثكم بأحاديث عن أهل بلدكم تستفيدون الكلَّ.


وقال: صنفت كتاب (الاعتصام) في ليلة.


وقال أيضًا محمد بن إسماعيل: أحفظ مائة ألف حديث صحيح، وأحفظ مائتي ألف حديث غير صحيح.


قال أبا بكر الكلواذاني: ما رأيت مثل محمد بن إسماعيل، كان يأخذ الكتاب من العلماء، فيطلع عليه اطلاعةً، فيحفظ عامة أطراف الأحاديث بمرة.


قال أبو جعفر: سمعت أبا عمر سليم بن مجاهد يقول: كنت عند محمد بن سلام البِيكَنْدِي، فقال: لو جئت قبل لرأيت صبيًّا يحفظ سبعين ألف حديث.


قال: فخرجتُ في طلبه حتى لحقتُه، قال: أنت الذي يقول: إني أحفظ سبعين ألف حديث؟ قال: نعم، وأكثر، ولا أجيئك بحديث من الصحابة والتابعين إلا عرَّفتك مولد أكثرهم ووفاتهم ومساكنهم، ولستُ أروي حديثًا من حديث الصحابة أو التابعين إلا ولي من ذلك أصل أحفظه حفظًا عن كتاب الله وسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم.


ويؤخذ من ذلك أن الأصل في العلم ألاَّ نخرج عن الكتاب والسنة.


وقال إسحاق بن راهويه: اكتبوا عن هذا الشاب - يعني: البخاري - فلو كان في زمن الحسن لاحتاج إليه الناس؛ لمعرفتِه بالحديث وفقهه.


قال أبو عبدالله الحاكم: محمد بن إسماعيل البخاري إمام أهل الحديث.


وقال إسحاق بن خزيمة: ما رأيتُ تحت أديم السماء أعلم بحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأحفظ له من محمد بن إسماعيل.


وقال عبدالله بن حماد الآملي: وددت أني شعرة في صدر محمد بن إسماعيل.


وقال أبو زيد المروزي الفقيه: كنت نائمًا بين الركن والمقام، فرأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال لي: يا أبا زيد، إلى متى تدرس كتاب الشافعي، ولا تدرس كتابي؟


فقلت: يا رسول الله، وما كتابك؟ قال: (جامع) محمد بن إسماعيل.

في ترجمة الإمام مسلم:
قال محمد بن بشَّار: حفَّاظ الدنيا أربعة: أبو زرعة بالرَّيِّ، ومسلم بنَيْسَابور، وعبدالله الدَّارِمي بسَمَرقَند، ومحمد بن إسماعيل ببخارَى.


قال الإمام مسلم: صنَّفت هذا (المسند الصحيح) من ثلاثمائة ألف حديث مسموعة.


قال أبو عبدالرحمن السلمي: رأيت شيخًا حسنَ الوجه والثياب، عليه رداء حسن، وعمامة قد أرخاها بين كتفيه، فقيل: هذا مسلم، فتقدَّم أصحاب السلطان، فقالوا: قد أمر أمير المؤمنين أن يكون مسلم بن الحجاج إمام المسلمين، فقدَّموه في الجامع، فكبر وصلى بالناس.


قال أحمد بن سلمة: كنت مع مسلم في تأليف (صحيحه) خمس عشرة سنة، قال: وهو اثنا عشر ألف حديث.


قال أبو علي النيسابوري الحافظ: ما تحت أديم السماء كتابٌ أصح من كتاب مسلم.


قال محمد بن عبدالوهَّاب الفراء: كان مسلم بن الحجاج من علماء الناس، ومن أوعية العلم.


قال مسلم: ما وضعتُ في هذا (المسند) شيئًا إلا بحجَّة، ولا أسقطتُ شيئًا منه إلا بحجة.

في ترجمة أبي بكر بن الباقلاني:
قال أبو بكر الخطيب: كان وِردُه في كل ليلة عشرين ترويحةً في الحضر والسفر، فإذا فرغ منها، كتب خمسًا وثلاثين ورقةً من تصنيفه.


قال علي بن محمد الحربي: جميع ما كان يذكر أبو بكر بن الباقلاني من الخلاف بين الناس صنَّفه من حفظه، وما صنف أحد خلافًا إلا احتاج أن يطالع كتب المخالفين، سوى ابن الباقلاني.


قال أبو بكر الخوارزمي: كل مصنف ببغداد إنما ينقل من كتب الناس سوى القاضي أبي بكر، فإنما صدْرُه يحوي علمه وعلم الناس.


مات في ذي القعدة، سنة ثلاث وأربعمائة، وصلَّى عليه ابنه حسن، وكانت جنازته مشهودةً، وكان سيفًا على المعتزلة والرافضة والمشبِّهة، وغالب قواعده على السنة، وقد أمر شيخ الحنابلة أبو الفضل التميمي مناديًا يقول بين يدي جنازته: هذا ناصر السنة والدين، والذابُّ عن الشريعة، هذا الذي صنف سبعين ألف ورقة.

في ترجمة ابن فطيس عبدالرحمن بن محمد القرطبي:
صنف كتاب (القصص) وهو ثلاث مجلدات، وكتاب (أسباب النزول) في مائة جزء، وكتاب (فضائل الصحابة) في مائة جزء، وكتاب (فضائل التابعين) في سبع مجلدات، وكتاب (الناسخ والمنسوخ) ثلاثون جزءًا، وكتاب (الإخوة من أهل العلم) مجلدان، وكتاب (أعلام النبوة) في عشرة أسفار، وكتاب (الكرامات) في مجلدين، و(مسند) محمد بن فطيس خمسون جزءًا، و(مسند) قاسم بن أصبغ العوالي ثلاث مجلدات، وكتاب (المناولة والإجازة) مجلد.



يؤخذ من ذلك العزيمة التي كان عليها العلماء القدامى ووافر علمهم.

في ترجمة ابن حيان حيانُ بن خلف بن حسين الأموي:
من تصانيفه كتاب (المقتبس في تاريخ الأندلس) عشرة أسفار، وكتاب (المبين في تاريخ الأندلس) مبسوطًا في ستين مجلدًا.


[1] تم الاستعانة بكتاب سير أعلام النبلاء.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 12-09-2020, 12:31 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي رد: وقفات مع بعض العلماء

وقفات مع بعض العلماء (5)


فتحي حمادة







نظرنا خلال المقالة السابقة في ترجماتٍ لبعض العلماء الأعلام، ونقف الآن مع الجزء الأخير من هذه الترجمات.


في ترجمة الفقيه المفتي القاضي الشيخ العلاَّمة جمال الدين، مفتي المسلمين محمد بن حسين بن محمد بن حسين القماط الزبيدي:
لم يخلف بعده مثله - رحمه الله - وكان مولده ببلدة زَبِيد في شهر صفر سنة ثمان وعشرين وثمانمائة، ونشأ بها واشتغل فيها بالعلم، ولازم القاضي العلامة الطيب الناشري صاحب الإيضاح، والعلامة عمر الفتى، والفقيه كمال الدين موسى الضجاعي، وغيرهم من علماء عصره، وبرع في الفقه، ودرس وأفتى، وكان لا يمل الأشغال والاشتغال، وحصل بيده كتبًا جمَّة، وولي قضاء عدن سنة ثلاث وثمانين، ولم يزل قاضيًا بها إلى سنة تسعة وتسعين، فعزل بالقاضي العلاَّمة شهاب الدين أحمد بن عمر المزجد، ورجع إلى وطنه زَبِيد، وأقام بها على التدريس والفتوى ونشر العلم، وتخرَّج به جماعة من الفضلاء، وانتفع الناس بعلمه، ولم يزل على ذلك إلى أن توفِّي، وكان كثير الاستحضار للفروع، جيد الاستنباط، ولم يكن له يدٌ في غير الفقه - رحمه الله"[1].


قيل في ترجمة ابن عَقِيل الحنبلي:
إنه كان دائم التشاغل بالعلم.
وقال عن نفسه: إني لا يحل لي أن أضيع ساعةً من عمري، حتى إذا تعطل لساني عن مذاكرة ومناظرة، وبصري عن مطالعة، أعملتُ فكري في حالة راحتى وأنا مستطرح، فلا أنهض إلا وقد خطر لي ما أسطره، وإني لأجد من حرصي على العلم وأنا في عشر الثمانين أشد مما كنت أجده وأنا ابن عشرين سنة.


وقال: أنا أقصر بغاية جهدي أوقات أكلي، حتى أختار سفَّ الكعك وتحسيه بالماء على الخبز، لأجل ما بينهما من تفاوت المَضْغ، توفرًا على مطالعة، أو تسطير فائدة لم أدركها فيه.


قيل في ترجمة أحمد بن سليمان بن نصر الله البلقاسي الشافعي:
إنه كان إمامًا علاَّمة، قوي الحافظة، حسن الفاهمة، مشاركًا في فنون، طلق اللسان، محبًّا في العلم والمذاكرة والمباحثة، غير منفكٍّ عن التحصيل، بحيث إنه كان يطالع في مشيه، ويقرأ القراءات في حال أكله؛ خوفًا من ضياع وقته في غيره، أعجوبة في هذا المعنى، لا أعلم في وقته مَن يوازيه فيه، طارحًا للتكلف، كثير التواضع مع الفقراء، سهمًا على غيرهم، سريع القراءة جدًّا.


قيل في ترجمة محمد بن أحمد ابن محمد العمري الصغاني:
إنه كان لا يدخل عليه أحد في منزله إلا وهو يقرأ.


قيل في ترجمة الإمام اللغوي محمد بن يعقوب الفيروزآبادي:
إنه اقتنى كتبًا نفيسة (حتى سمعه بعضهم يقول): (اشتريت بخمسين ألف مثقال ذهبًا كتبًا، وكان لا يسافر إلا وصحبته منها عدَّة أحمال، ويخرج أكثرها في كل منزلة فينظر فيها ثم يُعِيدها إذا ارتحل).


قيل في ترجمة السيد صلاح بن أحمد المؤيدي اليماني:
إنه صنَّف الكثير من الكتب المفيدة العظيمة، بالرغم من أنه مات وعمره تسع وعشرون سنة، وكان إذا سافر أول ما تضرب خيمة الكتب، وإذا ضربت دخل إليها، ونشر الكتب، والخدم يصلحون الخيم الأخرى، ولا يزال ليله جميعه ينظر في العلم.


في ترجمة الإمام الحافظ الحسن بن أحمد الهمذاني:
أنه كان عفيفًا من حب المال، مهينًا له، باع جميع ما ورثه - وكان من أبناء التجَّار - فأنفقه في طلب العلم، حتى سافر إلى بغداد وأصبهان مرَّات ماشيًا يحمل كتبه على ظهره، ولما استقرَّ في بلده - بعد عودته من رحلته - عَمِل دارًا للكتب وخزانةً وقف جميع كتبه فيها، وكان قد حصل الأصول الكثيرة، والكتب الكبار الحسان بالخطوط المعتبرة.


قيل في ترجمة إسحاق بن منصور الكوسج:
إنه لما بلغه أن أحمد بن حنبل رجع عن تلك المسائل التي علَّقها عنه، فجمع إسحاق بن منصور تلك المسائل في جراب، وحملها على ظهره، وخرج راجلاً إلى بغداد وهي على ظهره، وعرض خطوط أحمد عليه في كل مسألة استفتاه فيها، فأقرَّ له بها ثانيًا، وأعجب أحمد بذلك من شأنه.


يؤخذ من ذلك العزيمة القوية التي كان عليها العلماء؛ حيث خرج إسحاق ماشيًا على قدميه أيامًا لمعرفة هذه المسائل.


قيل في ترجمة اللغوي ابن الخطيب التبريزي:
إنه حصلت له نسخة لكتاب الأزهري (تهذيب اللغة) في عدة مجلدات لطاف، وأراد أخذها عن عالِم باللغة، فدُلَّ على أبي العلاء المعرِّي، فجعلها في مخلاة، وحملها على كتفِه من تِبْرِيز إلى المعرَّة - ولم يكن له ما يستأجر به مركوبًا - فنفذ العَرَقُ من ظهره إليها، وإن الجاهل بخبرِها إذا رآها يظن أنها غريقة، وليس الذي بها إلا عرق يحيى بن علي - رحمه الله.


قيل في ترجمة ابن المبارك:
إنه كان يكثر الجلوس في بيته، فقيل له: ألا تستوحش؟ فقال: كيف أستوحش وأنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه؟!


قيل في ترجمة محمد بن يحيى الذهلي:
إن يحيى بن محمد بن يحيى الذهلي قال: دخلتُ على أبي في الصيف الصائف وقت القائلة، وهو في بيت كتبه، وبين يديه السراج، وهو يصنف، فقلت: يا أبتِ هذا وقت الصلاة، ودخان هذا السراج بالنهار، فلو نفست عن نفسك، قال: يا بُنَي، تقول لي هذا وأنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه والتابعين؟!


قيل في ترجمة ابن الاعرابي:
إن أحمد بن محمد بن شجاع بعث غلامًا من غلمانه يسأله المجيء إليه، فعاد إليه الغلام، فقال: قد سألتُه ذلك، فقال لي: عندي قوم من الأعراب، فإذا قضيت أربي منهم أتيت، قال الغلام: وما رأيتُ عنده أحدًا، إلا أن بين يديه كتبًا ينظر فيها، فينظر في هذا مرة وفي هذا مرة، ثم ما شعرنا حتى جاء، فقال له أبو أيوب: يا أبا عبدالله، سبحان الله العظيم، تخلفتَ عنا وحرمتنا الأنس بك، ولقد قال لي الغلام: إنه ما رأى عندك أحدًا، وقلتَ: أنا مع قوم من الأعراب، فإذا قضيت أربي معهم أتيت، فقال ابن الأعرابي:
لَنَا جُلَسَاءُ مَا نَمَلُّ حَدِيثَهُمْ
أَلِبَّاءُ مَأْمُونُونَ غَيْبًا وَمَشْهَدَا

يُفِيدُونَنَا مِنْ عِلْمِهِمْ عِلْمَ مَا مَضَى
وَعَقْلاً وَتَأْدِيبًا وَرَأْيًا مُسَدَّدَا

بِلا فِتْنَةٍ تُخْشَى ولا سُوءِ عِشْرَةٍ
ولا نَتَّقِي مِنْهُمْ لِسَانًا ولا يَدَا

فَإِنْ قُلْتَ: أَمْوَاتٌ، فما أَنْتَ كَاذِبٌ
وَإِنْ قُلْتَ: أَحْيَاءٌ، فَلَسْتَ مُفَنَّدَا


قيل في ترجمة الفقيه سليم بن أيوب الرازي:
إنه كان يحاسب نفسَه على الأنفاس، لا يدعُ وقتًا يمضي عليه بغير فائدة، إما ينسخ، أو يدرس، أو يقرأ، وقال أبو الفرج الإسفراييني: إنه نزل يومًا إلى داره ورجع، فقال: قد قرأت جزءًا في طريقي.


في ترجمة أحمد بن الفرات بن خالد الرازي أبي مسعود الضبي الأصبهاني:
"قال أبو عمران الطرسوسي: ما تحت أديم السماء أحدٌ أحفظ لأخبار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أبي مسعود الرازي، وبه قال: أخبرنا أبي - رحمه الله - قال: قرأتُ في كتاب محمد بن إبراهيم الكناني الأصفهاني: حدَّثنا أبو مسعود الرازي، قال: وروى عنه عبدالرزاق، ورحل إليه أبو داود السجستاني، وذكره أحمد بن حنبل - رضي الله عنه - بالحفظ وإظهار السنة بأصبهان.


وذكر العباس بن حمدان عن إبراهيم بن أرومة: بقي اليوم في الدنيا ثلاثة: محمد بن يحيى الذهلي بخراسان، وأبو مسعود بأصبهان، والحسن بن علي الحلواني بمكة، فأكثرهم حديثًا محمد بن يحيى، وأحسنهم حديثًا أبو مسعود، وأرفعهم حديثًا الحسن بن علي الحلواني.


قال ابن الأصفر: جالستُ أحمد وابن أبي شيبة وعليًّا ونعيمًا - وذكر عدة - فما رأيت رجالاً أحفظ لما ليس عنده من أبي مسعود"[2].


في ترجمة شيخ الإسلام ابن تيميَّة:
قال أبو حفص عمر البزار: ولقد بلغني أنه شَرَع في جمع تفسير لو أتمه لبلغ خمسين مجلدًا.


ومن أعجب الأشياء في ذلك أنه في محنته الأولى بمصر - لما أُخِذ وسُجِن وحِيل بينه وبين كتبه - صنَّف عدَّة كتب صغارًا وكبارًا، وذكر فيها ما احتاج إلى ذكره من الأحاديث والآثار، وأقوال العلماء، وأسماء المحدثين والمؤلفين، ومؤلفاتهم، وعزا كلَّ شيء من ذلك إلى ناقليه وقائليه بأسمائهم، وذكر أسماء الكتب التي ذكر فيها، وأي موضع هو منها؛ كل ذلك بديهة من حفظه؛ لأنه لم يكن عنده حينئذٍ كتابٌ يطالعه، ونقبت واختبرت واعتبرت، فلم يوجد فيها - بحمد الله - خلل، ولا تغيُّر، ومن جملتها: كتاب "الصارم المسلول على شاتم الرسول"، وهذا من الفضل الذي خصه الله -تعالى- به.


ومنها ما منحه الله -تعالى- من معرفة اختلاف العلماء، ونصوصهم، وكثرة أقوالهم، واجتهادهم في المسائل، وما رُوِي عن كل منهم من راجح ومرجوح، ومقبول ومردود، في كل زمان ومكان، وبصره الصحيح الثاقب الصائب للحق مما قالوه ونقلوه، وعزوه ذلك إلى الأماكن التي بها أودعوه، حتى كان إذا سئل عن شيء من ذلك كأن جميع المنقول عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه والعلماء فيه من الأولين والآخرين؛ متصور مسطور بإزائه، يقول منه ما شاء الله، ويذر ما يشاء، وهذا قد اتفق عليه كل مَن رآه، أو وقف على شيء من علمه ممن لا يغطي عقله الجهل والهوى.


وأما مؤلفاته ومصنفاته، فإنها أكثر من أن أقدر على إحصائها أو يحضرني جملة أسمائها، بل هذا لا يقدر عليه غالبًا أحد؛ لأنها كثيرة جدًّا كبارًا وصغارًا، وهي منشورة في البلدان، فقلَّ بلد نزلتُه إلا ورأيتُ فيه من تصانيفه.


فمنها ما يبلغ اثني عشر مجلدًا؛ كتلخيص التلبيس على أساس التقديس، وغيره.


ومنها ما يبلغ سبع مجلدات؛ كالجمع بين العقل والنقل، ومنها ما يبلغ خمس مجلدات؛ ومنها: منهاج الاستقامة والاعتدال، ونحوه، ومنها ما يبلغ ثلاث مجلدات؛ كالرد على النصارى، وشبهه، ومنها مجلدان؛ كنكاح المحلل، وإبطال الحيل، وشرح العقيدة الأصبهانية، ومنها مجلد ودون ذلك، وهذان القسمان من مؤلفاته، فهي كثيرة جدًّا لا يمكنني استقصاؤها.


وأما فتاواه ونصوصه وأجوبته على المسائل، فهي أكثر من أن أَقدِر على إحصائها، لكن دوَّن بمصر منها على أبواب الفقه سبعة عشر مجلدًا، وهذا ظاهر مشهور، وجمع أصحابه أكثر من أربعين ألف مسألة، وقلَّ أن وقعت واقعة وسئل عنها، إلا وأجاب فيها بديهة بما بهر واشتهر، وصار ذلك الجواب كالمصنَّف الذي يحتاج فيه غيره إلى زمن طويل، ومطالعة كتب، وقد لا يقدر مع ذلك على إبراز مثله.


أما تعبُّده - رضي الله عنه - فإنه قلَّ أن سُمِع بمثله؛ لأنه كان قد قطع جل وقته وزمانه فيه، حتى إنه لم يجعل لنفسه شاغلة تشغله عن الله -تعالى- ما يراد له، لا من أهل ولا من مال.


وكان في ليله متفردًا عن الناس كلهم، خاليًا بربه - عز وجل - ضارعًا، مواظبًا على تلاوة القرآن العظيم، مكررًا لأنواع التعبدات الليلية والنهارية، وكان إذا ذهب الليل، وحضر مع الناس؛ بدأ بصلاة الفجر، يأتي بسنتها قبل إتيانه إليهم، وكان إذا أحرم بالصلاة تكاد تتخلع القلوب لهيبة إتيانه بتكبيرة الإحرام، فإذا دخل في الصلاة ترتعدُ أعضاؤه حتى يميله يمنة ويسرة، وكان إذا قرأ يمد قراءته مدًّا كما صح في قراءة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان ركوعه وسجوده وانتصابه عنهما من أكمل ما ورد في صلاة الفرض.


كان - رحمه الله عنه - في الغاية التي ينتهى إليها في الورع؛ لأن الله -تعالى- أجراه مدة عمره كلها عليه، فإنه ما خالط الناس في بيع ولا شراء، ولا معاملة ولا تجارة، ولا مشاركة ولا زراعة ولا عمارة، ولا كان ناظرًا مباشرًا لمال وقف، ولم يكن يقبل جراية ولا صلة لنفسه من سلطان ولا أمير ولا تاجر، ولا كان مدخرًا دينارًا ولا درهمًا، ولا متاعًا ولا طعامًا، وإنما كانت بضاعته مدَّة حياته وميراثه بعد وفاته - رضي الله عنه - العلم؛ اقتداء بسيد المرسلين وخاتم النبيين محمد - صلى الله عليه وسلم - وعلى آله وصحبه أجمعين؛ فإنه قال: ((إن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورِّثوا دينًارا ولا درهمًا، إنما ورثوا العلم؛ فمن أخذ به فقد أخذ بحظ وافر)).


أما زهده في الدنيا ومتاعها، فإن الله -تعالى- جعل ذلك له شعارًا من صغره؛ حدَّثني مَن أثق به عن شيخه الذي علَّمه القرآن المجيد، قال: قال لي أبوه وهو صبي - يعني الشيخ -: أحب إليك أن توصيه، وتعده بأنك إن لم تنقطع عن القراءة والتلقين أدفع إليك كل شهر أربعين درهمًا، قال: ودفع إليَّ أربعين درهمًا، وقال: أعطِه إياها؛ فإنه صغير، وربما يفرح بها، فيزداد حرصه في الاشتغال بحفظ القرآن ودرسه، وقلْ له: لك في كل شهر مثلها، فامتنع من قَبُولها، وقال: يا سيدي، إني عاهدتُ الله -تعالى- ألاَّ آخذ على القرآن أجرًا، ولم يأخذها، فرأيتُ أن هذا لا يقع من صبي إلا لما لله فيه من العناية.


كان - رضي الله عنه - مع شدة تركه للدنيا، ورفضه لها، وفقره فيها، وتقلله منها؛ مؤثرًا بما عساه يجده منها، قليلاً كان أو كثيرًا، جليلاً أو حقيرًا، لا يحتقر القليل، فيمنعه ذلك عن التصدق به، ولا الكثير فيصرفه النظر إليه عن الإسعاف به؛ فقد كان يتصدق حتى إذا لم يجد شيئًا نزع بعض ثيابه المحتاج إليه، فيصل به الفقير، وكان يستفضل من قوته القليل الرغيف والرغيفين، فيؤثر بذلك على نفسه، وربما خبأهما في كمه، ويمضي ونحن معه لسماع الحديث، فيراه بعضنا وقد دفعه إلى الفقير مستخفيًا، يحرص ألاَّ يراه أحد.


وكان إذا ورد عليه فقير، وآثر المقام عنده يؤثره عند الأكل بأكثر قوته الذي جعل برسمه.


وأما تواضعه، فما رأيتُ ولا سمعت بأحدٍ من أهل عصره مثله في ذلك؛ كان يتواضع للكبير والصغير، والجليل والحقير، والغني الصالح والفقير، وكان يدني الفقير الصالح، ويكرمه، ويؤنسه ويباسطه بحديثه المستحلى زيادة على مثله من الأغنياء، حتى إنه ربما خدمه بنفسه، وأعانه بحمل حاجته؛ جبرًا لقلبه، وتقربًا بذلك إلى ربه.


وكان لا يسأم ممَّن يستفتيه أو يسأله، بل يُقبِل عليه ببشاشة وجه ولين عريكة، ويقف معه حتى يكون هو الذي يفارقه - كبيرًا كان أو صغيرًا، رجلاً أو امرأة، حرًّا أو عبدًا، عالمًا أو عاميًّا، حاضرًا أو باديًا - ولا يجبهه ولا يحرجه، ولا ينفره بكلام يوحشه، بل يجيبه ويفهمه، ويعرفه الخطأ من الصواب بلطف وانبساط.


وأخبر غير واحد أن الشيخ - رضي الله عنه - كان إذا حضر مع عسكر المسلمين في جهاد يكون بينهم واقِيتَهم وقطبَ ثباتهم، إن رأى من بعضهم هلعًا أو رقة أو جبانة؛ شجَّعه، وثبته، وبشَّره، ووعده بالنصر والظَّفر والغنيمة، وبيَّن له فضل الجهاد والمجاهدين، وإنزال الله عليهم السكينة.


وكان إذا رَكِب الخيل يتحنَّك، ويجول في العدو كأعظم الشجعان، ويقوم كأثبت الفرسان، ويكبر تكبيرًا أنكى في العدو من كثير من الفتك بهم، ويخوض فيهم خوض رجل لا يخاف الموت.


وحدَّثوا أنهم رأوا منه في فتح عكا أمورًا من الشجاعة، يعجز الواصف عن وصفها، قالوا: ولقد كان السبب في تملُّك المسلمين إياها بفعله ومشورته وحسن نظره.


ولما ظهر السلطان "غازان" على دمشق المحروسة، جاءه ملك الكرج، وبذل له أموالاً كثيرة جزيلة على أن يمكِّنه من الفتك بالمسلمين من أهل دمشق، ووصل الخبر إلى الشيخ، فقام من فوره وشجع المسلمين، ورغبهم في الشهادة، ووعدهم على قيامهم بالنصر والظفر والأمن وزوال الخوف؛ فانتُدِب منهم رجالٌ من وجوههم وكبرائهم وذوي الأحلام منهم، فخرجوا معه إلى حضرة السلطان "غازان"، فلما رآهم السلطان، قال: مَن هؤلاء؟ فقيل: هم رؤساء دمشق، فأَذِن لهم، فحضروا بين يديه، فتقدم الشيخ - رضي الله عنه - أولاً، فلما أن رآه أوقع الله له في قلبه هيبة عظيمة حتى أدناه وأجلسه، وأخذ الشيخ في الكلام معه أولاً في عكس رأيه عن تسليط المخذولملك "الكرج" على المسلمين، وضمن له أموالاً، وأخبره بحرمةِ دماء المسلمين، وذكَّره ووعظه؛ فأجابه إلى ذلك طائعًا، وحقنتْ بسببه دماء المسلمين، وحميت ذَرَارِيهم، وصِين حريمهم.


وكانت مخايل النجابة عليه في صغره لائحة، ودلائل العناية فيه واضحة، أخبرني مَن أثق به عمَّن حدَّثه أن الشيخ - رضي الله عنه - في حالِ صغره كان إذا أراد المضي إلى المكتب يعترضه يهودي - كان منزله بطريقه - بمسائل يسأله عنها لما كان يلوح عليه من الذكاء والفطنة، وكان يجيبه عنها سريعًا حتى تعجب منه، ثم إنه صار كلما اجتاز به يخبره بأشياء مما يدل على بطلان ما هو عليه، فلم يلبث أن أسلم وحسن إسلامه، وكان ذلك ببركة الشيخ على صغر سنه"[3].


"وقيل عن شيخ الإسلام ابن تيمية:
إنه كان لا تكاد نفسه تشبع من العلم، ولا تروى من المطالعة، ولا تملُّ من الاشتغال، ولا تكِل من البحث، وقلَّ أن يدخل في علم من العلوم في باب من أبوابه إلا ويفتح له من ذلك الباب أبواب، ويستدرك أشياء في ذلك العلم على حذاق أهله.


وكان لابن تيمية بصرٌ نافذ، ونفس طلعة، لا تكاد تشبع من العلم، ولا تكل من البحث، ولا تروى من المطالعة، مع التوفر على ذلك، وقطع النفس له، وصرف الهمة نحوه، حتى إنه لم ينقطع عن البحث والتأليف طيلة حياته في الشام أو في مصر، في السجن أو في البيت، بل إنه كان يتوجع ألمًا وحسرة حينما أخرجوا الكتب والأوراق من عنده في أخريات أيامه".


وقال الإمام ابن القيم:
وحدثني شيخنا - يعني ابن تيمية - قال: ابتدأني مرض، فقال لي الطبيب: إن مطالعتك وكلامك في العلم يزيد المرض، فقلت له: لا أصبر على ذلك، وأنا أحاكمك إلى علمك، أليستِ النفسُ إذا فرحت وسرَّت وقويت الطبيعة فدفعت المرض؟ فقال: بلى، فقلت له: فإن نفسي تسرُّ بالعلم، فتقوى به الطبيعة، فأجد راحةً، فقال: هذا خارج عن علاجنا.


وكان الكتاب عند رأسه، فإذا وجد إفاقةً قرأ فيه، فإذا غلب وضعه، فدخل عليه الطبيب يومًا وهو كذلك، فقال: إن هذا لا يحل لك؛ فإنك تعين على نفسك، وتكون سببًا لفوت مطلوبك"[4].



[1] النور السافر في أخبار القرن العاشر.

[2] طبقات الحنابلة.

[3] الأعلام العلية في مناقب ابن تيمية؛ للحافظ عمر بن علي البزار.

[4] المشوق إلى القراءة وطلب العلم للشيخ علي بن محمد العمران.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 12-09-2020, 11:07 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي رد: وقفات مع بعض العلماء

وقفات مع بعض العلماء (4)


فتحي حمادة







نظرنا خلال المقالات السابقة في ترجمات لبعض العلماء الأعلام، ونقف الآن مع بعضٍ آخر من هذه الأعلام.








في ترجمة أبي الفرج بن الجوزي عبدالرحمن بن علي:



صنَّف في التفسير (المُغنِي) كبير، ثم اختصره في أربع مجلدات، وسماه (زاد المسير)، وله (تذكرة الأريب) في اللغة مجلد، (الوجوه والنظائر) مجلد، (فنون الأفنان) مجلد، (جامع المسانيد) سبع مجلدات، وما استوعب ولا كاد، (الحدائق) مجلدان، (نقي النقل) مجلدان، (عيون الحكايات) مجلدان، (التحقيق في مسائل الخلاف) مجلدان، (مشكل الصحاح) أربع مجلدات، (الموضوعات) مجلدان، (الواهيات) مجلدان، (الضعفاء) مجلد، (تلقيح الفهوم) مجلد، (المنتظم في التاريخ) عشرة مجلدات، (المذهب في المذهب) مجلد، (الانتصار في الخلافيات) مجلدان، (مشهور المسائل) مجلدان، (اليواقيت) وعظ، مجلد، (نسيم السحر) مجلد، (المنتخب) مجلد، (المدهش) مجلد، (صفوة الصفوة) أربع مجلدات، (أخبار الأخيار) مجلد، (أخبار النساء) مجلد، (مثير العزم الساكن) مجلد، (المقعد المقيم) مجلد، (ذم الهوى) مجلد، (تلبيس إبليس) مجلد، (صيد الخاطر) ثلاث مجلدات، (الأذكياء) مجلد، (المغفَّلين) مجلد، (منافع الطب) مجلد، (صبا نجد) مجلد، (الظرفاء) مجلد، (الملهب) مجلد، (المطرب) مجلد، (منتهى المشتهى) مجلد، (فنون الألباب) مجلد، (المزعج) مجلد، (سلوة الأحزان) مجلد، (منهاج القاصدين) مجلدان، (الوفا بفضائل المصطفى) مجلدان، (مناقب أبي بكر) مجلد، (مناقب عمر) مجلد، (مناقب علي) مجلد، (مناقب إبراهيم بن أدهم) مجلد، (مناقب الفضيل) مجلد، (مناقب بشر الحافي) مجلد، (مناقب رابعة) جزء، (مناقب عمر بن عبدالعزيز) مجلد، (مناقب سعيد بن المسيب) جزآن، (مناقب الحسن) جزآن، (الثوري) مجلد، (مناقب أحمد) مجلد، (مناقب الشافعي) مجلد، (موافق المرافق) مجلد، مناقب غير واحد جزء جزء، (مختصر فنون ابن عَقِيل) في بضعة عشر مجلدًا، (مناقب الحبش) مجلد، (لباب زين القصص)، (فضل مقبرة أحمد)، (فضائل الأيام)، (أسباب البداية)، (واسطات العقود)، (شذور العقود في تاريخ العهود)، (الخواتيم)، (المجالس اليوسفية)، (كنوز العمر)، (إيقاظ الوسنان بأحوال النبات والحيوان)، (نسيم الروض)، (الثبات عند الممات)، (الموت وما بعده) مجلد، (ديوانه) عدة مجلدات، (مناقب معروف)، (العزلة)، (الرياضة)، (النصر على مصر)، (كان وكان) في الوعظ، (خطب اللآلئ)، (الناسخ والمنسوخ)، (مواسم العمر)، (أعمار الأعيان)، وأشياء كثيرة تركتها.








قيل عن ابن الجوزي: إنه قرأ أكثر من 20 ألف مجلد، وكان ما زال طالبًا للعلم.








قال عن نفسه: بأصبعي هاتين كتبت ألفي مجلدة، وتاب على يدي مائة ألف، وأسلم على يدي عشرون ألفًا، وكان يختم في الأسبوع.








قال حفيده: ومجموع تصانيفه مائتان ونيِّف وخمسون كتابًا.








وكذا وجد بخطه قبل موته أن تواليفَه بلغت مائتين وخمسين تأليفًا.








وقد نالته محنة في أواخر عمره، ووشوا به إلى الخليفة الناصر عنه بأمرٍ اختلف في حقيقته، فجاء مَن شتمه وأهانه، وأخذه قبضًا باليد، وختم على داره، وشتت عياله، ثم أقعد في سفينة إلى مدينة واسط، فحُبِس بها في بيت حرج، وبقي هو يغسل ثوبه، ويطبخ الشيء، فبقي على ذلك خمس سنين ما دخل فيها حمامًا.








وكان يحضر مجلسه مائة ألف أو يزيدون، لا يضيع من زمانه شيئًا، يكتب في اليوم أربع كراريس، وله في كل علم مشاركة، لكنه كان في التفسير من الأعيان، وفي الحديث من الحفاظ، وفي التاريخ من المتوسعين، ولديه فقهٌ كافٍ، وأما السجع الوعظي، فله فيه مَلَكة قوية، قيل إن تصانيفه تزيد على ثلاثمائة وأربعين مصنفًا، ما بين عشرين مجلدًا إلى كُرَّاس.








في ترجمة الحسن اللؤلؤي:



قال عن نفسه: غبرت أربعين عامًا ما قلت ولا بت ولا اتكأت، إلا والكتاب موضوع على صدري.








في ترجمة ابن الجهم:



قال ابن الجهم: إذا غشيني النعاس في غير وقت نوم - وبئس الشيء النوم الفاضل عن الحاجة - قال: فإذا اعتراني ذلك تناولتُ كتابًا من كتب الحكم، فأجد اهتزازي للفوائد، والأريحية التي تعتريني عند الظَّفَر ببعض الحاجة، والذي يغشى قلبي من سرور الاستبانة وعز التبيين أشد إيقاظًا من نهيق الحمير وهدة الهدم.








في ترجمة ابن حجر العسقلاني:



قيل عنه: إن همته كانت في المطالعة والقراءة، والسماع والعبادة، والتصنيف والإفادة، بحيث لم يكن يخلي لحظةً من أوقاته عن شيء من ذلك، حتى في حال أكله وتوجهه وهو سالك، كما حكى لي ذلك بعضُ رفقته الذين كانوا معه في رحلته، وإذا أراد الله أمرًا هيَّأ أسبابه.








وكان يقول: إنني لأتعجَّب ممن يجلس خاليًا عن الاشتغال.







وكان من العجب أن يبيع العالِم بيته من أجلِ بعض الكتب، أمثال الحافظ أبي العلاء الهمذاني، والنحوي ابن الخشَّاب؛ فيذكر أن كتب ابن الجواليقي بِيعَتْ في بغداد، فحضرها الحافظ أبو العلاء الهمذاني، فنادوا على قطعة منها: ستين دينارًا، فاشتراها الحافظ أبو العلاء بستين دينارًا، والإنظار من يوم الخميس إلى يوم الخميس، فخرج الحافظ واستقبل طريق همذان، فوصل، فنادى على دار له، فبلغت ستين دينارًا، فقال: بيعوا، قالوا: تبلغ أكثر من ذلك، قال: بيعوا، فباعوا الدار بستين دينارًا فقبضها، ثم رجع إلى بغداد، فدخلها يوم الخميس، فوفَّى ثمن الكتب.








ذكر عن ابن الخشَّاب أنه اشترى يومًا كتبًا بخمسمائة دينار ولم يكن عنده شيء، فاستمهلهم ثلاثة أيام، ثم مضى ونادى على داره، فبلغت خمسمائة دينار، فنقد صاحبها وباعه بخمسمائة دينار، ووفَّى ثمن الكتب، وبقيت له (لصاحب الكتب) الدار.







في ترجمة الحافظ أبي عبدالله شمس الدين السخاوي الأصل، القاهري، الشافعي:



"حفظ القرآن العظيم وهو صغير وجوَّده، ثم حَفِظ المنهاج الأصلي، وألفية ابن مالك، والنخبة، وألفية العراقي، وشرح النخبة، وغالب الشاطبية، ومقدمة الشاوي في العَرُوض، وكلما انتهى حفظه لكتاب، عرضه على شيوخ عصره، وبرع في الفقه والعربية والقراءة وغيرها، وشارك في الفرائض، والحساب، والميقات، وأصول الفقه، والتفسير وغيرها، وأما مقروءاته ومسموعاته، فكثيرة جدًّا، لا تكاد تنحصر.








وأخذ عن جماعة لا يحصون حتى بلغتْ عدة مَن أخذ عنه زيادة على أربعمائة نفس، وأذن له غير واحد بالإفتاء والتدريس والإملاء، وسمع الكثير من الحديث على شيخه الإمام الشهاب بن حجر، وأقبل عليه بكليته إقبالاً يزيد على الوصف، حتى حمل عنه علمًا جمًّا.







واختص به كثيرًا، بحيث كان من أكثر الآخذين عنه، وأعانه على ذلك قرب منزله منه، وكان لا يفوته مما يقرأ عليه إلا النادر، وقرأ عليه الاصطلاح بتمامه، وسمع عليه جلَّ كتبه كالألفية وشرحها مرارًا، وعلوم الحديث إلا اليسير من أوائله لابن الصلاح، وأكثر تصانيفه في الرجال وغيرها؛ كالتقريب، وثلاثة أرباع أصله، واللسان بتمامه، ومشتبه النسبة، وتخريج الزاهر، وتلخيص مسند الفردوس، والمقدمة، وأماليه الحلبية والدمشقية، وغالب فتح الباري وتخريج المصابيح، وابن الحاجب الأصل، وتغليق التعليق، ومقدمة الإصابة، وجملة يطول تعدادها، وفي بعضه ما سمعه أكثر من مرة، ولم يفارقه إلى أن مات، وأَذِن له في الإقراء والإفادة والتصنيف، وتدرب به في معرفة العالي والنازل، والكشف عن التراجم والمتون، وسائر الاصطلاح، وغير ذلك، وجاب البلاد وجال، وجدَّ في الرحلة، وارتحل إلى حلب، ودمشق، وبيت المقدس، والخليل، ونابلس، والرملة، وحَمَاة، وبعلبك، وحمص؛ بحيث إن الذي سمع عنهم يكونون قريب مائة نفر، بل زاد عدد مَن أخذ عنه من الأعلى والدون والمساوي على ألف ومائتين.







والأماكن التي تحمَّل فيها من البلاد والقرى على الثمانين، واجتمع له من المرويات بالسماع والقراءة ما يفوق الوصف، وهي تتنوع أنواعًا تنيف على العشر حسبما ذكره مُستَوْفًى في ترجمته من تاريخه.







وأعلى ما عنده من المروي ما بينه وبين الرسول -صلى الله عليه وسلم- بالسند المتماسك فيه عشرة أنفس وأكثر منه.







وأصح ما بين شيوخه وبين النبي -صلى الله عليه وسلم- فيه العدد المذكور، واتصلت له الكتب الستة، وكذا حديث كلٍّ من الشافعي، وأحمد، والدرامي بثمانية وسائط، وفي بعض الكتب الستة - كأبي داود - من طريق آخر، وأبواب في النسائي ما هو سبعة - بتقديم "المهملة" - واتصل له حديث مالك وأبي حنيفة بتسعة - بتقديم "المثناة" - وحجَّ بعد وفاة شيخه ابن حجر مع والديه، ولقي جماعة من العلماء، فأخذ عنهم؛ كأبي الفتح الأعز، والبرهان الزمزمي، والتقي بن فهد، وأبي السعادات ابن ظهيرة، وخلائق، ثم زار المدينة الشريفة، ورجع إلى القاهرة ملازمًا للسماع والقراءة والتخريج، والاستفادة من الشيوخ والأقران من غير فتور عن ذلك، ولم يزل يجتهد في السماع ويرحل إلى الأقطار حتى وصل إلى ما وصل إليه، ورُئِي بعد موته على هيئة حسنة، فقيل له: ما فعل الله بك؟ قال: حاسبني وغفر لي، وحشرني مع العلماء.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 201.08 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 197.34 كيلو بايت... تم توفير 3.74 كيلو بايت...بمعدل (1.86%)]