معايير الإفتاء في النوازل المعاصرة - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         الحكمـة ضالـة المؤمن ***متجددة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 56 - عددالزوار : 15810 )           »          المطلوب.. أداء الفرائض وترك الكبائر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          همسة في آذان الشباب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          من آداب الدعاء... إثبـــات الحمـــد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          واحة الفرقان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 13 - عددالزوار : 3015 )           »          الاستعمار وأساليبه في تمكين الاستشراق الحلقة الرابعة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          السياسة الشرعية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 17 - عددالزوار : 609 )           »          قواعد عقاب الطفل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          العمل التطوعي.. أسسه ومهاراته (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 46 )           »          توجيهات منهجية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام > فتاوى وأحكام منوعة

فتاوى وأحكام منوعة قسم يعرض فتاوى وأحكام ومسائل فقهية منوعة لمجموعة من العلماء الكرام

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 17-10-2020, 02:58 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,335
الدولة : Egypt
افتراضي معايير الإفتاء في النوازل المعاصرة

معايير الإفتاء في النوازل المعاصرة (1)


مسعود صبري




يستصحب في الإفتاء في القضايا النازلة أحكام الفتوى وآدابها كما ذكرها علماء الأصول مما هو مبين في كتبهم، ولكن يضاف إليها بعض الضوابط الأخرى التي تلتصق التصاقا شديدا بالمستجدات، بحيث تمثل خصوصية للفتوى في النوازل والمستجدات، ومن أهم تلك الضوابط:
الضابط الأول: فهم المسألة فهما دقيقا:

ذلك أن الإفتاء في النازلة ليس مجرد نقل رأي لأحد الأئمة، ولكنه إعمال للعقل على قواعد الشرع؛ فالإفتاء هنا أشبه بالمعادلات الرياضية والكيمائية التي تحتاج إلى إعمال أدوات مع حسن تفهم وتدبر.
فعلى المفتي جمع المعلومات الكافية حول القضية، وإعطاؤها حقها من الإيضاح والاستيعاب([1]). وذلك أنه لا يمكن للإنسان أن يحكم على شيء إلا إذا كان عنده تصور كامل عنه، ولهذا حدد أبو البقاء الفتوحي أن علم أصول الفقه يُستمد من ثلاثة أشياء: من أصول الدين، ومن العربية، ومن تصور الأحكام؛ فالأحكام إما أن تثبت من جهة ثبوت حجية الأدلة، فهو أصول الدين، وإما من جهة دلالة الألفاظ على الأحكام، فهو العربية بأنواعها، وإما أن يكون التوقف من جهة تصور ما يدل به عليه، فهو تصور الأحكام. وقال:”وأما توقفه من جهة تصور ما يدل به عليه، من تصور أحكام التكليف، فإنه إن لم يتصورها لم يتمكن من إثباتها، ولا من نفيها؛ لأن الحكم على الشيء فرع عن تصوره([2]).
وقد أشار إلى ذلك الإمام ابن القيم فقال: “ولا يتمكن المفتي ولا الحاكم من الفتوى والحكم بالحق إلا بنوعين من الفهم: أحدهما: فهم الواقع والفقه فيه واستنباط علم حقيقة ما وقع بالقرائن والأمارات والعلامات حتى يحيط به علما. والنوع الثاني: فهم الواجب في الواقع، وهو فهم حكم الله الذي حكم به في كتابه أو على لسان رسوله في هذا الواقع، ثم يطبق أحدهما على الآخر؛ فمن بذل جهده واستفرغ وسعه في ذلك لم يعدم أجرين أو أجرا؛ فالعالم من يتوصل بمعرفة الواقع والتفقه فيه إلى معرفة حكم الله ورسوله”([3]).
فالتصور جزء أصيل من عملية التمهيد للإفتاء، وبدونه يكون الإفتاء خارج الإطار الصحيح، بل يوقع غالبا في الخطأ والزلل؛ لأن صحة الحكم تتوقف على صحة التصور.
فالاشتراك في الحكومة الانتقالية بالعراق مثلا، أو الاستفتاء على الدستور العراقي في ظل الاحتلال، أو الموافقة على الاعتراف بدولة إسرائيل بحدود عام 1967م، أو الحكم على جواز إنتاج فيلم عن المسيح، أو مسألة المرابحة للآمر بالشراء أو غيرها من الأمور المستحدثة يجب أن تدرك أولا، حتى لا يفتى بخلاف مقتضى النصوص ومقاصدها.
وكما يرى الشيخ العلامة الدكتور يوسف القرضاوي أن المتأمل في بعض فقهاء العصر يجد بعضهم يجازف بالفتوى في أمور المعاملات الحديثة مثل التأمين بأنواعه وأعمال البنوك والأسهم والسندات وأصناف الشركات، فيحرم ويحلل، دون أن يحيط بهذه الأشياء خبرًا ويدرسها جيدًا، ومهما يكن علمه بالنصوص عظيما ومعرفته بالأدلة واسعة، فإن هذا لا يغني ما لم يؤيد ذلك معرفة تامة بالواقعة المسئول عنها وفهمه لحقيقتها الراهنة([4]).
الضابط الثاني: تحليل القضية المركبة إلى عناصرها الأساسية:

فعلى المفتي أن يحلل القضية المركبة إلى أجزائها التي تتكون منها كما في بيع المرابحة للآمر بالشراء، فإنها تحلل إلى بيع ووعد، وبيع مرابحة بأكثر من سعر يومه لأجل التأجيل([5])؛ وذلك لأن المسائل إما بسيطة لا تحتاج إلى تحليل، أو مركبة، وتلك التي نحتاج إلى تحليلها قبل إبداء الرأي فيها.
الضابط الثالث: التمهل وإعطاء البحث والفكر وقته :

فمن الواجب على المفتي ألا يتعجل بإخراج رأي، وخاصة أن النازلة غالبا ما لا يكون فيها رأي.
وقد ورد عن الإمام مالكأنه كان يجلس في المسألة الليالي العديدة حتى يصل فيها إلى رأي، بل ربما تطول كما قال: “إني لأفكر في مسألة منذ بضع عشرة سنة، فما اتفق لي فيها رأي إلى الآن”[6]؛ فإدراك طبيعة الإفتاء تدفع المفتي إلى التمهل والتثبت، كما قال الإمام ابن القيم: “وإذا كان منصب التوقيع عن الملوك بالمحل الذي لا ينكر فضله، ولا يجهل قدره، وهو من أعلى المراتب السنيات؛ فكيف بمنصب التوقيع عن رب الأرض والسموات؟ فحقيق بمن أقيم في هذا المنصب أن يعد له عدته، وأن يتأهب له أهبته، وأن يعلم قدر المقام الذي أقيم فيه، ولا يكون في صدره حرج من قول الحق والصدع به؛ فإن الله ناصره وهاديه، وكيف وهو المنصب الذي تولاه بنفسه رب الأرباب”([7]).
الضابط الرابع: الاتصال بأهل الاختصاص في موضوع القضية:

يجب الاتصال بأهل الاختصاص في موضوع القضية، واستفسارهم، والتأكد منهم عن جميع المعلومات المتعلقة بالقضية، وطلب رأيهم وتوضيحهم لأي غموض أو إشكال يعترض المفتي في فهم تلك القضية وما يحيط بها من ملابسات([8])، عملا بقوله تعالى: (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ )([9])، وقد ورد عن النبي ( صلى الله عليه وسلم) أنه قال: “لا ينبغي للعالم أن يسكت عن علمه، ولا ينبغي للجاهل أن يسكت على جهله. وقد قال الله (فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ) فينبغي للمؤمن أن يعرف عمله على هدى أم على خلافه”([10]).
فإذا كانت القضية تتعلق بعلم الاقتصاد، فينبغي الرجوع إلى أهل الاختصاص فيه، أو تتعلق بالسياسة رجع فيها إلى أهل السياسة، أو كانت قضية تتعلق بالعلاقات الاجتماعية، وجب الرجوع فيها إلى علماء الاجتماع، أو كانت مسألة إعلامية رجع فيها إلى علماء الإعلام، أو فنية، رجع فيها إلى أهل الفن وخبرائه، وهكذا في كل فن وعلم. فاستقلال الفقهاء بالإفتاء دون الرجوع إلى أهل الاختصاص يوجب نقصا في التصور والإدراك، مما يترتب عليه خلل في التكييف الفقهي للمسألة، وخروج الاجتهاد عن مساره الصحيح.
الضابط الخامس: الإفادة من اجتهادات السابقين:

فربمــا ظن المفتي أنه لــم يسبق في اجتهــاده، وقد سبقه غيره ممن عاصره، بل ممن سبقـه. وقـد قال ابن عبد البــر: “لا يكـــون فقيهــا في الحادث من لم يكن عالما بالماضي”([11])، ومن ذلك، فعلى المفتي و الفقيه أن يفيد من كتب الفتاوى القديمة والمعاصرة، وأن يرجع إلى قرارات المجامع الفقهية، كمجمع البحوث الإسلامية بمصر، ومجمع الفقه بجدة، والمجمع الفقهي بمكة المكرمة، والمجلس الأوربي للإفتاء والبحوث، ومجمع الفقه بالهند، ومجمع فقهاء أمريكا الشمالية، ولجان الإفتاء كلجنة الفتوى بالجامع الأزهر، ودار الإفتاء المصرية، ولجنة البحوث العلمية الدائمة والإفتاء بالمملكة العربية السعودية، ولجنة الإفتاء بوزارة الأوقاف الكويتية، أو غيرها من لجان الإفتاء الجماعية، وغيرها من الهيئات والمؤسسات واللجان الفقهية والإفتائية.
الضابط السادس: تفعيل المقاصد الشرعية، وفقه الأولويات وفقه المآلات:

وهي أصول عظيمة في طبيعة الاجتهاد المعاصر، كما يقول الإمام الشاطبي: “النظر في مآلات الأفعال معتبر مقصود شرعًا كانت الأفعال موافقة أو مخالفة، وذلك أن المجتهد لا يحكم على فعل من الأفعال الصادرة عن المكلفين بالإقدام أو بالإحجام إلا بعد نظره إلى ما يؤول إليه ذلك الفعل، فقد يكون مشروعا لمصلحة قد تستجلب أو لمفسدة قد تدرأ، ولكن له مآل على خلاف ما قصد فيه، وقد يكون غير مشروع، لمفسدة تنشأ عنه أو مصلحة تندفع به، ولكنْ له مآل على خلاف ذلك، فإذا أطلق القول في الأول بالمشروعية، فربما أدى استجلاب المصلحة فيه إلى مفسدة تساوي المصلحة أو تزيد عليها، فيكون هذا مانعًا من انطلاق القول بالمشروعية، وكذلك إذا أطلق القول في الثاني بعدم المشروعية ربما أدى استدفاع المفسدة إلى مفسدة مثلها أو تزيد، فلا يصح إطلاق القول بعدم المشروعية، وهو مجال للمجتهد صعب المورد، إلا أنه عذب المذاق، محمود الغب، جارٍ على مقاصد الشريعة”([12]).
الضابط السابع: مراعاة المصالح المتغيرة والمستجدة:

فالفتوى بنت بيئتها وزمانها، ومن سنن الله – تعالى – في الكون التغير والاختلاف، قال ابن القيم: “من أفتى الناس بمجرد المنقول في الكتب على اختلاف عرفهم وعوائدهم وأزمنتهم وأمكنتهم وأحوالهم وقرائن أحوالهم فقد ضل وأضل،.. وهذا المفتي الجاهل أضر على أديان الناس وأبدانهم([13]).
وقال: “….. فإن الشريعة مبناها وأساسها على الحكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد، وهي عدل كلها، ورحمة كلها، ومصالح كلها، وحكمة كلها؛ فكل مسألة خرجت عن العدل إلى الجور، وعن الرحمة إلى ضدها، وعن المصلحة إلى المفسدة، وعن الحكمة إلى العبث؛ فليست من الشريعة وإن أدخلت فيها بالتأويل”([14]).
والناس إزاء هذه المصالح المستجدة نوع من ثلاثة:
  1. إما أن يحاول أن يجد لها شيئا مما سبق من كتب الفقه القديمة.
  2. أو أنه يسارع للتحريم.
  3. أو أنه يبيحها من باب الضرورة.
والطرق الثلاثة لا تولد اجتهادا معتبرا، بل لا بد من الاجتهاد بأدواته وبذل الجهد للوصول إلى الحكم الشرعي في النازلة أو المستجدة([15]).
ويؤكد على ذلك الإمام ابن القيم ـ رحمه الله ـ عند الحديث عن المصالح وترتيبها ودرجاتها، فيقول: “…. القرآن وسنة رسول الله ( صلى الله عليه وسلم) مملوءان من تعليل الأحكام والمصالح وتعليل الخلق بها، والتنبيه على وجوه الحِكم التي لأجلها شرع الأحكام ولأجلها خلق تلك الأعيان، ولو كان هذا في القرآن والسنة في نحو مائة موضع أو مائتين لسقناهما، ولكنه يزيد على ألف موضع بطرق متنوعة”([16]).
الضابط الثامن: اعتبار اختلاف العادات والتقاليد:

فاختلاف العادة والعرف، يوجب اختلاف الفتوى؛ “لأن انتقال العوائد يوجب انتقال الأحكام”([17])، و”الأحكام المترتبة على العوائد تدور معها كيفما دارت، وتبطل معها إذا بطلت كالنقود في المعاملات والعيوب في الأعراض في البياعات ونحو ذلك”([18]).
وقد اشترط الفقهاء والأصوليون شرائط يكون فيها العرف معتبرًا؛ صيانة لأحكام الشريعة من التبديل والاضطراب، وهي باختصار:-
  1. ألا يكون مخالفا للنص، بل يكون عرفا صحيحا.
  2. أن يكون مطردا أو غالبا.
  3. أن يكون العرف الذي يحمل عليه التصرف موجودا وقت إنشائه، بأن يكون حدوث العرف سابقا على وقت التصرف، ثم يستمر إلى زمانه فيقارنه.
  4. ألا يوجد قول أو عمل يفيد عكس مضمونه..([19]).
الضابط التاسع: تحصيل دربة الإفتاء:

وذلك بملازمة المفتين الثقات، وتحصيل طريقتهم وتشرب منهجهم، ومعرفة عللهم، والوقوف على مناهجهم، وعدم الاقتصار على ما جاء عنهم في الكتب، فتحصيل ملكة الإفتاء لا تتأتى من الكتب وحدها، وقد حذر الإمام اللخمي من الاعتماد على الكتب في فتاوى النوازل، ورأى أن “العمل بالكتب لمن لا يدري لا ينجو من الخطأ من وجوه منها: أن النازلة لا تجيء مثل نص الكتاب إلا نادرا، وأكثر ما يجيء شبيه لها، أو لا علم له بالأصول التي قام بها القوم، يخرج من الأصل ويقع في الخطأ وهو لا يعلم” ([20]).
الضابط العاشر: إدراك الأصول الفقهية:

فلا بد للمفتي في النوازل أن يدرك أصول الفقه من الأدلة والأقيسة والعلل، فيعرف رتب العلل ونسبتها إلى المصالح، الضرورية، والحاجية، والتحسينية، ومن أي مرتبة من مراتب المناسب، على آخر ما هو مبسوط في أصول الفقه. ولا يعدو في النظر المطابقة بين تحقق العلة أو الدليل في القضية الجديدة والقضية المخرج عليها([21]).
([1]) – راجع: ضوابط الفتوى في القضايا المعاصرة، د. عبد المجيد محمد السوسوه، أستاذ مشارك في كلية الشريعة –بجامعة الشارقة وجامعة صنعاء، ص: 254

([2])- راجع: شرح الكوكب المنير لابن النجار، ص:14-15، تحقيق: د. محمد الزحيلي، د. نزيه حماد طبع: جامعة أم القرى – معهد البحوث العلمية -، الطبعة الثانية، 1413 هـ

([3]) – إعلام الموقعين عن رب العالمين لابن القيم، ج1/69.

([4])- راجع: الفتوى بين الانضباط والتسيب، الدكتور يوسف القرضاوي، ص: 74، طبع دار الصحوة

([5])- ضوابط الفتوى في القضايا المعاصرة، د. عبد المجيد محمد السوسوه، ص: 255

([6]) – ترتيب المدارك للقاضي عياض، تحقيق أحمد بكير محمود ج1/178 ـ مكتبة الحياة ـ بيروت ـ بدون تاريخ.

([7]) – إعلام الموقعين عن رب العالمين، للإمام ابن القيم، ج1/9

([8])- ضوابط الفتوى في القضايا المعاصرة، د. عبد المجيد محمد السوسوه، ص: 255

([9])- النحل: 43، والأنبياء:7

([10])- رواه الطبراني في الأوسط، راجع: مجمع الزوائد الهيثمي، ج1/165، دار الريان للتراث/ 1407

([11]) – جامع بيان العلم وفضله، يوسف بن عبد البر النمري، ج2/47 دار الكتب العلمية – بيروت – 1398

([12]) – الموافقات في أصول الفقه، للشاطبي ، ج5/178، تحقيق: عبد الله دراز دار المعرفة – بيروت، تحقيق: عبد الله دراز

([13]) – إعلام الموقعين عن رب العالمين، ج3/66..

([14]) – إعلام الموقعين عن رب العالمين، ج3/11

([15]) – ضوابط الفتوى في القضايا المعاصرة، د. عبد المجيد محمد السوسوه، ص: 272-273

([16]) – مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة، لابن القيم، ج2/22، دار الكتب العلمية بيروت

([17]) – الفروق أو أنوار البروق في أنواء الفروق (مع الهوامش ): أبو العباس أحمد بن إدريس الصنهاجي القرافي، ج1/40، تحقيق: خليل المنصور، دار الكتب العلمية – بيروت -، الطبعة: الأولى: 1418هـ – 1998م.

([18]) – السابق، ج1/72

([19]) – انظر: الوجيز في أصول الفقه، الدكتور عبد الكريم زيدان،ص: 256-257 وأصول الفقه للشيخ محمد أبو زهرة، ص:248-249، طبع دار الفكر العربي، سنة: 2006م. ومنهج استنباط أحكام النوازل الفقهية المعاصرة.. ، الدكتور مسفر بن علي بن محمد القحطاني، ص: 340، طبع دار الأندلس الخضراء، ودار ابن حزم، سنة: 2003هـ، الطبعة: الأولى

([20]) – نوازل البرزالي، لأبي القاسم بن أحمد البرزالي المالكي، ج1/83، طبع دار الغرب الإسلامي.


([21]) راجع: الفروق للقرافي، ج2/109




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 19-10-2020, 05:11 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,335
الدولة : Egypt
افتراضي رد: معايير الإفتاء في النوازل المعاصرة

معايير الإفتاء في النوازل المعاصرة (2)


مسعود صبري



الضابط الحادي عشر: الوسطية المعتمدة على الأدلة

فلا هو يشدد على الخلق ويبحث عن الشدائد ليعرف بين الناس أنه يحافظ على الدين، وهو بهذا يداهن العامة، ولا هو يتساهل فيخالف الثوابت؛ فالوسطية سمة هذا الدين، وقد قرر الإمام الشاطبي –رحمه الله- أن “المفتي البالغ ذروة الدرجة، هو الذي يحمل الناس على المعهود الوسط فيما يليق بالجمهور؛ فلا يذهب مذهب الشدة، ولا يميل بهم إلى طرف الانحلال. والدليل على صحة هذا: أنه الصراط المستقيم الذي جاءت به الشريعة؛ فإن مقصد الشارع من المكلف الحمل على التوسط من غير إفراط ولا تفريط. فإذا خرج عن ذلك في المستفتين خرج عن قصد الشارع؛ ولذلك كان ما خرج عن قصد المذهب الوسط مذموما عند العلماء”(1).
الضابط الثاني عشر : مراعاة موجبات تغير الفتوى

وهي أربعة: تغير الزمان والمكان والحال والعرف. وجعلها شيخنا العلامة القرضاوي عشرة، هي: تغير المعلومات، وتغير حاجات الناس، وتغير قدرات الناس وإمكاناتهم، وتغير الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وعموم البلوى، وتغير المكان، وتغير الزمان، وتغير الحال، وتغير الرأي والفكر، وتغير العرف (2).
والحديث عن تغير الزمان والمكان والحال والعرف مبثوث في كتب الأصول، ولكن الذي يهمنا هو ما أضافه شيخنا العلامة القرضاوي، ونحن نوجزه هنا على النحو التالي:
الأول: تغير المعلومات
وهو أن يبني المفتي فتواه على معلومات شرعية، ثم يتبين له خلافها أو عدم صحة ما بنى عليه، كأن يغيب عنه أقوال، أو أن يبني فتواه على حديث ثم يتبين له أنه ضعيف، أو لا يكون له علم بحديث في المسألة ثم يعلم صحته. ومن ذلك مخالفة تلامذة أبي حنيفة له فيما يقارب من ثلث المذهب، واختلاف آراء الشافعي بعد نزوله مصر في عدد من المسائل لم يكن تغير البيئة وحدها، ولكنه أيضا لأنه سمع معلومات لم يكن سمعها من قبل، وقد غير الشيخ القرضاوي فتواه في بقاء المرأة مع زوجها غير المسلم بعد إسلامها بعد اطلاعه على كتاب (أحكام أهل الذمة) للإمام ابن القيم، وقوله بجواز ميراث المسلم من غير المسلم بعد إفتائه بالحرمة، واختلاف فتوى العلماء في التدخين بعد تغير المعلومات، وكذلك الشأن في مدة الحمل بعد الاطلاع على المعلومات العلمية، كأن يقال: إن أقصى مدة للحمل (سنتان أو أربع أو غيرهما) لما يعرف بالحمل الكاذب، وكذلك أيام الحيض والنفاس، وأقلها وأكثرها حيث إنها بنيت على العرف. ومن ذلك أيضا ما يدخل في المفطرات، ومنه ما يدخل الجوف، والمنفذ الطبيعي للجوف هل هو الفم والأنف أم يدخل معه الأذن والعين، فيدخل فيه قطرة العين والأنف، وقد تغيرت الفتوى قديما وحديثا بشأنها، فقد أثبت الطب اتصالا بين الفم والأنف، ولا يثبت وجود اتصال بين الأذن وأي جهاز آخر في الرأس.
الثاني : تغير حاجات الناس
فتحديد الضرورات والحاجات والكماليات له ارتباط بالعصر المعيش، وما كان كماليا في زمن، ربما أضحى حاجيا أو ضروريا في زمن آخر، وقد أدرك الفقهاء القدامى هذا المعنى، ومن ذلك اتخاذ ابن أبي زيد القيرواني كلبا ليحرسه من السرقة، ولما عوتب في هذا وأن مالكا -إمام مذهبه- كره اقتناء الكلاب، قال: لو أدرك مالك زمننا لاتخذ أسدا ضاريا، وما يفعله اليوم بعض المسنين في الغرب من اتخاذ الكلاب لتؤنس وحشتهم بعد ترك الأولاد والأحفاد لهم يعد من باب الحاجات وليس الكماليات، واقتناء بعض الأجهزة كالثلاجة والمكيف والسيارة في بعض الدول لم تعد من الكماليات، ولهذا أثره في حساب الزكاة، لأنه يستثنى من مال الزكاة الضرورات والحاجات، والتعليم اليوم أضحى من الحاجات فيدخل فيما يجب على الرجل أن ينفق على من يعول من الأولاد والزوجة، وجواز اشتراط الزوجة في العقد أن تكمل تعليمها، وبيوت السكنى في القديم غير الحديث؛ فالأثاث والمساحة وغيرها اختلف من زمن لآخر، وشراء البيوت للفقراء من المسلمين في بلاد الغرب من البنوك أضحى من الحاجات التي تختلف معها الفتوى والاجتهاد، وترجيح جواز أن تطوف الحائض طواف الإفاضة؛ لأن الذهاب إلى الحج أصبح عملية تنظيمية يصعب معها الانتظار كما كان في الماضي، مما يجعل ترجيح رأي الإمامين ابن تيمية وابن القيم أولى، وغيرها من المسائل التي تنبي على تغير حاجات الناس من عصر لعصر ومن مصر لمصر.
الثالث: تغير القدرات والإمكانيات
فقد تغيرت القدرات والإمكانيات في عصرنا الذي شهد الثورات العلمية السبعة: الثورة التكنولوجية، والثورة البيولوجية، والثورة الفضائية، والثورة النووية، والثورة الإلكترونية، والثورة المعلوماتية، وثورة الاتصالات، وهناك أحكام فقهية ترتبط بالقدرة؛ فالعلاج قديما كان يحكم عليه بالجواز، بل ذهب بعض الفقهاء أنه خلاف الأولى، ولكن مع تطور الطب كان من الواجب أن يتغير حكم التداوي إلى الوجوب رفعا للضرر، وحفاظا على النفس، ومن ذلك نهي النبي ( صلى الله عليه وسلم) أن يطرق الرجل أهله ليلا (3)، حتى لا يكون من باب التخوين، وأن تتهيأ المرأة لزوجها، ولكن من اليسير الآن الاتصال بالزوجة من خلال الهاتف، كما أن مواعيد السفر أضحت منضبطة خارج إرادة الإنسان، ومع هذا يتغير الحكم. ومن تغير الإمكانيات ما قال به الفقهاء من وجوب سفر المرأة مع زوجها في أي بلد هو فيه إذا أعطاها المهر كاملا، ولكن رأى بعض فقهاء الأحناف أن هذا تغير، إذ كان الزوج مؤتمنا على زوجته، أما وقد فسد الحال فلها أن تشترط، غير أن هذا الحكم قد يتغير مع تغير القدرة على الاتصال بالأهل وسهولة الانتقال إليها.
الرابع: عموم البلوى
وقد جعل الفقهاء عموم البلوى من المخففات، ولكن اعتبارها من المخففات إنما يكون في الأحكام المختلف فيها، لا الأحكام المقطوع بحرمتها، ومن أمثلة ذلك أن بعض الفقهاء كانوا يفتون بعدم قبول شهادة من يكشف رأسه ومن يأكل في الطرقات، ولكن الفقهاء في الأندلس غيروا فتواهم لما رأوا الناس تأثروا بغيرهم وكشفوا رؤوسهم، وكذلك الحال في قبول شهادة حالق لحيته، فلو أخذ برأي من قال بهذا ما قبلت شهادة أحد في عدد من الدول، أو ندرت، ومشاهدة التلفاز اليوم من عموم البلوى، فقد كان البعض يحرم التلفاز لأنه قائم على التصور، لكن اليوم ما ينبغي أن يقال بحرمته، بل يجب التمييز بين خيره وشره. وعمل المرأة في جميع الميادين الآن يوجب اختلاف الفتوى مع قبول عملها بالضوابط الشرعية.
الخامس: تغير الأوضاع
فيجب في الاجتهاد الفقهي مراعاة سنة التطور؛ فعلاقة المسلمين بغيرهم أضحت متغيرة، ومن هنا يجوز ألا نطلق على “أهل الذمة” هذا اللقب، ونسميهم (مواطنين)، إن كانت تسميتهم بـ(أهل الذمة) تضايقهم. ومن ذلك الإفتاء بوجوب الجهاد مرة في السنة؛ لأن حكم جهاد الطلب فرض كفاية، مما دفع بعض الجماعات الجهادية إلى محاربة العالم كله، ومثل هذا الحكم يجب أن يتغير مع تغير الأوضاع ووجود معاهدات دولية بين الدول كلها، وأننا جزء من هذا العالم. ويمكن حمل حكم وجوب الجهاد وجوبا كفائيا على الاستعداد له. وكذلك فتوى تهنئة النصارى والقول بتحريمها قد يتطلب اجتهادا معاصرا مع تغير الواقع الذي نعيشه، وخاصة مع الأقليات المسلمة بالغرب. ومن تغير الفتوى لتغير الظروف بعض الأحكام المتعلقة بالحج التي توجب التيسير لتغير الظروف، ومن ذلك الإفتاء بجواز الدفع من عرفات وترك المبيت في مزدلفة، وترك المبيت بمنى أيام الرمي وجواز الرمي قبل الزوال وغيرها.
السادس: تغير الرأي والفكر
وفرق بين تغير الرأي والفكر وتغير المعلومات، وذلك أن المقصود من تغير الرأي والفكر هو تغير المنهج، فقد ينتقل المفتي من التشديد إلى التيسير، أو من الحرفية إلى مراعاة المقاصد، ومن أمثلة ذلك في القديم: تغير رأي عمر – (رضي الله عنه) – في المسألة (الحمارية أو الحجرية) ، وتوريثه الإخوة لأب وأم مع الإخوة لأم، وربما ما حفظ عند بعض الأئمة من تغيير رأيهم في عدد من المسائل كالشافعي ومالك وأحمد مرجعها إلى تغير الفكر، ومن الحديث: رجوع الشيخ القرضاوي من الإفتاء بتحريم شراء البيوت بالغرب من البنوك التجارية إن لم يوجد بنك إسلامي حيث كان يفتي بالحرمة ويخالف شيخه الشيخ مصطفى الزرقا، ولكنه انتهى به النظر والفكر إلى القول بالجواز، وهو ما ذهب إليه غالبية أعضاء المجلس الأوربي للإفتاء والبحوث (4).
السابع تغير الأشخاص
فقد اعتبر الدكتور علي جمعة من موجبات تغير الفتوى الشخصية الاعتبارية، وعرفها بأنها: مجاز قانوني يعترف بموجبه لمجموعة من الأشخاص أو الأموال بالشخصية القانونية والذمة المالية المستقلة عن أشخاص أصحابه أو مؤسسيه. وتعتبر الدولة أقدم شخصية اعتبارية، ثم عرف الفقه بيت المال والوقف والمسجد، ثم ظهرت صور معاصرة للشخصية الاعتبارية كوحدات الإدارة المحلية والهيئات العامة والنقابات والطوائف الدينية، وكذلك: الشركات والجمعيات والمؤسسات الخاصة ونحوها. وهناك فروق بين الشخصية الحقيقية والشخصية الاعتبارية، ولكن الأهم هنا هو اصطحاب ما أشار إليه الفقهاء من تغير الأحكام فيما يخص الشخصية الاعتبارية، مثل: عدم وجوب الزكاة على مال الوقف والمسجد وبيت المال، وعدم قطع يد السارق عند الأخذ منها، ومن المسائل التي يجب النظر إليها بنظرة اجتهادية باعتبار الشخصية الاعتبارية ما قاله الفقهاء من حرمة أخذ الأجرة على الكفالة؛ لأنها من باب رفع الضيق عن الصديق، ولكن هل يقاس عليها حرمة أخذ المصرف أجرة على إصدار خطاب الضمان لشخص؟ ومن ذلك: اختلاف التقادم أمام القضاء بين الشخص الطبيعي وقد حدد بخمس عشرة سنة، وبين الشخصية الاعتبارية وقد حدد بتسعين سنة. كما يمكن تفعيل بعض الأدلة كالبراءة الأصلية والمصالح المرسلة فيما يتعلق بالشخصية الاعتبارية مما ينشئ اجتهادا عصريا يتماشى مع طبيعة تلك الشخصية الاعتبارية (5).
الضابط الثالث عشر: وجوب الفتوى الجماعية في فتاوى الأمة وأولويتها في الفردية

فالمستجدات الفقهية نوعان: نوع يتعلق بعموم الأمة، ونوع يتعلق بالأفراد، وهذا النوع المتعلق بالأمة لا يجوز أن يقدم عليه آحاد المفتين، – فيتوجب أن يقوم بالفتوى المجامع والمؤسسات الفقهية، وأن يحجم آحاد المفتين عن الإجابة عنها حتى تخرج فتوى المجامع والمؤسسات فيفتي بفتاويهم. ويستدل لوجوب الفتوى الجماعية في المستجدات بعدد من الأدلة من الكتاب والسنة وسيرة السلف، فمن الكتاب قوله تعالى: (وَأمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ)(6)، ومن السنة ما ورد عن أبي سلمة –(رضي الله عنه) – أن النبي ( صلى الله عليه وسلم) سُئل عن الأمر يحدث ليس في كتاب ولا سنّة فقال: “ينظر فيه العابدون من المؤمنين” (7).
كما ورد عن علي –(رضي الله عنه) – أنه قال: يا رسول الله، أرأيت إن عرض لنا أمر لم ينزل فيه قرآن ولم يخصص فيه سنة منك قال: “تجعلونه شورى بين العابدين من المؤمنين، ولا تقضونه برأي خاصة”(8)، وهو منهج الخلفاء الراشدين، فعن ميمون بن مهران قال كان أبو بكر (رضي الله عنه) إذا ورد عليه خصم نظر في كتاب الله، فإن وجد فيه ما يقضي به قضى به بينهم، فإن لم يجد في الكتاب نظر هل كانت من النبي ( صلى الله عليه وسلم) فيه سنة، فإن علمها قضى بها، وإن لم يعلم خرج فسأل المسلمين فقال أتاني كذا وكذا فنظرت في كتاب الله وفي سنة رسول الله ( صلى الله عليه وسلم) فلم أجد في ذلك شيئا؛ فهل تعلمون أن نبي الله ( صلى الله عليه وسلم) قضى في ذلك بقضاء، فربما قام إليه الرهط فقالوا نعم قضى فيه بكذا وكذا فيأخذ بقضاء رسول الله ( صلى الله عليه وسلم) . قال جعفر وحدثني غير ميمون أن أبا بكر (رضي الله عنه) كان يقول عند ذلك الحمد لله الذي جعل فينا من يحفظ عن نبينا (صلى الله عليه وسلم)، وإن أعياه ذلك دعا رؤوس المسلمين وعلماءهم فاستشارهم؛ فإذا اجتمع رأيهم على الأمر قضى به. قال جعفر وحدثني ميمون أن عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) كان يفعل ذلك، فإن أعياه أن يجد في القرآن والسنة نظر هل كان لأبي بكر (رضي الله عنه) فيه قضاء، فإن وجد أبا بكر (رضي الله عنه) قد قضى فيه بقضاء قضى به، وإلا دعا رؤوس المسلمين وعلماءهم فاستشارهم فإذا اجتمعوا على الأمر قضى بينهم”(9)، وكان هذا النهج محفوظا عن الشيخين في جل المسائل التي تعرض لهما.
ولحاجة الأمة إلى مثل هذا النهج في الإفتاء فقد صدر عن مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي قرار بهذا، جاء فيه: “بما أن كثيرًا من القضايا المعاصرة هي معقدة ومركبة؛ فإن الوصول إلى معرفتها وإدراك حكمها يقتضي أن تكون الفتوى جماعية، ولا يتحقق ذلك إلا بالرجوع إلى هيئات الفتوى ومجالسها، والمجامع الفقهية”(10).
ومن ثمار وجوب الفتوى الجماعية:
غلق الباب على المتعالمين من حدثاء الأسنان وأنصاف العلماء أن يتجرءوا على الفتوى؛ لأن الناس ستعرف من أين تأخذ الدين وإلى من ترجع في هذه النوازل.. وبالتالي سيغلق باب التقول على الله بغير علم.
غلق الباب على الجهات التي تريد أن تسيّس الفتوى أو تميعها لتأييد موقف ما أو معارضته.
أن تأخذ القضية المطروحة حقها من البحث والجهد لتصدر فتوى جماعية متأنية فيما يخص قضايا الأمة أو المستجدات.
سد النقص الحاصل في المستوى العلمي لرجال زماننا قياسًا بأئمة الاجتهاد في عصور الخيرية في الأمة، فما لا يستطيعه رجل قد يبلغه رجال.
عودة الأمة إلى المنهج الرشيد الذي تأسس عليه الاجتهاد في عصر الراشدين (رضي الله عنهم)، وهو الشورى”(11).
والشأن في الفتاوى الجماعية إما أن تصدر عن إجماع فقهاء المجمع أو المؤسسة، وإما أن تصدر عن أغلبية، وتكون الفتاوى في المؤسسات والمجامع قائمة على طلب المجمع أو المؤسسة عمل بحوث من قبل الأعضاء، ويتم عرضها ومناقشتها، ومن خلال عمل البحوث والمناقشات تخرج قرارات من المجمع أو المؤسسة الفقهية، مما يجعل هناك نوعا من الاطمئنان قائما على غلبة ظن الصحة.
التمهل في فتاوى الفضائيات والإنترنت: وإن كان التمهل أدبا من آداب الفتوى بشكل عام، إلا أنه آكد في فتاوى الفضائيات والإنترنت، لانتشار الفتوى وسماع آلاف وملايين الناس لها، فتتأكد ندبا في الوسيلة، وتتأكد وجوبا في نوعها، وهو المستجدات والنوازل، لما يترتب على انتشارها من خلال وسائل الإعلام من العمل بها دون معرفة رجوع المفتي لفتواه أو تصحيح لما قد يفتي به من الخطأ، وصعوبة التبليغ عن الرجوع أو التصويب لكل من شاهد أو سمع الفتوى. وقد وضع الفقهاء المعاصرون آدابا للإفتاء عبر الفضاء والإنترنت ليلتزم بها المفتون في فتاويهم عبرها( 12).
الضابط الرابع عشر: الاتفاق أو التقارب الفكري حول قواعد فقهية

لها أثرها الكبير في عملية الاستنباط وخصوصًا في المجالات المالية والاقتصادية؛ لما لذلك من أثر في اختصار الطريق ودقة الاستنتاج(13).
فمن المعلوم أن هناك القواعد الخمسة الكبرى، ويتفرع عن كل قاعدة منها عدد من القواعد الصغرى، وهناك قواعد أخرى يتفق عليها غالب الفقهاء، بينما هناك قواعد مختلف فيها بين أهل العلم، وهي كثيرة، وتلك بحاجة إلى دراسة واعية تحدث نوعا من التقارب بينها، حتى يمكن الإفادة منها في الاجتهاد في المستجدات الفقهية، بما يقلل فجوة الاختلاف الفقهي.
(1 ) الموافقات للشاطبي، ج4/254

(2 ) راجع: موجبات تغير الفتوى في عصرنا، للدكتور يوسف القرضاوي. بحث ضمن: الإفتاء في عالم مفتوح.ج1/463-518

(3 ) الحديث رواه مسلم في كتاب الإمارة، رقم (715) وأبو داود في سننه كتاب الجهاد، حديث رقم (2776)، وغيرهما.

(4 ) راجع: موجبات تغير الفتوى في عصرنا، للدكتور يوسف القرضاوي. بحث ضمن: الإفتاء في عالم مفتوح.ج1/463-518، وبحث: موجبات تغير الفتوى للشيخ أحمد حسون، مفتي سوريا، منشور بكتاب: الإفتاء في عالم مفتوح، ج1/524-546

(5 ) راجع: تغير الفتوى بتغير جهاتها الأربع، للدكتور علي جمعة، ضمن كتاب: الإفتاء في عالم مفتوح، ج1/574-578. وعرفت الشخصية الاعتبارية أيضا أنها: ” جماعة من الأشخاص يضمهم تكوين يرمي إلى هدف معين أو مجموعة من الأموال ترصد لتحقيق غرض معين يخلع عليها القانون الشخصية، فتكون شخصا مستقلا ومتميزا عن الأشخاص الذين يساهمون في نشاطها أو يفيدون منها، كالدولة، والجمعية، والشركة، والمؤسسة”. معجم المصطلحات الاقتصادية والإسلامية، علي بن محمد الجمعة، ص: 337 مكتبة العبيكان، الطبعة الأولى، 1421هـ= 2000

(6 ) الشورى: 38

( 7) الدارمي في سننه، المقدمة، باب التورع عن الجواب فيما ليس فيه كتاب، حديث رقم 117.

(8 ) مفتاح الجنة في الاحتجاج بالسنة، السيوطي ج 1 / 433، الجامعة الإسلامية – المدينة المنورة – 1399، الطبعة: الثالثة، والمعجم الكبير، ، الطبراني ج 11 / 362، مكتبة الزهراء – الموصل – 1404 – 1983، الطبعة: الثانية

(9 ) راجع سنن الدارمي، في المقدمة – باب: الفتيا وما فيه من الشدة. حديث رقم: 161، ج 1/ 69. وسنن البيهقي، حديث رقم: 20128، ج 10/114

(10 ) راجع: الدورة السابعة عشرة لمجمع الفقه الإسلامي المنعقدة في عمان للفترة من 24 ولغاية 28/6/2006 قرار رقم 153 (2/17)

(11 ) راجع: مؤسسة الإفتاء الجماعي، للدكتور أحمد عبد الغفور السامرائي،، ضمن: الإفتاء في عالم مفتوح،ج2/ 120

(12 ) راجع: الفتوى المباشرة وأحكامها، الدكتور سلمان العودة، والفتوى في عالم مفتوح بين الـنَّصّ والواقع والثابت والمتغير، للدكتور علي محيي الدين القره داغي، وفتاوى الفضائيات.. سلبيات وإيجابيات.. ضوابط ومقترحات، أ. جاسم المطوع، ضمن: الإفتاء في عالم مفتوح.

(13 ) راجع: دور المجامع الفقهية والاجتهاد الجماعي في معالجة المستجدات من الناحية الشرعية وسبل تطويرها، آية الله محمد علي التسخيري، الإفتاء في عالم مفتوح، ج2/31ش




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 88.04 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 85.65 كيلو بايت... تم توفير 2.38 كيلو بايت...بمعدل (2.71%)]