التيسير منهج الإسلام - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         الجوانب الأخلاقية في المعاملات التجارية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 44 )           »          حتّى يكون ابنك متميّزا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 39 )           »          كيف يستثمر الأبناء فراغ الصيف؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 38 )           »          غربة الدين في ممالك المادة والهوى (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 46 )           »          أهمية الوقت والتخطيط في حياة الشاب المسلم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 45 )           »          الإسلام والغرب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 44 )           »          من أساليب تربية الأبناء: تعليمهم مراقبة الله تعالى (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 37 )           »          همسة في أذن الآباء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 2 - عددالزوار : 39 )           »          تعظيم خطاب الله عزوجل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 37 )           »          رسـائـل الإصـلاح (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 43 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 22-10-2019, 05:52 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,534
الدولة : Egypt
افتراضي التيسير منهج الإسلام

التيسير منهج الإسلام




الشيخ إبراهيم المشهداني





إن الحمد لله، نحمدُه ونستغفره ونستعينه ونستهديه، ونعوذُ بالله من شرورِ أنفسنا ومن سيئاتِ أعمالنا، من يهْدِ اللهُ فلا مضِلَّ له ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أنْ لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له، نصر عبده وأعز جنده وهزم الأحزاب وحده، لا شيء قبله ولا بعده، وأشهد أنَّ محمداً عبدُه ورسولُه الرحمة المهداة والنعمة المسداة، أرسله بين يدي الساعة هادياً ومبشراً ونذيرا، بلّغ الرسالة وأدّى الأمانة ونصحَ الأمّةَ، وجاهد في الله حق جهاده مخلصا له الدين، حتى أتاه من ربه اليقين، فصلواتُ ربي وأزكى تسليماته عليه وعلى جميع الأنبياء والمرسلين، وعلى أصحابه ومن دعا بدعوته خصوصا منهم خلفائه من بعهد، ووزرائه في عهده أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعلى أزواج النبي الطاهرات أمهات المؤمنين، وعلى المهاجرين والأنصار، والتابعين الأخيار، وعلى أئمة المؤمنين المجتهدين في الدين، وعلى من أحبهم إلى يوم الدين.

أما بعد:
فانَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ، وَأَحْسَنَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ، وَشَرُّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلُّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلُّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.

اللهم أنت أحق من ذكر، وأحق من عبد، وانصر من ابتغي، وأرأف من ملك، وأجود من سئل، وأوسع من أعطى، أنت الملك لا شريك لك، والفرد الذي لا ند لك وكل شيء هالك إلا وجهك، اللهم إني أبرأ من الثقة إلا بك، ومن الأمل إلا فيك، ومن التوكل إلا عليك، ومن الرضا إلا فيك، ومن الطلب إلا منك، ومن الصبر إلا بك، ومن الذل إلا لك، ومن الرجاء إلا فيك، ومن الرهبة إلا إليك.

أيها المسلمون: أشهدكم أني أحبكم في الله فاتقوا الله وسارعوا إلى مغفرته ورضاه:
فإن من مفاهيم الناس الخاطئة أن الإنسان المتشدد على نفسه وعلى الناس هو المثالي، وهو جدير بالإتباع والاقتداء، وهو المتمسك فعلا بالدين والحريص عليه، وأكثر الناس تدينا يقولون ذلك، وأن الاعتدال واليسر والتوسط ليس من الدين في شيء، فأردت بهذه العجالة ان أصحح المفاهيم أو بعضها وأرجو من الله العون والسداد.

إن الإسلام أيها الإخوة بحر خضم فإذا أردت أن تسبح فيه فلا بد من المعرفة والرفق، والرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه، فالدابة إذا حملتها فوق طاقتها بركت، وإن المنبت لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى، وفي الحديث عن المصطفى - صلى الله عليه وسلم -: (إن هذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق)، وهنا صورة قوم شددوا على أنفسهم فشد الله عليهم ﴿ وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا ﴾ [الحديد: 27]، ولهذا أخبر المصطفى - صلى الله عليه وسلم - فقال: (هلك المتنطعون قالها ثلاثا)، والمتنطع المشدد في غير موضع الشدة، والإسلام يريدك في بعض الأحيان شديدا لا دائما ﴿ مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ ﴾ [الفتح: 29].

لقد أمرنا ربنا باليسر فقال ﴿ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ﴾ [البقرة: 185]، وكان من خلق المصطفى أنه ما خُيِّر بين أمرين قط إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما، ومن سمات الإسلام التيسير قال (إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ، وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلاَّ غَلَبَهُ، فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا وَأَبْشِرُوا، وَاسْتَعِينُوا بِالْغَدْوَةِ وَالرَّوْحَةِ وشيء مِنَ الدُّلْجَةِ..)، والحاكم والمسؤول يكون مرحوما من الله إذا كان رحيما بأمة محمد قال عليه الصلاة والسلام: (اللهم من ولي من أمر أمتي شيئا فشق عليهم فاشقق عليه، ومن ولي أمر أمتي فرفق بهم فارفق به)، إن هذا الدين متين فأوغل فيه برفق، ولا تُبَغِّض إلى نفسك عبادة الله؛ فإن المُنْبَتَّ لا سفرا قطع، ولا ظهرا أبقى.

أيها المسلمون الكرام: إن صور التيسير في الإسلام عديدة منها:
التيسير في الإيمان: فقد رخص النطق بالكفر في حال الإكراه، فهذا عمار بن ياسر قد سب النبي - صلى الله عليه وسلم -، وذكر ألهتهم بخير فشكا ذلك إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال يا رسول الله ما تركت حتى سببتك، وذكرت ألهتهم بخير فقال: كيف تجد قلبك؟، قال مطمئنا بالإيمان، فقال: إن عادوا فعد وفي ذلك أنزل الله ﴿ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ ﴾ [النحل: 106].

وفي الطهارة التي هي شرط الصلاة رخص الإسلام لمن يتعذر عليه استعمال الماء أن يتيمم قال تعالى: ﴿ وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا ﴾ [النساء: 43].

في الصلاة رخص للمريض أن يصلي قاعدا أو مضطجعا أو على جنب أو مستلقيا على ظهره، وفي السفر تصبح الرباعية ركعتين، وفي الجهاد تصبح الرباعية واحدة عند التحام الصفوف قال ابن عباس رضي الله عنهما: فرض الله الصلاة على لسان رسول الله في الحضر أربعا وفي السفر ركعتين وفي الخوف ركعة فان خفتم فرجالا أو ركبانا.

في الصيام رخص للمسافر الإفطار في حال السفر والمرض ﴿ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ﴾ [البقرة: 184]، ولو تتبعنا مظاهر التيسير في الإسلام لوجدنا له صورا عديدة.

لسائل يسأل لماذا التيسير لا التشديد؟
نعم أيها المسلمون التيسير لا التشديد بسبب الخوف من الانقطاع أن هذا الدين متين فأوغل فيه برفق ولا تبغض إلى نفسك عبادة ربك.

قال الشاعر:
اعمَلْ عمَلَ امرئٍ يَظُنُّ أن لن يَموتَ أبَدًا
واحْذَرْ حَذَرَ امْرِئٍ يَخشَى أن يَموتَ غَدًا



أيضا لا يجوز أن تكون سببا في تبغيض عبادة الله إلى الناس، فهذا معاذ بن جبل أطال الصلاة بالناس فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أفتان أنت يا معاذ، وقال - صلى الله عليه وسلم -: (إن منكم منفرين)، ويقول سيدنا عمر رضي الله عنه: (لا تبغضوا الله إلى عباده يطول أحدكم صلاته حتى يشق على من خلفه).

أيها المسلمون:
التيسير لا التشديد بسبب الخوف من التقصير في الواجبات الأخرى لقيامه بحق أهله وولده: لقد زار سلمان أبا الدرداء، فرأى أم الدرداء متبذلة فقال: ما شأنك؟ قالت: أخوك أبو الدرداء ليس له حاجة في الدنيا. فجاء أبو الدرداء فصنع له طعاماً، فقال له: كل فإني صائم، قال: ما أنا بآكل حتى تأكل. فأكل فلما كان الليل ذهب أبو الدرداء يقوم، فقال له: نم، فنام. ثم ذهب يقوم فقال له: نم فلما كان من آخر الليل قال سلمان: قم الآن. فصلينا جميعاً، فقال له سلمان: إن لربك عليك حقاً، وإن لنفسك عليك حقاً، وإن لأهلك عليك حقاً، فأعط كل ذي حق حقه، فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكر ذلك له، فقال النبي صلي الله عليه وسلم: (صدق سلمان). رواه البخاري.

كذلك التيسير لا التشديد بسبب الخوف من الوقوع في الهلاك، فقد جاء عن عمرو بن العاص في غزوة ذات السلاسل أنه قال "احْتَلَمْتُ فِي لَيْلَةٍ بَارِدَةٍ فِي غَزْوَةِ ذَاتِ السُّلاسِلِ، فَأَشْفَقْتُ إِنْ اغْتَسَلْتُ أَنْ أَهْلِكَ، فَتَيَمَّمْتُ ثُمَّ صَلَّيْتُ بِأَصْحَابِي الصُّبْحَ، فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: يَا عَمْرُو صَلَّيْتَ بِأَصْحَابِكَ وَأَنْتَ جُنُبٌ؟ فَأَخْبَرْتُهُ بِالَّذِي مَنَعَنِي مِنْ الاغْتِسَالِ، وَقُلْتُ إِنِّي سَمِعْتُ اللَّهَ يَقُولُ: ﴿ وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا ﴾ [النساء: 29] فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا" رواه أبو داود، وهذا دليل على رضاه بل إعجابه بفقهه في هذه القضية.

من الأسباب كذلك الخوف على الناس من شره - المتشدد - والتحذير من فعله، فان بعض الناس عندما شددوا على أنفسهم وأرادوا حمل الناس على نهجهم سفكوا الدماء، ونهبوا الأموال فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عنهم وهم الخوارج: (يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان..)، إن ألزمت نفسك أيها المسلم بأمر فلا تحمل الناس عليه إن كان فيه سعة، ولا تعب عليهم، فالناس يختلفون في طاقاتهم وقدراتهم، وتذكر قول نبينا (يسروا ولا تعسروا).

إن من أعظم مدلولات الرفق الذي دعت إليه النصوص الشرعية، وحث عليه السلف الصالح رضوان الله عليهم هو ما يكون في التعامل بين الإخوان والإقران، ويبني بينهم العلاقات، ومن أهم أسباب المودة والمحبة هو التلطف والتعاطف والتراحم بين الإخوان وبهذا يصبح حال المؤمنين في ترابطهم ووحدتهم وقوتهم كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا، ومثل الجسد إذا اشتكى منه عضوا تداعى سائر الجسد بالحمى والسهر، لقد عد الإمام بدر الدين الغزي رحمه الله أول آداب العشرة وخصالها حسن الخلق مع الإخوان والأقران والأصحاب حيث قال: (أن لأدب الصحبة وحسن العشرة أوجها، وأنا مبين منها ما يدل على أخلاق المؤمنين وآداب الصالحين... فمن آداب العشرة: حسن الخلق مع الإخوان والأقران، والأصحاب، اقتداء برسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإنه قال - وقد قيل له: ما خير ما أعطي المرء؟ قال: حسن الخلق)، وسئل عبد الله بن المبارك عن حسن الخلق فقال: (هو بسط الوجه وبذل المعروف)، وقال ابن حبان رحمه الله: حسن الخلق بذر اكتساب المحبة، والواجب على العاقل أن يتحبب إلى الناس بلزوم حسن الخلق، وترك سوء الخلق لأن حسن الخلق يذيب الخطايا كما تذيب الشمس الجليد، ورائد الدعوة عليه ان يضع نصب عينيه الرفق واللين ولا يفسد النصيحة بتتبع العثرات، وإظهار السيئات).


أخي المسلم:
إذا أمرت بالمعروف فليكن أمرك معروفا قال تعالى: ﴿ لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ ﴾ [النساء: 114]، قال الحافظ بن رجب رحمه الله (فإنّ الناصح ليس له غرض في إشاعة عيوب من ينصح له، وإنما غرضُهُ إزالة المفسدة التي وقع فيها، وأما الإشاعة وإظهار العيوب فهو مما حرّمه الله ورسوله.

قال تعالى ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ﴾ [النور: 19]، وشتان بين من قصد النصيحة، وبين من قصد الفضيحة.

قال الشافعي رحمه الله:
تغمدني بنصحك في انفرادي
وجنبني النصيحة في الجماعة



أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين، وطوبى لمن وجد في صحيفته استغفار كثيرا، وصلاة على الحبيب محمد - صلى الله عليه وسلم.

الخطبة الثانية

الحمد ثم الحمد لله ما توفيقي ولا اعتصامي إلا بالله عليه توكلت وإليه حسبي الله، الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأن محمد عبده ورسوله ومصطفاه الرحمة المهداة، والنعمة المسداة، أرسله الله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا، ففتح به أعينا عميا، وآذانا صما، وقلوبا غلفا فصلوات ربي وأزكى تسليماته عليه وعلى من اقتفى أثره، واتبع سنته، وسار على نهجه إلى يوم الدين.

وبعد: قال تعالى في كتابه الكريم ﴿ وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ﴾ [فصلت: 34].

وقال نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله رفيق يحب الرفق، وإن الله يعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف".

أيها المسلمون:
إن من الرفق بين الإخوان أيها الكرام: التسامح والصفح عمن أساء إليك، وفي السيرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والتسليم، وسيرة الصحابة والتابعين رضوان الله عليهم أجمعين نماذج مضيئة، ومصابيح منيرة في الرفق والترفق واليسر والسماحة في الدين، قال الإمام الشاطبي رحمه الله: (فإن الله يحب الرفق ويرضى به ويعين عليه ما لا يعين على العنف، ومن جملة الرفق شرعية التجاوز والإغضاء، إذ العبد لا بد له من زلة وتقصير، ولا معصوم إلا من عصمه الله)، وقال الماوردي رحمه الله (من حق الإخوان أن تغفر هفوتهم وتستر زلتهم؛ لأن من رام بريئًا من الهفوات، سليمًا من الزلات رام أمرًا مُعوِزًا واقترح وصفًا معجزًا).

قيل لخالد بن صفوان: أي إخوانك أحب إليك؟ قال من غفر زللي، وقطع عللي، وبلغني أملي. وَحُكِيَ عَنْ بِنْتِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُطِيعٍ أَنَّهَا قَالَتْ لِزَوْجِهَا طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ الزُّهْرِيَّ، وَكَانَ أَجْوَدَ قُرَيْشٍ فِي زَمَانِهِ: مَا رَأَيْت قَوْمًا أَلْأَمَ مِنْ إخْوَانِك، قَالَ مَهْ وَلِمَ ذَلِكَ؟ قَالَتْ: أَرَاهُمْ إذَا أَيْسَرْت لَزِمُوك، وَإِذَا أَعْسَرْت تَرَكُوك. قَالَ: هَذَا وَاَللَّهِ مِنْ كَرَمِهِمْ، يَأْتُونَنَا فِي حَالِ الْقُوَّةِ بِنَا عَلَيْهِمْ، وَيَتْرُكُونَنَا فِي حَالِ الضَّعْفِ بِنَا عَنْهُمْ. فَانْظُرْ كَيْفَ تَأَوَّلَ بِكَرْمِهِ هَذَا التَّأْوِيلَ حَتَّى جَعَلَ قَبِيحَ فِعْلِهِمْ حَسَنًا، وَظَاهِرَ غَدْرِهِمْ وَفَاءً رحم الله سلفنا الصالح وجعلنا من المقتدين بأفعالهم، والماشين على دربهم، والمقتفين أثرهم.

وقال الإمام بدر الدين الغزي رحمه الله:
(ستر عورات الإخوان وقبائحهم، وإظهار مناقبهم ومنها تحسين ما يعاينه من عيوب أصحابه)، وقال ابن مازن (المؤمن يطلب معاذير إخوانه، والمنافق يطلب عثراتهم).

وما أجمل ما قاله الشاعر الكريم:
إذا كنت في كل الأمور معاتبا
صديقك لم تلقَ الذي لا تعاتبه

فعش واحدا أو صل أخاك فإنه
مقارف ذنب مرة ومجانبه

إذا أنت لم تشرب مرارا على القذى
ظمئت وأي الناس تصفو مشاربه




[*] خطبة ألقيت في جامع يحيى الطالب في منطقة الرفاعي بموصل الحدباء - سلمها الله من ناعق ومفتون - بتاريخ 14- جمادي الآخرة - 1428 - الموافق من 29-6-2007.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 65.55 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 63.66 كيلو بايت... تم توفير 1.88 كيلو بايت...بمعدل (2.87%)]