تحذير الأنام من عاقبة أكل الحرام - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4418 - عددالزوار : 854906 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3949 - عددالزوار : 389782 )           »          معنى قوله تعالى: {ليبلوكم أيُّكم أحسنُ عملاً} (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 51 )           »          تخصيص رمضان بالعبادة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 39 )           »          ذكر الله دواء لضيق الصدر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 32 )           »          بيان فضل صيام الست من شوال وصحة الحديث بذلك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 41 )           »          صيام الست من شوال قبل صيام الواجب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 35 )           »          صلاة الوتر بالمسجد جماعة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 34 )           »          قراءة القرآن بغير حفظ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 42 )           »          الإلحاح في الدعاء وعدم اليأس (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 40 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 22-01-2021, 05:56 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي تحذير الأنام من عاقبة أكل الحرام

تحذير الأنام من عاقبة أكل الحرام
حسن عبد الرحمن عبد الحافظ عثمان



إنَّ الحمد لله تعالى نحمده، ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].


﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء: 1].


﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب: 70- 71].


أما بعد فإن أصدق الحديث كلام الله عز وجل وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.


أما بعد عباد الله:
فقد وصف ربُّ العزة سبحانه اليهود بأوصافٍ كثيرةِ كان من أهمِّها أكلُ السحت، قال المولى تبارك وتعالى ﴿ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ ﴾ [المائدة: 31]، وقال تعالى ﴿ وَتَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * لَوْلَا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ﴾ [المائدة: 51 - 52].


والسَّحُتُ: هو المالُ الحرام و كلُّ ما لا يحلُّ تناولُه فهو سحتٌ، وقد قيل إنَّ من معاني السحت الربا وأخذِ الرِشوة في الأحكام.


وفي هذه الآيات تجدُ أنَّ الله عزَّ وجلَّ قد جَمَعَ في الآية الأولى بين الكذبِ وأكلِ المالِ الحرامِ، وفي الآيتين الثانية والثالثة جمع بين المسارعة في الإثم والعدوان وأكلِ المال الحرام، ولعل في هذا إشارة إلى خطورة أكل المال الحرام وأنه يورث العبد الجرأة على المعاصي والكذب والعداون وذلك من أجل تحصيل المال الحرام.


ولقد أمر الله عز وجل عباده المؤمنين والمرسلين وكلَّ الناسِ على حدٍّ سواءٍ بأكلِ المال الحلال الطيب، قال تعالى ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِين ﴾ [البقرة: 057]، وقال عز وجل ﴿ وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ ﴾ [المائدة: 77]، وقال المولى تبارك وتعالى ﴿ فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [الأنفال: 58]، وقال سبحانه ﴿ فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُون ﴾ [النحل: 114].


عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ قَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا وَإِنَّ اللهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ فَقَالَ ﴿ يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ﴾، وَقَالَ ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ[1].


وقد جعل الله تعالى المال فتنة للناس ليختبرهم به، قال المولى عز وجل ﴿ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ ﴾ [آل عمران: 03] ، وقال تعالى ﴿ إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ ﴾ [التغابن: 04].


وأخبر المولى سبحانه أنَّ حبَّ المال من الأمور التي جُبِلَ عليها الإنسان، قال تعالى ﴿ وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا ﴾ [الفجر: 20].


وعن ابن عباس رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى ثالثاً، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب، ويتوب الله على من تاب"[2].


ومن أجل هذه الفطرة التي جُبِل عليها الإنسان من حبِّ المال حذَّر الله عز وجل من التهاون في ذلك، وجعل حدَّ السرقة بقطع اليد لمن تسولُّ له نفْسُهُ أن يعتدي على أموال الناس بغير حق.


وتوعَّدَ وعيدًا شديدًا لمن يستهينُ بهذا الأمر فقال سبحانه ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا * وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا [النساء: 30-29 ].


وبيَّنَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم أنَّ هذا الأمر- الاستهانة بأكل الحرام - من علامات الساعة، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ، مَا يُبَالِي الرَّجُلُ مِنْ أَيْنَ أَصَابَ الْمَالَ، مِنْ حِلٍّ أَوْ حَرَامٍ»[3].


وهذا الذي أخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم واقعٌ مشاهدٌ بين الناس، فالناسُ اليومَ بعدما غَلَبت عليهم الماديةُ الغربيةُ صار كثيرٌ منهم لا يبالي بمصدر رزقه، وصار الغالب على كثير من الناس ثقافةَ المكسبِ بغضِّ النظر عن مدى حِل وحرمة هذا المال، وأصبح مقياسَ الرجالِ في هذا الزمان هو المالُ كما يقال " معك جنيه تساوي جنيهًا ".


وقد تنوعت طرقُ كسبِ المال الحرام وكَثُرَت حتى صارت هناك شبهٌ كثيرة في كثيرٍ من أنواع التجارات والوظائف، وما ذاك إلا بكثرة الجهل وقلة العلم وعدم الورع.


من هذه الصور التي عمَّت وطمَّت الرِشوة، وهي ما يُدفع من المالِ بغيرِ حقٍّ للوصول إلى أمر ما، وهذا مما عمَّت به البلوى في ديار المسلمين فصار كثيرٌ من الناس – خاصة الموظفين الذين يقومون على مصالح الناس - لا يؤدون ما عليهم من الحقوق والواجبات إلا بعد أخذِ مقابلٍ من المال تحت كثيرٍ من المسميات كالهدية أو الإكرامية ونحو ذلك.


وهذا مالٌ سحتٌ حرامٌ، قال النبي صلى الله عليه وسلم " لَعَنَ اللَّهُ الرَّاشِيَ وَالْمُرْتَشِيَ "[4].


وقد اسْتَعْمَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم رجلًا على الصَّدَقَةِ، فَلَمَّا قَدِمَ قَالَ هَذَا لَكُمْ وَهَذَا أُهْدِيَ لِي فَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ مَا بَالُ الْعَامِلِ نَبْعَثُهُ فَيَأْتِي يَقُولُ هَذَا لَكَ وَهَذَا لِي فَهَلَّا جَلَسَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ فَيَنْظُرُ أَيُهْدَى لَهُ أَمْ لَا "[5].


فهذا الموظف الذي فرَّط في أداء وظيفته قد خالط مالَه الحرامُ وهو على خطر عظيم حيث يأكل من حرام ويطعم أبناءه مالا حرامًا، وَقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: " لَا يَدْخُلُ الجنة لحم نبت من سحت"[6].


والأعظمُ من ذلك أنك تجدّ هذا الموظف يُعَسِّرُ على الناس ويضيِّقُ عليهم في مصالحهم حتى يعطونه المال، وقد توعد النبي صلى الله عليه وسلم من يشق على المسلمين أمورهم فقال " ألا من وليَ من أمر أمتي شيئـًا فشقَّ عليهم فاشقق عليه"[7].


ومن صور أكل الحرام المنتشرة بين كثير من الناس الغشِّ في البيع والتطفيف في الميزان، وما يسمى بالغشِّ التجاري، كمن يقوم بتقليد المنتجات بغير إذن أصحابها ويضع علامتهم التجارية على المنتج، فهذا من الغش ومن أكل أموال الناس بالباطل.


ومن أعظمِ أنواعِ أكلِ المالِ الحرامِ وأشدِّها خطورةً على المرءِ أكلُ المال العام، و المال العام هو المال المخصص لمصلحة عموم الناس ومنافعهم أو لمصلحة عامة، فملكية هذه الأموال تعود لجميع الناس، والإضرارُ بها إضرارٌ بكل الناس، كالمساجد والمدارس، والحدائق والمنتزهات والطرق، والمرافق العامة، وكلُّ ممتلكات الدولة ومؤسساتها ومكتسباتها، فلا يجوز الاعتداءُ عليها، قال صلى الله عليه وسلم: " وَإِنَّ هَذَا الْمَالَ حُلْوَةٌ مَنْ أَخَذَهُ بِحَقِّهِ وَوَضَعَهُ فِي حَقِّهِ فَنِعْمَ الْمَعُونَةُ هُوَ وَمَنْ أَخَذَهُ بِغَيْرِ حَقِّهِ كَانَ كَالَّذِي يَأْكُلُ وَلَا يَشْبَعُ"[8].


فلا يحل لمسلمٍ أن ينتفعَ بمالِ المسلمين بغيرِ حقٍّ، كما لا يَحِلُّ له أنْ يتهاونَ في حفظه وأدائِه، سواءٌ كان عاملا فيه كالموظف أو منتفعا به كعامة الناس، والتعدي على المال العام هو الغلولُ الذي حذَّرَنَاه ربُّ العزة تبارك وتعالى ﴿ وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴾ [آل عمران: 50].


وهذا الغلول الذي هو التعدي على المال العام سببٌ في حجب شفاعة الرسول صلى الله عليه وسلم، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه – قَالَ: " قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَاتَ يَوْمٍ فَذَكَرَ الْغُلُولَ فَعَظَّمَهُ وَعَظَّمَ أَمْرَهُ ثُمَّ قَالَ لَا أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ بَعِيرٌ لَهُ رُغَاءٌ يَقُولُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَغِثْنِي فَأَقُولُ لَا أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا قَدْ أَبْلَغْتُكَ، لَا أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ فَرَسٌ لَهُ حَمْحَمَةٌ فَيَقُولُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَغِثْنِي فَأَقُولُ لَا أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا قَدْ أَبْلَغْتُكَ- إلى أن قال - لَا أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ صَامِتٌ فَيَقُولُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَغِثْنِي فَأَقُولُ لَا أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا قَدْ أَبْلَغْتُكَ"[9].


فالذي يعتدي على المال العام والذي يستحل أن يأكل أموال الناس بغير حقٍّ خصيمُ الناسِ كلِّهم يوم القيامة، لأن المال العام مال الناس قاطبة مسلمهم وغير مسلمهم، فمن اعتدى عليه أو قصَّرَ في أدائه حُجبت عنه شفاعةُ النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يدخل الجنة حتى يؤدي ما أخذ من أموال الناس.


ولقد ضرب السلفُ أروعَ الأمثلةِ في الورع من أكل المال الحرام خاصة ما يخص المسلمين، في إحدى المعارك ببلاد فارس – تسمى جلواء - ابتاع ابن عمر من المغنم بأربعين ألفاً، فلما قَدِمَ على عمر قال له: أرأيت لو عُرِضُّت على النار فقيل لك: افتده، أكنت مفتدياً به؟ قلت والله ما من شيء يؤذي بك إلا كنتُ مفتدياً بك منه، قال: كأني شاهدُ النَّاسِ حين تبايعوا فقالوا: عبدَ الله بن عمر صاحبَ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، وابنَ أمير المؤمنين وأحبَّ الناس إليه - وأنت كذلك - فكان أن يُرَخِّصُوا عليك أحبَّ إليهم من أن يُغَلُّوا عليك، وإني قاسمٌ مسؤولٌ، وأنا معطيك أكثرَ ما رَبِحَ تاجرٌ من قريشٍ، لك ربحُ الدرهمِ درهمٌ، قال: ثم دعا التجار فابتاعوه منه بأربعمائة ألف درهم، فدفع إليه ثمانين ألفاً وبعث بالباقي إلى سعد بن أبي وقاص ليقسمه[10].


وكان عمر بن عبد العزيز رحمه الله يحب أن يتأدَّمَ من العسل، فَطَلَبَ من أهله يومًا عسلًا فلم يكن عنده، فأتوه بعد ذلك بعسل فأكل منه فأعجبه، فقال لأهله: من أين لكم هذا ؟ قالت امرأته: بعثت مولاي بدينارين على بغل البريد فاشتراه لي، فقال: أقسمتُ عليك لمَـَا أتيتني به، فأتته بِعَكَّةٍ فيها عسلٌ، فباعها بثمن يزيدُ، ورد َّعليها رأسَ المالِ، وألقى بقيته في بيت مال المسلمين، وقال: نُصِبَت دوابُّ المسلمين في شهوةِ عمر[11].


فهذه بعضُ صورٍ من ورع السلف في أكل المال والتحري فيه، نسأل الله عز وجل أن يصلح أحوالنا، وأن يطهر قلوبنا إنه ولي ذلك والقادر عليه وصلِّ اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلِّم.


الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خير المرسلين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له يقول الحق وهو يهدي السبيل، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله الطيبين وصحابته الغر الميامين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وبعد:
عباد الله:
إن المال الحرام خطره عظيم وضرر جسيم، فهو سبب لغضب الرب عز وجل ومحق البركة وكثير من العقوبات التي جعلها الله عز وجل بسبب أكل المال الحرام.
فمن عقوبة المال الحرام أنه سبب لمحق البركة، قال تعالى ﴿ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيم ﴾ [البقرة: 165].


ومن عقوبة المال الحرام أنه سببٌ لعدم إجابة الدعاء، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ قَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا وَإِنَّ اللهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ فَقَالَ ﴿ يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ﴾، وَقَالَ ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ ﴾، ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ يَا رَبِّ يَا رَبِّ وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ[12].


التضييق في الرزق بمحاربة الله عز وجل ورسوله، قال تعالى ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ﴾ [البقرة: 1].


ومن أعظم أنواع العقوبات هو الوعيد بالنار لمن يأكلُ الحرامَ، قال الله عز وجل ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا * وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا .


وقال النبي صلى الله عليه وسلم " كُلُّ لَحْمٍ نَبَتَ مِنْ سُحْتٍ فَالنَّارُ أَوْلَى بِهِ".


ومن عقوبة أكل المال الحرام أنها سببٌ في عذابِ القبر، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ؛ أَنَّهُ قَالَ: " خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ خَيْبَرَ فَلَمْ نَغْنَمْ ذَهَبًا وَلَا فِضَّةً إِلَّا الْأَمْوَالَ وَالثِّيَابَ وَالْمَتَاعَ فَأَهْدَى رَجُلٌ مِنْ بَنِي الضُّبَيْبِ يُقَالُ لَهُ رِفَاعَةُ بْنُ زَيْدٍ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غُلَامًا يُقَالُ لَهُ مِدْعَمٌ فَوَجَّهَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى وَادِي الْقُرَى حَتَّى إِذَا كَانَ بِوَادِي الْقُرَى بَيْنَمَا مِدْعَمٌ يَحُطُّ رَحْلًا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا سَهْمٌ عَائِرٌ فَقَتَلَهُ فَقَالَ النَّاسُ هَنِيئًا لَهُ الْجَنَّةُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَلَّا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّ الشَّمْلَةَ الَّتِي أَخَذَهَا يَوْمَ خَيْبَرَ مِنْ الْمَغَانِمِ لَمْ تُصِبْهَا الْمَقَاسِمُ لَتَشْتَعِلُ عَلَيْهِ نَارًا "[13].


فهذا المال الذي أخذه بغير حقه وهو من أموال المسلمين كانت سببًا حاجزًا بينه وبين أن ينال أجر الشهادة في سبيل الله.
فالمال الحرام سبب للخزي في الدنيا والعذاب في القبر والنار في الآخرة.


واعلموا عباد الله أن العبد يسألُ مسألتين عن ماله، فلا يُسألُ فقط عن كسبه للمال أمنْ حلالٍ أمْ مِنْ حرامٍ، بل ويسأل أيضا عن انفاقه هذا المال أفي حلال أم في حرام، فحريٌّ بكل مسلم أن يجهر جوابا لهذين السؤالين.


عَنْ أَبِي بَرْزَةَ الأَسْلَمِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ القِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ، وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَ فَعَلَ، وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ، وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَ أَبْلَاهُ»[14].


فقد يسعى الإنسانُ لتحصيل المالِ من الحلال ويتحرَّى هذا الأمر بشدة، ولكنه يتهاون في انفاق ماله فينفقه في الحرام مما يـَضُرُّ جسدَه وقلْبَه.


وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم " إن الله كره لكم قيل وقال ، وكثرة السؤال، وإضاعة المال"[15].


فكما أنه لا يجوز كسبُ المال من الحرام والتعدي على أموال الناس بغير حقٍّ، أيضًا لا يجوز انفاقُ المال في الحرام، فكلاهما مذمومٌ، والعبد يسأل عن هذا وهذا.


وخِتامًا أيها المسلمون:
اعلموا أن السعادة الحقة ليست في جمع المال والتكالبِ على الدنيا، فالمال أو المتاع الدنيوي وإن أحدث قدرًا من اللذة إلا أنها لـذة يعقبها ألمٌ ولابد، إما ألم فواتها إن لم تحصل ، وإما ما يترتب عليها من العقوبة إن كانت ذنبًا، ، وإما ألم انقطاعها إن كانت حلالا.


أما السعادة الحقيقية فهي السعادة التي تبقى وهي تقوى الله عز وجل
لعمرك ما السعادةُ جمعَ مالٍ
ولكن التقيَّ هو السعيدُ

وتقوى الله خيرُ الزادِ ذخرًا
وعند الله للأتقى مزيدُ


نسأل الله عز وجل أن يجمعنا مع نبيه في جنته ومستقرِّ رحمته مع النبيين والصديقين والشهد والصالحين وحسن أولئك رفيقٍا.
وصلِّ اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلِّم.


[1] أخرجه مسلم (1015)، والترمذي (2989)، وقال الألباني: حديث حسن

[2] أخرجه البخاري (6436)، مسلم (1048).

[3] أخرجه النسائي (4466)، قال الألباني: صحيح

[4] أخرجه الحاكم في المستدرك (7068)، وابن حبان (5077)، والطبراني في الكبير (14202)

[5] البخاري (7174)

[6] أخرجه ابن حبان (1723)

[7] أخرجه مسلم (1828)، وابن حبان (553)

[8] أخرجه البخاري (6427)، ومسلم بنحوه (1052)

[9] البخاري ( 3073)، ومسلم (1831)، (لا ألفين) لا أجدن. (ثغاء) صوت الغنم. (حمحمة) صوت الفرس إذا طلب العلف. (لا أملك لك شيئا) من المغفرة لأن الشفاعة أمرها إلى الله تعالى. (رغاء) صوت البعير. (صامت) الذهب والفضة ونحوهما. (رقاع) جمع رقعة وهي الخرقة. (تخفق) تتحرك.

[10] مناقب عمر ص157

[11] انظر: سيرة عمر بن عبد العزيز ص188

[12] سبق تخريجه

[13] أخرجه البخاري (6707)، ومسلم (115)

[14] أخرجه الترمذي (2417)، والدارمي (554)

[15] أخرجه البخاري في صحيحه (2408)، ومسلم (593)، وأحمد (18179)

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 81.33 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 79.44 كيلو بايت... تم توفير 1.90 كيلو بايت...بمعدل (2.33%)]