الوارثون - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4413 - عددالزوار : 850961 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3944 - عددالزوار : 386958 )           »          شرح كتاب فضائل القرآن من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 10 - عددالزوار : 211 )           »          مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن" (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 117 - عددالزوار : 28455 )           »          مجالس تدبر القرآن ....(متجدد) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 175 - عددالزوار : 60074 )           »          خطورة الوسوسة.. وعلاجها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 42 )           »          إني مهاجرة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 38 )           »          الضوابط الشرعية لعمل المرأة في المجال الطبي.. والآمال المعقودة على ذلك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 47 )           »          السياسة الشرعية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 30 - عددالزوار : 847 )           »          صناعة الإعلام وصياغة الرأي العام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 39 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 21-01-2021, 05:05 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,617
الدولة : Egypt
افتراضي الوارثون

الوارثون


الشيخ حسين شعبان وهدان


الحَمْدُ لله، قدًّرَ أَرْزاقَ العِبادِ ووهبَهُم أخْلافَ العَطاءِ المَقْسُوم، وأَنْزلَ عليهم من الشَّرائِعِ والأحكامِ ما يُبَدِّدُ الغُيومَ عن الفُهومِ، نَحْمَدُهُ على بديعِ آلائِهِ ونشكرهُ على وَافِرِ نَعْمَائِهِ.

يا أخا الإسلام:
أيا من عاشَ في الدُّنْيا طَويلاً
وأَفْنَى العُمْرَ في قِيلٍ وقَالِ

وأتعبَ نَفْسَهُ فيما سَيَفْنَى
وَجَمَّعَ من حَرامٍ أَوْ حَلالِ

هَب الدُّنْيا تُقَادُ إِليْكَ عَفْواً
أَلَيْسَ مصيرُ ذلكَ لِلزَّوالِ؟


وأشهد أن لا إله إلا الله وحدهُ لا شريك له الملك الحق المبين، أحلَّ الحلالَ وبيَّنَ الشرائع وأغلق على عباده أبواب الحَيْفِ والمطامع. وأشهد أن سيدنا محمداً عبد الله ورسوله وصفيه من خلقه وحبيبه، أوفى البرية لله ديناً وأكثرهم بربه يقيناً.

اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:
فمن شأن الحياة الدنيا وهي دار الغرورِ أن تدفع عبيدها والغارقين في بحار عجائبها أن يُغيِّروا ويُبَدِّلوا في أحكام دينهم ويسيروا وفقَ الهوى الدافعِ إلى الاستحواذ الدائم على المال - عصب الحياة - من أي طريق!.

وهبْ أن أبناءها البارِّين بها قد أصبحوا أشباهَ قارونَ في الغِنى والثراء؛ أليس لهم موعدٌ مع مالك هذا المالِ الحقيقي؟ يسألهم فيه عن القليل والكثير؟ ﴿ أَلا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ * يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾؟ [المطففين 4: 6].

هذه بعض المعاني التي تجْتَاحُ عُقولَ أُولي النُّهَى حول كثيرٍ من الصور التي تختصرُ أَطْمَاعَ البشر، والذين قالوا بألسنتهم آمنا بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمدٍ صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً، لكنهم في أمورِ المال لا يَثْبُتُونَ على مبدأ ولا يستقرون على صراطٍ مُسْتقيمٍ، ولعلنا أصبحنا في هذا الزمان الذي قال عنه النبي الكريم صلى الله عليه وسلم: [ليَأتينَّ على الناسِ زمانٌ لا يُبالي المرءُ بما أخذَ المالَ أمن حلالٍ أم من حرامٍ] (صحيح البخاري 2083 عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه).

ويتجلى هذا المعنى في قضايا الميراث العالقة لدى المحاكم الشرعية في ربوع بلاد المسلمين، والتي لو التزم الوارثون فيها بتشريع القرآن والسنة كما يظهرون الالتزام الشكلي ببقية الفروض والسنن التعبدية لدينهم ما بقيت في محاكمنا الشرعية قضيةٌ واحدةٌ تبحث لها عن حلِّ وقد أرهقَ المجتمعُ فريقَ القضاءِ بقِمَمِهِ وسُفُوحِهِ.

ولنا في أطهر الأزمان خير العبر من زمان الخليفة الأول الصديق أبي بكر رضي الله عنه وقاضيه الفاروق عمر رضي الله عنه، [فعندما تولى أبو بكر الصديق رضي الله عنه الخلافة قام بتعيين عمر بن الخطاب قاضيًا على المدينة، فمكث عمر سنة لم يفتتح جلسة، ولم يختصم إليه اثنان، فطلب من أبي بكر إعفاءه من القضاء، فقال له أبو بكر: أمِن مشقة القضاء تطلب الإعفاء يا عمر؟

فقال عمر: لا يا خليفة رسول الله، ولكن لا حاجة لي عند قوم مؤمنين، عرف كل منهم ما له من حق فلم يطلب أكثر منه، وما عليه من واجبٍ فلم يُقصِّر في أدائه، أحب كل منهم لأخيه ما يحب لنفسه، إذا غاب أحدهم تفقدوه، وإذا مرض عادوه، وإذا افتقر أعانوه، وإذا احتاج ساعدوه، وإذا أصيب واسوه، دينهم النصيحة، وخلقهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ففيم يختصمون؟ ففيم يختصمون؟!] (مجدي الهلالي / هيا بنا نؤمن ساعة ص1 على المكتبة الشاملة)، فهذا يُعَلِّلُ الحالةَ الإيمانيَّةَ الصَّادِقةَ التي كان ينعم بها أهل ذياك الزمان العاطر، بينما يفسر هذه القتامةَ في الصور القائمة بين أركان كثير من المجتمعات المسلمة في الوقت الحاضر.

فريضةٌ إلهيةٌ:
وقد اهتم الإسلام كثيراً بالمواريث وبيَّنَ أصحابها من فروضٍ وعَصَبَاتٍ وحَجْبٍ ورَدٍّ وعول مع بيان أهل الحواشي والكلالة وغير ذلك، ولم يترك الامر هملا حتى نعلل هذه الحالات التي يترجمها الواقع من تغييرٍ وتبديلٍ وتعطيلٍ وتحايُلٍ ومُماطَلَةٍ وحِرْمَانٍ ونُقْصَانٍ.

ومن علوم أهل الفقه "باب الفرائض" الذي يُبينُ الحقوقَ وأهلها بتفصيل لم تَسْبِقْ إليه أُمةٌ ولا شرعٌ كما سبقت شريعة الإسلام الغراء، وهل هناك أجلى من قوله تعالى دَرْجَ الحديث عن المواريث: ﴿ ... فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ ﴾ [النساء من الآية: 11]، وقوله صلى الله عليه وسلم: [ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فهو لأولى رجلٍ ذَكَرٍ] (البخاري في الجامع الصحيح 6732 عن عبد الله بن عباس بسند صحيح)، فالأمرُ محض فريضةٍ من الله ورسولِه، ويحرم على كل مسلمٍ أن يُعَطِّلَ أو يجادلَ أو يُغيِّرَ، فالأمر في توزيع التركات لله تعالى وهو سبحانه المالك الحقيقي للمال بل للدنيا كلها.

وقامت قواعد التوريث على أُسسٍ رصينةٍ تراعى الفطرة وتوازن بين أهل الموروث من أصلابٍ وأرحامٍ ونسبٍ، قال الله تعالى: ﴿ وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ ﴾ [الأحزاب من الآية: 6]، مع مراعاة جملة التكليفات والغُرْمِ على عاتق الذكور، لهذا كان حظ الرجال ضعف حق النساء عند توزيع الفروض، قال الله تعالى ﴿ يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ﴾ [النساء: من الآية11].

وقد كثرت الشكوى من تَلَوِّنِ صُوَرِ أكلِ الأموال في الميراث والحيْفِ على حقوق من لا يجدون لهم ناصراً في دنيا الناس، وتنوعت طرق نهبه والدفع بالمهرة من المحامين والموظفين الذين يمتلكون أساليب الحواة والماكرين ويحولون الأمور إلى الوجهة التي يرومونها وإن خالفت الحق من كل طريق، قال الله تعالى ﴿ وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلاً لَّمّاً * وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبّاً جَمّاً ﴾ [الفجر: 19-20].

لقد زاد ناهبو المال جداً في المجتمع ووجدوا من ييسرُ لهم نهبه، ويُزَيِّنُ لهم سوء عملهم في مجالس الإفساد والضرار وتوزيع التركات على قوانين الهوى والمصلحة لدرجة أنهم يمتدحون أنفسهم في ذات الأمر ويزعمون أنهم من المنصفين!! ولا يرعوي أحدهم أن يحرم الإناث والمتعلمين وصغار السن أو يماطل، ويؤجل توزيع التركة حتى يتزوج الأعزب ويكمل المتعلم جامعته أو معهده!، وهذا كله من صور ضغط المجتمع وبأس العادات حتى غدت بعض هذه الصور من العُرف المنقول والمقبول بين الناس!.

ميراثان:
وفي الحياةِ ميراثُ مالٍ وميراثُ أخلاقٍ وطِباعٍ تنْتقِلُ من الآباء والأمهات إلى الأولاد والبنات، فيُحمَدون بهذا الميراث بين الناس إذا كانت من خير الصفات وكريمِ الشيم، كما وصف الله تعالى هذه الثلة المباركة بقوله: ﴿ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ * ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ [آل عمران: 33، 34]، فالصفات الكريمة ميراثُ الكرام من الآباء والأمهات، كما أن الوالدين يورثان الأبناء أيضا سخائمَ الصفات وردئ المعاني، ألم تر أن الرجلَ كان يوصي أولاده من قوم نوح عليه السلام وهو على فراش الموت بقوله ﴿ ..لاَ تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدّاً وَلاَ سُوَاعاً وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً * وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيراً وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلاَلاً ﴾ [نوح 23 - 24]، وعلى رأي من قال:
تلكَ العَصَا من هذهِ العُصَيَّة ♦♦♦ فهَلْ تَلِدُ الحَيَّةُ إِلّا الحَيَّة؟

ويموت الميتُ ويُحسَبُ في عداد الأموات لكنَّ وصاياه وتروكَهُ في الحياة لها أبلغ الأثر في آخرتِهِ، ولذلك قال الله تعالى ﴿ يُنَبَّأُ الْإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ ﴾ [القيامة 13]، وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [إن مما يلحق المؤمن من عمله وحسناته بعد موته علماً علمه ونشره، وولداً صالحا تركه، أو مصحفاً ورثه أو مسجداً بناه، أو بيتاً لابن السبيل بناه، أو نهراً أجراه، أو صدقةً أخرجها من ماله في صحته وحياته تلحقه من بعد موته] (المنذري في الترغيب 1/157 وإسناده حسن)، فمن الناس من يورث الخيراتِ والمسرَّاتِ لأهله وذويه ومنهم من يورث لهم المعرةَ والذكرَ الشائن عند الله والناس.

تنبيهاتٌ هامَّةٌ:
لذا؛ على الإخوة المسلمين أصحابَ الأملاكِ والأمْوال والعقارات والقصور والسيارات والأراضي الزراعية ومعهم الوارثون أن يأخذوا في الاعتبار ما يلي:
عدم كتابة التركة في الحياة:
وهذا أمرٌ قد عمت به البلوى وانتشر كأنه تشريعٌ ضروريٌ لدي كثيرٍ من الأسر، والتقليدُ آفةُ المجتمعات وكاد أن يهلكها، حيث ترى كثيراً من أصحاب الأموال يقسمون ما يملكون على أولادهم وهم أحياء، ويستندون في فعلهم على حججٍ واهيةٍ وتقاليدَ باليةٍ، ومهما كان لديهم من حجج فإنها لن تقوى إلى مرتبة القبول في ميزان الشرع، لأنَّ المال حينئذ لن يسمى ميراثاً وإنما سيطلق عليه اسمٌ آخر ربما هبةٌ أو عطيةٌ أو هديةٌ أو أي مسمىً آخر يتقارب معناها إلى غيره.

فإذا كانت عطيةً مهداةً بلا مقابل ففيها قول النبي صلى الله عليه وسلم: [سووا بين أولادكم في العطية فلو كنت مفضلاً أحداً لفضلت النساء] (ابن حجر العسقلاني في فتح الباري 5/ 253 والصنعاني في سبل السلام 3/140عن عبد الله بن عباس بإسناد حسن)، ومن المعلوم أن الميراث لا يقتضي المساواة في العطاء لاختلاف الأنصبة، فكل ما أعطاه الوالدان لأولادهم في حياتهم خارجٌ شرعاً وعُرْفاً صالحاً عن دائرة الميراث الصحيح.


ومن مَغَبَّاتِ هذا التصرف غالباً أنه يصيبُ قلوب بعض الوارثين بالقسوةِ على الآباء والأمهات، وربما أن هذا الوالد الذي قسَّمَ أمواله على أولاده يحتاجها بعد حينٍ في ابتلاء مرضٍ أو ضررٍ ناجمٍ من أيِّ طريق.. ماذا سيفعل ساعتها وقد مضى أبناؤه بما عَلُّوا من المال المأخوذ منه؟ وهل سيضمن مواقفهم وقت احتياجه؟ وربما أن الله تعالى يرزقه مولوداً جديداً في تسلسل أحداث مفاجئة ﴿ ..قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ.. [النمل 65]، لهذا؛ فمن الحكمة أن لا يتعجل أهل الأملاك توريث أبنائهم وبناتهم في حياتهم.


تحكيم المتخصصين في الميراث:
فلا يُسْتَفتى ولا يُسْتَدْعَى للبَتِّ في أمر الميراث إلا من كان له في العلم الشرعيِّ باعٌ يُمَكِّنُهُ من معرفه الأحكام وتوزيع الأنصبة وذلك في الجلسات العرفية التي يديرها البعض وخصوصاً في القرى، فقد عمت البلوى بمن يتولون تقسيم المواريث على أساسٍ "عرفي" بعيداً عن الهَدْي الشرعي المفروض من الله تعالى، واختلطت كثيرٌ من الحقوق المتداخلة بين الوارثين فأخذ أحدهم أكثر من حقه وحُرِمَ آخرون من حقوقهم، والسبب هو الجهل مع بعض الوجاهة الاجتماعية والأعراف الظالمة التي لا تجد في ذلك عوجاً، لذا يجب استبعاد الدخلاء في الإطار الشرعي ومراجعة العلماء.

الحذرُ من الإِبْطاءِ أو الاسْتِبْطَاءِ:
والإبطاء المنكور في أمر التوريث هو تأجيله سنين عدداً أو طويلةً جداً تعدل العشرات من السنين نظراً للمعايشة والاختلاط بين الإخوة أو الوارثين، وغالباً ما يتحكم في زمام الأمر شخصٌ واحد تكون له الهيبة وكلمته مسموعةٌ وقاضيةٌ على الجميع من إخوة وأخواتٍ، وربما يموت من له الحق في الميراث دون أن يعرف ميراثه أو يحصل عليه وهذه عاداتٌ واقعيةٌ في كثيرٍ من مناطق الريف التي للأعراف فيها صولاتٌ لا يستطيع الجميع مجابهتها، وفي بعض الأحيان تنجم البلوى من طول المدة بين موت الموروث من الناس وبين بداية عملية التوريث التي لا تبدأ غالباً إلا في الجيل الثاني أو الثالث، وكم عانت أسرٌ من هذا التباطؤ الذي يسمم العلاقة بين أولاد العمومة أو الخئولة بحيث يخطط النشء الصغير ويطمع كل فردٍ في الاستحواذ على مغنمٍ معين من الميراث وبذا تتقابل أحلامهم وتتواجه مطامعهم نتيجة لطول مدة الأحلام والأماني، أما لو عرف كل فردٍ حقه مع الإجراءات الأولى في المحاكم الشرعية التي تقيد لكل ذي حقٍ حقه فذلك أقوم السبل وأكثرها هدياً.

والمفترض شرعاً أن يبدأ التوريث - إذا لم يكن هناك مانعٌ شرعيٌ مؤقت - إثر الوفاة للميت بعد القيام بحقوقه، مع تنفيذ وصيته واستخراج ديونه المالية أو ضمانها من الوارثين له ضماناً لأصحابها، لأن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم يقول: [نفس المؤمن مُعَلّقة بدَيْنِه حتى يُقْضى عنه] (سنن الترمذي 1079 وقال: حديثٌ حسنٌ عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه)، وعن أسماء بنت يزيدٍ رضي الله تعالى عنها قالت: [دُعِيَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إلى جنازةِ رجلٍ من الأنصارِ فلما وُضِعَ السريرُ تقدَّمَ نبيُّ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لِيُصَلِّيَ عليه ثم التفَتَ فقال على صاحبِكم دَيْنٌ قالوا نعم يا رسولَ اللهِ دينارانِ قال صلُّوا على صاحبِكم فقال أبو قتادةَ أنا بِدَيْنِهِ يا نَبِيَّ اللهِ فصلَّى عليه] (الهيثمي في مجمع الزوائد 3 /43 وقال: رجاله ثقاتٌ).

وبعد استخراج دين المتوفى يجب أن تبدأ عملية التوريث ليعرف كل وارثٍ حقه وصفته وعدده.
وأما الاستبطاء فهو التعجل بالتوريث لأبنائه وهو على قيد الحياة كما سبق.
والظن الأكبر أن أعقد مشاكل الورثة تدور بين هاتين الكلمتين؛ الإبطاء والاستبطاء.

مراجعةُ وإنذارُ أهلِ الضِّرارِ في الوصية أو التوريث:
حيث يدأب الكثير من الآباء والأمهات بتخصيص جزءٍ كبيرٍ من أموالهم وممتلكاتهم لأحد أبنائهم أو بناتهم لاعتبارات دنيويةٍ محضةٍ إما على جهة الإكرام والحفاوة والميل بالهوى أو على جهة المضايقة والنكاية والانتقام من الباقين المحرومين، ويدخلون تبعاً لذلك في سراديب ملتوية من الإجراءات المنكرة كبيع الهبة لأحد الوُرَّاث أو الوصية بعد الوفاة بحيث يتفاجأ بقية الورثة بذهاب التركة كلها لشخصٍ واحدٍ أو شخصين!

وقد تناسى الجميع أن أمر الميراث كله فريضة من الله تعالى ولا يجوز للبشر فيها هذا التدخل بالزيادة أو النقصان، وهناك أشخاصٌ قد بلغوا من التقوى والصلاح شاناً كبيراً مع الله تعالى وقد اقتربت أقدامهم من قبورهم لكن بلواهم تكمن في هذه الصور السلبية الواقعية والتي لا يخطؤها الواقع، ويشهد على ذلك رجالٌ لهم بين الناس شأنٌ وحسن تدين ورجاحة عقلٍ على سبيل المجاملة أو الشعور بالاهتمام وهذه شهادةٌ تَجُرُّ الخرابَ للمانح والشاهد والآخذ على السواء، ثم إنه ليس ميراثاً من المال الطيب الصالح على الحقيقة وإنما هو ميراثٌ من النكد والبغض والحسد الدائم المتوارث بعد ذلك للأجيال.

وقد رأينا بأمِّ أعيننا قصصاً يسطرها الواقع عَمَّنْ أقام مراسيم الغنى والفقر على أولاده وبناته فأعطى وحرم، وبعد سنوات من وفاته فإذا الأحوال تتقلب بالأغنياء ليتكففوا الناس وإذا بالمحرومين من الميراث قد أغناهم الغني الحميد الذي يفعل ما يريد!.

قال النبي الكريم صلى الله عليه وسلم: [إنَّ اللَّهَ حرَّمَ عليكم عقوقَ الأمَّهاتِ، ومنعًا وَهاتِ، ووأدَ البناتِ وَكرِه لَكم: قيلَ وقالَ، وَكثرةَ السُّؤالِ، وإضاعةَ المالِ] (صحيح البخاري 5975 عن المغيرة بن شعبة رضي الله تعالى عنه)، ومعنى "منعا وهات": مَنْعُ ما شرَعَ اللهُ إعطاءَه، وطلبُ ما شرَع َاللهُ مَنْعَه.

فمن أمانة الكلام الواجبة عبر هذا اللقاء على الذين يطلب منهم أصدقاؤهم وجيرانهم وزملاؤهم أن يشهدوا بالتوقيع على هذه الظلمات والغوايات الاجتماعية أن يخيفوهم في الله تعالى ويراجعوهم حينما يمنحون بعضاً ويحرمون الباقين بأن يتقوا الله تعالى في أولادهم وخصوصاً البنات، فعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول على المنبر: [أُحرِّجُ مالَ الضَّعيفَيْنِ: اليتيمِ والمرأةِ] (صحيح ابن حبان 5565)، فإذا تم الإقناع فذلك عين الحكمة والتعقل وإذا لم يقتنعوا فقد تمت إقامة الحجة عليهم، وعلى هؤلاء الأصدقاء أو الأقارب عدم الإذعان لرغباتهم في العطاء والمنع بناء على هوى النفس، بل يجب اجتناب الحوار معهم مطلقاً في إباحة هذا التصرف.

وفي الختام:
كلُّ ميراثٍ في الدنيا يسير إلى الفناء والزوال في النهاية والدنيا كلها تمضي إلى خراب الدهر العامر بالإنسان والمزارع والبنيان، والله عز وجل هو الذي سيرث الأرض وما عليها ولن يبقى فيها آدميٌّ واحدٌ: ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ [مريم: 40].


وإن أعظم وأكرم وراثةٍ في الدنيا هي الأدب والعلم والأخلاق وصالح الأعمال، كما طلبها سيدنا زكريا عليه السلام من ربه حين قال: ﴿ فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا * يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آَلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا ﴾ [مريم 5: 6].


وإن أعظم الوراثة على الإطلاق في الدنيا والآخرة هي الفردوس الخالدة أعلى مراتب الجنة والتي قال الله تعالى فيها: ﴿ أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ [المؤمنون 10: 11]، وقال النبي الكريم صلى الله عليه وسلم: [ما مِنكم من أحدٍ إلا وله منزلانِ منزلٌ في الجنةِ ومنزلٌ في النارِ، فإذا ماتَ فدخلَ النارَ ورثَ أهلُ الجنةِ منزلَهُ، فذلك قولُهُ تعالى: ﴿ أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ ﴾ [المؤمنون: 10، 11] (السيوطي في البدور السافرة 469 وقال: إسناده صحيحٌ عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه)، وقال الله تعالى: ﴿ تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا ﴾ [مريم: 63]، وحينما يحطون رحالهم في الجنة بإذن الملك الرحمن الرحيم فإنهم سيحمدون الله تعالى على أعظم ميراثٍ في الدنيا والآخرة، قال الله تعالى: ﴿ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [الأعراف من الآية 43].


فلنحذر الغلواء والفتن وإشهار أسلحة الانتقام من الأبناء والإخوة والأخوات في أمور المواريث، ولنترك هذا الأمر لأهله، مادامت فينا المحاريب والمنابر والمآذن والمنائر ناصبةً وجهها لله فهي دلالةٌ على وجود أهل الشريعة وأحكامها الذين ظلوا يدرسون سنين عدداً في مجامعهم العلمية للفصل بين أهل الميراث حين الحاجة ولحفظ الناس من ريْب الفتن ومغبة التصرف الذي يستدعي النقم وسوء المنقلب.


وما أجمل زراعة الألفة والمحبة بين أهل القربى والأرحام بدلاً من هذا الواقع المزدحم بالخصام وعدم الوئام.
نسأل الله تعالى أن يلزم قلوبنا التقوى والمحبة للمؤمنين، وأن يجعلنا من ورثة جنات الخلود إنه هو الغفور الودود.
والحمد لله في المبدأ والمنتهى.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 73.83 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 71.90 كيلو بايت... تم توفير 1.93 كيلو بايت...بمعدل (2.62%)]