في الحث على التمسك بكتاب الله
والحذر من عواقب الذنوب
الحمدُ لله نحمَدُه، ونستَعِينه ونستَهدِيه، ونستَغفِره ونتوبُ إليه، ونعوذُ بالله من شرور أنفُسِنا وسيِّئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضلَّ له، ومَن يُضلِل فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله، حذّر أمَّته من التفرُّق والاختلاف، وأمَرَها بالتعاون والائتلاف، صلَّى الله عليه وعلى آله وصَحابته المتعاونين على البر والتقوى، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.أمَّا بعدُ:فيا عباد الله، اتَّقوا الله - تعالى - وتفقَّدوا أحوالكم، فقد أُصِيبَ المسلمون بنكباتٍ، وأُذِلُّوا واستُهِين بهم، إنَّ استيلاء اليهود على القدس ثالث الحرمين، وتشريد الفلسطينيين من أوطانهم، وتدميرهم للبنان - لَمِن أكبر الشواهد لما وصَل إليه المسلمون من ذلَّة وانحِطاط، ما ذاك إلا بسبب بُعدهم عن تعاليم ربهم وهدي نبيهم، وإلا فكيف تصل شِرذِمة من اليهود الذين ضُرِبتْ عيهم الذلَّة إلى ما وصَلتْ إليه من التجبُّر والغطرسة والتِّحدِّي والاستِهزاء، شِرذِمة قليلة تتحدَّى مِئات الملايين من المسلمين، ومَن يدعون الإسلام ولكنَّهم كما أخبر الرسول - صلوات الله وسلامه عليه -: ((غثاء كغثاء السيل)).نُزِعت المهابة من قُلوب عدوِّهم، لقد تفرَّق المسلمون وخُصوصًا العرب إلى دُوَيلات وأحزابٍ، وتعدَّدت مذاهبهم وتنوَّعت دَعواتهم، لقد خدَعَهم أعداؤهم وفرَّقوا جمعهم، وأصبح كلُّ فريقٍ يدعو إلى حِزب ومذهب، فدُعاة قوميَّة، ودعاة اشتراكيَّة، بل دعاة على أبواب جهنَّم، إنَّ المسلمين اليوم في حاجةٍ إلى الرجوع إلى ربهم والتمسُّك بتعاليم دِينهم والاجتماع على العقيدة الصحيحة السليمة من الشوائب.فلا قوميَّة ولا وطنيَّة، ولا شيوعيَّة ولا اشتراكيَّة، وإنَّما الإسلام ولا شيء غير الإسلام، إنَّه لا مُنقِذ للبشريَّة من وَيْلاتها ولا مخلِّص لها من تعقيداتها إلا الإسلام وتعاليمه السمحة.إنَّ حاجة البشر إلى الإسلام وعقيدته الصافية أشدُّ من حاجتهم إلى الشراب والطعام، وإنَّ التجارب التي مرَّت على الشُّعوب والمجتمعات لتَدعُوها إلى البحث عن مُنقذٍ لها ممَّا تُعانِيه، ولا مُنقِذ لها إلا الإسلام.وإنَّ الكثير من رُؤَساء الدول المبتعِدين عن الدِّين وتعاليمه لَيظنُّون أنَّ في بُعد شعوبهم عن الدِّين محافظة على رئاساتهم وكراسي مُلكهم، ولم يعرفوا أنَّ المحافظة على ملكهم في التمسُّك بالدِّين وتعاليمه، المنظم لعلاقات الشعوب بولاتهم، والمحافِظ على حقوق الشعوب والولاة، والداعي إلى عيش الجميع في سلام ووئام، ومناصحة وصدق وإخلاص كأُسرةٍ واحدة؛ يتفقَّد ربها أفراد أسرته، ويتعاون أفرادها مع رئيسها كحزمة الرماح المجتمعة فلا تتكسَّر مجتمعةً.فما أحلى ترابُط الشعوب مع ولاتها على تعاليم ربها، وما أعزَّها أمام أعدائها، فشتَّان بين ما يُرِيده الخدَّاعون والمكَّارون لشُعوبهم وبين ما يريده الإسلام للشعوب وولاتهم؛ يقول - سبحانه وتعالى -: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ﴾ [النساء: 59].ويقول - سبحانه وتعالى -: ﴿ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ﴾ [آل عمران: 103].ويقول - جلَّ وعلا -: ﴿ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ﴾ [الأنفال: 46].فما أحلى تعاليم ربِّنا لو تمسَّك بها المسلمون حقيقةً؛ ولاةً وشعوبًا، حكامًا ومحكومين، إنَّ أعداء الإسلام لم يطمَعُوا في المسلمين إلا حِين تفكَّك المسلمون وتفرَّقوا شِيَعًا وأحزابًا، وأصبح كلُّ حِزب يدعو لحِزبه الباطل ويُكافِح ويُناضِل من أجله ويدسُّ الدسائس للآخَرين، خُصوصًا المتمسِّكين بعقيدة الإسلام، ويخدم بذلك أعداء العقيدة والإسلام؛ لقد انخَدَع المسلمون بأعدائهم وأصبحوا يطلُبون النصر والإنصاف من قبلهم وعن طريقهم، ولم يتذكَّروا أنَّ الكُفر ملَّة واحدة.فيا عباد الله:إنَّنا في حاجةٍ إلى الانتباه والاتِّعاظ، ولعلَّ من أقرب المواعظ ما حصل للبنان في الآوِنة الأخيرة، بينما كانت مضرب المثل في الاستقرار ومقصد الفسَّاق؛ لإشباع رغباتهم الحيوانية، وقضاء الأوقات في اللهو أو المتعة الزائلة، إذا بها تُحرَق بالمدافع والقنابل، ويُشتَّت مَن سلم من النساء والأطفال من قِبَل الصِّهيَوْنيَّة الحاقدة على البشريَّة، ومع هذا كأنَّ شيئًا لم يكن، فلا بُدَّ من اليقَظَة والانتباه ومُحارَبة أسباب العُقوبات والإقلاع عن الذنوب والمعاصي والتآمُر بالمعروف والنهي عن المنكر قبل أنْ يحلَّ بنا ما حلَّ بغيرنا، فقد أحاطَتْ بنا الشرور وصوبت لنا الأنظار، وظهَر الحاسدون والحاقدون.إنَّ بلادنا محسودةٌ على ما هي فيه من نعمة الإسلام، وتحكيم كتاب الله وسنَّة رسوله، اللذَيْن ضمنَا للبشريَّة سَعادة الدارين، وإنَّ ما نحن فيه من نعمة أمن واطمِئنان ورغد عيش وغير ذلك من النعيم يحتاج إلى شُكرٍ عملي وصدقٍ وإخلاص كما أنَّنا في حاجةٍ إلى التعاون مع ولاة أمورنا فيما يرضي ربنا ويحزن ويسخط عدوَّنا، إنَّنا بالتعاون والتناصُح والصدق والإخلاص نكون حِصنًا منيعًا أمام أعدائنا.فانتَبِهوا - يا عباد الله - لأنفُسِكم، وتسلَّحوا بسلاح الإيمان، وتخلَّقوا بأخلاق الإسلام، وابتَعِدوا عمَّا يُوجِب المقت والخذلان، واتَّعِظوا بغيركم؛ فالسعيد مَن وُعِظَ بغيره، اللهمَّ إنَّا نسألك الثَّبات على دِينك، والاستِعداد لأعدائك وإصلاح البواطن والظواهر والابتعاد عمَّا يسخطك.اللهم حبِّب إلينا الإيمانَ وزيِّنه في قُلوبنا، وكرِّه إلينا الكُفر والفُسوق والعِصيان واجعَلْنا من الراشدين.أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا * وَأَنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا ﴾ [الإسراء: 9-10].بارَك الله لي ولكم في القُرآن العظيم، ونفعَني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، وتابَ عليَّ وعليكم إنَّه هو التوَّاب الرحيم.أقول قولي هذا وأستغفِر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كلِّ ذنب، فاستغفِروه إنَّه هو الغفور الرحيم.واعلَمُوا أنَّ أعداء الإسلام ساعُون في إطفاء نور الله، وإذلال المسلمين، وقمع شوكتهم، ومحاربة دعوتهم، يُنفِقون في ذلك النَّفس والنَّفِيس، وهم على باطِلهم يقتلون البشر، ويهلكون الحرث والنسل، ويُفسدون في الأرض، وقد راجَ باطلهم على ضُعَفاء العقول والإرادات، فقد تعدَّد دُعاة الضلال والكفر والإلحاد وأصبح لهم أحزاب يُصفِّقون خلفَهم ويتَّبعون ناعِقَهم إنْ هم إلا كالأنعام بل هم أضل.والله - سبحانه وتعالى - ناصِرٌ دينَه ومعلٍ كلمتَه ولو كره المشركون، ولكنَّه يبتَلِي عباده ليظهر الصادق في إيمانه، والمخلص في دعوته.فتمسَّكوا - يا عباد الله - بكتاب ربِّكم وسنَّة نبيِّكم، عضُّوا عليها بالنواجذ؛ فإنَّ السلامة والنجاة في ذلك، وإيَّاكم ومُحدَثات الأمور؛ فإنَّ كلَّ بدعة ضلالة؛ يقول، -صلى الله عليه وسلم-: ((تركتُكم على المحجَّة البيضاءِ ليلُها كنهارِها لا يزيغُ عنها إلا هالكٌ)).فاحذَرُوا باطلَ الأعمال وزخارفَ الأقوال، فإنها تَذُوب وتضمحلُّ أمام الحقِّ.