التحليل اللساني للخطاب الشعري: قصيدة دعيني وقولي للشنفرى نموذجا - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         معارج البيان القرآني ـــــــــــــ متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 10 - عددالزوار : 7826 )           »          انشودة يا أهل غزة كبروا لفريق الوعد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 52 )           »          حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4421 - عددالزوار : 859506 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3953 - عددالزوار : 393874 )           »          متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 12535 - عددالزوار : 215993 )           »          مشكلات أخي المصاب بالفصام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 83 )           »          المكملات الغذائية وإبر العضلات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 62 )           »          أنا متعلق بشخص خارج إرادتي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 62 )           »          مشكلة كثرة الخوف من الموت والتفكير به (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 63 )           »          أعاني من الاكتئاب والقلق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 61 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العلمي والثقافي واللغات > ملتقى الشعر والخواطر
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الشعر والخواطر كل ما يخص الشعر والشعراء والابداع واحساس الكلمة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 31-10-2022, 04:17 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,062
الدولة : Egypt
افتراضي التحليل اللساني للخطاب الشعري: قصيدة دعيني وقولي للشنفرى نموذجا

التحليل اللساني للخطاب الشعري: قصيدة دعيني وقولي للشنفرى نموذجا


إبراهيم مهديوي




دعيني وقولي
1- دَعِيني وقُولي بَعْدُ مَا شِئْتِ إِنَّنِي
سَيُغْدَى بِنَعْشي مَرَّةً فأُغَيَّبُ

2- خَرَجْنا فَلَمْ نَعْهَدْ وقَلَّتْ وَصاتُنا
ثَمَانِيَةٌ ما بعدَها مُتَعَتَّبُ

3- سَراحينُ فِتيانٍ كأنَّ وُجوهَهُمْ
مصابيحُ أو لونٌ من الماء مُذْهَبُ

4- نمُرُّ بِرَهْوِ الماء صَفْحاً وقد طوتْ
ثمائلُنا والزَّادُ ظَنٌّ مُغيَّبُ

5- ثلاثاً على الأقدام حتى سَمَا بِنَا
على العَوْص شَعْشَاعٌ من القوم مِحْرَبُ

6- فَثَاروا إلينا في السَّواد فَهَجْهَجُوا
وَصَوَّتَ فِينَا بالصّباح المُثَوِّبُ

7- فشنَّ عليهمْ هزَّةَ السّيف ثابِتٌ
وصَمَّمَ فِيهِمْ بالحُسَامِ المُسَيَّبُ

8- وظلْتُ بفتيانٍ مَعِي أَتَّقِيهُمُ
بهِنَّ قليلاً ساعةً ثُمَّ خُيِّبُوا

9- وقد خَرَّ منهم راجلانِ وفارسٌ
كَمِيٌّ صَرَعْنَاهُ وَخُومٌ مُسَلَّبُ

10- يشُنُّ إليه كلُّ رِيْعٍ وقَلْعةٍ
ثمانيةٌ وَالقومُ رِجْلٌ وَمِقْنَبُ

11- فلمَّا رآنا قُوْمُنَا قِيلَ أَفْلِحُوا
فَقُلْنا اسْأَلُوا عن قائلٍ لا يُكَذَّبُ


تمهيد:
نسعى في هذا التحليل البنيوي، لقصيدة "دعيني وقولي" للصعلوك الشنفرى، إلى الكشف عن قدرة التحليل اللساني على دراسة وتحليل الخطاب الشعري. وسنتخذ من مختلف مستويات الدرس اللساني إواليات وأدوات اشتغال: المستوى الأصواتي، والمستوى الصواتي، والمستوى الصرفي، والمستوى المعجمي، والمستوى التركيبي، ثم المستوى الدلالي. وعليه، كيف يمكن الاستناد إلى المعارف اللغوية/ اللسانية في تحليل الخطاب الشعري والوقوف عند خصائصه؟ أو بعبارة أوضح؛ كيف يمكن تحليل قصيدة "دعيني وقولي" صوتياً وصرفياً ومعجمياً وتركيبياً ودلالياً؟

1- القراءة التحليلية للقصيدة:
إن غرضنا من هذه الدراسة التحليلية للقصيدة، هو إبراز ما للآليات اللسانية من قدرة على تحليل الخطاب الشعري. وسيكون أساسنا في هذه العملية، مختلف مستويات الدرس اللساني العام: أصواتا، وصرفا، وتركيبا، ومعجما، ودلالة. وسنجعل من المستويين الأصواتي والصواتي منطلقا لذلك.

1- المستوى الصواتي الأصواتي:
بقراءتنا لقصيدة الشنفرى المُعَنْوَنة بـِ "دعيني وقولي"، يمكن الوقوف عند الجانب الأصواتي لها من خلال حضور الأصوات التالية:
1.1. الأصوات الشديدة: وذلك نحو:
أولاً: صوت الدال: إن صوت الدال صوت يتسم بخِصِّيصَة (+مجهور، +شديد)، وقد لجأ الشاعر إلى استعماله في مطلع قصيدته (دعيني وقولي)، وهو عنوان القصيدة أيضا، إنما ليؤكد شدته وقوته في مواجهة الأعداء، لأن المقام لم يعد يسمح بالتراجع إلى الوراء أو التردد، أو التساهل.

ثانياً: صوت الباء: يتميز هذا الصوت بسمات (+مجهور، +شديد، +شفوي)؛ وهذه الصفات إنما تعكس صفات شخصية البطل: القوي، والشجاع، والصارم، والصعلوك. لكن، ما نلحظه هو هيمنة صوت الباء مقارنة بباقي الأصوات الشفوية الأخرى (الميم في: مصابيح، الماء، إلخ)، و(الواو في: وجوه، قوم، لون، إلخ)، بل الأكثر من ذلك حين جعل الباء المضمومة رَوِيَّا للقصيدة في نحو: (فأغيّبُ) و(مُتَعَتَّبُ)، وهلما جرا. وإن استعمال الشاعر الصعلوك لمثل هذه الأصوات خاصة الشفوية، إنما هو دليل على وجوده القوي، ورغبته في فرض صوته، باعتباره ذلك الشخص الشهم، والشديد، والبطل، إلخ، وكلها صفات يتحلى بها الصعاليك كافة.

1.2. الأصوات الصفيرية:
تتلخص هذه الأصوات في أصوات: الصاد والزاي والسين. إنها أصوات ذات طبيعة غنائية، ومن سماتها (+صفيري، +منفتح، +استفالي). إن توظيفه لمثل هذه الأصوات ذات الطبيعة الغنائية؛ إنما ليعطي لقصيدته سمة موسيقية، وجرسا رنَّانًا في أذن السامع. ونذكر من نماذجها في القصيدة، على سبيل الذكر لا الحصر، ما يلي: السين في (سراحين) و(السّواد)، والزاي في (الزّاد)، والصاد في (وَصَاتُنا) و(صَوَّتَ)، وغيرها من النماذج.

1.3. الأصوات المهموسة:
ما يمكن أن نلاحظه من خلال قراءتنا للقصيدة هو أن الشاعر عَمَدَ إلى استعمال الأصوات المهموسة كلما وصَف أو ذكر العدو (قوم خثعم)، وذلك من قبيل: الثاء (+مهموس، +رخو) في (فَثَارُوا)، والهاء (+مهموس، +رخو) في (فَهَجْهَجُوا)، والتاء (+مهموس، +شديد) في (قلّتْ)؛ للدلالة على الوقف والهمس، وضعف العدو كذلك. إن الأصوات المهموسة دالة على الضّعف والتردد والخوف، لذلك سعى الصعلوك إلى استعمالها كلما ذكر الخصم (قوم خثعم)، في مقابل استعماله لأصوات شديدة ومهجورة للدلالة على قوته، وشدة إخوانه الصعاليك.

على كل، كان هدفنا في هذا المحور هو الوقوف عند القيمة التعبيرية للصوت ومدى اتفاقه مع الجرس الموسيقي للقصيدة، والدلالات التي أراد لها الشاعر أن تَبْرُزَ. إن الأصوات داخل السياق الصوتي للقصيدة بمثابة أفعال تؤدي معنى. ومن هنا يتعين علينا مراعاة الدلالة الفنية لكل صوت على حدة، إذ لا بد من معرفة طاقة كل صوت وإيحاءاته التعبيرية.

أما بخصوص المستوى الصواتي، فإنه يمكن للمعنى داخل القصيدة أن يُؤدَّى صواتيا من خلال بعض الظواهر الموسيقية المصاحبة للغة في إطار ما يصطلح عليه بِـ: التطريزات، وهو مجال الدراسات الصواتية الحديثة، خاصة ما اتصل بالنبر والتنغيم. هذان العنصران اللذان لهما مكانة مهمة في تقطيع الكلام وفهمه في اللغتين الفرنسية والإنجليزية. ويظهر هذا النوع من الظواهر الصواتية في أثناء أداء الجمل الاستفهامية والتعجبية والندائية في اللغة العربية، التي تتطلب مقامات صوتية معينة لا يتحصل الفهم لدى المتلقي إلا بحضورها وحسن احترامها في الكلام.

وبهذا، يتبيّن لنا أن الدرس اللساني، في جانبه الصواتي الأصواتي، له الإمكانية على تحليل الخطاب الأدبي، الشعري نموذجا، وهو ما لاحظناه. لكن، ماذا عن باقي المستويات؟ ولنجعل المحور الثاني مقصورا على تناول المستوى الصرافي ودروه في تحليل الخطاب الشعري.

2- المستوى الصرفي:
لا مِراءَ في أن علم الصرف يُعنى بدراسة بنية الكلمات وأحوال هيئاتها من اسم متمكن وفعل متصرف، وقولنا كذلك يعني أنه لا يدرس الاسم المبني ولا الفعل الجامد. وسنحاول في دراستنا هذه، أن نلامس بعض الصيغ الصرفية المهيمنة، ودلالاتها المختلفة في علاقتها بمضمون القصيدة.
يتبع


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 31-10-2022, 04:19 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,062
الدولة : Egypt
افتراضي رد: التحليل اللساني للخطاب الشعري: قصيدة دعيني وقولي للشنفرى نموذجا

التحليل اللساني للخطاب الشعري: قصيدة دعيني وقولي للشنفرى نموذجا


إبراهيم مهديوي





1.2. الصيغ الصرفية للأفعال:
باستقرائنا للقصيدة، نلاحظ أنها تزخر بِرُزْمة من الأفعال الماضية ذات الصيغة الصرفية (فَعَلَ)، ونقدم نماذج لها من قبيل: (خَرَجْنَا، قلَّتْ، شَنَّ، ثارُوا، إلخ). إن لهذه الصيغة دلالة تتجسد في الثبات واللزوم والأصل، لذلك كان الأصل في الأفعال البناء. علاوة على ذلك، فإن للفعل الماضي إحالة على زمن قبل زمن التكلم، والارتباط بالماضي والذاكرة أيضا، وهي من سمات العرب القدامى.

كما نجد صيغا أخرى للأفعال نحو صيغة (فَعَّلَ) نحو (صَمَّمَ) و(صوَّتَ) و(غَيَّبَ) و(كذَّبَ) و(أفلحَ)، فهذه الصيغ الرباعية المزيدة، بحرف الألف أو التضعيف، دالة على التعدية والمبالغة والتكثير؛ ويعود سبب توظيفها من قِبَلِ الصعلوك إلى رغبته في إضفاء قوة وصرامة على الأحداث المرافقة لهذه الأفعال.

2.2. اسما الفاعل والمفعول:
تغلب على القصيدة صيغة اسم المفعول المشتقة من الفعل الرباعي نحو (مُتَعَتَّب، مُذْهَب، مُغَيَّب، مُسَيَّب، مُسَلَّب، إلخ)، بل الأكثر من ذلك يكاد اسم المفعول يرد في كل بيت بيت. إنها صيغ دالة على وصف من وقع عليه الفعل، بمعنى أنها صيغ تجاوزت تحديد من وقع عليه الفعل إلى ذكر أوصافه أيضا. وقد لجأ الشاعر إلى استعمالها كألفاظ واصفة للعدو، في وصفه للمعركة التي خاضها الصعاليك دفاعا عن كرامتهم التي كادت أن تُسلب.

يضاف إلى ذلك، ورود صيغة اسم الفاعل نحو (ثابتٌ، فارسٌ، قائل، إلخ)، وهي صيغ دالة على وصف من قام بالفعل. وبالعودة إلى القصيدة، نجد أن الشاعر استعمل صيغة اسم الفاعل للدلالة عليه هو كفارس تارة، وتأبط شرّا تارة أخرى. إنها صيغة ارتبطت أكثر بقوم الصعاليك، وَصْفاً لأفعالهم الشديدة، وقيمهم الشُّجاعة.

كما وظّف الشاعر صيغا لجمع التكسير الدالة على الكثرة نحو (فِعْلان) في (فِتْيان)، و(فعائل) في (ثمائل)، و(فعاليل) في (مصابيح) و(سراحين)، إلخ. إنها صيغ لجمع الكثرة في اللغة العربية تدل على عدد يزيد عن ثلاثة ويتجاوز عشرة. إنها دلالة على لهيب المعركة، وقوة التضارب والمصارعة.

2.3. دراسة المورفيمات في القصيدة:
بالرجوع إلى المورفيمات في اللغة العربية، كوحدات دالة في ذاتها تسهم في تجزيء الكلمات، فإننا نلحظ غِنَى القصيدة بها، ويمكن أن نمثل لذلك على سبيل المثال لا الحصر بما يلي:
المورفيمات الداخلة على الأفعال: ونذكر منها: النون في (خرجنا) كمورفيم دال على الشاعر وأصدقائه الصعاليك، والياء في (دعيني وقولي) العائدة على الشاعر كمفعول به، والواو في (خُيِّبوا) كفاعل، والتاء في (ظِلْتُ، شِئْتِ)، والسين والياء في (سَيُغْدى)؛ فالسين مورفيم دال على المستقبل كحرف للتنفيس، والياء مورفيم دال على المضارعة، إلخ.
مورفيم التعريف أل: الماء، الزَّاد، السواد، الأقدام، الصّباح، وهلما جرا.
حروف الجر: من، الباء، على، إلخ.
تنوين الرفع في (ثمانيةٌ، ثابتٌ، فارسٌ) والجر في (فِتيانٍ) والنصب في (صَفحاً)، إلخ.
مورفيم المثنى: (رَاجِلان/ انِ).
الضمير "هم" الدال على المفعولية: (أتَّقيهم).
مورفيمات معجمية: حسامْ، رِجْلْ، إلخ.
مورفيم النوع الكلامي: مورفيم دال على الفِعلية نحو (شنّ، خَرَّ، إلخ)، ومروفيم دال الاِسمية من قبيل: مصابيح، قلعة، وهلم جرا.
مورفيم الإعراب: ويمكن أن نمثل لذلك بمورفيم الرفع في (الزَّادُ)، ومورفيم النصب في (هَزَّةَ)، ومورفيم الجر نحو (الحُسَامِ).
مورفيم الزمن: الماضي نحو (شَنَّ، صمَّمَ، إلخ)، والحاضر نحو (يُغدى، نمُرّ، إلخ)، والأمر مثل (اسألوا).
مورفيم اشتقاقي: نحو اسم الفاعل (قائل، فارس)، واسم المفعول من قبيل: المُسَيَّب، مُغَيَّب، وما في صيغتِهما.

إن التحليل الصرفي للغة العربية واعتماده في تحليل الخطاب الشعري، لهو كفيل بتحديد دلالات مهمة وتقديم تفسيرات عديدة، ولعل من صمنها دلالات صيغ الأفعال، والمشتقات، وبعض اللواصق (مورفيمات) التي هي عبارة عن لواحق أو سوابق، وغيرها مما يمكن أن يدرج ضمن اهتمام المجال الصرفي. وعليه، يكون قد اتضح أن للمستوى الصرفي، هو الآخر، دور مهم في تبيان خصائص النص الشعري، والكشف عن إيحاءاته المتعددة. لكن، ماذا عن المستوى المعجمي؟

3- المستوى المعجمي:
يُعنى المستوى المعجمي بدراسة الألفاظ المستعملة في القصيدة، ومختلف الكلمات المهيمنة على لغة القصيدة. وباستقرائنا للنص الشعري، يتبين لنا أن الألفاظ السائدة والمسيطرة في النص يمكن توزيعها إلى حقلين دلاليين مهمين، وهما كالتالي:
أولا: حقل الشجاعة: ويضم الألفاظ والتعابير التالية: مِحْرَبُ، ثابتٌ، صَمَّمَ فيهم، كَمِيٌّ، وما شاكلها.

ثانيا: حقل الحرب والاقتتال والموت: ويحوي الكلمات التالية: بِنَعْشِي، السّواد، هَجْهَجُوا، شَنَّ، هزة السيف، الحُسام، القومُ رِجْلٌ ومِنْقَبُ، وغيرها من الألفاظ.

إن العلاقة بين الحقلين تتضح من خلال أنه يتعين على الصعلوك أن يكون شجاعا حتى يلج المعركة، ويخرج منها منتصرا. لذلك، فالعلاقة بين الحقلين علاقة تكاملية، إذ يُشترط في الفارس الصعلوك قَيْدُ الشجاعة، ولا يمكنه أي يدخل ساحة الوغى إن لم يكن كذلك. وعليه، فإن الألفاظ الموظفة من قبل الشاعر متناسقة وملائمة لظروف النص ومقامه التواصلي.

يظهر من خلال الألفاظ التي أثَّثَت القصيدة أنها لاءمت غرضها، ألا وهو التعبير عن المعركة والحرب والشجاعة. إنها ألفاظ خلقت سياقا معجميا، إذ تناسبت مع الألفاظ المجاورة لها داخل النص الشعري، وهو ما جعله، النص الشعري، مُتَّسِقاً ومنسجما، ومعبرا عما كان يريد أن يعبر عنه. إنه أمر يوضح أن الصعلوك نجح في اختيار ألفاظ قصيدته.

عموما، نجح التحليل اللساني في جوانبه الصوتية والصرفية والمعجمية في تقديم تحليل للخطاب الشعري، استنادا إلى ما يوفره كل مستوى من وسائل وإواليات عمل وتحليل. لكن السؤال المطروح هو: هل الجانب التركيبي، أيضا، قادر على تقديم توصيف وتحليل للقصيدة؟

4- المستوى التركيبي:
إن الحديث عن الجانب التركيبي للقصيدة هو حديث عن مجال الكلمات من حيث هي تأليفات داخل الجمل، ومنه فإن مجال اشتغال فرع التركيب هو الجملة كوحدة أساس. وأثناء تناولنا للجانب التركيبي، فإنه يمكن الوقوف عند مجموعة من العناصر، وهي: الجمل بنوعيها الفعلية والاسمية، والضمائر الموظفة من قبل الشاعر، ثم مختلف الأساليب الواردة في إبداعه الشعري. وعليه، سيكون عنصر الجمل منطلقنا في التحليل التركيبي للقصيدة.

1.4. الجمل:
يتضح لنا، بعد استقراء القصيدة، هيمنة وغلبة الجمل الفعلية على جُلِّ أطوار القصيدة. ويمكن أن نمثل لها، على سبيل الذكر لا الحصر، بما يلي: (دعيني وقولي)، (خرجنا)، (صوَّت فينا بالصباح)، (يشن إليه)، وهكذا دواليك. إن الجمل الفعلية جمل دالة على الحركية والدينامية، ولذلك استعملها الشاعر في وصف أطوار الحرب والمعركة، دلالةً على الصراع والاقتتال، والحركية التي تعُمُّ المعركة. كما نجده، الشاعر، قد ربط أغلبها بالأفعال والأحداث العائدة عليه وعلى إخوانه الصعاليك، دلالةً على قوتهم وعدم انهزامهم، ومثابرتهم، وعلى نشاطهم وحيويتهم طيلة المعركة حتى النصر.

أما الصنف الثاني من الجمل، الجمل الاسمية، فقد ورد بشكل قليل جدا. ويمكن أن نُدعّم هذا القول بجملة: (إنني سيُغدى...). إن الجمل الاسمية تعود على الثبات والتوكيد؛ بمعنى أن الجمل الاسمية لها دلالة عكس الجمل الفعلية. وقد لجأ الشاعر إلى توظيف هذه الجملة الاسمية لتأكيد رأيه، وإثباته أيضا. إنه موقف الثبات والتأكيد على قيم الصعاليك: السّطوُ وَالنّهب، والمغامرة، والقوة، وتتبع القوافل، إلخ.
بعد الوقوف عند الجمل المؤثثة لفضاء القصيدة، يدعونا الأمر إلى تناول مختلف الضمائر وإيحاءاتها المتعددة.

2.4. الضمائر:
تعد الضمائر بنوعيها المتصلة والمنفصلة من المُعَرّفات في اللغة. وهي، أيضا، معادل دلالي للاسم الظاهر أو البارز. ويتطلب الوقوف عند الضمائر، كعوائد لغوية، تحديد مفسراتها الواحدة أو المتعددة. وسنحاول في هذه القصيدة، تلمّس مختلف الضمائر التي وردت بها، وأبعادها الدلالية والتأويلية.

بدراستنا للقصيدة، يتبين لنا أن الشاعر استعمل ضمير المخاطَب المفرد المؤنث بكثرة في قوله (دعيني، قولي، شِئْتِ)؛ فالصعلوك يحاول أن يُقوّي شخصية بمحاولة نسيان الموت، حين يخاطبها طالبا منها أن تتركه، لأنه مقبل على معركة قد تنهي حياته إلى الأبد.

بالإضافة إلى ذلك، يوظف الشاعر ضمير المتكلم الجمع بكثرة نحو (خرجنا، نمُرُّ، ثمائلنا، إلينا، فقُلنا، إلخ)؛ للدلالة على القوة والاتحاد والانتماء لفصيل الصعاليك. إن ما يميزهم، الشعراء الصعاليك، هو الشعور بالانتماء إلى بعضهم البعض، والنفور من عادات القبيلة ومحاولة الانفصال عن النسق المهيمن، سعياً إلى التمرد بشتى الوسائل والطرائق.

علاوة على ذلك، نلحظ ورود ضمير الغائب المفرد نحو (ضوّتَ، شنَّ، خرَّ، إلخ)، وضمير الغائب الجمع في قوله: (ثاروا، وجوههم، إلخ)؛ وهي ضمائر تعود غالبا على وصف المعركة التي خاضها الصعاليك ضد أولئك الذين اعترضوا سبيلهم في أثناء العودة بالغنيمة (قوم خثعم). إن صيغة الغائب، دائما ما تحيل على ارتباط الحدث بالزمن الماضي، أي بالزمن الذي وقع قبل زمن تكلم الشاعر.

3.4. الأساليب الإنشائية:
يمكن توزيع الأساليب الإنشائية إلى قسمين: قسمٍ أول يعنى بالإنشاء الطلبي، وقسمٍ ثانٍ يخص الإنشاء غير الطلبي. وفي هذا الصدد، سنقوم بسبر أغوار القصيدة، بغرض الوقوف عند حضور تلك الأساليب من غيابها.

أولا: الأسلوب الإنشائي الطلبي:
أسلوب الأمر، ونجده في أمثلة من قبيل: (دعيني، قولي، اسألوا). وباستقرائنا للقصيدة، نجد أن هذا الأسلوب الطلبي يتصل بالشاعر، إذ يدل في غالبه على الالتماس والتودد.
إن القصيدة تعرف فقرًا في مسألة حضور الأساليب الإنشائية.

5- المستوى الدلالي:
لعل المتأمل في محاور هذه الدراسة التحليلية، يتساءل عن مكانة المكون الدلالي ودوره في العملية التحليلية. إننا سعينا في هذه الدراسة إلى أن نحلل القصيدة تحليلا لسانيا وَفْقَ مكونات الدرس اللساني. وقد ابتغينا في وقوفنا عند كل مستوى، محاولة تأويل ما خلُصنا إليه، وكذا ربطه بمضمون القصيدة. لذلك، فإن المكون الدلالي له ارتباط جذري بكل الفروع اللغوية الأخرى.

فالمكون الصوتي يجعل لكل صوت قيمة تعبيرية ودلالية، وقد أبرزنا ذلك حين حديثنا عن الجانب الأصواتي في القصيدة. والمكون الصرفي، هو الآخر، له صلة وثيقة بالجانب الدلالي خاصة عندما تناولنا الصيغ الصرفية للأفعال والمشتقات، والدلالات المتعددة التي يمكن أن يأخذها كل فعل أو اسم مشتق بما يناسب هيكله الصرفي. ورصدنا، كذلك، تعالق المكون المعجمي بالمستوى الدلالي؛ وذلك حين صنَّفنا الألفاظ المهيمنة في القصيدة وَفق معنى عام إلى حقول دلالية، وكل مفردة انتمت إلى حقل دلالي لا يجوز لها أن تنتمي إلا إليه. بمعنى أن المفردات التي ضمَّها كل حقل معجمي من الحقلين اللذين قدمناهما، يربط مفرداتها رابط دلالي، وبالتالي حضور المكون الدلالي في المستوى المعجمي. وأما المكون التركيبي، فقد ربطناه بالجانب الدلالي حين قدمنا الدلالة التي تعود عليها الجمل الاسمية والفعلية في علاقتها بمضمون القصيدة ككل. وبالتالي، فإن الوصف اللغوي المستند إلى منطلقات لسانية من شأنه أن يُسعفنا في سبر أغوار الخطاب الشعري، ومن ثم تقديم توصيف لبنيته اللغوية.

عموما، إن المكون المعجمي يشبه ذلك الحوض الذي يصب فيه مختلف المكونات اللغوية: الأصوات والصرف والتركيب، فيحضنها إلى جانب مكون آخر هو المكون الدلالي الذي تلتقي عنده كل الأبحاث والدراسات. إنه لا وجود لأي تحليل أو أية دراسة مَهْمَا عَلِيَ شأنها خارج حدود المعنى. إن المعنى هو ما تسعى كل دراسة إلى تحصيله والقبض عليه.

6- دراسة العنوان: "دعيني وقولي":
يمكن تحليل ودراسة العنوان وَفق التحديدات التالية:
إن العنوان عبارة عن جملتين فعليتين: (جملة فعلية + حرف عطف + جملة فعلية)؛
"دعيني": فعل أمر + مورفيم ياء المخاطَبة؛
"قولي": فعل أمر + مورفيم ياء المخاطَبة؛
"الواو": حرف عطف؛ كأن الشاعر يريد أن يقول: "اتركيني لحالي وقولي ما يحلو لك، فالمقام لا يسمح بالبقاء، عليَّ أن ألتحق بجماعة الصّعاليك. إن المعركة تناديني"؛
هيمنة الأصوات الشديدة على عنوان القصيدة (القاف، الدال، اللام)، وفي ذلك دلالة على قوة الشاعر، وشدته وقسوته. وتعد الأصوات الشديدة، في هذا المقام، أكثر مواءمة لغرض القصيدة؛
فعل الأمر دال على المستقبل (وقوع الحدث بعد زمن التلفظ).

يكشف العنوان عن دلالات قوية، إذ يمكن أن نستخلص منه رغبة الشاعر الجامحة في المغادرة واللحاق بالصعاليك، فليس من شِيَمِ الصعاليك الاختفاء أو التخلف عن المعارك. إنهم هم من أرادوا لأنفسهم الخروج عن طاعة القبيلة. إنهم هم من فَضّلوا عيش حياة الترحال والتربُّص بالمهالِك، يَظَلُّونَ بمَوْماةٍ، ويُمْسُونَ بغيرها، ينتظرون ظهور الطَّرائد.

خاتمة:
قُصارى القول، كان هدفنا في هذه القراءة التحليلية لقصيدة "دعيني وقولي" للشاعر الصعلوك الشنفرى؛ تِبيان أنَّ لفروع علم اللغة العام، اللسانيات العامة أو اللغويات، القدرة على تحليل الخطاب الشعري مثلها مثل الآليات الحجاجية والبلاغية والإيقاعية، وقد أبرزنا ذلك من خلال المستويات: الصوتية، والصرفية، والمعجمية، والتركيبية، ثم الدلالية. وسعيًا مِنَّا إلى بلوغ غايتنا، فإننا حاولنا ربط كل تحليل لغوي لعناصر القصيدة، بمضمونها ككل؛ حتى نكشف عن أحقية التحليل اللساني، أيضا، في دراسة وتحليل الخطاب الأدبي الشعري. وقد ثبت لدينا، فعلا، أن للوصف اللساني الإمكانية على تقديم تحليل وتوصيف لِبِنْيَةِ الخطاب الشعري، ليكون، هو الآخر، من بين الآليات الممكن اعتمادها من قبل القارئ أو الدارس في تحليله للنصوص الشعرية.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 74.15 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 71.97 كيلو بايت... تم توفير 2.17 كيلو بايت...بمعدل (2.93%)]