|
|
ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث ملتقى يختص في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وعلوم الحديث وفقهه |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#61
|
||||
|
||||
رد: التتار من البداية إلى عين جالوت
- التتار من البداية إلى عين جالوت أسباب قعود الشعوب المسلمة عن نصرة المسلمين المحاصرين في ميافارقين (61) راغب السرجاني أنا لا أتعجب كثيراً من فعل الأمراء المسلمين؛ لكونهم خونة مطلقاً، ولكني أتعجب من رد فعل الشعوب، فأين كانت الشعوب في هذه البلاد المسلمة؟ فأين كان شعب الموصل وتركيا؟ فقد كان هناك من تربطه صلات رحم بأولئك الذين يعيشون في ميافارقين، فحتى الفطرة تقضي عليهم أن يساعدوهم، وأن يمدوهم بالطعام والسلاح والدواء، وإذا كان الحكام على هذه الصورة الوضيعة من الأخلاق، فلماذا سكتت الشعوب، ولم تتحرك لنجدة إخوانهم في الدين والعقيدة، بل وإخوانهم في الدم والنسب كما ذكرنا؟ لقد سكتت الشعوب، وسكوتها مرده إلى أمور خطيرة: أولاً: لم تكن الشعوب تختلف كثيراً عن حكامها، فقد كانت تحب الحياة، أي حياة وبأي صورة. ثانياً: كانت هناك عمليات غسيل مخ مستمرة لكل شعوب المنطقة، فالحكام والوزراء وعلماء الحكام، كانوا يقنعون الناس بحسن سياسة الحكام وحكمة إدارتهم، ولا شك أن هؤلاء الحكام أيضاً كانوا يلومون الكامل محمد على تهوره ودفاعه عن كرامته ودينه وكرامة شعبه، بل وعن كرامة المسلمين جميعاً، ولا شك أنهم كانوا يقولون مثلاً: أما آن للكامل محمد أن يتنحى ليجنب شعبه ويلات الحروب ودمارها؟ ومنهم من يقول: لو سلم الكامل محمد أسلحته لانتهت المشكلة، ولكنه يخفي أسلحته عن عيون الدولة الأولى في الأرض التتار، وهذا خطأ يستحق إبادة شعب ميافارقين بكامله. ولا شك أن هولاكو كان يرسل برسائل يقول فيها: إنه ما جاء إلى هذه المدينة المسالمة ميافارقين إلا لإزاحة الكامل محمد عن الحكم، وأما شعب ميافارقين فليس بينه وبينهم عداء، ونريد أن نتعايش سلمياً إلى جوار بعضنا البعض، وعمليات غسيل المخ المستمرة تهدئ من حماسة الشعوب، وتقتل المروءة والنخوة. ثالثاً: من لم تقنعه الكلمات والخطب والحجج والبراهين، فالإقناع له يكون بالسيف، وقد تعودت الشعوب في هذه المناطق على القهر والبطش والظلم من الولاة، وتعودوا على الكراهية المتبادلة بين الحكام والمحكومين، وعلى الظلم. في ظل هذه الملابسات المخزية والأوضاع المقلوبة نستطيع أن نفهم كيف تم حصار إمارة ميافارقين، وتعرض شعبها المسلم للموت أحياء، ولم يتحرك لها حاكم ولا شعب من الإمارات الإسلامية المجاورة جداً لها. ولا حولة ولا قوة إلا بالله
__________________
|
#62
|
||||
|
||||
رد: التتار من البداية إلى عين جالوت
- التتار من البداية إلى عين جالوت تغيير العلاقة بين هولاكو والناصر يوسف الأيوبي (62) راغب السرجاني لم يكتف الناصر يوسف بمنع المساعدة عن الكامل محمد ولا في المشاركة في حصار ميافارقين، بل أرسل رسالة إلى هولاكو مع ابنه العزيز -الذي حاصر بغداد مع جيش التتار ليساعد في إسقاطها- يطلب منه أمراً عجيباً في هذا التوقيت الغريب، فقد طلب من هولاكو أن يعينه بفرقة تترية للهجوم على مصر والاستيلاء عليها من المماليك؛ ليضمها إلى مملكته. في هذه الظروف يطلب الناصر يوسف من التتار الهجوم على مصر! ولم ينس الناصر يوسف أن يحمل ابنه العزيز بالهدايا الثمينة والتحف النفيسة إلى صديقه الجديد هولاكو، ولكن {وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ} [فاطر:43]، وعلى نفسها جنت براقش. فقد استكبر هولاكو أن يرسل الناصر يوسف ابنه العزيز ولا يأتي بنفسه، فكل الأمراء جاءوا بأنفسهم إلا هو، وأيضاً فقد رأى هولاكو أن هناك مشكلة كبيرة جداً: فكيف يطلب مساعدة هولاكو في فتح مصر للناصر فـ هولاكو يريد كل شيء له، فلاحظ أن الناصر يوسف بدأ يرى نفسه، وهولاكو لا يريد أحداً مطلقاً إلى جواره.
__________________
|
#63
|
||||
|
||||
رد: التتار من البداية إلى عين جالوت
- التتار من البداية إلى عين جالوت رسالة هولاكو إلى الناصر (63) راغب السرجاني أحضر هولاكو الأدباء المسلمين المحترفين التابعين له الذين يصوغون الرسالات، وكتب رسالة مباشرة إلى الناصر يوسف يقول له: إنا قد فتحنا بغداد بسيف الله تعالى، وقتلنا فرسانها، وهدمنا بنيانها، وأسرنا سكانها، كما قال الله تعالى في كتابه العزيز حكاية عن ملكة سبأ: {قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ} [النمل:34]-بيستشهد بآيات من كتاب الله عز وجل! - ثم يقول: واستحضرنا خليفتها، وسألناه عن كلمات فكذب، وسألناه عن الكنوز وعن الأسرار فكذب، فواقعه الندم، واستوجب منا العدم، وكان قد جمع ذخائر نفيسة، وكانت نفسه خسيسة، فجمع المال ولم يعبأ بالرجال، وكان قد نما ذكره وعظم قدره، ونحن نعوذ بالله من التمام والكمال -فـ هولاكو في منتهى الورع! - ثم يقول له: إذا وقفت على كتابي هذا فسارع برجالك وأموالك وفرسانك إلى طاعة سلطان الأرض شاهنشاه رويزمين -يعني: ملك الملوك على وجه الأرض- تأمن شره وتنل خيره، كما قال الله تعالى في كتابه العزيز:{وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى * وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى * ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الأَوْفَى}[النجم:39 - 41]. ثم يقول: ولا تعوق رسلنا عندك، {فَإمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة:229]، وقد بلغنا أن تجار الشام وغيرهم انهزموا بحريمهم إلى مصر. فتجار الشام لما عرفوا أن التتار على الأبواب أخذوا الأموال والنساء وهربوا إلى مصر بعيداً عن أرض القتال، فإن كانوا في الجبال نسفناها، وإن كانوا في الأرض خسفناها. أين النجاة ولا مناص لهارب ولي البسيطان الندى والماء ذلت لهيبتنا الأسود وأصبحت في قبضة الأمراء والوزراء وانتهت الرسالة التترية المرعبة، فسقط قلب الناصر يوسف بين قدميه، فقد وضحت نوايا هولاكو، فهو يطلب منه صراحة التسليم الكامل، ويخبره أنه سيتتبع من فر من تجاره وشعبه، وذكره بمصير الخليفة العباسي البائس، فهل يسلم كل شيء لـ هولاكو؟ فماذا يبقى له بعد هذا؟ فحب المال والسلطان يجري في دم الناصر يوسف، وهو ما والى ملك التتار إلا ليظل ملكاً، ولكن الآن هولاكو يقول له: لا، تعال وأنا الذي سأقسّم التركة، وسأقسم الدنيا كلها، ولو لم تأت سينالك ما نال الخليفة العباسي قبل ذلك، فلو رفعه هولاكو من على كرسي الحكم فلماذا يعيش؟
__________________
|
#64
|
||||
|
||||
رد: التتار من البداية إلى عين جالوت
- التتار من البداية إلى عين جالوت أسباب ازدياد قوة العلاقة بين التتار والنصارى (64) راغب السرجاني رجع هولاكو من قرية شاها إلى مدينة همذان في إيران، فقد كان فيها القيادة المركزية لإدارة شئون الحرب في منطقة الشرق الأوسط، وكانت على بعد (450) كيلو متر من بغداد، وبدأ هولاكو يعيد ترتيب الأوراق نتيجة التطورات الجديدة، ويحلل الموقف في منطقة الشرق الأوسط الملتهبة، وينظر إلى الأحداث التي توالت في هذه الشهور السابقة، فوجد الآتي: أولاً: علاقة التتار بالنصارى تزداد قوة، ولا شك أن هولاكو بحاجة إلى أن يعمق هذه العلاقة بصورة أكبر؛ لمواجهة النماذج الإسلامية المعارضة التي ظهرت مثل: الكامل محمد أو غيره ممن سيظهر بعد هذا، وهنا سيحتاج التتار إلى قوة النصارى للمساعدة في إخماد الثورات من ناحية، ولنقل الخبرة من ناحية أخرى، ولإدارة أمور الشام بعد إسقاطها من ناحية ثالثة، لأجل هذا أراد التتار أن يشتروا ود النصارى إلى آخر درجة، فأغدق هولاكو بالهدايا والمكافآت على هيثوم ملك أرمينيا، وكذلك على ملك الكرج، وكذلك على بوهمند أمير أنطاكية. النقطة الثانية: الحصار ما زال مضروباً على ميافارقين بقيادة أشموط بن هولاكو، ومع بسالة المقاومة وشجاعة الكامل محمد إلا أن الحصار كان شديد الإحكام، ويشترك فيه قوات أرمينيا والكرج، ولم يحاول أي أمير مسلم المساعدة في فك هذا الحصار، وهولاكو مطمئن نسبياً إلى حصار ميافارقين. النقطة الثالثة: ظهر الموقف العدائي من الناصر يوسف الأيوبي أمير حلب ودمشق، وضرب معسكراً جهادياً شمال دمشق، وبدأ في إعداد الجيش لمقابلة التتار، وهذا الإعداد لم يقابل بأي اهتمام من هولاكو، فهو يعرف الناصر وإمكانياته ونفسيته، ولذلك كانت هذه مسألة تافهة نسبياً بالنسبة لـ هولاكو. النقطة الرابعة: منطقة العراق الأوسط وأهمهما مدينة بغداد أعلنت تسليمها بالكامل للتتار، وأصبحت آمنة تماماً، وكذلك ظهر ولاء أمير الموصل التام للتتار، فالشمال الشرقي من العراق أيضاً أصبح آمناً تماماً. النقطة الخامسة والأخيرة: إن أقوى المدن الآن في الشام هي مدينة حلب ودمشق، ولو سقطت هاتان المدينتان فإن ذلك يعني سقوط الشام كلية، ومدينة حلب تقع في شمال دمشق على بعد (300) كيلو متر تقريباً. فقرر هولاكو أن يتوجه مباشرة لإسقاط إحدى المدينتين: حلب، أو دمشق، وأدرك هولاكو أنه لو أراد أن يتوجه إلى حلب، فإن عليه أن يخترق الشمال العراقي أولاً، ثم يدخل سوريا من شمالها الشرقي مخترقاً بذلك شمال سوريا، موازياً لحدود تركيا حتى يصل إلى حلب في شمال سوريا الغربي، وهذه المناطق كثيرة الأنهار، وفيها معوقات كثيرة طبيعية، وبالذات في مناورات الجيوش الضخمة، ففيها نهر دجلة والفرات، وفي نفس الوقت فهذه المناطق خضراء، ووفيرة الزرع والمياه، يعني: أن الجيش سيمشي فيها وهو مطمئن إلى وفرة الغذاء والماء، بالإضافة إلى أنها قريبة من ميافارقين، فلو احتاج جيش أشموط أي مساعدة فسيكون جيش التتار الرئيسي بجنبه، فاحتلال مدينة حلب يحمل بعض المزايا، وهي أن الطريق إليها فيه الغذاء والماء، وهي قريبة من ميافارقين، ويمر في مناطق آمنة، فهو يمر في أرض أمير الموصل الموالي للتتار، وسيدخل بعد هذا على شمال سوريا وليس فيها الناصر يوسف، فهو معسكر في الجنوب في دمشق. هذا الاختيار الأول. وإذا أراد هولاكو أن يتوجه إلى دمشق أولاً فهذا سيمثل عنصر مفاجئة رهيبة للمسلمين في دمشق؛ لأن هولاكو سيأتي من حيث لا يتوقعون، فهم يتوقعون مجيئه من الشمال من ناحية حلب، فلو جاء من الشرق من ناحية الصحراء فمن الصعب جداً على أهل دمشق أن يتخيلوا مثل هذه المفاجأة، ويستطيع بهذا هولاكو أن يصل إلى الناصر يوسف في عقر داره مباشرة، ولا يتيح له فرصة للفرار، ولكن هنا مشكلة كبيرة جداً، فحتى يفعل ذلك هولاكو فإن عليه أن يخترق صحراء السماوة، التي تسمى: بادية الشام، والتي تمتد من بغداد إلى دمشق، وهي صحراء قاحلة جداً، والسير فيها بجيش كبير يعتبر مخاطرة مروعة، ولا يستطيع هولاكو أن يقدم على هذه الخطوة، مع أنه لو فعلها لفاجأ جيش الناصر يوسف من حيث لا يتوقع، ولقابل القوة الرئيسية للمسلمين، وبذلك يسقط الشام بكامله.
__________________
|
#65
|
||||
|
||||
رد: التتار من البداية إلى عين جالوت
__________________
|
#66
|
||||
|
||||
رد: التتار من البداية إلى عين جالوت
- التتار من البداية إلى عين جالوت توجه التتار إلى دمشق وهروب الناصر وجيشه (66) راغب السرجاني استقر الوضع لـ هولاكو في شمال سوريا وجنوب تركيا، وبدأ يفكر في التوجه جنوباً لاحتلال مدينة حماة أولاً، ثم المرور بعد ذلك على مدينة حمص وهي بلد الأمير الخائن الأشرف الأيوبي والموالي له، حتى يصل بعد ذلك إلى الناصر يوسف الأيوبي وجيشه الرابض في شمال دمشق. بدأ الجيش التتري بالتحرك إلى الجنوب، فجاء إليه وفد من أعيان حماة وكبرائها يسلمون له مفاتيح المدينة دون قتال، فقبل منهم هولاكو المفاتيح، وأعطاهم في هذه المرة أماناً حقيقياً؛ وذلك ليشجع الناس في الشام لأن يفتحوا أبواب بلادهم كما فتحت حماة. ترك هولاكو حماة وانتقل إلى حمص بلد صديقه الأشرف الأيوبي ولم يدخلها كذلك، واتجه مباشرة إلى دمشق، وكانت المسافة بين حمص ودمشق (120) كيلومترًا فقط. سمع الناصر يوسف بالأخبار السيئة من سقوط حصون ميافارقين، وقتل الكامل محمد الأيوبي، وسقوط مدينة حلب وحارم، وتسليم حماة وحمص، وأن الخطوة القادمة دمشق، فلم يدر الناصر يوسف الملك الجبان ماذا يفعل، وقد أعلن حرباً لا طاقة له بها، ليس لقوة التتار فقط، بل لضعفه هو في الأساس، فعقد مجلساً استشارياً أعلى ضم معظم قادة جنده، فأخذوا في التباحث والتشاور، وطال النقاش والحوار، ووصلوا في النهاية إلى أن قرروا الفرار، فليس عندهم قدرة على الدفاع عن المدينة، ولم يفكروا أصلاً في الدفاع عنها. قرر الأمير الناصر يوسف والأمراء والجيش الفرار وترك مدينة دمشق وشعبها الكبير دون حماية ولا دفاع، وإنا لله وإنا إليه راجعون. خلت دمشق من الأمراء والحراس، وكانت مدينة كبيرة وحصينة، وكان يتوقع لها الثبات فترة طويلة قبل أن تسقط. والأمراء من أمثال الناصر يوسف يأمرون بالمقاومة ويحضون عليها ما دامت بعيدة عن أرضهم، فإذا اقتربت جيوش العدو من مدينتهم كانت الخطة البديلة دائماً هي خطة الفرار، حدث ذلك في دمشق، ويحدث كثيراً إذا وجد أمثال هؤلاء الأمراء الأقزام.
__________________
|
#67
|
||||
|
||||
رد: التتار من البداية إلى عين جالوت
- التتار من البداية إلى عين جالوت تسلط النصارى في دمشق عند دخول التتار (67) راغب السرجاني بدأ التتار في إدارة مدينة دمشق بواسطة النصارى، فوضعوا على إدارة المدينة رجلاً تترياً اسمه إبل سيان، وقد كان معظماً ومحابياً جداً للنصارى، وبدأت المدينة تعيش فترة عجيبة جداً في تاريخها. واسمعوا إلى هذا الكلام الذي يقوله ابن كثير رحمه الله في كتابه (البداية والنهاية) تفصيلاً لهذا الأمر، يقول: اجتمع إبل سيان لعنه الله بأساقفة النصارى وقساوستهم فعظمهم جداً، وزار كنائسهم، فصارت لهم دولة وصولة بسببه، وذهبت طائفة من النصارى إلى هولاكو في تبريز وأخذوا معهم هدايا، فاستقبلهم وأحسن استقبالهم، ثم قدموا بعد ذلك من عنده ومعهم أمان من جهته، ودخلوا من باب توما -هو أحد أبواب دمشق، مسمى على اسم قديس نصراني توما - ومعهم صليب منصوب، يحملونه على رءوس الناس، وهم ينادون بشعارهم ويقولون: ظهر الدين الصحيح دين المسيح، ويذمون دين الإسلام وأهله، ومعهم أوان فيها خمر، لا يمرون على باب مسجد إلا رشوا عليه خمراً، وقماقم ملآنة خمراً يرشون منها على وجوه الناس وثيابهم، ويأمرون كل من يجتازون به في الأزقة والأسواق من المسلمين أن يقوم لصليبهم، ووقف خطيبهم إلى دكة دكان في عطفة السوق فمدح دين النصارى، وذم دين الإسلام وأهله، فإنا لله وإنا إليه راجعون. ثم يقول ابن كثير: ثم إنهم دخلوا الجامع بخمر، -قبل ذلك كان يرشونه على الباب- فلما وقع ذلك اجتمع قضاة المسلمين والشهود والفقهاء، فدخلوا القلعة يشكون هذه الحال إلى إبل سيان زعيم التتار، فأهينوا وطردوا، وقدم كلام رؤساء النصارى عليهم، فإنا لله وإنا إليه راجعون. هكذا كان الوضع في دمشق.
__________________
|
#68
|
||||
|
||||
رد: التتار من البداية إلى عين جالوت
- التتار من البداية إلى عين جالوت دخول التتار دمشق (68) راغب السرجاني وقع أهل دمشق في حيرة كبيرة، فجيوش التتار ستأتي إليهم في غضون أيام قليلة، والتتار لا يبقون على أخضر ولا يابس، وشعب دمشق لم يتدرب قبل ذلك على الجهاد، وليست له دراية بفنون القتال، والجند المحترفون والأمراء القواد هربوا وتركوا مواقعهم، فماذا يفعلون وهم في غاية التردي؟ هنا اجتمع أعيان دمشق وكبراؤها، واتفقوا على أن يأخذوا مفاتيح المدينة ويسلموها إلى هولاكو ثم يطلبون الأمان منه كما فعل أهل حماة، ولم يخالف هذا الرأي إلا قلة من المجاهدين، فقد تحصنوا في قلعة دمشق ودافعوا عنها حتى النهاية، فقد أتى فعل هولاكو في ترك حماة ثماره، فهذا الفعل أثر في دمشق وبدأت تسلم دون قتال، فخرج وفد من أعيان دمشق يستقبل جيش هولاكو وسلمه المفاتيح، وفتحت دمشق أبوابها. حمل أعيان دمشق مفاتيح المدينة إلى جيش التتار، فاستقبلهم كتبغانوين القائد الجديد الذي ولاه هولاكو قبل أن يغادر الجيش، فأعطى أهلها الأمان فعلاً، وتقدم بجيشه لدخول المدينة العظيمة الكبيرة دمشق. وها هي دمشق عاصمة الخلافة الأموية تسقط كما سقطت من قبل بغداد عاصمة الخلافة العباسية. وكانت دمشق واحدة من أعظم مدن الإسلام قاطبة، ومن أهم ثغور الجهاد، ومن أرقى دور العلم. زحفت الجيوش التترية على دمشق، وانسابت من أبوابها إلى داخلها دون أدنى مقاومة. أواه يا درّة الشام، ويا قلب العالم الإسلامي! أين أبو عبيدة بن الجراح؟ وأين خالد بن الوليد ويزيد بن أبي سفيان وعمرو بن العاص وشرحبيل بن حسنة رضي الله عنهم أجمعين؟ أين الذين فتحوا هذه المدينة الحصينة منذ أكثر من ستة قرون؟ أين معاوية رضي الله عنه وأرضاه الذي حكم الدنيا بكاملها من هذا المكان؟ أين خلفاء بني أمية رحمهم الله الذين فتحوا البلاد الواسعة التي أسقطها التتار الآن؟ أين عماد الدين زنكي ونور الدين محمود رحمهما الله اللذان سطّرا بجهادهما آيات من المجد والعزة والفخار؟ أين صلاح الدين الأيوبي رحمه الله الذي يرقد الآن في مدينة دمشق؟ مرت الأيام وشاهد المسلمون في دمشق ما لم يخطر على أذهانهم مطلقاً، شاهدوا ثلاثة أمراء من النصارى يتبخترون بخيولهم في مقدمة جيوشهم، وهم يخترقون أبواب دمشق، ويسيحون في شوارع المدينة الإسلامية العظيمة، لقد كان يتقدم جيوش التتار كتبغانوين النصراني قائد الجيش التتري، وبصحبته الملك هيثوم النصراني ملك أرمينيا، والأمير بوهمند النصراني أمير أنطاكية. وهذه أول مرة يدخل أمراء النصارى مدينة دمشق منذ أن تركها أمراء الجيوش الرومانية أيام هرقل قيصر الروم، عند الفتح الإسلامي لها في سنة (14) هجرية، ولا حول ولا قوة إلا بالله. أعطى التتار الأمان فعلاً لأهل دمشق ولم يقتلوا منهم أحداً، إلا أولئك الذين تحصنوا في قلعة دمشق، وكانت سقوط دمشق في أواخر صفر سنة (658هـ)، يعني: بعد سنتين من سقوط بغداد، وهو زمن قياسي جداً، فقد اجتاح التتار في هاتين السنتين مساحات هائلة من الأراضي، وأسقطوا مدناً كثيرة في العراق وتركيا وسوريا، مع الكثافة السكانية الهائلة في هذه المناطق.
__________________
|
#69
|
||||
|
||||
رد: التتار من البداية إلى عين جالوت
__________________
|
#70
|
||||
|
||||
رد: التتار من البداية إلى عين جالوت
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |