أصول الأمن الغذائي في ضوء القرآن والسنة - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 12410 - عددالزوار : 208984 )           »          مجالس تدبر القرآن ....(متجدد) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 167 - عددالزوار : 59566 )           »          الدِّين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 60 - عددالزوار : 758 )           »          الأعمال اليسيرة.. والأجور الكثيرة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 28 )           »          خواطر متفرقة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 38 )           »          السلفية منهج الإسلام وليست دعوة تحزب وتفرق وإفساد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 35 )           »          القذف أنواعه وشروطه (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 36 )           »          العمل التطوعي.. أسسه ومهاراته (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 3 - عددالزوار : 65 )           »          الحكمـة ضالـة المؤمن ***متجددة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 59 - عددالزوار : 15883 )           »          الضلع أعود (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 30 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العام > ملتقى الحوارات والنقاشات العامة

ملتقى الحوارات والنقاشات العامة قسم يتناول النقاشات العامة الهادفة والبناءة ويعالج المشاكل الشبابية الأسرية والزوجية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 30-10-2019, 01:09 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,380
الدولة : Egypt
افتراضي أصول الأمن الغذائي في ضوء القرآن والسنة

أصول الأمن الغذائي في ضوء القرآن والسنة
السيد مراد سلامة






مفهوم الأمن الغذائي:
"الأمن الغذائي المطلَق يعني إنتاج الغذاء داخل الدولة الواحدة بما يُعادل أو يفوق الطلب المحليَّ، أما الأمن الغذائي النسبيُّ فيَعني قدرة دولة ما أو مجموعة من الدول على توفير السلع والمواد الغذائية كليًّا أو جزئيًّا".

الأصل الأوَّل: الإيمان والشكر:
اعلم - علَّمني الله تعالى وإياك - أنَّ الأصل الأصيل لتحصيل الأمن الغذائي هو الإيمان بالله تعالى وشكره على سابغ نِعَمه التي لا تعدُّ ولا تُحصى، ولقد قرَّر الله تعالى ذلك في كتابه المجيد؛ قال الله تعالى: ﴿ لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ * إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ * فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ ﴾ [قريش: 1 - 4].

فالله تعالى ضرَب لنا مثلًا بقرية - قيل: هي مكة - كانت آمنةً مطمئنة في رغَدٍ من العيش وفي بسطة من الأمن، أمن نفسيٍّ، وأمن اجتماعيٍّ، وأمنٍ غذائيٍّ، ولكنها قابلت هذه النعم بالكفر والعصيان، فاستحقَّت العقاب الأليم الذي حلَّ محل الأمن النفسي خوفًا، ومحلَّ الأمن الغذائي جوعًا، ولنأخذ مثالًا واحدًا من القرآن على انعدام الأمن الغذائي عند الكفر بالله تعالى، إنها قصة سبأ؛ قال الله تعالى: ﴿ لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ * فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ * ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ * وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ * فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ ﴾ [سبأ: 15 - 19]

وسبأ اسم لقوم كانوا يَسكنون جنوبيَّ اليمن، وكانوا في أرض مخصبة ما تزال منها بقية إلى اليوم، وقد ارتقوا في سلم الحضارة حتى تحكَّموا في مياه الأمطار الغزيرة التي تأتيهم من البحر في الجنوب والشرق، فأقاموا خزانًا طبيعيًّا يتألَّف جانباه من جبلَين، وجعلوا على فم الوادي بينهما سدًّا به عيون تُفتح وتُغلق، وخزَّنوا الماء بكميات عظيمة وراء السد، وتحكَّموا فيها وَفق حاجتهم، فكان لهم مِن هذا مورد مائي عظيم، وقد عُرف باسم "سد مأرب".

وهذه الجنان عن اليمين والشمال رمز لذلك الخصْب والوفرة والرخاء والمتاع الجَميل، ومن ثمَّ كانت آية تُذكِّر بالمنعم الوهاب، وقد أُمروا أن يستمتعوا برزق الله شاكرين: ﴿ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ ﴾.
وذُكِّروا بالنعمة، نعمة البلد الطيب، وفوقها نعمة الغفران على القصور من الشُّكر والتجاوز عن السيئات؛ ﴿ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ ﴾.

سماحة في الأرض بالنِّعمة والرخاء، وسماحة في السماء بالعفو والغفران، فماذا يُقعِدهم عن الحمد والشكران؟! ولكنَّهم لم يَشكُروا ولم يذَّكَّروا:
﴿ فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ ﴾، أعرَضوا عن شكر الله، وعن العمل الصالح، والتصرُّف الحميد فيما أنعم الله عليهم، فسلَبهم سبب هذا الرخاء الجميل الذي يَعيشون فيه؛ وأرسل السَّيل الجارف الذي يَحمل العَرِم في طريقه، وهي الحجارة لشدَّة تدفُّقه، فحطم السدَّ، وانساحت المياه، فطغَت وأغرَقت؛ ثم لم يَعُد الماء يخزَّن بعد ذلك فجفَّت واحترقت.

وتبدَّلت تلك الجنان الفيح صحراءَ تَتناثر فيها الأشجار البرية الخشنة؛ ﴿ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ ﴾ [سبأ: 16]، والخمط شجر الأراك أو كل شجر ذي شوك، والأثل شجر يُشبه الطرفاء، والسدر النَّبق، وهو أجود ما صار لهم ولم يَعُد لهم منه إلا قليل!

﴿ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا ﴾، والأرجح أنه كفران النعمة ﴿ وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ ﴾، وكانوا إلى هذا الوقت ما يَزالون في قُراهم وبيوتهم.

ضيَّق الله عليهم في الرزق، وبدَّلهم بالرفاهية والنعماء خشونةً وشدَّة؛ ولكنه لم يُمزِّقهم ولم يُفرِّقهم، وكان العمران ما يزال متَّصلًا بينهم وبين القرى المباركة؛ مكة في الجزيرة، وبيت المَقدس في الشام؛ فقد كانت اليمن ما تزال عامرةً في شمال بلاد سبأ، ومتصلة بالقرى المباركة، والطريق بينهما عامر مطروق مسلوك مأمون؛ ﴿ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ ﴾ [سبأ: 18].

وقيل: كان المسافر يَخرج من قرية فيدخل الأخرى قبل دخول الظلام، فكان السفر فيها مَحدود المسافات، مأمونًا على المسافرين، كما كانت الراحة مَوفورةً لتقارُب المنازل وتقارُب المحطات في الطريق.

وغلبَت الشقوة على سبأ، فلم يَنفعهم النذير الأول؛ ولم يوجِّههم إلى التضرع إلى الله؛ لعله يردُّ عليهم ما ذهب من الرخاء، بل دعوا دعوة الحمق والجهل:
﴿ فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا ﴾ تطلَّبوا الأسفار البعيدة المدى؛ التي لا تقع إلا مرات مُتباعدة على مدار العام، لا تلك السفرات القصيرة المُتداخِلة المنازل، التي لا تُشبع لذَّة الرحلات، وكان هذا من بطر القلب وظلم النفس؛ ﴿ وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ﴾، واستُجيبت دعوتهم، ولكن كما يَنبغي أن تستجاب دعوة البطر: ﴿ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ ﴾ [سبأ: 19] شرِّدوا ومُزِّقوا، وتفرَّقوا في أنحاء الجزيرة مبَدَّدي الشمل؛ وعادوا أحاديث يَرويها الرواة، وقصة على الألسنة والأفواه، بعد أن كانوا أمة ذات وجود في الحياة ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ ﴾ [سبأ: 19].

يُذكر الصبر إلى جوار الشكر، الصبر في البأساء، والشكر في النعماء، وفي قصة سبأ آيات لهؤلاء وهؤلاء،
هذا فهم في الآية، وهناك فهم آخر، فقد يكون المقصود بقوله: ﴿ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً ﴾؛ أي: قرى غالبة ذات سلطان، بينما تحوَّل سبأ إلى قوم فقراء، حياتهم صحراوية جافَّة، وكثرت أسفارهم وانتقالاتهم وراء المراعي ومواضع الماء، فلم يَصبروا على الابتلاء، وقالوا: ﴿ رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا ﴾ [سبأ: 19]؛ أي قلِّل من أسفارنا فقد تعبنا، ولم يَصحبوا هذا الدعاء باستجابة وإنابة لله تستحق استجابته لدعائهم، وكانوا قد بطروا النعمة، ولم يَصبروا على المحنة، ففعل الله بهم ما فعل، ومزَّقهم كل ممزق؛ فأصبحوا أثرًا بعد عين، وحديثًا يروى وقصة تحكى، ويكون التعقيب: ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ ﴾ [سبأ: 19]، مناسبًا لقلَّة شُكرهم على النعمة، وقلَّة صبرهم على المحنة، وهو وجه رأيته في الآية، والله أعلم بمراده. [في ظلال القرآن (6 / 116)].

وقال سبحانه: ﴿ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ﴾ [النحل: 112].

الأصل الثاني: البُعد عن المعاصي:
أن يَبتعد المجتمع عن الذنوب التي تُزيل النِّعم وتُبدِّل الأحوال.

إن النبيَّ صلى الله عليه وسلم حذَّرَنا من خماسية الشقاء الاجتماعي؛ عن عبدالله بن عُمر، قال: أقبَلَ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ((يا معشر المهاجِرين، خمس إذا ابتُليتم بهنَّ، وأعوذ بالله أن تُدركوهن: لم تظهر الفاحشة في قوم قطُّ حتى يُعلنوا بها، إلا فشا فيهم الطاعون، والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا.

ولم يَنقصوا المكيال والميزان، إلا أُخذوا بالسنين، وشدَّة المؤونة، وجور السلطان عليهم، ولم يَمنعوا زكاة أموالهم، إلا مُنعوا القطر من السماء، ولولا البهائم لم يُمطَروا، ولم يَنقضوا عهد الله، وعهد رسوله، إلا سلَّط الله عليهم عدوًّا مِن غيرهم، فأخذوا بعض ما في أيديهم، وما لم تَحكم أئمتهم بكتاب الله، ويتخيَّروا مما أنزل الله، إلا جعل الله بأسَهم بينهم))؛ (سنن ابن ماجه).

ومن تأمَّل ما قصَّ الله تعالى في كتابه من أحوال الأمم الذين أزال نِعَمه عنهم وجَدَ سبب ذلك جميعَه إنما هو مخالفة أمرِه وعصيانُ رسلِه، وكذلك مَن نظَر في أحوال أهل عصره وما أزال الله عنهم مِن نِعَمِه وجد ذلك كله من سوء عواقب الذنوب، كما قيل:
إذا كنت في نعمة فارْعَها ♦♦♦ فإن المعاصي تُزيل النعم
"فما حُفظت نعمة الله بشيء قط مثل طاعته، ولا حصلت فيها الزيادة بمثل شُكره، ولا زالت عن العبد بمثل معصيته لربه، فإنها نار النِّعَم التي تعمل فيها كما تعمل النار في الحطب اليابس" [بدائع الفوائد 2 / 432، بتصرف].

الأصل الثالث: تهيئة الله تعالى الأرض لضمان الأمن الغذائي:
إن الله تعالى هيَّأ الأسباب التي تؤمِّن للأمم والشعوب أسباب الأمن الغذائي والرخاء الاقتصادي، فالله تعالى هيَّأ لنا الأرض وجعلها صالحةً للزراعة وللسعي في مناكبها، فقال سبحانه: ﴿ هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُور ﴾ [الملك: 15]، "ذكَر أنه عبَّد لنا هذه الأرض وذلَّلها، وهيَّأها لنا، فيها منافع عديدة من زروع وثِمار ومعادن، وما أعظمها من نعم، ثم قال: ﴿ فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُور ﴾.
تمتَّعوا بهذه النعم، ثم إلى ربكم مرجكم يوم القيامة.
ففي الآية الكريمة حثٌّ على العمل والكسب في التجارة والزراعة والصناعة، وجميع أنواع العمل، وفي الحديث: إن عمر بن الخطاب مر على قوم فقال لهم: مَن أنتم؟ فقالوا: المتوكِّلون، قال: بل أنتم المتواكلون، إنما المتوكِّل رجل ألقى حَبَّه في بطن الأرض وتوكَّل على الله عز وجل.

وجاء في الأثر: "إنَّ الله يحب العبد المؤمن المُحترِف"؛ (تفسير القطان (3 / 356).
وقال سبحانه ممتنًّا على عباده: ﴿ أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتًا * أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا * وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ شَامِخَاتٍ وَأَسْقَيْنَاكُمْ مَاءً فُرَاتًا ﴾ [المرسلات: 25 - 27].

﴿ أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا * وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا * وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا * وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا * وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا * وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا * وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا * وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا * وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجًا * لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَبَاتًا * وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا ﴾ [النبأ: 6 - 16].

وهاكم عبادَ الله بيانَ ذلك:
تبلغ مساحة الأراضي اليابسة في العالم 13.2 بليون هكتار، نصفها غير قابل للزراعة، وأكثر من ربعها (25.7%) مراعٍ، وأقلُّ من ربعها الباقي (24.3 %) أراضي قابلة للزراعة، غير أن مساحة الأراضي المزروعة فعلًا أقل من نصف الأراضي القابلة للزراعة (43.5%)، وما زال القسم الأكبر يَنتظر المبادرة الإنسانية لاستزراعه واستغلاله، وعلى سبيل المثال: فإفريقيا التي تُعاني من المجاعات المستمرَّة لم تستغلَّ من أراضيها سوى 16%، وما تزال 84% من الأراضي تمثِّل احتياطيًا هائلًا لإفريقيا والعالم.

يحتاج سكان العالم إلى نحو 200 مليون طن من البروتين سنويًّا - حسب تقديرات العلماء - وفي حين يبلغ العجز العالمي 22 مليون طنٍّ سنويًّا، فإن العلماء يؤكِّدون أن في العالم ما يفوق احتياجاته السنوية بكثير، وهو متوفِّر في الطبيعة على هيئة مراعٍ أو مصادر إنتاج أخرى، ويُشيرون إلى وجود كميات ضخمة من البروتين الصالح لغذاء الإنسان، ولكن الدول التي تَملكه تستخدمه في تغذية الماشية والحيوانات الأليفة، وترفض طرحه في الأسواق من أجل البشر.

يرى العلماء أن كوكب الأرض يَستطيع إطعام 47 بليون نسمة، بالمستويات الممتازة الموجودة في الولايات المتحدة الأمريكية، و157 بليون نسمة، بمُستويات التغذية في اليابان، ويرى علماء آخرون أن الأراضي الزراعية لو أُحسنَ استغلالها لأطعمَت عشرة أضعاف عدد سكان العالم حاليًّا (6 بليون نسمة)، وبمستوى استهلاكي مرتفع.

ذهب علماء آخرون إلى مدى أبعد من كل ما سبق، حين قدَّروا أن كوكب الأرض يستوعب ويطعم ما يكفي لعدد 132.000 بليون نسمة، وهو رقم كبير جدًّا أشبه بالخيال؛ ذلك أن الإنسان لم يكتشف ولم يَستثمر من طاقة الكون والطبيعة اللذَين يعيش في كنفهما سوى 1% حتى الآن، رغم ثورات العلوم وقفزاتها الكبرى في القرن العشرين.

إنها إذًا مسألة عجز الإنسان ومسؤوليته، لا فقر الطبيعة وشحها، فالعلم يبرهن يوميًّا أن الكون لا محدود، وموارده لا نهائية، وأن الفكر والعقل والعلوم والجهد والخيال التي يَحوزها الإنسان تُمكِّنه مِن فتح آفاق وراء آفاق أمامه، لا لسدِّ حاجياته وحسب، بل للارتقاء بها وتوسيعها وتطويرها.

الأصل الرابع: الأمر بإعمارها:
لذا أخي المسلم يأتي الأصل الرابع الذي هو الأمر بإعمار تلك الأرض وتَسخيرها لما ينفع البشرية ويكون ذلك بعدة مَحاور.
المحور الأول: زراعتها:
يقول الإمام القرطبي عند قول الله تبارك وتعالى: ﴿ مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 261]، إن الآية دليل على أن اتِّخاذ الحرْث من أعلى الحرف للمَكاسب التي يَشتغل بها العُمال، ولهذا ضرَب الله بها المثل.

ويقول الحق تبارك وتعالى: ﴿ وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴾ [الرعد: 4].

كما أن آيات القرآن الكريم فيها ما يربط الزراعة بغيرها، فهناك ما يربط الإنتاج الزراعي بالإنتاج الحيواني ويبيِّن التلازم بينهما، يقول الحق تبارك وتعالى: ﴿ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ أَفَلَا يُبْصِرُونَ ﴾ [السجدة: 27].

كما أن بعض آيات القرآن الكريم يربط مراحل الإنتاج الزراعي؛ من حرث الأرض واستصلاحها وسقْيِها بالماء، ثم بعد ذلك الحصاد والتخزين، وهذا كله واضح في قوله الحق تبارك وتعالى: ﴿ فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ * أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا * ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا * فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا * وَعِنَبًا وَقَضْبًا ﴾ [عبس: 24 - 28]، وقول الحق تبارك وتعالى: ﴿ فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ ﴾ [يوسف: 47].

و النبي صلى الله عليه وسلم يحثُّنا ويُرغِّبنا في زراعة الأرض، ويبيِّن لنا ما للفلاح مِن أجر وثواب عند الكريم الوهاب؛ فهذا جابر بن عبدالله يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما مِن مسلم يزرع زرعًا، فيأكل منه إنسٌ، ولا جنٌّ، ولا طير، ولا وحش، ولا سبع، ولا دابة، ولا شيء، إلا كان له صدقةً)) البخاري.

ثانيًا: الإسلام وتنظيم الأسواق التجارية والحث على الضرب في مناكبها:
ومما دعا إليه الإسلام وجعله أساسًا مِن أسُس الأمن الغذائي للفرد والمجتمع: تنظيم العمل التجاري، فقال سبحانه: ﴿ هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ ﴾ [الملك: 15]، وقال في باب التجارة: ﴿ وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ ﴾ [المزمل: 20].

ووضَع الإسلام أسسًا للتجارة نَذكر منها:
(أ) مبدأ الأخوَّة الإسلامية وآثاره:
هل يسهم منع الاحتكار في تحقيق الأمن الغذائي...؟
الجواب هو: نعم.
فالمجتمع المسلم هو مجتمع الجسد الواحد الذي إذا اشتكى من عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحُمَّى؛ فعن النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مثل المؤمنين في توادِّهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد؛ إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهَر والحُمى))؛ أخرجه البخاري، ومسلم.

فالمجتمع المسلم لا يَعرف الأثرة، بل يتألَّم بآلام أفراده؛ فعن عبدالملك بن أبي بشير، عن عبدالله بن أبي مساور، قال: سمعت ابن عباس وهو يبخل ابن الزبير ويقول: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((ليس المؤمن الذي يَبيت وجاره إلى جنبه جائع)) هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وشاهده حديث عمر مع سعد لما بنى القصر.."؛ أخرجه الحاكم.

الواقع التطبيقي:
أخبر أبو موسى الأشعري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الأشعريِّين إذا أرملوا في الغزو، وقلَّ طعام عيالهم بالمدينة: جمعوا ما كان عندهم في ثوب واحد، ثم اقتسموا بينهم في إناء واحد بالسويَّة، فهم مني وأنا منهم))؛ أخرجه البخاري ومسلم.

عام الرمادة وتحقيق الأمن الغذائي عند الأزمات:
"كتب الخليفة عمر بن الخطاب إلى عمرو بن العاص والي مصر، عام الرمادة:
بسم الله الرحمن الرحيم، سلام عليك، أما بعد أفتراني هالكًا ومَن قِبَلي وتعيش أنت ومَن قِبَلَك؟ فيا غوثاه – ثلاثًا.
فكتب إليه عمرو بن العاص: بسم الله الرحمن الرحيم: لعبدالله أمير المؤمنين، من عمرو بن العاص، سلام عليك، فإني أحمد الله الذي لا إله إلا هو، أما بعدك: أتاك الغوث، فالرَّيث، الريث، لأبعثنَّ إليك بحمل ألف بعير قافلة، أولها عندك وآخرها عندي، مع أني أرجو أن أجد سبيلًا أن أحمل في البحر، فبعث عمرو بن العاص على البرِّ ألف بعير تَحمل الدقيق، وبعث في البحر عشرين سفينة تحمل الدقيق والزيت، وأرسل مع المواد بخمسة آلاف كساء"؛ (الصلابي، سيرة عمر بن الخطاب، ص: 213).

(ب) منع الاحتكار:
ومن أسُس تنظيم الأسواق أن الله تعالى حرم الاحتكار للسلع والبضائع، وشدَّد رسول الله صلى الله عليه وسلم على عظم ذلك الجرم لما يترتَّب على زعزعة الأمن الغذائي لدى أفراد المجتمع.

إذا كنا قد علمنا أهمية الأخوَّة الإسلامية، فإن الوجه الآخر والسيئ هو الاحتكار، ولهذا، فقد حرَّمه الإسلام نهائيًّا، بل جاءت التوجيهات النبوية التي تدلُّ صراحة على حرمته، والتي تدلُّ بصراحة على أن المسلم لا يَجوز له أن يكون من المُحتكرين المستغلين.

قال الإمام الشوكاني: الحكرة، هي حبس السلع عن البيع، ويقول ابن عابدين: اشتراء الطعام ونحوه وحبسه إلى الغلاء، وعرَّفه الإمام الغزالي في الإحياء بقوله: فبائع الطعام يدَّخر الطعام ونحوه يَنتظر به غلاء الأسعار.

وجمهور العلماء اتَّفقوا على أن الاحتكار حرام ومَمنوع؛ لما ورد من الأحاديث الصحيحة في ذلك عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَن احتَكَر حكرة يُريد أن يُغليَ بها على المسلمين فهو خاطئ)).

عن عمر بن الخطاب قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: ((مَن احتَكَر على المسلمين طعامهم، ضرَبه الله بالجذام والإفلاس))؛ رواه ابن ماجه، وضعَّفه الألباني.

وجه الدلالة من هذه الأحاديث:
قال الإمام الشوكاني رحمه الله: ولا شك أن أحاديث الباب تَنتهض بمجموعها للاستدلال على عدم جواز الاحتكار، ولو فُرض عدم ثبوت شيء منها في الصحيح، فكيف وحديث معمَر مذكور في صحيح مسلم؟ (نيل الأوطار (5 / 267).

عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: "لا حكرة في سُوقنا، لا يَعمد رجال بأيديهم فضول من أذهاب إلى رزق الله نزَل بساحتنا فيَحتكرونه علينا، ولكن أيما جالب جلب على عمود كبدِه في الشتاء والصيف، فذلك ضيف عمر، فليَبع كيف شاء الله، وليُمسك كيف شاء الله".
ما روي عن عليٍّ رضي الله عنه أنه قال: "مَن احتكر الطعام أربعين يومًا قسا قلبُه".

الواقع التطبيقي في حياة المسلمين:
وقد ذكَر الإمام الغزاليُّ عن بعض السلف أنه كان بواسِط، فجهَّز سفينة حنطة (قمح) إلى البصرة، وكتب إلى وكيله: بِع هذا الطعام يوم يَدخل البصرة، ولا تُؤخِّره إلى غد، فوافَقَ سعة في السعر، فقال له البحار: لو أخَّرت جُمعة ربحت فيه أضعافه، فأخَّره جمعة، فربح فيه أمثاله، وكتب إلى صاحبه بذلك، فكتب إليه صاحب الطعام: يا هذا، إنا كنا قَنعنا بربح يسير مع سلامة دينِنا، وإنك قد خالفت، وما نجد أن الربح أضعافه بذهاب شيء من الدِّين، فقد جنيت علينا جناية، فإذا أتاك كتابي هذا فخذ المال كله فتصدق به على فقراء البصرة، وليتَني أنجو من إثم الاحتكار، كفافًا لا عليَّ ولا لي".

(ج) الاستغلال:
الخطر المدمِّر الذي لا يَظهر إلا في الأزمات، ولا يستغلُّ إلا المحتاجين والفقراء، إنه الاستغلال، ذلكم النبت الخبيث الذي لا يَنبت إلا في قلوب مريضة قاسية لا تعرف الرحمة ولا الرأفة.

ذلكم العدو الذي حاربه الإسلام، ودعا أتباعه إلى الرحمة والرأفة بالمُحتاجين، وأن يُنزلهم المسلم منزلته؛ فعن عقبة بن عامر الجهني، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((المسلم أخو المسلم، ولا يحلُّ لمسلم إن باع من أخيه بيعًا فيه عيب ألا يُبيِّنه له))؛ أخرجه الحاكم.

عن سالم عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((المسلم أخو المسلم، لا يَظلمه، ولا يُسلمه، من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومَن فرَّج عن مسلم كربةً فرَّج الله عنه كربةً من كُرَب يوم القيامة، ومَن ستَر مُسلمًا ستره الله يوم القيامة))؛ البخاري ومسلم.

وحث النبي صلى الله عليه وسلم على التعاون في الأزمات، وألا يَبخل المسلم على أخيه في وقت الحاجة؛ فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: "بينما نحن في سفر مع النبي صلى الله عليه وسلم إذ جاء رجل على راحلة له، قال: فجعل يَصرف بصره يمينًا وشمالًا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَن كان معه فضل ظهر فليَعد به على مَن لا ظهْرَ له، ومَن كان له فضلٌ من زاد فليَعُدْ به على مَن لا زاد له))، وذكر من أصناف المال ما ذكره، حتى رأينا أنه لا حق لأحد منا في فضل"؛ أخرجه مسلم وأبو داود.

ومن صور الاستغلال:
الربا الذي حرَّمه الله من فوق سبع سماوات، فيَستحلُّه البعض بأدنى الحِيَل، ويَستغلون المعوزين والمُحتاجين، والله تعالى حذَّرَنا مِن ذلك فقال في غير ما آية من كتابه: ﴿ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ﴾ [البقرة: 275]، وجاء: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 278، 279].

وعن رفاعة رضي الله عنه أنه خرج مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى المصلَّى فرأى الناس يتبايَعون فقال: ((يا معشر التجار)) فاستجابوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ورفعوا أعناقهم وأبصارهم إليه فقال: ((إن التجار يُبعَثون يوم القيامة فُجَّارًا إلا مَن اتَّقى الله وبرَّ وصدَقَ))؛ رواه الترمذي وقال: هذا حديث حسن صحيح؛ سنن الترمذي.

قال أبو حامد الغزالي: "فيَنبغي ألا يُغبن صاحبه بما لا يتغابن به في العادة، فأما أصل المغابَنة فمأذون فيه؛ لأن البيع للربح، ولا يُمكن ذلك إلا بغبن ما، ولكن يُراعى فيه التقريب، فإن بذْل المُشتري زيادة على الربح المعتاد، إما لشدَّة رغبته أو لشدَّة حاجته في الحال إليه، فينبغي أن يمتنع من قبوله، فذلك مِن الإحسان، ومهما لم يَكن تلبيس لم يكن أخذ الزيادة ظُلمًا، وقد ذهب بعض العلماء إلى أن الغبْن بما يزيد على الثلث يوجب الخيار، ولسنا نرى ذلك، ولكن من الإحسان أن يحطَّ ذلك الغبن.

ولقد كان سلف الأمة أحرص الناس على محبة الخير للغير وعدم استغفالهم، وإليك أمثلةً على ذلك:
عن جرير بن عبدالله البجلي أنه ساوَم رجلًا بفرس فسامه، فسامه الرجل خمسمائة درهم إن رأيت ذلك؟ فقال له جرير: فرسك خير من ذلك، ولك ستمائة حتى بلغ ثمانمائة، وهو يقول: إن رأيت ذلك؟ فقال جرير: فرسك خير من ذلك، ولك ستمائة حتى بلغ ستمائة حتى بلغ ثمانمائة، وهو يقول: إن رأيت ذلك؟ فقال جرير: فرسك خير من ذلك، ولا أزيدك؟ فقال له الرجل: خذها؟
فقيل له: ما منعك أن تأخذها بخمسمائة؟
فقال جرير: لأنا بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على ألا نغشَّ أحدًا، أو قال: مُسلمًا.
وعن ابن عمر: ليس لي غشٌّ.

الأصل الخامس: الزكاة:
فَرَض ربُّنا على المزارع في زرعه زكاة تُسمى بزكاة الزروع، وحدد قدرها وبيَّن لنا مصارفها، فقال سبحانه: ﴿ وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ﴾ [الأنعام: 141]، وقال سبحانه: ﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ [التوبة: 103].

الزكاة فريضة اجتماعية وماليَّة، وركنٌ هام في بناء الاقتصاد الإسلامي، وتحقيق العدل الاجتماعي، غرضها سعادة الفرد والمجتمع، وتحقيق التكافل والترابط بين أفراده، ونشْر دعوة الإسلام في الأرض.

عن ابن عباس عن معاذ قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ((إنك تأتي قومًا من أهل الكتاب، فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، فإن هم أطاعوا لذلك فأَعلِمهم أن الله افترض عليهم صدقة تُؤخذ من أغنيائهم فتردُّ على فقرائهم))؛ البخاري ومسلم.

يوجد 830 مليون جائع في العالم:
تمثِّل مشكلة الفقر واحدةً من أهم وأخطر المشكلات التي تُواجه البشر، فحسب تعريف الأمم المتحدة للفقر يعيش حوالي نصف سكان العالم - أي: حوالي ثلاثة مليارات نسمة - تحت خط الفقر، وهم الذين يَحصلون على أقل من دولارَين يوميًّا، كما أن ما يزيد على مليار شخص مِن بين هؤلاء يقلُّ دخله اليومي عن دولار واحد، وتشير إحصاءات منظَّمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة "الفاو" إلى أن 830 مليون شخص - أي: ما يوازي 14% من جملة سكان العالم - انحدرت أحوالهم في السنوات الأخيرة من الفقر إلى الجوع والمرض بسبب غول العَولَمة وقِلَّة المساعدات الدولية.

فأين دور المسلمين في هذا؟ وما موقع الأدوات الإسلامية في التخفيف من حدة الفقر في العالم؟
على الأمة كلها - أفرادًا كانت أم حكومات - مسؤولية كبيرة للخروج من أزمة الفقر.
لقد حرصت تعاليم الإسلام على أن تَكفل لكل واحد مِن أبنائه الحياة الحرة الشريفة، فلا يضيع فقير لفَقرِه، ولا تُهدر كرامة مسكين لبُؤسه، ولا يهلك جائع لفاقته وغيره شبعان.
ومن هنا كانت الزكاة في الإسلام ركيزة من ركائزه، وعمادًا من عمُدِه التي بيَّنها رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه البخاري عن ابن عمر عن النبي صلي الله عليه وسلم قال: ((بُني الإسلام على خمس؛ على أن يوحَّد الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصيام رمضان، والحج)).

وحينما فرَضَ الإسلام الزكاة لم يكن بذلك جائرًا على الأغنياء أو متحيِّزًا إلى الفقراء، بل أمر بها لبناء مجتمع سليم، يشعر فيه الغني بأخيه الفقير فيُطعمه من ماله، ويَكفيه مؤونة الجوع والتشرُّد، فينال بذلك الثمار في ماله: ﴿ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ ﴾ [الروم: 39]، ويَنال الغنيُّ بذلك المثوبة من الله تعالى: ﴿ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾ [البقرة: 110].


هذه كانت نبذة بسيطة عن أصول الأمن الغذائي في القرآن والسنَّة، ولعلَّنا نُقرِّر ذلك بشيء من التوضيح والبيان في مقام آخر.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 82.47 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 80.55 كيلو بايت... تم توفير 1.92 كيلو بايت...بمعدل (2.33%)]