الحصون المنيعة في شرح قاعدة سد الذريعة . - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         فبهداهم اقتده الشيخ مصطفى العدوي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 16 - عددالزوار : 49 )           »          يسن لمن شتم قوله: إني صائم وتأخير سحور وتعجيل فطر على رطب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 22 )           »          رمضان مدرسة الأخلاق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »          أمور قد تخفى على بعض الناس في الصيام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          دروس رمضانية السيد مراد سلامة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 15 - عددالزوار : 340 )           »          جدول لآحلى الأكلات والوصفات على سفرتك يوميا فى رمضان . (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 17 - عددالزوار : 730 )           »          منيو إفطار 18رمضان.. طريقة عمل كبسة اللحم وسلطة الدقوس (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »          5 ألوان لخزائن المطبخ عفا عليها الزمان.. بلاش منها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          5 طرق لتنظيف الأرضيات الرخامية بشكل صحيح.. عشان تلمع من تانى (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »          دروس رمضانية محمد بن سند الزهراني (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 14 - عددالزوار : 351 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام

الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 23-06-2011, 01:08 AM
الصورة الرمزية أبو الشيماء
أبو الشيماء أبو الشيماء غير متصل
مراقب الملتقيات
 
تاريخ التسجيل: Jul 2008
مكان الإقامة: أينما شاء الله
الجنس :
المشاركات: 6,415
الدولة : Morocco
افتراضي الحصون المنيعة في شرح قاعدة سد الذريعة .

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم المرسلين وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين وبعد :
- فإنه قد سألني بعض طلبة العلم أن أبين لهم قاعدة سد الذرائع في الشريعة الإسلامية ، وأن أذكر لهم أنواع الذرائع ، والأدلة عليها ، وما يلحق بها من الفروع المخرجة عليها ، وأن أبين لهم حدود ما يدخل تحت هذه القاعدة من التعامل ، وما لا يدخل ، فأجبته إلى ذلك ، مع كثرة الأشغال ، ولكن لأهمية هذه القاعدة الطيبة ، فرغت لها شيئا من وقتي ، لأنني أعلم كبير أهميتها وكبير تأثيرها في الفروع ، وأشترط أن لا أطيل ، ولكن أذكر ما أراه أنه موضح لهذه القاعدة ، فالله أسأل أن ينفع بهذه الكتابة اليسيرة ، وأن يبارك فيها ، وأسميتها ( الحصون المنيعة في شرح قاعدة سد الذريعة ) فيا رب أسألك باسمك الأعظم أن تيسر إتمامها على الوجه الكامل ، وأن تعين عبدك الضعيف العاجز على الوصول لما يصبوه من الكتابة فيها ، إنك خير مسئول ، وأنت على كل شيء قدير ، وإلى مقصود الكتابة ، وبالله التوفيق ، فيقول العبد العاجز الفقير لربه العلي الكبير القدير :- أولا نذكر لك نص القاعدة التي سنبني عليها هذه الوريقات وهو كما يلي :-
{ كل ذريعة تفضي إلى الممنوع عن يقين أو غلبة ظن ، فالواجب سدها }
أقول :- اعلم رحمك الله تعالى أن المحرمات التي نص الدليل على تحريمها لا تخرج عن قسمين :- ما حرم تحريم مقاصد ، وما حرم تحريم وسائل ، وهذه القاعدة التي نحن بصدد شرحها لا تعلق لها بما حرم تحريم مقاصد ، وإنما لها تعلق بما حرم تحريم وسائل ، ويوضح ذلك ، لأن هذه الشريعة متفق على كمالها في أصولها وفروعها ، كما قال تعالى } الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ { ومن أوجه كمالها أنها إن حرمت شيئا من الأفعال ، فإنها تسد كل الطرق والذرائع التي تفضي إلى هذا الشيء وتوصل إليه ، ولا يمكن أبدا أن تحرم الشريعة شيئا ، وتفتح باب الوصول إليه على مصراعيه ، هذا لا يكون أبدا ، لأن هذا من عدم الحكمة في التشريع ، والله تعالى هو الحكم العدل ، وهو الحكيم الخبير العالم بمصالح عباده ، ومن مقتضيات حكمته ، أن يمنع كل الطرق التي توصل إلى هذا الممنوع ، وقد اتفق عامة أهل السنة رحمهم الله تعالى على أن من أسمائه الحكيم ، ومن صفاته الحكمة ، فهو الحكيم العليم في تشريعه ، فلا يشرع شيئا إلا وله الحكمة البالغة في الحال والمآل ، وهذا من مقتضيات وصفه بالكمال ، بل إن هذا من الكمال البشري أيضا ، ألا ترى أن ملوك الدنيا إن منعوا شيئا فإنهم يمنعون الطرق التي توصل له ، والأب إن منع في بيته شيئا فإنه يمنع ما يوصل إليه ، ففي الغالب أنك لا تجد شيئا من المحرمات تحريم مقاصد إلا وله تحريم حوله يكون مانعا من الوقوع فيه ، وذلك لأن سلوك الطرق التي تفضي إلى الحرام هي في حقيقتها أول منازل الوقوع في الحرام ، فلا يتم كمال مجانبة الحرام إلا بمجانبة طرقه ووسائله ، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم (( ألا وإن لكل ملك حمى ، ألا وإن حمى الله محارمه )) متفق عليه ، وهذا واضح لكل ذي فهم ، أن من كمال التحريم أن يمنع العبد من الوسائل التي توصل إلى الحرام ، وهذه القاعدة التي معنا هي في الحقيقة ربع الدين ، وبيان هذا أن يقال :- إن الدين لا يخرج عن كونه مأمورا به أو منهيا عنه والمأمور به إما مأمور مقاصد أو مأمور وسائل ، فهذه قسمان ، الأول :- ما أمر به أمر مقاصد والثاني :- ما أمر به أمر وسائل ، وهذه القاعدة التي معنا لا تعلق لها بباب المأمورات ، لا في مقاصده ولا في وسائله ، وأما المنهيات فهي قسمان :- منهي عنه نهي مقاصد ، ومنهي عنه نهي وسائل ، فلو جمعت هذين القسمين إلى القسمين السابقين ستكون الأقسام أربعة ، وهي كما يلي الأول :- ما أمر به أمر مقاصد ، الثاني :- ما أمر به أمر وسائل ، الثالث :- ما نهي عنه نهي مقاصد ، الرابع :- ما نهي عنه نهي وسائل ، وقاعدتنا هنا عبارة عن القسم الرابع ، وهي فيما نهي عنه نهي وسائل ، فهي إذاً ربع الدين ، فلا تستهل بها ، فإنها من القواعد الكبيرة المهمة في شريعة الله تعالى ، ولأنها من قواعد كمال الشريعة ، فلا بد أن توليها بزيادة العناية ، ويبين لك أهميتها أيضا أنها جعلت كالسياج المانع من الوقوع في الحرام ، وأن اختراقها والتساهل بها أول منازل الوقوع في الحرام ، ويبين لك أهميتها أيضا أن أهل العلم نصوا على أن التساهل بها من اتباع خطوات الشيطان كما قال تعالى } يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ { وخطواته هي تلك الوسائل التي يكون بمتابعتها الوقوع في الحرام ، فالزنا له وسائل توصل إليه ، وهذه الوسائل هي من خطوات الشيطان التي يكون في سلوكها الوقوع في الزنا ، والربا له وسائل ، وهذه الوسائل هي من خطوات الشيطان التي توقع في حقيقة الربا ، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق له وسائل ، وهي من خطوات الشيطان التي يكون بسلوكها واقتحامها الوقوع في القتل ، والشرك الأكبر المخرج عن الملة له وسائل ، وهذه الوسائل هي من خطوات الشيطان التي يكون بسلوكها الوقوع في الشرك وهكذا ، فقوله تعالى } يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ { هي في الحقيقة ناصة على تحريم الوسائل والذرائع التي يكون بسلوكها الوقوع في عين المحرم ، ومن اتقى هذه الوسائل فإنه إن شاء الله سيكون في منعة عظيمة وفي حصن حصين من الوقوع في الحرام ، فوالله الذي لا إله غيره إن غالب من وقع في المحرم تحريم مقاصد ، إنما هم أولئك الذين وقعوا في المحرم تحريم وسائل ، ولو سبرت حال الناس لوجدت ما ذكرته لك صحيحا ، ثم أقول :- إن المأمورات قسمان :- مأمورات مقاصد ومأمورات وسائل ، كما ذكرنا ، وإنك لتجد في الغالب أن الشيطان لا يأمر العباد بترك المأمور أمر مقاصد إلا بعد أن يملي عليه ويجلب بخيله ورجله على أن يترك المأمور أمر وسائل ، لأن الخبيث يعلم علم اليقين أن من كان محافظا على المأمور أمر وسائل فإنه في منعة وحصن حصين من ترك ما أمر به أمر مقاصد ، ولكن من تساهل في المأمور أمر وسائل فإنه سيكون فريسة سهلة في حبائل الشيطان في ترك المأمور أمر مقاصد ، وبالجملة :- فإن الشيطان إنما يأتي إلى النفس أولا في التساهل بما نهي عنه نهي وسائل ، ومن ثم يأتي لها في أمرها بفعل المنهي عنه نهي مقاصد ، ألا ترى أن السارق إن وجد الباب والنوافذ موصدة ، فإنه ييأس من سرقة ما في الدار بل لا بد أولا أن يكسر هذه الأقفال حتى يصل إلى مقصوده بغاية اليسر والسهولة ، فسبحان الله حتى السُراق واللصوص قد تقررت عندهم هذه القاعدة ، فهي في الحقيقة قاعدة تقتضيها الفطرة كما اقتضاها العقل ، وأيد ذلك اقتضاء الشرع لها ، فهي قاعدة فطرية عقلية شرعية ، فباب الوسائل هو القفل على المنهيات ، فإن كسر القفل سهل تناول المنهيات وهان على النفس اقترافها ولعلك بهذا التوضيح قد فهمت ما نريد إثباته لك في هذه الوريقات ، وعلى ذلك وردت الشريعة وقررت أدلة الدين ، وأنا أذكر لك الأدلة إن شاء الله تعالى على أنها أدلة وفروع ، فأقول وبالله تعالى التوفيق ، ومنه أستمد العون والفضل :-
( فمنها) لقد تقرر في الشرع أن أعظم المنهيات في الدين هو الشرك الأكبر ، قال تعالى } إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا { وقال تعالى } وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ { وقال تعالى } وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا { وقال تعالى } قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا { وقال النبي صلى الله عليه وسلم (( حق الله على العبيد أن يعبوه ولا يشركوا به شيئا )) والنصوص في تحريم الشرك لا تكاد تحصر إلا بكلفة ، وتحريم الشرك لا يخفى على الجميع أنه تحريم مقاصد ، وقد سد الله تعالى كل ذريعة تفضي إلى الشرك الأكبر أحكم سد ، ومنع كل طريق يوصل إليه ، ونحن قررنا في ذلك قاعدة مهمة غاية الأهمية تقول ( كل ذريعة تفضي إلى الشرك الأكبر فالواجب سدها ) وعلى ذلك فرع الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله تعالى أبوابا كثيرة في كتاب التوحيد كلها تدخل تحت ما حرم تحريم وسائل ، وسيأتي طرقها في الفروع والأدلة إن شاء الله تعالى, والمهم أن تحفظ هذه القاعدة في باب وسائل الشرك الأكبر ، فأي وسيلة توصل إلى الوقوع في الشرك الأكبر فهي محرمة ، بل وبعض أهل العلم رحمهم الله تعالى قد أطلق عليها ( الشرك الأصغر ) فقال (وسائل الشرك الأكبر شرك أصغر) وليس هذا ببعيد ، فالواجب على المرء الناصح لنفسه أن يبتعد عن الشرك كله ، ويجانبه المجانبة الكاملة ، ويحذر منه مقصدا ووسيلة
فمن وسائل الشرك الأكبر :- تعظيم القبور التعظيم المفضي إلى إخراجها عن الجائز شرعا إلى الممنوع فيها أو عندها شرعا ، كالبناء عليها ، فالشريعة ما حرمت البناء على القبور إلا لأن البناء عليها يوصل إلى تعظيمها التعظيم الشركي ، ولذلك لا تجد قبرا من القبور التي عبدت من دون الله تعالى إلا وهي مبني عليها ، بل بعضها بني عليها البناء الفخم الكبير ، وزوقت تزويقا لا مزيد عليه ولذلك فالمتقرر في الشريعة تحريم البناء على القبور ، قال الإمام مسلم في صحيحه :- حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ أَبِى الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُجَصَّصَ الْقَبْرُ وَأَنْ يُقْعَدَ عَلَيْهِ وَأَنْ يُبْنَى عَلَيْهِ .. وهذا نهي ، والمتقرر في القواعد أن النهي يقتضي التحريم ، إلا لصارف ، وقال مسلم في صحيحه :- حَدَّثَنَا يَحْيَى ابْنُ يَحْيَى وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ يَحْيَى أَخْبَرَنَا وَقَالَ الآخَرَانِ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِى ثَابِتٍ عَنْ أَبِى وَائِلٍ عَنْ أَبِى الْهَيَّاجِ الأَسَدِىِّ قَالَ قَالَ لي عَلِىُّ بْنُ أَبِى طَالِبٍ أَلاَّ أَبْعَثُكَ عَلَى مَا بعثني عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ لاَ تَدَعَ تِمْثَالاً إِلاَّ طَمَسْتَهُ وَلاَ قَبْرًا مُشْرِفًا إِلاَّ سَوَّيْتَهُ . والمراد بالقبر المشرف ، أي القبر المرتفع بالبناء ، وهذا النهي إنما هو لسد ذريعة اتخاذ هذا القبر وثنا يعبد من دون الله تعالى
ومن ذلك أيضا :- النهي عن اتخاذ القبور مساجد ، وهذا من أعظم الذرائع التي تفضي إلى الشرك الأكبر ، قال مسلم في صحيحه :- حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ - وَاللَّفْظُ لأَبِى بَكْرٍ - قَالَ إِسْحَاقُ أَخْبَرَنَا وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ بْنُ عَدِىٍّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِى أُنَيْسَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ النجراني قَالَ حدثني جُنْدَبٌ قَالَ سَمِعْتُ النبي صلى الله عليه وسلم قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ بِخَمْسٍ وَهُوَ يَقُولُ (( إِنِّى أَبْرَأُ إِلَى اللَّهِ أَنْ يَكُونَ لي مِنْكُمْ خَلِيلٌ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدِ اتخذني خَلِيلاً كَمَا اتَّخَذَ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا مِنْ أمتي خَلِيلاً لاَتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلاً أَلاَ وَإِنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ كَانُوا يَتَّخِذُونَ قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ وَصَالِحِيهِمْ مَسَاجِدَ أَلاَ فَلاَ تَتَّخِذُوا الْقُبُورَ مَسَاجِدَ إني أَنْهَاكُمْ عَنْ ذَلِكَ )) وقال في صحيحه أيضا :- وحدثني هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِي وَحَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى قَالَ حَرْمَلَةُ أَخْبَرَنَا وَقَالَ هَارُونُ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ أخبرني يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أخبرني عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عَائِشَةَ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ قَالاَ لَمَّا نَزَلَتْ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم طَفِقَ يَطْرَحُ خَمِيصَةً لَهُ عَلَى وَجْهِهِ فَإِذَا اغْتَمَّ كَشَفَهَا عَنْ وَجْهِهِ فَقَالَ وَهُوَ كَذَلِكَ (( لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ )) يُحَذِّرُ مِثْلَ مَا صَنَعُوا.... وقال في صحيحه أيضا :- وحدثني زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا هِشَامٌ أخبرني أَبِى عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ وَأُمَّ سَلَمَةَ ذَكَرَتَا كَنِيسَةً رَأَيْنَهَا بِالْحَبَشَةِ - فِيهَا تَصَاوِيرُ - لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (( إِنَّ أُولَئِكِ إِذَا كَانَ فِيهِمُ الرَّجُلُ الصَّالِحُ فَمَاتَ بَنَوْا عَلَى قَبْرِهِ مَسْجِدًا وَصَوَّرُوا فِيهِ تِلْكَ الصُّوَرَ أُولَئِكِ شِرَارُ الْخَلْقِ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ )) .
ومن هذه الذرائع الكبيرة الخطيرة التي سدت من أجل اجتناب الوقوع في الشرك الأكبر:-تحريم الصلاة في القبور ، فالصلاة في القبور لا تجوز ، ولا تصح ، قال مسلم في صحيحه :- حَدَّثَنَا حَسَنُ ابْنُ الرَّبِيعِ الْبَجَلِىُّ حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ بُسْرِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِى إِدْرِيسَ الْخَوْلاَنِىِّ عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الأَسْقَعِ عَنْ أَبِى مَرْثَدٍ الْغَنَوِىِّ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ (( لاَ تُصَلُّوا إِلَى الْقُبُورِ وَلاَ تَجْلِسُوا عَلَيْهَا )) وقال أبو داود في سننه :- حَدَّثَنَا مُوسَى ابْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ (ح) وَحَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِى سَعِيدٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَالَ مُوسَى في حَدِيثِهِ فِيمَا يَحْسَبُ عَمْرٌو أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ (( الأَرْضُ كُلُّهَا مَسْجِدٌ إِلاَّ الْحَمَّامَ وَالْمَقْبُرَةَ )) فالصلاة في المقبرة لا تصح ، إلا صلاة الجنازة خاصة ، لورود الدليل الخاص بها ، والصلاة في مسجد فيه قبر لا تجوز ولا تصح ، ما دام القبر داخل حدود المسجد ، وكل ذلك من أجل إقفال باب الوقوع في الشرك الأكبر فهذا كله محرم من باب تحريم الوسائل .
ومنها أيضا :- تحريم اتخاذ القبر عيدا ، أي مكانا يجتمع الناس عنده في أوقات معلومة ، كما يجتمع الناس في العيد ، وروى مالك في الموطأ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ (( اللَّهُمَّ لاَ تَجْعَلْ قبري وَثَنًا يُعْبَدُ اشْتَدَّ غَضَبُ اللَّهِ عَلَى قَوْمٍ اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ )) ولسعيد بن منصور في سننه عن سهيل قال:- رآني الحسن بن الحسن بن علي ابن أبي طالب عند القبر فناداني وهو في بيت فاطمة يتعشى ، فقال:- هلم إلى العشاء ، فقلت:- لا أريده , فقال:- مالي رأيتك عند القبر؟ فقلت:- سلمت على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (إذا دخلت المسجد فسلم) ثم قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (( لا تتخذوا قبري عيدا ولا تتخذوا بيوتكم قبورا، وصلوا علي، فإن صلاتكم تبلغني حيثما كنتم )) وهو مرسل قوي ، فاتخاذ القبور أعيادا من وسائل الشرك الكبيرة التي لا بد من سدها ، وإغلاق بابها الإغلاق الكامل .
ومن هذه الذرائع أيضا :- تجصيص القبور وتزويقها بالرخام ، أو دفنها في الأماكن العامة في البلد والنهي عن تجصيصها قد ذكرنا الدليل الناهي عنه ،ومنها أيضا :- الطواف حولها ، فإنه إن طاف حولها لله تعالى لا تقربا لأصحابها ، ولكن ظنا منه أن مما يقربه إلى الله تعالى الطواف حول هذا القبر فهذا لا جرم أنه محرم ، وهو من الشرك الأصغر ، لأنه من الوسائل للشرك الأكبر ، وهو الطواف حولها تقربا وتعظيما للساكنين بها .
ومنها:- الذبح عندها لا تقربا لأصحابها ، ولكن لظنه حلول البركة في ذبيحته عند قبورهم وهذا لا شك أنه محرم وهو من الشرك الأصغر ، لأنه ذريعة للشرك الأكبر ، وهو الذبح لأصحابها تقربا وتعبدا لهم من دون الله تعالى ، قال تعالى } قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ { وقال تعالى } فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ { وقال النبي صلى الله عليه وسلم (( لعن الله من ذبح لغير الله )) رواه مسلم ، وأجمع أهل السنة على حرمة الذبح عند القبور ، لكن يكون من الشرك الأصغر إن كان قصده التعبد لله تعالى بهذا الذبح ويكون من الشرك الأكبر إن نوى صرف الذبح لغير الله تعالى .
ومنها :- الدعاء للنفس عند القبور ، فهو لا يدعو صاحب القبر ، ولا يرجو منه استجابة الدعوات ، ولكنه ظن أن الدعاء عند قبور الأولياء من مظان الاستجابة ، وهذا محرم ولا شك وتحريمه تحريم وسائل ، لأنه من أكبر الوسائل الموصلة للشرك الأكبر ، والذي هو دعاء أصحاب القبور من دون الله تعالى ، في تفريج الكربات وتنفيس الملمات ، وقد أجمع العلماء على حرمة قصد القبور للدعاء للنفس عندها ، ولم يقل أحد من أهل العلم رحمهم الله تعالى أن الدعاء عند القبور للنفس من مظان استجابة الدعوات ، فانتبه لهذه الذرائع ، فإنه ما وقع الشرك في الأمة ، بل في الأمم كلها إلا بسبب تعظيم الأموات الصالحين ،كما روى البخاري في صحيحه قال :- حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا هِشَامٌ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ وَقَالَ عَطَاءٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما صَارَتِ الأَوْثَانُ التي كَانَتْ في قَوْمِ نُوحٍ في الْعَرَبِ بَعْدُ ، أَمَّا وُدٌّ كَانَتْ لِكَلْبٍ بِدَوْمَةِ الْجَنْدَلِ ، وَأَمَّا سُوَاعٌ كَانَتْ لِهُذَيْلٍ ، وَأَمَّا يَغُوثُ فَكَانَتْ لِمُرَادٍ ثُمَّ لِبَنِى غُطَيْفٍ بِالْجُرُفِ عِنْدَ سَبَا ، وَأَمَّا يَعُوقُ فَكَانَتْ لِهَمْدَانَ ، وَأَمَّا نَسْرٌ فَكَانَتْ لِحِمْيَرَ ، لآلِ ذِى الْكَلاَعِ . أَسْمَاءُ رِجَالٍ صَالِحِينَ مِنْ قَوْمِ نُوحٍ ، فَلَمَّا هَلَكُوا أَوْحَى الشَّيْطَانُ إِلَى قَوْمِهِمْ أَنِ انْصِبُوا إِلَى مَجَالِسِهِمُ التي كَانُوا يَجْلِسُونَ أَنْصَابًا ، وَسَمُّوهَا بِأَسْمَائِهِمْ فَفَعَلُوا فَلَمْ تُعْبَدْ حَتَّى إِذَا هَلَكَ أُولَئِكَ وَتَنَسَّخَ الْعِلْمُ عُبِدَتْ ... ففتن القبور من أعظم الفتن التي أوجبت وقوع الشرك في الأمة ، ولأهميتها فقد أفردها كثير من أهل العلم رحمهم الله تعالى بالتأليف والبيان ، ومن باب التشبه بهم أفردتها بالتأليف في كتابي ( تنوير الصدور في التحذير من فتنة القبور ) والمهم هنا أن تعرف الآن :- أن المتقرر في القواعد أن كل وسيلة تفضي إلى الوقوع في الشرك الأكبر فإنها من المحرم شرعا ، وأن هذه القاعدة العقدية الكبيرة ، تتفرع عن قاعدة ( سد الذرائع ) والله يتولانا وإياك .

يتبع إن شاء الله
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 23-06-2011, 02:36 AM
الصورة الرمزية أبو الشيماء
أبو الشيماء أبو الشيماء غير متصل
مراقب الملتقيات
 
تاريخ التسجيل: Jul 2008
مكان الإقامة: أينما شاء الله
الجنس :
المشاركات: 6,415
الدولة : Morocco
افتراضي رد: الحصون المنيعة في شرح قاعدة سد الذريعة .


{ فصل }

ومن ذرائع الشرك الأكبر التي تدخل تحت هذا الأصل الكبير أيضا:-باب التبرك بما لم يرد الدليل بجواز التبرك به ، من الأزمان والأمكنة والأعيان ، فإن المتقرر أن باب التبرك مبناه على التوقيف ، فلا يجوز ادعاء البركة في عين ، أو زمان أو مكان إلا وعلى ذلك دليل من الشرع ، فلا يجوز ادعاء البركة فيما لم يرد الدليل به ، فمن طلب البركة مما لم يرد به الدليل فلا يخلو :- إما أن يعتقد أن الله تعالى هو واضع البركة ، ولكنه ظن أن هذا الشيء مما يتبرك به فهذا أقل أحواله أن يكون شركا أصغر ، لأنه اعتقد سببا ما ليس بسبب لا شرعا ولا قدرا ، ولأنه ذريعة للشرك الأكبر والمتقرر أن كل ما كان ذريعة للشرك الأكبر فهو محرم ، وقد اهتم أهل السنة رحمهم الله تعالى بهذا الباب اهتماما كبيرا ، فقرروا فيه القواعد المستقاة من الكتاب والسنة ، فقالوا :- المتقرر أن الأصل في باب التبرك التوقيف على الأدلة ، وقالوا :- المتقرر أن الأصل في التبرك بالأعيان التوقيف على الأدلة ، وقالوا :- المتقرر أن الأصل في التبرك بالأزمنة التوقيف على الأدلة ، وقالوا :- المتقرر أن الأصل في التبرك بالأمكنة التوقيف على الأدلة، وقالوا :- كل شيء ثبت جواز التبرك به ، فإنه لا يجوز أن يتجاوز به حدود التبرك المشروع فيه، وقالوا :- إن وضع البركة في الشيء من صفات الله تعالى الفعلية ، فواضع البركة هو الله تعالى ، ولا يقدر أحد أن يضع البركة لا في عين ولا في زمن ولا في مكان ، بل هو من فعل الرب جل وعلا ، فقرروا هذه القواعد والأصول لسد ذريعة الشرك ، فسد باب التبرك الممنوع أثر من آثار قاعدة ( سد الذرائع) ولذلك منع أهل السنة رحمهم الله تعالى التبرك بالأموات والصالحين ، وبتراب القبور وبالسياج الموضوع عليها ، أيا كان صاحب القبر علما ودينا وتقى ، فلا يجوز التبرك بأي شيء ، إلا بما ثبت الدليل بجواز التبرك به هذا لمن أراد السلامة في دينه ، وإلا فإن من تبرك بشيء لا دليل عليه فلا يخلو :- إما أن يتعقد أنه هو واضع البركة الذي بيده النفع والضر ، فهذا من الشرك الأكبر المخرج عن الملة بالكلية ، وإما أن يكون يعتقد أن البركة من الله تعالى وأن الله تعالى هو واضع البركة ولكنه ظن أن هذا الشيء فيه بركة ، فهذا من الشرك الأصغر ، فانتبه لهذا بارك الله فيك ، فإننا لا نريد أن تعتقد إلا ما دل عليه كتاب ربنا وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم ، وسار عليه سلفنا الصالح ، لأننا نرجو لك الصلاح والهدى والتوفيق لكل خير ، ومما قرره أهل السنة رحمهم الله تعالى في هذا الباب ضرورة التفريق بين البركة الذاتية المنتقلة ، والبركة المعنوية اللازمة ، وقالوا :- إن البركة العينية لا تكون إلا في ذات النبي صلى الله عليه وسلم ، فذاته صلى الله عليه وسلم ذات مباركة ، ولذلك فقد ثبت في الأحاديث أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يتبركون بعرقه وثيابه ووضوئه وبقية شرابه صلى الله عليه وسلم ، لأن ذاته صلى الله عليه وسلم ذات مباركة ، وبركتها تنتقل لما لامسها ، وهذا باتفاق أهل السنة رحمهم الله تعالى ، بل ويجوز على قول أهل السنة رحمهم الله تعالى التبرك بآثاره ولو بعد مماته صلى الله عليه وسلم ، ولكن اتفق أهل العلم رحمهم الله تعالى على أن آثاره كلها قد فقدت فلم يبق منها شيء ، وأما ما يذاع هنا وهناك من أن من أثر النبي صلى الله عليه وسلم فهو كذب وافتراء يراد به ابتزاز أموال الناس وإفساد عقيدتهم ، واتفق عامة أهل السنة رحمهم الله تعالى على أنه ليس في الأمة من بركته بركة ذاتية منتقلة غيره صلى الله عليه وسلم ، فليس شيء من أجزاء الأرض بركته بركة ذاتية منتقلة ، ولم يبق في الأمة إلا ما بركته بركة معنوية لازمة ، أي أنها لا تنتقل عن محلها ، كبركة رمضان ، وعاشوراء ، وعشر ذي الحجة ، وغيرها مما ثبتت فيه البركة من الأزمنة وكبركة المسجد الحرام ومسجد المدينة ، ومسجد بيت المقدس ، وماء زمزم ، وبركة القرآن ونحوها مما ثبتت فيه البركة بالدليل الصحيح الصريح ، فبركة هذه الأشياء إنما هي بركة معنوية لازمة ، لا ذاتية منتقلة ، وقد أوجب الخلط بين نوعي البركة فسادا كبيرا في الاعتقاد ، وبدعا كثيرة لا عد لها ولا حصر ، فالواجب على أهل العلم أن يبينوا للناس الفرق بين هذين النوعين ، ولعلنا نفرد فيها رسالة خاصة إن شاء الله تعالى ، والمهم هنا أن تعلم أن الأصل في باب التبرك بالأعيان والأزمنة والأمكنة التوقيف على الأدلة ، وما قرر أهل العلم رحمهم الله تعالى ذلك إلا ليسدوا باب البدع والإحداث ، وباب الشرك والوثنية ، فسد هذا الباب من أهم المهمات ، وهو الذي تفيده قاعدة (سد الذرائع) فانظر كيف بركة هذه القاعدة ، وانظر كيف حرص الشريعة على تقريرها ، واطلع كيف اهتم أهل العلم رحمهم الله تعالى على بيانها البيان الكامل ، والله يتولانا وإياك .

{ فصل }

ومن الأمور المهمة التي قررتها الشريعة تفريعا على هذه القاعدة الطيبة( سد باب الأقوال التي قد توهم أو تفضي إلى مشاركة الرب جل وعلا فيما هو من خصائصه ) وعلى ذلك أمثلة :-

فمنها :- سد باب التسمي بملك الأملاك ، وقاضي القضاة ، ونحوها من الأسماء التي تضفي على العبد الفقير العاجز الضعيف أوصافا لا تتناسب مع عبوديته لله تعالى ، قال البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه:- حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (( أَخْنَى الأَسْمَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ اللَّهِ رَجُلٌ تَسَمَّى مَلِكَ الأَمْلاَكِ )) وقال رحمه الله تعالى *َقَالَ سُفْيَانُ غَيْرَ مَرَّةٍ أَخْنَعُ الأَسْمَاءِ عِنْدَ اللَّهِ (( رَجُلٌ تَسَمَّى بِمَلِكِ الأَمْلاَكِ )) قَالَ سُفْيَانُ يَقُولُ غَيْرُهُ تَفْسِيرُهُ شَاهَانْ شَاهْ .... وقال مسلم في صحيحه:- حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَمْرٍو الأَشْعَثِىُّ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ - وَاللَّفْظُ لأَحْمَدَ - قَالَ الأَشْعَثِىُّ أَخْبَرَنَا وَقَالَ الآخَرَانِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ أَبِى الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ (( إِنَّ أَخْنَعَ اسْمٍ عِنْدَ اللَّهِ رَجُلٌ تَسَمَّى مَلِكَ الأَمْلاَكِ )) زَادَ ابْنُ أَبِى شَيْبَةَ في رِوَايَتِهِ (( لاَ مَالِكَ إِلاَّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ )) قَالَ الأَشْعَثِىُّ قَالَ سُفْيَانُ مِثْلُ شَاهَانْ شَاهْ. وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ سَأَلْتُ أَبَا عَمْرٍو عَنْ أَخْنَعَ فَقَالَ أَوْضَعَ .... وقال رحمه الله تعالى :- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ ابْنُ رَافِعٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ قَالَ هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَ أَحَادِيثَ مِنْهَا وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (( أَغْيَظُ رَجُلٍ عَلَى اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَخْبَثُهُ وَأَغْيَظُهُ عَلَيْهِ رَجُلٌ كَانَ يُسَمَّى مَلِكَ الأَمْلاَكِ لاَ مَلِكَ إِلاَّ اللَّهُ )) وللطبراني (( اِشْتَدَّ غَضَب اللَّه عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ مَلِك الْأَمْلَاك )) فهذه السماء وأمثالها لا تجوز ، لأنها توهم المشاركة مع الرب تعالى فيما هو من خصائصه جل وعلا ، ولأنها عبء على العبد الحقير فملك الأملاك هو الله تعالى ، وللحافظ ابن حجر في الفتح كلام جيد حول شرح هذا الحديث فارجع إليه إن شئت .

ومن هذه الأقوال أيضا:- تغيير النبي صلى الله عليه وسلم لاسم ( الحكم ) لما روقب فيه معنى الصفة ، وذلك فيما رواه النسائي رحمه الله تعالى في سننه قال :- أَخْبَرَنَا قُتَيْبَةُ قَالَ حَدَّثَنَا يَزِيدُ وَهُوَ ابْنُ الْمِقْدَامِ بْنِ شُرَيْحٍ { عَنْ أَبِيهِ } عَنْ شُرَيْحِ بْنِ هَانِئٍ عَنْ أَبِيهِ هَانِئٍ أَنَّهُ لَمَّا وَفَدَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَمِعَهُ وَهُمْ يَكْنُونَ هَانِئًا أَبَا الْحَكَمِ فَدَعَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لَهُ (( إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَكَمُ وَإِلَيْهِ الْحُكْمُ فَلِمَ تُكَنَّى أَبَا الْحَكَمِ )) فَقَالَ إِنَّ قومي إِذَا اخْتَلَفُوا في شيء أتوني فَحَكَمْتُ بَيْنَهُمْ فرضي كِلاَ الْفَرِيقَيْنِ قَالَ (( مَا أَحْسَنَ مِنْ هَذَا فَمَا لَكَ مِنَ الْوُلْدِ )) قَالَ لي شُرَيْحٌ وَعَبْدُ اللَّهِ وَمُسْلِمٌ, قَالَ (( فَمَنْ أَكْبَرُهُمْ )) قَالَ شُرَيْحٌ, قَالَ (( فَأَنْتَ أَبُو شُرَيْحٍ )) فَدَعَا لَهُ وَلِوَلَدِهِ . فانظر كيف غير النبي صلى الله عليه وسلم كنيته لما روقب فيها معنى الصفة ، سدا لذريعة توهم أنه ممن يجب الحكم بقوله مطلقا ، وذلك هو الله تعالى ، فهو الحكم العدل ، جل وعلا ولذلك اشترط أهل السنة رحمهم الله تعالى في التسمي بشيء من أسماء الله تعالى أن لا يكون من الأسماء الخاصة به جل وعلا ، وأن يكون مجردا عن ( أل ) وأن لا يراقب فيه معنى الصفة ، وكل هذا لسد ذريعة المشابهة بالله تعالى.

ومن ذلك أيضا :- قول ما شاء الله وشئت ، وهذا مما لا يجوز ، قال النسائي رحمه الله تعالى في سننه :- أَخْبَرَنَا يُوسُفُ بْنُ عِيسَى قَالَ حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى قَالَ حَدَّثَنَا مِسْعَرٌ عَنْ مَعْبَدِ بْنِ خَالِدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ قُتَيْلَةَ - امْرَأَةٌ مِنْ جُهَيْنَةَ - أَنَّ يَهُودِيًّا أَتَى النبي صلى الله عليه وسلم فَقَالَ إِنَّكُمْ تُنَدِّدُونَ وَإِنَّكُمْ تُشْرِكُونَ تَقُولُونَ مَا شَاءَ اللَّهُ وَشِئْتَ وَتَقُولُونَ وَالْكَعْبَةِ فَأَمَرَهُمُ النبي صلى الله عليه وسلم إِذَا أَرَادُوا أَنْ يَحْلِفُوا أَنْ يَقُولُوا (( وَرَبِّ الْكَعْبَةِ )) وَيَقُولُونَ (( مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ شِئْتَ )) فلا يجوز أن يقرن مع الله تعالى غيره في المشيئة بـ ( واو ) العطف ، لأنها تفيد في اللغة مطلق الجمع وهذا لسد ذريعة مساواة غير الله تعالى بالله تعالى فيما هو من خصائصه ، وهذا كله لحماية جناب التوحيد ، ولسد أبواب الشرك والتنديد .

ومن ذلك أيضا:- ما نص عليه أهل العلم رحمهم الله تعالى من منعهم لقول ( لولا الله وفلان ) وقول ( لولا كليبة فلا لأتانا اللصوص ) وقول ( لولا البط في الدار لأتانا اللصوص ) ونحو هذه الأقوال التي فيها الجمع بين الله تعالى وغيره بواو الجمع ، كل ذلك مما لا يجوز لسد ذريعة الشرك والتنديد ، وهو كثير في كلام الناس ، ولكن يجب بيان هذه المسائل لهم ليحذروا منها ، والمخرج من ذلك أن تقول ( لولا الله ثم فلان ) أو لا تجعل فيها فلانا أصلا ، فتقول ( لولا الله وحده ) وتقول ( ما شاء الله وحده ) أو تقول ( ما شاء الله ثم شئت ) فهذا الباب قد سدته الأدلة ، وما ذلك إلا لسد الذرائع الموصلة إلى الوقوع في الشرك ، والله يتولانا وإياك .

{ فصل }

ومن هذه الأبواب أيضا ( باب الحلف بغير الله تعالى ) فإن المتقرر عند أهل العلم رحمهم الله تعالى أنه لا يجوز الحلف إلا باسم من أسماء الله تعالى ، أو صفة من صفاته ، وأما الحلف بغيره فإنه من الشرك ، ولكن يكون من الشرك الأصغر إن لم يصاحبه تعظيم ، وأما إن صاحبه تعظيم كتعظيم الله تعالى فإنه يتحول إلى الشرك الأكبر المخرج عن الملة بالكلية ، فلا يجوز الحلف لا بالآباء ولا بالأمهات ولا بالأنداد ولا بالطواغيت ، ولا بالأمانة ، ولا بالعمر ولا بالحياة ، ولا بالعيش والملح ولا بالوجه ، ولا بأي شيء من المخلوقات ، فالحلف بغير الله تعالى منع كله لأنه يفضي إلى التنديد الكامل الذي يحصل به الخروج من الملة ، قال البخاري في صحيحه :- حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ ابْنُ جَعْفَرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما عَنِ النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ ((أَلاَ مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلاَ يَحْلِفْ إِلاَّ بِاللَّهِ)) فَكَانَتْ قُرَيْشٌ تَحْلِفُ بِآبَائِهَا ، فَقَالَ (( لاَ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ )) وقال مسلم في صحيحه :- حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى عَنْ هِشَامٍ عَنِ الْحَسَنِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (( لاَ تَحْلِفُوا بِالطَّوَاغِي وَلاَ بِآبَائِكُمْ )) وقال أبو داود في سننه :- حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ حَدَّثَنَا أَبِى حَدَّثَنَا عَوْفٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (( لاَ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ وَلاَ بِأُمَّهَاتِكُمْ وَلاَ بِالأَنْدَادِ وَلاَ تَحْلِفُوا إِلاَّ بِاللَّهِ وَلاَ تَحْلِفُوا بِاللَّهِ إِلاَّ وَأَنْتُمْ صَادِقُونَ )) وقال ابن ماجه في سننه :- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ سَمُرَةَ حَدَّثَنَا أَسْبَاطُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ مُحَمَّدِ ابْنِ عَجْلاَنَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ سَمِعَ النبي صلى الله عليه وسلم رَجُلاً يَحْلِفُ بِأَبِيهِ فَقَالَ (( لاَ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ مَنْ حَلَفَ بِاللَّهِ فَلْيَصْدُقْ وَمَنْ حُلِفَ لَهُ بِاللَّهِ فَلْيَرْضَ وَمَنْ لَمْ يَرْضَ بِاللَّهِ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ )) وقال أحمد في المسند :- حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ مَوْلَى بني هَاشِمٍ قَالَ حَدَّثَنَا زَائِدَةُ حَدَّثَنَا سِمَاكٌ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ عُمَرُ كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم في رَكْبٍ فَقَالَ رَجُلٌ لاَ وَأَبِى فَقَالَ رَجُلٌ (( لاَ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ )) فَالْتَفَتُّ فَإِذَا هُوَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم . وقال البخاري في صحيحه :- حدثني إِسْحَاقُ أَخْبَرَنَا أَبُو الْمُغِيرَةِ حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِىُّ حَدَّثَنَا الزهري عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (( مَنْ حَلَفَ مِنْكُمْ فَقَالَ في حَلِفِهِ بِاللاَّتِ وَالْعُزَّى , فَلْيَقُلْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ , وَمَنْ قَالَ لِصَاحِبِهِ تَعَالَ أُقَامِرْكَ ، فَلْيَتَصَدَّقْ )) وقال أبو داود في سننه :- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ حَدَّثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ قَالَ سَمِعْتُ الْحَسَنَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ قَالَ سَمِعَ ابْنُ عُمَرَ رَجُلاً يَحْلِفُ لاَ وَالْكَعْبَةِ فَقَالَ لَهُ ابْنُ عُمَرَ إني سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ (( مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ فَقَدْ أَشْرَكَ )) وقال أبو داود في سننه :- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ ثَعْلَبَةَ الطائي عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (( مَنْ حَلَفَ بِالأَمَانَةِ فَلَيْسَ مِنَّا )) وكل ذلك إنما هو لسد ذريعة الشرك الأكبر ، لأن الحلف من العبادات ، والمتقرر أن العبادة لا تكون إلا لله تعالى ، فانتبهوا لهذا رحمكم الله تعالى ، لا يدخلن عليكم الشيطان في شيء من ذلك ، فأحكموا في وجهه إغلاق الأبواب جعلت فداكم ، والله يتولانا وإياكم .

{ فصل }

ومن هذه الأبواب التي سدت خوفا من الوقوع في الشرك ( باب التمائم ) فإن باب التمائم إنما حرم لسد ذريعة الشرك ، فأما التمائم الشركية فاتفق العلماء رحمهم الله تعالى على منعها ، وأما التمائم من القرآن ففيها نوع خلاف ، والأصح فيها المنع ، ومما علل به المانعون عدة أشياء ، ومن ذلك :- سد الذريعة ، وهو تعليل معتبر صحيح ، فمن علق تميمة فقد وقع في الشرك ، لكنه لا يخلو من حالتين :- إما أن يعتقد أن الله تعالى هو الذي بيده جلب الخيرات ودفع المضرات ، وأن هذه التميمة سبب من الأسباب فقط ، فهذا هو الشرك الأصغر ، لأنه اعتقد سببا ما ليس بسبب لا في الشرع ولا في القدر ، ولأنه وسيلة للشرك الأكبر ، وأما إن اعتقد أن التميمة هي بذاتها التي تجلب الخير وتدفع الشر فإنه قد وقع في الشرك الأكبر ، فهذا الباب كله حرام ، قال أبو داود في سننه :- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ يَحْيَى ابْنِ الْجَزَّارِ عَنِ ابْنِ أخي زَيْنَبَ امْرَأَةِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ زَيْنَبَ امْرَأَةِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ (( إِنَّ الرُّقَى وَالتَّمَائِمَ وَالتِّوَلَةَ شِرْكٌ )) قَالَتْ قُلْتُ لِمَ تَقُولُ هَذَا وَاللَّهِ لَقَدْ كَانَتْ عيني تَقْذِفُ وَكُنْتُ أَخْتَلِفُ إِلَى فُلاَنٍ اليهودي يرقيني فَإِذَا رقاني سَكَنَتْ. فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ إِنَّمَا ذَاكِ عَمَلُ الشَّيْطَانِ كَانَ يَنْخَسُهَا بِيَدِهِ فَإِذَا رَقَاهَا كَفَّ عَنْهَا إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيكِ أَنْ تقولي كَمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ (( أَذْهِبِ الْبَاسَ رَبَّ النَّاسِ اشْفِ أَنْتَ الشافي لاَ شِفَاءَ إِلاَّ شِفَاؤُكَ شِفَاءً لاَ يُغَادِرُ سَقَمًا )) وفي الحديث (( مَنْ تَعَلَّقَ تَمِيمَةً فَلاَ أَتَمَّ اللَّهُ لَهُ وَمَنْ تَعَلَّقَ وَدَعَةً فَلاَ وَدَعَ اللَّهُ لَهُ )) وفي الحديث (( من تعلق تميمة فقد أشرك )) وفي المسند أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرويفع (( يَا رُوَيْفِعُ لَعَلَّ الْحَيَاةَ سَتَطُولُ بِكَ فَأَخْبِرِ النَّاسَ أَنَّهُ مَنْ عَقَدَ لِحْيَتَهُ أَوْ تَقَلَّدَ وَتَراً أَوِ اسْتَنْجَى بِرَجِيعِ دَابَّةٍ أَوْ عَظْمٍ فَقَدْ بَرِئَ مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ )) وقال البخاري في صحيحه حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِى بَكْرٍ عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ أَنَّ أَبَا بَشِيرٍ الأنصاري رضي الله عنه أَخْبَرَهُ أَنَّهُ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم في بَعْضِ أَسْفَارِهِ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ حَسِبْتُ أَنَّهُ قَالَ وَالنَّاسُ في مَبِيتِهِمْ ، فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَسُولاً (( أَنْ لاَ يَبْقَيَنَّ في رَقَبَةِ بَعِيرٍ قِلاَدَةٌ مِنْ وَتَرٍ أَوْ قِلاَدَةٌ إِلاَّ قُطِعَتْ )) وقال مسلم في صحيحه :- حَدَّثَنَا يَحْيَى ابْنُ يَحْيَى قَالَ قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِى بَكْرٍ عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ أَنَّ أَبَا بَشِيرٍ الأنصاري أَخْبَرَهُ أَنَّهُ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم في بَعْضِ أَسْفَارِهِ قَالَ:- فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَسُولاً - قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِى بَكْرٍ حَسِبْتُ أَنَّهُ قَالَ وَالنَّاسُ في مَبِيتِهِمْ - (( لاَ يَبْقَيَنَّ في رَقَبَةِ بَعِيرٍ قِلاَدَةٌ مِنْ وَتَرٍ أَوْ قِلاَدَةٌ إِلاَّ قُطِعَتْ )) قَالَ مَالِكٌ أُرَى ذَلِكَ مِنَ الْعَيْنِ . فباب التمائم كله لا يجوز ، لأنه من الأبواب التي توصل صاحبها إلى الشرك ، وسدا لذريعة الوقوع في الشرك تمنع التمائم كلها ، من القرآن ، وغير القرآن ، والله يتولانا وإياك

{ فصل }

ومن هذه الأبواب التي سدت خوفا من الوقع في الشرك ( باب الطيرة ) فإن الأصل منع التطير بالشيء إلا بدليل ، وذلك لأن التطير بالشيء قد يكون جارا صاحبه إلى اعتقاد أن هذا الشيء هو الذي جلب الشر أو دفع الشر بذاته ، وهذا هو الشرك الأكبر ، فمن تطير بشيء ، أي تشاءم منه فلا يخلو :- إما أن يكون يعتقد أن الله تعالى هو الذي بيده النفع والضر وأن أحدا لا يملك مع الله تعالى شيئا ، ولكن هذا المرئي أو هذا المسموع من أسباب التطير فقط فهذا هو الشرك الأصغر وأما إن اعتقد أن هذا الشيء المتطير به هو الذي أوجب الشر بذاته فهذا هو الشرك الأكبر المحرج لصاحبه من الملة ، فباب التطير كله ممنوع لسد ذريعة الوقوع في الشرك ، قال البخاري في صحيحه حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه عَنِ النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ (( لاَ عَدْوَى وَلاَ طِيَرَةَ ، ويعجبني الْفَأْلُ الصَّالِحُ ، الْكَلِمَةُ الْحَسَنَةُ )) وقال مسلم في صحيحه: وَحَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزهري عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ ابْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ سَمِعْتُ النبي صلى الله عليه وسلم يَقُولُ (( لاَ طِيَرَةَ وَخَيْرُهَا الْفَأْلُ )) قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الْفَأْلُ قَالَ (( الْكَلِمَةُ الصَّالِحَةُ يَسْمَعُهَا أَحَدُكُمْ )) وقال أبو داود في سننه :- حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى حَدَّثَنَا عَوْفٌ حَدَّثَنَا حَيَّانُ قَالَ غَيْرُ مُسَدَّدٍ حَيَّانُ بْنُ الْعَلاَءِ حَدَّثَنَا قَطَنُ بْنُ قَبِيصَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ (( الْعِيَافَةُ وَالطِّيَرَةُ وَالطَّرْقُ مِنَ الْجِبْتِ )) وقال في سننه أيضا :- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ عَنْ عِيسَى بْنِ عَاَصِمٍ عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ (( الطِّيَرَةُ شِرْكٌ الطِّيَرَةُ شِرْكٌ )) ثَلاَثًا (( وَمَا مِنَّا إِلاَّ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُذْهِبُهُ بِالتَّوَكُّلِ )) وقال أيضا :- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ الْمَعْنَى قَالاَ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِى ثَابِتٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ أَحْمَدُ الْقُرَشِىُّ قَالَ ذُكِرَتِ الطِّيَرَةُ عِنْدَ النبي صلى الله عليه وسلم فَقَالَ (( أَحْسَنُهَا الْفَأْلُ وَلاَ تَرُدُّ مُسْلِمًا فَإِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ مَا يَكْرَهُ فَلْيَقُلِ اللَّهُمَّ لاَ يأتي بِالْحَسَنَاتِ إِلاَّ أَنْتَ وَلاَ يَدْفَعُ السَّيِّئَاتِ إِلاَّ أَنْتَ وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِكَ )) فالطيرة كلها لا تجوز ، إلا ما ورد به النص ولبحثه موضع آخر ، حتى لا نكدر عليك صفو الاستدلال ، فليتق الله تعالى هؤلاء الذين يتشاءمون مما يرونه أو يسمعونه ، فإن الطيرة شرك ، وهي من أخطر ما يحبط الهمم والعزائم عن المصالح, وهي من اعتقادات الجاهلية التي جاء النبي صلى الله عليه وسلم بسد أبوابها ، والله يتولانا وإياك .

{ فصل }

ومن هذه الأبواب أيضا ( تحريم الغلو ) وهو تجاوز الحد ، وهو أس البلاء وبوابة الشرك الكبرى وهو مصيدة الشيطان التي لا يكاد يسلم منها إلا القليل ، وهو الذي أوقع من قبلنا من اليهود والنصارى فيما وقعوا فيه من الشرك والوثنية ، بل هو أصل الشرك وبذرته الأولى ، وهو أوسع الذرائع الموصلة إليه ، وقد وردت الأدلة بالتحذير منه ، قال تعالى }يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ {وقال النسائي في سننه :- أَخْبَرَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِىُّ قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ قَالَ حَدَّثَنَا عَوْفٌ قَالَ حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ حُصَيْنٍ عَنْ أَبِى الْعَالِيَةِ قَالَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ لي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم غَدَاةَ الْعَقَبَةِ وَهُوَ عَلَى رَاحِلَتِهِ (( هَاتِ الْقُطْ لِى )) فَلَقَطْتُ لَهُ حَصَيَاتٍ هُنَّ حَصَى الْخَذْفِ فَلَمَّا وَضَعْتُهُنَّ في يَدِهِ قَالَ بِأَمْثَالِ هَؤُلاَءِ (( وَإِيَّاكُمْ وَالْغُلُوَّ في الدِّينِ فَإِنَّمَا أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمُ الْغُلُوُّ في الدِّينِ )) وهذا الحديث وإن ورد على سبب خاص ، إلا أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ، وكل دليل يدل على وجوب التزام الوسطية في العقيدة والعمل فإنه دليل على الأمر بمجانبة الغلو ، لأن الوسطية طريق بين هاويتين ، وهدى بين ضلالتين ، وهي ضد الغلو في الجهتين ، في جهة الإفراط ، وفي جهة التفريط ، والمتقرر أن الأمر بالشيء نهي عن ضده ، قال البخاري في صحيحه :- حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِى مَرْيَمَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ أَخْبَرَنَا حُمَيْدُ بْنُ أَبِى حُمَيْدٍ الطَّوِيلُ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رضي الله عنه يَقُولُ جَاءَ ثَلاَثَةُ رَهْطٍ إِلَى بُيُوتِ أَزْوَاجِ النبي صلى الله عليه وسلم يَسْأَلُونَ عَنْ عِبَادَةِ النبي صلى الله عليه وسلم فَلَمَّا أُخْبِرُوا كَأَنَّهُمْ تَقَالُّوهَا فَقَالُوا وَأَيْنَ نَحْنُ مِنَ النبي صلى الله عليه وسلم قَدْ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ , قَالَ أَحَدُهُمْ أَمَّا أَنَا فإني أُصَلِّى اللَّيْلَ أَبَدًا , وَقَالَ آخَرُ أَنَا أَصُومُ الدَّهْرَ وَلاَ أُفْطِرُ , وَقَالَ آخَرُ أَنَا أَعْتَزِلُ النِّسَاءَ فَلاَ أَتَزَوَّجُ أَبَدًا , فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ (( أَنْتُمُ الَّذِينَ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا أَمَا وَاللَّهِ إني لأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وَأَتْقَاكُمْ لَهُ ، لَكِنِّى أَصُومُ وَأُفْطِرُ ، وَأُصَلِّى وَأَرْقُدُ وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سنتي فَلَيْسَ مِنِّى )) وهذا أمر بالوسطية ومجانبة الغلو ، وقال البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه:- حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ دَخَلَ النبي صلى الله عليه وسلم فَإِذَا حَبْلٌ مَمْدُودٌ بَيْنَ السَّارِيَتَيْنِ فَقَالَ (( مَا هَذَا الْحَبْلُ )) قَالُوا هَذَا حَبْلٌ لِزَيْنَبَ فَإِذَا فَتَرَتْ تَعَلَّقَتْ , فَقَالَ النبي صلى الله عليه وسلم (( لاَ ، حُلُّوهُ ، لِيُصَلِّ أَحَدُكُمْ نَشَاطَهُ ، فَإِذَا فَتَرَ فَلْيَقْعُدْ )) وهذا أمر بالوسطية ، ويتضمن النهي عن الغلو في الدين ، وقال رحمه الله تعالى :- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ هِشَامٍ قَالَ أخبرني أَبِى عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم دَخَلَ عَلَيْهَا وَعِنْدَهَا امْرَأَةٌ قَالَ (( مَنْ هَذِهِ )) قَالَتْ فُلاَنَةُ . تَذْكُرُ مِنْ صَلاَتِهَا قَالَ (( مَهْ ، عَلَيْكُمْ بِمَا تُطِيقُونَ ، فَوَاللَّهِ لاَ يَمَلُّ اللَّهُ حَتَّى تَمَلُّوا )) وَكَانَ أَحَبَّ الدِّينِ إِلَيْهِ مَا دَامَ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ . وهذا أمر بالوسطية ويتضمن النهي عن الغلو ، وقال رحمه الله تعالى :- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ (( إِذَا نَعَسَ أَحَدُكُمْ وَهُوَ يُصَلِّي فَلْيَرْقُدْ حَتَّى يَذْهَبَ عَنْهُ النَّوْمُ ، فَإِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا صَلَّى وَهُوَ نَاعِسٌ لاَ يَدْرِى لَعَلَّهُ يَسْتَغْفِرُ فَيَسُبَّ نَفْسَهُ )) فإن تكلف الصلاة وقهر النفس عليها حال الرغبة الشديدة للنوم من الغلو المنهي عنه ، وأعني بذلك صلاة النافلة ، والأدلة في هذا المعنى كثيرة ، ولنا رسالة خاصة في شرح قاعدة الوسطية عند أهل السنة رحمهم الله تعالى ، وما وقع الشرك في بني آدم إلا بسبب الغلو في الدين ، لاسيما الغلو في محبة الأولياء والصالحين ، كما قدمنا لك ذكره في سياقنا لحديث ابن عباس رضي الله عنهما ، والغلو هو الطامة الكبرى ، وهل وقع الممثلة فيما وقعوا فيه من تمثيل صفات الله تعالى بخلقه إلا بالغلو ، وهل وقع المعطلة فيما وقعوا فيه من تعطيل الصفات إلا بسبب الغلو ، وهل وقع القدرية فيما وقعوا فيه من إنكار القدر إلا بسبب الغلو ، وهل وقع الجبرية فيما وقعوا فيه من إنكار قدرة العبد وإرادته إلا بسبب الغلو ، وهل عبدت القبور إلا بالغلو ، وهل طيف بها وذبح لها ونذر لها ودعي أصحابها من دون الله تعالى واستغيث بهم إلا بسبب الغلو في الدين ، وهل أطيع الأمراء والعلماء في معصية الله تعالى من تحليل الحرام أو تحريم الحرام إلا بسبب الغلو فيهم وفي طاعتهم ، وهل حلف بغير الله إلا بسبب الغلو ، وهل وقع الرافضة في الصحابة سبا وتجريحا وتكفيرا إلا بسبب الغلو ، وهل خرج الخوارج ومرقت المارقة إلا بسبب الغلو ، وهل رفع آل البيت إلى مراتب الألوهية إلا بسبب الغلو ، وهل كفر مرتكب الكبيرة أو قيل لا تأثير لكبيرته في إيمانه إلا بسبب الغلو ، وهل قتلت الأنفس البريئة المعصومة إلا بسبب الغلو ، وهل ... وهل ... وهل ، الخ ، فهو أساس البلاء ، وأصل المخالفة ، فالحذر الحذر أيها الناس من الغلو في الدين ، فإنه بوابة الشرك ، ومهيع الخسارة ، وقرين الهلاك ، وأكبر خطوات الشيطان، وأول الفساد في العلم والعمل ، ومفتاح دار الأحزان ، ودمار البلاد والعباد ، ومهلك الحرث والنسل ، فما حل الغلو في بلاد إلا هلك أهلها ، ولا في عقيدة إلا أفسدها ، ولا في عبادة إلا وجعلها في مصاف البدع في الأغلب ، ولا في قلب عبد إلا أفسد عليه انشراحه ونكد عليه سروره وشدد عليه أموره ، فالحذر الحذر يا عباد الله منه، فما تنصر النصارى إلا بسببه ولا تهود اليهود إلا عن طريقه ، وما تفرعن فرعون إلا به ، ولا أشرك من أشرك من الثقلين إلا وكان هو المقدمة والدليل ، فهو دليل الشرك ومحيي الوثنية ، نعوذ بالله تعالى من الغلو في الدين ، نعوذ بالله تعالى من الغلو في الدين ، نعوذ بالله تعالى من الغلو في الدين ، فانظر كيف سدت الشريعة باب الغلو كله أوله وآخره ، لأجل سد أبواب الفساد ، لا سيما باب الشرك الأكبر ، وهذا كله متفرع تحت القاعدة الكبرى (سد الذرائع) فالله أكبر ، ما أعظم هذه القاعدة ، وما أكبر تأثيرها في الفروع ، والله المستعان على من يزهد الناس في دراسة القواعد، والله يتولانا وإياك .

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 23-06-2011, 08:06 PM
الصورة الرمزية أبو الشيماء
أبو الشيماء أبو الشيماء غير متصل
مراقب الملتقيات
 
تاريخ التسجيل: Jul 2008
مكان الإقامة: أينما شاء الله
الجنس :
المشاركات: 6,415
الدولة : Morocco
افتراضي رد: الحصون المنيعة في شرح قاعدة سد الذريعة .

{ فصل }
ومن هذه الأبواب التي سدت وأحكم غلقها لسد ذريعة الشرك باب ( الإحداث في الأسباب) ذلك لأن المتقرر أن السبب والمسبب والرابط بينهما إنما هو من فعل الله تعالى ، فالله تعالى هو الذي خلق السبب وأثره ، وعليه :- فالمتقرر أنه لا يجوز اعتقاد سبب ما ليس بسبب لا شرعا ولا قدرا لأن هذا الاختراع تدخل في باب الربوبية ، وهذا أقل أحواله أن يكون من الشرك الأصغر ، إلا إن كان يعتقد أن هذا السبب بعينه هو الفاعل فهذا شرك أكبر ، فانظر كيف سدت الشريعة باب الإحداث في الأسباب سدا لذريعة الشرك الأكبر .
وعلى ذلك :- ما جاءت به الأدلة من تحريم نسبة المطر إلى النوء ، أعني نسبة سببية لا نسبة توقيت فقط ، فلا يجوز أن يقال :- مطرنا بنوء كذا وكذا ، أي بسبب نوء كذا وكذا ، قال البخاري في صحيحه :- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِىِّ أَنَّهُ قَالَ صَلَّى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَلاَةَ الصُّبْحِ بِالْحُدَيْبِيَةِ عَلَى إِثْرِ سَمَاءٍ كَانَتْ مِنَ اللَّيْلَةِ ، فَلَمَّا انْصَرَفَ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ (( هَلْ تَدْرُونَ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ )) قَالُوا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ , قَالَ (( أَصْبَحَ مِنْ عبادي مُؤْمِنٌ بي وَكَافِرٌ ، فَأَمَّا مَنْ قَالَ مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ فَذَلِكَ مُؤْمِنٌ بي وَكَافِرٌ بِالْكَوْكَبِ ، وَأَمَّا مَنْ قَالَ بِنَوْءِ كَذَا وَكَذَا فَذَلِكَ كَافِرٌ بي وَمُؤْمِنٌ بِالْكَوْكَبِ )) والكفر هنا يحتمل أنه يراد به الكفر الأصغر فيما إن كان يقصد نسبة التسبب فقط ، أي أن هذا المطر الذي نزل سببه النوء الفلاني ، فهذا من الكفر الأصغر والشرك الأصغر ، وأما إن كان يقصد أن النوء الفلاني هو الذي أحدث وأوجد هذا المطر فهذا من الشرك الأكبر المخرج عن الملة بالكلية ، فسد باب الاعتقاد في الأنواء أنها من أسباب الخير والنعم لسد باب الشرك ، وهذا كله يتفرع على القاعدة الكبرى ( سد الذرائع )
ومن ذلك أيضا :- سد باب التمائم كلها من القرآن وغير القرآن ، لأن الدليل قد قرر أن تعليق التميمة من الشرك ، لكنه يكون من الشرك الأصغر إن اعتقد أن النافع والضار هو الله تعالى وإنما التميمة من أسباب دفع البلاء ، لا أن التميمة هي التي تجلب الخير بذاتها أو تدفع الشر بذاتها فيكون من الشرك الأكبر ، وقد قدمنا الأدلة على هذا .
ومن ذلك أيضا :- سد باب التطير ، كما ذكرناه لك سابقا .
ومن ذلك أيضا :- سد باب إتيان الكهان والسحرة ، لأنه يفضي بالعبد إلى تصديقهم فيما يدعونه من علم الغيب فيفضي به ذلك إلى الوقوع في الشرك الأكبر المخرج عن الملة ، والحق أنه لا يجوز حل السحر بالسحر كما شرحناه في رسالة مستقلة في هذا الشأن بينا فيها الأدلة والقواعد المتقرر في تحريم إتيان الكهان والسحرة للعلاج عندهم ، وكل هذا قد سدت الشريعة بابه لأنه يفضي بالعبد إلى الوقوع فيما لا تحمد عقباه من الشرك الأكبر ، ولذلك فإن المتقرر في الأسباب أنها مؤثرة لكن لا بذاتها ، بل بجعل الله تعالى لها مؤثرة ، والمتقرر أن من اعتقد سببا لم يدل عليه شرع ولا قدر فقد وقع في الشرك الأصغر ، وإن اعتقد أن السبب هو الفاعل بذاته فقد وقع في الشرك الأكبر .
{ فصل }
ومن هذا الباب أيضا سد أهل السنة والجماعة ( باب البحث عن كيفية صفات الله تعالى ) فإن المتقرر عند أهل السنة والجماعة رحمهم الله تعالى أن نصوص الصفات مما يعلم معناه ، وأما كيفيتها على ما هي عليه في الحقيقة والواقع فهذا أمر لا يعلمه إلا الله تعالى ، ولا يجوز البتة البحث في كيفية شيء من صفات الله تعالى ، لأن كيفية الشيء لا تعلم إلا برؤيته ، أو رؤية نظيره ، أو إخبار الصادق عنه ، وكلها منتفية في حق صفات الله تعالى ، ولذلك قال تعالى }لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ{ وقال }وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ{ وقال } فَلاَ تَضْرِبُواْ لِلّهِ الأَمْثَالَ { وأنه لا بد من قطع الطمع في التعرف على كيفية صفات الله تعالى ، مع الاعتقاد الجازم أن لها كيفية ، ولكن لا يعلم أحد كيف الله تعالى إلا الله تعالى ، وأهل السنة سدوا هذا الباب حتى لا يقع العبد في تمثيل صفات الله تعالى بصفات شيء من خلقه ، فيوقعه هذا في التمثيل الموصل بالعبد لدائرة الكفر والعياذ بالله ، ولذلك قرر أهل السنة رحمهم الله تعالى أن من شبه الله تعالى بخلقه فقد كفر ، وهذا التشبيه الكفري لا يصل العبد إليه إلا بفتح باب البحث عن كيفية الصفة ، فسد باب البحث فيها حتى يسد باب الكفر ، لأن التشبيه هو الذي أوقع أهل التمثيل في الكفر ، وأوقع أهل التعطيل في الكفر ، فمن شبه الله بخلقه فقد كفر ، ومن جحد ما وصف الله تعالى به نفسه فقد كفر ، وهذا كله باب مسدود وسده لا يكون محكما إلا بسد باب البحث عن الكيفية ، ولذلك ما سلم في دينه من فتح لعقله البحث عن كيفية شيء من صفات الله تعالى ، فانظر كيف دخلت هذه القاعدة في أبواب العقيدة دخولا كبيرا ، لأن من أبواب العقيدة ما تكون العلة في سده أنه مفض إلى الوقوع في الكفر أو الشرك , والله المستعان .
{ فصل }
ومما يفرع على هذه القاعدة أيضا أنه ( لا يجوز النظر في التوراة والإنجيل ، ولا يجوز النظر في كتب أهل البدع ) حتى لا يقع في قلب الناظر شيء من الريب والشك فيهلك ، فإن الشبه خطافة والسلامة منها في ترك النظر فيها ، أو سماعها ، فلا بد من حماية القلب والعقل مما قد يكون سببا في ضلاله وهلاكه ، ولا بد من حماية العقيدة مما يكون سببا في فسادها ، وهذا لا يكون إلا بسد هذا الباب السد المحكم ، ولذلك فقد غضب النبي صلى الله عليه وسلم لما رأى في يد عمر صحيفة من أهل الكتاب ، فقد روى أحمد في المسند قال :- حَدَّثَنَا سُرَيْجُ بْنُ النُّعْمَانِ قَالَ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ أَخْبَرَنَا مُجَالِدٌ عَنِ الشَّعْبِىَِّ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَتَى النبي صلى الله عليه وسلم بِكِتَابٍ أَصَابَهُ مِنْ بَعْضِ أَهْلِ الْكُتُبِ فَقَرَأَهُ عَلَى النبي صلى الله عليه وسلم فَغَضِبَ وَقَالَ (( أَمُتَهَوِّكُونَ فِيهَا يَا ابْنَ الْخَطَّابِ والذي نفسي بِيَدِهِ لَقَدْ جِئْتُكُمْ بِهَا بَيْضَاءَ نَقِيَّةً لاَ تَسْأَلُوهُمْ عَنْ شيء فَيُخْبِرُوكُمْ بِحَقٍّ فَتُكَذِّبُوا بِهِ أَوْ بِبَاطِلٍ فَتُصَدِّقُوا بِهِ وَالَّذِى نفسي بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ مُوسَى كَانَ حَيًّا مَا وَسِعَهُ إِلاَّ أَنْ يتبعني )) فلا يجوز النظر في كتب أهل البدع ولا كتب أهل الكلام المذموم ، والذي مبناه على مخالفة المنقول ومناقضة المعقول ، وهل أفسد على كثير من المسلمين عقيدتهم إلا لما نظروا في هذه الكتب قبل التضلع من علوم الكتاب والسنة ، وأما من كان عالما بالكتاب والسنة وعقيدة سلف الأمة وأخذ منها الحظ الوافر والنصيب الأكبر ، ثم طالع شيئا من كتب أهل البدع ليتعرف على عقيدتهم من كتبهم للرد عليها ولكشف عوارها فلا حرج ، لكن الباب ليس مفتوحا لكل أحد سدا لذريعة فساد العقيدة والعمل والله المستعان .
{ فصل }
وأما في مسائل الفقه فقد كان أهل العلم رحمهم الله تعالى يعللون بهذا الأصل كثيرا - أعني بسد الذرائع - وهي من القواعد المقررة في الفقه ، وأنا أضرب لك أمثلة كثيرة جدا على ذلك وأذكر لك الأدلة عليها حتى يطمئن قلبك لهذه القاعدة وتفهمها فهما جليا فأقول :-
منها:- أن المتقرر عند أهل العلم رحمهم الله تعالى أن ( كل وسيلة تفضي إلى الوقوع في الفاحشة فهي حرام ) وعليه :-
فالصحيح:- أنه لا يجوز سفر المرأة بلا محرم ، لأنه من هذه الوسائل ، قال النبي صلى الله عليه وسلم (( لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر إلا مع ذي محرم )) والأحاديث في اشتراط المحرم كثيرة.
ومن ذلك :- أنه يحرم الخلوة بامرأة أجنبية ، قال النبي صلى الله عليه وسلم (( لا يخلون رجل بامرأة إلا وكان الشيطان ثالثهما )) وقال عليه الصلاة والسلام (( إياكم والدخول على النساء )) فقال رجل :- يا رسول الله ، أرأيت الحمو ؟ فقال (( الحمو الموت )) وعاملة المنزل أجنبية عنك فلا يجوز لك الخلوة بها .
ومن ذلك :- أنه لا يجوز النظر إلى المرأة الأجنبية ، لأن النظر لها من أعظم أسباب قيام داعي الفاحشة ، فإن النظر بريد القلب ، قال الله تعالى }قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ{ وقال }وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ { فقد تبين أن غض البصر دليل على حفظ الفرج ، لأن من لا يحفظ بصره فإنه غير قادر على حفظ فرجه من باب أولى ، وهذا من باب سد الذريعة .
ومن ذلك :- أنه أوجب على المرأة أن تحتجب ، والصحيح أن الحجاب لا يكون من الحجاب الشرعي إلا إن كان ساترا لكل تفاصيل جسمها ، لا سيما وجهها ، فلا يجوز للمرأة أن تخرج من بيتها وقد بدا منها أي شيء ، حتى ظفرها ، قال تعالى } يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ { وقال تعالى } وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ { إلى أن قال تعالى } وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ{ والأدلة في الأمر بالحجاب كثيرة جدا ، ودعك ممن يقول:- إن الوجه ليس مما يجب تغطيته ، فإن هذا القول وإن قال به بعض الأئمة ولكنه خطأ لا بد من تصحيحه ، بل الحق الحقيق بالقبول والاعتماد هو أن وجه المرأة من زينتها المأمورة بستره ، بل هو من أعظم زينتها ، ولا يمكن أن تأمر الشريعة بستر خلخالها الذي في رجلها وهي في الغالب ليست محط النظر ، وتجيز لها كشف وجهها الذي هو محط الجمال والزينة .
ومن ذلك :- نهيها عن الخضوع في القول حتى لا يطمع الذي في قلبه مرض ، قال تعالى }فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ{ والمرض هنا مرض الشهوة ، فإن صوت المرأة ليس بعورة في ذاته ، ولكنه يكون عورة إن تأنثت فيه التأنث المفضي إلى ميل قلوب الرجال ، وهو الذي عبر عنه القرآن بالخضوع ، وهو التكسر في الكلام بحيث يشعر الرجل أنها ذات ملاحة وجمال ودلال ، فإن الأذن تعشق قبل العين أحيانا ، كما قيل .
ومن ذلك :- أن الشريعة نهت المرأة أن تصف امرأة أخرى لزوجها أو أحد محارمها كأنه يراها رأي العين ، حتى لا تتعلق نفسه بها ، فيحصل الممنوع شرعا ، قال البخاري في صحيحه :- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِى وَائِلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ قَالَ النبي صلى الله عليه وسلم (( لاَ تُبَاشِرِ الْمَرْأَةُ الْمَرْأَةَ فَتَنْعَتَهَا لِزَوْجِهَا ، كَأَنَّهُ يَنْظُرُ إِلَيْهَا )) وما ذلك إلا لأن نفسه ستتعلق بهذه المرأة الموصوفة وسيكون هذا من فتح أبواب الشيطان عليه ، ومن ذلك أن الشريعة نهت أن يفضي الرجل للرجل في الثوب الواحد ، وأن تفضي المرأة للمرأة في الثوب الواحد ، خشية من وقوع المحذور بملامسة الأجساد ، قال مسلم في صحيحه :- حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ عُثْمَانَ قَالَ أَخْبَرَنِى زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ (( لاَ يَنْظُرُ الرَّجُلُ إِلَى عَوْرَةِ الرَّجُلِ وَلاَ الْمَرْأَةُ إِلَى عَوْرَةِ الْمَرْأَةِ وَلاَ يُفْضِى الرَّجُلُ إِلَى الرَّجُلِ في ثَوْبٍ وَاحِدٍ وَلاَ تفضي الْمَرْأَةُ إِلَى الْمَرْأَةِ في الثَّوْبِ الْوَاحِدِ )) .
ومن ذلك :- أن الشريعة أمرت بالتفريق بين الأولاد في المضاجع إن بلغوا عشر سنين ، قال النبي صلى الله عليه وسلم (( مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين ، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر سنين ، وفرقوا بينهم في المضاجع )) وكل ذلك لسد ذريعة الوقوع فيما لا تحمد عقباه ، ومن ذلك تحريم الخلوة بالغلام الأمرد ، فإن فتنته أعظم وأشد من فتنة النساء ، قال أبو العباس رحمه الله تعالى ( وكذلك مقدمات الفاحشة عند التلذذ بقبلة الأمرد ولمسه والنظر إليه هو حرام باتفاق المسلمين كما هو كذلك في المرأة الأجنبية ) وقال رحمه الله تعالى ( وكذلك إذا مس الأمرد لشهوة والتلذذ بمس الأمرد كمصافحته ونحو ذلك حرام بإجماع المسلمين كما يحرم التلذذ بمس ذوات المحارم والمرأة الأجنبية ) وقال رحمه الله تعالى ( والنظر إلى وجه الأمرد بشهوة كالنظر إلى وجه ذوات المحارم والمرأة الأجنبية بالشهوة سواء كانت الشهوة شهوة الوطء أو كانت شهوة التلذذ بالنظر كما يتلذذ بالنظر إلى وجه المرأة الأجنبية كان معلوما لكل أحد أن هذا حرام فكذلك النظر إلى وجه الأمرد باتفاق الأئمة ) وقال رحمه الله تعالى ( وكذلك النظر إلى الأمرد بشهوة هو من هذا الباب وقد اتفق العلماء على تحريم ذلك كما اتفقوا على تحريم النظر إلى الأجنبية وذوات المحارم بشهوة ) وقال رحمه الله تعالى ( وكذلك المردان الحسان لا يصلح أن يخرجوا في الأمكنة والأزقة التي يخاف فيها الفتنة إلا بقدر الحاجة فلا يمكن الأمرد الحسن من التبرج ولا من الجلوس في الحمام بين الأجانب ولا من رقصه بين الرجال ونحو ذلك مما فيه فتنة للناس والنظر إليه كذلك ) وقال رحمه الله تعالى ( ولهذا كان النظر الذي قد يفضى إلى الفتنة محرما إلا إذا كان لحاجة راجحة مثل نظر الخاطب والطبيب وغيرهما فإنه يباح النظر للحاجة مع عدم الشهوة وأما النظر لغير حاجة إلى محل الفتنة فلا يجوز ومن كرر النظر إلى الأمرد ونحوه وأدامه وقال إني لا أنظر لشهوة كذب في ذلك فإنه إذا لم يكن له داع يحتاج معه إلى النظر لم يكن النظر إلا لما يحصل في القلب من اللذة بذلك ) وكلام أهل العلم رحمهم الله تعالى في هذه المسألة كثير لا يكاد يحصر ، ولذلك فإنه لا يجوز تصوير النساء في الأفراح على القول الصحيح ، والصحيح أنه لا يجوز سفر المرأة بلا محرم حتى للحج والصحيح أن كف المرأة يجب ستره ، والصحيح أنه لا يجوز لها أن تكون إمامة للرجال في الصلاة والصحيح أن الأمرد الجميل الذي يخاف منه وعليه الفتنة يعامل معاملة المرأة في خروجه وسفره والخلوة به ، ولا يصلح الناس إلا هذا ، وأما دعوى أن هذا من التشديد والتنطع والفقه الجديد فهو الذي فتح باب الشر على الناس ، فإن التساهل في مثل ذلك أوجب فسادا كبيرا وشرا مستطيرا.
ومن ذلك:- أنه لا يجوز للمرأة الخروج وهي متعطرة ، سدا لذريعة الافتتان بها ، حتى ولو للصلاة قال مسلم في صحيحه :- حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلاَنَ حدثني بُكَيْرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الأَشَجِّ عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ زَيْنَبَ امْرَأَةِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَتْ قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (( إِذَا شَهِدَتْ إِحْدَاكُنَّ الْمَسْجِدَ فَلاَ تَمَسَّ طِيبًا )) فإذا كان هذا في شأن حضور الصلاة ومكان التعبد فكيف بالأسواق وتجمعات الرجال ؟ فاللهم رحماك ، ومن ذلك سد أبواب الزنا الأصغر ، أعني به الموضح فيما رواه البخاري في صحيحه قال :- حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِىُّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ لَمْ أَرَ شَيْئًا أَشْبَهَ بِاللَّمَمِ مِنْ قَوْلِ أَبِى هُرَيْرَةَ . حدثني مَحْمُودٌ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ مَا رَأَيْتُ شَيْئًا أَشْبَهَ بِاللَّمَمِ مِمَّا قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَنِ النبي صلى الله عليه وسلم ((إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَى ابْنِ آدَمَ حَظَّهُ مِنَ الزِّنَا ، أَدْرَكَ ذَلِكَ لاَ مَحَالَةَ ، فَزِنَا الْعَيْنِ النَّظَرُ ، وَزِنَا اللِّسَانِ الْمَنْطِقُ ، وَالنَّفْسُ تَمَنَّي وَتَشْتَهِي ، وَالْفَرْجُ يُصَدِّقُ ذَلِكَ كُلَّهُ وَيُكَذِّبُهُ )) وقال مسلم في صحيحه :- حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَاللَّفْظُ لإِسْحَاقَ قَالاَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ مَا رَأَيْتُ شَيْئًا أَشْبَهَ بِاللَّمَمِ مِمَّا قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ (( إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَى ابْنِ آدَمَ حَظَّهُ مِنَ الزِّنَى أَدْرَكَ ذَلِكَ لاَ مَحَالَةَ فَزِنَى الْعَيْنَيْنِ النَّظَرُ وَزِنَى اللِّسَانِ النُّطْقُ وَالنَّفْسُ تَمَنَّي وَتَشْتَهِي وَالْفَرْجُ يُصَدِّقُ ذَلِكَ أَوْ يُكَذِّبُهُ )) فإن من أحكم إغلاق هذه الأبواب الخطيرة فإنه يسلم في الأعم الأغلب من الفاحشة الكبرى ، وفي الجملة فإن كل وسيلة تفضي إلى الفاحشة الكبرى فإنها فاحشة صغرى ، لا بد من سدها وإحكام سد الباب فيها ولا يجوز التغاضي أو التساهل فيها بوجه من الوجوه ، ولا استماع الرأي الآخر المخالف للمنصوص عليه من الكتاب والسنة ، بل الحق هو الذي يتكلم ، وأما الباطل فليس له إلا أن يسكت ، وهل حصل البلاء في أمتنا إلا لما أمدت للباطل جسور الكلام ، وفتح له المجال على موائد الحوار ، والله المستعان على هذا الزمان الذي كثرت فيه الدعاوى للحوار في مسائل هي من المسلمات بدلالة الكتاب والسنة .
والصحيح أنه لا يجوز للمرأة أن تقود السيارة .
والصحيح أنه لا يجوز التعليم المختلط ، ومن الذي تطيب نفسه بأن يفتي بجواز ذلك ؟ لا والله, هو حرام ، وحرام ، وحرام .
والصحيح أنه لا يجوز للمرأة الداعية أن تخرج في وسائل الإعلام المرئية المفتوحة ، وغيرها من الرجال يكفونها مؤنة ذلك ، وأنا أعلم أن بعض من سيطلع على هذا الكلام سيصفني بالتأخر والرجعية ، ولكن هذا لا يهم ، فقد قيل في النبي صلى الله عليه وسلم الأوصاف الكثيرة المستهجنة ولم يثنه هذا عن إتمام مسيرته ، والمهم :- أن كل وسيلة تفضي إلى الفاحشة فهي محرمة، والله أعلم.
{ فصل }
ومما يفرع على هذه القاعدة أعني قاعدة سد الذرائع ( تحريم كل طريقة توصل إلى شرب الخمر فالخمر حرام كلها ، وكل طريق يوصل إليها حرام مثلها ، فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( لعن الله الخمر وشاربها وساقيها ومبتاعها وبائعها وعاصرها ومعتصرها وحاملها والمحمولة إليه )) حديث صحيح ، فانظر كيف حرم النبي صلى الله عليه وسلم الخمر وحرم كل طريق يوصل إلى شربها وتعاطيها ، وما ذلك إلا لسد الذرائع الموصلة لها ، وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال:- لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخمر عشرة عاصرها ومعتصرها وشاربها وحاملها والمحمولة إليه وبائعها وأكل ثمنها والمشتري لها والمشترى له. حديث حسن صحيح ، فلا يجوز حينئذ أن تباع ولا أن تشترى ولا أن تحمل ولا أن تعصر ولا أن يؤكل ثمنها ، ولا أي طريق يوصل لها ، فالباب أمام تناولها مسدود ، وفي الحديث (( أتاني جبريل فقال : يا محمد ! إن الله عز و جل لعن الخمر وعاصرها ومعتصرها وشاربها وحاملها والمحمولة إليه وبائعها ومبتاعها وساقيها ومستقيها )) حديث صحيح .
ومن ذلك:- أن الفقهاء رحمهم الله تعالى حرموا بيع العصير لمن يتخذه خمرا ، لأن هذا من التعاون على الإثم والعدوان .
ومن ذلك:- أن الشريعة حرمت استعمالها في الدواء ، قال الإمام أحمد في المسند :- حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَنْبَأَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَائِلٍ الحضرمي عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَجُلاً يُقَالُ لَهُ سُوَيْدُ بْنُ طَارِقٍ سَأَلَ النبي صلى الله عليه وسلم عَنِ الْخَمْرِ فَنَهَاهُ عَنْهَا فَقَالَ إِنَّمَا أَصْنَعُهَا لِلدَّوَاءِ. فَقَالَ النبي صلى الله عليه وسلم (( إِنَّهَا دَاءٌ وَلَيْسَتْ بِدَوَاءٍ )) .
ومن ذلك :- أن الشريعة حرمت إبقاءها للتخليل ، ولو كانت خمر أيتام ضعفاء ، فلا يجوز إبقاء الخمر مطلقا ، قال مسلم في صحيحه :- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مهدي (ح) وَحَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَنْ سُفْيَانَ عَنِ السُّدِّىِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبَّادٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عَنِ الْخَمْرِ تُتَّخَذُ خَلاًّ فَقَالَ (( لاَ )) وقال أبو داود في سننه:- حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ عَنِ السُّدِّىِّ عَنْ أَبِى هُبَيْرَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ أَبَا طَلْحَةَ سَأَلَ النبي صلى الله عليه وسلم عَنْ أَيْتَامٍ وَرِثُوا خَمْرًا قَالَ (( أَهْرِقْهَا )) قَالَ أَفَلاَ أَجْعَلُهَا خَلاًّ قَالَ (( لاَ )) وكل ذلك من باب سد الذرائع التي تفضي إلى شربها .
ومن ذلك :- أن الشريعة نهت النهي الجازم عن بقاء الخليطين من العصير بعد ثلاث ، وذلك لسد ذريعة انقلابه إلى خمر ، قال مسلم في صحيح :- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى الْعَنَزِىُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ الثقفي عَنْ يُونُسَ عَنِ الْحَسَنِ عَنْ أُمِّهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كُنَّا نَنْبِذُ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم في سِقَاءٍ يُوكَى أَعْلاَهُ وَلَهُ عَزْلاَءُ نَنْبِذُهُ غُدْوَةً فَيَشْرَبُهُ عِشَاءً وَنَنْبِذُهُ عِشَاءً فَيَشْرَبُهُ غُدْوَةً. وقال النسائي في سننه :- أَخْبَرَنَا سُوَيْدُ بْنُ نَصْرٍ قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ عَنْ قُدَامَةَ الْعَامِرِىِّ أَنَّ جَسْرَةَ بِنْتَ دَجَاجَةَ الْعَامِرِيَّةَ حَدَّثَتْهُ قَالَتْ سَمِعْتُ عَائِشَةَ سَأَلَهَا أُنَاسٌ كُلُّهُمْ يَسْأَلُ عَنِ النَّبِيذِ يَقُولُ نَنْبِذُ التَّمْرَ غُدْوَةً وَنَشْرَبُهُ عَشِيًّا وَنَنْبِذُهُ عَشِيًّا وَنَشْرَبُهُ غُدْوَةً , قَالَتْ لاَ أُحِلُّ مُسْكِرًا وَإِنْ كَانَ خُبْزًا وَإِنْ كَانَتْ مَاءً. قَالَتْهَا ثَلاَثَ مَرَّاتٍ . فانظر كيف سدت الشريعة أبواب الخمر كلها ، فلا يحل شربها بأي طريق من الطرق .
والحق:- أن سائر المخدرات المنتشرة في هذا الزمان ،كلها تأخذ حكم الخمر ، فالحبوب المخدرة والمفترة والتي تسمى بالحبوب الحمراء والبيضاء ، كلها لها حكم الخمر ، بل هي أخبث من الخمر وأشد تأثيرا على العقل منه ، وأسرع لتلف الجسد والروح من الخمر ، وما يسمى بالحشيشة ، أيضا هي محرمة ، بل هي أشد تحريما من الخمر ، لقوة أثرها وسرعة إذهابها للعقل ، ولله در أبي العباس رحمه الله تعالى لما جعل الخمر بمنزلة البول ، والحشيشة الجامدة بمنزلة العذرة ، بل أقول :- كل وسيلة توجب ذهاب العقل بتخميره فإنها محرمة ، فالخمر كلها بكافة أنواعها ، ومختلف أشكالها محرمة لا يحل منها شيء ، وأما تسميتها بأم الأرواح ، فإنها تسمية مضللة ، بل الحق أن تسمى بأم الخبائث ، التي تتلف الأرواح ، وتهلك العقول ، وتغضب الرب عز وجل ، وكل حيلة توصل إليها فهي محرمة ، وكل ذلك يتضمنه هذا الأصل الكبير ( سد الذرائع ) فهي في الحق قاعدة ينبغي الوقوف عندها وفهمها حق فهمها ، والإشادة بها ، فإنها من قواعد كمال هذا الدين ، وحصن حصين تحمى به الشريعة ، والله أعلم .

يتبع إن شاء الله...
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 24-06-2011, 02:55 AM
الصورة الرمزية أبو الشيماء
أبو الشيماء أبو الشيماء غير متصل
مراقب الملتقيات
 
تاريخ التسجيل: Jul 2008
مكان الإقامة: أينما شاء الله
الجنس :
المشاركات: 6,415
الدولة : Morocco
افتراضي رد: الحصون المنيعة في شرح قاعدة سد الذريعة .

{ فصل }
ومما يفرع على هذه القاعدة الطيبة الكبيرة أيضا جمل كبيرة من مسائل العبادات في كتاب الطهارة والصلاة والصوم والحج والسلوك والمعاملات وغير ذلك من أبواب الشريعة ، وأنا أذكر لك الفروع التي نص عليها الفقهاء أنها ممنوعة لسد الذريعة ، عسى أن ينشرح صدرك بالنظر فيها ، لتعلم كيف تأثير هذه القاعدة العظيمة في فروع الشرع :-
فمنها :- تحريم البول في الماء الدائم والاغتسال فيه من الجنابة ، فإنه لا يجوز للعبد أن يبول في الماء الذي لا يجري ولا يغتسل فيه من الجنابة ، ففي الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال :- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( لا يبولن أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري ،ثم يغتسل فيه )) وفي لفظ (( لا يغتسل أحدكم في الماء الدائم وهو جنب )) وفي لفظ في غير الصحيح (( لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ولا يغتسل فيه من الجنابة )) وكل ذلك لسد ذريعة إفساده وتقذيره على الناس ، فإن المتقرر أنه لا يجوز إيذاء المسلمين ، فأي سبب ووسيلة تتضمن إيصال الأذى لهم بغير وجه الحق فإنها محرمة ، ومن هذه الوسائل البول في موارد مياههم التي يشربون منها ويستقون منها فإن الناس إن علموا أن فلانا قد اغتسل في هذا الماء الدائم القليل الذي لا يجري أو بال فيه ، فإن النفوس تعافه ، فيفضي هذا إلى تركه ، وهذا عين إفساده عليهم ، وقد نص على هذه العلة أبو العباس شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره رحم الله الجميع رحمة واسعة ، وفي حديث أبي سعيد الحميري عن معاذ رضي الله عنه قال :- قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (( اتَّقُوا الْمَلاَعِنَ الثَّلاَثَ الْبَرَازَ في الْمَوَارِدِ وَقَارِعَةِ الطَّرِيقِ وَالظِّلِّ )) والمراد بالموارد :- أي مياه الناس ، ولذلك قرر الفقهاء رحمهم الله تعالى قاعدة هي متفرعة على قاعدة سد الذرائع ، تقول هذه القاعدة ( لا تقضى الحاجة في كل مكان للناس فيه منفعة مباحة ) ومن هذه الأماكن التي للناس فيها منفعة مباحة موارد الناس ، وفي الصحيح عن جابر قال :- نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن البول في الماء الراكد . والله أعلم .
ومنها :- النهي عن قضاء الحاجة في طريق الناس المسلوك أو ظلهم ، لأن هذا الفعل يفضي إلى التضييق على الناس في أماكن راحتهم واستجمامهم ، ولأن لهم في ذلك منفعة مباحة ، وهي منفعة الاستطراق والاستظلال ، ففي الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال :- قال النبي صلى الله عليه وسلم (( اتقوا اللاعنين )) قالوا :- وما اللاعنان يا رسول الله ؟ قال (( الذي يتخلى في طريق الناس أو ظلهم )) فلا يجوز هذا الفعل ، لما فيه من الضرر على الناس ، والمتقرر في قواعد الشرع:- أنه لا ضرر ولا ضرار ، فانظر إلى كمال هذا الدين العظيم ، زاده الله شرفا ورفعة .
ومنها:- النهي عن البول في الجحر ، فإن هذا منهي عنه لسد ذريعة الضرر على المتخلي ، إما لأن هذا الجحر قد يكون من مساكن الجن ، فيؤذيهم ، فيعودون عليه بالرد بالمثل فيؤذونه ، وإما خشية من أن يكون مسكنا لبعض دواب الأرض فتخرج فتؤذيه بسمها أو عضها ، والمهم أن كلا العلتين تفيدك أنه منهي عنه لسد الذريعة ، روى أبو داود في سننه قال :- حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ مَيْسَرَةَ حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ حدثني أَبِى عَنْ قَتَادَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَرْجِسَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى أَنْ يُبَالَ في الْجُحْرِ . قَالَ قَالُوا لِقَتَادَةَ مَا يُكْرَهُ مِنَ الْبَوْلِ في الْجُحْرِ قَالَ كَانَ يُقَالُ إِنَّهَا مَسَاكِنُ الْجِنِّ . ولا بأس بسنده ، فمراعاة هذا الأصل الكبير الذي هو سد الذريعة أوجب النهي عن هذا الفعل .
ومنها:- النهي عن افتراش جلود السباع والجلوس عليها ، وهو حرام في حق الذكور والإناث وما ذلك إلا لأنه يكسب القلب هيئة منافية للهيئة المطلوبة منه من الانكسار والذل والخضوع لربه جل وعلا ، فإن العبودية المطلوبة من القلب تتنافى مع هذا الفعل ، ولذلك صار هذا الفعل من أفعال الجبابرة الذين لا حظ لهم في التعبد ، فالقلب لا بد أن يكون منكسرا لله تعالى ، وخاضعا له ومنطرحا بين يديه ، وهذا الفعل ينفي هذا المطلوب الشرعي عن القلب ، فنهت الشريعة عنه سدا لذريعة التسلط والتكبر والتجبر والتعالي على الخلق ، فعن أبي المليح بن أسامة عن أبيه قال :- نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن جلود السباع . رواه أحمد وأبو داود والنسائي والترمذي ، وزاد :- أن يفترش . وعن معاوية رضي الله عنه أنه قال لنفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم :- هل تعلمون أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن جلود النمور أن يركب عليها ؟ قالوا:- اللهم نعم . رواه أحمد وأبو داود ، ولأحمد :- أنشدكم الله ، أنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ركوب صفف النمور ؟ قالوا :- نعم ، قال :- وأنا أشهد . وعن المقدام بن معديكرب رضي الله عنه أنه قال لمعاوية رضي الله عنه :- أنشدك الله ، هل تعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن لبس جلود السباع والركوب عليها ؟ قال :- نعم . وعنه رضي الله عنه قال :- نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الحرير والذهب ومياثر النمور . وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال :- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( لا تصحب الملائكة رفقة فيها جلد نمر )) رواه أبو داود ,فكل ذلك منهي عنه لسد ذريعة فساد القلب بالأوصاف المنافية لهيئة العبودية ، والله أعلم .
ومنها :- النهي عن الاستجمار باليمين ، فإنه من المعلوم أن اليمين هي اليد التي يتناول بها الإنسان أشياءه وهي اليد التي يأكل بها ، وهي اليد التي يسلم بها ، فلا بد من المحافظة عليها من أن يعلق بها ما يكون سببا للضرر ، من الروائح الكريهة ، أو الميكروبات التي لا تراها العين المجردة ، فلا بد من حمايتها من ملامسة النجاسات ، دفعا للضرر وحماية للصحة ، وسدا لذريعة الإضرار بالغير ، فنهت الشريعة أن تكون اليد اليمنى آلة للاستجمار والاستنجاء ، ففي الصحيحين من حديث عبدالله بن أبي قتادة عن أبيه قال :- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( لا يمسكن أحدكم ذكره بيمينه ولا يتمسح من الخلاء بيمينه ، ولا يتنفس في الإناء )) وفي صحيح مسلم عن سلمان رضي الله عنه أنه قيل له :- هل علمكم نبيكم صلى الله عليه وسلم كل شيء حتى الخراءة ؟ قال :- أجل ، نهانا أن نستقبل القبلة بغائط أو بول ، أو أن نستنجي باليمين ، أو أن نستنجي بأقل من ثلاثة أحجار أو نستنجي برجيع أو عظم . وقال أبو داود في سننه :- حَدَّثَنَا أَبُو تَوْبَةَ الرَّبِيعُ بْنُ نَافِعٍ حدثني عِيسَى بْنُ يُونُسَ عَنِ ابْنِ أَبِى عَرُوبَةَ عَنْ أَبِى مَعْشَرٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَتْ يَدُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْيُمْنَى لِطُهُورِهِ وَطَعَامِهِ وَكَانَتْ يَدُهُ الْيُسْرَى لِخَلاَئِهِ وَمَا كَانَ مِنْ أَذًى . فبالله عليك أي شريعة في هذا الوجود تتصف بهذه العظمة والكمال ؟ لا والله إنه الإسلام فقط ، دين النظافة والنزاهة ، ودين الصحة والعافية ، فالحمد لله تعالى على هذه النعمة الكبيرة التي والله مهما شكرنا الله عليها فإننا لن نوفيها حقها ، وهي نعمة الهداية لهذا الدين الكريم ، والله أعلم .
ومنها :- وجوب العمل باليقين والأصل في باب المياه وعدم إعمال الشك ، فالشك مطرح ، فكل ماء شككت في طهوريته فإن الأصل فيه الطهورية ، والواجب عليك هو العمل بهذا الأصل ، وإلغاء الشك ، فالشريعة سدت باب العمل بالشك في باب المياه حتى لا تفسد على الناس مواردهم وذلك حتى لا يكون فتحه معينا للشيطان على الوسوسة في المياه ، وهذا من باب سد الذرائع .
ومنها:- سد باب الشك في الطهارة ، فمن سمع قرقرة في بطنه وشك في الحدث فإنه يبني على يقين طهارته ، لأن فتح باب الشك في الطهارة من الأشياء التي تفسد على المرء كثيرا من عباداته وتدخله في باب عظيم من الوسوسة لا يكاد يغلق ، ويترقى به الشيطان منها إلى أبواب الاعتقاد فالشك من الأبواب الشيطانية الخطيرة التي لا بد أن تعامل بما قرره الشرع ، وإلا فإنه سيكون نارا مضطرمة في القلب لا يطفئها شيء ، ففي حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال :- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( إذا وجد في بطنه شيئا ، فأشكل عليه أخرج منه شيء أو لا ، فلا يخرجن من المسجد حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا )) رواه مسلم ، وفي الصحيحين من حديث عباد بن تميم عن عمه عبدالله بن زيد رضي الله عنه أنه شكي إلى النبي صلى الله عليه وسلم الرجل الذي يخيل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة ، فقال (( لا ينصرف ، أو لا ينفتل حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا )) متفق عليه ، فسدت الشريعة باب الوساوس في الطهارة ، حتى لا يكون للشيطان مدخل على القلب والروح والعقل في التشكيك ، والوسوسة ، فالحمد لله تعالى على هذه النعمة الكبيرة ، فلا شك ولا وسوسة في الإسلام ، وقد رأينا ورأى غيرنا الكثير من أصحاب الوساوس يتصرفون تصرف الأطفال والمجانين ، نسأل الله تعالى لهم العافية ، والله أعلم .
ومنها :- تحريم الذهب والحرير على الرجال حرم لسد ذريعة التشبيه بالنساء الملعون فاعله ، وذلك لأن الشريعة قد سدت باب التشابه بين الرجال والنساء ، فأي فعل يتضمن التشبه فإنه ممنوع سدا للذريعة ، قال البخاري في صحيحه :- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ:- لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُتَشَبِّهِينَ مِنْ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ وَالْمُتَشَبِّهَاتِ مِنْ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ . والمتقرر في قواعد الشريعة أن كل لبسة اختص بها النساء فإنها لا تجوز للرجال ، وكل لبسة اختص بها الرجال فإنها لا تجوز للنساء ، ومن ذلك أن الشريعة خصت المرأة بجواز لبس الحرير ، وأما الرجل فإنه يحرم عليه ذلك ، وعلة التحريم أن الرجل كامل برجولته فلا تحتاج رجولته إلى تكميل ، وأما المرأة فإنها تحتاج إلى ما يجملها ، كما قال الله تعالى }أَوَمَن يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ {فمن طبيعة المرأة أن تكون في الحلية وأنواع الزينة والتجمل ، فلا يجوز للرجل التشبه بها فيما هو من خصائصها ، ومن ذلك لبس الحرير ، فلا يجوز للرجل أن يلبس الحرير ، والأدلة في هذا واضحة ، إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أجاز أن يتخذ الرجل من الحرير بمقدار أربع أصابع ، قال البخاري في صحيحه :- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي ذِبْيَانَ خَلِيفَةَ بْنِ كَعْبٍ قَالَ سَمِعْتُ ابْنَ الزُّبَيْرِ يَقُولُ سَمِعْتُ عُمَرَ يَقُولُ :- قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (( مَنْ لَبِسَ الْحَرِيرَ فِي الدُّنْيَا لَمْ يَلْبَسْهُ فِي الْآخِرَةِ )) وقال النسائي في سننه :- أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ الدِّرْهَمِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى عَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِنْدٍ عَنْ أَبِي مُوسَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ((أُحِلَّ الذَّهَبُ وَالْحَرِيرُ لِإِنَاثِ أُمَّتِي وَحُرِّمَ عَلَى ذُكُورِهَا)) حديث جيد ، والمهم أن تعلم أن العلة في التحريم إنما هي سد الذريعة , والله أعلم .
ومنها:- قال البركوي رحمه الله تعالى في كتابه زيارة القبور (الذي شرعه النبي عليه السلام عند زيادة القبور إنما هو تذكر الآخرة والاتعاظ والاعتبار بحال المزور والإحسان إليه بالدعاء له والترحم عليه حتى يكون الزائر محسناً إلى نفسه وإلى الميت فقلب هؤلاء الأمر وعكسوا الدين وجعلوا المقصود بالزيارة الشرك بالميت ودعاءه وسؤاله الحوائج واستنزال البركات منه ونحو ذلك فصاروا مسيئين إلى أنفسهم وإلى الميت فإنه عليه السلام لسد ذريعة الشرك نهى أصحابه في أوائل الإسلام عن زيارة القبور لكونهم حديثي عهد بالكفر لم لما تمكن التوحيد في قلوبهم أذن لهم في زيارتها وبين فائدتها وعلمهم كيفيتها تارة بقوله وتارة بفعله وذلك في الأحاديث الكثيرة لكن نذكر عدة منها في الإذن وبعضها في التعليم وفي ضمنها بيان الفائدة … أما التي في الإذن : فمنها حديثا أبي سعيد أنه عليه السلام قال (( كنت نهيتكم عن زيارة القبور فمن أراد أن يزور فليزر ولا تقولوا هجرا )) رواه الإمام أحمد والنسائي ومنها حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (( زوروا القبور فإنها تذكر الموت )) رواه مسلم … وأما التي في التعليم: فمنها حديث سليمان بن بريدة رضي الله عنه عن أبيه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمهم إذا خرجوا إلى المقابر أن يقولوا (( السلام على أهل الديار )) وفي لفظ مسلم (( السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين وإنا إن شاء الله للاحقون نسأل الله لنا ولكم العافية )) … ومنها حديث عائشة رضي الله عنها قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كانت ليلتي منه يخرج من آخر الليل إلى البقيع فيقول (( السلام عليكم دار قوم مؤمنين ، وأتاكم ما توعدون غداً مؤجلون وإنا إن شاء الله بكم لاحقون ، اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد )) رواهما مسلم ، ومنها : حديث ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال : مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقبور المدينة فأقبل عليهم بوجهة فقال ((السلام عليكم يا أهل القبور ، يغفر الله لنا ولكم أنتم سلفنا ونحن بالأثر)) رواه الأمام أحمد والترمذي وحسنه … فإنه صلى الله عليه وسلم بين في هذه الأحاديث أن فائدة زيارة القبور إحسان الزائر إلى نفسه وإلى الميت أما أحسانه إلى نفسه فيذكر الموت والآخرة والزهد في الدنيا والاتعاظ والاعتبار بحال الميت وأما إحسانه إلى الميت فبالسلام عليه والدعاء له بالرحمة والمغفرة وسؤال العافية … فينبغي لمن يزور قبر ميت أي ميت كان , سواء كان من أولياء الله تعالى أو من غيرهم من المؤمنين أن يسلم عليه ويسأل له العافية ويستغفر له ويترحم عليه كما تقدم في الأحاديث ثم يعتبر في حال من زاره وما صار إليه حاله وماذا سئل عنه وبماذا أجاب وهل كان قبره روضة من رياض الجنة أو حفرة من النيران ثم يجعل نفسه كأنه مات ودخل في القبر وذهب عنه ماله وأهله وولده ومعارفه وبقي وحيداً فريداً وهو الآن يسأل فماذا يجيب وما يكون حاله ويكون مشغولاً بهذا الاعتبار مادام هناك ويتعلق بمولاه في الخلاص من هذه الأمور الخطيرة العظيمة ويلجأ إليه ) فانظر كيف ذكر رحمه الله تعالى أن العلة في النهي عن زيارة القبور أولا إنما كان لسد الذريعة ، أي سد ذريعة الشرك ، لأن القوم كانوا حديثي عهد بكفر ، وهذا من اعتبار أهل العلم رحمهم الله تعالى لهذا الأصل العظيم ، وفهمهم له من كثير من النصوص .
ومنها :- النهي عن الصلاة النافلة التي لا سبب لها في الأوقات المنهي عنها ، ففي حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال :- شهد عندي رجالٌ مرضيون أرضاهم عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة بعد الصبح حتى تشرق الشمس وبعد العصر حتى تغرب . وفي الحديث (( لا صلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس ، ولا صلاة بعد العصر حتى تغرب )) متفق عليه ، وفي حديث عقبة رضي الله عنه قال :- ثلاث ساعات كان النبي صلى الله عليه وسلم ينهانا أن نصلي فيهن وأن نقبر فيهن موتانا حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع ، وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تزول الشمس وحين تضيف الشمس للغروب حتى تغرب . رواه مسلم ، وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أن العلة من هذا النهي إنما هو سد ذريعة المشابهة بالمشركين ، وذلك فيما رواه الإمام مسلم رحمه الله تعالى في صحيحه عن عمرو بن عبسة كنت وأنا في الجاهلية أظن أن الناس على ضلالة وأنهم ليسوا على شيء وهم يعبدون الأوثان قال فسمعت برجلٍ بمكة يخبر أخباراً فقعدت على راحلتي فقدمت عليه فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم مستخفياً حراءٌ عليه قومه فتلطفت حتى دخلت عليه بمكة فقلت له ما أنت قال (( أنا نبيٌّ )) فقلت وما نبيٌّ ؟ قال (( أرسلني الله )) فقلت بأي شيءٍ أرسلك؟ قال (( أرسلني بصلة الأرحام وكسر الأوثان وأن يوحد الله ولا يشرك به شيءٌ )) قلت له فمن معك على هذا الأمر؟ قال (( حرٌّ وعبدٌ )) قال ومعه يومئذٍ أبو بكر وبلال فقلت إني متبعك قال ((إنك لا تستطيع ذلك يومك هذا ألا ترى حالي وحال الناس ولكن ارجع إلى أهلك فإذا سمعت بي قد ظهرت فائتني)) قال فذهبت إلى أهلي وقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وكنت في أهلي فجعلت أتخبر الأخبار وأسأل الناس حين قدم المدينة حتى قدم نفر من أهل يثرب من أهل المدينة فقلت ما فعل هذا الرجل الذي قدم المدينة ؟ فقالوا:- الناس إليه سراعٌ وقد أراد قومه قتله فلم يستطيعوا ذلك فقدمت المدينة فدخلت عليه فقلت يا رسول الله أتعرفني قال (( نعم أنت الذي لقيتني بمكة فقلت يا رسول الله أخبرني عما علمك الله وأجهله أخبرني عن الصلاة قال صل صلاة الصبح ثم أقصر عن الصلاة حتى تطلع الشمس وترتفع فإنها تطلع حين تطلع بين قرني شيطان وحينئذٍ يسجد لها الكفار ثم صل فإن الصلاة مشهودة محضورة حتى يستقل الظل بالرمح ثم أقصر عن الصلاة فإن حينئذٍ تسجر جهنم فإذا أقبل الفيء فصل فإن الصلاة مشهودة محضورة ٌ حتى تصلي العصر ثم أقصر عن الصلاة حتى تغرب الشمس فإنها تغرب بين قرني شيطان وحينئذٍ يسجد لها الكفار ... الحديث )) فقول النبي صلى الله عليه وسلم (( وحينئذ يسجد لها الكفار )) دليل على أنه إنما نهى عن الصلاة في هذه الأوقات لسد ذريعة المشابهة بالمشركين في عبادتهم للشمس ، وهو أصل في اعتبار سد الذرائع ، قال ابن تيمية رحمه الله تعالى ( فإذا كان نهيه عن الصلاة في هذه الأوقات لسد ذريعة الشرك، لئلا يفضي ذلك إلى السجود للشمس ودعائها وسؤالها، كما يفعله أهل دعوة الشمس والقمر والكواكب الذين يدعونها ويسألونها، كان معلوماً أن دعوة الشمس والسجود لها هو محرم في نفسه أعظم تحريماً من الصلاة التي نهى عنها؛ لئلا يفضي ذلك إلى دعاء الكواكب )
ومنها :- أن أهل العلم رحمهم الله تعالى قد أفتوا بأنه لا مجاز في القرآن ، وما ذلك إلا لسد أبواب التحريف والتعطيل في باب الأسماء والصفات ، وفي المسألة بحث ، لعلي أذكره في آخر الرسالة ولا أنساه .
ومنها:- تحريم الجمع بين الأختين في النكاح في قوله تعالى }وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ {وتحريم نكاح البنت على عمتها أو خالتها الوارد في قوله صلى الله عليه وسلم (( لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها )) أو كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ، وهذا كله من باب سد ذريعة تفرق الأقارب ، وانزراع البغضاء والتدابر والشحناء والهجر بينهم ، وقد نبه النبي صلى الله عليه وسلم على هذه العلة في حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن تزوج المرأة على العمة وعلى الخالة وقال (( إنكم إن فعلتم ذلك قطعتم أرحامكم )) وهذا أصل في هذه القاعدة ، وعليه فنقول :- كل سبب يفضي إلى افتراق الأقارب وبث البغضاء بينهم فإنه ممنوع شرعا، لأن الشريعة أمرت بصلة الرحم ، وحرمت القطيعة ، فما كان سببا في صلة الأرحام فالأصل أنه مطلوب في الشرع إلا فيما خالف النص ، وما كان سببا للهجر والقطيعة فإنه ممنوع في الشرع إلا بدليل . وكل هذا من باب سد الذرائع ، والله أعلم .
ومنها :- أن الأصل في باب التصوير المنع ، إلا ما دعت إليه الضرورة ، فالتصوير كله لا يجوز وأعني التصوير الذي من طبيعته الثبوت ، فحكمه الشرع أنه لا يجوز ، سواء منه التصوير المسمى بتصوير النحت ، أو المسمى بالتصوير الفوتوغرافي ، كل هذا محرم ، والعلة من التحريم إنما هي لسد ذريعة المضاهاة بخلق الله تعالى ، ولسد ذريعة الشرك ، فإن التصوير والشرك مرتضعان من ثدي واحد ، ولذلك فإن أول الشرك في قوم نوح إنما كان سببه الغلو في الصالحين ، بتصويرهم لهم, كما في حديث ابن عباس ، وقد ذكرناه سابقا ، والأدلة في هذا الشأن كثيرة ، ولنا فيها رسالة خاصة فعن عون بن أبي جحيفة عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمن الدم وثمن الكلب وكسب البغي ولعن الواشمة والمستوشمة وآكل الربا وموكله ولعن المصورين . وعن أبي الهياج حيان بن حصين الأسدي قال :- قال علي ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم (( ألا تدع تمثالاً إلا طمسته ولا قبراً مشرفا إلا سويته )) وفي رواية (( ولا صورة إلا طمستها )) وعن ابن عباس أنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (( لا تدخل الملائكة بيتاً فيه كلبٌ ولا صورة ٌ )) وفي رواية (( ولا تماثيل )) وفي رواية (( ولا تصاوير )) وعن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (( من تحلم بحلم لم يره كلف أن يعقد بين شعيرتين ولن يفعل ومن استمع إلى حديث قوم وهم له كارهون صب في أذنيه الآنك يوم القيامة ومن صور صورة عذب وكلف أن ينفخ فيها الروح وليس بنافخ )) وعن أبي زرعة قال دخلت أنا وأبو هريرة دار مروان فرأى فيها تصاوير وفي حديث جرير داراً تبنى بالمدينة لسعيد أو لمروان - فرأى مصوراً يصور في الدار فقال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( قال الله عز وجل :- ومن أظلم ممن ذهب يخلق خلقاً كخلقي فليخلقوا ذرةً أو ليخلقوا حبةً أو ليخلقوا شعيرة )) وكل هذه الأحاديث في الصحيح وهذا الباب إنما سد بابه سدا للذريعة التي ذكرتها لك قبل قليل ، فهو أصل في وجوب سد الذرائع والله أعلم .
ومنها:- تحريم بيع المسلم على بيع أخيه أو شرائه على شرائه ، أو خطبته على خطبته على يترك الأول أو يأذن ، وكل هذا ممنوع لسد ذريعة الاختلاف والتقاطع والتهاجر المنهي عنه ، واشتحان القلوب بالبغضاء والشحناء ، وهذا الباب مسدود كله ، فكل سبب يفضي إلى التهاجر بين المؤمنين فإنه ممنوع شرعا ، فعن الزهري عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (( لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا وكونوا - عباد الله – إخواناً )) زاد ابن عيينة وغيره (( ولا تقاطعوا )) وفي حديث مالك وغيره عن الزهري (( ولا يحل لمسلمٍ أن يهجر أخاه فوق ثلاث )) وأخرجه مسلم من حديث شعبة عن قتادة عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (( لا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تقاطعوا وكونوا عباد الله إخواناً )) وعن مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (( لا يبع أحدكم على بيع بعض )) وأخرجه البخاري من حديث عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج عن نافع عن ابن عمر قال :- نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يبيع الرجل على بيع أخيه أو يخطب . وعن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (( لا يبع الرجل على بيع أخيه ولا يخطب على خطبة أخيه إلا أن يأذن له )) وأخرجه مسلم أيضاً من حديث أيوب والليث عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (( لا يبع بعضكم على بيع بعض ولا يخطب بعضكم على خطبة بعضٍ )) فاستفدنا من ذلك قاعدة في السلوك كبرى تقول (كل ذريعة تفضي إلى التباغض والتدابر والتقاطع بين المسلمين فهي ممنوعة) والله أعلم .
ومنها :- وقال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله تعالى في شرح كتاب التوحيد على قول النبي صلى الله عليه وسلم (( إنه لا يستغاث بي ، وإنما يستغاث بالله )) قال ( صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ استنكر هذه اللفظة، فقال "إنه لا يستغاث بي، وإنما يُستغاث بالله عزّ وجلّ" مع أن الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قادراً على أن يَرْدَع هذا المنافق؟ وأن يُغيث المسلمين من شرّه؟، بلى، هذا من الاستغاثة الجائزة، لأنه استغاثة بالرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيما يقدر عليه، لكن الرسول تأدُّباً مع الله سبحانه وتعالى، وتعليماً للمسلمين أن يتركوا الألفاظ التي فيها سوء أدب مع الله عزّ وجلّ، وإن كانت جائزة في الأصل، فقال "إنه لا يُستغاث بي" وهذا من باب التعليم وسدّ الذرائع لئلا يُتَطَرَّق من الاستغاثة الجائزة إلى الاستغاثة الممنوعة، فالرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منع من شيء جائز خوفاً أن يُفضي إلى شيء غير جائز، مثل ما منع من الصلاة عند القبور، والدعاء عند القبور، وإن كان المصلي والداعي لا يدعو إلاَّ الله، ولا يصلِّي إلاَّ لله، لكن هذا وسيلة من وسائل الشرك، كذلك هنا فالرسول أنكر هذه اللفظة سدًّا للذرائع، وتعليماُ للمسلمين، أن يتجنّبوا الألفاظ غير اللائقة ) فانظر كيف علل الشيخ قول النبي صلى الله عليه وسلم " إنه لا يستغاث بي ، وإنما يستغاث بالله " بأن هذا من باب سد الذرائع ، فيكون هذا الدليل من جملة ما يستدل به على هذا الأصل الكبير .
ومنها:- تحريم بناء القباب على القبور ، هو من هذا الباب أيضا ، أي أن القول بتحريمها هو الحق وأن العلة في ذلك هي سد ذريعة التعظيم المفضي إلى الشرك الأكبر ، وهي من أخطر أنواع البناء على القبور فالواجب على ولاة الأمور هدم كل القباب التي على القبور ، أيا كان صاحب هذا القبر ، ونحن لا نقر القبة التي على قبر النبي صلى الله عليه وسلم ، بل الواجب هدمها ، ولكن التصرف في الهدم لا يكون في هذه المسألة لآحاد الناس بل لا بد من أن يكون القائم على هذا ولاة الأمر ، وما أصاب والله من بناها على قبره صلى الله عليه وسلم ، فالقباب كلها لا بد من هدمها ولا يجوز إبقاء شيء منها ، فإنها من أعظم ما يكون سببا للافتتان بالقبر ، وعلى أهل العلم أن يهدموها من قلوب من يعظمونها بالحجة والبيان المبني على الشفقة والرحمة والنصح بكمال الإخلاص ، فإنها إن هدمت من الصدور هدمت بإذن الله تعالى عن القبور والله المستعان .
ومنها :- تحريم شد الرحال إلى قبور الأولياء والصالحين ،فإنه مما لا يجوز ، أيا كان صاحب هذا القبر ، وذلك سدا لذريعة تعظميه وفعل ما لا يليق عند قبره من الأمور الشركية أو البدعية ، فلا يجوز شد الرحال إلى القبور ، ولو لقبور الأنبياء ، قال النبي صلى الله عليه وسلم (( لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد ، المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الأقصى )) والحديث رواه عدد كبير من الصحابة ، رضي الله عنهم ، وهل عبدت القبور من دون الله تعالى إلا لما فتح باب شد الرحال إليها ، وأذكر أنني كنت وبعض الدعاة في ألبانيا ، نريد الرجوع إلى أهلنا ، فأشكل علينا أمر الحجز لكثرة من يريد السفر إلى مصر ، فسألنا عن السبب ، فإذا هو يوم السيد البدوي ، والناس من هناك يأتون ليحضروا الاحتفال به من كل مكان ، وهذه الطامة الكبرى ، وهذا أوجبه تجويز شد الرحال إلى القبور ، وقد أخطأ من أفتى به ، ولا حجة في فعل أحد من الخلق مع نص النبي صلى الله عليه وسلم ، فإنه نص واضح لا يحتمل النزاع ولا المناقشة ، فالواجب منع هذا ، وتنبيه الناس إلى خطورة الأمر ، وأنه مفتاح الوقوع في البدع والشرك ، ولو تأمل من أفتى بجوازه كبير المفاسد التي أنتجتها هذه الفتوى لبادر إلى منعه، فغفر الله لمن جوزه وعفا عنه , ما كان قصده فتح باب الشر على الأمة - حاشا وكلا - ولكنه اجتهد فأخطأ ، فلن يعدم الأجر إن شاء الله تعالى ، وأما من أجازها وهو من أهل البدع القبوريين فلا والله لا ندعو له ، بل ندعو عليه أن يكفي الأمة شره وشر فتواه ، والله المستعان .
ومنها :- ما حكاه ابن القيم رحمه الله تعالى بقوله ( وأما ربا الفضل فتحريمه من باب سد الذرائع كما صرح به في حديث أبي سعيد الخدرى عن النبي صلى الله عليه وسلم (( لا تبيعوا الدرهم بالدرهمين فإني أخاف عليكم الرماء )) هو الربا, فمنعهم من ربا الفضل لما يخافه عليهم من ربا النسيئة ، وذلك أنهم إذا باعوا درهماً بدرهمين ، ولا يفعل هذا إلا للتفاوت الذي بين النوعين , إما في الجودة ، وإما في السكة ، وإما في الثقل والخفة وغير ذلك تدعو بالربح المعجل فيها إلى الربح المؤخر ، وهو عين ربا النسيئة ، وهذه ذريعة قريبة جداً فمن حكمة الشارع صلى الله عليه وسلم أن سد عليهم هذه الذريعة ومنعهم من بيع درهم بدرهمين نقداً أو نسيئة ، فهذه حكمة معقولة مطابقة للعقول وهي تسد عليهم باب المفسدة ) والله أعلم .
ومنها:- أن المتقرر أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح ، وأنه إن تعارض مفسدتان روعي أعلاهما بتفويت أدناهما ، وأنه إن تعارض مفسدتان روعي أشدهما بارتكاب أخفهما ، ومن أدلة هذه الأصول قوله تعالى }وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ فَيَسُبُّواْ اللّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ {فالله تعالى حرم سب آلهة المشركين ، لأن المشرك إن سمع ذلك ، فإنه سينتقم لها ، ولو كان بسب الله تعالى ، انتقاما ممن سب آلهته التي يعظمها ، فإن مفسدة سب الله تعالى أعظم فمنع من ذلك من مصلحة سب آلهة المشركين ، سدا لذريعة سب الله تعالى ، فإن مفسدة سب الله تعالى أعظم من المصلحة المرجوة من سب آلهة المشركين ، وهذا أصل في باب سد الذرائع .
ومنها:- أن من الصحابة رضي الله عنهم من أفتى بأن قاتل النفس لا توبة له ، كابن عباس رضي الله عنه ، ولكن حمل كلامه بعض أهل العلم رحمهم الله تعالى على أنه إنما يريد سد الذريعة وعدم التوسع في القتل ، لأن من استفتاه كان شاهرا سيفه والتمس ابن عباس منه أنه إنما يريد القتل إن علم أن له توبة ، فأفتاه بأن لا توبة له ، وإلا فالمذهب المعروف عن ابن عباس رضي الله عنهما أن القتل من جملة الذنوب التي لا تخرج عن قوله تعالى }قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا {وهذا فيه دليل على اعتبار الصحابة للعمل بأصل سد الذرائع .
ومنها:- ما نص عليه الفقهاء رحمهم الله تعالى من أن المكاري الجاهل يحبس ، وأن المتطبب الجاهل يعزر ويحبس ، وأن المفتي الجاهل الذي يفتي الناس بغير علم يمنع ويعزر بما يراه الإمام رادعا له ، فأما المكاري فمنعه من دخول السوق يراد به سد ذريعة أكل أموال الناس بالباطل ، والشريعة جاءت بحفظ المال ، وأما المتطبب الجاهل فلسد ذريعة فساد الصحة وهلاك الأنفس ، لأن الشريعة جاءت بحفظ النفس ، وأما الحجر على المفتي الجاهل فلسد ذريعة فساد الدين ، لأن الشريعة جاءت بحفظ الدين ، وعليه فهنا عدة قواعد , الأولى :- كل ذريعة ومن شأنها فساد الدين فالواجب سدها ومنعها , الثانية :- كل ذريعة من شأنها إهلاك المال بغير وجه الحق فهي ممنوعة , الثالثة :- كل ذريعة من شأنها إهلاك النفوس وإتلاف الأطراف والاعتداء على الصحة بغير وجه حق فهي باطلة وكل هذا يدخل تحت هذا الأصل المبارك ( سد الذرائع ) .
ومنها :- ما قرره الفقهاء رحمهم الله تعالى بجواز قتل من تترس بهم الكفار من المسلمين إن تترس بهم العدو في حال هجومه على الدولة الإسلامية ، فإن لم نجد بدا من رميه إلا برميهم معهم فلا حرج ،لأن المتقرر أنه إن تعارض مفسدتان روعي أشدهما بارتكاب أخفهما، ولأن ترك العدو وما يريد مراعاة لمصلحة المسلمين الذين معه يوجب هلاك المسلمين أهل البلد ، واستباحة ديارهم وانتهاك أعراضهم ، فإن العدو الكافر لا يرحم عرض المسلم ولا توسله إن تغلب عليه ، فلما كان ترك العدو يوجب هذه المفاسد كان لا بد من سد جميع ذرائعها ، فنحن نقول :- بجواز رمي الكفار وإن تترسوا بمسلمين سدا لذريعة هلاك أهل الإسلام واستباحة أموالهم وأعراضهم وأرواحهم ولأن المتقرر أن الضرر الخاص يحتمل من أجل الضرر العام .
ومنها:- ما نص عليه الفقهاء رحمهم الله تعالى من أن من استعجل الشيء قبل أوانه عوقب بحرمانه فإن هذه القاعدة تدخل تحت هذا الأصل المبارك ( سد الذرائع ) وبيان ذلك ، أن من أوصى لك بشيء ، ولكنه طال عمره ، والوصية لا تنفذ إلا بعد الموت ، واستبطأت موته ، وكان الموصى له قليل الديانة ، فاستعجل تنفيذ الوصية فقتل الموصي ، فهو هنا قد استعجل الشيء قبل أوانه ، وفي هذه الحالة فإنه لا بد وأن يعاقب بحرمانه ، لأن هذا يسد ذرائع القتل بغير وجه حق ، والدين جاء بحفظ النفوس ، فسدا لذريعة القتل منعت الشريعة القاتل من حق الوصية ، وكذلك نقول :- إن المتقرر أن القاتل ليس له حق في الميراث ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم (( لا يرث القاتل شيئا )) وذلك لسد ذريعة القتل أيضا ، فإن الوارث إن كان قليل الدين وتأخر موت مورثه فقد تسول له نفسه أن يقتله ليستعجل الإرث ، فسد هذا الباب سدا لذريعة القتل ، وكذلك نقول :- إن الفقهاء رحمهم الله تعالى قد أفتوا بأن الرجل إن كان قد طلق زوجته في مرضه المخوف عليه من الموت فيه فإن طلاقه هذا لاغ غير معتبر ، لأنه لو فتح هذا الباب لضاعت حقوق النساء في أموال أزواجهن فسدا لضياع الحقوق لا سيما حق المرأة لم تعتبر الشريعة الطلاق في المرض المخوف عليه منه شيئا وهذا والله العظيم هو عين الكمال ، فالحمد لله تعالى على أن جعلنا من أهل هذه الشريعة المباركة زادها الله شرفا ورفعة .


يتبع إن شاء الله....
رد مع اقتباس
  #5  
قديم 24-06-2011, 09:56 PM
الصورة الرمزية أبو الشيماء
أبو الشيماء أبو الشيماء غير متصل
مراقب الملتقيات
 
تاريخ التسجيل: Jul 2008
مكان الإقامة: أينما شاء الله
الجنس :
المشاركات: 6,415
الدولة : Morocco
افتراضي رد: الحصون المنيعة في شرح قاعدة سد الذريعة .

الصحيح والرأي الراجح المليح هو أن من طلق زوجته باللفظ الصريح فإننا نوقع عليه مقتضى لفظه هذا ، ولا ننظر إلى نيته وقصده ، خلافا لبعض المذاهب التي تطلب النية حتى في الألفاظ الصريحة ، وهذا فيه خطر كبير ، إذ كل أحد يستطيع التلاعب بأمور المقاصد فيما بيننا وبينه ، لأننا لا نراها ولا نستطيع الاطلاع عليها ، فيكثر التلاعب بأمور الفروج ، ألا ترى أن من يستفتي في أمور الطلاق في الغالب أول ما يقول :- كنت غضبانا ، وما ذلك إلا لأنهم يعلمون أن الغضب من موانع الحكم بالطلاق ، فيكثر على الناس التلاعب بأمر الطلاق ، وعدم الاهتمام بشأنه فلو فتح لهم هذا الباب لتقحموا فيه تقحم الإبل على الماء من شدة الظمأ في الهاجرة ، فالفقهاء رحمهم الله تعالى نظروا إلى هذا الأمر ، وقرروا قاعدة تقول (الألفاظ الصريحة تترتب عليها آثارها ولا نظر إلى نية أصحابها ) وأما الكنايات التي تحتمل الطلاق وغيره ، فهذه هي التي تفتقر إلى النية والمتقرر عند أهل العلم قاعدة تقول ( الكنايات لا تترتب آثارها إلا بالنيات ) والله أعلم .
ومنها:- قال الشيخ محمد رحمه الله تعالى في الشرح الممتع ( وقوله «ودواعيه» دواعي الوطء كل ما يكون سبباً في الجماع كالتقبيل، والنظر إليها بشهوة، وتكراره، والضم، يقول المؤلف: إنها حرام سداً للذرائع ، وقياساً على المحرم فلا يجوز له أن يجامع ولا أن يباشر ) فالأصل في التحريم الجماع إلا أن من كمال التحريم منع جميع مقدماته من القبلة والملامسة والضم ، وذلك سدا للذريعة ، وهو تخريج صحيح.
ومنها :- استئجار المرأة الأجنبية لخدمة الرجل ، حيث منعه الشافعية مطلقاً سداً للذرائع ، والحنفية قالوا بكراهته للأعزب ، وجوازه بدون الخلوة للمتزوج الذي معه أهله ، ووافقهم المالكية وأضافوا شرطاً آخر وهو كونه مأموناً ، في حين أجازه الحنابلة مطلقاً بشرطين هما عدم الخلوة وعدم النظر إليها، والراجح هو قول المالكية ، لأن الأعزب لا يؤمن من الوقوع في محرم ، وأن اشتراط كون المتزوج مأموناً شرط جيد يدرأ الفساد ، وما هذا إلا لسد ذريعة الفساد ، والله أعلم .
ومنها :- اختلف أهل العلم رحمهم الله تعالى في السكران إذا سرق ، هل يقام عليه الحد ؟ والراجح إن شاء الله أنه يقام الحد عليه ، حتى لا يكون الاعتذار عنه ذريعة لمن أراد أن يسرق إن يشرب الخمر قبل سرقته ، ويقول :- الجلد أخف من القطع ، ومما جاءت به الشريعة حفظ الأموال, ولأن السرقة لا يستطيع السكران الطافح أن يديرها ، فإن مبناها على التخطيط وموازنة الأمور والاختفاء والسكران إن كان يفعل هذا فلم يصل إلى حد السكر الطافح الذي يزول معه العقل ، فهو يدري ما يقول وما يفعل ، فيكون مكلفا ، والمهم أن الراجح إن شاء الله تعالى في هذه المسألة هو أن السكران إذا سرق أقيم عليه حد السكر وحد السرقة ، والله أعلم .
ومنها :- تحريم بيع العينة ، وهي أن يشتري سلعة بثمن مؤجل من رجل ، ثم يعود فيبيعها بثمن حال أقل لنفس هذا الرجل ، وهي محرمة ، لأنها ذريعة إلى الربا ، بل هي أخية الربا ، وهي من أكبر الحيل الموصلة إليه ، فتمنع سدا للذريعة ، قال النبي صلى الله عليه وسلم (( إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر وتركتم الجهاد, سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم )) حديث صحيح , فتحريم العينة من هذا الباب ، أي من باب سد الذرائع ، والحق أنها محرمة ، سواء أكانوا اثنين أو ثلاثة أو أربعة ، فإن تعدد الأفراد فيها لا يخرجها عن كونها عينة محرمة ، والصحيح أن بيوع التقسيط لا حرج فيها ، والصحيح أن التورق لا حرج فيه ، ولكن لا بد من معرفة جوازه وقد ذكرناها في رسالة مفردة ، والمهم هنا أن تعرف أن العينة محرمة ، وأن تحريمها من باب سد الذرائع ، والله أعلم .
ومنها:- اعلم أن المتقرر عند أهل العلم رحمهم الله تعالى أن من قصد المحرم فإنه يعامل بنقيض قصده وعليه :- فيحرم التحايل لإسقاط الزكاة كأن يهب المال المزكى لفقير ثم يشتريه منه، أو يهبه لقريب قبل حولان الحول ثم يسترده منه فيما بعد ، ولو أبدل النصاب بغير جنسه كإبدال الماشية بدراهم ، فراراً من الزكاة ، أو أتلف جزءاً من النصاب قصداً للتنقيص لتسقط عنه الزكاة، أو جعل السائمة علوفة ، لم تسقط عنه الزكاة عند الحنابلة والمالكية ، سداً للذرائع، لأنه قصد إسقاط نصيب من انعقد سبب استحقاقه، ولقوله تعالى } إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ وَلَا يَسْتَثْنُونَ فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِّن رَّبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ{ فعاقبهم الله تعالى بذلك، لفرارهم من الصدقة قال أبو يوسف: لا يحتال في إبطال الصدقة بوجه ولا سبب ، وقال أبو حنيفة والشافعي: تسقط عنه الزكاة؛ لأنه نقص قبل تمام حوله، فلم تجب فيه الزكاة، كما لو أتلف لحاجته ، والراجح القول الأول ، وذلك سدا لذريعة ضياع حق الفقراء بمثل هذه الألاعيب .
ومنها :- النهي عن تلقي الركبان الوارد في حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم (( لا تَلَقَّوا الرُّكْبَان ، ولا يَبيعُ حاضِرٌ لبادٍ )) فقال له طاووس : ما قوله : لا يبيع حاضِرٌ لبادٍ ؟ قال : لا يكونُ له سِمْسارًا. أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي ، وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال:- نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تلقي البيوع . هذه رواية مسلم , وله وللبخاري قال : قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم (( لا تَلَقَّوا السِّلَعَ ، حتى يُهْبَطَ بها إلى السوق )) وأخرجه أبو داود بزيادةٍ في أوله قال (( لا يبع بعضُكم على بيع بعضٍ ، ولا تَلَقَّوا السِّلَعَ... الحديث )) وما هذا إلا سدا لذريعة الغش والغبن وأكل أموال الناس بغير حق ، ولأن هذا الفعل مناف لأخوة الإيمان وللنصح الواجب بين المسلمين ، ولأن الشريعة جاءت بحفظ الأموال ، فحفظها من المقاصد الضرورية العامة ، وأموال الجلب والركبان لا بد من حمايتها من تجار السوق ، فمنعت الشريعة تلقيهم بالخروج إليهم ، بل لا بد أن يهبط صاحب السلعة في السوق ويتعرف على القيمة بنفسه ليكون على بينة من أمره ، ثم بعد ذلك يبيع بما يشاء والمهم أن منع تلقي الركبان إنما قرر في الشرع من باب سد الذرائع ، والله أعلم .
ومنها:- النهي عن الاحتكار ، أي احتكار السلع لوقت الغلاء ، الاحتكار المضر بالناس ، فهذا خطأ وحرام ، وفي الحديث الذي رواه مسلم قي الصحيح (( لا يحتكر إلا خاطئ )) وهذا التحريم مبناه على سد الذرائع ، فإن هذا الاحتكار يضر بالناس ، ويرفع عليهم الأسعار ، ويوقعهم في الحرج الكبير ، والشريعة جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها وتقليل المفاسد وتعطيلها ، والاحتكار فيه مراعاة المصلحة الخاصة على حساب المصلحة العامة ، والمتقرر أن المصالح العامة هي الأحق بالتقديم ، ولأن الاحتكار من الضرر العام ، وفي الحديث (( لا ضرر ولا ضرار )) والمتقرر أن الضرر يزال ، فالمحتكر ظالم لنفسه ولإخوانه ، فهو أناني جشع قد قتله الطمع ، وعلى ولي الأمر إلزامه بالبيع كما يبيع الناس ، وأن لا يمكنه من نفث سمومه في المستهلكين الضعفاء ، والمقصود أن تعرف أن النهي عن الاحتكار من فروع هذه القاعدة الطيبة ، أعني قاعدة سد الذرائع , والله أعلم .
ومنها :- قال في الفقه الإسلامي وأدلته ( يجب شرعاً باتفاق الأئمة الأربعة قتل الجماعة بالواحد سداً للذرائع، فلو لم يقتلوا لما أمكن تطبيق القصاص أصلاً، إذ يتخذ الاشتراك في القتل سبباً للتخلص من القصاص. ثم إن أكثر حالات القتل تتم على هذا النحو، فلا يوجد القتل عادة إلا على سبيل التعاون والاجتماع, وقد بادر الصحابة إلى تقدير هذا الأمر، فأفتوا بالقصاص الشامل, وأول حادثة حدثت هي في عهد عمر، وهي أن امرأة بمدينة صنعاء، غاب عنها زوجها، وترك عندها ابناً له من غيرها، فاتخذت لنفسها خليلاً، فقالت له: إن هذا الغلام يفضحنا فاقتله، فأبى، فامتنعت منه فطاوعها، فاجتمع على قتل الغلام خليل المرأة، ورجل آخر، والمرأة وخادمها، فقطعوه أعضاء وألقوا به في بئر, ثم ظهر الحادث وفشا بين الناس، فأخذ أمير اليمن خليل المرأة فاعترف، ثم اعترف الباقون، فكتب إلى عمر بن الخطاب، فكتب إليه عمر: أن اقتلهم جميعاً، وقال:- والله لو تمالأ عليه أهل صنعاء لقتلتهم جميعاً. ) وخلاصة الفرع أنه لو أجتمع النفر الكثير على قتل الواحد ، فإن الواجب قتلهم جميعا ، وإيجاب القتل عليهم جميعا لسد ذريعة القتل .
ومنها :- القول الصحيح والرأي الراجح المليح أن المعسر إن كانت موجوداته بقدر ديونه فإنه مباشرة يتم الحجر عليه ، ولو لم يحكم الحاكم ، لكن لا يكون نافذا إلا بحكم الحاكم ، وللحاكم أن يبطل كل بيع بعد استواء الموجودات مع الديون ، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى ، وهو الأليق بالشرع ، فإن المعسر قد يتصرف في بقية موجوداته تصرفا يضيع على أصحاب الحقوق حقوقهم ، فلا يمكن من هذا التصرف ، لأن حق أهل الديون قد تلعق بماله تعلقا يمنعه من التصرف فيه ، فقلنا بمنعه من التصرف فيما بقي من ماله ولو لم يحكم الحاكم سدا لذريعة ضياع الحقوق على أصحابها ، والله أعلم .
ومنها :- قال العلماء ( يَجُوزُ إِرْدَافُ الرَّجُل لِلرَّجُل ، وَالْمَرْأَةِ لِلْمَرْأَةِ إِذَا لَمْ يُؤَدِّ إِلَى فَسَادٍ أَوْ إِثَارَةِ شَهْوَةٍ ؛ لإِِرْدَافِ الرَّسُول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْفَضْل بْنِ الْعَبَّاسِ ، وَيَجُوزُ إِرْدَافُ الرَّجُل لاِمْرَأَتِهِ وَالْمَرْأَةِ لِزَوْجِهَا ، لإِِرْدَافِ الرَّسُول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِزَوْجَتِهِ صَفِيَّةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ، وَإِرْدَافُ الرَّجُل لِلْمَرْأَةِ ذَاتِ الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ جَائِزٌ مَعَ أَمْنِ الشَّهْوَةِ . وَأَمَّا إِرْدَافُ الْمَرْأَةِ لِلرَّجُل الأَْجْنَبِيِّ وَالرَّجُل لِلْمَرْأَةِ الأَْجْنَبِيَّةِ فَهُوَ مَمْنُوعٌ ، سَدًّا لِلذَّرَائِعِ ، وَاتِّقَاءً لِلشَّهْوَةِ الْمُحَرَّمَةِ ) فانظر كيف خرج العلماء هذا الفرع على هذه القاعدة الطيبة .
ومنها:- ما قرره أهل العلم في بعض المجامع الفقهية باتفاق بينهم من أنهم لا يرون الاتجار بالشعر الآدمي ولو بغرض إدخاله في صناعة المنسوجات كالدواسات أو لبيوت الشعر سدا للذرائع وخشية فتح باب بيع أعضاء الإنسان ، وهذا هو الحق ، ولأن الإنسان مكرم من قبل الله تعالى فلا تخضع أطرافه ولا فضلاته تحت البيع والشراء ، فانظر كيف خرجوا هذا الفرع على هذه القاعدة الطيبة الكبيرة .
ومنها :- لقد قرر المجمع الفقهي في عدد من الدول الإسلامية ، أن التلقيح الصناعي لا يجوز كله إلا في صورتين فقط ، الأولى :- أن يتم تلقيح البويضة مع بذرة زوجها نفسه تلقيحا خارجيا ثم تزرع البويضة الملقحة في رحم نفس هذه المرأة التي هي زوجته ، فهذا جائز ، والثانية :- أن يتم التلقيح بين بويضة الزوجة وبذرة الرجل تلقيحا داخليا ، وهذا جائز ، ولكن لا بد من أخذ كافة الاحتياطات التي تكفل بإذن الله تعالى حماية التدخل الخارجي ، وأما بقية الصور فهي محرمة ، وهي كما يلي :- أن تؤخذ بويضة المرأة وتلقح مع بذرة رجل آخر ليس هو زوجها ، فهذا محرم كل التحريم ، سواء أكان تلقيحا خارجيا أو داخليا ، ومنعه سدا للذريعة ، لأن الزنا أصلا محرم محافظة على الأنساب ، وهذه العملية تنتج ما حرم الزنا من أجله ، فحرمت سدا للذريعة ، ومنها :- أن تؤخذ بذرة الرجل وتلقح تلقيحا اصطناعيا مع بويضة المرأة وتزرع في رحم امرأة أخرى ، وهذا محرم سدا لذريعة اختلاط الأنساب ، بل هو الزنا ، لكن بلا إيلاج ، ومنها :- أن تؤخذ بذرة الرجل وتلقح مع بويضة امرأة أخرى ليست هي زوجته ، ثم تزرع في رحم امرأته ، وهذا محرم أيضا لأنه يفضي إلى اختلاط الأنساب ، ومنها :- أن تؤخذ بذرة رجل آخر ، وتلقح مع بويضة امرأة وليس هو زوجها ، ثم تزرع في رحم الزوجة ، وهذه محرمة أيضا ، والمهم أن القاعدة تقول (إن دخل طرف آخر غير الزوجين في عملية التلقيح فهي حرام) لأنها إن تدخل طرف أجنبي فإنها تكون كالزنا ، ووجه تحريمها أن ذلك من باب سد الذرائع ، والله أعلم .
ومنها :- هل يجوز إعادة اليد المقطوعة في السرقة ؟ على أقوال :- والراجح منها أنها لا تعاد ، إذ لا فائدة ترجى من تطبيق الحكم مع القول بتجويز رجوعها ، فسدا لذريعة تساهل السراق في حدها وسدا لذريعة العبث بأموال الناس ، نقول :- لا تجوز إعادتها، فيده التي هي يده ، لا يجوز تمكينه من إعادتها ، وأما لو ركب طرفا اصطناعيا فإنه بالخيار فيه ، فهذا الطرف الصناعي لا يتعلق به حكم ، وأما يده التي قطعت في الحد فإنها لا تعاد إليه ، والله أعلم .
ومنها :- ما قرره الحنفية رحمهم الله تعالى من أنه لا تقبل شهادة الزوج لزوجته ، وبالعكس. فقد ذهب أبو حنيفة إلى عدم قبول شهادة أحد الزوجين للآخر ، وذلك سدًا للذرائع وردًا للتهمة؛ لأن النفع بينهما ، وكل منهما يرث الآخر ويستفيد من ماله .
ومنها:- ما قرره الحنابلة وغيرهم من الفقهاء رحمهم الله تعالى من أن شهادة القريب لقريبه لا تقبل لأن قبولها يفتح باب البر والصلة والتساهل في باب الشهادة بحجة النفع ، لأنه قريبه ، ولأن الدليل قد منعها ، والعلة في المنع وجود التهمة في النفع ولو بالباطل ، فسدا لذريعة النفع الباطل والشهادة بالزور منعت هذه الذريعة ، ومنعها مخرج على هذه القاعدة تخريجا واضحا لا لبس فيه .
ومنها :- تحريم هدايا العمال ، أي الذين لهم معين في الدولة ، فهؤلاء لا يجوز لمن تحت أيديهم ، أو من يتردد عليهم أن يهدي لهم ، وإن أهدى لهم فلا يجوز له قبولها، لأن الهدية تأسر القلوب ، فلا بد من المحاباة فيما بينه وبين المهدي ، ولأن تجويز قبولها يفضي إلى ضياع الحقوق ، وتقديم من حقه التأخير أو تأخير من حقه التقديم ، أو إعطاء من لا يستحق الشيء الذي لا يستحقه ، المهم أنه لا يجوز لما فيه من المفاسد ، فسدا لذريعة هذا الفساد منع الشارع هدايا العمال ، وعن سعيد بن أبي بردة عن أبيه أتيت المدينة فلقيت عبد الله بن سلام فقال ألا تجيء فأطعمك سويقا وتمرا وتدخل في بيت ثم قال إنك بأرض الربا بها فاش إذا كان لك على رجل حق فأهدى إليك حمل تبن أو حمل شعير أو حمل قت فلا تأخذه فإنه ربا... وروى البخاري في صحيحه من حديث الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ عُرْوَةَ أَخْبَرَنَا أَبُو حُمَيْدٍ السَّاعِدِيُّ قَالَ :- اسْتَعْمَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا مِنْ بَنِي أَسْدٍ يُقَالُ لَهُ ابْنُ الْأُتَبِيَّةِ عَلَى صَدَقَةٍ فَلَمَّا قَدِمَ قَالَ هَذَا لَكُمْ وَهَذَا أُهْدِيَ لِي فَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمِنْبَرِ قَالَ سُفْيَانُ أَيْضًا فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ (( مَا بَالُ الْعَامِلِ نَبْعَثُهُ فَيَأْتِي يَقُولُ هَذَا لَكَ وَهَذَا لِي فَهَلَّا جَلَسَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ فَيَنْظُرُ أَيُهْدَى لَهُ أَمْ لَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يَأْتِي بِشَيْءٍ إِلَّا جَاءَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَحْمِلُهُ عَلَى رَقَبَتِهِ إِنْ كَانَ بَعِيرًا لَهُ رُغَاءٌ أَوْ بَقَرَةً لَهَا خُوَارٌ أَوْ شَاةً تَيْعَرُ ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى رَأَيْنَا عُفْرَتَيْ إِبْطَيْهِ أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ ثَلَاثًا )) وعن أبى حميد الساعدي مرفوعا (( هدايا العمال غلول )) رواه أحمد، وهو حديث صحيح ، فالقول الصحيح أن ذلك من المحرمات فسدا لذريعة الفساد في أمور الحكم والإدارة منعت الشريعة هذا الباب ، والله أعلم .
ومنها :- ذهب بعض العلماء إلى أنه يجوز للرجل أن يقّبل أخته إذا قدم من سفر بشرط ألا يكون تقبيله لها تقبيل شهوة ، فتقبيل المحارم بشهوة من أغلظ المحرمات ، وقيد الحنابلة جوازه بأن لا يكون في الفم ، وهو تقييد وجيه ؛ لأن التقبيل على الفم مظنة للشهوة، ولو قال قائل الآن بمنع تقبيل المحارم مطلقا لما كان قوله ببعيد، وذلك سداً للذرائع فقد انتشر الفساد حتى بين المحارم، بل ظهرت بعض الدعوات الخبيثة للعلاقة الآثمة بين المحارم من خلال وسائل الإعلام الخبيثة بمختلف أشكالها مرئية أو مسموعة أو مقروءة، وحتى إذا كان الرجل المحرم طيب النفس فقد لا تكون المرأة كذلك وهي تطالع في كل حين وسائل هدم الأخلاق. فلا شك أن الابتعاد عن التقبيل بكل أشكاله أقرب إلى السلامة ، وهو مذهب صحيح ، وهو مخرج على هذه القاعدة أتم تخريج .
ومنها:- الحق أنه لا يجوز للصيدلي أن يقبل الهدية من شركة توزيع الأدوية ، فإن هذه الهدايا في الغالب أنه يراد بها استمالة الطبيب إلى الإقبال على الإكثار من تقديم بيع أدويتهم على منتجات الشركات الأخرى ، فيتحقق الضرر، وقد حدثني بعض الثقات عن أمور محزنة في هذا الأمر ، فقلنا إنه لا يجوز له قبول هذه الهدايا لما في قبولها من الضرر ، فنمنعه سدا للذريعة .
ومنها :- الراجح أنه لا بد من الإشهاد على الرجعة ، فلا تصح الرجعة مع الكتمان ، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى ، قال تعالى } وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ { ولأن الرجعة مع الكتمان تفضي إلى تعدد الطلاق والتلاعب في أمر الفروج ، فلا بد من معرفة كم طلقها؟ ومتى راجعها ؟ وهذا لا يكون مع الكتمان ، فسدا لذريعة هذا التلاعب بهذا الأمر الكبير الخطير قلنا :- لا بد من الإشهاد على الرجعة .
ومنها:- أنه لا يجوز البتة أن تخرج البنت مع خطيبها قبل عقد النكاح بينهما ، لأنها أولا :- لا تزال أجنبية عنه ، ومجرد اختيارها كزوجة لا يعتبر شيئا إن لم يحصل العقد بينهما بالشروط المعتبرة وليست موافقتها عليه كزوج يجعله زوجا ، بل هو أجنبي عنها حتى يعقد عليها ، وثانيا :- سدا لذريعة الفساد ، فوالله لقد حصل الفساد الكبير بسبب تسويغ خروجه معها ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول (( ما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما )) ولأنه يلزم كمن ذلك أن ينظر لها وتنظر إليه ، ويخلو بها وتخلو به ، وربما حصل بينهما أمور لا تحمد عقباها ، وقد حصل أن امرأة خطبها رجل وخرج معها ، فحصل بينهما ما حصل ، ومن ثم حصل بينهما شيء من الخلاف ففارقها ، وهي تبكي الأمرين ، بعد أن حصل ما حصل ، ولا يقال :- إن خروجها معه فيه فائدة ومصلحة ، وهي أنهما يتعرفان على بعض أكثر ، لأننا سنقول :- نعم ، ولكن هذه المصلحة تحوطها وتحفها مفاسد كثيرة جدا تفوق عليها ، بل هذه المصلحة ليست بشيء يذكر في جانب هذه المفاسد الكبيرة ، والمتقرر أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح ، وإذا تعارض مصلحتان روعي أعلاهما بتفويت أدناهما ، وعليه فسدا لذريعة الفساد نقول :- لا يجوز خروجها معه ، ولا الخلوة بها ، والله أعلم .
ومنها :- الاختلاط بين النساء والرجال في الدراسة على الوضع المعروف في عصرنا منكر في ذاته ويؤدي بدوره إلى كثير من المنكرات التي لا قبل للمرء بها ، ولذا أمر الشرع باجتنابها سداً للذرائع وحسماً للفساد ، فالاختلاط يؤدي إلى النظر المحرم وإثارة الغرائز ، وتشجيع النفوس على الفساد وحال كهذا لا يجوز للمرء أن يعاون على إقامته أو دوامه ، بل الواجب هجره والبعد عنه ، إلا أن يكون المرء مضطراً للعمل فيه ، ولم يجد مجالاً غيره يسد به حاجته الشديدة ، أو يدفع به ضرورته الملجئة ، بشرط أن يبحث عن عمل آخر يكون خالياً من هذا الشر، مع رعاية حق الله تعالى أثناء تواجده في هذا المكان ، بأن يغض بصره ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، فيأمر البنات بالحجاب والابتعاد عن الرجال، كما يأمر الجميع بغض البصر، والحذر من الخلوة، وما قلناه هنا يقال في تدريسهن دروساً خصوصية ، بل الأمر في الدروس الخصوصية أشد ، لاحتمال حصول الخلوة فيها بصورة كبيرة. وخلاصة الأمر، أنه يجب على الإنسان المبتلى بهذا العمل ترك هذا العمل، فإن لم يجد غيره وكان مضطراً إليه، فلتبق فيه ولتجدَّ في البحث عن عمل آخر، مع الالتزام بالضوابط الشرعية.
والله أعلم .
يتبع إن شاء الله....
رد مع اقتباس
  #6  
قديم 24-06-2011, 10:05 PM
الصورة الرمزية أبو الشيماء
أبو الشيماء أبو الشيماء غير متصل
مراقب الملتقيات
 
تاريخ التسجيل: Jul 2008
مكان الإقامة: أينما شاء الله
الجنس :
المشاركات: 6,415
الدولة : Morocco
افتراضي رد: الحصون المنيعة في شرح قاعدة سد الذريعة .


ومنها :- لعبة الورق المسماة بـ( البلوت ) فإنها محرمة لا تجوز ، وقد سئلت اللجنة الدائمة في المملكة سؤالا هذا نصه ، قال السائل (ما رأيكم في نوع من الألعاب يطلق عليه: البلوت، وهو على شكل قطع من الأوراق، في طول وعرض ورقة الخمسة النقدية، وعليها صور مختلفة وأعداد كذلك وإذا جلس أهلها يلعبونها يرتفع صوت الأذان ولا يتابعونه حسب المتبع، ولا يذكرون الله على الانتهاء، ولا الدعاء الواجب عند سماعه وتروح الناس إلى المسجد للصلاة ويحضرها هؤلاء الناس وبعد العودة من المسجد يدخل عليهم الناس ويسلمون ولا يردون عليهم السلام؛ لكون أفكارهم وقلوبهم مشغولة، ولا يستطيع الإنسان الجلوس في البيت من ريح الدخان وضجيج الأصوات المزعجة والضحك واللعن، والأديان - أي الحلف- بعضها بالله وبعضها بغيره. أرجو إفادتي عن حكم هذه اللعبة وما يلحق لاعبيها منها، وما أثرها على المجتمع؟

فأجابوا رحمهم الله تعالى بقولهم ( اللعب بالأوراق على ما وصفه السائل يصد عن ذكر الله وعن الصلاة، ويحدث العداوة والبغضاء بين المتلاعبين، وقد يكون على مال يدفعه المغلوب للغالب، وهو مصحوب بتبادل اللعن ، وإيقاع الأيمان الفاجرة ، فإذا ترتبت عليه هذه الأمور وما في معناها أو بعضها فإنه حرام ؛ لقوله تعالى }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ {وأما ما يلحق لاعبيها فإنهم قد ارتكبوا أمرا محرما وهم آثمون في ارتكاب ذلك وما يقترن به من ترك واجب ، كترك الصلاة جماعة ، أو فعل محرم كاللعن ، والأيمان الكاذبة ، والحلف بغير الله ، وشرب الدخان, وأما أثر هذه اللعبة على المجتمع فإن روابط المجتمع السليم تتحقق بأمرين اتباع أوامر الله، واجتناب نواهيه وتفكك المجتمع بترك شيء من الواجبات أو فعل شيء من المحرمات وهذه اللعبة من العوامل التي تؤثر على المجتمع، فهي سبب في ترك الصلاة جماعة ، وينشأ عنها التباعد والتقاطع والشحناء والتساهل في ارتكاب المحرمات، كما أنها مورثة للكسل عن طلب الرزق ، هذا إذا لم تكن على عوض، فإن كانت على عوض فالمال الذي يحصل بسبب هذا اللعب هو مال حرام ، وقد سبق دليل ذلك, وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم ) فانظر كيف علل أصحاب الفضيلة العلماء القول بالتحريم بقاعدة سد الذرائع ، فلأن هذه اللعبة فيها عدد كبير من المفاسد التي ترجع على الفرد والأسرة والمجتمع قالوا بتحريمها , وهذا إعمال منهم لقاعدة سد الذرائع .

ومنها:- القول الراجح والله تعالى أعلم أنه لا يجوز أن تجعل آيات القرآن نغمة من نغمات الجوال وذلك سدا للذريعة ، ويتضح هذا من عدة وجوه , الأول :- أنه يتضمن إخراج القرآن عن أصل مقصود إنزاله ، لأن الله تعالى أنزل كتابه لتلاوته بالألسنة وتدبره بالقلوب ، والعمل به ، وليس منها أن يجعل نغمة من نغمات الجوالات السيارة ، الثاني :- أن فيه امتهانا للقرآن ، لأنه ربما يرن الهاتف وهو في دورات المياه ، أو يقطع الآية بالرد ولا يكملها ، أو يرن وهو ملقى في مكان قذر ، أو يرن وهو في الصلاة أو في المسجد فيغضب الناس ، ويتكلمون ونحو هذا مما فيه امتهان للقرآن ، فسدا لذريعة امتهانه نقول بالمنع ، الثالث:- أنه مفض إلى استبدال القرآن بغيره ، لأنه إن رن ، فالقرآن سيعمل ، فيقوم صاحب الجوال ، ويفتح الرد ، فينطفئ القرآن ليسمع غيره ، وهذا فيه ما فيه ، بل إن من يفعل هذا يكون ممن استبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير ، إذ كيف يغلق كلام الله تعالى ويقبل على سماع كلام غيره ؟ الرابع:- أنه مفض إلى الإيذاء بالقرآن ، فإنه لو رن وهو في الصلاة أو في المسجد فإنه سيكون سببا في الأذى ومن المعلوم أن القرآن لا يؤذي ولا يؤذى به, الخامس:- أن الواجب عند استماع القرآن الإنصات إليه ، ومن المعلوم لدى الجميع أنه لا يستمع أحد لتلاوة من الجوال كنغمة هاتف ، وهذا يتضمن مخالفة شرعية ، ومفض إلى الممنوع ، وما أفضى إلى الممنوع فهو ممنوع ، فلهذه الأوجه وغيرها نقول بالمنع ، ونخرج هذا المنع على قاعدة سد الذريعة والله أعلم .

ومنها :- تحريم باب الحيل كله ، من أوله إلى آخره ، وأعني بها الحيل المحرمة ، والقاعدة عندنا في باب الحيل تقول ( كل حيلة يتوصل بها إلى إحقاق الباطل أو إبطال الحق فهي باطلة ) فباب الحيل المحرمة لا يجوز منه شيء ، لأن فاعل الحيلة إنما يريد بهذه الحيلة أن يتوصل إلى الحرام ، فتمنع هذه الحيلة سدا لذريعة الوصول إلى الحرام ، بل إن الوصول إلى الحرام من باب التحايل أعظم جرما وأشد إثما عند الله تعالى من إتيان الحرام على وجهه ، لما في الحيلة من مخادعة الله والذين آمنوا فالعينة حيلة على الربا فهي محرمة ، ونكاح التحليل حيلة على تحليل الزوجة لمطلقها ثلاثا ، فهو محرم ، وفي الحديث (( لعن النبي صلى الله عليه وسلم المحلل والمحلل له )) وسماه التيس المستعار والبطاقات الائتمانية كثير منها إن لم تكن كلها حيلة على أكل الربا ، فما كان منها يتضمن الربا أو التحايل إلى الربا فهي حرام ، والدعاية الإعلانية لمنتج من المنتجات ، إن كانت تفخم أمر هذا المنتج وتصفه بما ليس فيه ، أو تبالغ في وصفه وتكسوه من الأوصاف ما هو كذب وافتراء ، كل هذه الدعايات محرمة لا تجوز ، لما فيها من مخادعة المؤمنين ، وأكل أموالهم بالباطل ، والتزوير عليهم وغشهم ، وفي الحديث (( من غش فليس منا )) ولما فيها من الكذب الصريح ، والأدلة في تحريم الكذب كثيرة ، فلسد ذريعة أكل أموال الناس بالباطل ، نقول :- إن الدعاية المشتملة على شيء من ذلك حرام لا تجوز ، والأمثلة على ذلك كثيرة جدا ، ولعلي إن شاء الله تعالى أن أفرد لها رسالة مستقلة في بيان كثير مما نص الفقهاء على أنه ممنوع لأنه حيلة على فعل الحرام , والله أعلم .

ومنها :- باب الاستئذان في الفقه الإسلامي كله مبني على سد الذريعة ، وذلك لأن حفظ العرض مما جاء به الشرع ، بل هو أصل من أصوله ، وستر العورات مأمور به شرعا ، فكل ذريعة تفضي إلى هتك ستر العورة فإنها ممنوعة في الشرع فجعل الاستئذان لحفظ هذا الباب, قال الله تعالى }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِن قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ الظَّهِيرَةِ وَمِن بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاء ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ{وهذا كله لسد ذريعة الاطلاع على ما لا يجوز الاطلاع عليه شرعا ، وقال الله تعالى }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ فَإِن لَّمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِن قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ{وكل هذا من أجل أن لا يطلع الإنسان من أخيه الإنسان على ما لا يجوز الاطلاع عليه ، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم (( إنما جعل الاستئذان من أجل البصر )) أي حتى لا يقع البصر على ما لا يجوز له النظر له من عورات الناس وقد شدد النبي صلى الله عليه وسلم في تتبع عورات الناس فقال (( فإن من تتبع عورة مسلم تتبع الله عورته ، ومن تتبع الله عورته فضحه الله في جوف داره )) أو كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ، فباب الاستئذان كله مبني على هذه القاعدة الطيبة ، والله أعلم.
رد مع اقتباس
  #7  
قديم 24-06-2011, 10:18 PM
الصورة الرمزية أبو الشيماء
أبو الشيماء أبو الشيماء غير متصل
مراقب الملتقيات
 
تاريخ التسجيل: Jul 2008
مكان الإقامة: أينما شاء الله
الجنس :
المشاركات: 6,415
الدولة : Morocco
افتراضي رد: الحصون المنيعة في شرح قاعدة سد الذريعة .


ومنها :- القاعدة المتقررة عندنا تقول ( كل معاملة تشغل عن حضور الجماعة الواجبة فهي حرام ) وأصل ذلك قوله تعالى }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ {،،،، فحرم الله تعالى البيع بعد نداء الجمعة الثاني ، لئلا يكون التشاغل به ذريعة إلى فوات الصلاة ، وهذا أمر قد علمت علته ، وقد اتفق أهل العلم رحمهم الله تعالى على هذا التعليل ، فيقاس عليه ما هو في معناه ، من النكاح وغيره من سائر المعاملات ، وإني لأعجب من قول الحنابلة رحمهم الله تعالى من أن هذا الحكم مخصوص بما يسمى بيعا ، فلا يدخل فيه النكاح ولا سائر العقود, وهذا فيه نظر ، وكأنه نوع جمود على الظاهر الذي ليس هو بظاهر الدليل ، بل الصحيح في هذه المسألة أنه يدخل فيه كل ما ألهى عن الصلاة وحضور الجماعة ، من نوم أو لعب أو كلام ، أو معاملة أو غير ذلك ، لأن المتقرر أن الشريعة لا تفرق بين متماثلين كما أنها لا تجمع بين مختلفين ، والمتقرر أن القياس الصحيح حجة ، والمتقرر أن مفهوم الموافقة حجة ، وكل ذلك يدخل تحت قاعدة سد الذرائع ، والله أعلم .
ومنها:- الحق الذي لا محيص عنه هو أنه لا يجوز الاستعانة بالجن المسلمين في العلاج ، لا سيما مع كثرة كذب الجن وقلة الديانة ، وضعف الفهم ، ولتحقيق الاعتماد الكامل على الله تعالى , وإن كنا نقول سابقا إنه لا بأس به ، ولكننا نبهنا أن هذا الحكم لا نعمل به الآن ، بل العمل على أنه من الممنوعات الشرعية ، سدا للذريعة ، وقد فصلنا المسألة في كتابنا المسائل الطبية ، فارجع إليه إن شئت ، ولكن ليشهد الجميع أننا نقول بالمنع ، وليس هذا من باب التراجع عن قول سابق ، ولكن من باب التنبيه على عدم الأخذ إلا بما يقتضيه سد الذرائع ، والله أعلم .
ومنها :- القول الصحيح الذي لا ينبغي القول بغيره هو منع تأجير الشهادات لمن ينتفع بها في العمل لأن الأصل في الشهادة أنها لصاحبها فقط ، وأنها تعبر عن مدى ما وصل إليه من المستوى العلمي وأن تأجيرها لمن يعمل بها وهو ليس من أهلها من الغش للمسلمين ، والغش كله محرم ، ومن مخادعة المؤمنين ، ومن التحايل على الوصول إلى منصب لا يحل له ، لا سيما إن كان المجال مما يتعلق بالطب أو الأمن أو غيرها من الوظائف التي تمس المصلحة العامة ، فلا يجوز لصاحب الشهادة تأجيرها لما في ذلك من المفاسد العظيمة ، على الفرد والمجتمع بأسره ، فقلنا بالمنع سدا للذريعة . والله أعلم .
ومنها:- ذكر الحافظ شمس الدين ابن القيم رحمه الله عن أحمد ثلاث روايات فيما يجوز للخاطب أن ينظر إليه من جسم المخطوبة ؛ فقال ( إحداهن : ينظر إلى وجهها و يديها ، والثانية : ينظر إلى ما يظهر غالبا كالرقبة و الساقين و نحوهما و الثالثة : ينظر إليها كلها عورة و غيرها فإنه نص على أنه يجوز أن ينظر إليها متجردة ) وعليه فإنّ من حصر نظر الخاطب إلى مخطوبته في الوجه والكفّين فقط راعى الأحوط ، و ذَهَب مَذهب جمهور أهل العلم ، و من أباح له النظر إلى سائر جسمها وهي متجرّدة كما قال داوود الظاهري فقد توسّع و أفرَط ، إذ لا فَرق عنده بين المتقدّم للخطبة وبين الزوج بعد الدخول في ما يجوز له النظر إليه , وأوسط الأقوال هو المذهب الوسط عند الحنابلة و هو جواز النظر إلى ما يظهر منها - أمام محارمها و بنات جِنسِها - غالباً كالرقبة والساقين ونحوهما ، ويدخل في ذلك شعرها ، إذا كان ذلك بمقدار الحاجة وفي حضور وليٍّ أو مَحرَم , والذي أراه درءاً للمفاسد ، وسداً للذرائع ، هو التمسك بالمذهب الوسط وهو مذهب الأئمة الحنابلة، وأما من قال بالنظر لها متجردة فوالله العظيم إن قوله خطأ ، فلابد من الحذر وعدَم التوسّع في هذا الباب خشية الفتنة ، لا سيما في هذا الزمان و الله أعلم .
ومنها:- القول الصحيح أنه لا يجوز للمرأة الركوب في الحافلات المختلطة مع اشتداد الزحام ، لما في ذلك من تعريض نفسها للابتذال والافتتان بها، لا سيما إن كانت متبرجة ، وأنه ليس بُعد مكان العمل بعذر يسوغ لها ذلك ، والمخرج من ذلك لو أراد ولاة الأمر تخصيص حافلات للمرأة والإمكانية المالية موجودة ، ووالله إنها موجودة ، فإن اقتصاد الدول الإسلامية طيب ، ونستطيع وبكل بساطة وأتم راحة ، أن نفعل هذا ، ونرتاح من تلك المفاسد التي تعاني مها أخواتنا النساء في بعض الدول ، وهناك مخرج آخر ، وهو أن لا نبعد المرأة عن مكان عملها ، إن كان ولا بد من خروجها للعمل ، والمخارج لو تدبرنا كثيرة ، ولكن المشكلة في عدم الاهتمام بهذا الأمر ، ووالله ثم والله لو أننا نصرف ربع ما نصرفه على أمور الكرة والتي لا تستفيد الأمة منها مطلق الفائدة لاستطعنا أن نوفر حافلة للمرأة في كل حي من أحياء الدولة الإسلامية ، والمهم أنه لا يجوز للمرأة أن تركب في الحافلات المختلطة سدا لذريعة الفساد ، والله أعلم .
ومنها :- ما ذكره الإمام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله تعالى في كتاب التوحيد في قوله ( باب لا يذبح لله تعالى بمكان يذبح فيه لغير الله ) فإن هذا الباب مبناه على سد الذرائع ،وذلك بعدة أمور الأول :- سد ذريعة مشابهة الكفار في الظاهر وهذا مقصود من مقاصد الشرع ، فإن من تشبه بقوم فهو منهم ، وليس منا من تشبه بغيرنا ، ونحن مأمورون بمخالفتهم في أشياء كثيرة جدا ، ثبتت بها الأدلة ، ومن هذا أن لا نذبح في مكان يذبح فيه الكفار لمن يعظمونه من صنم أو وثن ، الثاني :- سد ذريعة إحياء سنة الكفار في هذا المكان ، الثالث :- سد ذريعة التوادد في الباطن ، فإن المتقرر أن الموافقة في الظاهر يوجب تواددا وتماثلا في الباطن ، الرابع :- سد ذريعة نزول العذاب الشامل فإن أمكنة الكفر والمعصية مستحقة أن ينزل فيها وعلى أهلها العذاب ، فحتى لا يشمل المسلم منع من قربانها ولو لفعل عبادة لله تعالى ، الخامس:- سدا لذريعة الشرك ، وحماية لجناب التوحيد السادس :- لسد ذريعة افتتان القلوب المريضة بالموافقة في الصورة الظاهرية ، فإن العامة لا يرون ما في القلب ، وإنما يرون ما يظهر فقط ، فإذا رأوك وأنت تذبح في مكان يذبح فيه لغير الله ، فلا يعلمون إلا أنه مما يسوغ ، وهذا فيه فتح باب شر كبير وفتنة عظيمة ، فسدا لذريعة ذلك كله نقول بالمنع ، بل القاعدة عندنا في هذا الباب تقول ( لا يجوز فعل العبادة لله تعالى في مكان يفعل فيه جنسها لغير الله تعالى ) وقد شرحناها في القواعد المذاعة ، والله تعالى أعلم وأعلى ...
يتبع إن شاء الله....

التعديل الأخير تم بواسطة أبو الشيماء ; 26-06-2011 الساعة 01:41 AM. سبب آخر: مكرر
رد مع اقتباس
  #8  
قديم 26-06-2011, 01:22 AM
الصورة الرمزية أبو الشيماء
أبو الشيماء أبو الشيماء غير متصل
مراقب الملتقيات
 
تاريخ التسجيل: Jul 2008
مكان الإقامة: أينما شاء الله
الجنس :
المشاركات: 6,415
الدولة : Morocco
افتراضي رد: الحصون المنيعة في شرح قاعدة سد الذريعة .

ومنها :- أن كل قول في أصله مباح قد يفهم منه ما ليس بمباح ، أو يكون مفتاحا للنيل من الشرع فإنه ممنوع في الشرع ، وهذه قاعدة لا بد من فهمها ، فإن إباحة القول في حد ذاته لا تعني جواز قوله في كل محفل ، بل لابد من مراعاة كونه جالبا للمصلحة ودافعا للمفسدة ، فإن كان ثمة قول مباح يوجب قوله مفسدة فإن الأسلم شرعا السكوت عنه ، والاستعاضة عنه بما هو خير منه مما لا يوجب إلا الخير ، ولا يجد فيه أعداء الملة والدين مدخلا للنيل من الشريعة أو الشارع ، وأصل هذا قوله تعالى }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقُولُواْ رَاعِنَا وَقُولُواْ انظُرْنَا وَاسْمَعُوا ْوَلِلكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ{فانظر كيف نهاهم عن قول " راعنا " مع أنه قول في أصله مباح لا بأس به ، لأنه من المراعاة والرفق ولكنه يعني في لغة اليهود الرعونة والجفاء والغلظة ، فكان اليهود يقولونه للنبي صلى الله عليه وسلم ولا يقصدون به إلا النيل من مقامه الشريف ، فأمر المسلمون بأن يستبدلوه بما يحقق منه معناه ولا يكون فيه مدخل لأهل العداوة أن ينالوا من النبي صلى الله عليه وسلم ، فقسنا عليه كل قول مباح في الأصل ، ولكن يوجب قوله فتح الباب لأهل الأهواء وأعداء الملة أن ينالوا من الشريعة ، فنبحث عن قول آخر يحقق نفس المعنى ولا يكون فيه شيء من المفاسد ، فاحفظ هذا الأصل ، فإنه مبارك في التطبيق ، وله عوائده الطيبة على الدعوة والداعية ، فمنع الله تعالى من قول " راعنا " سدا لذريعة القدح في النبي صلى الله عليه وسلم ، والله أعلم .
ومنها :- لقد تقرر عند أهل العلم رحمهم الله تعالى قاعدة طيبة فيما يبلغ من العلم ، تقول هذه القاعدة ( ليس كل ما يعلم يقال ، ولكل مقام مقال ) فلا بد من مراعاة تحقيق المصالح ودفع المفاسد في إبلاغ العلم ، فإن كان إبلاغ هذا العلم المعين في هذا الوقت المعين يوجب شيئا من المفسدة فالمشروع هو السكوت عنه ، وليس كل علم فلا بد من إبلاغه ، بل لا يكون إبلاغ العلم مشروعا إلا حيث كان محققا للمصالح ودافعا للمفاسد ، وعلى ذلك عدة أحاديث الأول :- عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال :- كنت رديف النبي صلى الله عليه وسلم على حمار ، فقال (( يا معاذ )) قلت :- لبيك يا رسول الله وسعديك ، قال (( أتدري ما حق الله على العباد وما حق العباد على الله ؟ )) قلت :- الله ورسوله أعلم ، قال (( فإن حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا ، وحق العباد على الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئا )) قلت :- يا رسول الله أفلا أبشر الناس ؟ قال (( لا تبشرهم فيتكلوا )) متفق عليه ، فانظر كيف نهاه النبي صلى الله عليه وسلم عن إبلاغ هذا العلم المتعلق بشيء من فضل كلمة التوحيد لما في إبلاغه من المفسدة المقابلة وهي اتكال الناس عليه وترك العمل ، فسدا لهذه الذريعة ، نهى النبي صلى الله عليه وسلم معاذا عن الكلام في هذا الأمر ، وهذا أصل من أصول سد الذرائع ، فإن قلت :- ولماذا حدث النبي صلى الله عليه وسلم به معاذا ؟ فأقول :ــ لأن معاذا من فقهاء أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا يمكن أن يتطرق له ما خاف منه النبي صلى الله عليه وسلم على عامة الناس ، فإن قلت :- ولماذا حدث به معاذ بعد ذلك ؟ فأقول لأمرين :- لانتفاء المفسدة ، ولقول الراوي في الحديث "" أي فرارا من الإثم الحاصل بكتم العلم ، الثاني :- حديث أبي هريرة رضي الله عنه - في الحديث الطويل - أنه دخل على النبي صلى الله عليه وسلم وهو في الحائط ، فقال له (( يا أبا هريرة )) وأعطاني نعليه (( اذهب بنعلي هاتين ، فمن لقيت وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلا الله مستيقنا بها قلبه فبشره بالجنة )) فكان أول من لقيت عمر ، فقال :- ما هاتان النعلان يا أبا هريرة ؟ قلت هاتان نعلا رسول الله بعثني بهن من لقيت وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلا الله بشرته بالجنة قال:- فضرب عمر بين ثديي ضربة ، خررت لإستي ، وقال :- ارجع يا أبا هريرة ، فرجعت إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فأجهشت بكاء ، فقال (( ما لك يا أبا هريرة ؟ )) فأخبره بالخبر قال:- فركبني عمر ، فإذا هو على أثري ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم (( يا عمر ، ما حملك على ما صنعت ؟ )) فقال :- بأبي أنت وأمي يا رسول الله ، أبعثت أبا هريرة بنعليك من لقي يشهد أن لا إله إلا الله مستيقنا بها قلبه بشره بالجنة ؟ قال (( نعم )) قال :- فلا تفعل ، فإني أخشى أن يتكل الناس عليها ، فخلهم يعملون ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم (( يا أبا هريرة فخلهم )) فانظر كيف رجع النبي صلى الله عليه وسلم إلى رأي عمر واستصوبه ونهى أبا هريرة عن إبلاغ الناس بهذا العلم لسد ذريعة اتكال الناس عليه وترك العمل ، وهذا هو عين العلم ، وعين المصلحة ، فالعلم ليس فتل عضلات ، بل العلم مراعاة المصالح والمفاسد ، وفي البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال :- حفظت من النبي صلى الله عليه وسلم وعاءين فأما أحدهما فبثثته وأما الآخر فلو بثثته قطع هذا البلعوم... قال البخاري البلعوم :- مجرى الطعام ، وهذا من باب مراعاة المصالح والمفاسد, ومن باب تحقيق العمل بسد الذرائع ، ولقد ابتلينا في هذه الأزمنة بأناس تقفروا العلم ، ولبسوا ثياب العلماء ، يصرخون بالعلم صرخا ، ويتشدقونه تشدقا ويلوكون به ألسنتهم ، ولا يراعون فيه لا مصالح ولا مفاسد ، وكم ، وكم ، جروا على الأمة بأسباب ذلك الويلات ، فأفزعوا الدهماء وأيقضوا الفتنة النائمة ، وإن قلنا لهم :- ليس من الحكمة أن يسمع العامة هذا العلم ، قالوا :- أنتم تريدون قتل العلم وتحاربون البلاغ ، وتداهنون الحكام ، ولا نزال مع هذا الصنف من الناس في حيص بيص ، فيا طلاب العلم ، الرفق ، الرفق ، والقصد ، القصد تبلغوا ، ووالله إن سكوت بعض أهل العلم على شيء مما يجول في خواطركم ليس مداهنة ولا مجاملة ، ولا مصانعة بالباطل ، بل هو مراعاة لحال الأمة ، ونظرا في المصالح والمفاسد ، ودفعا لأكبر الشرين وأعظم الضررين بأدناهما وتحصيلا لأعلى المصلحتين وأكبر الخيرين بتفويت أدناهما ، فلا بد من إحسان الظن بالعلماء وإياكم والأصاغر من أهل الأهواء المضلة ، والبدع المخلة ، فإنهم يتربصون بنا وبأمتنا وببلادنا الدوائر فليحرص طالب العلم أن لا يكون مفتاح شر على الأمة ، ولا باب فتنة يلج منه أعداء الملة لنواة أهل الإسلام ، واعلموا أن الشريعة جاءت لتحقيق المصالح وتكميلها وتعطيل المفاسد وتقليلها ، فإن لم يكن إبلاغ العلم في هذه الحالة الراهنة محققا لهذا الأصل فلا تبلغوه ، وأرجئوه إلى حين آخر ويدخل تحت هذا الأصل أن الإنكار على الحكام علنا أمام العامة ممنوع ، وإشاعة أخطاء أهل العلم أمام من هب ودب ممنوع ، وإنكار المنكر إن أوجب منكرا أعظم ممنوع ، وهذا من الفقه في الدين ومن الحكمة التي من أوتيها فقد أوتي خيرا كثيرا ، وقد بلغت من الحمق والطيش في زمن مضى ما أنا نادم عليه الآن ، وما رأيت كالرفق في أخذ الأمور ولا كالحلم والتأني في فهم المسائل مخرجا من كثير من المآزق التي تحل بالأمة فينة بعد أخرى، بل والله إن الرفق في فهم المسألة والتأني في معالجة الأمور لهو من الرسوخ في العلم ، وأثر من آثاره ، وأما النزق والطيش والحدة ورفع الأصوات وتراشق التهم والحكم بعد سماع الكلام بلا تأن ولا ترو ولا تثبت فهذا يفسد ولا يصلح ،ويهدم ولا يبني ، وبلاؤه أكثر من عافيته ، إن كان فيه أصلا عافية ، ولا شك أن لكبر السن دوره في الترفق والتعقل ، ولا شك أيضا أن التربية على أيدي أهل العلم الراسخين من أعظم ما يوفق له طالب العلم في بداية طلبه ، والمقصود أن المتقرر عندنا في القواعد أن إبلاغ العلم مناطه تحصيل أعلى الخيرين والمصلحتين ، ودفع أكبر الشرين والضررين ، فما كان محققا لهذا فأهلا وسهلا ، وما لا ، فلا ، والسكوت عنه أفضل ، والله أعلم .
رد مع اقتباس
  #9  
قديم 26-06-2011, 01:28 AM
الصورة الرمزية أبو الشيماء
أبو الشيماء أبو الشيماء غير متصل
مراقب الملتقيات
 
تاريخ التسجيل: Jul 2008
مكان الإقامة: أينما شاء الله
الجنس :
المشاركات: 6,415
الدولة : Morocco
افتراضي رد: الحصون المنيعة في شرح قاعدة سد الذريعة .




ومنها:- ما قرره العلماء رحمهم الله تعالى من أن ترك السنة من باب تأليف القلوب أولى من فعلها مع تنافر القلوب ، وهذا باب دقيق ، فإن من الناس من لا ينظر إلى أثر تطبيقه للسنة ، وهذا فيه قصور ، والحق أن تطبيق هذه السنة المعينة إن كان يفضي إلى تنافر القلوب وتشاحن النفوس والكلام الذي لا ينبغي ، وكراهة الحق ، وبغض أهله ، فالحكمة تركها في هذه الحال ، ليس الترك المطلق ، لا ، بل مطلق الترك ، حتى يتعلمها الناس ، ويعرفوا دليلها ، وهذا من باب سد الذريعة فإن الشريعة أمرت بالتآلف والتوادد والتراحم وتعليم الناس بالرفق والهوينا ، ونهت عن الاختلاف والتنابز وتراشق التهم بغير وجه حق ، فإن كان فعل هذه السنة المعينة ، في هذه الحال الراهنة يوجب شيئا من المفسدة فلا تفعلها الآن ، سدا للذريعة ، وأضرب لك أمثلة لتفهم ما أريد إثباته الأول :- إن من السنة الجهر بالتأمين ولا شك ، ولكن من الحكمة إن كنت داعية في بلاد قد اعتمد فيها المذهب الحنفي ، وصليت معهم أن لا تجهر بالتأمين في أول الأمر حتى تعلمهم السنة الثابتة في ذلك ، وذلك لأن بعض الحنفية قد يكون عنده تعصب لمذهبه ، فلا يتحمل جهرك به فتكون كارثة ، إما أن يقوموا من المسجد ، أو يتكلموا عليك بكلام لا تحتمله نفسك ، فينقلب الأمر من كونه دعوة إلى كونه انتصارا للنفوس ، وعلى كل حال فهذا يكدر صفو الدعوة ، ولا يحقق لك ما جئت من أجله ، ولا يقال لنا :- كفاكم تمييعا للسنة ، لأننا سنقول :- إننا لم نقل بتركها مطلقا ، بل قلنا بتركها حتى يتعلموها ، ثم نقول :- إننا لم نقل بتركها جزافا ، بل قلنا بتركها إن كان تركها يحقق مصلحة أعظم منها ، كما ذكرت لك مثاله ، وقد حصل أني كنت في بعض البلاد وصلينا وراء إمام حنفي ، فلما قال " ولا الضالين " قلت أنا وصاحبي ( آمين ) بصوت مرتفع ، ولم يجهر أحد من أهل المسجد ، فلما انتهت الصلاة رمانا القوم بأبصارهم ، وأخذوا يتكلمون بينهم بكلام لا نفهمه ، لأنهم من العجم ، وفوجئنا بأهل المسجد يقومون كلهم إلا نفرا يسيرا ، فلم نتمكن من دعوتهم ، والتي جئنا وقطعنا المسافات الطويلة من أجلها ، وهذا ليس من الحكمة ، ولكن جهلنا بما قرره أهل العلم رحمهم الله تعالى في هذه المسألة المهمة هو الذي أوقعنا في هذا الأمر ، وماذا علينا لو تركناها في هذا الوقت ؟ ولكنه الجهل ، والله المستعان ، وقد انتبهنا لهذا الأمر فيما بعد ، وحصل بالانتباه له خير كثير ، الثاني :- لو صليت إمام بقوم من الشافعية ، فمن الحكمة وأنت داعية أن تجهر بالبسملة في الفاتحة ، لأنهم يرون أنها آية من الفاتحة ، حتى يتعلم الناس السنة ، الثالث :- من الحكمة الدعوية إن صليت الوتر بأناس يرون الدعاء فيه ، أعني دعاء القنوت أن تدعو للقنوت ، لا أقول قنوت الفجر الدائم الذي لا أصل له ، بل قنوت الوتر ، والخلاف فيه معروف ، الرابع :- من الحكمة أيها الحبيب إن صليت مع قوم لا يرون حال القيام وضع اليمنى على اليسرى ، أن لا تضع ، واترك هذه السنة تركا مقيدا إلى أن يتعلم الناس ، والأمثلة كثيرة ، ألا ترى أن النبي صلى الله عليه وسلم ترك بناء البيت على الصورة التي يريدها لمصلحة التأليف ، ألا ترى أن ابن مسعود وغيره من الصحابة أتموا خلف عثمان في السفر وقالوا :- الخلاف شر ، ألا ترى أن عمر جهر بدعاء الاستفتاح زمنا ليعلم الناس السنة ، مع أن السنة الإسرار به ، فترك السنة من أجل مصلحة أعظم ، ألا ترى أن ابن عباس جهر بالفاتحة في صلاة الجنازة ليعلم الناس السنة مع أن السنة الإسرار بها ، فترك السنة من أجل مصلحة أعظم ، فكذلك نقول هنا إن كان فعل السنة يوجب شيئا من التناحر والسباب والشتائم وتنافر القلوب والتباغض ، فمن الحكمة تركها إلى حين آخر ، قال أبو العباس رحمه الله تعالى في شأن الجهر بالبسملة ( كذلك الأمر في تلاوتها في الصلاة طائفة لا تقرؤها لا سرا ولا جهرا كمالك والأوزاعي وطائفة تقرؤها جهرا كأصحاب ابن جريج والشافعي والطائفة الثالثة المتوسطة جماهير فقهاء الحديث مع فقهاء أهل الرأي يقرءونها سرا كما نقل عن جماهير الصحابة مع أن أحمد يستعمل ما روى عن الصحابة في هذا الباب فيستحب الجهر بها لمصلحة راجحة حتى إنه نص على أن من صلى بالمدينة يجهر بها قال بعض أصحابه لأنهم كانوا ينكرون على من يجهر بها ويستحب للرجل أن يقصد إلى تأليف هذه القلوب بترك هذه المستحبات لأن مصلحة التأليف في الدين أعظم من مصلحة فعل مثل هذا كما ترك النبي صلى الله عليه وسلم تغيير بناء البيت لما رأى في إبقائه من تأليف القلوب وكما أنكر ابن مسعود على عثمان إتمام الصلاة في السفر ثم صلى خلفه متما وقال الخلاف شر) وهذا باب من الحكمة والخير ، وهو خاضع لاجتهاد الداعية في حالته الراهنة ، والمهم أنه لا بد من النظر في جلب المصالح ودفع المفاسد ، ونحن مع أبي العباس ابن تيمية رحمه الله تعالى فيما قال من أن الرجل يستحب له ترك هذه المستحبات من أجل مصلحة التأليف ، فإن فساد القلوب أعظم مفسدة من مجرد ترك هذه السنة إلى حين آخر ولكن لا بد من فهم ضوابط العمل بهذه المسألة وهي كما يلي الأول :- أن لا يتعلق الأمر بشيء من الواجبات ، فالمسألة مفروضة في الأمور المستحبة فقط لا مدخل لها في الأمور الواجبة، الثاني :- أن لا ينوي تركها الترك المطلق ، بل مطلق الترك ، الثالث :- أن تتحقق المصلحة الشرعية المرعية بتركها ، الرابع :- أن تترتب المفسدة على فعلها يقينا أو بناء على الظن الغالب ، الخامس :- أن لا تكون المتابعة على أمر يوجب الوقوع في البدعة ، كالقنوت الدائم في صلاة الفجر ، أو في المكتوبات كلها ، وكضرب الركب بالأكف قبل السلام من الصلاة كما يفعله الرافضة, وكالأوراد التي تقال جماعة بعد الصلاة ، ونحو ذلك ، فانتبه لهذه الضوابط ، وفقك الله تعالى لكل خير والله أعلم .
يتبع إن شاء الله....
رد مع اقتباس
  #10  
قديم 26-06-2011, 08:13 PM
الصورة الرمزية أبو الشيماء
أبو الشيماء أبو الشيماء غير متصل
مراقب الملتقيات
 
تاريخ التسجيل: Jul 2008
مكان الإقامة: أينما شاء الله
الجنس :
المشاركات: 6,415
الدولة : Morocco
افتراضي رد: الحصون المنيعة في شرح قاعدة سد الذريعة .

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته..

بعد استراحة قصيرة نعود إن شاء الله لإتمام ما بقي من الموضوع.

في حفظ الله

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 250.78 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 244.90 كيلو بايت... تم توفير 5.88 كيلو بايت...بمعدل (2.34%)]