|
|
من بوح قلمي ملتقى يختص بهمسات الاعضاء ليبوحوا عن ابداعاتهم وخواطرهم الشعرية |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
الرافعي يلاحق الطائشة
الرافعي يلاحق الطائشة د. علي عبدالحليم أتحدث إليكم اليوم عن موقف الرافعي من قضية المرأة بعامة، ومن آراء قاسم أمين على وجه الخصوص. فقد رد الرافعي على قاسم أمين وعلى ضريب له هو "وليّ الدين يكن"، وعلى غيرهما مِمَّن نادوا بما أسموه "تحرير المرأة" في عدد من مقالاته وبحوثه. ففي مسلسل قصة الطائشة ـ وهو عدد من المقالات تحدث فيها الرافعي عن قصة فتاة طائشة من الفتيات اللاتي نلن هذا التحرر وانعتقن من السجن المزعوم، وكشفن الحجاب وسفرن بوجوههن وبغير وجوههن، وتوقحن في الكلام وفي التعامل، وتبجحن في كل شيء ـ يصف الرافعي هذه الطائشة بقوله: "... في لسانها بيان، ولوجهها بيان غير الذي في لسانها تعرف فيه الكلام الذي لا تتكلم به، ولها طبع شديد الطرب للحياة مسترسل في مرحه، خفيف طيّاش، لو أثقلته بجبل لخف بالجبل، تحسبها دائماً سكرى تتمايل من طربها، كأنَّ أفكارها المرحة هي في رأيها أفكار وفي دمها خمر... وكأنّ هذا الطبع السكران بالشباب والجمال والطرب يعمل عملين متناقضين، دلال متراجع منهزم، وهو أيضاً جرأة مندفعة متهجمة". والرافعي يتندر، بل يسخر من الوضع الذي أصبح عليه حال الفتاة المتحررة ـ في زعم أصحاب الدعوات تحرير المرأة ـ، ويلوم المدرسة على أنّها لم تستطيع أن تقدّم لها في مناهجها ما ينفعها في دينها ودنياها، بل يتهم المدرسة بأنها قاصرة مقصرة لم تعط الفتاة إلا ربع العلم، أمّا ثلاثة الأرباع الباقية فقد تركتها المدرسة لتأخذها الفتاة من الروايات والسينما. ويهزأ الرافعي بالحال الذي وصلت فيه الفتاة إلى هذا المستوى في هذا الزمن الذي: "... رق فيه الدين وسقط الحياء، والتهبت العاطفة، وانتشر اللهو، وكثرت فنون الإغراء، واصطلح فيه إبليس والعلم يعملان معاً، وأطلقت الحرية للمرأة، وتوسعت المدارس فيما تقدم للفتيات، وأظهرت من الحفاوة بهن أمراً مفرطاً حتى أخذن منها ربع العلم!! قلت: وثلاثة أرباع العلم الباقية؟ قال: يأخذنها من الروايات والسينما". ثم تبلغ بالرافعي درجة السخرية بهذه الحرية المفتعلة للمرأة منتهاها، حين يراها قد انصرفت بهذه الحرية المزعومة عن وظيفتها الطبيعية وهي الأمومة، فغذّت الأمّة بذلك أبناءً وأجيالاً، ولم تفد مما جلبته عليها المرأة بخروجها عن طبيعتها شيئاً... فيقول في ذلك: "إن المعجزة أنّ هذه الفتاة صارت مدرسّة أو مفتّشة أو ناظرة في وزارة المعارف أو مؤلّفة كتب وروايات أو محررة صحيفة من الصحف، ولا يُصغّرن عندك شأن هذه المعجزة، فهي والله معجزة ما دام يتحقق بها خروج الفتاة من حكم الطبيعة عليها، وبقاءها في الاجتماع المصري امرأة بلا تأنيث، أو انقلابها فيه رجلاً بلا تذكير، وكيف لا يكون من المعجزات أن تأليف رواية قد أغنى عن تأليف أسرة، وأن فتاة تعيش وتموت وما ولدت للأمَّة إلا مقالاً؟!". ويحسُّ الرافعي إحساس المصلح الذي يرى مكمن الداء ويعرف الدواء، ويدرك تماماً أن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن، فيرى الحكومة وقد قصرت عن توجيه الناس وإرشادهم ـ وهو أول واجباتها ـ حينما أتاحت للمرأة أن تخرج عن طبيعتها بإهمال أوامر الدين ونواهيه، والدين هو الفيصل في كل معضلة ومشكلة، والحكومة الراشدة هي التي تعرف للدين قدره وقدرته على علاج المشكلات واستئصال أسبابها. يقرر الرافعي ذلك بينما يعترف للعلم بمكانته، فكأنه قد نادى منذ ما يقرب من نصف قرن بما ينادي به المصلحون الآن من أن دولة العدل والرخاء إنما تقوم على الإيمان والعلم. يقول الرافعي في ذلك: "لقد غفلت الحكومات عن معنى الدين وحقيقته، فلو عرفت لعرفت أن الإنسانية لا تقوم إلا بالدين والعلم كليهما، فإن في الرجل إنساناً عاماً ونوعاً خاصاً مذكراً، وفي المرأة إنسان عام كذلك ونوع خاص مؤنث، والدين وحده هو الذي يصلح النوع بتحقيق الفضيلة وتقرير الغاية الأخلاقية، وهو الذي يحاجز بين الغريزتين، وهو الذي يضع القوة الروحية في طبيعة المتعلم، فإن كانت طبعة التعليم قوية كانت الروحية زيادة في القوة ، وإن كانت ضعيفة ـ كما هي الحال في هذه المدنية ــ لم تجمع الروحية على المتعلم إلا ضعْفين يبتلي كلاهما بالآخر ويزيده". ويسخر الرافعي من الحضارة الأوروبية التي أغرقت قصار النظر المتهافتين على كل جديد بأن يخلعوا عنهم دينهم وأخلاقهم، بحجة أنهم بذلك إنّما يخلعون القديم البالي، وأغرتهم كذلك بأن يرتدوا كل جديد، حتى لم يستُر لهم هذا الجديد عورة ولم يحفظ عليهم ما يجب حفظه، إذ يكفي أنّه جديد وحسب، وأنّه بديل للقديم وحسب. يدير الرافعي حواراً بين الطائشة ومحبوبها ـ رغم أنفه كما تصفه القصة ـ فتقول الطائشة لمحبوبها تستجديه الحب والغرام: - أنت رجعي محافظ على التقاليد. فيقول لها: - لأنّي أرى هذه التقاليد كالصباح الذي يتكرر في كل يوم، وهو في كل يوم ضياء ونور. - أو كالمساء الذي يتكرر وهو في كل يوم ظلام وسواد. - ليس هذا إليّ ولا إليك، بل الحكم فيه للنفع أو الضرر. - بل هو إلى الحياة، والحياة اليوم علمية أوربية، والزمن حثيث في تقدمه، وأصحاب التقاليد جامدون في موضعهم قد فاتهم الزمن، ولذلك يسمونهم متأخرين، أما علمت أن الفضيلة قد أصبحت في أوربا زياً قديماً، فأخذ المقص يعمل في تهذيبها يقطع من هنا ويشق من هنا؟..". وكما يحس الرافعي إحساس المصلح بأن الحكومة مقصرة حين لا تأخذ بالدين ونظمه وآدابه في كل أمر من أمورها، يحسُّ كذلك إحساس المسلم الغيور على دينه بأن الحضارة الأوربية حرب على الدين والأخلاق، ثم يحس بأن الرجل مسؤول عما آل إليه أمر المرأة من فساد وكساد وانحلال أخلاقي، فقدت معه بعض النساء عرضها وشرفها أعز ما تملك، بل كل ما تملك، فيتساءل: "هل تملك الفتاة عرضاً أو لا تملك؟ هذه هي المسألة.. إن كانت تملك فلها أن تتصرف وتعطي، أوْ لا؛ فلماذا لا يتقدم المالك؟ هذه المدنية ستنقلب إلى الحيوانية بعينها، فالحيوان لا يعرف النسب، لا تعرف أنثاه العرض. وهل كان عبثاً أن يفرض الدين في الزواج شروطاً وحقوقاً للرجل والمرأة والنسل؟ ولكن أين الدين؟ واأسفاً، لقد مدّنوه هو أيضاً!
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |