سلسلة شرح حديث وجهت وجهى للذى فطر السماوات و الارض 00دعاء الاستفتاح رقم1 - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         ولا تبغوا الفساد في الأرض (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          تحرر من القيود (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          فن التعامـل مع الطالبات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          السياسة الشرعية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 28 - عددالزوار : 781 )           »          العمل السياسي الديـموقراطي سيؤثر في الصرح العقائدي وفي قضية الولاء والبراء وهي قضية م (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          العمل التطوعي.. أسسه ومهاراته (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 9 - عددالزوار : 131 )           »          طرائق تنمية الحواس الخمس لدى الطفل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 19 )           »          حقيقة العلاج بالطاقة بين العلم والقرآن (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 29 )           »          الله عرفناه.. بالعقل! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          افتراءات وشبهات حول دعوة الإمام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 7 - عددالزوار : 94 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث

ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث ملتقى يختص في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وعلوم الحديث وفقهه

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 18-03-2010, 07:39 AM
الصورة الرمزية ام خديجه
ام خديجه ام خديجه غير متصل
قلم برونزي
 
تاريخ التسجيل: Nov 2009
مكان الإقامة: الاسكندريه مصر
الجنس :
المشاركات: 1,316
افتراضي سلسلة شرح حديث وجهت وجهى للذى فطر السماوات و الارض 00دعاء الاستفتاح رقم1

سلسلة رائعة تضاف تباعا
كتبه/دكتور ياسر برهامي
الحمد لله، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم، أما بعد،

فإن من أنفع ما يعين العبد على حضور قلبه في الصلاة أن يتدبر ويتأمل أدعية الاستفتاح التي وردت عن النبي - -، وخصوصا إذا كان العبد في قيامه بالليل، فقرأ وتدبر ما ورد من أدعية استفتاح قيام الليل، فاحفظ وتدبر - أخي الحبيب- هذا الدعاء الجامع العظيم الذي ثبت عن النبي - - إذ يقول: (وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض، حنيفا مسلما، وما أنا من المشركين، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له، وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين(1)، اللهم أنت الملك لا إله لي إلا أنت، أنت ربي وأنا عبدك، ظلمت نفسي، واعترفت بذنبي، فاغفر لي ذنوبي جميعا، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، واهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها لا يصرف سيئها إلا أنت، لبيك وسعديك، والخير كله في يديك، والشر ليس إليك، أنا بك واليك، لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك، تباركت وتعاليت، استغفرك وأتوب إليك)(رواه مسلم).
فلقد أرسل الله سبحانه وتعالى رسوله - - مبشرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا سراجا، ينير القلوب بعد ظلماتها ويوقظها بعد رقدتها وغفلتها فتبصر حقائق الوجود وتحيا من موت الكفر والنفاق وتشفى من أدواء الشبهات والشهوات. فاللهم لك الحمد على إرساله وإنزال الكتاب عليه، ولك الحمد على هدايتنا للإسلام وتوفيقنا له كما نقول وخيرا مما نقول، لا نحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك. وقد خصه الله عز وجل وفضله على من سبقه من النبيين بخصال عديدة، منها أنه أوتي - - جوامع الكلم، فكانت كلماته ودعواته على اختصارها وإيجازها جامعة لمعاني الإيمان، مجددة لحقائقه في القلوب، مذكرة بالله واليوم الآخر، باقية لتكون معجزة مستمرة دالة على صدقه ونبوته - -، جمع الله له فيها من معاني الإيمان وحقائق التوحيد وأسباب حياة القلب ما يستغني به القلب عن غيره من أدعية يدعو بها سائر الناس.
ولا شك أن من تدبر الأدعية الثابتة عنه - - وجد نفسه أمام شمس مبهرة لا ينقطع نورها، ووجد حياة لقلبه تحركه على طريق النور الذي سار عليه النبي - - وصحبه الكرام - رضوان الله عليهم- وتبعهم على ذلك السلف الصالح - رحمة الله عليهم-، ولما كانت حاجتنا إلى تذكر معالم هذا الطريق ضرورية، خصوصا في أيام المحن التي تمر بها أمتنا، وكان تحقيق التغير من داخلنا من الأعماق وليس فقط في الظاهر مطلبا أساسيا لكل العاملين في الحقل الإسلامي حتى يغير الله ما بنا،فإن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، فلما كانت هذه الحاجة ضرورية، كانت هذه الوقفات مع ما في هذا الحديث الصحيح من معاني الإيمان والتوحيد وتزكية النفوس واستنارة القلوب وإحيائها بحقيقة ذكر الله عز وجل، فنسأل الله عز وجل أن يعيننا على شرح هذا الحديث وتدبر ما فيه،فإن تدبر هذا الحديث وغيره مما يشرح الله به الصدور، ويفتح للقلوب عيونا تبصر بها هذا الجمال والجلال، وتطعم وتسقى من معينه الميسر حتى تحيا من جديد حياة من نوع آخر، وتستنير بنوره - - الذي جعله الله له (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً . وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُّنِيراً)(الأحزاب:45-46)، فنحن نأخذ من النور الذي جعله الله للنبي - -، جعله الله سراجا منيرا فالقلوب لها طعام وشراب من هذا المعين الذي فضله الله - عز وجل- به، ورغم تباعد السنين يصل نور هذا السراج إلى من اجتباه الله من عباده قويا ظاهرا مبهرا.
فيقول المرء: فكيف بمن اقترب منه - - زمانا ومكانا وعلما وعملا وسلوكا؟ فكيف بمن رآه وصحبه كيف نصيبهم من هذا النور؟ لاشك أن الصحابة كانوا أعظم الناس نصيبا من نوره - - ولذلك اهتدت بهم الأمم، فالصحابة لم يؤلفوا كتبا ولم يسجلوا أشرطة ولم يكن أكثرهم خطباء فصحاء يجتمع المئات والآلاف عليهم، ومع ذلك فكانوا أساتذة العالم وغيروا الأمم تغييرا جذريا، فالواحد منهم كان يفتح الله به البلاد و تتغير به موازين القوى في المعارك، ففي الحديث الصحيح عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه-قال: قال رسول الله - -: (يأتي على الناس زمان، فيغزو فئام من الناس، فيقولون: هل فيكم من صاحب رسول الله ؟ فيقولون نعم. فيفتح لهم. ثم يأتي على الناس زمان فيغزو فئام من الناس فيقال: هل فيكم من صاحب أصحاب رسول الله ؟ فيقولون نعم. فيفتح لهم ثم يأتي على الناس زمان فيغزو فئام من الناس فيقال: هل فيكم من صاحب من صاحب أصحاب رسول الله ؟ فيقولون نعم. فيفتح لهم) متفق عليه،فالله عز وجل فتح بهم البلاد وقلوب العباد وفتح بهم القلوب والأمصار، وذلك لأن نصيبهم من النور الذي جاء به النبي - - كان أعظم.
فنسأل الله عز وجل أن يجعل في قلوبنا نورا وفي ألسنتنا نورا، وأن يجعل لنا في أسماعنا نورا وفي أبصارنا نورا، وأن يجعل من خلفنا نورا ومن أمامنا نورا، ومن فوقنا نورا ومن تحتنا نورا، اللهم أعطنا نورا، ومن لم يجعل له نورا فما له من نور.
نكمل في الحلقة القامة إن شاء الله، والحمد لله رب العالمين.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــ
(1)وإن كان يجب على الواحد منا أن يقول وأنا من المسلمين، هذا هو الصحيح، ولكن الوارد عن رسول الله - - أنه كان يقول (وأنا أول المسلمين).موقع صوت السلف
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 18-03-2010, 07:40 AM
الصورة الرمزية ام خديجه
ام خديجه ام خديجه غير متصل
قلم برونزي
 
تاريخ التسجيل: Nov 2009
مكان الإقامة: الاسكندريه مصر
الجنس :
المشاركات: 1,316
افتراضي سلسلة شرح حديث وجهت وجهى للذى فطر السماوات و الارض 00دعاء الاستفتاح رقم2


تابعونا
كتبه دكتور ياسر برهامى
الحمد لله رب العالمين، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، والصلاة والسلام على عبده ونبيه محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد،

فقد ثبت أن النبي -- كان إذا قام إلى الصلاة في الليل كبر، ثم قال: (وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا مسلما وما أنا من المشركين، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين، اللهم أنت الملك لا إله لي إلا أنت، أنت ربي وأنا عبدك ظلمت نفسي، واعترفت بذنبي فاغفر لي ذنوبي جميعا، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، واهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها لا يصرف سيئها إلا أنت، لبيك وسعديك والخير كله في يديك، والشر ليس إليك، أنا بك واليك، لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك، تباركت وتعاليت استغفرك وأتوب إليك).
وجهت وجهي أي وجهتي وقصدي وإرادتي، والوجه يطلق ويراد به الوجهة كما يقال سرت في هذا الوجه، أي سرت في هذه الوجهة، ومنه الوجه البحري والوجه القبلي. ويحتمل في الحديث أن يكون الوجه بمعنى الوجه المعروف، وتوجهه لازم للوجهة والقصد، ولكن المعنى الأول أظهر.
و قضية توجيه الوجهة والقصد لله -عزوجل- يحتاج الإنسان أن يتذكرها كل يوم، لذا يتذكرها عند تلاوته هذا الذكر في قيام الليل، فالإنسان تشغله مشاغل الحياة كل يوم عن وجهته وقصده فتأخذه بعيداً عنها، وتلقيه في غمرة التنافس على متع الحياة وأموالها ومناصبها وفي صراعاتها ونزاعاتها، فتنسيه قضية وجهته.
وهذه الجملة في الحديث - "وجهت وجهي" - موافقة لقول إبراهيم -صلى الله عليه وآله وسلم- والذي جاء في الآية (إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفاً وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (الأنعام79)،وهي قد وقعت بعد مجادلته قومه في عبادتهم للكواكب، وقوله عن الكوكب الأول (قَالَ هَـذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ)الأنعام76، وعن القمر قال بعده (فلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ)(الأنعام77)، ثم لما رأى الشمس بازغة (قَالَ هَـذَا رَبِّي هَـذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ *إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفاً وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ)(الأنعام78-79 يتبين لنا بعد هذا الترتيب أن توجيه الوجهة لله سبحانه وإفراده بالحب -حب العبادة- أمر لا يستغني عنه العبد طرفة عين. وقد قال إبراهيم -عليه الصلاة والسلام-(لا أُحِبُّ الآفِلِينَ) لأنه لا يستطيع أن يستغني عن إلهه طرفة عين، لا يستطيع أن يستغني عن حبه وتوجهه لحظة وحدة، فمن يغيب لا يُحَب، وأما حبه لله عز وجل فهو في كل لحظة.
وتأمل هاتين الجملتين (قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ)، و (قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ ) لتعلم أنه يحتاج إلى الأمرين معا، يحتاج إلى هداية ويحتاج إلى حب مستمر دائم، إذا فقد واحداً منهما لا يستطيع أن يحيى حياة مستقرة مستمرة، لا يحيى قلبه إلا بحب دائم لا يغيب، وبهداية من الله سبحانه وتعالى.
فيوجه العبد وجهته لله عزوجل الذي فطر السماوات والأرض طالبا منه أن يهديه وأن يوفقه لحبه على الدوام، هداية لاتغيب وحبا لا ينقطع، فهو يحتاج إلى هداية ربه في كل لحظة وخطرة ونفس. فإن القلب ترد عليه خواطر في كل لحظة بالليل والنهار، فما يميز بين الحق والباطل منها إلا بهداية وتوفيق من الله، ولايميز إلا بإخلاص يتوجه به إلى الله عز وجل، ولو لم يهده الله لوردت عليه خواطر وإرادات ورغبات تهلكه، وهو لا يستطيع أن يميز بينها وبين ما ينفعه إلا بتوفيقٍ من الله (وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ )(هود88) فيستشعر الإنسان أنه يحتاج إلى الله في كل لحظة، يحتاجه هادياً ومعبوداً محبوباً يخلص له عمله فلا غنى له أبداً عن إلهه وموالاه.
فإذا قال العبد "وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض" استشعر حبه -سبحانه وتعالى- وتذكر فضله بهدايته له، فوجًّه وجهة قلبه إليه، فهو لا يحب غيره لأنه يأفل، ولا يطلب الهداية من غيره لأنه يعجز عن أن يهديه، وعند ذلك يشعر العبد بعظيم قدر هذا الدعاء.
فأنت أيها العبد وجهت وجهك لله لأن الله هداك ووفقك وأعانك وأخذ بناصيتك إليه حتى أحببته وعرفته فاطراً للسماوات والأرض، وهذا إقرار بتوحيد الربوبية، فهذه الجملة الأولى جمعت توحيد الألوهية وتوحيد الربوبية في قوله (وجهت وجهي) هذا هو توحيد الألوهية، وقوله (للذي فطر السماوات والأرض) هذا توحيد الربوبية.
نسأل الله أن يرزقنا علما نافعا وعملا صالحا متقبلا ، ونكمل في حلقة قادمة إن شاء الله، والحمد لله رب العالمين
موقع صوت السلف
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 19-03-2010, 10:47 AM
الصورة الرمزية ام خديجه
ام خديجه ام خديجه غير متصل
قلم برونزي
 
تاريخ التسجيل: Nov 2009
مكان الإقامة: الاسكندريه مصر
الجنس :
المشاركات: 1,316
افتراضي سلسلة شرح حديث وجهت وجهى للذى فطر السماوات و الارض 00دعاء الاستفتاح رقم3

سلسلة رائعة جدا تضاف تباعا 3- الحنيفية والبراء من المشركينكتبه/دكتور ياسر برهامي
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد،
ثبت أن النبي -- كان إذا قام إلى الصلاة في الليل كبر، ثم قال: (وجهتوجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا مسلما وما أنا من المشركين، إن صلاتيونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أولالمسلمين، اللهم أنت الملك لا إله لي إلا أنت، أنت ربي وأنا عبدك ظلمتنفسي، واعترفت بذنبي فاغفر لي ذنوبي جميعا، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت،واهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها لا يصرفسيئها إلا أنت، لبيك وسعديك والخير كله في يديك، والشر ليس إليك،أنا بك واليك،لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك،تباركت وتعاليت استغفرك وأتوب إليك).
إن المتأمل لخلق السماوات والأرض يجد بلا تردد آثار العلم التام والقدرة التامة والحكمة التامة والعزة والقهر والقوة والمجد والعظمة والجمال والجلال ظاهرةً تمام الظهور، من الذرة إلى المجرة، ويرى توازنا عجيبا وإحكاما وإتقانا تاما ويرى ملكا باهرا، ويوقن أنه لا يمكن أن يكون الكون بهذا الإحكام من وجود الذرة الصغيرة في خلق الإنسان إلى الكائنات الأكبر في السماوات والأرض إلا بقدرة تامة وحكمة في كل شيء.
ويرى الإنسان من آثار عزة الله عز وجل فهو عزيز قاهر غالب على أمره، يريد الناس شيئاً ويريد الله عز وجل شيئًا فيكون ما يريد الله، وهو قاهر فوق كل من دونه سبحانه وتعالى، قهرهم بالموت وقهرهم بالمرض وقهرهم بالحاجة والفقر وهم أصلاً كانوا عدما، خلقوا قهرا ويموتون قهرا. وكل من يتدبر خلق السماوات والأرض يجد آثار صفات الله، فهو القهار، له العزة والقهر والقوة (ولَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً) ولو يتدبر الإنسان قدر القوة الموضوعة وكم منها بأيدي الناس يجد عجبا. فالبشر يغترون عندما يشعرون أن عندهم قوة وهي في الحقيقة قوة تافهة جدا وصغيرة جدا. إن أقوى الدول وأعتاها - فضلاً عمن دون ذلك وعن آحاد البشر- لهم سلطان محدود ولهم قدرة وقوة محدودة فكيف يغترون بها؟ لكن المؤمن ينظر دائماً إلى القوة التي أودعها الله في الكون والتي تدل على قوته عز وجل و(أَنَّ الْقُوَّةَ لِلّهِ جَمِيعا).
تأمل قوة البحار، كم هي؟ وكيف يمكن تغرق العالم؟ وتأمل ما في قوة الريح، و تأمل ما في قوة الشمس من طاقة هائلة يمكن أن تدمر الكرة الأرضية وما حولها لو أنها وجهت إليها، وتأمل القوة الموجودة في الشهب والنيازك، وتأمل أضعاف ذلك من القوة المودعة في الكون، ثم تأمل كم من هذه القوة بأيدي الناس؟ ماذا يملك البشر منها؟ فالبشر لا يملكون شيئاً من القوة المخلوقة إلا ذرة يسيرة يغترون بها، فيقول الجاهلون:من أشد منا قوة؟ ويقولون: القوة العظمى - والعياذ بالله - وما هي بعظمى بل حقيرة ضعيفة عاجزة، والإنسان إنما يراها عظمى نتيجة إخلاده إلى الأرض، ولو أن نفسه ارتفعت وشاهدت حقائق الكون سيجزم ويوقن أن القوة ليست للناس و(أَنَّ الْقُوَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً).
وتأمل الآيات التي فيها قول إبراهيم (إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ) كان أولها (وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ)(الأنعام:75)، فالملكوت موجود، ولكن العبرة أن يراه الإنسان ويشهده ليشهد ملك الله عز وجل في السماوات وفي الأرض، وهذه نعمة من الله (وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ).
وكثرة التفكر في خلق السماوات والأرض هي من صفات أهل الإيمان، قال الله تعالى (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُوْلِي الألْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)(آل عمران:190-191)، فإذا شهد العبد ذلك وجَّه وَجْهَهُ - ولابد- للذي فطر السماوات والأرض ممتثلاً أمره متبعاً شرعه راجياً ثوابه خائفاً من عقابه، ويفعل ذلك حنيفا - أي مائلاً إلى الله معرضاً عن غيره- وهذا الميل إلى الله هو الفطرة التي فطر الله الناس عليها، قال - تعالى-: (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ)(الروم:30)، وقال النبي فيما يرويه عن ربه عز وجل: (إني خلقت عبادي حنفاء)(رواه مسلم) هذه الحنيفية وهذا الميل إلى الله وحبه والرجوع إليه وامتثال شرعه والخضوع لأمره هي ملة إبراهيم التي بعث بها رسول الله - -، وهي الفطرة التي هي الدليل الثاني على توحيد الألوهية، فتوحيد الربوبية هو الدليل الأول الذي يدل عليه التفكر في خلق السماوات والأرض وهو الأكثر استعمالاً.
والدليل الثاني على توحيد الألوهية هو دليل الفطرة، وهو أن العباد يجدون في أنفسهم ميلاً وحباً لإلههم الحق ومعبودهم الذي لا شريك له، ولا تطمئن قلوبهم ولا تسكن نفوسهم إلا إذا توجهت إليه وأحبته وعظمته وخضعت له.
فحينما يولد الإنسان تولد له رغبات معينة، فيجد في نفسه الحاجة إلى الهواء فيتنفس، و يجد نفسه محتاجا إلى الأكل فيأكل ويمص ثدي أمه قبل أن يفهم، قد جعل الله فيه هذه الحاجات لكي تستمر حياته، فلو أن إنسانا لم يشعر بحاجته إلى التنفس سيموت. فمن أسباب الموت بالمخدرات - كالهيروين- أنه يشل مراكز التنفس في المخ، فيجعل مركز التنفس لا يشعر أنه محتاج إلى الهواء، فيموت الإنسان نتيجة لهذه الجرعة الزائدة التي تشلّ مركز التنفس، وتقول له أنت بحالة جيدة، ولا تحتاج إلى هواء، فلا يتنفس فيموت والعياذ بالله. ومن ضمن أسباب موت الأطفال في السن الصغير جداً، أن الطفل لا يريد أن يرضع، فيتوقف عن الرضاعة لأنه لا يشعر أنه جوعان، فيعجز الأطباء عن عمل أي شيء له إلى أن يموت. وحال القلب كذلك أيضاً، فكما أن البدن خُلِق محتاجا إلى النفس والطعام والشراب، خلق القلب مائلا إلى الله عز وجل، يحتاج إلى أن يتعبد، يحتاج إلى أن يحب، وأن يخضع إلى الله عز وجل، فهذه هي الفطرة (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا)(الروم:30)، إن لم يشعر بهذا الأمر سيموت القلب ويضل ويهلك.
ويجد العبد في هذا التوجه والميل حقيقة غايته في هذه الحياة والحكمة من وجوده ومصيره الذي يصير إليه، وهو أنه يرجع إلى الله سبحانه وتعالى، يجد العبد الإجابة على الأسئلة الفطرية الضرورية من أنا؟ ومن أين جئت؟ ولماذا جئت؟ وماذا يراد مني؟ من أوجدني؟ ومن جاء بي؟ ومن خلقني؟ وإلى أين أذهب؟ أسئلة موجودة في نفس كل إنسان، لا يستطيع الإجابة عليها إلا إذا توجه إلى الله - عز وجل-. والعبد إذا جرب لذة التوحيد والعبادة والحب وجد شيئاً لا نظير له في حياته كلها ووجد نعيماً لا يدانيه نعيم أخر ويجد راحة لا تماثلها راحة أخرى. ويتأكد هذا المعنى عنده - بوجوب توحيد العبادة- إذا كان قد جرب قبل ذلك الجاهلية والتوجه لغير الله، وجرب مدى ضرره وشقاءه وعذابه به فيشعر بالفرق الهائل حينئذ.
وأيضا، إذا كان من البدء على هداية ولم يكن على سبيل الجاهلية فيتدبر حال غيره، فيتأكد هذا المعنى عنده حين يرى حال غيره من البشر من حوله كيف يشقون بآلهتهم الباطلة ويعانون معاناة لا نظير لها، يعانون من تعلقهم بأصنام وأوثان وشمس وقمر ونجوم، ورياسة وملك، ودرهم ودينار وكبراء ورؤساء، ومطاعين وضعوا لهم نظريات فاسدة وأديانٍ باطلة تشقى بها أجيال تلو أجيال في دنياهم قبل أخراهم، فيوقن الإنسان حينئذ ويزداد يقيناً بأنه لا إله إلا الله، فيكون حنيفا ويتبرأ من المشركين ومن طريقتهم وملتهم، ويبغض صفاتهم وأعمالهم ويبغضهم ويفارقهم، حتى لو كان محتاجاً في دنياه لموافقتهم، فـَلـَذَّة عبوديته لربه تسليه عن فقد بعض مصالح دنياه مؤقتاً بسبب هذه البراءة، لأنه حينما يتبرأ من المشركين سيعادونه ولن يعطوه المصالح التي يعطونها لأوليائهم، نعم، سيتعب تعبا قليلاً مؤقتاً، ثم بعد ذلك أثناء تعبه هذا وأثناء مفارقته وأثناء براءته من الشرك وأثناء عدم الحاجات التي يريدها في دنياه سيتسلى بعبادة الله -عز وجل-، وستُنَسيْه لذة عبوديته ألم فقد هذه المصالح، وسيجمع الله له شمل دنياه وأخراه، وسيجد هذه المصالح التي ضاعت منه قد جاءته من غير أن يبذل أي مجهود، لأنه من أصبح والآخرة همته جمع الله له شمله وجعل غناه في قلبه وأتته الدنيا وهي راغمة.
وقضية البراءة من المشركين في قوله: (وما أنا من المشركين) قضيةٌ عظيمةٌ الأهمية في عقيدة المؤمن وفي سلوكه ومعاملاته، ولأن المصالح متشابكة والأحوال متداخلة وقد اقتضت حكمة الله ألا توجد في الدنيا المثالية المنشودة، بل ما يزال الخير مختلطاً بالشر عند أكثر الناس، ولهذا كانت هذه المسألة بحاجة إلى تكرار يومي حتى تستقر في نفس المؤمن ولا ينحرف إلى ما يخالفها، ففي كل يوم لك مصالح عند أعداء الإسلام، وكثير من الناس ينسى قضية الولاء والبراءة من المشركين في المصالح، الأمر الذي يجعلهم يدورون في فلكهم تحت ضغط مصلحة موهومة أو لدفع مفسدة محتملة دون مفسدة موالاة المشركين والتي هي في الحقيقة أشد ضررا وأعظم مفسدة، والذل الذي يحصل بسبب طاعتهم أضعاف ما يفر منه الإنسان من الأذى أو من المضرة، لكن أكثر الناس موازينهم مختلة فلا يُحسن أكثر الناس استعمال الميزان الذي أنزله الله مع الكتاب (اللَّهُ الَّذِي أَنزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ)(الشورى:17)ز هذا الميزان إنما توزن به الأفكار والعقائد والتصرفات والأخلاق والسلوكيات، ولا يهتدي أكثر الناس أصلاً إلى هذا الميزان فيزن المصالح والمفاسد بموازين العقل القاصر أو الهوى الغاوي أو التقليد الجاهل، فيقول لك إنما نحن مصلحون (أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَـكِن لاَّ يَشْعُرُونَ)(البقرة:12).
تجد أن أكثر العالم يظنون أنفسهم يصلحون ويحسبون أنهم يحسنون صنعا، لذا أصيبت الأمة بما أصيبت به من أنواع الضرر والهزيمة والذل والهوان وتسلط الأعداء من جراء تضييع الإيمان ومنه قضية البراءة من المشركين، بل إن هذه القضية لها خصوصية في هذا الباب، وهي أن الركون إلى الذين ظلموا بموافقتهم في باطلهم وافتراء الكذب على الله وعلى دينه وعلى رسوله - - بما وافق أهواءهم يفقد العبد ولاية الله ونصرته. فقضية موالاة المشركين مرتبطة ارتباطا أساسيا بقضية الهزيمة التي تحل في الأمة، والتي سببها أساساً موالاة الكفار والعياذ بالله لأنه كما قال الله عز وجل (وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ)(هود:113)،
والمتأمل في تاريخ الإسلام وما حدث من مصائب كبرى في تاريخ المسلمين - ابتداء من سقوط بغداد على يد التتار، ومرورا بضياع الأندلس، وأخيرا احتلال بيت المقدس والأرض المباركة حوله من اليهود، هذا غير احتلال بلاد كثيرة من البلاد الإسلامية - يجد أن الهزيمة دائماً كانت بسبب من يتخذ الكافرين أولياء من دون المؤمنين، ومن يخون أمته وينصر عدوها، وإلا فأمة الإسلام قادرة قدرة عجيبة بفضل الله تعالى على الصمود في وجه أعتى الأعداء وأقواهم، ولها قوة عظيمة في الثبات أمام أقوى الأسلحة وأكثر الجيوش عددا وعدة، حتى تحصل الخيانة وتسقط فئة في هوة الموالاة لأعداء الله وترك البراءة منهم، فتحصل الهزيمة ولا حول ولا قوة إلا بالله، فهذه القضية وكل قضايا التوحيد التي تضمنها هذا الدعاء العظيم تحتاج إلى تكرار حتى تستقر وتثبت بل تنمو وتكبر وتثمر ثمارها في حياة المؤمن فهي الشجر الطيبة (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ)(إبراهيم:24-25).
حاصل الكلام في هذه الجملة الأولى في هذا الاستفتاح العظيم (وَجَّهْتُ وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا مسلما وما أنا من المشركين) أن المتأمل يلحظ أن كل جزء من هذا الدعاء يقود إلى الذي يليه أو هو دليل عليه، فتوحيد الربوبية في قوله (للذي فطر السماوات والأرض) دليل على توحيد الألوهية في (وجهت وجهي)، والتفكر في خلق السماوات والأرض في قوله (فطر السماوات والأرض) يبين للعبد آثار الأسماء الحسنى والصفات العلى من الجلال والجمال والمجد والعظمة، فلا يجد العبد بداً من الميل الفطري إلى الله، حباًً وانقيادا وتعظيما وبُعدا عمن سواه حنيفـًا، وهذا البعد عمن سواه من المعبودات الباطلة يستلزم بغضا وبعدا وبراءة منها ومن عابديها، فيقول (وما أنا من المشركين).
فسبحان من أحاط بكل شيء علما وتمت كلماته صدقا وعدلا، وله الحمد على ما شرع لعباده وهداهم لحقائق الإيمان المتلازمة المترابطة التي تفتح كل حقيقة منها لصاحبها أبواب الحقائق الأخرى، كمن دخل قصراً ووجد كنزاً فإذا دخل غرفة من غرف القصر وجد فيها مفاتيح غرف أخرى، وكلما طالع جواهر الكنز وجد معها ومنها مفاتيح كنوز أخرى.
فاللهم أنر قلوبنا بحبك وزدنا علماً ويقيناً وإيماناً.والحمد لله رب العالمين.
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 19-03-2010, 10:53 AM
الصورة الرمزية ام خديجه
ام خديجه ام خديجه غير متصل
قلم برونزي
 
تاريخ التسجيل: Nov 2009
مكان الإقامة: الاسكندريه مصر
الجنس :
المشاركات: 1,316
افتراضي سلسلة شرح حديث وجهت وجهى للذى فطر السماوات و الارض 00دعاء الاستفتاح رقم4

امتثال وعبودية

الحمد لله، وأشهد أن لا إله إلا الله و حده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله ، أما بعد،

فيقول النبي صلى الله عليه و سلم في دعاء استفتاح صلاة الليل: (وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض، حنيفا مسلما، وما أنا من المشركين، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له، وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين، اللهم أنت الملك لا إله لي إلا أنت، أنت ربي وأنا عبدك، ظلمت نفسي، واعترفت بذنبي، فاغفر لي ذنوبي جميعا، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، واهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها لا يصرف سيئها إلا أنت، لبيك وسعديك، والخير كله في يديك، والشر ليس إليك، أنا بك واليك، لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك، تباركت وتعاليت، استغفرك وأتوب إليك).
توقفنا عند الجملة الأولى وهي قوله (وجهت وجهي للذي فطر السماوات و الأرض حنيفا و ما أنا من المشركين)، وذكرنا أنها تتضمن توحيد الألوهية وتوحيد الربوبية وتذكير العبد بميله إلى الله و حبه له، والبراء من الشرك وأهله.
وأما الجملة الثانية من الدعاء فهي قول النبي (إن صلاتي و نُسكي و محياي ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له، وبذلك أُمرتُ و أنا أول المسلمين)، فهى امتثال قول الله عز وجل (قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين)(الأنعام162) والمقصود أن يقولهاالنبي وغيره من المكلفين تبعا له، فامتثلها النبي فقال (إن صلاتي ونسكي)، قالها صادقا ، ويجب على كل مكلف أن يقولها صادقـاكذلك.
أما قوله (وأنا أول المسلمين) أي من هذه الأمة، فالأظهر والله أعلم أن الداعي منا يقول "وأنا من المسلمين"، كما ذُكر في رواية مسلم(وأنا من المسلمين)، وذلك أنه لا يصلح أن يكون هو أول المسلمين من هذه الأمة، لأن أول المسلمين من هذه الأمة هو محمد ، كما لا يصح أن يقول أنا أول المسلمين في زمني، فإنه قد سبقه مسلمون لم يزالوا مسلمين منذ بُعث النبي صلى الله عليه و سلم إلى ما شاء الله من الزمان، فالأفضل أن يقول "وأنا من المسلمين"، وبعض العلماء يقول: ينبغي أن يقول "وأنا أول المسلمين" وهذا ليس بظاهر و الله أعلم.
هذه الكلمات المباركات تذكر العبد بغايته في الحياة، الإنسان كما ذكرنا يحتاج إلى تذكير دائم بقضايا أساسية في كل يوم وليلة، وهي قضايا الإيمان والتوحيد، فالغاية من الحياة والمقصد منها والغاية التي خلق من أجلها هي تحقيق العبودية لله سبحانه وتعالى، فهو يؤكد أن صلاته و نسكه ومحياه ومماته لله رب العالمين، تحقيقا للعبودية بمعناها الشامل لكل تصرفاته ولذلك قال (ومحياي ومماتي) ليست الصلاة والذبح المختصة بالعبودية فقط وإنما الحياة والموت أيضا.
وبدأ بالصلاة لأنها أعظم العبادات البدنية، كما في الحديث الصحيح قول النبي (واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة)، لأنها تتضمن عبادة القلب واللسان و الجوارح، فعبادة القلب فيها، وهي الأصل، ولابد فيها من حضور النية والإخلاص وإلا فالصلاة تبطل بلا نية، وكذلك لابد فيها من الخشوع، وقد قال الله تعالى (قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون) (المؤمنون2)، و كل ما في الصلاة من أذكار تتضمن عبادات القلب ، ثم يحرك لسانه بذلك ثم جوارحه من قيام وركوع وسجود، فالصلاة كلها عبودية لله عز وجل.
ولذلك فإن الصلاة تجمع أنواع العبودية، ولذا كانت خير الأعمال، وهي قرة العين للمحبين المتابعين لسيدهم خير الخلق محمد الذي قال (وجُعلت قرة عيني في الصلاة)، فالله جعل له في الصلاة أسعد لحظاته وقرار عينه حيث لا تتطلع إلى شيء آخر.
وكان صلى الله عيه وسلم يقول لـبلال (يا بلال أقم الصلاة أرحنا بها)، والله عز وجل أمر عباده أن يستعينوا بالصبر والصلاة فقال تعالى (يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين)(البقرة45)، فالصلاة مفزع يفزع ويهرب الإنسان إليه متوجها إلى الله عز وجل، وكلما حزب الإنسان أمر فزع إلى الصلاة، كفعل النبي كان إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة، فإن راحة الإنسان من الهموم والغموم في الصلاة الخاشعة، وإذا رزق الخشوع فيها والحضور فهي فعلا قرة العين، ولذلك بدأ بها فقال (إن صلاتي ونسكي).
وذكر النبي النسك، وله في هذا الموضع معنيان في تفسيرين:
المعنى الأول: الذبح، كما قاله مجاهد وسعيد بن جبير والضحَّاك.
أو المعنى الثاني وهو: التعبد بجميع أنواع العبادة، فيكون النسك بمعنى العبادة، ومنه متنسك أي متعبد، وهو من عطف العام على الخاص.
فكل العبادات بما فيها الذبح لله عز وجل وحده لا شريك له لا يجوز صرف شيء منها لغيره، كما قال تعالى في شأن الذبح أيضا وجمع بين الصلاة والذبح (فصل لربك وانحر)(الكوثر2)، أي اجعل صلاتك لله وحده ولا تسجد لغيره وكذلك اجعل نحرك وذبحك لله وحده لا شريك له ولا تذبح لصنم أو وثن أو غيره من دون الله، كما قال النبي (لعن الله من ذبح لغير الله).
ثم ذكر المحيى والممات في قوله (ومحياي ومماتي)، إقرارا بأن تكون حياته لله وأن يكون موته لله، فالمؤمن يحيى حياته كلها لله بأن يزن أمورها بتعاليم الإسلام، يعيش بالإسلام ويعيش من أجله، ويزن كل أمر من الأمور بميزان الإسلام ويعمل كل الأموربشرع الله ويدعو إليه ويسعى إلى أن يعبـِّد الخلق كلهم لربهم، كأفراد ومجتمعات ودول وشعوب، يسعى إلى تحقيق عبودية الفرد وعبودية الأمة وهو يموت على ذلك و يموت أيضا من أجله.
وهنا تأكيد مرة ثانية على توحيد الألوهية والربوبية(إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين) هذه أفعال العبد، وهذه معاني الربوبية، فيثبت توحيد الربوبية مرة ثانية، وينفي الشرك بقوله (لا شريك له)، لا شريك له في ربوبيته ولا شريك له في ألوهيته ولا مثيل له في أسمائه وصفاته، والعبد يشهد ذلك ويعلمه ويطبقه في أقواله وأفعاله، فيحقق نوعي التوحيد العلمي والعملي، الإقرار والشهود، والقصد والطلب.
فتوحيد الإقرار والمعرفة والشهود في قوله (الذي فطر السماوات و الأرض)، وفي قوله (لله رب العالمين) فينزه الله عن الشريك، في الحقيقة وفي شهود العبد، يعني الله ليس له شريك في الحقيقة وإن ادعى أحد لله عز وجل شريكا فهو كاذب لان هذا ليس موافقا للحقيقة، والحقيقة أن الله واحدًا لا شريك له في ربوبيته وفي ألوهيته وفي أسمائه وصفاته، أما تحقق ذلك في شهود العبد فهو أن يشهد أن هذا الأمر هو الحق دون ما سواه، كما أنه في الحقيقة فهو يشهد هذه الحقيقة وفي استحقاق العبادة لله وحده لا شريك له، فالله يستحق أن يعبد وحده لا شريك له، وهو واحد من هؤلاء العباد الله، فلا يشرك بالله أي شريك في إرادته و قصده.
وقوله (وبذلك أُمرت) يستحضر به أن الله أمره بالتوحيد، وأنه امتثل أمره سبحانه وأطاعه وقبله بخلاف من رده وأباه، ومشكلة كفر إبليس كان في رد أمر الله وقد أمره، والمؤمن يضاد ما فعل إبليس، فإن الله عز وجل قال له (قال ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين)الأعراف12 فرد الأمر على الله،أما المؤمن يستحضر أن الله أمره فامتثل،افقال "وبذلك أمرت"، فحقق بالامتثال الخضوع والذل، وسبق أنه في قوله (حنيفا وما أنا من المشركين) حقق كمال الحب، فاكتمل ركني العبادة وهما كمال الحب وكمال الذل، فتضمن هذا الدعاء حقيقة العبودية.
ثم قوله (وأنا من المسلمين) فهو يدخل في زمرة المسلمين، كما في قوله (وما أنا من المشركين) براءة من الشرك، ففي قوله (وأنا من المسلمين) ولاء إلى أهل الإسلام، فهو يستحضر أنه جزء من هذه الأمة، يدخل في الأمة الواحدة، (إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون)الأنبياء92، أمة أولها الأنبياء وأولهم محمد أرفعهم منزلة وقدرا، أفضل الخلق عند الله، وهو أول المسلمين من هذه الأمة، فهنا إعلان الاستسلام لله والانتماء للأمة المكرمة المشرَّفة، التي اصطفاها الله على الأمم بهذا الدين، واختص أتباع محمد بأن سمَّاهم المسلمين من قبل خلقهم وإيجادهم، وهذا من أشرف ما شرف الله به أمة الإسلام أنه جعل اسم الإسلام والمسلمين علم على هذه الأمة، مع أن من قبلهم كانوا مسلمين فعلا ودينهم الإسلام، ولكن الإسلام لم يصر علما عليهم، وإنما صارت لهم أسماء أخرى أعلاما على دينهم وملتهم، مع أنها الإسلام في حقيقة الأمر، ولكن اختص الله أمة نبيه محمد بأن جعل اسم الإسلام علما لهم، وسمَّاهم به قبل خلقهم وإيجادهم، وسمَّاهم المسلمين في القرآن العظيم (وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيدا عليكم وتكونوا شهداء على الناس فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واعتصموا بالله هو مولاكم فنعم المولى ونعم النصير )الحج78.
فقبل أن تُوجد سُميت مسلما، قبل أن تُخلق سميت مسلما، فالحمد لله أن جعلنا مسلمين، نسأله سبحانه أن يتوفانا مسلمين وأن يلحقنا بالصالحين.
رد مع اقتباس
  #5  
قديم 19-03-2010, 11:51 AM
الصورة الرمزية ام ايمن
ام ايمن ام ايمن غير متصل
مشرفة ملتقى السيرة وعلوم الحديث
 
تاريخ التسجيل: Apr 2006
مكان الإقامة: العراق / الموصل
الجنس :
المشاركات: 2,056
افتراضي رد: سلسلة شرح حديث وجهت وجهى للذى فطر السماوات و الارض 00دعاء الاستفتاح رقم1

__________________
رد مع اقتباس
  #6  
قديم 19-03-2010, 11:52 AM
الصورة الرمزية ام ايمن
ام ايمن ام ايمن غير متصل
مشرفة ملتقى السيرة وعلوم الحديث
 
تاريخ التسجيل: Apr 2006
مكان الإقامة: العراق / الموصل
الجنس :
المشاركات: 2,056
افتراضي رد: سلسلة شرح حديث وجهت وجهى للذى فطر السماوات و الارض 00دعاء الاستفتاح رقم4

__________________
رد مع اقتباس
  #7  
قديم 19-03-2010, 11:53 AM
الصورة الرمزية ام ايمن
ام ايمن ام ايمن غير متصل
مشرفة ملتقى السيرة وعلوم الحديث
 
تاريخ التسجيل: Apr 2006
مكان الإقامة: العراق / الموصل
الجنس :
المشاركات: 2,056
افتراضي رد: سلسلة شرح حديث وجهت وجهى للذى فطر السماوات و الارض 00دعاء الاستفتاح رقم3

__________________
رد مع اقتباس
  #8  
قديم 19-03-2010, 11:55 AM
الصورة الرمزية ام ايمن
ام ايمن ام ايمن غير متصل
مشرفة ملتقى السيرة وعلوم الحديث
 
تاريخ التسجيل: Apr 2006
مكان الإقامة: العراق / الموصل
الجنس :
المشاركات: 2,056
افتراضي رد: سلسلة شرح حديث وجهت وجهى للذى فطر السماوات و الارض 00دعاء الاستفتاح رقم2

__________________
رد مع اقتباس
  #9  
قديم 20-03-2010, 09:15 AM
الصورة الرمزية ام خديجه
ام خديجه ام خديجه غير متصل
قلم برونزي
 
تاريخ التسجيل: Nov 2009
مكان الإقامة: الاسكندريه مصر
الجنس :
المشاركات: 1,316
افتراضي سلسلة شرح حديث وجهت وجهى للذى فطر السماوات و الارض 00دعاء الاستفتاح رقم5

5- اللهم أنت الملك
كتبه/ ياسر برهامي
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،
فيقول النبي في دعاء استفتاح صلاة الليل: (وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض، حنيفا مسلما، وما أنا من المشركين، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له، وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين، اللهم أنت الملك لا إله لي إلا أنت، أنت ربي وأنا عبدك، ظلمت نفسي، واعترفت بذنبي، فاغفر لي ذنوبي جميعا، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، واهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها لا يصرف سيئها إلا أنت، لبيك وسعديك، والخير كله في يديك، والشر ليس إليك، أنا بك واليك، لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك، تباركت وتعاليت، استغفرك وأتوب إليك)(رواه مسلم).
واستكمالا لما بدأناه من شرح دعاء الاستفتاح، نذكر قول النبي - -: (اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت)، وهذه الجملة تتضمن أموراً عظيمة الأهمية والقدر، وبيان ذلك أن الصراع بين الحق والباطن مستمر والمؤمنون يمثلون في هذا الزمان حلقة من حلقات هذا الصراع، والقضية الأساسية في هذا الصراع هي قضية توحيد الله عز وجل، والخصومة في التوحيد مع أهل الشرك والكفر هي أنهم يريدون أن يُعبد غير الله، ونحن نريد أن يُعبد الله وحده لا شريك له.
وقد قضى الله بعلمه وحكمته أن تكون قوة المؤمنين المادية غالباً -وربما دائماً- ضعيفة خصوصاً في ابتداء كل حلقة من حلقات الصراع، وأن يكون الملك والسلطان الظاهر في الأرض فيما يبدو للناس لأعداء الله سبحانه، وذلك ليستعين المؤمنون بالله وليتوكلوا عليه لا على أنفسهم وليتعبدوا له بأنواع العبودية المتعددة والتي من أهمها شهود ملكه -عز وجل- في السموات والأرض.
فالمؤمن يشهد كل لحظة أن الملك لله، يستحضر هذا كل ليلة من الليالي حينما يقول (اللهم أنت الملك)، كما في الدعاء الآخر في استفتاح قيام الليل أيضاً (اللهم لك الحمد أنت نور السموات والأرض، ولك الحمد أنت قيـَّام السماوات والأرض، ولك الحمد أنت رب السماوات والأرض ومن فيهن) رواه مسلم، إن شهود ملك الله عز وجل هو من أعظم أنواع العبودية الذي اختص به أهل الإيمان، لأن الكفرة يظنون أن الملك لهم، وأما المؤمن فإنه رغم وجود الملك والسلطان الظاهر للكفار فإنه يستحضر أن الملك الكامل لله عز وجل، ويشهد ملك الله للسموات والأرض وما فيهن، والمؤمنون جند الله، جند الملك الذي لا يُغلب والذي لا يمانع ولا يُغالب، والتوسل إلى الله بهذا الاسم في الدعاء، اسم "الملك" من أعظم ما يستنزل به النصر وتثبت به الأقدام والقلوب، ويتذكر به المؤمن حقيقة الميزان في هذا الصراع، ولا تغره زينة الدنيا.
وقد روي في الأثر عظيم النفع - برغم كونه من الإسرائيليات- فيما أورده ابن أبي حاتم عن وهب بن منبه أن الله - عز وجل- قال لموسى - -: (انطلق برسالتي، فإنك بسمعي وعيني، إن معك يدي وبصري، وإني قد ألبستك جُنة من سلطاني لتستكمل بها القوة في أمري، فأنت جند عظيم من جندي بعثتك إلى خلق ضعيف من خلقي بطر نعمتي وأمن مكري، وعثَّرته الدنيا عني حتى جحد حقي، وأنكر ربوبيتي، وزعم أنه لا يعرفني، فإني أقسم بعزتي لولا القدر الذي وضعت بيني وبين خلقي لبطشت به بطشه جبار يغضب لغضبه السماوات والأرض والجبال والبحار، فإن أمرت السماء حصبته، وإن أمرت الأرض ابتلعته، وإن أمرت الجبال دمرته، وإن أمرت البحار غرَّقَته، ولكنه هان علي وسقط من عيني، ووسعه حلمي واستغنيت بما عندي، فبلِّغْه رسالتي، وادعه إلى عبادتي وتوحيدي وإخلاصي، وذَكّْره أيامي، وحذره نقمتي وبأسي، وأخبره أنه لا يقوم شيء لغضبي، وقل له فيما بين ذلك قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى، وأخبره أني إلى العفو والمغفرة أسرع مني إلى الغضب والعقوبة، ولا يردعنـَّك ما ألبسته من لباس الدنيا، فإن ناصيته بيدي ليس ينطق ولا يطرف ولا يتنفس إلا بإذني، وقل له أجب ربك فإنه واسع المغفرة، وقد أمهلك أربعمائة سنة في كلها أنت مبارزه بالمحاربة تسبه، وتتمثل به، وتصد عباده عن سبيله، وهو يمطر عليك السماء، وينبت لك الأرض، لم تسقم ولم تهرم ولم تفتقر ولم تغلب، ولو شاء الله أن يعجل لك العٍقوبة لفعل، ولكنه ذو أناة وحلم عظيم. وجاهده بنفسك وأخيك وأنتما تحتسبان بجهاده فإني لو شئت أن آتيه بجنود لا قبل له بها لفعلت، ولكن ليعلم هذا العبد الضعيف الذي قد أعجبته نفسه وجموعه أن الفئة القليلة - ولا قليل مني- تغلب الفئة الكثيرة بإذني. ولا تعجبنكما زينته، ولا ما متع به، ولا تمدا إلى ذلك أعينكما فإنها زهرة الحياة الدنيا، وزينة المترفين، ولو شئت أن أزينكما من الدنيا بزينة ليعلم فرعون حين ينظر إليها أن مقدرته تعجز عن مثل ما أوتيتما فعلت، ولكني أرغب بكما عن ذلك وأزويه عنكما، وكذلك أفعل بأوليائي، وقديما ما جرت عادتي في ذلك، فإني لأذودهم عن نعيمها وزخارفها كما يذود الراعي الشفيق إبله عن مبارك الغرة، وما ذاك لهوانهم عليًّ، ولكن ليستكملوا نصيبهم في دار كرامتي سالماً موفوراً لم تَكْلُمْه -لم تجرحه- الدنيا، واعلم أنه لا يتزين لي العباد بزينة هي أبلغ فيما عندي من الزهد في الدنيا، فإنها زينة المتقين عليهم منها لباس يعرفون به من السكينة والخشوع، وسيماهم في وجوههم من أثر السجود، أولئك أوليائي حقا حقا، فإذا لقيتهم فاخفض لهم جناحك، وذلل لهم قلبك ولسانك، واعلم أنه من أهان لي وليا أو أخافه فقد بارزني بالمحاربة، وبادأني وعرَّض لي نفسه، ودعاني إليها، وأنا أسرع شيء إلى نصرة أوليائي، أفيظن الذي يحاربني أن يقوم لي؟ أم يظن الذي يعاديني أن يعجزني؟ أم يظن الذي يبارزني أن يسبقني أو يفوتني؟ وأنا الثائر لهم في الدنيا والآخرة لا أَكِلُ -لا أترك- نصرتهم لغيري).
فالله يؤيده بنصره، وقد ألبسه جُنَّة أي وقاية من العدو من عند الله -عز وجل-، والله يعصم من اعتصم به وليس فقط موسى - -. والكفرة في أيديهم من القوة والسلطان ما يستطيعوا أن يدمروا به قوة المسلمين ومع ذلك فقد كف أيديهم عنهم، جعلهم يتركونهم في أنواع من العبودية لله عز وجل رغم ما يريدون من الكيد للإسلام، فهذه من آيات الله، وفي قصة موسى - عليه السلام- أمر من أجلى الأمور وأوضحها، وهو أن فرعون مهما يملك من القوة المادية الظاهرة يقول: (وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى)(غافر: 26).
ففي كل مرة فرعون ممنوع من قتل موسى، وإلا ما الذي يقيده حتى يقول (ذَرُونِي) سوى شعوره بأنه لا يقدر، وفي كل مرة يغرونه بموسى يبحث عن غيره (وَقَالَ الْمَلأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآَلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ)(الأعراف: 127)، فالمؤمن كذلك عنده جُنَّة من سلطان الله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ)(المائدة: 11)، فهناك من يريدون أن يصلوا بأيديهم إلى المسلمين والله يكف أيديهم، فالله يصرف المؤمنين عن الدنيا لعلمه بأن القلوب تتعلق بها إذا وقعت فيها، ولذا كان من دعاء النبي - -: (اللهم اجعل رزق آل محمد قوتا) رواه مسلم، الذي يكفيه دون أن يحتاج إلى الناس ودون أن يزداد عن حاجته فيتعلق قلبه عن الدنيا، وكل نصيب يستمتع به المؤمن في الدنيا ينقص من نصيبه في الآخرة.
كل هذه المعاني يشعر بها المؤمن في قلبه عند قوله (اللهم أنت الملك)، يشهد بهذه المعاني وغيرها كثير فيحيي بها قلبه، ويثني على ربه هذا الثناء العظيم الذي يتكرر في الفاتحة، في قوله: (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ)(الفاتحة: 4)، وهو ملك كل الأيام ولكن ذكر يوم الدين لأن الملك الكامل لله وحده ظاهر يومئذ للخلق جميعا، المؤمن والكافر، دون منازعة ولا حتى في الاسم، يوم الدين يوم يظهر فيه للكل، للمؤمن والكافر، أن الملك لله.
وإن للمؤمن حاجة، بل ضرورة إلى تمرير هذا المعنى على قلبه، بل وترسيخه وثبوته حتى يستحضر أن ما يفعله الأعداء أنما هو بأمر مليكه المقتدر ليختبره في ذلك، فلو شاء الله لتغيرت هذه الموازين كلها في لحظة ولكنه يختبرنا، أنفرده بالألوهية والعبودية والحب والخضوع والطاعة لا إله إلا هو، أم نغفل ونظن أن الكفرة والظلمة يملكون فنتابعهم على الباطل؟
فاللهم إنا نعوذ بك من ذلك، اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت، والحمد لله رب العالمين.
رد مع اقتباس
  #10  
قديم 20-03-2010, 09:16 AM
الصورة الرمزية ام خديجه
ام خديجه ام خديجه غير متصل
قلم برونزي
 
تاريخ التسجيل: Nov 2009
مكان الإقامة: الاسكندريه مصر
الجنس :
المشاركات: 1,316
افتراضي سلسلة شرح حديث وجهت وجهى 00دعاء الاستفتاح رقم6

6- اللهم أنت ربي وأنا عبدك
كتبه/ ياسر برهامي
الحمد لله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله - -، أما بعد،
يقول النبي - -: )وجهتوجهي للذي فطر السماوات والأرض، حنيفا مسلما، وما أنا من المشركين، إنصلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له، وبذلك أمرت وأناأول المسلمين، اللهم أنت الملك لا إله لي إلا أنت، أنت ربي وأنا عبدك،ظلمت نفسي، واعترفت بذنبي، فاغفر لي ذنوبي جميعا، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، واهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها لايصرف سيئها إلا أنت، لبيك وسعديك، والخير كله في يديك، والشر ليس إليك،أنا بك واليك، لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك، تباركت وتعاليت، أستغفركوأتوب إليك).
تكلمنا في المقالات السابقة عن الجملة الأولى (وجهتوجهي للذي فطر السماوات والأرض، حنيفا مسلما، وما أنا من المشركين)،والثانية (إنصلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له، وبذلك أمرت وأناأول المسلمين).
ونستكمل اليوم كلامنا عن الجملة الثالثة (اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت) حيث يشهد العبد فيها ملك الله عز وجل وألوهيته، ثم أتبعها النبي - - بقوله (أنت ربي وأنا عبدك) ففيها شهود الألوهية بعد شهود الملك والربوبية، فجمع أنواع التوحيد، ثم تجد هذه الأنواع تتكرر في أجزاء الدعاء، واحدة تلو الأخرى، فيعود ليشهد كل نوع بطريقة أخرى، وتكرار هذه الحقائق الإيمانية لكي تستقر قضية التوحيد في النفس، فمعاني الإيمان تتضح أكثر وأكثر مع كل كلمة من كلمات الأدعية النبوية.
ونجد الثناء على الله تعالى باسم (الرب) مضافا إلى ضمير المتكلم المفرد، حيث لم يقل أنت ربنا بل قال أنت ربي، فهذا له مذاق خاص وجميل في استشعار الإصلاح الخاص، فمعنى الرب: المصلح شأن غيره، كما في الحديث (قال هل لك عنده من نعمة تربُها ؟)(رواه مسلم) يعني: تقوم عليها وتصلحها، فإذا قال العبد (اللهم أنت ربي) يستشعر فيها أن الله عز وجل هو الذي يدبر أمره، والله رب العالم كله، ولكن هناك ربوبية خاصة لعبده المؤمن، يصلحه إصلاحا غير الذي أصلح به شأن الآخرين، أصلح للآخرين شأن دنياهم وشأن حياتهم وأصلح للمؤمن كل أمره - دينه ودنياه-، فهو يتوسل إلى الله عز وجل بأنه عبده الذي يحتاج إليه، فهو يفتقر إلى الله عز وجل و يتوسل إليه بأعظم عمل صالح يعمله عبد، وهو العبودية له سبحانه.
هذا التوسل إلى الله عز وجل بالعمل الصالح، والتوسل إليه بالملك والألوهية والربوبية، كأن العبد يقول "أنا فقير إليك بكلي، وأتوسل إليك بكل ذرَّاتي، فتول أمري وإصلاحي".
وفي قول النبي - -: (ظلمت نفسي، واعترفت بذنبي، فاغفر لي ذنوبي جميعا، إنه لا يغفر الذنوب إلاأنت) ما يوضح ذلك، فإن وقوف القلب ذليلا منكسرًا بين يدي ربه من أعظم أسباب أن يُجبر وأن يعطى ما يزيل نقصه وكسرته، وأعظم أسباب محبته لربه، لأن الذل والحب قرينان في العبودية فإذا انكسر الإنسان لله أحبه، وإذا أحبه ذل لربه وخضع له، وهذا الذل يحدث للعبد من عدة جهات كلها مطلوبة:
أولا: ذل الفقر والحاجة، فالله هو الرب الغني الحميد، والعبد مربوب فقير بمقتضى كونه مخلوقا، أي أن العبد فقير ليس بيده من وجوده شيء، فقير في نبض قلبه وجريان الدم في عروقه، فقير في سمعه وفي بصره وفي مخه وفي كل جزء من أجزائه وفي كل شأن من شؤونه، (يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد)(فاطر:15)، هذه الحقيقة يشترك فيها المؤمن والكافر، ولكن يشهدها المؤمن فحسب، فيحصل له بذلك ذل الفقر والحاجة إلى الله سبحانه إذا شهد ذلك، فهذا النوع الأول من أنواع الذل إذا شهده العبد فإنه ينكسر لله عز وجل.
ثانيا: ذل العبادة، تذلل العبد فعليا بالعبادة، كونه يمارس العبادة، كونه يركع و يسجد ويقف، فهذا ذل يحدث به للإنسان الانكسار، كذلك الهيئات التي تكون للإنسان في الصلاة يحصل بها أنواع عظيمة من الحب لله عز وجل، هيئته نفسها تقربه إلى الله كما قال النبي - -: (أقرب ما يكون العبد إلى ربه وهو ساجد)(رواه مسلم)، والركوع لله سبحانه وتعالى (يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون)(الحج:77)، هذا افتقار إلى الألوهية، لأن الإنسان محتاج إلى أن يتعبد وينكسر لله، وإن لم ينكسر ويذل لله ذل لغيره لأنه فُطر على كونه عبدا، فأكثر الخلق يعبدون غير الله، فلماذا يذلون لغير الله من منصب وجاه وكبير ورئيس؟ يحصل هذا لأن العباد فطروا على أن يكونوا عبيدا محتاجين إلى التأله وتعلق القلب بإله، فنسأل الله تعالى ألا يذلنا لغيره.
فالأول ذل الفقر والحاجة، ذل إلى الربوبية، والثاني ذل العبادة الذي يتحقق للعبد بقوله (إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين) فهو يتوجه إلى الله بأعماله وبقوله (أنت ربي وأنا عبدك)، فإن العبادة و هيئات القيام والركوع والسجود - بخاصة- تجلب للعبد ذلا وانكسارا لا يحصل للعبد بغيرها، ولذلك لا يمكن أن تتحقق عبودية أحد بدون الصلاة، فالذين يقولون: "الصلاة وسيلة لا غاية"، أناس كفرة والعياذ بالله.
ثالثا: ذل الابتلاء والمحنة التي لا يملك العبد لها دفعا إلا بالله، ولا يجد قوة لدفع الضرر عن نفسه وأهله ولا تحويله إلا أن يكشفه الله ويحوله، وذلك يحصل للإنسان أثناء المحن وأثناء الألم وأثناء المرض والتعب، ويتعجب الإنسان فعلا إذا أصابه ابتلاء فيظل منكسرا ذليلا فيُفتح له أبواب من الخير فيحمد الله عز وجل على أن قدّر هذا المرض أو هذا الألم أو الابتلاء، لأنه من خلاله وصل إلى نوع من الذل والانكسار. أما الرخاء الدائم يجعل الإنسان مترفا، ويشعره أنه ليس محتاجا والعياذ بالله، وهو محتاج تمام الاحتياج، كما قال عز وجل (وأترفناهم في الحياة الدنيا)(المؤمنون:33).
وهذا الأمر من فوائد الاعتكاف حين تبعد عن الأهل فيحصل نوع من الألم يورث انكسارا، كما ورد عن قوم يونس - عليه السلام- أنهم ندموا عندما فارقهم يونس، فجأروا إلى الله عز وجل بالدعاء وفرقوا بين الوالدة وولدها، لأن الشعور بالألم والحاجة والمحنة والشعور بالغربة، تورث الإنسان فقرا وذلا لله عز وجل ليس له نظير، فقد نقول في بعض الأحيان أن من نعم الله العظيمة ما يقع للمسلمين من آلام ومحن، لأنها تفتح أبواب تضرع عظيم جدا وشعور بالانكسار وشعور بالذل والحاجة والافتقار إلى الله، وليس لهذه الأبواب بديل وليس لها نظير، فيستشعر الإنسان آلام المسلمين ومحنهم ويتضرع لله عز وجل أن يفرج ذلك الأمر، (فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا)(الأنعام:43).
ابحث عن نوع الألم الذي في حياتك واستحضره واستحضر أنه لا يكشفه إلا الله: (قل ادعوا الذين زعمتم من دونه فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلا)(الإسراء:56)، ولا يوجد بشر إلا وعنده ضر وعنده ألم، ولكن كثيرا من الناس يتعاطى مُسكرا فينسى ذلك وهو عنده آلام مستكنة لكنه يحاول أن يغطيها، أما المؤمن لا يحاول تغطيتها بل يحاول أن يدفعها بالله عز وجل، ويستحضرها لينكسر لله سبحانه وتعالى.
رابعا: ذل الحب المتضمن في معنى الإله، فهو المحبوب لذاته، الذي يذل له العبد، فالحب أصلا يجلب الذل، تلقى الحبيب يمشي وراء محبوبه ذليلا له، لأنه لا يقدر على الاستغناء عنه، فالحب نوع آخر من الذل، مع أنه في الدنيا لو أحب الإنسان أحدًا فمن الممكن أن يستغني عنه، فهذا الحب لله عز وجل يجلب نوعا خاصا من الحب لأنه لا يُحب لذاته إلا الله فالحب يؤدي إلى الذل، والذل يؤدي إلى الحب ويزيد كل منهما في الآخر فيظل العبد في ارتفاع وسمو.
يبقى ذل آخر: وهو ذل الذنب وانكساره وشعور العبد بظلمه لنفسه، ثم إقراره واعترافه بقلبه ولسانه أنه قد أذنب وشعوره بأنه لا ينجيه ولا يخلصه من ذنبه ولا يغفره له إلا الله، فيتوسل إليه بهذا الذل، فيقول: "ظلمت نفسي، واعترفت بذنبي، فاغفر لي ذنوبي جميعا، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت"، فيحصل له بذلك نوع خاص من العبودية، لا يشبهه شيء آخر، ومن أجل هذا الذل قدر الله الذنوب على عباده المؤمنين وأوليائه المتقين بل على أنبيائه المرسلين، وإن كانت ذنوبهم تختلف عن ذنوبنا، إلا أن النوع البشري قدر الله عليه هذه الذنوب لتتحقق أنواع من العبودية لا يوجد لها نظير، يرتفعون بها فوق منزلة الملائكة في نهاية الأمر، رغم أن الملائكة لا يعصون الله: (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية)(البينة:7)، لذلك وقع ما سُمي ذنوبا في حق الأنبياء، والرسول - - هو الذي يقول (ظلمت نفسي، واعترفت بذنبي، فاغفر لي ذنوبي جميعا، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت) فهذا ذل الذنب وانكساره.
ثم نتذكر أن هذه الكلمة (ظلمت نفسي واعترفت بذنبي) كان بها نجاة الأبوين وتوبة الله عليهما (قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين)(الأعراف:23)، فالإنسان إذا ظلم واعترف بذنبه كأنه لم يظلم، فالتائب من الذنب كمن لا ذنب له، فشعور الإنسان أنه ظلم واعترف بذنبه يرفعه مقامات عالية، كما ذكرنا لا يصل إليها بغير هذا النوع من العبودية وهذه الكلمة "إني كنت من الظالمين" مع كلمة التوحيد "لا إله إلا الله" هما كلمة النجاة من كل غم لكل مؤمن، كدعوة يونس - عليه السلام- (وذا النون إذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر عليه فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين . فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين)(الأنبياء87-88).
ففوائد عظيمة جدا تتحقق بأن يقول العبد (اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت، أنت ربي وأنا عبدك، ظلمت نفسي واعترفت بذنبي، فاغفر لي ذنوبي جميعـا، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت)، فهذا الاستفتاح يفتح الطريق إلى القلب للدخول إلى الصلاة، لأن الإنسان قد يدخل قلبه في الصلاة بعد دخوله فيها بمدة طويلة جدا، وقد لا يدخل قلبه في الصلاة أصلا، ولكن أدعية الاستفتاح إذا استحضرها العبد أعانه الله بها إعانة عظيمة جدا، خصوصا هذه الأدعية المعجزة، وأقسم بالله العظيم أنها معجزة ظاهرة جدًا، لأنه لا يمكن أن يكون هناك قلب بشر تكتمل فيه هذه المعاني بهذا الوضوح لمن تأملها، ولا يمكن أن تكون في كلام بشر آخر وإنما أوتي جوامع الكَلِم - -. والحمد لله رب العالمين
رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 155.75 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 149.68 كيلو بايت... تم توفير 6.07 كيلو بايت...بمعدل (3.90%)]