ذلك الدين القيم - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         الاكتفاء بسماع أذكار الصباح والمساء عند قولها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          الفرق بين صلاة التراويح وصلاة القيام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          قراءة القرآن بصوت مرتفع في المسجد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »          الفرصة الأخيرة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »          ترزقوا وتنصروا وتجبروا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          لا سمَرَ إلَّا لِمُصَلٍّ ، أوْ مُسافِرٍ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          على أبواب العشر الأواخر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          رمضان شهر الإقبال على مجالس العلم والعبادة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          التغيير الشامل في رمضان .. هل هو ممكن؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          تاريخ غزوة بدر .. الميلاد الثاني (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى الشباب المسلم

ملتقى الشباب المسلم ملتقى يهتم بقضايا الشباب اليومية ومشاكلهم الحياتية والاجتماعية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 20-01-2021, 04:39 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,505
الدولة : Egypt
افتراضي ذلك الدين القيم

ذلك الدين القيم (1)
أ. د. عبدالله بن إبراهيم بن علي الطريقي



الإسلام دِين قيِّم، وصراطه مستقيم، وأمَّته أمَّة وسط، وهذه الألفاظ (قيم، مستقيم، وسط) تعني الاعتدالَ والتوازن.
والتوازن: يعني المساواةَ والمعادلة، بحيث لا يكون ثمَّة مَيل إلى اليمين أو اليسار.
وهذا ما يتناسب مع طبيعةِ الإنسان وفِطرته.

يقول - جل شأنه -: ﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [الروم:30].
وهذه الآية الكريمة على إيجازها رَسمتِ المنهجَ الشرعيَّ المتَّفق مع الناموس الكوني.
فالمنهج الشرعي: أقِم وجهَك للدِّين حنيفًا.
والناموس الكوني: فِطرة الله التي فطَر الناس عليها لا تبديلَ لخَلق الله.
فهُما حقيقتان لا جدالَ فيهما، ذلك الدِّين القيِّم.

وأمَّا مَن انحرف عن هذا المنهج وذلك الناموس، فهو جاهلٌ، وما أكثرَ الجهَّال! ﴿ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [الروم: 30].
ولذلك كان على المسلم أن يعيَ هاتين الحقيقتين ويلزمهما، فإذا فعَل كان كامل التوازن، وإلاَّ كان الانحرافُ والميل.

والتوازن في المسلِم يشمل أمرين مهمَّين:
الأوَّل: التوازن في التفكير.
الثاني: التوازن في السُّلوك والعمل.

والمقصود بالأوَّل: التوازن في الجوانب الفِكرية والاعتقاديَّة والتصوريَّة، وهذه مكانها العقْل والقلْب.
فالعقل: لا بدَّ أن يسلكَ مسلكَ الاتزان والاعتدال.
فيأخذ مِن المعارف والعلوم ما يُناسبه، مما هو مشروعٌ وممكن، دون ما هو ممنوعٌ أو مستحيل.
فإذا أفرَغ الإنسان في عقله معارفَ وهميَّةً أو تناقضيَّة أو خاطئة، كالسِّحر والشعوذة والطلاسم، ونحو ذلك، فقد أساء إلى عقلِه ووضَع فيه ما لا يناسبه.
وكذلك إذا سمَح لعقله أن يَسبَحَ في الخيال ويبحث في عالَم الغيب بدون ضوابطَ ولا حدود، فإنَّه عندئذٍ وضعَه في غير موضعه.
والله - جلَّ شأنه - يقول: ﴿ وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً ﴾ [الإسراء:85].
ذلك بالنِّسبة للعقل.

وأمَّا القلب، فإنَّه محلُّ الاعتقاد والنيَّة والأعمال الخفيَّة، فالإيمان محلُّه القلب، والكُفر كذلك، والنِّفاق مثلهما.
بل إنَّ الأعمال الظاهِرة كلها ما هي إلاَّ مظهر للمكنون في القلْب، وصدَق الرسولُ - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((ألاَ وإنَّ في الجسد مضغةً إذا صلَحَتْ صلَح الجسدُ كلُّه، وإذا فسدتْ فسَد الجسد كلُّه، ألاَ وهي القلْب)).
فهذه المُضغة على صِغرها هي محورُ الأعمال والتصرُّفات والأقوال، وهي المحرِّك الحقيقي، بل الدليل والهادي، والله يَهدينا سواءَ السَّبيل.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 20-01-2021, 04:40 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,505
الدولة : Egypt
افتراضي رد: ذلك الدين القيم

ذلك الدين القيم (2)
أ. د. عبدالله بن إبراهيم بن علي الطريقي



في المقالة السابِقة قلنا: إنَّ التوازن يشمل أمرين:
1- التوازن في التفكير.
2- التوازن في السُّلوك والعمَل.

وقلنا: إنَّ التفكير والفِكر محلُّه: العقل والقلْب.
أمَّا العقل، فلأنَّه محلُّ التعقُّل والتفكر.

والقرآن الكريم زاخِرٌ بالدعوة إلى التعقُّل والتفكُّر وإلى ما في معناهما؛ مِثل: التدبُّر، والنظر، والاعتبار، والتذكُّر، والتفقُّه... وهكذا كما في الآيات الكريمة الآتية: ﴿ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴾ [الحديد: 17]، ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴾ [الرعد: 4].
وقد وردتْ مادة "عقل" في القرآن الكريم حوالي خمسين مرَّة، كما في قوله - تعالى -: ﴿ أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ ﴾ [الروم: 8]، وقوله: ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الجاثية: 13].

وقد وردتْ مادة "فكر" في القرآن حوالي 18 مرةً في المعاني المقصودة هنا، ومثلها مادة "فقه"، أمَّا المادة "عبر"، فقد وردتْ حوالي سبع مرَّات كما هو مرادٌ هنا.
ومادة "التدبُّر" أربع مرَّات.
ومادة "التذكُّر" حوالي 45 مرة.
أمَّا مادة "النظر"، فقد وردت عشرات المرَّات.

وهذا كلُّه يُشير إشارةً بليغةً إلى أهمية التعقُّل والتبصُّر والتدبُّر والتأمُّل في كلِّ التصورات الذهنيَّة، وأنها لا بدَّ أن تقومَ على البرهان الصحيح، لا على الخَرْص والتخمين والتخيُّل.

وهذا المنهج الإسلامي فريدٌ بيْن المناهج الأخرى، وهو متَّزن معتدل، والناظِر في المناهِج البشريَّة الدينيَّة والفلسفيَّة يراها أطرافًا، حيث المنهج الدِّيني التقليدي الأعْمى الذي يفكِّر ولا ينظُر ولا يتأمَّل، بل يعتقد اعتقاداتٍ متناقضةً لا يُطيقها عقل الطفل، فضلاً عن عقولِ الكبار، كما في عقيدة النصرانيَّة القائمة على التثليث، وعقائد البوذيَّة والهندوس وغيرهما، وقد تأثَّر بهذا المنهج معظمُ المناهج الطرقيَّة الصوفيَّة في العالَم الإسلامي، فقد جاؤوا بسلوكياتٍ مبتدعة متطرِّفة.

وبإزاءِ ذلك هناك المنهجُ العقلاني الصِّرف الذي يعتمد على العقلِ اعتمادًا كليًّا، فيحتكِم إليه في عالَم الغيب والشهادة، أو ما وراءَ الطبيعة وما دونها وما فيها.
وهذا منهجُ فلاسفة اليونان ومَن اندرج في سلكهم مِن فلاسفة العرَب، أو مَن سَمَّوا أنفسهم بالفلاسفة الإسلاميِّين، كابن سينا والفارابي، ثم تأثَّر بهذا المنهج فئامٌ من المسلمين كالمعتزلة، والمتكلِّمين عمومًا.

وهناك منهجٌ ثالث خلَط بين المنهجين العقلاني والدِّيني الأعْمَى، وهو منهجُ الصوفية الإشراقيَّة القائلين بالحلولِ والاتحاد وتناسُخ الأرواح، وقد مثَّل هذا المنهج جمهرةٌ من المتصوِّفة الكبار؛ كابن سبعين، والسهروردي، والحلاَّج، وابن عربي، وابن الرومي.
أمَّا منهج الإسلام، فهو التوازُن في هذا، فالعقل يكون محيط الدائرة المحدَّدة.

والقلْب مشحونٌ بالإيمان الذي قد يَزيد بالطاعة وينقص بسببِ المعصية، ولكنَّه لا يخرُج عن دائرة الإسلام أو الإيمان.
وبالتزامِ هذا التوازن لا يَطغَى أيٌّ من العقل أو القلْب على الآخر.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 20-01-2021, 04:41 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,505
الدولة : Egypt
افتراضي رد: ذلك الدين القيم

ذلك الدين القيم (3)


أ. د. عبدالله بن إبراهيم بن علي الطريقي


ولكي يكون تفكيرنا معتدلاً متوازنًا غيرَ متطرِّف نُشير هنا إلى عدَّة نِقاط تكون بمثابة الضَّمانات لاستقامةِ الفِكر.

أولاً - أهداف التفكير في الإسلام:
فالتفكير له أهدافُه المتميِّزة التي تنأَى بالفِكر عن السقوط في أوحال الجَهْل والخُرافة والتناقُض.
فمِن أهمِّ أهداف التفكير في الإسلامِ الوصولُ إلى معرفة الله؛ إذ هي أهمُّ المعارف وأكملها، وأعظمُها وأخطرُها.
والمقصود بالمعرِفة هنا: العِلم بالله والإيمان به، وتعظيم شأنه وشَرْعه، والخشية منه؛ يقول الحقُّ تعالى: ﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ﴾ [فاطر: 28].

قال ابنُ مسعود - رضي الله عنه -: "كفَى بخشيةِ الله علمًا، وكفَى باغترار المرْء جهلاً".
وقال ابن عبَّاس - رضي الله عنهما -: "العلماء هنا: الذين يَعلمون أنَّ الله على كلِّ شيءٍ قدير".

ومِن الأهداف: التوصُّل إلى معرِفة الحق، وتمييزه مِن الباطل.
والحقُّ ما نزَل من عند الله؛ كما قال سبحانه: ﴿ وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ هُوَ الْحَقُّ ﴾ [فاطر: 31].
وقدْ نعَى الله على أقوامٍ خلطَهم الحق بالباطل؛ فقال: ﴿ وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 42].

وصدَق القائل:
إِذَا المَرْءُ كَانَتْ لَهُ فِكْرَةٌ ♦♦♦ فَفِي كُلِّ شَيْءٍ لَهُ عِبْرَةٌ

ومِن أهداف التفكير أيضًا: الازديادُ مِن العلم.
يقول الحقُّ - تعالى - لنبيِّه محمد: ﴿ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا ﴾ [طه: 114].
ولهذا كان مِن دعائه - عليه السلام -: ((اللهم انفعني بما عَلَّمتني، وعلِّمْني ما ينفعني، وزِدني علمًا، والحمد لله على كلِّ حال))[1].

فالإنسان كلما تعمَّق في التدبُّر والنظر والتعلُّم والبحث، ازداد علمًا ويقينًا، والعكس بالعكس، فكلَّما أغلق عقلَه عن التفكير والنظر والتعليم، ازدادَ جهلاً وشكًّا.
ومِن الأهداف أيضًا: العمل، وذلك بأن يُترجِم ما وصَل إليه فكره إلى عمل، سواء في مجالات الدِّين أو الدنيا.
أمَّا الفِكر المجرَّد الذي لا يتحوَّل إلى شيءٍ عملي، فهذا يبقَى أفكارًا نظريَّة جوفاءَ، أشبه بنظريات الفلاسفة القائِمة على التخيُّل والافتراض والاحتمالات.

ثانيًا - مجالات التفكير:
لا بدَّ أن يكون لفِكر الإنسان نهايةٌ وحدّ؛ لأنَّه ليس بمقدوره أن يحيطَ بكلِّ شيء، بل الواقع أنَّه لا يقِف إلاَّ على الأقل مِن الأشياء؛ ﴿ وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً ﴾ [الإسراء: 85].

ولعلَّ تحديد المجالات التي يخوض فيها الفِكر يبيِّن ذلك الإطار، ومِن أبرز المجالات:
1- فَهم النصوص الشرعيَّة وتفسيرها وَفقَ لُغة العرب ومراد الشارِع ومقاصده.
2- خِطاب الاجتهاد والاستنباط، والاجتهاد في المسائل المستجدَّة (النوازل) وفي الأمور المختلَف فيها.
3- أمْر الدُّنيا عمومًا.

فقد جاء في الحديث الصحيح: ((أنتم أعلمُ بأمورِ دُنياكم)).
والمقصود بالدُّنيا هنا الأمور الماديَّة الصِّرفة التي تخضَع للقوانين العادية والظروف والأحوال، ممَّا لم يرد فيه نصٌّ عن الشارِع.


[1] رواه الترمذي وابن ماجه عن أبي هريرة - رضي الله عنه.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 21-01-2021, 05:10 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,505
الدولة : Egypt
افتراضي رد: ذلك الدين القيم

ذلك الدين القيم (4)
أ. د. عبدالله بن إبراهيم بن علي الطريقي



وحديثنا موصولٌ حولَ ضمانات استقامة الفكر:
حيث ذكَرْنا أهدافَ التفكير، ثم مجالاتِه.
ولكي يكونَ هذا التفكير سائرًا على الجادَّة المستقيمة هناك جملة مِن التوجيهات، أو الضوابط تكفُل عدمَ الانحراف.
1- فأوَّل هذه الضوابط للتفكير: الموضوعيَّة، ونَعني بها النظرةَ العِلميَّة الواسعة المتأنية في موضوع التفكير، بمعنى ألاَّ تتحكَّم العواطف والانفعالات في الإنسان، بل عليه أن يجمع قواه العقليَّة والذِّهنيَّة والقلبيَّة؛ لتشترك جميعًا في مناقشةِ الرأي والفِكر، وعندئذٍ ستكون نتيجةُ التفكير أقربَ إلى الحقِّ دون شك، أما لو كان الحَكَم[1] عندَ الإنسان عواطفَه المجرَّدة، فإنَّ النتائج عندئذٍ ستكون في الغالِب ساذجة، بل مائلة.
ولا تَعني الموضوعيَّة وضْعَ جميع القضايا في مرتبةٍ واحدة مِن حيثُ النظرةُ إليها ثبوتًا وعدَم ثبوت، أو مِن حيث القطعيَّة والظنيَّة، أو المتَّفق عليه والمختلَف فيه، ونحو ذلك، بل ثَمَّة أمور مسلَّمة لا توضع موضعَ النِّقاش، فضلاً عن أن تُثار نحوها التساؤلات والاحتمالات.

ونحن - المسلمين - لدَينا أشياءُ كثيرة تدخُل ضمنَ المسلَّمات، وهي المعروفة عندَ علماء الشريعة بـ"المعلوم من الدِّين بالضرورة"، سواء فيما يتعلَّق بقضايا الاعتقاد، أو العِبادة والسلوك، أو المعاملات، أو الأخلاق... إلخ.
فهل مِن المعقول أن تُطرقَ قضية توحيد الله كمسألةٍ ظنيَّة أو مشكوكٍ فيها؟ أو قضية وجوب أرْكان الإسلام، أو إباحة الزَّواج أو الطيِّبات، أو تحريم الزِّنا والخمر والفواحش؟ لا؛ إنها مسلَّمات، ولا بدَّ لصاحِب الفِكر أن يتبنَّى الفكرة ويلتزم بها، وذلك هو نفس الموضوعيَّة.

2- وممَّا له صلةٌ بالموضوعيَّة التجرُّدُ عنِ الهوى والتعصُّب؛ لأنَّهما سببُ العمى والصمم، فلا يكون العقل أو القلب على استعدادٍ للنقاش أو القَبول، ومِن ثَم كان ذلك إلغاءً للموازين العقليَّة والمنطقيَّة والإيمانيَّة.
ولقدْ كان ذلك دأب المشركين؛ ﴿ وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ ﴾ [القمر: 3].
﴿ بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ ﴾ [الروم: 29].

3- التزام آدابِ البحْث والمناظرة، سواء في الحوار، أو في التأليف، أو في البحْث، أو المناظرات... إلخ.
4- اعتماد الوحي المنزَّل مِن عند الله، والثابِت عن رسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فهو ذو دَلالةٍ مأمونةِ العواقِب، صحيحة النتائج، أمَّا العقل فيكون دورُه في فَهم النصوص وتفسيرها، ثم في الاجتهاد والاستنباط فيما لا نصَّ فيه في ضوءِ النصوص والقواعد الشرعيَّة.

5- مراعاة شروطِ الاجتهاد في مسائلِ الدِّين؛ إذ لا يصحُّ للإنسان أن يتكلَّم ويجتهد فيما لا يُحسِن ممَّا ليس من تخصُّصه.
وَقَدْرُ كُلِّ امْرِئٍ مَا كَانَ يُحْسِنُهُ ♦♦♦ وَلِلرِّجَالِ عَلَى الأَفْعَالِ أَسْمَاءُ

6- مراعاة السُّنن الكونيَّة والاجتماعيَّة والتاريخيَّة عندَ التفكير؛ حتى لا تتصادمَ نتائجُ الفِكر مع سُنن الله النافِذة؛ ﴿ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلاً ﴾ [فاطر: 43].
7- ولا بدَّ مِن مراعاة "المصالح والمفاسد"، فيحرِص صاحبُ الفكر على ألاَّ ينتج أو يبدع إلاَّ ما فيه مصلحةٌ ظاهرة، أمَّا ما كان فيه مفسدةٌ على الدِّين أو النَّفْس أو العقل أو المال أو العِرْض، فإنَّ في غيره مندوحةً.

8- وأخيرًا: فالفِكر لن يزال مضطرًّا إلى توفيقِ الله وتسديده؛ ولذلك فلا بدَّ له مِن الاعتماد عليه - جلَّ وعلا - والاستعانة به ومراقبته في السرِّ والجهْر... والله وليُّ التوفيق.


[1] بفتح الحاء والكاف.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 21-01-2021, 05:11 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,505
الدولة : Egypt
افتراضي رد: ذلك الدين القيم

ذلك الدين القيم (5)


أ. د. عبدالله بن إبراهيم بن علي الطريقي


وإذا كان التوازنُ يشمل أمرين مهمَّين، هما:
1- التوازُن في التفكير.
2- التوازُن في السلوكِ والعَمل.
وإذ قدْ عرَفْنا تلك الإشارات إلى الأوَّل، فلنقفْ مع التوازن في نوعه الثاني (السلوك والعمل).

إنَّ تصرُّفاتِ الإنسان لا تخلو مِن حالة مِن ثلاث حالات:
فإمَّا أن تكونَ مطبوعةً أو موسومةً بالتقصير أو التفريط؛ بحيث لا يأتي بالمطلوبِ أو يأتي به ناقصًا.
وإمَّا أن تكونَ موسومةً بالزيادة والغُلوَّ فوقَ ما هو مطلوب.
وإمَّا أن تكونَ وسطًا وفقَ المطلوب.
وهذه الحالات تشمل حقوقَ الله وحقوقَ العباد.

فالصلاة مثلاً - وهي مِن حقوق الله - قد يقصِّر فيها المسلمُ فلا يأتي بها كاملةً، فهذا يُسمَّى تفريطًا.
وقدْ يَزيد فيها ما ليس منها كالجهر بالنيَّة مثلاً، فإنَّه بدعة زائدة، وذلك إفراط.
وقد يأتي بها على الوجه المشروع، فيكون قدْ أقامها كما أمَرَه الله، وهو الوسَطُ المشروع.
أمَّا فيما يتعلَّق بحقوقِ العباد، فيشرع فيها العدْل والقِسط، وهو الإنصاف، دون نقْص أو ظُلم.
كما يُشرَع أيضًا البِرُّ والإحسان والعفو، وهذا فيه زيادةٌ عنِ المطلوب، ولكنها زيادةٌ مشروعة غير مذمومة.

وبهذا يتبيَّن أنَّ ثمَّة فرقًا بيْن حقوقِ الله وحقوق عباده، فأمَّا الأول فلا بدَّ من التقيُّد بالمشروع، وأنَّ الزيادة غلوٌّ مذموم، كما قال - تعالى - مخاطبًا أهل الكتاب: ﴿ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلاَّ الْحَقَّ ﴾ [النساء: 171].

وفي الحديث: ((هلَك المتنطِّعون))[1].
قال النوويُّ - رحمه الله -: المتنطِّعون: المتعمِّقون المشدِّدون في غيرِ موضع التشديد، وجاء التوجيه النبويُّ الكريم بالتسديد والمقارَبة بقوله: ((سدِّدوا وقارِبوا...)).
والتسديد: هو الاعتدالُ مع الكمال.
أمَّا المقارَبة، فهي محاولةُ الوصولِ إلى ذلك.
وهذا هو عينُ التوازن، أمَّا ما عَدَاه، فهو غلوٌّ وإسراف وإفراط مذموم.

وإذا كان هذا النَّوع مِن الإفراط قد يوجد عندَ أصحاب الفِكر المنغلِق الضيِّق، أو أهل التشاؤم والنظرة القاتمة للمجتمع، فإنَّني أحسب أنَّه قليل في عصرنا - إن شاء الله.
أمَّا ما يظنُّه كثيرٌ من الناس - متابعة للإعلام والاتجاه الغربي - في تفسيرهم للغلوِّ أو ما يُسمَّى بالتطرف بأنَّه التزام سُنة النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - في الاعتقادِ والعبادة والأخلاق والمعامَلة، فهو ظنٌّ خاطئ، بل هو خطيئة متعمَّدة.

لكن ما يُمكن أن نعتبرَه غلوًّا على الحقيقة هو فيما يتعلَّق بمعاملة الناس، وذلك باتِّخاذ خِصال الجفاء والغِلظة والنُّفرة وسوء الظنِّ مسلكًا في التعامل مع جميعِ الخَلْق، وإن كانوا مسلمين أتقياء أو علماء، أو دُعاةً أو فضلاء، ولا شكَّ أنَّ هذا انحرافٌ في التوازن في المعاملة؛ إذ كيف يعتبر ذلك منهجًا إسلاميًّا، وكيف يعتبر خُلقًا حسنًا، والله تعالى يأمر بخِلاف ذلك؛ حيث يقول: ﴿ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا ﴾ [آل عمران: 103]، وقال في صفة المؤمنين: ﴿ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ ﴾ [المائدة: 54]، وقال: ﴿ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ﴾ [الفتح: 29].
ذلك عنِ النوع الأوَّل، وهو حقوق الله، وأمَّا النوع الآخر، وهو حقوقُ العِباد، فيجوز فيها الإحسان والمعروف والزِّيادة، وذلك ليس غلوًّا كما عرفنا.


[1] رواه مسلم، الحديث رقم (2670).




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 98.56 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 94.84 كيلو بايت... تم توفير 3.72 كيلو بايت...بمعدل (3.78%)]