خواطر قرآنية" سورة السجدة" - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4387 - عددالزوار : 836776 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3919 - عددالزوار : 379342 )           »          متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 11942 - عددالزوار : 191126 )           »          سحور يوم 19 رمضان.. ساندوتشات فول مخبوزة خفيفة ولذيذة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 32 )           »          واتس اب بلس الذهبي (اخر مشاركة : whatsapp Girl - عددالردود : 2 - عددالزوار : 2666 )           »          الأمثال في القرآن ...فى ايام وليالى رمضان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 660 )           »          فقه الصيام - من كتاب المغنى-لابن قدامة المقدسى يوميا فى رمضان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 941 )           »          دروس شَهْر رَمضان (ثلاثون درسا)---- تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 1093 )           »          أسرتي الرمضانية .. كيف أرعاها ؟.....تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 854 )           »          صحتك فى شهر رمضان ...........يوميا فى رمضان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 837 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير > هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن

هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن قسم يختص بحفظ واستظهار كتاب الله عز وجل بالإضافة الى المسابقات القرآنية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 13-12-2020, 05:51 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,615
الدولة : Egypt
افتراضي خواطر قرآنية" سورة السجدة"

خواطر قرآنية" سورة السجدة" ( 1-30 )

أيمن الشعبان

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله منزلَ الكتاب، ومجريَ السحاب، ومعلمَ العلوم والآداب، خالقَ الناس من تراب، ناصر المؤمنين العزيزِ الوهاب، والصلاة والسلام على خير من صلى وتاب، وجميع الآل والأصحاب ومن تبعهم إلى يوم المئاب، وبعد:
هذه خواطر وتأملات، لآيات مباركات، من كلام رب البريات، نتفكر ونتدبر، ونستخرج الفوائد والدرر، والمواعظ والعبر، من كتاب ربنا الذي لا تنقضي عجائبه، ولا تنتهي كنوزه، لتحيا به القلوب، وتزكو به النفوس.
سأقف معكم - بعون الله وتيسيره- في كل حلقة مع آية من سورة السجدة، تلك السورة العظيمة ذات المعاني الجليلة، والدِّلالات الإيمانية النافعة، التي كان لها أهمية خاصة في حياته وعبادته عليه الصلاة والسلام، عسى أن نخلُص بثلاثين آية علما وتفكرا وانتفاعا وعملا.
ما أحوجنا لتلك الوقفات؛ في زمن الفتن والملذات، وهجران القرآن والتعلق بالماديات، فكلام الله سبحانه( لَا يَسْتَقْصِي مَعَانِيَهُ فَهْمُ الْخَلْقِ، وَلَا يُحِيطُ بِوَصْفِهِ عَلَى الْإِطْلَاقِ ذُو اللِّسَانِ الطَّلْقِ، فَالسَّعِيدُ مَنْ صَرَفَ هِمَّتَهُ إِلَيْهِ، وَوَقَفَ فِكْرَهُ وَعَزْمَهُ عَلَيْهِ، وَالْمُوَفَّقُ مَنْ وَفَّقَهُ اللَّهُ لِتَدَبُّرِهِ، وَاصْطَفَاهُ لِلتَّذْكِيرِ بِهِ وَتَذَكُّرِهِ، فَهُوَ يَرْتَعُ مِنْهُ فِي رِيَاضٍ، وَيَكْرَعُ مِنْهُ فِي حِيَاضٍ ).[1]
ومن أعظم مقاصد إنزال القرآن التدبر، الذي لا يحصل إلا بمعرفة المعاني وإمعان النظر والتأمل والتفكر، قال تعالى ( كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ )[2]، وقد أنزله الله تعالى للناس للتدبر والتفكر في معانيه، لا لمجرد التلاوة بدون تدبر وإمعان، وليتعظ أهل العقول الراجحة به وببيانه.[3]
يقول الحسن بن علي رضي الله عنهما: إن من كان قبلكم رأوا القرآن رسائل من ربهم فكانوا يتدبرونها بالليل، ويتفقدونها في النهار.[4]
كم نحن بحاجة لإعادة النظر، في علاقتنا مع القرآن، من حيث التلاوة ومعرفة المعاني والتفكر والتدبر والتأمل، ثم الانتفاع والتطبيق والعمل!
قال الحسن البصري: والله ما تدبره بحفظ حروفه وإضاعة حدوده، حتى إن أحدهم ليقول قرأت القرآن كله، ما يُرى له القرآن في خلق ولا عمل.[5]
سورة السجدة من القرائن، التي كان يقرن بينها عليه الصلاة والسلام، نتذاكر معكم ما يتعلق ببعض المعاني والمقاصد من تلك السورة العظيمة، إذ ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: ( كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي الجُمُعَةِ فِي صَلاَةِ الفَجْرِ الم تَنْزِيلُ السَّجْدَةَ، وَهَلْ أَتَى عَلَى الإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ ).
وصلاة الفجر يوم الجمعة في جماعة، هي أفضل صلاة من بين خمسة وثلاثين صلاة على مدار الأسبوع، كما في حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، أن النبي عليه الصلاة والسلام يقول: ( أفضلُ الصلواتِ عند اللهِ صلاةُ الصبحِ يومَ الجمعةِ في جماعةٍ ).[6]
وثبت من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه، أن النبي عليه الصلاة والسلام( كَانَ لا يَنامُ حتى يقرأَ الم تَنْزِيلُ السَّجْدَةُ، و تَبارَكَ الذي بيدِهِ الملكُ ).[7]
قراءتها قبل النوم لأن النوم موت أصغر كما قال سبحانه( اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا )، ونحن بحاجة لتذكر هذه الحقيقة، وأنا سائرون إلى الله، وقد تكون هذه آخر لحظات لنا في الدنيا الفانية، فإذا ما استيقظنا لعمل يوم جديد، كانت لنا دافعا لمراقبة الله، وحافزا إيمانيا لطاعة الله والقرب منه.
وقراءتها قبل النوم لما فيها من العبر والتذكير بالموت وبالبعث يوم القيامة وبالجزاء وبالحساب. ومن المناسب للإنسان عند نومه أن يتذكر ما الذي صنعه في هذا اليوم، ويتذكر أنه راجع إلى الله سبحانه، فينوي نية حسنة إذا أحياه الله عز وجل في اليوم التالي أن يؤدي الحقوق لأصحابها، وأن يعمل الخير ويزيد في صلاح نفسه بما يشاء الله عز وجل له.
والحكمة من قراءتها فجر الجمعة، لأنه يوم عظيم يحكي قصة الخلق من البداية إلى النهاية، يقول عليه الصلاة والسلام خيرُ يومٍ طَلَعتْ فيه الشمسُ يومَ الجُمُعةِ، فيه خُلِقَ آدَمُ، وفيه أُهْبِطَ، وفيه تِيبَ عليه، وفيه قُبِضَ، وفيه تقومُ الساعةُ ).[8]
يقول ابن القيم رحمه الله: كان صلى الله عليه وسلم يقرأ هاتين السورتين- السجدة والإنسان- لما اشتملتا عليه من ذكر المبدأ والمعاد، وخلق آدم، ودخول الجنة والنار، وذلك مما كان ويكون في يوم الجمعة، فكان يقرأ في فجرها ما كان ويكون في ذلك اليوم تذكيرا للأمة بحوادث هذا اليوم.[9]
سورة السجدة مكية، وآياتها ثلاثون آية، نزلت بعد سورة النحل، وقبل سورة نوح، سميت بسورة السجدة لاشتمالها على آية السجدة، وهي اسم لحالة معينة يكون عليها الإنسان أثناء صلاته لله عز وجل، لكنها كلمة تنقل هذه الهيئة، هيئة الخضوع الكامل حين يضع جبهته وهو أعلى وأشرف مكان فيه يضعه على الأرض، طائعا لله راضيا به ربا وإلها ومعبودا.
وموضوع هذه السورة ونتيجتها والأثر العملي المترتب عليها وخلاصتها؛ الخضوع لله جل وعلا، لأن السجود أعظم صورة عملية للخضوع والانكسار والافتقار والذل بين يدي الله سبحانه.
سئل الحسن البصري رحمه الله: أين تجد الراحة؟!
فقال: سجدة بعد غفلة، وتوبة بعد ذنب.
ومن أعظم أسباب ومقدمات الوصول إلى الخضوع؛ اليقين الذي لا شك فيه، وهو قوة الإيمان والثبات، حتى كأن الإنسان يرى بعينه ما أخبر الله به رسوله عليه الصلاة والسلام من شدة يقينه، لذلك يعتبر اليقين مادة هذه السورة التي يؤكد الله عليها بطرق وأساليب متنوعة كما سيأتي معنا.
واليقين نجاة، يقول عليه الصلاة والسلام( نجا أوَّلُ هذِهِ الأمَّةِ باليقينِ والزهدِ، ويَهْلِكُ آخرُها بالبخلِ والأمَلِ )[10]، وباليقين تتغلب على متاعب الدنيا وصعابها، إذ كان من دعائه عليه الصلاة والسلام (ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا ).
وكان من دعاء أبي بكر رضي الله عنه: اللهم هب لي إيمانا ويقينا ومعافاة ونية.
وقال خالد بن معدان: تعلموا اليقين كما تعلموا القرآن حتى تعرفوه فإني أتعلمه.
وتتجلى أهمية هذه السورة من اسمها" السجدة"، والصلاة هي أعظم صورة عملية للخضوع لله، والسجود سرها ومن أعظم مقاصدها، وأعلى مراتب السجود سجود القلب باليقين بالله سبحانه، ومحبته والذل والعلم الراسخ المستقر في القلب، والسجود بالمعنى العام هو الخضوع لله جل وعلا في كل لحظة.
المتأمل في هذه السورة يجد أنها ترسخ وتثبت اليقين بحقائق الدين في قلب المسلم، فينتج عنه الخضوع والسجود لله، فترى فيها اليقين والخضوع مترابطان متلازمان متجانسان منسجمان متعانقان.
اللهم انفعنا بالقرآن، وارفعنا بالقرآن، واجعله شفيعنا يوم نلقاك.

1- رمضان-1435هـ

--------------------------------------------
[1]البرهان في علوم القرآن للزركشي، (1/5).
[2](ص:29).
[3]التفسير الوسيط للزحيلي.
[4]التبيان في آداب حملة القرآن للنووي.
[5]تفسير ابن كثير.
[6]السلسلة الصحيحة برقم 1566.
[7]السلسلة الصحيحة برقم 585.
[8]صحيح الجامع برقم 3334، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
[9]زاد المعاد ( 1/202).
[10]حديث حسن، ينظر صحيح الجامع برقم 6746.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 18-12-2020, 09:46 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,615
الدولة : Egypt
افتراضي رد: خواطر قرآنية" سورة السجدة"

خواطر قرآنية" سورة السجدة" ( 2-30 )

أيمن الشعبان

بسم الله الرحمن الرحيم



الحمد لله منزلَ الكتاب، ومجريَ السحاب، ومعلمَ العلوم والآداب، خالقَ الناس من تراب، ناصر المؤمنين العزيزِ الوهاب، والصلاة والسلام على خير من صلى وتاب، وجميع الآل والأصحاب ومن تبعهم إلى يوم المئاب، وبعد:
سورة السجدة آخر سورة من السور التي افتتحت بالحروف المقطعة( الم )، كأخوات لها من السور كسورة البقرة وآل عمران والعنكبوت والروم ولقمان، وهذه الأحرف تشير إلى إعجاز القرآن العظيم وأنه من عند الله، وليس افتراء من عند النبي محمد عليه الصلاة والسلام ولا كذبا من عند غيره، ومن عارض في ذلك فليأتنا بحديث مثله أو بسورة أو بحرف من مثله؟!! وهيهات لهم ذلك!
معنى حروف مقطعة أي أن كل حرف ينطق بمفرده، وفي القرآن تسع وعشرون سورة ابتدأت بهذه الحروف، كلها مكية عدا سورتي البقرة وآل عمران، وعدد الحروف التي جاءت في فواتح السور أربعة عشر حرفا وهي نصف حروف الهجاء.
اختلف المفسرون في الحروف المقطعة التي في أوائل السور، فمنهم من قال: هي مما استأثر الله بعلمه، فردوا علمها إلى الله، ونقل القرطبي في تفسيره هذا القول عن جمع منهم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وعبد الله بن مسعود رضي الله عنهم وغيرهم.
ومنهم من اجتهد في تفسيرها وذكروا عدة أقوال فاقت العشرين، رجح ابن عاشور في تفسيره أنها لتبكيت المعاندين وتسجيلا لعجزهم عن المعارضة.
قال السعدي في تفسيره: وأما الحروف المقطعة في أوائل السور، فالأسلم فيها، السكوت عن التعرض لمعناها "من غير مستند شرعي"، مع الجزم بأن الله تعالى لم ينزلها عبثا بل لحكمة لا نعلمها.
حكى الأصمعي قال: سمعت جارية أعرابية تنشد وتقول:

أستغفر الله لذنبي كله * قبلت إنسانا بغير حله
مثل الغزال ناعما في دله * فانتصف الليل ولم أصله

فقلت: قاتلك الله ما أفصحك! فقالت: أويعد هذا فصاحة مع قوله تعالى : ( وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه.. الآية ) فجمع في آية واحدة بين أمرين ونهيين وخبرين وبشارتين. [1]
في خمسة مواضع ورد قوله تعالى ( تنزيل الكتاب )، في ثلاثة منها ( تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم )، وواحدة (الكتاب من الله العزيز العليم )، والخامسة التي معنا ( تنزيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين ).
( تنزيل ) أي أنه منزل من فوق، وإشارة إلى أن الله فوق سماواته العلي الأعلى، إذ نزل القرآن على مرحلتين:
الأولى: نزل جملة واحدة إلى بيت العزة في السماء الدنيا، قال تعالى ( إنا أنزلناه في ليلة مباركة )[2].
الثانية: نزل منجما – أي مفرقا- بواسطة أمين الوحي جبريل عليه السلام على قلب النبي صلى الله عليه وسلم على مدار ثلاث وعشرين سنة، قال تعالى( وَقُرْآَنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنزلْنَاهُ تَنزيلًا )[3].
( الكتاب )أي: مكتوب؛ لأنه مكتوب في اللوح المحفوظ، ومكتوب في الصحف التي بأيدي السفرة، ومكتوب في المصاحف التي بأيدينا.
افتتحت الآية بالجملة الاسمية لدلالتها على الرسوخ والثبوت والدوام.
يخبر تعالى أن هذا الكتاب الكريم، أنه تنزيل من رب العالمين، الذي رباهم بنعمته[4]، وأن بداية نزوله من الله، وهذا فيه تطمين لكافة الناس بأن أحكامه عدل وصدق وحق وحِكم وإنصاف.
( تنزيل الكتاب ) ( من رب العالمين ) مبتدأ وخبر، لكن جاءت بينهما جملة قبل ذكر الخبر معترضة بين المبتدأ والخبر ( لا ريب فيه )، لأن هذه الجملة تحمل موضوع ومقصود وخلاصة السورة، وهو الخضوع الذي لا يتحقق إلا بيقين ثابت وإيمان راسخ، فناسب أن تأتي جملة( لا ريب فيه ) فتأمل!
( لا ريب فيه ) أي أنه حق لا يتخلله شك ولا تهمة، في هذا التنزيل أنه كتاب رب العالمين.
والريب: هو أدنى درجات الشك، وكأنه أول درجات الشك.
وجود جملة ( لا ريب ) في الوسط تعني، أنك لا تجد طاعنا عنده حق، ولا مدعيا له حجة أن القرآن ليس منزل، أو أن القرآن ليس من عند الله، وهذا من جميل السياق البلاغي في الآية.
فإذا رسخ اليقين في القلوب أن هذا القرآن حق لا ريب فيه؛ في أمره ونهيه.. وعده ووعيده.. مواعظه وأحكامه.. أخباره وقصصه.. سنُقبل عليه بكليتنا، من تلاوة وحفظ وتدبر وتفكر وعمل، حتى نتلذذ ونستأنس بكلام ربنا سبحانه.
فالحياة الحقيقية هي الحياة مع القرآن، والعيش الهانئ في ظلاله، والسعادة الفعلية بالإقبال عليه.
تنزيل الكتاب المتلو لا ريب فيه، ولا شك، وأنه منزل من رب العالمين، وأنه ليس بكذب، ولا سحر، ولا كهانة، ولا أساطير الأولين.[5]
الرب هو المربي لجميع العالمين، بالخلق والإعداد لكل ما ينفعهم ويصلحهم، والإنعام عليهم بالنعم العظيمة، التي لو فقدت لفنيت حياتهم.
وتربيته تعالى لخلقه نوعان: عامة وخاصة.
فالعامة: هي خلقه للمخلوقين، ورزقهم، وهدايتهم لما فيه مصالحهم، التي فيها بقاؤهم في الدنيا.
والخاصة: تربيته لأوليائه، فيربيهم بالإيمان، ويوفقهم له، ويكمله لهم، ويدفع عنهم الصوارف، والعوائق الحائلة بينهم وبينه، وحقيقتها: تربية التوفيق لكل خير، والعصمة عن كل شر. ولعل هذا –المعنى- هو السر في كون أكثر أدعية الأنبياء بلفظ الرب. فإن مطالبهم كلها داخلة تحت ربوبيته الخاصة.[6]
فدل قوله ( رب العالمين ) على انفراده بالخلق والتدبير، والنعم، وكمال غناه، وتمام فقر العالمين إليه، بكل وجه واعتبار.
كلمة ( رب ): توحي بالعطف والرحمة، وأنه لن يضرنا بما أنزل إلينا، لأن الناس اعتادوا أن يسموا الإنسان الملاحظ للشيء المعتني به المحافظ عليه ويحب له الخير يسمى رب، كرب الأسرة.. وربة منزل.. ورب المال وهكذا.
وليس ربك فقط بل هو رب العالمين، بمعنى ربوبيته عظيمة!

فالآية ذكرت أمرين:
أن الله هو الذي أنزل القرآن، وأنه أنزله من قبيل رحمته لا من قبيل قهره وجبروته، مع أنه الجبار القهار المتكبر القوي المتين المنتقم.
العالمون جمع عالَم، وقال العلماء: العالم هو كل موجود سوى الله جل في علاه، فعالم البحار والأشجار والسماء والأرض كل هذه عوالم.
لطيفة: فإن قيل لِمَ جمع" العالمين " جمع قلة مع أن المقام يستدعي الإتيان بجمع الكثرة؟ أجيب بأن فيه تنبيهاً على أنهم وإن كثروا قليلون في جنب عظمته وكبريائه.[7]
واستحضار الجلالة بطريق الإضافة بوصف رب العالمين دون الاسم العلم وغيره من طرق التعريف لما فيه من الإيماء إلى عموم الشريعة وكون كتابها منزلا للناس كلهم بخلاف ما سبق من الكتب الإلهية.
وفيه إيماء إلى أن من جملة دواعي تكذيبهم به أنه كيف خص الله برسالته بشرا منهم حسدا من عند أنفسهم لأن ربوبية الله للعالمين تنبىء عن أنه لا يسأل عما يفعل وأنه أعلم حيث يجعل رسالاته.[8]
المعنى الإجمالي للآية:
إن الكتاب المتلو عليك يا محمد، لا ريب ولا شك في أنه منزل من رب العالمين، وأنه ليس بكذب، ولا سحر ولا كهانة ولا أساطير الأولين.
اللهم انفعنا بالقرآن، وارفعنا بالقرآن، واجعله شفيعنا يوم نلقاك.


-----------------------------------------
[1]تفسير القرطبي.
[2]( الدخان:2).
[3]( الإسراء:106).
[4]تفسير السعدي.
[5]فتح القدير.
[6]تفسير السعدي، كما قال زكريا ( رب هب لي من لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعاء )، وقال إبراهيم( رب هب لي حكما وألحقني بالصالحين )، وقال أيضا ( رب هب لي من الصالحين )، وغيرها من الآيات.
[7]تفسير السراج المنير للشربيني.
[8]تفسير ابن عاشور.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 20-01-2021, 05:48 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,615
الدولة : Egypt
افتراضي رد: خواطر قرآنية" سورة السجدة"

خواطر قرآنية" سورة السجدة" ( 3-30 )
أيمن الشعبان

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله منزلَ الكتاب، ومجريَ السحاب، ومعلمَ العلوم والآداب، خالقَ الناس من تراب، ناصر المؤمنين العزيزِ الوهاب، والصلاة والسلام على خير من صلى وتاب، وجميع الآل والأصحاب ومن تبعهم إلى يوم المئاب، وبعد:
تبتدئ السورة الكريمةُ بدفع الشك والارتياب عن القرآن العظيم، المعجزة الكبرى لرسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي لا تحوم حول ساحته الشبهات والأباطيل، ومع وضوح إِعجازه، وسطوع آياته، وإشراقة بيانه، وسموّ أحكامه، اتهم المشركون الرسول بأنه افترى هذا القرآن، واختلقه من تلقاء نفسه، فجاءت السورة الكريمة تردُّ هذا البهتان، بروائع الحجة والبرهان.
( أم يقولون افتراه ) أم تسمى الإضرابية المنقطعة، كأنه يقول: أضرب عن هذا وينتقل من حديث إلى آخر.
أم هنا: بمعنى بل الإضرابية، التي تنتقل من شيء إلى شيء، من كلام إلى غيره.
فكأن الله سبحانه بعد أن بين صدق القرآن وأنه منزل من رب العالمين، وحصل بذلك اليقين في قلوب المؤمنين، يقول لنبيه عليه الصلاة والسلام: انتظر ننتقل لشيء ومعنى آخر ( بل أيقولون افترى هذا القرآن؟!! ).
ونظم الكلام: أنه أشار أولاً إلى إعجازه، ثم رتب عليه أن تنزيله من رب العالمين، وقرر ذلك بنفي الريب عنه، ثم أضرب عن ذلك إلى ما يقولون فيه على خلاف ذلك إنكاراً له وتعجيباً منه، فإن أَمْ منقطعة ثم أضرب عنه إلى إثبات أنه الحق المنزل من الله، وبين المقصود من تنزيله فقال: ( لِتُنْذِرَ قَوْماً مَّا أَتاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ ) إذ كانوا أهل الفترة. ( لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ ) بإنذارك إياهم.[1]
الإنذار: هو الإعلام بما يخوِّف طلبا للحذر.
مع أن النبي عليه الصلاة والسلام بعث نذيرا وبشيرا، لكن لا تتناسب مع الجاهلية والشرك وتفشي الظلم والعادات السيئة إلا الإنذار، ويأتي دور البشارة بعد إسلامهم ونصرتهم للدين.
لذلك ينبغي على الداعية مراعاة أحوال المخاطبين، والانتفاع من هذا الأسلوب القرآني البديع، فمن فرط وقصر في دينه وضيع أوامر الله، لا تناسبه البشارة، بل لابد من التخويف وما يرقق قلبه.
وكما يقال: لكل مقام مقال، وهذا ينسحب على جميع تعاملاتنا الحياتية اليومية مع الآخرين، فتأمل.
فقال ( لتنذر ) ولم يقل ( لتبشر ) لعدم وجود مؤمن على وجه الأرض يبشر، وهذا من الحكمة ومناسبة الخطاب للحال والمقام.
( لعلهم يهتدون ) فيها أن مصلحة إنذارهم وإرسال الرسل إليهم، عائدة إليهم.
لذلك يا أيها العاصي المقصر: لو نصحك ناصح أو أراد صديق تقويم اعوجاج فيك، فلا تتكبر وتصم آذانك عن سماع النصيحة، فإنما ينصحك لمصلحتك وهدايتك.
إذن وظيفة الرسل هداية الناس ودعوتهم إلى الخير وما فيه صلاحهم، ( لتخرج الناس من الظلمات إلى النور )، ( وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ )[2].
لعل وعسى في لغة العرب معناها الترجي والتوقع، لكن في لغة الله والأسلوب القرآني معناها التحقيق، فمن أنذرته بهذه الرسالة وهذا التنزيل فتذكر واستجاب سيحصل له الهداية يقينا.
في الآية تسلية للنبي عليه الصلاة والسلام، فلا تحزن عليهم يا خير البشر وأكمل الرسل، ولا تلتفت لقولهم هذا، بل هو الحق الثابت الذي لا مرية في نزوله من ربك، الذي اصطفاك من بين البرايا بالرسالة.
كذا المؤمن ينبغي أن لا يكترث من أقوال أهل الباطل، في مسيرته العلمية ودعوته الإصلاحية، الذين يريدون إضعاف عزيمته وكسر إرادته، وتثبيطه عما معه من حق وصدق، كما قال تعالى ( فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ )[3]، وهذا مما يدل على أن كل مؤمن موقن رزين العقل يسهل عليه الصبر، وكل ضعيف اليقين ضعيف –العقل- خفيفه[4].
ومن إرشادات الآية: أن الداعية إلى الله، الذي يحمل هم الدين وقضايا الأمة، سيتعرض لأذى وابتلاء ومحن من الناس، فليستعد لذلك وليستمر بطريقته في بيان الحق والخير للناس، عسى أن يكون سببا في هدايتهم واستقامتهم.
العرب عند بعثة النبي عليه الصلاة والسلام، أمة فصاحة وبلاغة وبيان، بل وصلوا ذروة وقمة في ذلك، حتى كان لهم قبل الإسلام سوق عكاظ وذي المجاز، مضمار للتباري والمنافسة في الأدب والشعر، فعجيب أن يقابل كلام الله المعجز بهذا الاتهام والافتراء!
والأعجب أن لا يميزوا بين كلام الله وكلام البشر، وقد تحداهم سبحانه وتحدى فصاحتهم وبلاغتهم، ومعلوم أن التحدي يكون للقوي لا للضعيف، وهذه شهادة لهم بما وصلوا إليه من بلاغة، وتحدي يحسب لهم!
لكن لما عجزوا عن الإتيان بمثله، راحوا يتهمونه ويتهمون رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدة تهم؛ فقالوا: شاعر.. ساحر.. مجنون.. كاهن، ومرة يقولون: بل يعلمه أحد الأعاجم! وهذا حال المفلسين برد الحجة بتهم باطلة!
لذلك إذا رأيت من يرد ما معك من حق وصدق وأدلة وبراهين وخير، بمجرد السب والشتم والتكذيب المجرد ومعارضة الحجج بالأهواء، فاعلم أن مفلس وصاحب باطل!
ولما لم يجدوا مطعنا في القرآن، اعترفوا بأنه كلام الله لكن كان اعتراضهم أن ينزل على هذا الرجل بالذات ( وَقَالُواْ لَوْلاَ نُزِّلَ هذا القرآن على رَجُلٍ مِّنَ القريتين عَظِيمٍ )[5].
الحق: هو الشيء الثابت الذي لا يطرأ عليه التغيير، والقرآن حق لا يأتيه الباطل من بين يديه، ولا من خلفه، تنزيل من حكيم حميد.
( لعلهم يهتدون ) إشارة إلى أهمية الحرص على هداية الناس وحب الخير والصلاح لهم، وبذل كل الأسباب المباحة والممكنة في سبيل هدايتهم، كما قال تعالى ( لتخرج الناس من الظلمات إلى النور ).
فيا أيها المسلم: إذا رأيت نقصا أو قصورا أو بعدا عن الله من شخص، فلا تتركه واحرص على هدايته بحكمة وموعظة حسنة.
الأشياء التي ذكرها الله في هذه الآية والتي قبلها، مناقضة لتكذيبهم له: وإنها تقتضي منهم الإيمان والتصديق التام به، وهو كونه {من رب العالمين} وأنه {الحق} والحق مقبول على كل حال، وأنه {لا ريب فيه} بوجه من الوجوه، فليس فيه، ما يوجب الريبة، لا بخبر لا يطابق للواقع ولا بخفاء واشتباه معانيه، وأنهم في ضرورة وحاجة إلى الرسالة، وأن فيه الهداية لكل خير وإحسان.[6]
وعلم من قوله( لعلهم يهتدون ) أن المقصود من البعثة تعريف طريق الحق، وكل يهتدي بقدر استعداده، إلا أن لا يكون له استعداد أصلا، كالمصرين، فإنهم لن يقبلوا التربية والتعريف، وكذا من كان على جبلتهم إلى يوم القيامة.[7]
اللهم انفعنا بالقرآن، وارفعنا بالقرآن، واجعله شفيعنا يوم نلقاك.


--------------------------------------------
[1]تفسير البيضاوي.
[2] ( المؤمنون: 93).
[3]( الروم:60 ).
[4]تفسير السعدي.
[5]( الزخرف:31 ).
[6]تفسير السعدي.
[7]تفسير حدائق الروح والريحان.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 11-02-2021, 01:31 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,615
الدولة : Egypt
افتراضي رد: خواطر قرآنية" سورة السجدة"

خواطر قرآنية" سورة السجدة" ( 4-30 )
أيمن الشعبان

بسم الله الرحمن الرحيم



الحمد لله منزلَ الكتاب، ومجريَ السحاب، ومعلمَ العلوم والآداب، خالقَ الناس من تراب، ناصر المؤمنين العزيزِ الوهاب، والصلاة والسلام على خير من صلى وتاب، وجميع الآل والأصحاب ومن تبعهم إلى يوم المئاب، وبعد:
يقول سبحانه ( اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ ).
بعد أن أثبت سبحانه صحة الرسالة، بيّن ما يجب على الرسول من الدعوة إلى توحيد لله، وإقامة الأدلة على ذلك.
( وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ )[1]، لذلك ينبغي أول وأهم ما يبدأ به الداعية ويركز عليه ويستحضره دائما، الدعوة إلى توحيد الله وتحقيق العبودية في المجتمعات.
قال عليه الصلاة والسلام: يا معاذُ ! تدري ما حقُّ اللهِ على العبادِ وما حقُّ العبادِ على اللهِ ؟ " قال قلت : اللهُ ورسولُه أعلمُ . قال : " فإن حقَّ اللهِ على العبادِ أن يعبدوا اللهَ ولا يشركوا به شيئًا . وحقُّ العبادِ على اللهِ عزَّ وجلَّ أن لا يعذبَ من لا يشركُ به شيئًا " قال قلت : يا رسولَ اللهِ ! أفلا أبشرُ الناسَ ؟ قال : " لا تُبشرْهم . فيتَّكلوا " .[2]
هنا يشرع سبحانه بالتعريف برب العالمين في الآية الثانية، استكمالا لما سبق وإن فصل بينهما فاصل لضرورة الكلام.
حينما أنزل القرآن كان لفظ ( رب العالمين )، من التربية والرحمة والعناية، لكن بعد أن قالوا( افتراه ) لابد من التهديد والتخويف، فقال ( الله الذي خلق .. )، دقة عجيبة في الألفاظ والسياق، فمراعاة هذه الأمور بهذه الدقة في كل القرآن لا تأتي إلا من إله حق عظيم.
الله: اسم علم على الله وحده لا شريك له، ولم يتسم بها أحد إلا الله.
الله يعني المعبود وحده والذي يستحق أن يعبد وحده هو الرب الذي خلق السموات والأرض فمقتضى ربوبيته أنه يخلق.
وفي هذا اللفظ والاسم إعجاز ودليل على أن الله هو الإله الحق الذي يستحق العبادة وحده، فلم يتسم بهذا أي كافر ممن ادعى الألوهية كفرعون والنمرود وذو نواس وغيرهم، قال فرعون ( ما علمت لكم من إله غيري )، لكن لفظ ( أنا الله ) لم يقلها إلا الله جل في علاه ( إنني أنا الله ).
ثم ذكرت السورة أعظم ما يجب على المسلم أن يوقن به وهو توحيد الله وعظمته، من خلال ذكر أعظم المخلوقات وتكرر هذا في سبع سور منها السجدة، هكذا تبعث اليقين لعظمة الله في قلب المسلم.
لما كان الركن الأعظم من أركان هدى الكتاب، هو إثبات الوحدانية للإله وإبطال الشرك عقب الثناء على الكتاب بإثبات هذا الركن.[3]
الله سبحانه خلق مليارات من الكواكب والنجوم والشموس والأقمار، ولكن ذكرت الأرض لأن الإنسان يعيش عليها، فيرى آيات الله عز وجل فيها، من جماد ونبات وحيوان وإنسان وطير.
الله عز وجل قادر أن يخلق العوالم جميعا بلحظة، ولكن أراد أن يرينا حكمته وصبره وحلمه، كما أنه خلق آدم بمراحل ليرينا مقتضى أسماءه الحسنى وأنه الحليم الحكيم العليم الصبور سبحانه.
وتفصيل الخلق أن إيجاد الأرض كأرض في يومين، وإيجادها كأرض وتدبيرها في أربعة أيام، بما فيها الخلق من العدم والإيجاد، وجعل فيها رواسي وبارك فيها أقواتها.
الأرض هذا الكوكب الصغير، دبر أمره في أربعة أيام وكان قادرا أن يكون في لحظة، والسماوات التي هي أعظم بكثير من الأرض في يومين! ليعيش عليه الإنسان ليبتلى ثم بعدها إما إلى جنة أو إلى نار.
فخلق الله هذه كلها من كواكب وشموس وأقمار وسبع سموات كل سماء فيها أمرها وتدبيرها وإحكامها وهذا كله في السماء الدنيا وكلما خرجنا خارجها لاتسع الكون الثانية أوسع الثالثة أوسع وهكذا السابعة أوسع ثم سدرة المنتهى، فهذا كون عظيم .
الكون فيه مليارات المجرات، والأرض ضمن مجرة واحدة تسمى " درب التبانة"، فيها الشمس والقمر والنجوم والكواكب، والأرض بجوار السماوات كحلقة في فلاة!
الحكمة من خلق السموات والأرض في ستة أيام:
قال القرطبي: ولو أراد خلقها في لحظة لفعل؛ إذ هو القادر على أن يقول لها كوني فتكون، ولكنه أراد أن يعلم العباد الرفق والتثبت في الأمور، ولتظهر قدرته للملائكة شيئا بعد شيء.
وحكمة أخرى: خلقها في ستة أيام لأن لكل شيء عنده أجلا.
وبين بهذا ترك معاجلة العصاة بالعقاب، لأن لكل شيء عنده أجلا.
قال ابن الجوزي: أن ذلك الإمهال في خلق شيء بعد شيء، أبعد من أن يُظن أن ذلك وقع بالطبع أو بالاتفاق .
( ثم استوى على العرش ) العرش مخلوق، استواء يليق به من غير تشبيه ولا تكييف ولا تمثيل ولا تحريف ولا تأويل ولا تعطيل نثبت له صفاته كما أثبتها لنفسه.
ما النتيجة قال(ما لكم من دونه من ولي ولا شفيع أفلا تتذكرون ).
( ما لكم من دونه من ولي ولا شفيع ) الله الذي خلق هذا كله يرينا كمال قدرته وعظيم قوته القوي العزيز، فكيف تلجأ إلى غيره وتطلب النصر من غيره، فلا يملك لكم أحد من دونه شيئا.
والولي: مشتق من الولاء، بمعنى: العهد والحلف والقرابة. ومن لوازم حقيقة الولاء النصر والدفاع عن المولى. وأريد بالولي: المشارك في الربوبية.
والشفيع: الوسيط في قضاء الحوائج من دفع ضر أو جلب نفع. والمشركون زعموا أن الأصنام آلهة شركاء لله في الإلهية ثم قالوا: ( هؤلاء شفعاؤنا عند الله )، وقالوا: ( ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى )[4].
والخلاصة: فإياه فاتخذوه وليّا، وبه وبطاعته فاستعينوا على أموركم، فإنه يمنعكم ممن أرادكم بسوء، ولا يقدر أحد على دفع السوء عنكم، إذا هو أراد وقوعه بكم، لأنه لا يقهره قاهر، ولا يغلبه غالب.[5]
لم يقل ( تذكرون ) قال ( تتذكرون ) توكيدا لترسيخ اليقين في القلوب!
هكذا يتيقن المسلم بربه جل وعلا أنه الخالق المدبر المستحق للعبادة وحده.
فالذي يشرك بالله ليس عنده يقين، ويطلب من القبور ويسألهم الحاجات ليس عنده يقين.
كما قال موسى لفرعون ( قال رب السموات والأرض وما بينهما إن كنتم موقنين ).
كيف توقن أن الله هو الخالق الرازق ثم تعبد غيره؟!!
وهكذا الإنسان إذا تعلق قلبه بأسباب مادية، بطبيب أو دواء بوظيفة، وإذا فصل قال انقطع رزقي وجزع وتسخط!! هذا ليس عنده يقين لأن الأمر لله ( ما لكم من دونه من ولي ولا شفيع ).
فلا ينبغي أن يتعلق قلبه لا بمسؤول ولا واسطة ولا شيء.
من تيقن بعظمة الله وعرف الله بأسماءه وصفاته أقبل على عبادته وذكره.
كما قال بعض السلف: من عرف ربه أحبه.
يقول بعض السلف: ثلاثة من أعلام اليقين:
النظر إلى الله في كل شيء.
والرجوع إليه في كل أمر.
والاستعانة به في كل حال.
( أفلا تتذكرون ) التذكر عكس النسيان ويأتي بمعنى التدبر والعظة، فهلا اتعظتم بذلك أن كل إنسان خلق وأتى إلى الكون وحده ويموت وحده ويبعث يوم القيامة وحده ويحاسب وحده ويقف وحده أمام الله وفي قبره وحده ويجيب وحده عندما يأتيه الملكان، فهلا اتعظتم بذلك وتذكرتم وعبدتم الله وأخلصتم له دينكم.
اليقين القوي الراسخ الثابت في عظيم خلق الله؛ يدفعنا للتأمل والتفكر ثم يظهر أثر ذلك من الخضوع بطاعة الله وذكره وسؤاله الجنة والنجاة من النار، قال سبحانه ( إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ . الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ . رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ )[6].
اللهم انفعنا بالقرآن، وارفعنا بالقرآن، واجعله شفيعنا يوم نلقاك.


----------------------------------
[1] ( النحل: 36).
[2] متفق عليه.
[3]التحرير والتنوير.
[4]التحرير والتنوير.
[5] تفسير المراغي.
[6] ( آل عمران: 19-192).
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 11-02-2021, 01:33 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,615
الدولة : Egypt
افتراضي رد: خواطر قرآنية" سورة السجدة"

خواطر قرآنية" سورة السجدة" ( 5-30 )
أيمن الشعبان

بسم الله الرحمن الرحيم



الحمد لله منزلَ الكتاب، ومجريَ السحاب، ومعلمَ العلوم والآداب، خالقَ الناس من تراب، ناصر المؤمنين العزيزِ الوهاب، والصلاة والسلام على خير من صلى وتاب، وجميع الآل والأصحاب ومن تبعهم إلى يوم المئاب، وبعد:
لا زلنا معكم وهذه الخواطر والتأملات مع سورة السجدة، لنتعرف أكثر وأكثر ونزداد يقينا بأن الله تعالى هو المستحق للسجود، ولا يسجد لغيره لأنه لا مثيل له.
في هذه الآية بين لنا الأمر وتدبير السماوات والأرض، بعد أن بين خلقها، والله سبحانه بين أن له الخلق والأمر ( ألا له الخلق والأمر ).
فالله خلق وبيده الأمر، فهو الذي يصدر الأمر فلا أمر لسواه سبحانه، فهو خلق وأمره كائن في خلقه قضاء في الخير وقدرا في الشر، والسماوات قامت بأمره والأرض قامت بأمره والبشر قاموا بأمره والملائكة والدنيا والآخرة.
( يدبر الأمر ) أي أمر الخلق وهو سبحانه قيوم عليه، وأمر الدنيا وشأنها وحالها، والأمور التي تقع فيها، وهو تمثيل لإظهار عظمته، كما يصدر الملك أوامره، ثم يتلقى من أعوانه ما يدل على تنفيذها.
الأمر ينزل من الله أوامر، ثم يعرج بالنتائج، ماذا فعل البشر بأوامر الله القضائية والقدرية.
( يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ) الأمر الشرعي والقدري، فيقدر ما يشاء ويشرع ما يشاء، بحكمته ورحمته ولطفه.
لو أرسل لك صديق رسالة من مكان بعيد، لاشك يكون لها وقع وشأن وعظمة في قلبك، كيف إذا استشعرت أن هذه الأوامر من السماء إلى الأرض! هذا مما يبعث اليقين والتعظيم لأمر الله، وإذا تفكرت بمخلوقات الله وأوامره تزداد يقينا بعظمته جل وعلا وأسماءه وصفاته.
يقول عليه الصلاة والسلام: ( يتعاقبونَ فيكم، ملائكةٌ بالليلِ، وملائكَةُ النهارِ، ويجتمعونَ في صلاةِ الفجْرِ والعْصرِ، ثُمَّ يعْرُجُ الذين باتوا فيكم، فيسألُهم وهُوَ أعلَمُ بِهم: كيفَ تَرَكْتُمْ عبادي؟ فيقولونَ: تركناهم وهم يصلُّونَ، وأتيْناهم وهم يصلُّونَ ).[1]
هنا لابد من وقفة تأمل، وينبغي لكل إنسان أن يسأل نفسه، ما هي الحال التي ستخبر بها الملائكة ربها من أعمالك؟!!
فيأتي هذا الأمر من السماء، فينزل به الملك أو جبريل أو إسرافيل في يوم واحد، ولا نقدر إدراكها ولا في ألف سنة بما آتاكم الله من آلات وقدرات ( يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السموات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان ) يعني بأمر الله، فلا تقدرون أن تتجاوزوا قدركم ولا ما آتاكم الله من أشياء.
( من السماء ) أي جهة العلو، والله مستو على عرشه ومن علياءه يدبر الأمر.
من هداية الآية وفوائدها:
أن الله سبحانه عليم حكيم خبير، يدبر شؤون الخلق بعلم وحكمة وقدرة واسعة، مع أنه الغني عن إرسال الملائكة بالأمر ثم العروج بأثر تلك الأوامر.
نستفيد من ذلك أن رئيس الدولة والخليفة والوزير والمسؤول والمدير، وكل من له منصب وتحته رعية، ينبغي أن يدير ويدبر أمور الناس بعلم ودراية، من خلال خلطتهم ومعرفة ما يصلحهم عن قرب.
كان عليه الصلاة والسلام يتفقد أحوال المسلمين ويخالطهم، ويتحمل معهم هم الحياة والأعباء، كما قال تعالى ( عزيز عليه ما عنتم بالمؤمنين رؤوف رحيم )، فكان يؤمهم بالصلاة، ويدخل بيوتهم ويأكل معهم، وينصحهم بما يحتاج إلى تعديل وتغيير.
عن عبد الله بن عامر بن ربيعة قال: أتى رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ في بيتِنا وأنا صبيٌّ قال: فذهبتُ أخرجُ لألعبَ فقالت أمي: يا عبدَ اللهِ تعالَ أُعطيكَ، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: وما أردتِ أن تُعطيه؟ قالت: أُعطيه تمرًا قال: فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ أما إنك لو لم تُعطِه شيئًا كُتبتْ عليكِ كَذِبةٌ.[2]
يقول أنس بن مالك رضي الله عنه: إنْ كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم ليُخالِطُنا،حتى يقولَ لأخٍ لي صغيرٍ: يا أبا عُمَيْرٍ، ما فعل النُّغَيْرُ؟[3]
فالله سبحانه رغم علوه في السماء، إلا أنه يراهم ويشرّع لهم ( يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ).
ألف سنة هو منتهى العدد عند العرب، وأحيانا يطلق ولا يراد معناه بل كناية عن الكثرة، ويستعمل أحيانا هذا الأسلوب عندما تقول لشخص: أنا قلت لك ألف مرة لا تعمل كذا وكذا! فيعبر عن الكثرة وإن لم يقصد به حقيقة العدد.
فالمقصود بالمسافة هنا، هي ألف سنة أو ما يزيد عن الألف، بمعنى أنها مسافة طويلة جدا جدا.
وكان سليمان عليه السلام يتفقد الرعية كما قال تعالى ( وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِي لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنْ الْغَائِبِينَ )[4].
وقول عمر رضي الله عنه: لَوْ أَنَّ سَخْلَةً بِشَاطِئِ الْفُرَاتِ أَخَذَهَا الذِّئْبُ لَيُسْأَلُ عَنْهَا عُمَرُ.
أن التدبير الحكيم الناجح لشؤون الرعية، الذي يكون عن علم وخبرة ودراية بأحوالهم، وهذا لا يحصل إلا بالخلطة والقرب منهم ومعرفة أمورهم.
اللهم انفعنا بالقرآن، وارفعنا بالقرآن، واجعله شفيعنا يوم نلقاك.

---------------------------------------
[1]صحيح الجامع برقم 8019.
[2]السلسلة الصحيحة.
[3]متفق عليه.
[4]( النمل: 20 ).




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 11-03-2021, 05:17 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,615
الدولة : Egypt
افتراضي رد: خواطر قرآنية" سورة السجدة"

خواطر قرآنية" سورة السجدة" ( 6-30 )
أيمن الشعبان

بسم الله الرحمن الرحيم



الحمد لله منزلَ الكتاب، ومجريَ السحاب، ومعلمَ العلوم والآداب، خالقَ الناس من تراب، ناصر المؤمنين العزيزِ الوهاب، والصلاة والسلام على خير من صلى وتاب، وجميع الآل والأصحاب ومن تبعهم إلى يوم المئاب، وبعد:
من يتفكر بعظيم مخلوقات الله، وجميل تدبيره لأوامره؛ يزداد يقينا بقدرته وقوته وأسماءه وصفاته، لذلك قال ( ذلك عالم الغيب والشهادة العزيز الرحيم ).
( ذلك ) اسم إشارة للبعيد وهنا للتعظيم، وهي إشارة إلى عظمة الرب سبحانه، الذي رأيتم من صفاته وقدراته الإله العظيم المقدار، هو عالم الغيب والشهادة.
ذلك أي المدبر عالم الغيب أي ما غاب عن العباد وما يكون، والشهادة أي ما علمه العباد وما كان، العزيز: أي الغالب على أمره، الرحيم: أي بالعباد في تدبره الذي أحسن كل شيء خلقه أي أحكم خلق كل شيء.[1]
وفيه إيماء بأنه عزّ وجلّ متفضل فيما يفعل جلّ وعلا.[2]
لا جرم أن المتصرف بذلك الخلق والتدبير عالم بجميع مخلوقاته ومحيط بجميع شؤونها فهو عالم الغيب، أي: ما غاب عن حواس الخلق، وعالم الشهادة، وهو ما يدخل تحت إدراك الحواس، فالمراد بالغيب والشهادة: كل غائب وكل مشهود.[3]
كثير من الناس عند حصولهم على شهادات في الذرة والطب والهندسة وغيرها، يشار لهم بالبنان؛ عالم ذرة وعالم طب، وحتى يعلم كل واحد حجمه ومدى معلوماته قال سبحانه فيهم ( وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ . يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ )[4].
لكن الله يعلم كل شيء فهو الإله، ولا يكون إلها وهو يجهل شيئا، وهذا مؤهل قوي من مؤهلات الألوهية، يجعلنا نسجد لله خضوعا ونحن راضون موقنون مقتنعون قناعة كاملة.
لقد حظيت صفة العلم في نصوص القرآن مكانة خاصة، لأن الأثر المترتب عليها بالنسبة للإنسان بالغ الأهمية، من خلال مراقبة الله التي تجعل قلب المؤمن مستحضر عظمة الله في قلبه، ما يصرفه عن المعاصي والآثام.
والمقصود هو علم الغيب لأنهم لما أنكروا البعث وإحياء الموتى كانت شبهتهم في إحالته أن أجزاء الأجسام تفرقت وتخللت الأرض، ولذلك عقب بقوله بعده ( وقالوا أإذا ضللنا في الأرض أإنا لفي خلق جديد ) وأما عطف والشهادة فهو تكميل واحتراس.[5]
وتقدم الغيب على الشهادة: لأن علم الغيب أمدح، لأن الغيب عنا أكثر من المشاهدة، ولأنه تعالى يعلمه قبل أن يكون.[6]
البشر يعلمون ظاهر الأشياء ابتداء، ثم إن تيسر علموا بواطنها ضمن إدراك عقولهم، فلو رأيت نوع من الفاكهة نراه شكلا – ظاهرا- جميلا، لكن ما هو طعمه؟! ننتظر بعد أكله.
فعلومنا تبدأ بالظاهر وربما تصل لشيء من الباطن، لكن من قدرة الله وعظمته أنه يعلم الغيب والشهادة، وأحيانا يذكر الله فقط الغيب ( عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا ) لأنه لو علم الغيب من باب أولى الشهادة.
فكل ما غاب عنا من أشياء يعلمها الله؛ ما يخفيه بعضنا عن بعض، ما غيبه الإنسان في ضميره، ما سيفعله الإنسان ولم ينوه بعد، ما أسره الإنسان لغيره، كل ذلك يعلمه الله.
( أَوَلَا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ )[7].
( وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ )[8].
( وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ )[9].
( يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ )[10].
فالله سبحانه يعلم ما كان وما يكون، وما لم يكن لو كان كيف يكون، فعلمه محيط بكل شيء ( أَلَا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ )[11].

والعلم الإلهي مراتب:
الأولى: علمه بالشيء قبل كونه.
الثانية: علمه بالشيء وهو في اللوح المحفوظ.
الثالثة: علمه بالشيء حال كونه وتنفيذه.
الرابعة: علمه بالشيء بعد كونه وإنفاذه.
العزيز مناسب لما قبله، فالعليم لا يخفى عليه شيء، فمهما أراد الإنسان إخفاء شيء أو المغالبة في إخفاءه، فالله الغالب الذي لا يُغلَب، والله غالب على أمره، القاهر فوق عباده، إذا قضى أمرا لابد أن يكون على ما قضاه.
ومع ذلك فهو الرحيم اللطيف بعباده جل وعلا، فالرحيم اختصاص بعباده المؤمنين المطيعين المستقيمين على أوامره، والرحمن لكل خلقه.
اليقين بهذه المعاني، يجعل المسلم يخضع لربه فينقاد إليه طائعا ويستسلم إليه مخبتا، ويزداد خوفا من عذاب الله وعقابه، فيستحضر عظمة الله في كل حركاته وسكناته.
ومناسبة وصفه تعالى بالعزيز الرحيم عقب ما تقدم، أنه خلق الخلق بمحض قدرته بدون معين، فالعزة وهي الاستغناء عن الغير ظاهرة، وأنه خلقهم على أحوال فيها لطف بهم، فهو رحيم بهم فيما خلقهم، إذ جعل أمور حياتهم ملائمة لهم فيها نعيم لهم وجنبهم الآلام فيها. فهذا سبب الجمع بين صفتي العزيز والرحيم هنا على خلاف الغالب من ذكر الحكيم مع العزيز.[12]
قول ربنا ( العزيز الحكيم ) وكذلك ( عزيزا حكيما ) وردت في القرآن في أربع وثلاثين موضعا، أما قوله تعالى ( العزيز الرحيم ) وردت ثلاث عشرة مرة.
فمن يأخذه التواضع ويرحم من هو أضعف منه وهو قوي؟! لأنها معادلة صعبة في عالمنا، يندر أن تجد قوي ويرحم، فيصعب على العقل استيعاب هذه الحقيقة في ذات الله، أن العزة تصاحبها رحمة.

هنالك آثار إيمانية وفوائد عملية لتلك الآية العظيمة منها:
- يقين المؤمن الدائم أن الله مطلع على كل ما يقترفه، يدفعه دائما للطاعات ومجانبة السيئات، حتى يرقى إلى مرتبة الإحسان.
- الغفلة عن هذا المعنى، تدفع الإنسان إلى بحر مظلم من الذنوب وظلم النفس وضعف الإيمان.
- يقين المؤمن بأن الله يعلم سره ونجواه، يدفعه لعدم الجرأة على حدود الله، كذلك إتقان الأعمال المكلف بها بما يتعلق بالفرائض أو حتى المهام والوظيفة الدنيوية.
فمهما تكن عند من امرئ من خليقة *** وإن خالها تخفى على الناس تعلم
- ينبغي تربية الأبناء على معاني مراقبة الله، وعظيم علمه، كما في وصية لقمان لابنه.
- أن يقف المؤمن عند حدود ما يدركه عقله، ولا يصدق الكهان والعرافين والمنجمين، أو يذهب عندهم! ومن ذلك معرفة الحظ عن طريق الأبراج وغيرها من الطرق!
- فضيلة العلم والتعلم، فالله العليم يحب العلماء، وما أوتي الإنسان نعمة بعد الإيمان أعظم من العلم.
- ينبغي للقوي كلما ازدادت قوته يتواضع أكثر ويتراحم ويتعاطف مع الآخرين، وهذه أخلاق الكبار، ولا يتكبر أو يترفع عندها سيقع في الظلم.
- الحق سبحانه يُعلِّمنا أن الآمر لا بد أنْ يتابع المأمور.[13]
اللهم انفعنا بالقرآن، وارفعنا بالقرآن، واجعله شفيعنا يوم نلقاك.


-------------------------------------------
[1]تفسير القاسمي.
[2]روح المعاني.
[3]تفسير ابن عاشور.
[4]( الروم: 6-7 ).
[5]ابن عاشور.
[6] ابن جماعة.
[7]( البقرة:77).
[8]( البقرة:235).
[9]( المائدة: 99 ).
[10]( غافر:19 ).
[11]( فصلت:54).
[12]ابن عاشور.
[13] الشعراوي.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 11-03-2021, 05:17 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,615
الدولة : Egypt
افتراضي رد: خواطر قرآنية" سورة السجدة"

خواطر قرآنية" سورة السجدة" ( 7-30 )
أيمن الشعبان


بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله منزلَ الكتاب، ومجريَ السحاب، ومعلمَ العلوم والآداب، خالقَ الناس من تراب، ناصر المؤمنين العزيزِ الوهاب، والصلاة والسلام على خير من صلى وتاب، وجميع الآل والأصحاب ومن تبعهم إلى يوم المئاب، وبعد:
يتجدد اللقاء معكم في واحة القرآن، وعلى مائدة سورة السجدة، التي تدور أبرز مواضيعها على أهمية الخضوع لله سبحانه، من خلال اليقين بأن هذا القرآن حق منزل من عند الله، وأن الله خالق السماوات والأرض المستحق للعبادة، القائم بشؤون العباد يدبر الأمر ويعلم السر وأخفى، ينذر الكافرين بعذاب الله، ويبشر المؤمنين بالنعيم المقيم.
لما ذكر الله خلق السماوات والأرض شرع في ذكر خلق الإنسان فقال ( الذي أحسن كل شيء خلقه) أي أتقن وأحكم وحسَّن كل المخلوقات وهذا عام، ( وبدأ خلق الإنسان من طين ) بخلق آدم عليه السلام.
ما من شيء خلقه إلا وهو مرتب على ما اقتضته الحكمة، وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ يعني آدم مِنْ طِينٍ، ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ أي ذريته مِنْ سُلالَةٍ أي من نطفة مِنْ ماءٍ مَهِينٍ أي ضعيف ممتهن. والسلالة الخلاصة.[1]
في الآية ارْتِقَاءٌ فِي الِاسْتِدْلَالِ مَشُوبٌ بِامْتِنَانٍ عَلَى النَّاسِ، أَنْ أَحْسَنَ خَلْقَهُمْ فِي جُمْلَةِ إِحْسَانِ خَلْقِ كُلِّ شَيْءٍ وَبِتَخْصِيصِ خَلْقِ الْإِنْسَانِ بِالذِّكْرِ.
وَالْإِحْسَانُ: جَعْلُ الشَّيْءِ حَسَنًا، أَيْ مَحْمُودًا غَيْرَ مَعِيبٍ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ وَافِيًا بِالْمَقْصُودِ مِنْهُ فَإِنَّكَ إِذَا تَأَمَّلْتَ الْأَشْيَاءَ رَأَيْتَهَا مَصْنُوعَةً عَلَى مَا يَنْبَغِي فَصَلَابَةُ الْأَرْضِ مَثَلًا لِلسَّيْرِ عَلَيْهَا، وَرِقَّةُ الْهَوَاءِ لِيَسْهُلَ انْتِشَاقُهُ لِلتَّنَفُّسِ، وَتَوَجُّهُ لَهِيبِ النَّارِ إِلَى فَوْقُ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ مِثْلَ الْمَاءِ تَلْتَهِبُ يَمِينًا وَشِمَالًا لَكَثُرَتِ الْحَرَائِقُ فَأَمَّا الْهَوَاءُ فَلَا يَقْبَلُ الِاحْتِرَاقَ.[2]
ولما كان الحيوان أشرف الأجناس، وكان الإنسان أشرفه، خصه بالذكر ليقوم دليل الوحدانية بالأنفس كما قام قبل بالآفاق، فقال دالاً على البعث: {وبدأ خلق الإنسان} أي الذي هو المقصود بالخطاب بهذا القرآن {من طين} أي مما ليس له أصل في الحياة بخلق آدم عليه السلام منه.[3]
الإحسان إلى الخلق وإتقان صنعهم من صفات الخالق كما قال سبحانه ( صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ )[4].
في الآية نعم عظيمة جليلة، منها أن خلقنا الله من العدم، وفضلنا على كثير ممن خلق تفضيلا، وأتقن كل شيء خلقه، بحكم متناهية ودقة عجيبة، وسخر لنا الأرض وما فيها وذللها لنا، لتستقيم حياتنا وتصلح شؤوننا ومعاشنا.
الله سبحانه وتعالى خلق كل شيء ونوَّعَه بطريقة وهيئة تليق به، فلا يوجد شيء قبيح مطلقا، فما يضر من جهة ينفع من جهات عديدة، فلولا وجود القبيح ما علم الإنسان الجميل! ولولا وجود المرض ما عرفنا قيمة الصحة، ولولا السواد ما عرفنا قيمة البياض! لذلك يقال: وبضدها تتميز الأشياء.
وجود الحشرات في الظاهر نراه شرا، لكن لو تأملنا لعرفنا أن العديد من الحشرات تعمل توازن في البيئة، فيستفيد من ذلك الإنسان!
وترتيب محكم، وما يعقل هذا إلا العالمون، وإنك قد ترى نباتا أو حيوانا أو شيئا في هذا الكون وتخفى عليك حكمته، ويعمى عنك سر وجوده، تكشف لك الأيام عن أسرار وحكم لا يجليها لوقتها إلا خالقها العليم بها البصير بكنهها.[5]
فسوى كل شيء خلقه جعله سويا مستويا، وهذا الاستواء يعطي لمحة حسن وبصمة جمال وصورة رائعة لمن ينظر ويرى.
وهكذا كل شيء خلقه الله لحكمة وفائدة ومنفعة ومقصد جليل، علمها من علمها وجهلها من جهلها، حتى لو كانت في الظاهر لنا شيئا قبيحا أو عبثيا أو لا فائدة منه! ينبغي أن نستيقن بأن الله قد أحكم وأتقن وأحسن كل شيء، شكلا ومضمونا وهيئة وصورة.
عندما سأل الولد أباه: لماذا لا يترك الحداد عيدان الحديد على استقامتها؟! ولا يستخدمها إلا وهي معوجة! أجابه: أن هذه العيدان لا تؤدي مهمتها إلا باعوجاجها! كذلك أضلاع القفص الصدري كيف تحمي الرئتين والقلب بهذا الاعوجاج!
وَمَعْنَى الْآيَةِ: أَنَّهُ أَتْقَنَ وَأَحْكَمَ خَلْقَ مَخْلُوقَاتِهِ، فَبَعْضُ الْمَخْلُوقَاتِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ حَسَنَةً فِي نَفْسِهَا، فَهِيَ مُتْقَنَةٌ مَحْكَمَةٌ، فَتَكُونُ هَذِهِ الْآيَةُ مَعْنَاهَا مَعْنَى: أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ أَيْ: لَمْ يَخْلُقِ الْإِنْسَانَ عَلَى خَلْقِ الْبَهِيمَةِ، وَلَا خَلَقَ الْبَهِيمَةَ عَلَى خَلْقِ الْإِنْسَانِ، وَقِيلَ: هُوَ عُمُومٌ فِي اللَّفْظِ خُصُوصٌ فِي الْمَعْنَى، أَيْ: أَحْسَنَ خَلْقَ كُلَّ شَيْءٍ حَسَنٍ.[6]

ومن هداية الآية ودلالاتها وفوائدها:
- كما أنعم الله على خلقه بإحسان كل شيء وإتقانه، ينبغي أن نخضع لله بإحسان العبادة له، التي هي أعلى المراتب " أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك".
- أن لا نتعالى على أحد ولا نتكبر، ولا نزدري أي مخلوق مهما كان، لأن الله وزع المواهب وأحسن كل شيء خلقه.[7]
- إتقان الإعمال من صفات الكمال، لذلك ينبغي لكل عامل إتقان عمله في الوظيفة دون تقصير متعمد أو هدر للوقت.[8]
- من معاني الإحسان شكر النعم لا كفرها، كما حصل من كفر قارون الطاغية المتكبر، إذ قال له المؤمنون من أهل العلم ( وأحسن كما أحسن الله إليك ).
- أمرنا الله بالإحسان في التعامل إلى الخلق؛ إلى الوالدين.. إلى الزوجة .. إلى الأبناء.. إلى الجار.. بل حتى إلى الحيوانات، كما قال عليه الصلاة والسلام( إنَّ اللهَ تعالى كتب الإحسانَ على كلِّ شيءٍ، فإذا قتلتُم، فأحْسِنوا القِتْلةَ، و إذا ذبحتُم فأحْسِنوا الذبْحةَ. و لْيُحدَّ أحدُكم شفْرتَه، و لْيُرحْ ذبيحتَه )[9].
اللهم انفعنا بالقرآن، وارفعنا بالقرآن، واجعله شفيعنا يوم نلقاك.

-------------------------------------
[1]تفسير القاسمي.
[2]ابن عاشور.
[3]نظم الدرر.
[4]( النمل:88 ).
[5]التفسير الواضح.
[6]فتح القدير.
[7] قال عليه الصلاة والسلام( إنَّ اللهَ أوحى إليَّ أن تواضَعوا حتى لا يبغيَ أحدٌ على أحدٍ، ولا يفخرَ أحدٌ على أحدٍ ). صحيح أبي داود برقم 4895.
[8] قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الحسن( إنَّ اللهَ تعالى يُحِبُّ إذا عمِلَ أحدُكمْ عملًا أنْ يُتقِنَهُ ). صحيح الجامع برقم 1880.
[9]صحيح الجامع برقم 1795.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 11-03-2021, 05:17 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,615
الدولة : Egypt
افتراضي رد: خواطر قرآنية" سورة السجدة"

خواطر قرآنية" سورة السجدة" ( 8-30 )
أيمن الشعبان

بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله منزلَ الكتاب، ومجريَ السحاب، ومعلمَ العلوم والآداب، خالقَ الناس من تراب، ناصر المؤمنين العزيزِ الوهاب، والصلاة والسلام على خير من صلى وتاب، وجميع الآل والأصحاب ومن تبعهم إلى يوم المئاب، وبعد:
بعد أن خلق الله سبحانه أبونا آدم من طين، ( ثم جعل نسله ) أي ولده الذي يستخرج وينسل منه، من منيه ونطفته بأمر الله، سُميتْ بذلك لأنَّها تنسلُ وتنفصلُ منه( من سلالة ) أي شيء مسلول منتزع منه، ( من ماء مهين ) أي حقير ذليل ضعيف قليل ممتهن مسترذل مستقذر مراق مبذول.
السلالة: الخلاصة وأصلها ما يسل ويخلص بالتصفية وهي أجود ما فيه، وهو الشيء الذي يستخرج من شيء، وتطلق على المائع السائل ليس الجامد، فإذا وضعته بيدك انسل من بين أصابعك.
المسألة دقة تكوين وعظمة خالق، ففي هذه الذرة البسيطة خصائص إنسان كامل، فهي تحمل: لونه، وجنسه، وصفاته. . الخ.[1]
النبات ينسل أي يخرج من الأرض، وقد بين الله سبحانه أن الناس يخرجون من الأرض يوم القيامة كما يخرج النبات، بقوله سبحانه( ونفخ في الصور فإذا هم من الأجداث إلى ربهم ينسلون ).
يطلق على الإنسان بأنه سليل، وهو بمعنى مسلول المأخوذ والخارج من مكان خرج منه خروجا رقيقا.
والمهين: الشيء الممتهن الذي لا يعبأ به. والغرض من إجراء هذا الوصف عليه الاعتبار بنظام التكوين إذ جعل الله تكوين هذا الجنس المكتمل التركيب العجيب الآثار من نوع ماء مهراق لا يعبأ به ولا يصان.[2]
خلق الله سبحانه وتعالى الإنسان، من هذا المني الحقير، يخرج منسابا من ظهره بأمر الله.
سميت النطفة التي يتقوم منها تكوين الجنين سلالة كما في الآية، لأنها تنفصل عن الرجل، فقوله من ماء مهين بيان لسلالة.
ومن بيانية فالسلالة هي الماء المهين، هذا هو الظاهر لمتعارف الناس ولكن في الآية إيماء علمي لم يدركه الناس إلا في هذا العصر وهو أن النطفة يتوقف تكون الجنين عليها لأنه يتكون من ذرات فيها تختلط مع سلالة من المرأة وما زاد على ذلك يذهب فضله، فالسلالة التي تنفرز من الماء المهين هي النسل لا جميع الماء المهين، فتكون من في قوله من ماء مهين للتبعيض أو للابتداء.[3]
كم هي نعمة عظيمة، إذ نقلنا الله من الذلة والخسة والمهانة والقذارة، إلى الرفعة والكرامة!
أخبرنا الله بحقيقة أصلنا من العدم، ثم بداية خلقنا من نطفة لا قيمة لها، حتى نتيقن أن الله وحده العزيز الجبار ذي الجبروت، ولا يليق الكبرياء إلا به، فعلام تتكبر يا ابن آدم؟!
يقول ربنا في الحديث القدسي( إنَّ اللهَ تعالى يقولُ: إنَّ العزَّ إزاري، والكبرياءَ ردائي، فمَن نازعَني فيهِما عذَّبْتُهُ ).[4]
يقول ابن تيمية: فالعظمة والكبرياء من خصائص الرُّبوبيَّة، والكبرياء أعلى من العظمة؛ ولهذا جعلها بمنزلة الرِّداء، كما جعل العظمة بمنزلة الإزار.[5]
يقول عليه الصلاة والسلام( لا يدخلُ الجنَّةَ من كان في قلبِه مثقالُ ذرَّةٍ من كِبرٍ ).[6]
يا ابن آدم: بعد أن عرفت حقيقتك ومادتك، هل ستُصر متكبرا وتستمر في عُجُبك؟!
أما يكفيك ظلم وطغيان وتجبر وتعدي على الآخرين وأكل حقوقهم؟!!
قال تعالى( قُتِلَ الْإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ . مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ . مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ . ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ . ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ ).[7]
قَالَ الْأَحْنَفُ: عَجِبْت لِمَنْ جَرَى فِي مَجْرَى الْبَوْلِ مَرَّتَيْنِ كَيْفَ يَتَكَبَّرُ.[8]
عن مطرّف بن عبد الله بن الشّخّير أنّه رأى المهلّب وهو يتبختر في جبّة خزّ فقال: يا عبد الله، هذه مشية يبغضها الله ورسوله فقال له المهلّب: أما تعرفني؟ فقال بلي.
أعرفك، أوّلك نطفة مذرة، وآخرك جيفة قذرة، وأنت بين ذلك تحمل العذرة. فمضى المهلّب وترك مشيته تلك.[9]
قال محمد بن الحسين بن علي: ما دخل قلب امرئ شيء من الكِبْر قط، إلا نقص من عقله بقدر ما دخل من ذلك أو كثر.[10]
ولما كان موضوع السورة الخضوع، ومادتها اليقين، وأبهى صورها السجود لله سبحانه، فهو أقصر طريق لكبح جماح الكبر والترفع والتعالي، فما أروع سياق القرآن وقوة دلالالته.
قال الحسن: السّجود يذهب بالكبر، والتّوحيد يذهب بالرّياء.[11]
لذلك تأمل آيات سورة السجدة، فيها نفع عظيم وثمرة عملية كبيرة، تدفع صاحبها لاستشعار عظمة الله وأهمية الخضوع إليه بكثرة السجود، كما قال عليه الصلاة والسلام للصحابي ( أعني على نفسك بكثرة السجود ).[12]
اللهم انفعنا بالقرآن، وارفعنا بالقرآن، واجعله شفيعنا يوم نلقاك.


-----------------------------------------
[1]الشعراوي.
[2]ابن عاشور.
[3]ابن عاشور.
[4]صحيح الجامع برقم 1908.
[5]العبودية ص99.
[6]صحيح مسلم.
[7] ( عبس: 17-21).
[8]أدب الدنيا والدين.
[9]إحياء علوم الدين.
[10]إحياء علوم الدين.
[11]التواضع لابن أبي الدنيا.
[12]صحيح مسلم.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 11-03-2021, 05:18 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,615
الدولة : Egypt
افتراضي رد: خواطر قرآنية" سورة السجدة"

خواطر قرآنية" سورة السجدة" ( 9-30 )
أيمن الشعبان

بسم الله الرحمن الرحيم



الحمد لله منزلَ الكتاب، ومجريَ السحاب، ومعلمَ العلوم والآداب، خالقَ الناس من تراب، ناصر المؤمنين العزيزِ الوهاب، والصلاة والسلام على خير من صلى وتاب، وجميع الآل والأصحاب ومن تبعهم إلى يوم المئاب، وبعد:
بعد أن بين الله سبحانه بداية خلق الإنسان، ينقلنا إلى التفصيل ببعض النعم التي وهبها الله لنا، فقال سبحانه ( ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ )[1].
ومن المناسب أن يذكر الحق سبحانه السمع والأبصار والأفئدة بعد الحديث عن مسألة الخَلْق؛ لأن الإنسان يُولَد من بطن أمه لا يعلم شيئاً، وبهذه الأعضاء والحواس يتعلّم ويكتسب المعلومات والخبرات كما قال سبحانه: { والله أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السمع والأبصار والأفئدة لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}.[2]
{ثم سواه} بلحمه، وأعضائه، وأعصابه، وعروقه، وأحسن خلقته، ووضع كل عضو منه، بالمحل الذي لا يليق به غيره، {ونفخ فيه من روحه} بأن أرسل إليه الملك، فينفخ فيه الروح، فيعود بإذن الله، حيوانا، بعد أن كان جمادا.[3]
{ثم سواه} يعني: آدم، لما خلقه من تراب خلقه سويا مستقيما، {ونفخ فيه من روحه وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة} ، يعني: العقول، {قليلا ما تشكرون} أي: بهذه القوى التي رزقكموها الله عز وجل. فالسعيد من استعملها في طاعة ربه عز وجل.[4]
{ثم سواه} أي عدله لما يراد منه بالتخطيط والتصوير وإبداع المعاني {ونفخ فيه من روحه} الروح ما يمتاز به الحي من الميت، والإضافة للتشريف، فيا له من شرف ما أعلاه إضافته إلى الله.
ولما ألقى السامعون لهذا الحديث أسماعهم، فكانوا جديرين بأن يزيد المحدث لهم إقبالهم وانتفاعهم، لفت إليهم الخطاب قائلاً: {وجعل} أي بما ركب في البدن من الأسباب {لكم السمع} أي تدركون به المعاني المصوتة، ووحده لقلة التفاوت فيه إذا كان سالماً {والأبصار} تدركون بها المعاني والأعيان القابلة، ولعله قدمها لأنه ينتفع بهما حال الولادة، وقدم السمع لأنه يكون إذ ذاك أمتن من البصر.[5]
وإضافة الروح إلى ضمير الجلالة للتنويه بذلك السر العجيب الذي لا يعلم تكوينه إلا هو تعالى، فالإضافة تفيد أنه من أشد المخلوقات اختصاصا بالله تعالى وإلا فالمخلوقات كلها لله.[6]
{ والأَفْئِدَةَ } سمي القلب فؤاداً لأنه منبع الحرارة الغريزية من المفتأد وهو موضع النار.[7]
لماذا اختص الله هذه الأعضاء من دون البقية، قالوا: لأنه بهذه الأعضاء والحواس يحصل العلم والفهم، وهذا هو المقصود، فلا يمكن للإنسان أن يتعلم من غير سمع أو من غير بصر أو من غير تأمل وتدبر وتعقل في القلب.
جاء في سورة الملك قوله تعالى ( قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ )[8]، وفي سورة المؤمنون ( وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ )[9]، تكرار هذا الأمر للاهتمام بتلك الحواس، وأنها إذا استثمرت بما أعطانا الله من علل لوجودها ستقودنا إلى مرضاة الله.
هنا التفات في الخطاب، من الغائب إلى المخاطب، من باب التفنن في البيان وتنشيط الأذهان، وأهمية تلك النعم التي سيذكر بها الإنسان!
في معظم الآيات يأتي السمع مفردا، قيل لأنها مصدر وهو يشمل الجنس فيؤدي القليل والكثير.
وهنالك التفاتة لطيفة لإفراد السمع وجمع الأبصار والأفئدة؛ قالوا: النظر إلى الأشياء بين الناس متفاوت، فلو نظرت أنا إلى شيء قد أنتفع بفائدة ما، تختلف عن نظر غيري وهكذا، فلما تعددت الأنظار جاء البصر هنا بالجمع " الأبصار".
القلب كذلك، عندما ننظر أو نسمع لشيء لابد أن نتفكر نتدبر، وهذا يختلف من شخص لآخر فالأمر متنوع متعدد، فتأمل، والسمع جاء مفرد لأنه للجميع واحد.
ولماذا قدم السمع على البصر؟!
الجواب: أنك دائما من تسمعه يكون أقرب إليك ممن تبصره، لذلك السمع أهم ومقدم على البصر، والسمع هو شرط من شروط النبوة، لذلك ما بعث الله عز وجل نبيا أصم، لأن الحجة عندها لا تقام!
ولا يمكن لك أن تنتفع بالمعلومة إلا أن تسمعها قبل أن تراها.
ولو تأملنا إلى بديع صنع الله في هذه الحواس لوجدنا أمرا مذهلا؛ من الناحية التشريحية فإن مركز السمع يكون في الصدغ الأمامي من الدماغ، ومركز البصر يكون في قفى الدماغ، لذلك قدم السمع على البصر.
من الناحية الوظيفية: السمع يتنشط ويبدأ يتفعل عند الإنسان وهو في بطن أمه بعمر خمسة أشهر، بخلاف جميع الحيوانات.
وحاسة البصر تبدأ عند الجنين العمل بعد الشهر الثالث من الولادة، وعند ستة شهور يبدأ التمييز، وتكتمل عند سن العشر سنين.
القلب وهو مجمع التعقل والتدبر والعاطفة والحفظ والذاكرة، والفؤاد يطلق ويراد به القلب أحيانا، ويراد به العقل عند العرب، لا يبدأ بالتفعل إلا بعد أن يصل الجنين إلى سنتين من العمر!
( قليلا ما تشكرون ) ينبغي علينا شكر هذه النعم، وشكر السمع أن يكون هذا المسموع حقا ولا نسمع باطلا، كالغناء والغيبة والنميمة والباطل، ومن شكر السمع أن نستمع لأهل العلم الربانيين الحكماء الفضلاء ما عندهم من الخير، وكذلك من شكر السمع الإصغاء إلى الموعظة.
ومن شكر البصر أن لا تنظر إلى ما حرم الله، والنظر إلى مخلوقات الله والتأمل والتفكر في عظيم صنعه.
ومن شكر القلب كثرة خشية الله والإنابة والخوف ومحبة الله والمؤمنين والصالحين والخضوع له.
ولما لم يدقق الناس أو يستشعروا عظم هذه النعم، وكيفية خلقتها وما فيها من خلايا وأعصاب، ألفوها ولم يكترثوا شكروا أم لم يشكروا! فالأذن الواحدة تحوي 100 ألف خلية سمعية! والعين فيها 130 مليون مستقبلات ضوئية، تكون عند رؤوس الأعصاب ولها وظيفة في عكس الصورة حتى ننظر، ( صنع الله الذي أتقن كل شيء ).
وهذا أسلوب يدل على نفي الشكر، كما تقول ( فقليلا ما يؤمنون ) هم ليس لديهم إيمان! كذلك ليس لدى الكفار شكر.
( قليلا ما تشكرون ) الشاكرون لله قليل والكافرون كثير، وهذا في كل زمان ومكان.
والعدول عن أن يقال: وجعلكم سامعين مبصرين عالمين إلى جعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لأن ذلك أعرق في الفصاحة، ولما تؤذن به اللام من زيادة المنة في هذا الجعل إذ كان جعلا لفائدتهم ولأجلهم، ولما في تعليق الأجناس من السمع والأبصار والأفئدة بفعل الجعل من الروعة والجلال في تمكن التصرف، ولأن كلمة الأفئدة أجمع من كلمة عاقلين لأن الفؤاد يشمل الحواس الباطنة كلها والعقل بعض منها.
لذلك كانت حاسة السمع هي المصاحبة للإنسان، ولا تنتهي مهمتها حتى في النوم، وبها يتم الاستدعاء، أما العين فلا تعمل أثناء النوم.[10]
وتقديم السمع والأبصار على الأفئدة هنا عكس آية البقرة لأنه روعي هنا ترتيب حصولها في الوجود فإنه يكتسب المسموعات والمبصرات قبل اكتساب التعقل.[11]
في آية السجدة يتكلم عن مدارك العلم، أما في الطمس والختم جاء على أعظم الأشياء وطالما ختم على الأفئدة فلا قيمة للسمع والبصر.
ولم يأْتِ البصر مفرداً - في هذا السياق - إلا في موضع واحد هو قوله تعالى: { إِنَّ السمع والبصر والفؤاد كُلُّ أولئك كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً } ذلك لأن الآية تتكلم عن المسئولية، والمسئولية واحدة ذاتية لا تتعدى، فلا بُدَّ أنْ يكون واحداً.[12]
اللهم انفعنا بالقرآن، وارفعنا بالقرآن، واجعله شفيعنا يوم نلقاك.
--------------------------------
[1]( السجدة:9 ).
[2] الشعراوي.
[3]السعدي.
[4]ابن كثير.
[5]البقاعي.
[6]ابن عاشور.
[7]العز بن عبد السلام.
[8]( الملك:23).
[9]( المؤمنون:78).
[10] الشعراوي.
[11]ابن عاشور.
[12] الشعراوي.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 11-03-2021, 05:19 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,615
الدولة : Egypt
افتراضي رد: خواطر قرآنية" سورة السجدة"

خواطر قرآنية" سورة السجدة" ( 10-30 )
أيمن الشعبان

بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله منزلَ الكتاب، ومجريَ السحاب، ومعلمَ العلوم والآداب، خالقَ الناس من تراب، ناصر المؤمنين العزيزِ الوهاب، والصلاة والسلام على خير من صلى وتاب، وجميع الآل والأصحاب ومن تبعهم إلى يوم المئاب، وبعد:
الله سبحانه وتعالى بعد أن ذكر أصل عظيم وهو الرسالة بقوله ( تنزيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين )، ثم أتبعها بذكر أصل هام آخر وهو الوحدانية بقوله ( الله الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش ما لكم من دونه من ولي ولا شفيع أفلا تتذكرون )، أتبعها هنا بذكر الأصل الثالث وهو المعاد والحشر بنقل قول الكفار ( وَقَالُوا أَإِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ بَلْ هُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ كَافِرُونَ ).
لما قال: قَلِيلًا ما تَشْكُرُونَ بَيَّنَ عَدَمَ شُكْرِهِمْ بِإِتْيَانِهِمْ بِضِدِّهِ وَهُوَ الْكُفْرُ وَإِنْكَارُ قُدْرَتِهِ عَلَى إِحْيَاءِ الْمَوْتَى.[1]
يقول تعالى ذكره: وقال المشركون بالله، المُكذّبون بالبعث: (أئِذَا ضَلَلْنا في الأرْض) أي: صارت لحومنا وعظامنا ترابا في الأرض، وغبنا فيها واندثرت ذراتنا، وبلينا وتمزقنا وتفرقنا في المواضع التي لا تعلم.
وإنما عنى هؤلاء المشركون بقولهم: (أئِذَا ضَلَلْنا فِي الأرْضِ) أي: إذا هلكت أجسادنا في الأرض؛ لأن كلّ شيء غلب عليه غيره حتى خفي فيما غلب، فإنه قد ضلّ فيه.[2]
وقال تعالى في سورة الإسراء نقلا عن الكفار قولهم ( وَقَالُوا أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا )[3].
الْوَاوُ لِلْعَطْفِ عَلَى مَا سَبَقَ مِنْهُمْ فَإِنَّهُمْ قَالُوا مُحَمَّدٌ لَيْسَ بِرَسُولٍ وَاللَّهُ لَيْسَ بِوَاحِدٍ وَقَالُوا الْحَشْرُ لَيْسَ بِمُمْكِنٍ.[4]

( أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ ) وَهَذَا اسْتِفْهَامٌ عَلَى إِنْكَارٍ؛ أَيْ: إِنَّا لَا نُبْعَثُ بَعْدَ الْمَوْتِ.[5]
( بَلْ هُم بِلَقَاء رَبّهِمْ كافرون ) إضرابٌ وانتقالٌ منِ بيانِ كفرِهم بالبعثِ إلى بيانِ ما هُو أبلغُ وأشنعُ منه وهو كفرُهم بالوصولِ إلى العاقبةِ وما يلقَونه فيها من الأحوالِ والأهوالِ جميعاً.[6]
يقول ربنا سبحانه لنبيه عليه الصلاة والسلام ( بل ) اترك كلامهم وأعرض عنهم صفحا، فهذا كلام لا يقوله عاقل، ولا تسمعه فلا يستحق الاستماع، وهذا حال كلام أهل الباطل.
ويكفيهم، أنهم معهم علم أنهم قد ابتدئوا من العدم، فالإعادة أسهل من الابتداء، وكذلك الأرض الميتة، ينزل الله عليها المطر، فتحيا بعد موتها، وينبت به متفرق بذورها.[7]
لَيْسَ إِنْكَارُهُمُ الْبَعْثَ لِلِاسْتِبْعَاد ِ وَالِاسْتِحَالَ ةِ لِأَنَّ دَلَائِلَ إِمْكَانِهِ وَاضِحَةٌ لِكُلِّ مُتَأَمِّلٍ وَلَكِنَّ الْبَاعِثَ عَلَى إِنْكَارِهِمْ إِيَّاهُ هُوَ كُفْرُهُمْ بِلِقَاءِ اللَّهِ، أَيْ كُفْرُهُمُ الَّذِي تَلَقَّوْهُ عَنْ أَئِمَّتِهِمْ عَنْ غَيْرِ دَلِيلٍ.[8]
وَالْإِتْيَانُ بِالْجُمْلَةِ الِاسْمِيَّةِ لِإِفَادَةِ الدَّوَامِ عَلَى كُفْرِهِمْ والثبات عَلَيْهِ.[9]
إذن: تكذيبهم ليس للبعث في حَدِّ ذاته، إنما للقاء الله وللحساب، لكنهم ينكرون البعث؛ لأنه يؤدي إلى لقاء الله، وهم يكرهون لقاء الله، فينكرون المسألة من بدايتها.[10]
قال عليه الصلاة والسلام( إنَّ في الإنسانِ عظمًا لا تأكلُه الأرضُ أبدًا فيه يُركَّبُ يومَ القيامةِ قالوا أيُّ عظمٍ هوَ؟ يا رسولَ اللهِ ! قال عَجْبُ الذَّنَبِ ).[11]
عجب الذنب: هي عظمة صغيرة جدا بقدر حبة العدس في آخر السلسلة الفقرية وتسمى" العصعص".
الطبيب الأمريكي أنطوني جوستين اكتشف، أن الخلايا الجذعية في عظم عجب الذنب فيها ذرات تنتج الهيكل العظمي للجسم كاملا، كما أن في كل عظم خلايا جذعية يمكن أن يتولد منها عظم مشابه له! فصدق الله إذ يقول ( كما بدأكم تعودون ).

من فوائد وهداية الآية:
- الكفار عندما أنكروا إمكانية عودتهم خلقا جديدا، كأنهم لم ينظروا إلى أول خلقهم من العدم! فينبغي على الإنسان إذا ما ارتقى في المجتمع واكتسب مكانة مرموقة، أن لا ينسى أصله وأهله وناسه! وأن لا يتعالى ولا يترفع أو يتكبر!
- الإنسان لما ينسى الحساب يفعل ما يشاء في الدنيا، فيرتكب المحرمات ويظلم الناس ويأكل الأموال بالباطل، فالله سبحانه يذكر الخلق بيوم القيامة ليجازيكم على أعمالكم.
- اليقين بحقيقة اليوم الآخر تدفع المؤمن إلى الخوف من الله سبحانه، وبذل وسعه لفعل كل خير.
- الكفار قاسوا إنكارهم إمكانية إعادة الخلق مرة أخرى، بعقولهم المحدودة، وعليه ينبغي أن لا نطلق العنان لعقولنا لتتدخل بكل شيء، إنما لها حدود بحسب الإدراك لا يحسن بها تجاوزه.
- الحق أبلج والباطل لجلج، لا يستحق الإصغاء ولا الاستماع له، فلا تسمع لأهل الباطل كل ما يقولون وليكن لديك يقين ببطلان ما يعتقدون.
اللهم انفعنا بالقرآن، وارفعنا بالقرآن، واجعله شفيعنا يوم نلقاك.


------------------------
[1] الرازي.
[2] الطبري.
[3] ( الإسراء:49 ).
[4] الرازي.
[5] ابن أبي زمنين المالكي.
[6] أبو السعود.
[7] السعدي.
[8] ابن عاشور.
[9] ابن عاشور.
[10] الشعراوي.
[11] صحيح مسلم.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 160.43 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 154.36 كيلو بايت... تم توفير 6.07 كيلو بايت...بمعدل (3.79%)]