رسالة المعلم - ملتقى الشفاء الإسلامي
 

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4421 - عددالزوار : 858376 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3953 - عددالزوار : 392827 )           »          متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 12535 - عددالزوار : 215478 )           »          مشكلات أخي المصاب بالفصام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 51 )           »          المكملات الغذائية وإبر العضلات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 44 )           »          أنا متعلق بشخص خارج إرادتي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 44 )           »          مشكلة كثرة الخوف من الموت والتفكير به (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 47 )           »          أعاني من الاكتئاب والقلق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 43 )           »          اضطراباتي النفسية دمرتني (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 47 )           »          زوجي مصاب بالفصام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 45 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 21-02-2020, 04:49 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,060
الدولة : Egypt
افتراضي رسالة المعلم

رسالة المعلم (1)



د. محمد ويلالي






وقفْنا في الجمعة الماضية على أهمِّ مظاهر العُنف التي تعرِفُها مؤسَّساتُنا التعليميَّة، وحاوَلْنا استجلاء أبرزِ الأسباب وراء ذلك، وتبيَّن أنَّ المعلم نفسَه له دورٌ بليغ في تحقيق السِّلْم داخل المؤسسة؛ ولذلك سنحاول من خلال خطبة اليوم - إن شاء الله - أنْ نعالِجَ موضوعَ رسالة المعلم، من خلال الضوابط الشرعية المبثوثة في الكتاب والسُّنة، وأقوال أهْل الاختصاص في مَيدان التربية؛ لنعرِفَ لماذا كان الأوائل ناجحين في تعليمهم، ولماذا أخرجتْ مؤسَّساتهم العلماءَ والعُظماء.









إنَّ وظيفة التعليم من أشرف الوظائف على الإطلاق؛ لأنَّها مُهمَّة الأنبياء التي بُعثوا من أجْلها؛ قال - تعالى -: ﴿ لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾ [آل عمران: 164].





ويقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إنَّ العلماء وَرَثَةُ الأنبياء، وإنَّ الأنبياء لم يورِّثوا دينارًا ولا درهمًا، وإنَّما ورَّثوا العلم، فمن أخذه، أخَذَ بحظٍّ وافر))؛ صحيح سُنن أبي داود.





ولذلك كان نبيُّنا - صلى الله عليه وسلم - مُعَلِّمنا، وموجِّهنا؛ قال - صلى الله عليه وسلم -: ((إنَّما أنا لكم بمنزلة الوالد، أعَلِّمكم))؛ صحيح سُنن أبي داود.





ويشير أحدُ علماء التربية إلى أنّ مِهنة التدريس هي "المهنة الأم"، ويقول آخرُ: "المدرِّس قائد يمثِّل كلاًّ من الأب والأمِّ".




أَرَأَيْتَ أَعْظَمَ أَوْ أَجَلَّ مِنَ الَّذِي

يَبْنِي وَيُنْشِئُ أَنْفُسًا وَعُقُولاَ










فإذا كان أمرُك هكذا أيها المعلم، فاحرِصْ على أن تأخُذَ بمجامع صفات المربِّي المسلم، الذي بوَّأه الله هذه المسؤوليَّة العظيمة؛ قال الشيخ محمد البشير الإبراهيمي في وصيَّته للمعلمين: "إنَّكم تجلسون من كراسي التعليم على عروش ممالك، رعاياها أطفال الأُمَّة؛ فسُوْسُوهم بالرِّفْق والإحسان، وتَدَرَّجوا بهم من مرحلة كاملة في التربية إلى مرحلةٍ أكملَ منها، إنهم أمانة الله عندكم، وودائع الأُمَّة بين أيديكم، سَلَّمَتْهم إليكم أطفالاً؛ لتردُّوها إليها رجالاً، وقدَّمَتْهم إليكم هياكلَ؛ لتنفخوا فيها الروح، وألفاظًا؛ لتعمروها بالمعاني، وأوْعِية؛ لتملؤوها بالفضيلة والمعرفة".





إنَّ المعلم أمينٌ على أبناء الأُمَّة، قد تنعكس نتائج عمله إذا هو فرَّط في الأخْذِ بأسباب نجاح مِهْنته، فهو كالطبيب يستطيع أن يُهلك مريضَه إذا أساء علاجه، وكالفلاح قد يُهلك زرْعَه إذا أساء رعايته، وهو نائب عن الوالدين، وموضع ثِقَتهما؛ لأنهما قد وَكَلا إليه تربية ابنهما، وهو أمل الأُمَّة في تخريج مَن سيتولون شؤونها، ويتبوَّؤون مراكزَ القَرار فيها.





إنَّ للمعلم المسلم الناجح صفاتٍ يجبُ أن يتحلَّى بها، نقتصر منها اليوم على ثلاثٍ، ونترك الباقي للجمعة القادمة - إن شاء الله تعالى:


1- الإتقان في مُهمَّته، عن طريق التمكُّن من مادة تعليمه، وإحاطته بالطرق التربوية الناجعة، وعِلْمه بالجوانب النفسيَّة للشريحة التي يدرسها؛ لأن أبناء المسلمين أمانة في عُنقه، سيأخذون بتلابيبه يوم القيامة، إنْ هو قَصَّر في حُسن تربيتهم، أو عَلَّمهم ما يكون سببًا في زَيْغهم؛ قال الله - تعالى -: ﴿ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [البقرة: 195]، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إنَّ الله كتَبَ الإحسان على كلِّ شيءٍ))؛ رواه مسلم، وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((إنَّ الله - عز وجل - يحبُّ إذا عَمِل أحدُكم عملاً أن يُتْقِنَه))؛ رواه الطبراني، وهو في صحيح الجامع.





2- الرِّفْق في التعامل مع تلامذته؛ لا يعنِّفهم، ولا يَضْرِبهم، ولا يُشدِّد عليهم، إلا في الحدود التربويَّة المشروعة؛ قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((اللهمَّ مَن وَلِي من أمر أُمَّتي شيئًا فشَقَّ عليهم، فاشْقُقْ عليه، ومَن وَلِي من أمْر أُمَّتي شيئًا فَرَفَق بهم، فارفُقْ به))؛ مسلم.





وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((إنَّ الله لم يبعثْني مُعنِّتًا ولا مُتعنِّتًا، ولكن بعثني مُعلِّمًا ميسِّرًا))؛ مسلم.





وفي قصة معاوية بن الحَكَم السُّلَمِي الذي قال: "بينا أنا أصلِّي مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذْ عَطَس رجلٌ من القوم، فقلتُ: يرحمك الله، فرماني القومُ بأبصارهم، فقلتُ: واثُكْل أُمِّياه، ما شأنُكم تنظرون إلي؟ فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم، فلمَّا رأيتُهم يُصَمِّتونني لكنِّي سكتُّ، فلمَّا صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فبأبي هو وأُمِّي؛ ما رأيتُ مُعلِّمًا قبله ولا بعده أحسن تعليمًا منه، فوالله ما كَهَرني - قَهَرني وعَنَّفَني - ولا ضَرَبني ولا شَتَمني، قال: ((إنَّ هذه الصلاة لا يصلح فيها شيءٌ من كلام الناس، إنَّما هو التسبيحُ والتكبير وقراءة القرآن))"؛ مسلم.





وعن مالك بن الحويرث قال: "أتيْنا النبي - صلى الله عليه وسلم - ونحن شَبَبَةٌ متقاربون - في السنِّ، وشببة جَمْع شاب - فأَقَمْنا عنده عشرين ليلة، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رفيقًا - وفي بعض النسخ: رقيقًا - فلمَّا ظنَّ أنَّا قد اشتهينا أهْلَنا، أو قد اشتقْنا، سَأَلَنَا عمَّن تركْنا بعدنا، فأخبرناه، قال: ((ارْجعوا إلى أهْليكم، فأقيموا فيهم، وعَلِّموهم، ومُروهم، وصلُّوا كما رأيتموني أصلِّي، فإذا حضرتِ الصلاة، فليؤذِّن لكم أحدُكم، وليؤمَّكم أكبرُكم))"؛ البخاري.





وقد قيل: "حتى تستطيع رفْعَ التلميذ الذي وقَعَ على الأرض، عليك أن تنحني له وترفعه برِفْق، وإلاَّ فكيف تَصِل إليه؟".





وقال ابن حجر: "والمراد تَرْك التشدُّد عليه في الابتداء، وكذلك الزجرُ عن المعاصي ينبغي أن يكونَ بتلطُّفٍ ليُقْبلَ، وكذلك تعليم العِلم ينبغي أن يكونَ بالتدرُّج؛ لأنَّ الشيء إذا كان في ابتدائه سهلاً، حُبِّبَ إلى مَن يدخلُ فيه، وتلقَّاه بانبساط".





وعلى المعلِّمين - كما قال الماوردي -: "ألا يعنفوا مُتعلِّمًا، ولا يحتقروا ناشئًا، ولا يستصغروا مُبتدئًا؛ فإن ذلك أدْعى إليهم، وأعطفُ عليهم، وأحسُّ على الرغبة فيما لديهم".





وكم من الحوادث وقعتْ بسبب الشدَّة والغَفلة عن هَدْي الرسول - صلى الله عليه وسلم - في الأخْذِ بيد المتعلِّمين، ولو كانوا مشاغبين مشاكِسين، فهذا مُعلم قذَفَ تلميذًا بمسطرة حديديَّة، فتركتْ في رأْسه حُفرة غائرة كادتْ تؤدي إلى عاهة مُستديمة، وهذه مُدَرِّسة ضربتْ تلميذًا على يده حتى كَسَرتْها، وهذا معلِّم كسَر أنفَ أحد التلاميذ المشاغبين، ومُعلِّم آخرُ يَضْرِب أحدَ التلاميذ بسلكٍ كهربائي في جميع جَسَده، وكأنه مُجْرِمٌ يستحقُّ الموت.... والأمثلة كثيرة.





الخطبة الثانية





3- ومن هذه الصفات التي على المعلِّم أن يتَّصِف بها، العَدْل بين التلاميذ والطلاب، وعدم تفضيل بعضِهم على بعض في المعاملة أو العناية أو الدرجات، والأقْبح من ذلك تلقِّي الرشاوى من أجْل مَنْح النقط.





قال مجاهد: "المعلِّم إذا لم يَعْدِل كُتِبَ من الظَّلَمَة".





ويروى عن الْحَسَن البصري أنَّه قال: "إذا قُوطِع المعلِّم على الأَجْر، فلم يَعْدِل بينهم - أي: الطلاب - كُتِبَ من الظَّلَمَة".




وَإِذَا الْمُعَلِّمُ لَمْ يَكُنْ عَدْلاً مَشَى

رُوحُ الْعَدَالَةِ فِي الشَّبَابِ ضَئِيلاَ










قال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ ﴾ [النساء: 58].





قال ابن سينا: "ينبغي أنْ يكونَ مؤدِّبُ الصبي عاقلاً، ذا دين، بصيرًا برياضة الأخلاق، حاذقًا بتخريج الصبيان، وقورًا رزينًا، غير كَزٍّ ولا جامدٍ، حلوًا لبيبًا، ذا مُروءَةٍ ونظافة ونزاهة".





فبالله عليك، ماذا تنتظر من أحد الأساتذة يسأل تلميذه سيجارة، وأستاذ يقترض من تلميذه مالاً، وأستاذ يسأل عن وظائف أولياء أمور تلاميذه، فيستجدي هذا، ويتملَّق لهذا، ويجعل هذا واسطة لقضاء حاجاته الشخصيَّة، وأستاذ يُقتِّرُ في النقاط على فقراء التلاميذ، ويَبسط يدَه بها للميسورين؛ لأنهم زبائن عنده في الساعات الإضافيَّة، وأستاذ يقوم بساعات إضافيَّة في مؤسَّسة خصوصيَّة، فتراه يحضر في الوقت، ويلبس أحسنَ اللباس، ويقوم بساعات الدَّعْم والتقوية، ثم يعتبر مؤسَّسته الأصليَّة التي استأْمَنتْه الدولة عليها أمرًا ثانويًّا، يتأخَّر في الحضور، ورُبَّما يغيب بلا سبب، لا يَعتني بهيئته، تراه مُقطّبًا عَبوسًا، يعامل التلاميذ بقسوة وغِلْظة، كيف لِمِثْل هؤلاء أنْ يكونوا عادلين نُزَهاء؟!





إنَّ اختلال هذا الميزان عند المعلِّم هو الذي يولِّد العُنف والتوتر، وعدم الانسجام والعداوة والبغضاء بين الطلاب والتلاميذ، بدلاً عن المحبَّة والإخاء.










__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 21-02-2020, 04:50 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,060
الدولة : Egypt
افتراضي رد: رسالة المعلم

رسالة المعلم (2)



د. محمد ويلالي

تحدَّثْنا - بمناسبة العام الدراسي الجديد - عن بعض المشكلات التي يُعاني منها تعليمُنا، والتي ينعكس أثرُها على تلاميذنا وتلميذاتنا، فتناوَلْنا موضوع العنف المدرسي، وعرَفْنا بعضَ أسبابه، وبعض طُرق علاجه، ثم تحدَّثْنا عن دَور المعلِّم في تحقيق السِّلْم المدرسي، انطلاقًا من رسالته العظيمة في تربية النشء على الخُلق الكريم، والتعامُل القويم، إذا ما اتَّصف بمجموعة من الخِصال، ذكرْنا منها:
الإتقان في مهمَّته؛ عن طريق التمكُّن من مادة تعليمه، وإحاطته بالطُّرق التربويَّة الناجعة. الرِّفْق في التعامُل مع تلامذته. العَدْل بينهم، وهذه تتمَّة للموضوع. من هذه الصفات الجليلة التي يتحلَّى بها المعلِّم الناجح: 1- أن يُصْلِح نيَّته، ويصحِّح قصدَه عند تحمُّله مسؤوليَّة التعليم. قال الحافظ ابن جماعة وهو بصددِ بيان مسؤوليات المعلِّم: "أن يقصِدَ بتعليمهم وتهذيبهم وجْهَ الله - تعالى - ونشْرَ العلم، ودوامَ ظهورِ الحقِّ وخمولِ الباطل، ودوام خير الأمة بكثرة عُلمائها". وقال الإمام النووي: "ويجبُ على المعلم أن يقصِدَ بتعليمه وجْهَ الله، وألاَّ يجعلَه وسيلة إلى غَرضٍ دنيوي، فيستحضرُ المعلِّم في ذِهْنه كونَ التعليم آكدَ العبادات؛ ليكون ذلك حاثًّا له على تصحيح النيَّة". فالمعلم لا يجتهد بقَدْر أُجْرته؛ فهي - في الغالب - زهيدة، ولا يعامِل التلاميذ على قَدْر حُسن معاملة إدارته له، ولا يُقَتِّر في تعليمهم؛ لأن تعيينَه لم يكنْ مناسبًا له، بل يستفرِغ وُسْعَه، ويَبذُل جُهدَه في تقديم العلم النافع لتلاميذه، كما لأبنائه، ولقد عرَفْنا من هؤلاء مَن كان يَصِل الليل بالنهار؛ تهيُّؤًا لدرْسه، وبحثًا عن الوسائل التربويَّة الحديثة؛ لإفادة تلاميذه، وسؤال أهْل الخبرة عمَّا يفيد طلابَه، ويُسْعِد ناشئته؛ فَرَعْيًا وسُقْيًا لهم، وقد قيل: "أعطِ بلا حدود، ولا تنتظر الأخذَ". 2- أن يكون قُدوةً لتلاميذه، يترجِم أقوالَه إلى أفعال، فتتحقَّقُ مصداقيَّته، وتَعْظُم هيبتُه، وينضبط فصلُه الدراسي، ولا يترك للتلاميذ مجالاً لرمْيه بالتناقُض والازدواجيَّة. قال عُتْبة بن أبي سفيان لمؤدِّب ولده: "ليكنْ أوَّلُ إصلاحك لولدي إصلاحَك لنفسك؛ فإن عيونَهم معقودة بك؛ فالحَسن عندهم ما صنعتَ، والقبيحُ عندهم ما تركتَ".
وَكُنْ عَامِلاً بِالعِلْمِ فِيمَا اسْتَطَعْتَهُ
ليُهْدَى بِكَ الْمَرْءُ الَّذِي بِكَ يَقْتَدِي

حَرِيصًا عَلَى نَفْعِ الْوَرَى وَهُدَاهُمُ
تَنَلْ كُلَّ خَيْرٍ فِي نَعِيمٍ مُؤَبَّدِ


والوظيفة الثامنة للمعلِّم عند الغزالي هي: "أنْ يكونَ عاملاً بعِلمه، فلا يُكَذِّبُ قولَه فعلُه؛ لأن العلمَ يُدرك بالبصائر، والعمل يُدرك بالأبصار، وأرباب الأبصار أكثر". وقد قيل:"كنْ صحيحًا في السِّرِّ، تكنْ فصيحًا في العلانية". قال الإلبيري - رحمه الله - في العلم: وَإِنْ أُوتِيتَ فِيهِ طَوِيلَ بَاعٍ
وَقَالَ النَّاسُ إِنَّكَ قَدْ سَبَقْتَا

فَلاَ تَأْمَنْ سُؤَالَ اللهِ عَنْهُ
بِتَوْبِيخٍ عَلِمْتَ فَهَلْ عَمِلْتَا


3- أن يكونَ جميلَ المظهر، أنيقَ اللباس، مُعتدلَ الْمِشْية، مُقتصد الحركات، مُتَّزنًا في نظراته والْتِفَاتاته؛ لِمَا لذلك من التأثير البليغ على التلاميذ. قال الإمام النووي: "وينبغي أن يصونَ يديه عن العبث، وعينيه عن تفريق النظر بلا حاجة، ويلتفتَ إلى الحاضرين الْتفاتًا قصْدًا بحسب الحاجة للخطاب". وقال عمر بن الخطاب: "إيَّاكم لُبْسَتين: لُبْسةً مشهورة، ولُبْسة مَحقورة". وقال الخطيب البغدادي: "ينبغي للمحدِّث أن يكونَ في حال روايته على أكمل هيْئَة وأفضل زينة، ويتعاهدَ نفسَه قبل ذلك بإصلاح أموره التي تُجَمِّله عند الحاضرين من الموافقين والمخالفين". وقد قام أحدُ علماء التربية بأبحاثٍ على هذا المستوى، فوجَدَ أنَّ 7% من تثبيت المعلومة تأتي من محتوى الدرس، و38% تأتي من العامل الصوتي، و55% تأتي من العامل البصري. وإذا كان "المحدِّث" عند البغدادي يمثِّله في زماننا مدرِّسُ التربية الإسلاميَّة، فإنَّ غيره لا يُعْفَى من الحِرص على سلامة المظهر، ما دام الهدف تكوينَ المواطن الصالح، المهتدي بهَدْي العقيدة الإسلامية؛ يقول المرتكز الأوَّل من المرتكزات الثابتة لنظام التربية والتكوين في بلادنا - كما جاء في الميثاق -: "يَهتدي نظام التربية والتكوين للمملكة المغربيَّة بمبادئ العقيدة الإسلاميَّة، وقِيَمها الرامية إلى تكوين المواطن المتَّصِف بالاستقامة والصلاح..". وجاء فيه - أيضًا - : "ينتظر المجتمعُ من النظام التربوي أن يزوِّدَه بصفوة من العلماء وأُطُر التدبير". 4- أن تَطْغَى عليه سِمة الجِد والوَقَار، وأن يتجنَّبَ كثرة الضحك والمزاح، إلاَّ بمقدار ما يُذْهِب السآمة، ويَكْسِر جِدار الملالَة، وهو بمثابة الْمِلْح في الطعام. جاء في وصيَّة الحافظ ابن جماعة للمعلم: "ويتَّقِي المزاح وكَثرةَ الضحك؛ فإنه يُقَلِّل الهَيبة، ويُسْقِط الحِشمة؛ كما قيل: من مَزَحَ استُخِفَّ به، ومَن أكثر من شيء عُرِف به".
فَإِيَّاكَ إِيَّاكَ الْمُزَاحَ فَإِنَّهُ
يُجَرِّي عَلِيكَ الطِّفْلَ والدَّنِسَ النَّذْلاَ

وَيُذْهِبُ مَاءَ الْوَجْهِ بَعْدَ بَهَائِهِ
وَيُورِثُهُ مِنْ بَعْدِ عِزَّتِهِ ذُلاَّ


5- أن يشجِّع المجِدِّين، ويَرَعى الموهوبين: فهذا أبو هريرة - رضي الله عنه - يسأل النبي - صلى الله عليه وسلم -: "مَن أسعدُ الناس بشفاعتك يوم القيامة؟"، فيقول له النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((لقد ظننتُ - يا أبا هريرة - ألا يسألَني عن هذا الحديث أحدٌ أوَّلُ منك؛ لِمَا رأيتُ من حِرْصك على الحديث))؛ رواه البخاري. وحين سأل النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أُبَيَّ بنَ كعب، فقال: ((يا أبا المنذر، أتدري أيُّ آية من كتاب الله معك أعظم؟))، فقال أُبَي: "ï´؟ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ï´¾ [البقرة: 255]"، قال له - صلى الله عليه وسلم -: ((والله لِيَهْنِكَ العلمُ أبا المنذر))، ليَكُنِ العلم هنيئًا لك؛ رواه مسلم. كان إبراهيم بن أدْهَم يقول: "قال لي أَبي: يا بُني، اطْلبِ الحديث، فكلما سمعتَ حديثًا وحفظتَه، فلك دِرْهم، فطلبتُ الحديث على هذا". ولقد رأيْنا من المعلمين مَن يجتهد في الحصول على جوائز لتلاميذه، ورُبَّما صَرَف من جَيبه؛ تشجيعًا للفائزين في المسابقات، أو تنويهًا بالمجتهدين الذي حصلوا على أعلى الدرجات، أو تحفيزًا للموهوبين فائِقي القُدرات، فلله دَرُّهم! عن زيد بن ثابت - رضي الله عنه - أن قومَه قالوا للنبي - صلى الله عليه وسلم -: "ها هنا غلامٌ من بني النجَّار، حَفِظ بضع عشرة سورة"، فاستقرأني، فقرأتُ سورة "ق"، فقال: ((إنِّي أكتبُ إلى قومٍ، فأخاف أن يزيدوا عليّ أو ينقصوا، فتعلَّمْ السُّريانيَّة))، قال: "فتعلمتُها في سبعة عشر يومًا"؛ رواه الإمام أحمد، وهو في الصحيحة. ولقد تفطَّنَ أبو القاسم البلْخِي إلى ذكاء تلميذه ابن الجَوْزي، فشجَّعه بأنْ علَّمه كلمات، ثم أصْعَدَه المنبرَ وعُمْره ثلاث عشرة سنة. ابن الجَوْزي هذا الذي صار مَجْلسه - بعد ذلك - يَؤمُّه ثلاثمائة ألف شخص، وخَلَّفَ لنا أزيدَ من ثلاثمائة مُصنَّف في مُختلَف العلوم. الخطبة الثانية


6- التواضُع لهم وقُبول مناقشتهم: فهذا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يقول: "تعلَّموا العلم، وعلِّموه الناس، وتعلَّموا الوَقَار والسكينة، وتواضعوا لمن تعلَّمتُم منه - وفي لفظٍ: ولمن علَّمتموه - ولا تكونوا جَبَابِرة العلماء، فلا يقوم علْمُكم بِجَهلكم"؛ رواه البيهقي، وقال: صحيح عن عُمَر. ونقَل الحافظ ابن عبدالبرِّ عن ابن عبدوس قوله: "كلما توقَّر العالم وارتفعَ، كان العُجب إليه أسرعَ، إلاَّ مَن عصَمَه الله بتوفيقه، وطرَحَ حُبَّ الرياسة عن نفسه". وهذه عائشة - رضي الله عنها - كانتْ لا تسمع شيئًا لا تعرفه إلاَّ راجعتْ فيه؛ حتى تعرفَه، فلمَّا قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((مَن حوسِبَ عُذِّبَ))، قالتْ عائشة: "أو ليس يقول الله - تعالى -: ï´؟ فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا ï´¾ [الانشقاق: 8]؟"، قال: ((إنَّما ذلك العَرْض، ولكن من نُوقِش الحساب يَهْلِك))؛ متفق عليه. فبُشْراك أيُّها المعلم، يا مَن آثارُه في المجتمع عظيمة، وبصماته على أبنائه جَسيمة، يكفيك أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بشَّرك بقوله: ((مَن علَّم علمًا، فله أجرُ مَن عَمِل به، لا يَنقص مِن أجْر العامل))؛ صحيح سُنن ابن ماجه.
تَحْيَا وَتَحْمِلُ لِلْوُجُودِ رِسَالَةً
قُدْسِيَّةً يَسْمُو بِهَا الأَطْهَارُ

مَا أَنْتَ إِلاَّ النَّبْعُ فَيْضُ عَطَائِهِ
خَيْرٌ يَفِيضُ وَهَاطِلٌ مِدْرَارُ

يَكْفِيكَ فَخْرًا مَا صَنَعْتَ عَلَى الْمَدَى
تَشْقَى وَغَيْرُكَ مُتْرَفٌ مِهْذَارُ

يُعْطِي الْكَرِيمُ وَأَنْتَ أَكْرَمُ مَانِحٍِ
هَيْهَاتَ لَيْسَ تُثَمَّنُ الأَعْمَارُ

هَذِي الْحَضَارَاتُ الَّتِي تَزْهُو بِهَا
لَوْلاَ الْمُعَلِّمُ هَلْ لَهَا إِثْمَارُ؟!





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 73.10 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 70.98 كيلو بايت... تم توفير 2.12 كيلو بايت...بمعدل (2.90%)]