|
|
ملتقى الحوارات والنقاشات العامة قسم يتناول النقاشات العامة الهادفة والبناءة ويعالج المشاكل الشبابية الأسرية والزوجية |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
عيـــــــــــــــــــــــــــــد الألم
عيـــــــــــــــــــــــــــــد الألم جيهان غالي لا لم تقرأ الكلمة خطأً هي صحيحة ومقصوده! فالعيد هو بالفعل عيد الألم وليس عيد الأم!!! وسطورى هذه ليست لمناقشة الناحية الشرعية منه فة كونه مستحبًّا أو مكروهًا، فهذا مجاله عند علمائنا الأفاضل الذين شرحوا أسباب كراهة الاحتفال به شرعًا، ولكنه عرض لوجهة نظر إنسانية وآدمية. فالأم ليست في حاجة إلى عيد لبرها والاحتفاء بها، ولو كان فيه خير لفرضه الله - سبحانه وتعالى - أو أقره رسوله الكريم - عليه أفضل الصلاة والسلام - على المسلمين مع أعيادنا في الإسلام. ولكن الذي يحدث أن هذا اليوم هو يوم لإيلام قطاع كبير جدًّا من الناس فاقدي الأم، أو محرومي الإنجاب؛ حيث تتضافر كل وسائل الإعلام بكل جهودها - وكذلك المتاجر والمحلات - في إيلام هذه الفئه أشد الألم؛ سواء بالأغاني التى تصدح ليل نهار، فتحز في نفس كل من فقد أمه، أو من حرمت من نعمة الإنجاب. ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن تتساوى لحظة ألم واحدة أو دمعة تترقرق في عين سيدة لا أبناء لها، أو في عين طفل صغير أو شخص كبير فقد أمه، أو ولد يتيم الأم مع لحظة سعادة، أم بتهنئه من أبنائها أو فرح بهديه، لا يمكن أن تتساوى المشاعر. إن القلب الكسير ليس علينا أن نكسره أو نُتعسه أكثر بالتضافر عليه، وتذكيره في كل لحظة بما حرم منه. وأتعجب كثيرًا لكل هذه المظاهرات التى تقيمها وسائل الإعلام المسموعة والمقروءة، وكذلك المتاجر بكل هذه الحفاوة المبالغ فيها في هذا اليوم لتذكر الأم وربما نفس الأشخاص الذين يبالغون في هذه المظاهرات هم أبعد الناس عن برها طوال العام...!! أولم يخطر على بال أحدهم كم تؤلم تلك الأغاني التى تبث طوال اليوم والأسابيع السابقة لهذا اليوم في وجع القلب؟ وإن لم يسمعها الشخص راضيًا، فرضت عليه فرضًا في كل مكان حتى محلات السوبر ماركت تتفنن في بيع ما لديها من بضائع وأغذية، بحجة أنها هدية عيد الأم، حتى إن أعجب ما رأيت نوع من الألبان وضع عليه شريط وكتب عليه هدية للأم! فكل من عنده بضاعة كاسدة غلفها وأحسن عرضها (لست الحبايب)! فما شعور إذًا من ليس له أم أو من ليس لها أبناء؟! أتنصرف عن الشراء؟ وقد يقول البعض ولكن المحرومين دائمًا يذكرون حالهم!! أقول: نعم، ولكنها المبالغة في الضغط على المشاعر في كل شيء في حياتنا؛ سواء التلفاز، أو المذياع أو الجرائد والمجلات. وإن قاطع الناس كل هذا، فإن الأمر يطاردهم في كل شيء حتى تهنئة الناس، فلماذا كل هذا؟ من صغري وأنا أكره كثيرًا هذا اليوم وفي مدرستي كنت أنفطر حزنًا على زميلاتي من أعرف أنهن بلا أمهات، وأعاني معهم باحتفالية المدرسة ومهرجاناتها المؤلمة لهن. وأتمنى أن يتوقف كل هذا الصخب وإراحتهم من عذاب من تصدح في مذياع المدرسة: ((ست الحبايب يا حبيبة)). فتنزل معها دموع الصغيرات حزنًا وألَمًا على فِقدان الأم، ولم أكن أسعد أبدًا بهدية حملتها اضطرارًا لوالدتي أدامها الله لي، وأبقاها بصحة وعافية. فقط كان ذلك لمجرد العادة، ولكنني في قرارة نفسي غير راضية ولاسعيدة، فتكريم الأم لا يشترى بهذه البضاعة الهزيلة مهما غلا ثمنها. ثم أين برها وتكريمها طوال العام؟! إن مظاهر الألم النفسي لهذا اليوم كثيرة جدًّا، ولكنني لن أنسى أبدًا ما حييت موقفًا حدث معي منذ عدة أيام والأسواق كلها ُتعلن بإسراف عن الاستعداد لهذا اليوم، فقد دخلت أحد المحلات مع والدتي لشراء سلعة ما، واستقبلتنا البائعة وعرضت ما طلبنا منها، وكانت هادئة وديعة. تلاطفنا معها، وتجاذبنا أطراف حديث مازح، ثم أصرت والدتي على دفع ثمن ما اشتريته أنا من بضاعة. فداعبت البائعة بقولي: أظن أنها المرة الأولى التى ترى أنه في وقت مناسبة يوم الأم هذه أن الأم هي التي تشتري الهدية لابنتها وليس العكس، فردت بصوت منكسر أن دعت لي بأن يبقيها الله لي بخير، وشعرت أنها طوال الوقت ترقبنا في صمت وكأنها في مكان آخر ذهنها شارد وفكرها بعيد. فأشفقت عليها، وشعرت أن هناك ما يضايقها، ولكن في نفسي قلت: ربما ضغوط العمل، ثم وضعت ما اشترينا في أكياس، ودفعت لها والدتي الثمن، وقد تركت لها بعض الزيادة على سبيل الهدية لها، وقالت لها: هذه هدية لك، فإذا بالفتاة تنفجر ببكاء مُرٍّ، وحين سألناها: ما الأمر؟ قالت: إن والدتها توفاها الله من قريب وهذا أول (عيد أم) يمر بدونها، وهي تشعر بالحزن الشديد لفِقدانها وتفتقدها بشدة في هذا الوقت ومع هذه الاحتفاليات الضخمة. فاذا بوالدتي تشعر بها وتحنو عليها، وتتألم لحالها، فقالت لها: اعتبريني أنا والدتك وهذه قبلة مني لك، ففوجئنا بالفتاة وهي ترتمي في أحضان والدتي وهي تجهش بالبكاء بصوت مرتفع جدًّا وتَحضنها وتعتصرها، تكاد تجتر منها اجترارًا حنان الأم وهي تبكي وأمي تبكي، وأنا أبكي ولم أتحمل الموقف، فخرجت أجري خارج المحل وفي نفسي أتمنى أن ألعن مخترع هذا العيد المؤلم الذي يضغط ويستفز مشاعر المحرومين. قد يقول البعض: ولكن الفتاة بهذا اليوم أو بدونه، ستشعر بالحزن لفقدان أمها، ولكن الواقع أن إلهاب المشاعر والضغط عليها بكل ما يصل للأذن هو أغاني الأم وكل ما تقع عينك عليه من بضائع هو للأم، أليس في هذا إثقال وتحميل فوق طاقه البشر؟ فهو شيء مؤلم أشد الإيلام، وربما لا يشعر به إلا من يكابده أو من أعطاه الله رقَّة القلب التي هي من خير الله لعباده أن يدخل الرفق على قلوبهم. في السطور السابقة كان الحديث عن فاقدي الأم. أما من حرموا من نعمة إنجاب الذرية، فحدِّث ولا حرَج عن مشاعر هذا اليوم الذي ينغص على كل سيدة لم ترزق بولد إلا من رحم ربي، فالله - سبحانه وتعالى - يعطي ويحرم، وهو - عز من قائل - في مثل هذا الموقف: ﴿ لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَن يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَن يَشَاءُ الذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَن يَشَاءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ ﴾ [الشوري: 49-50]. فالله تعالى يعطي ويمنع، يهب ويحرم، والبعض يتقبل قضاء الله - سبحانه - بقلب مطمئن ونفس راضية، ويعي الحكمة من هذا وله الحمد في كل شيء. (فكاتبة هذه السطور ممن حرمهم الله - سبحانه وتعالى - الذرية، ولكن كان تعويضة بالرضا عنه وبخير كثير أكثر مما يعادل هذه النعمه وله الحمد في كل أمره). والبعض الآخر لكثير من الأسباب ليس المجال لذكرها لا يتقبل هذا الأمر قبولاً حسنًا، فيظل يعاني ويتألم من الابتلاء تارة، ومن المعاناة الجسديه تارة أخرى، ومن نظرات من حوله تارة، وربما من الظروف الاجتماعية تارة أخرى، التي قد تُشتت أُسَرًا بسبب هذا الأمر، وأسباب أخرى عديدة، ثم يأتي هذا العيد ليكمل على البقية الباقية من أعصاب ومشاعر ووِجدان هؤلاء المحرومات من نعمة الإنجاب! أفلا نرحمهن من المعاناة ونُخفف عنهن بعضًا مما يعانين؟ أم يسعى الجميع سعي محموم لإتعاسهن وجعلهن يَبكين، وذلك بطعن هذه القلوب الحزينه؟ إننى أدعو الله كثيرًا أن يرحم مخترعي هذا اليوم الأليم. وأن يمنَّ على من يتظاهرون ويبالغون بالاحتفال به أن يتذكروا أنه على الجانب الآخر هناك فئات أخرى حزينة كسيرة القلب والخاطر، تحتاج الرحمة بهم والرفق بمشاعرهم وعدم إيذائهم نفسيًّا. أدعو الله وأتمنى أن ينتهي هذا العيد يومًا ما من حياتنا، وأن يستبدل به توعية دائمة للأبناء بأن بر الوالدة وإكرامها في حياتها يكون في كل لحظة وكل ثانية، وليس يومًا واحدًا في العام.
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |