(كن)... و(كن)! - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         معنى قوله تعالى: {ليبلوكم أيُّكم أحسنُ عملاً} (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 39 )           »          تخصيص رمضان بالعبادة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 33 )           »          ذكر الله دواء لضيق الصدر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 26 )           »          بيان فضل صيام الست من شوال وصحة الحديث بذلك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 32 )           »          صيام الست من شوال قبل صيام الواجب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 29 )           »          صلاة الوتر بالمسجد جماعة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 27 )           »          قراءة القرآن بغير حفظ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 35 )           »          الإلحاح في الدعاء وعدم اليأس (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 31 )           »          الفهم الخطأ للدعوة يحولها من دعوة علمية تربوية ربانية إلى دعوة انفعالية صدامية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 38 )           »          معالجة الآثار السلبية لمشاهد الحروب والقتل لدى الأطفال التربية النفسية للأولاد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 37 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث > ملتقى نصرة الرسول صلى الله عليه وسلم

ملتقى نصرة الرسول صلى الله عليه وسلم قسم يختص بالمقاطعة والرد على اى شبهة موجهة الى الاسلام والمسلمين

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 28-01-2022, 02:34 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي (كن)... و(كن)!

(كن)... و(كن)!
محمد السيد حسن محمد




يحفل تاريخنا الإسلامي العريق المجيد بأمثال، ليس يجد أحدنا ومن كمثل قلمه أن يخط عنهم عبرًا، أو يسجل عنهم فكرًا، وإنما هي محاولة، ولعل الله تعالى أن يفيض من فيضه، وأن يمنن من عطائه، وليقول العبد عنهم ذكرًا، وليحكي عنهم خبرًا.

ودوننا مثالين عدًّا، لا حصرًا، نقف منهما على ذلكم بذل، ونحط رحالنا على ذلكم فناء.

ولكن الجامع بينهما هو ذلكم وحدة الحدث، وهو يوم تبوك، ساعة العسرة، وعلى تسمية مولانا الله تعالى لها، ولما كانت عسرة جامعة، من الزاد والظهر والماء.

المثال الأول: «كن أبا خيثمة»:
وهذا علَمٌ ضافٍ آخر من أعلام نبوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ويوم تبوك أيضًا، وحين تخلف أبو خيثمة مالك بن قيس بن ثعلبة عن ذلك اليوم المشهود في تاريخ الأمة بأسرها، ولما كانت عسرة ماء وظهر وزاد، ونبينا صلى الله عليه وسلم بحاجة وإلى كمثل أبي خيثمة، أو من سواه! وحين راح إلى زوجتيه، وقد أعدت له كل منهما نمارقها، وفتنتها، وحسنها، وما به تروح نفوس الرجال إلى أهليهم!

ولكنه وحين رأى ذلك يعود إليه صوابه، ويستعيد رشده، ويستأهل قيمته الإنسانية الرشيدة، وحين يصعب على أولي البصائر والنهى أن يتركوا رسولهم هكذا في حر جسيم، وبلاء عظيم، وبأس أليم، وها هم يتمتعون بالنساء على الفُرش!

ومن ثم لينهض محاكيًا نفسه: رسول الله وهذا حاله! وأبو خيثمة عند سرير ونمارق وماء بارد؟!

وليأمرهما أن تعدَّا له راحلته وتهيئاها، وكما تهيأت إحداهما لعرس يوم جديد! وكيما يلحق هذا الرجل الفرد الفذ بهذا النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، ويشاركه حربه وقتاله وجهاده! ويكأنه كان أمة وحده، وبفعله هذا!

وها هو يقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكأن ظلاله لتحكي صورته، ولكن رياحه لتقص حكايته، وأنه ولا شك قادمُ صدقٍ، وبحديث الصدق أيضًا، وحين ألفيناه صدقًا مركبًا، ومن صديق المجيء مرة، ومن صدق السريرة مرة أخرى، وحين توسمه نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أبا خيثمة، وليكون حقًّا أبا خيثمة!

وهذا علم ضاف من أعلام نبوة هذا النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، وإذ لم يكن له به علم، وإنما هو الوحي الملازم، وإنما هو الغيب الذي يكشف منه له بعضًا من آياته، وليكون ذلك زادًا للمؤمنين؛ ليزدادوا إيمانًا مع إيمانهم، وليكون حجة دامغة، وآية بالغة، على كل متكبر عتو جوَّاظ كفار!

وها هو أبو خيثمة هذا، ويكأنك تراه يحكي له الرواية، وها هو يقصص عليه الحكاية، ويدعو له نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بخير.

وهذا جانب مضيء آخر من جوانب هذه السيرة النبوية المباركة، ولنقف لا على تاريخ مجيد لأولاء الصحب الأجاويد الكرام الباذلين وحسب، وإنما على صنف عز وجوده من قبل، وإنما على جيل ندَّ أن يجود الزمان بمثله بعد!

ولأنه جيل مؤثر، ولأنه جيل موقن، ولأنه جيل مبادر، ولأنه جيل كان يذود عن حياض دينه، وإن كلفه ذلكم ما كلفه، ماله، أو نفسه، أو كلاهما معًا.

ولست أغادر مكاني هذا، وقبل بيان رحمة نبينا صلى الله عليه وسلم، ورأفته، وبمثل أبي خيثمة، وبمن سواه، وحين لم يعنف له، أو يؤفف، أو يؤسف، ولأنه صلى الله عليه وسلم كان بأضدادها من رحمة، وإذ كان بعكوسها من رأفة، وحين قال الله تعالى: ﴿ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رحِيمٌ ﴾ [التوبة: 128].

وهذا هدي يقتدى، وسنن يحتذى.
ودلك على صحة مذهبنا هذا ما رواه الإمام ابن إسحاق رحمه الله تعالى، وحيث قال: ثم إن أبا خيثمة رجع بعد ما سار رسول الله صلى الله عليه وسلم أيامًا إلى أهله في يوم حار، فوجد امرأتين له في عريشين لهما في حائطه، قد رشت كل واحدة منهما عريشها، وبردت فيه ماءً، وهيَّأت له فيه طعامًا، فلما دخل قام على باب العريش، فنظر إلى امرأتيه وما صنعتا له، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الضح والريح والحر، وأبو خيثمة في ظل بارد وطعام مهيَّأ، وامرأة حسناء في ماله مقيم ما هذا بالنصف! والله لا أدخل عريش واحدة منكما، حتى ألحق برسول الله صلى الله عليه وسلم، فهيِّئا زادًا ففعَلتا، ثم قدم ناضحه فارتحله، ثم خرج في طلب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أدركه حين نزل تبوك، وكان أدرك أبا خيثمة عمير بن وهب الجمحي في الطريق يطلب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فترافقا حتى إذا دَنَوَا من تبوك، قال أبو خيثمة لعمير بن وهب: إن لي ذنبًا فلا عليك أن تخلف عني حتى آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففعل حتى إذا دنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الناس: هذا راكب على الطريق مقبل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كن أبا خيثمة»، فقالوا: يا رسول الله، هو والله أبو خيثمة، فلما بلغ، أقبل فسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له: «أولى لك يا أبا خيثمة»، ثم أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر، فقال: خيرًا ودعا له بخير[1].
* * *
المثال الثاني: كُنْ أبا ذَرٍّ!
يرحم الله أبا ذر يمشي وحده، ويموت وحده، ويبعث وحده
وهذا قول نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وهو خبر يحمل معنى الدعاء، وهذا من بلاغته صلى الله عليه وسلم، وإذ أوتي جوامع الكَلِمِ، وإذ منع موانع الكَلمِ.

وإذ كان قوله هذا إعجازًا، وعلم نبوة معًا، وهو إعجاز؛ لأنه يحمل معنى الخبر عما هو آت، وإذ أخبر صلى الله عليه وسلم أن أبا ذر رضي الله تعالى عنه، يمشي وحده، ويموت وحده، ويبعث وحده، وهذه ثلاثُ مركباتُ، وأعلامُ مبيناتٌ، ودلالاتٌ موضحاتٌ، وكاشفاتٌ مجليات، وهذا مما لا يعلم إلا بوحي، ولأنه من علوم الغيب، والتي هي من أخص خصائص الرب الكريم المتعال سبحانه، فدل على أن هذا الذي قاله نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وإنما لم يقله إلا بوحي أيضًا، ودل على مطلق الإعجاز، وحين مات هذا الرجل وحده، صحبة زوجه وغلامه! بل وحين أتاه يوم تبوك وحده أيضًا يمشي!

وبيد أنه ينتظر أن يبعث أمة واحدة وحده، ولأن مثل ذلكم صنف، وإنما يبعث وحين يبعث، فإنما يحمل تاجًا يمثل أمة محتسبة قائمة قانتة خاشعة خاضعة مجاهدة باذلة.

هذا، وإن هذا الإعجاز ليحمل في ثناياه، ومن بين عروقه حركة دائبة، وكحركة الدماء في تيكم عروقها، وأوردتها، وشرايينها، علمًا ضافيًا، من أعلام نبوته صلى الله عليه وسلم، وحين كانت كل مراحل هذا الخبر تتقاطر منها خلايا الإعجاز، وتتكاثر منها أعلام النبوة معًا.

وإذ كان أبو ذر هذا مثلًا من أمثلة أولاء الرهط الكرام، والذين كانت لهم من الدنيا عزلة، والذين كان لهم من الجهاد نصيب موفور!

وهذا ليس جمعًا بين النقائض وكيما نعجب! وإذ ليس يعني اعتزال المرء دنيا الناس أن يجبن عند اللقاء! أو أن يتأخر عن اللحاق بركب أولاء المجاهدين الغر الميامين الأمجاد، ولأن هذا الدين من طبيعته النفرة، ولأن هذا الإسلام الحنيف الخالد من إلفه هو ذاك هجر الخلود، والركون، والسكون، والخمول، وحين دعا داعي الجهاد أن هلمُّوا، وإلى حيث قال الله تعالى: ﴿ سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ﴾ [الحديد: 21].

ولكن مناسبة قول نبينا محمد صلى الله عليه وسلم هذا كانت ذا شأن بالغ، ولما كان يوم تبوك، يوم العسرة، والناس يتفلتون، بل والله تعالى يمحص الصف، وينقيه، ويغربله من كل منافق مرجف، وكعبدالله بن أبي بن سلول، ومن كل ضعيف، هزيل البنية الإيمانية، مخذل، ومن مثله أيضًا، ومن كل متعلق قلبه بدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها، ومن مثل هذا الجد بن قيس، ولما كان هذا أو ذاك ومثلهما محرومًا، ومن كل بذل في سبيل الله تعالى، ويوم خرج هذا النبي، وإذ قد عزم على مقاتلة الروم، ولو كان وحده، وبل لم يكن وحده، وإنما ربه معه، وتحرسه عنايته أينما حل وارتحل، ولم يكن ربه ليذره، وإلا ويجمع حوله أولاء الصحب الكرام الغر الميامين الأمجاد، وممن أسلموا وجوههم لله تعالى العلي الأعلى سبحانه، وحتى كان بذلهم برهان رشدهم، ولما أضحى فناؤهم دليلَ صدقهم، ولما كان جهادهم دليلَ يقينهم، وحبهم، وقبولهم، وانقيادهم، وإخلاصهم، وعلمهم، وعملهم! ولا علينا من طائفة جبنت، ولا علينا من فئة فرت، أو من أخرى أخرت لا تأخرت!، ولا علينا من ثالثة نافقت، ﴿ وَلِيُمَحِّصَ اللهُ الذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ ﴾ [آل عمران:141].

ولكن هذا النبي محمدًا صلى الله عليه وسلم، وحين جاء بالنور والهدى والقسطاس المستقيم، والذي هو الإسلام الحنيف الخالد، وحين أراد فتح بلاد الروم، وعَنوة، ولما لم يفتحوا أبوابهم وقلوبهم لهذا الدين الجديد، وإذ جاءهم ليَسْتَظلُّوا من نوره، وليهتدوا من هديه، ويكونوا عباد الله تعالى إخوانًا، وتحت مظلته، وكنفه، ورعايته، وهداه، وسناه.

ولأن يوم تبوك كان ابتلاءً واختبارًا وامتحانًا وتمحيصًا؛ ولأنه من ذلك شأن كل يوم لقاء، وحين رأينا كيف كان من شأن هذا عبدالله بن أبي بن سلول، ولما خاذل عن كل لقاء جهادي، قتالي، شرفي، عال، سامق، رفيع!

ولأن الناس هاجوا يوم تبوك وماجوا، وقد كان من شأن خبر أبي ذر هذا أن يرجع ويعود وإلى الجهاد، وإلى حيث محله، ولما قد أشيع أنه تخلف مع المتخلفين، وإذ لم يكن ومن مثل هذا إلا أن يسارع ويسابق، ولينفي عن نفسه خبث التهمة، وليلقي بشك الريبة، وأن يثبت، وأن يلحق بهذا النبي العربي الأمي الكريم صلى الله عليه وسلم، وحتى ولو لم تسعفه راحلته، وحين تأخرت، وعثرت، وليحمل متاعه فوق ظهره، ويلحق بركب العصبة المؤمنة، وليكون ذا قيمة وعدد، ومع هذه الثلة التي خرجت، وما أخرجها إلا قول الحق الذي به يقولون، ويفعلون، ويعدلون، بيعًا لنفس قد اشتراها خالقها، وبارئها ومبدعها، وموجدها، وفاطرها! وحين قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ [التوبة:111].

وهذا كله، وكما كان وعدًا عليه حقًّا في التوراة والإنجيل والقرآن، وكما أنف عهدًا لكل جيل سامق، وعلى مدار الزمان كله، لا صومعة وديرًا وحسب، ولا مسجدًا ومحرابًا وحسب، ولا كنيسًا وحسب، وإنما تعانق بين المحراب والسيف، وحين دعا داعي الجهاد، وعلى مر الزمان والمكان.

وهذا الذي صرف القرآن العظيم الهمم العالية السامقة الأبية إليه، وحين حذر ولما أوعد، وتوعد، ووضح، وأبان، وحين قال تعالى: ﴿ ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِم بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الْإِنجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ ﴾ ]الحديد:27].

ومثل هذا الذي حدث مع أبي خيثمة، وحين كان علمًا على نبوة هذا النبي العربي الأمي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، فكذا وهو نفس الذي جرى، وهو ذات الذي حدث لأبي ذر رضي الله تعالى عنهما، وحين رأى هذا النبي العربي الأمي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم رجلًا قادمًا، حاملًا متاعه فوق ظهره، ويكابد الرمضاء، ويجاهد العناء، ورياح الزمان، وهبوب المكان، وهذا الطقس الملبَّد بالغُبار، والحر الشديد، وهو إذ يحمل متاعه فوق ظهره، قادمًا إلى الله تعالى ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم، وإذ ما هذا الذي يعوق أو يعطل مسير رجل كهذا أبي ذر، وكمثل أخيه من قبل، وحين كان أبا خيثمة، فرضي الله تعالى عنهما، ورغم كل هذا، وليقول هذا النبي صلى الله عليه وسلم: كن أبا ذر، وكما قال يومًا مثله قريبًا عهده، ولما لم يجف حبره، كن أبا خيثمة!

وهذا، وكما أنف علم نبوة ضاف، ولما كان هذا النبي محمد صلى الله عليه وسلم كل مرة يمنحنا من فيض أعلام نبوته، ما يزيد الناس إيمانًا مع إيمانهم، وحين كان هو ذا أبا ذر حقًّا!

وليقول نبينا محمد صلى الله عليه وسلم قوله هذا: يرحم الله أبا ذر يمشي وحده، ويموت وحده، ويبعث وحده! وليكون كما قال صلى الله عليه وسلم!

ودلك على صحة مذهبنا هذا ما جاء عن عبدالله بن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: لَمَّا سار رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إلى تَبوكَ، جعَلَ لا يَزالُ يَتخلَّفُ الرَّجُلُ، فيَقولونَ: يا رسولَ اللهِ، تَخلَّفَ فُلانٌ، فيَقولُ: دَعُوه، إنْ يَكُنْ فيه خَيرٌ فسيَلحَقُكم، وإنْ يَكُنْ غيرَ ذلك فقد أراحَكم اللهُ منه، حتى قيلَ: يا رسولَ اللهِ، تَخلَّفَ أبو ذَرٍّ، وأبطَأَ به بَعيرُه، قال: وتَلوَّمَ بَعيرُ أبي ذَرٍّ، فلمَّا أبطَأَ عليه أخَذَ مَتاعَه، فجعَلَه على ظَهرِه، وخرَجَ يَتبَعُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ونظَرَ ناظِرٌ، فقال: إنَّ هذا لرَجُلٌ يَمشي على الطَّريقِ! فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: كُنْ أبا ذَرٍّ، فلمَّا تَأمَّلَه القَومُ، قالوا: هو واللهِ أبو ذَرٍّ! فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: رحِمَ اللهُ أبا ذَرٍّ، يَمشي وَحدَه، ويَموتُ وَحدَه، ويُبعَثُ وَحدَه، فضرَبَ الدَّهرُ مَن ضرَبَه، وسُيِّرَ أبو ذَرٍّ إلى الرَّبَذةِ، فلمَّا حضَرَتْه الوَفاةُ أوْصى امرأتَه وغُلامَه، فقال: إذا مِتُّ فاغسِلاني، وكَفِّناني، وضَعاني على الطَّريقِ، فأوَّلُ رَكبٍ يَمُرُّونَ بكم، فقولا: هذا أبو ذَرٍّ، فلمَّا مات فعَلا به ذلك، فاطَّلَعَ رَكبٌ، فما علِموا به حتى كادتْ رَكائبُهم تَوطَّأُ السَّريرَ، فإذا عَبدُاللهِ بنُ مَسعودٍ في رَهطٍ مِن أهلِ الكُوفةِ، فقال: ما هذا؟ قيلَ: جِنازةُ أبي ذَرٍّ، فاستهَلَّ ابنُ مَسعودٍ يَبكي، وقال: صدَقَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: يَرحَمُ اللهُ أبا ذَرٍّ! يَمشي وَحدَه، ويَموتُ وَحدَه، ويُبعَثُ وَحدَه، فنزَلَ، فوَليَه بنَفْسِه، حتى أجَنَّه[2].

ولست أغادر مكاني هذا أيضًا، وقبل بيان رحمة نبينا صلى الله عليه وسلم، ورأفته، وبمثل أبي ذر وبما سواه، وحين لم يعنف له، أو يؤفف، أو يؤسف، ولأنه صلى الله عليه وسلم كان بأضدادها من رحمة، وإذ كان بعكوسها من رأفة، وحين قال الله تعالى: ﴿ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [التوبة،128].

وهذا هدي يقتدى، وسنن يحتذى.
فرحم الله أباذر، ورضي الله تعالى عنه.
ورحم الله أبا خيثمة، ورضي الله تعالى عنه.
وجمعنا بهم في مقعد صدق عند مليك مقتدر.
وصلى الله على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم تسليمًا كثيرًا.

[1] [البداية والنهاية، ابن كثير: ج 5 / 12].

[2] [تخريج سير أعلام النبلاء، شعيب الأرناؤوط:2 /56]، حكم المحدث: إسناده ضعيف.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 62.47 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 60.58 كيلو بايت... تم توفير 1.90 كيلو بايت...بمعدل (3.04%)]