|
|
الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
عقيدتان لقومين
عقيدتان لقومين إبراهيم شعبان يوسف الأولى: عقيدة قومٍ يُشركون بالله ربِّ العالمين وقتَ الرَّخاء، ويجأرون إليه وحده في الشدائد، وهذا سلوك مشركي العرب قبل الإسلام. والثانية: عقيدة قوم يُشركون بالله ربِّ العالمين في الرَّخاء، ويشتدُّ شِركهم عند الشدائد؛ وهذا سلوك بعض مسلِمي اليوم! وبيان ذلك: أنَّ الله يقصُّ علينا عن مشركي الجاهلية الذين أُرسل فيهم محمد صلى الله عليه وسلم، فيقول: ﴿ وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ ﴾ [لقمان: 32]، وفي موقفٍ آخر يوضح القرآن الكريم منهجَهم فيقول: ﴿ هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ * فَلَمَّا أَنْجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ ﴾ [يونس: 22، 23]. هذا حالهم وقت الأنواء والعواصف؛ دعاءٌ لله بإخلاصٍ وخَوف، ورغبة أكيدة في النَّجاة من الأزمة الطَّاحنة، والمشكلةِ التي اصطلحَت أنواؤها على سفينتهم، فأوشكَت على التردِّي في المهاوي المهلكة، ويستجيب اللهُ لدعائهم وينجِّيهم - وهو يَعلم تمامًا مدى نكوصهم عن بالِغ رجائهم - قَطعًا لحجَّتهم، ودفعًا لاحتجاجهم. سبحان الله! وقت الشدَّة يَدْعون اللهَ الواحد الأحد، الحيَّ القيوم، ذا الطَّولِ والمدد والغوث؛ لعلمهم تمامًا بأنَّه القادر على إنجائهم من الهلاك والدَّمار، والغرق والبلوى، مخلصين له الدِّين، ويدركون تمامًا بأنَّ معبوداتهم لا تُغني عنهم فتيلًا، ولا تَصلح للنداء، أو الرَّجاء، أو حتى مجرَّد تذكُّر؛ لحفظ ماء وجوههم عند العودة إليها وقت الرَّخاء، فيقولون في أزمتهم: ﴿ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ ﴾. ومن أسفٍ؛ بعد الصَّحو، ومحو الكربات يعودون لشِركهم وعنادهم، ودعائهم للأصنام والهياكل المضروبة عليها، مع أنَّ الله يذكِّرهم بأنَّه القادر على أن يَخسف بهم جانبَ البرِّ، أو يُرسِل عليهم الحواصبَ، ويأتيهم العذاب من حيث لم يَحتسبوا. وإنِّي لأعجب لهؤلاء؛ هل أَمِنوا عودتَهم إلى البحر مرَّة أخرى، فيرسل الله عليهم الرِّيحَ قاصفًا فيغرقهم جزاء كفرهم؟! ومَن يَقرأ من سورة الإسراء يجد أنَّ الله قال: ﴿ وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الْإِنْسَانُ كَفُورًا * أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلًا * أَمْ أَمِنْتُمْ أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ تَارَةً أُخْرَى فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفًا مِنَ الرِّيحِ فَيُغْرِقَكُمْ بِمَا كَفَرْتُمْ ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعًا ﴾ [الإسراء: 67 - 69]، أقول: هل أَمِنوا ذلك، أم أنَّ الرَّخاء يُنسي الإنسان شدَّته؟! ويُحكى أن رجلًا كان بمكة - ويسمَّى المنذر - تطاوَل على الرسول ذات يوم، ولكن الرسول بحِكمته سألَه: ((كم إلهًا تَعبد؟))، فقال: أعبُد سبعة؛ منهم ستَّة في الأرض وواحدٌ في السَّماء، فسأله الرسول: ((ومن جعلتَه لرَغبتك ورَهبتك؟))، فقال: أعددتُ لذلك الذي في السَّماء؛ حيث إنَّ ما في الأرض لا يُغنون عنِّي شيئًا، فقال له النبيُّ صلى الله عليه وسلم: ((دَع مَن في الأرض، واعبد مَن في السماء، وسأعلِّمك كلمتين))، فلم يسَع المنذرَ إلَّا أن أسلم، فعلَّمه الرسولُ أن يقول: ((اللهمَّ ألهمني رشدي، وقِني شرَّ نفسي))، وهذا أيضًا من دلائل الحقِّ، وجلال الصِّدق لقصص القرآن الكريم. ولعلَّ ذلك حجَّة على مَن يدَّعي التنزيه جهلًا بالله العليِّ الأعلى، فيتبرَّم ممَّن يقول بأنَّ الله سبحانه في السماء، وهي دعوى ساقطة؛ إذ إنَّ الله جلَّت قدرته موصوفٌ بالكمال المطلَق، ومِن كماله أن يكون متَّصفًا بالعلوِّ من جميع الوجوه؛ علوِّ الذَّاتِ والقَدر والقَهر، وليس كما تقول الجهميَّة المعاصرة. ثمَّ نعود لما كنَّا فيه؛ ولقد خرَج خليلُ الله على قومه، فوجدهم يَعبدون تماثيلَ عكفوا عليها، فسألهم: ﴿ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ * أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ ﴾ [الشعراء: 72، 73]، فلم يَسَعْهم إلَّا أن يَحفظوا عقولَهم من السَّفه، وقولَهم من الدَّجل، وألصقوا التبعيَّة للآباء قالوا: ﴿ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ ﴾ [الشعراء: 74]، ولم يستطيعوا أن يُجيبوا بنَعم؛ يَسمعون أو يَنفعون ويضرُّون، وهي حجَّة الشِّرك في كلِّ زمان؛ حيث يتعلَّق الآخرون بالجهَلَة من الأولين؛ ﴿ وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ ﴾ [الزخرف: 23]، وخلاصة هذه العقيدة: شِرك في الرَّخاء، وتوحيد وقت الشَّدائد. أمَّا بعض المسلمين - عافانا الله وإيَّاهم، وهدانا وهداهم - يَدعون غيرَ الله في يُسرهم، ويتعلَّقون بأمواتهم عند النَّوازل والشدائد؛ بل ويَبكون حولَ الأضرحة؛ أذلَّة خاضعين، شاكِين، سائلين عودةَ الغائب ونجاحَ المقاصد، وكسْبَ القضايا، ورِبح المتاجِر، والتصرُّف في المظالم، إلى قولهم: "العارف لا يُعرَّف، وجئتُك فتَصرَّف، والشكوى لأهل البصيرة عيبٌ، وأنت يا قطب الأقطابِ تَعرف كلَّ شيء، ولستَ في حاجةٍ إلى تفسير، أو الكلام الكثير"! وبعد انحناء الحديد من دَلْك الظهور وتقبيل الشِّفاه، ومَلء الجيوب ممَّا يَختلسونه من بركاتٍ في زعمهم، ويَمسحون به وجوههم، يدرُّون النذور، ويخرجون من الضَّريح بظهورهم؛ خوفًا من غَضبة صاحب القَبر، وحتى لا يردهم خائبين، مع أنَّهم لو فعلوا عُشر مِعشار ما يفعلونه - من ذُلٍّ وعبوديَّة أمام الموتى - لربِّهم المالِك لكلِّ رجائهم لأَعطاهم فوقَ ما يَطلبون؛ فهو سبحانه الذي كَتب الرحمةَ على نفسه: ﴿ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا ﴾ [النساء: 40]. ولا تَعجب؛ فهناك مَن تعلَّق القومُ بهم، وصدَّق قولهم وحسبوه شيئًا؛ فمثل الدباغ الذي دوَّن في الصحيفة التاسعة من الجزء الثاني لكتاب الإبريز طبعة الحلبي: "إنَّه لا يَحدث شيء في العوالم كلِّها؛ علويها وسفليها، وحتى ما فوق الحُجب السبعين إلَّا بإذن أهل التصرُّف رضي الله عنهم"؛ هكذا قيل، ولا أدري كيف تمَّ ذلك؛ كتابةً وطباعة ورواجًا؟! ألَم ينظروا في كتاب الله سبحانه وهو يُعلِّم رسوله صلى الله عليه وسلم، ويقول له: قل - قل - قل؟ نعم، ثلاث مرَّات متتابعة في سورة الجن: ﴿ قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِهِ أَحَدًا ﴾ [الجن: 20]. ﴿ قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا ﴾ [الجن: 21]. ﴿ قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا ﴾ [الجن: 22]. ألَم يَسمعوا مرَّة واحدة أنَّ الرسول صلى الله عليه وسلم قال لأهله وخاصَّته: ((اشتروا أنفسكم من النَّار، لا أُغني عنكم من الله شيئًا يوم القيامة، يا عبَّاس عم رسول الله، لا أغني عنك شيئًا من الله يوم القيامة، يا صفيَّةُ عمَّة رسول الله، لا أغني عنكِ من الله شيئًا يوم القيامة، يا فاطمة بنت محمد، سَليني من مالي ما شئتِ واعملي؛ فإنِّي لا أغني عنكِ من الله شيئًا يوم القيامة، لا يأتيني الناس بأعمالهم وتَأتوني بأنسابِكم، من بطَّأَ به عملُه لم يسرِع به نسبُه))؟! أخي القارئ، ومع هذه الأدلَّة الدَّامغة للباطل يأبى أصحابُ العقول الجرُزِ، والفِطَر المنتكسة إلَّا أن يَختلقوا القصصَ الخارِقة لموتاهم، والصَّالحين ممَّن أفضَوا إلى ربِّهم، زاعمين أنَّهم يَخرجون لقضاء المصالح وردِّ الغائب وفكِّ العاني، وللبحث عن الخَبْءِ في الأوكار، بل وتحت الماء. ولا أدري لماذا لم ينقذوا أسرى المسلمين من أيدي الأعداء، وها هي المعارِك قائمة بين المسلمين وغيرهم؟! فلماذا طال صَبرهم في هذه القضيَّة إن كانوا في زَعم عابديهم فاعلين؛ ولا داعي للمنظَّمات العالميَّة وجمعيات حقوق الإنسان؟! بل ولماذا غفلَت الدولُ عن مثل هذا، ولجأَت إلى إنشاء الأجهزةِ المختلِفَة للبحث عن الجُناة والهاربين من العدالة؟! ولكنَّه الجهل الذي خيم على العقول، فأصبحَت أسرى الوهم والدَّجَل، ترسف في قيود الخرافات! وإلى لقاء آخر، والله المستعان.
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |